الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

الواقعي وان شئت قلت انه لا يمكن خلو الواقعة عن الحكم المشترك بين الجاهل والعالم والّا يلزم التصويب المجمع على بطلانه والدور المحال بحكم العقل.

ومما ذكر يظهر الاشكال في جريان استصحاب عدم الحرمة والوجوب في موارد الشك في أصل الحكم التكليفي فلو شك في حرمة شرب التتن لا مجال للتوسل باستصحاب عدم الحرمة إذ يعارضه استصحاب عدم الحلية وهذا أمر مهم ونكتة ينبغي التحفظ عليها وبهذا الاعتبار نقول لا مجال للقول بانّ البراءة الجارية في الشبهات الحكمية لا زالت محكومة بالاستصحاب إذ الحق على ما تقدم دائما يكون الاستصحاب الجاري في الحكم الاقتضائي معارضا باستصحاب عدم جعل الحكم الترخيصي ولعلّ ما افدته لم يسبقني اليه سابق وله الشكر على ما أنعم والحمد لله على ما ألهم.

إذا عرفت ما تقدم نقول لا بد من ملاحظة الادلة فلو قام دليل على نجاسة الكتابي نأخذ به والّا نحكم بطهارته بمقتضى اصالة الطهارة.

وما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب نجاسته وجوه :

الوجه الأول : الاجماع المدعى في المقام ويرد عليه الايراد العام الجاري في الاجماعات المنقولة والمحصلة والحاصل أنه لو ثبت اجماع كاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فهو والّا فلا أثر له.

الوجه الثاني : قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا

١٢١

يُشْرِكُونَ)(١) بتقريب انّ المستفاد من الآية الشريفة انّ اليهود والنصارى مشركون هذا من حيث الصغرى واما من حيث الكبرى فقد تقدم ان المشرك نجس هذا بالنسبة الى اليهود والنصارى وأما المجوس فعلى فرض كونهم أهل الكتاب كما يظهر من بعض الروايات (٢) فهم مشركون بلا اشكال إذ هم قائلون بتعدد الاله ويقولون بان يزدان خالق النور والخير واهريمن خالق الظلمة والشر وفي المقام اشكالات في الاستدلال بالآية الشريفة بالتقريب المذكور.

الاشكال الأول : أن النجس بالمعنى الشرعي أمر حادث ولم يكن المراد منه في الصدر الاول المعنى الشرعي وقد تقدم الكلام حول هذه الجهة وذكرنا ان الأمر ليس كذلك مضافا الى أنّ مقتضى الاستصحاب القهقري أنّه كان في الصدر الأول بهذا المعنى الشرعي عندنا.

الاشكال الثاني : أنه قوبل بين الكفر والشرك في الآية الشريفة والتقسيم قاطع للشركة فلا جامع ويرد عليه انّ المستفاد من الآية الشريفة أنّ المشرك نوع من أنواع الكافر وأيضا يستفاد منها أنّ الكتابي مشرك في نظر الشارع وبعبارة اخرى ان الكتابي مشرك بالحكومة والتنزيل فاذا اعتبر الشارع النصراني مشركا في وعاء الشرع يترتب عليه حكم المشرك.

الاشكال الثالث : انّ الشرك له مراتب ولا يكون كل شرك مساو مع غيره بل مراتب الشرك كثيرة ولا يخلو منه الا الاوحدي من الناس كمولى الموحدين أرواحنا فداه وعليه لا يمكن اثبات أنّ الكتابي مشرك بحد شرك المشركين.

ويرد عليه أنّه لو استفيد من الدليل ان الكتابي مشرك يترتب عليه حكمه بلا اشكال كما أنه يترتب حكم الخمر على الفقاع بعد قوله عليه‌السلام الفقاع خمر وبعبارة

__________________

(١) التوبة : ٣٠ و ٣١.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ ـ ٣ ـ ٥ ـ ٧ ـ ٨ ـ ٩.

١٢٢

اخرى مقتضى اطلاق التنزيل ان المنزل في رتبة المنزل عليه.

الاشكال الرابع : وهو العمدة أنه لا دليل لدينا حكم فيه بان الكتابي مشرك بل غاية ما يستفاد من الآية الشريفة أنه اسند اليهم الشرك ويمكن أن يكون الاسناد مجازا.

وبعبارة واضحة ليس الشارع الأقدس في مقام التشريع وجعل الحكم بل مجرد الاسناد ولعلّ الاسناد اسناد مجازي ولا مجال لإجراء اصالة الحقيقة إذ اصالة الحقيقة أصل عقلائي لا اصل تعبدي أي لو شك في أنّ المتكلّم استعمل اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازي يجري الاصل وأما لو علمنا بالمراد وشك في أنّ الاستعمال حقيقي أو مجازي لا طريق الى الاحراز فهذا الوجه كالوجوه السابقة في عدم وفائه بإثبات المطلوب.

إن قلت يستفاد من الجملات المتقدمة على هذه الجملة انّ اليهود والنصارى من المشركين إذ قد صرح في الآية أنهم (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) وهذا نص في كونهم مشركين فلا يتوقف الاستدلال بالتوسل الى ذيل الآية كي يرد فيه الاشكال المتقدم.

قلت : يستفاد من روايات كثيرة أنهم لم يتخذوهم أربابا بل اطاعوهم في كل ما أمروهم به والمفسرون ذهبوا الى هذا المذهب ويستفاد هذا المعنى من الآية الشريفة قال الله تبارك وتعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) فيعلم أنّ المراد من الجملة السابقة انّ اطاعتهم سميت باتخاذهم أربابا والمناسبة تقتضي هذا المعنى ولذا يقال في العرف كأن فلانا ربّه فانه يطيعه في ما أمره به وينهاه عنه ومن الروايات التي تدل على المدعى ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقال أما والله ما دعوهم الى عبادة انفسهم ولو دعوهم الى عبادة أنفسهم لما اجابوهم ولكن

١٢٣

احلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون (١).

وما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فقال : والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن احلوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فاتبعوهم (٢) فان المدعى يستفاد من الحديثين بالصراحة.

الوجه الثالث : جملة من النصوص فلا بد ملاحظتها واستخراج النتيجة منها فنقول من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس فقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (٣) بتقريب انّ النهي عن الأكل في آنيتهم يدل على نجاستهم.

ويردّ عليه انّ النهي ظاهر في التحريم ولا وجه لحمل النهي في الحديث لأجل النجاسة ومقتضى الاطلاق حرمة الأكل في آنيتهم ولو بعد غسلها وعلى الجملة الجزم بالتقريب المذكور مشكل فان قام الدليل على الجواز بعد الغسل فهو والّا نلتزم بالحرمة.

ومما يؤيد ما ذكرنا أنه على القول بعدم تنجس المتنجس كما هو الحق لا وجه لحرمة الأكل في آنيتهم من باب النجاسة ويضاف الى ذلك كله ان مقتضى الاطلاق حرمة الأكل حتى في صورة كون المأكول جافا وكذلك الآنية فيكون وجه التحريم آمرا آخر فلاحظ.

ومنها ما رواه عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب ، النجاسات الحديث ١.

١٢٤

مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه الى طعامهم فقال امّا أنا فلا أؤاكل المجوسي وأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (١) والتقريب هو التقريب والاشكال هو الاشكال مضافا الى أنّ المستفاد عدم التحريم.

ويضاف الى ما ذكر النقاش في توثيق الكاهلي إذ قيل في حقه كان وجها عند أبي الحسن عليه‌السلام ووصّى به علي بن يقطين فقال اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة فانه لم يوثق صريحا ومجرد هذه العناية من الامام عليه‌السلام بالنسبة اليه لا تكون دليلا على كونه ثقة إذ يمكن أنّ الشخص غير ثقة في أقواله وفي عين الحال لا يكون فاسقا إذ يمكن أن يكون قاصرا بالاضافة الى أنّ الامام إذا لم يعمل على طبق علمه بالمغيّبات ويرى شخصا مخلصا في أفعاله وفي ولائه وترويجه للدين يكون راضيا عنه ويدعو له ويمكن أن يوصي الثالث به وعلى الجملة يشكل الجزم بوثاقة شخص ما لم يوثق صريحا ويضاف الى ما ذكر انّ الحديث وارد في المجوسي والمجوسي مشرك وقد تقدّم انّ المشرك نجس ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل صافح رجلا مجوسيا قال يغسل يده ولا يتوضّأ (٢) بتقريب انّ الأمر بالغسل ارشاد الى النجاسة وفيه انّ الحديث وارد في المجوسي والكلام في غيره مضافا الى أنّ مقتضى اطلاق الحديث عدم الفرق بين كون المصافحة مع الرطوبة المسرية أو بدونها وكيف يلتزم بالرواية مع اليبوسة والحال انّه دل الدليل على انّ كل يابس ذكي لاحظ ما رواه عبد الله بن بكير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال :

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ٣.

١٢٥

كلّ شيء يابس ذكي (١) ومنها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه في فراش واحد واصافحه قال : لا (٢) والحديث وارد في المجوسي والكلام في غيره ومنها ما رواه هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أنّي اخالط المجوس فآكل من طعامهم قال : لا (٣) والحديث وارد في المجوسي مضافا الى أنّه لا دلالة في الحديث على النجاسة ومنها ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما‌السلام في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال : من وراء الثوب فان صافحك بيده فغسل يدك (٤) والظاهر أنّه يستفاد من الحديث نجاسة اليهودي والنصراني وحيث انه علم من الخارج انّ كل يابس ذكي ترفع اليد عن اطلاق الحديث ويقيد بصورة وجود الرطوبة المسرية ومنها ما رواه علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام قال : اذا علم أنه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام الا أنّ يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة قال لا الا أن يضطر إليه (٥) بتقريب انّ المستفاد من الخبر أنّ الكتابي نجس فيوجب نجاسة ما في الحوض فلا يجوز الغسل.

ويمكن أن يقال انّ الحديث يدل على طهارة الكتابي فان المستفاد من ذيل الحديث جواز الوضوء بالماء الذي أدخل الكتابي يده فيه غاية الأمر في صورة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ٦.

(٣) نفس المصدر الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ٥.

(٥) نفس المصدر الحديث ٩.

١٢٦

الاضطرار والحال أنه لو لم يجز لا تصل النوبة الى الاضطرار إذ تصل النوبة الى التيمم.

ومنها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه قال لا بأس ولا يصلي في ثيابهما وقال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال : وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصح الصلاة فيه قال : ان اشتراه من مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله (١) والحديث غير دال على نجاسة الكتابي إذ المنع عن الصلاة في ثيابهم يمكن أن يكون بلحاظ النجاسة العرضية مضافا الى أنه تدل جملة من الروايات على الجواز منها ما رواه معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له ازرارا ورداء من السابري ثمّ بعثت بها اليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها الى الجمعة (٢) ومنها ما رواه المعلى بن خنيس قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود (٣) ومنها ما رواه أبو علي البزاز عن أبيه قال : سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلّي فيه قبل أن يغسل قال : لا بأس وأن يغسل احبّ

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٧٣ من أبواب النجاسات الحديث ١.

(٣) نفس المصدر الحديث ٢.

١٢٧

إليّ (١) ويستفاد عدم نجاستهم من جملة من النصوص منها ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليه‌السلام الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة قال : لا بأس تغسل يديها (٢) فان هذا الحديث احدث من النصوص الدالة على النجاسة وحيث انّ المرجح الوحيد الاحدثية يكون الترجيح مع ما يدل على الطهارة ويؤيد المدعى جملة اخرى من النصوص منها ما رواه عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ فقال اذا كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس (٣) وان أبيت عن الترجيح تصل النوبة الى التعارض والتساقط والمرجع بعد التساقط قاعدة الطهارة.

بقي شيء وهو أنّ المستفاد من حديث ابن مسلم (٤) نجاسة المجوسي ويستفاد من حديث عيص المتقدم آنفا طهارته وحيث انّ حديث عيص أحدث فان ذلك الحديث مروي عن الباقر عليه‌السلام وهذا الحديث مروي عن الصادق عليه‌السلام فيقدم بالأحدثية فان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن هذا كله بالنسبة الى الأمم السابقة.

وأمّا غير الامامية الاثنى عشرية من بقية أصناف هذه الامة فان قلنا بانّ الولاية مقومة للإسلام يحكم على من لا يكون اثنى عشريا بالكفر ولكن لا شبهة في عدم وجوب الاجتناب عنهم بل يجوز مساورتهم وأكل ذبائحهم والتزويج معهم على ما هو المقرر في بابه والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والصلاة على محمّد وآله الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين آمين يا رب العالمين.

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ١١.

(٣) الوسائل الباب ٥٤ من أبواب النجاسات الحديث ١.

(٤) لاحظ ص ١٢٥.

١٢٨

وحيث انه انجر الكلام الى بحث انحصار المرجح في باب التعارض في الاحدثية رأينا ان المناسب ان نذيل البحث بهذه الجهة ونبيّن ما هو الحق في ذلك البحث وان باحثنا وكتبنا لكن لأهمية المطلب وكونه مورد الابتلاء في الأبحاث الفقهية ينبغي التعرض لها وبيان ما هو الحق عندنا بحسب ما يختلج ببالنا.

فنقول مقتضى القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين الذين لا يكونان قابلين للجمع هو التساقط والرجوع الى الدليل الاجتهادي الفوق ان كان والّا فالى الأصل العملي وفي المقام طوائف من النصوص تدل على كيفية علاج المتعارضين في الروايات ولا بد من ملاحظة تلك الطوائف واستنتاج النتيجة منها.

الطائفة الأولى : ما يستفاد منها وجوب التوقف منها حديث عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث الى أن قال : فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال : ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت : جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال : ينظر الى ما هم اليه اميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت : وإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال : إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى امامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١).

__________________

(١) الوسائل : الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث ١.

١٢٩

فان المستفاد من هذه الرواية انه اذا لم يكن مرجح لأحد الطرفين تصل النوبة الى التوقف الى ان يصل المكلف الى الامام عليه‌السلام ويسئله عن الحكم.

وهذه الرواية مخدوشة سندا فان ابن حنظلة لم يوثق قال الحر قدس‌سره في ترجمة الرجل لم ينص الاصحاب عليه بتوثيق ولا جرح ولكن حققنا توثيقه من محل آخر.

قاله الشهيد الثاني في شرح الدراية وقد تقدم في أحاديث التوقيت قول الصادق عليه‌السلام اذا لا يكذب علينا وليكن هذا بذكرك ينفعك فيما يأتي وعلى الجملة لا اعتبار بالحديث سندا مضافا الى ان المستفاد منه حكم زمان الحضور أي الزمان الذي يمكن الوصول الى حضور الامام عليه‌السلام والكلام في حكم زماننا الذي لا يمكن الوصول الى الامام عليه‌السلام ومنها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه (١) والمستفاد من هذه الرواية اختصاص الحكم بزمان يمكن الوصول الى الواقع لا مثل زماننا الذي لا يمكن.

ومنها ما رواه سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الأخذ به والآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسئله عنه قال قلت لا بد من ان نعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة (٢) والمرسل لا اعتبار به مضافا الى أن الحكم خاص بزمان الحضور الذي يمكن الوصول الى الامام عليه‌السلام ومنها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي بن محمد عليه‌السلام ان محمد بن علي بن عيسى كتب اليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

(٢) جامع الأحاديث ج ١ ص ٢٦٦ الحديث ٣٢.

١٣٠

يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك واجدادك عليهم‌السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه أو الرد إليك فيما اختلف فيه فكتب عليه‌السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا (١).

والمستفاد من هذه الرواية ارجاع الأمور اليهم وعدم الأخذ باحد الطرفين عند المعارضة وهذا الاطلاق قابل لان يقيد بما يدل على الأخذ بالطرف الذي يكون فيه الترجيح.

الطائفة الثانية : ما يدل على التخيير منها ما روى عن الحسن بن الجهم عن الرضاعليه‌السلام انه قال قلت للرضا عليه‌السلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنه (عنا) فقسه على كتاب الله عزوجل واحاديثنا فان كان يشبهها فهو منّا وإن لم يشبهها فليس منّا قلت يجيئنا الرّجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايّهما الحق فقال اذا لم تعلم فموسّع عليك بايّهما أخذت (٢) والمرسل لا اعتبار به ومنها ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم فترده عليه (٣) والمرسل لا اعتبار به مضافا الى أن المستفاد من الحديث حجية قول الثقة ولا يرتبط بما نحن بصدده ومنها مرفوعة العلامة الى زرارة بن أعين قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ قال عليه‌السلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدي أنهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم فقال عليه‌السلام خذ بقول أعدلهما عندك واوثقهما في نفسك انّهما معا عدلان

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٦.

(٢) جامع الأحاديث ج ١ ص ٢٦٠ الحديث ٢٠.

(٣) نفس المصدر الحديث ٢١.

١٣١

مرضيان موثقان فقال عليه‌السلام انظر ما وافق منهما مذهب العامة اتركه وخذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليه‌السلام اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط فقلت انّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع فقال عليه‌السلام اذا فتخيّر احدهما فتأخذ به وتدع الآخر (١) والمرفوعة لا اعتبار بها ومنها ما أرسله الكليني في ديباجة كتاب الكافي فأعلم يا أخي ارشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم‌السلام برأيه الّا على ما اطلعه العالم عليه‌السلام بقوله اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله جلّ وعزّ اقبلوه (فخذوه) وما خالف كتاب الله عزوجل فردوه وقوله عليه‌السلام دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم وقوله عليه‌السلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف من جميع ذلك الّا اقلّه ولا نجد شيئا أحوط ولا اوسع من ردّ علم ذلك كله الى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم (٢) والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه ابن مهزيار : جواز اتيان النافلة على البعير من أبواب القبلة قوله فروى بعضهم ان صلهما في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الّا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لاقتدى بك في ذلك فوقّع عليه‌السلام موسّع عليك بأيّة عملت (٣) ولا يستفاد المدعى من هذه الرواية بل المستفاد منها التخيير بالنسبة الى النافلة ومنها مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري الى صاحب الزمان عليه‌السلام الى أن قال عليه‌السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما

__________________

(١) جامع الأحاديث ج ١ ص ٢٥٥ الحديث ٢.

(٢) جامع الأحاديث ج ١ ص ٢٥٥ الحديث ٣.

(٣) نفس المصدر ص ٢٦٩ ذيل الحديث ٤٢.

١٣٢

فاذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير وامّا الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى وبايّهما اخذت من باب التسليم كان صوابا (١) ويرد عليه أولا أنه حكم وارد في مورد خاص وثانيا ان غاية ما في الباب هو الاطلاق ومقتضى القاعدة تقييد المطلق بالمقيد فاذا قام دليل على الترجيح يقيد الاطلاق به ومنها ما في الفقه الرضوي : ففي فقه الرضا عليه‌السلام والنفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايّام حيضها الى ان قال : وقد روى ثمانية عشر يوما وروى ثلاثة وعشرون يوما وبأيّ هذه الأحاديث أخذ من جهة التسليم جاز (٢) والحديث غير معتد به فالنتيجة انه لا دليل على التخيير ولو سلم تمامية الدليل عليه فهل يكون ابتدائيا أو استمراريا وقد ذكر للاستمرار وجهان الوجه الأول استصحاب التخيير.

ويرد عليه أن الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني : اطلاق دليل التخيير والظاهر ان هذا الوجه لا بأس به الّا أن يبتلي المكلف بالعلم الإجمالي بالخلاف مع الواقع فلا بد من العمل على طبق القواعد والحاصل انا لا نرى مانعا عن الأخذ بالاطلاق في حد نفسه.

الطائفة الثالثة : ما يدل على الاحتياط والدليل عليه مرفوعة العلامة (٣) وتقدم ان المرفوعة لا اعتبار بها.

الطائفة الرابعة : ما يدل على تقديم ما يكون مخالفا مع العامّة منها ما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٩.

(٢) المستدرك الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ١٢.

(٣) لاحظ ص ١٣١.

١٣٣

الحسين بن السريّ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم (١) والحديث مرسل ولا اعتبار بالمرسل مضافا الى ما في السند من الاشكال غير ما ذكر.

ومنها ما رواه الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح عليه‌السلام هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الّا التسليم لكم فقال لا والله لا يسعكم الّا التسليم لنا فقلت فيروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه خلافه فبايهما نأخذ فقال خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه (٢) وهذه الرواية مخدوشة سندا بابي البركات فان الرجل لم يوثق صريحا نعم قال الحر قدس‌سره في تذكرة المتبحّرين الشيخ أبو البركات علي بن الحسين الجوزي الحلي عالم صالح محدث يروي عن أبي جعفر بن بابويه (٣).

ويمكن النقاش في دلالة هذه العبارة على التوثيق من وجوه :

الوجه الأول : ان ديدن الرجالي بالنسبة الى من يراه ثقة التعبير بالوثاقة ولا يكتفون بقولهم صالح أو دين لاحظ ما افاده الحر بنفسه في ترجمة علي بن عبد العالي قال : كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا جليل القدر عظيم الشأن فريدا في عصره (٤).

إن قلت اذا لم يكن محرز الوثاقة كيف يكون صالحا وكيف يصدق عليه عنوان الصلاح.

قلت : اذا كان الأمر كذلك فما الوجه في قوله ثقة في ترجمة علي بن عبد العالي مع

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٠.

(٢) نفس المصدر ، الحديث ٣١.

(٣) معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٧٥ الرقم ٨٠٦٩.

(٤) معجم رجال الحديث ج ١٢ ص ٧٣ الرقم ٨٢٤٦.

١٣٤

تصريحه بكونه ورعا مضافا الى أنه اذا كان الشخص ظاهر الصلاح يحضر الجماعة للصلاة ويزور الأئمة عليهم‌السلام ويبكي في مجالس التعزية يصح أن يقال في حقه صالح وهذا العرف ببابك والذي يدل على صحة هذه المقالة انه لو قيل في حق شخص أنه صالح هل يكون هذه الجملة شهادة على عدالته؟

الوجه الثاني : ان الحر قدس‌سره قال في الفائدة الثانية عشرة من فوائده في الخاتمة من الوسائل : انما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة على صحة النقل وثبوته واعتماده وذلك أقسام وقد يجتمع منها اثنان فصاعدا منها من نص علماؤنا على ثقته مع صحة عقيدته ومنها من نصوا على مدحه وجلالته وإن لم يوثقوه مع كونه من اصحابنا الى آخر كلامه.

فيمكن ان يكون توثيقه من باب كون الموثق ممدوحا فيمكن ان يكون قوله صالح مستندا الى فعل فرض كونه شهادة بالصلاح فشهادته على الوثاقة لا أثر له مع هذا الاحتمال.

الوجه الثالث : أنه قابل في كلامه بين التوثيق والمدح والتقسيم قاطع للشركة فمجرد المدح بقوله صالح لا يدل على توثيقه.

الوجه الرابع : أنه قال في جملة كلام له ومنها من وقع الاختلاف في توثيقه وتضعيفه فان كان توثيقه ارجح فوجوده في السند قرينة والّا فاذكره لينظر في الترجيح.

فانه يظهر من هذه العبارة أنه يجتهد في تشخيص الوثاقة ومن الظاهر أنّ اجتهاد الشاهد لا أثر له.

الطائفة الخامسة : ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب منها ما رواه الحسن ابن الجهم(١) والمرسل لا اعتبار به.

__________________

(١) لاحظ ص ١٣١.

١٣٥

ومنها ما رواه أحمد بن الحسن الميثمي أنه سأل الرضا عليه‌السلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه ... (الى أن قال) فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب الحديث (١) والسند مخدوش.

الطائفة السادسة : ما يدل على تقديم موافق الكتاب أولا وبمخالفة القوم ثانيا لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قال الصادق عليه‌السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه (٢) والسند مخدوش بأبي البركات.

الطائفة السابعة : ما يدل على تقديم الأحدث لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له ما بال اقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (٣) وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره بان ضرورة المذهب قائمة على عدم جواز نسخ القرآن أو السنة بالخبر الظني فلا بد من رفع اليد عن الحديث وبعبارة اخرى الكلام في الخبر الظني لا في الخبر القطعي صدورا كما أنه لا اشكال في تخصيص الكتاب أو السنة بالخبر الظني والكلام في النسخ.

والجواب أنه لم يفرض في الحديث كونه مقطوع الصدور بل مطلق من هذه الجهة ولأجل الضرورة المدعاة نرفع اليد عن الاطلاق مضافا الى أن الميزان

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٢١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢٩.

(٣) نفس المصدر الحديث ٤.

١٣٦

باطلاق الجواب لا بخصوص السؤال ومقتضى اطلاق الجواب جواز النسخ على الاطلاق أي أعم من ان يكون كلا الخبرين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كلاهما عن غيره من الائمة عليهم سلام الله أو بالاختلاف وعلى جميع التقادير مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين مقطوع الصدور أو مظنونه وبمقتضى الضرورة المدعاة نرفع اليد عن الاطلاق بمقدار قضاء الضرورة فلا اشكال ولاحظ ما رواه منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله ما بالي اسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال انا نجيب الناس على الزيادة والنقصان قال : قلت فاخبرني عن اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقوا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم كذبوا قال بل صدقوا قال قلت فما بالهم اختلفوا فقال أما تعلم ان الرجل كان يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا (١) فانه يستفاد من هذه الرواية بوضوح أن الأحاديث ينسخ بعضها بعضا وبعبارة واضحة الامام عليه‌السلام في ذيل الحديث اعطى قاعدة كلية وميزانا كليا لعلاج التعارض وهو الأخذ بالأحدث.

إن قلت لفظ الأحاديث الواقع في الذيل بلحاظ العهد الذكري يختص بالأخبار النبوية.

قلت : على فرض تسليم المدعى يفهم المدعى من الحديث أيضا إذ طبق عليه‌السلام هذه الكلية على المتعارضين الصادرين عنهم مضافا الى أن دعوى العهد جزافية ولا دليل عليها وتؤيد المدعى جملة من النصوص منها ما رواه الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام

__________________

(١) الكافى : ج ١ ص ٦٥ الحديث ٣.

١٣٧

ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايّهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك الله (١) ومنها ما رواه الكليني قال وفي حديث آخر : خذوا بالأحدث (٢) ومنها ما رواه أبو عمرو الكناني قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله ألا أن يعبد سرا أما والله لئن فعلتم ذلك أنه لخير لي ولكم أبى الله عزوجل لنا في دينه الّا التقية (٣) فان هذه النصوص وإن كانت غير تامة سندا لكن لا اشكال في كونها مؤيدة للمدعى ولا يخفى أنّي لا أكون متفردا في هذه الدعوى فان جملة من الاساطين صرحوا بأن مقتضى النص الأخذ بالأحدث منهم صاحب الحدائق قال : الرابع يستفاد من الروايات الأخيرة أن من جملة الطرق المرجحة عند التعارض الأخذ بالأخير (٤) وقال : قد ورد عنهم عليهم‌السلام أنه اذا أتى حديث عن أولهم وحديث عن آخرهم أو عن واحد منهم ثم أتى عنه بعد ذلك ما ينافيه أنه يؤخذ بالأخير في الموضعين (٥) ومنهم الصدوق قال ولو صحّ الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق عليه‌السلام (٦) ومنهم النراقي قال : ولا شك ان الايجاب المتأخر مناف للتحليل المتقدم فيحصل التعارض وتترجّح أخبار الوجوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث ٧.

(٢) نفس المصدر الحديث ٩.

(٣) نفس المصدر الحديث ١٧.

(٤) الحدائق ج ١ ص ١٠٥.

(٥) نفس المصدر : ج ١١ ص ٤٥١.

(٦) الفقيه : ج ٤ ص ١٥١.

١٣٨

بمعاضدة الشهرة القديمة والجديدة وموافقة الآية الكريمة (١) ومخالفة الطائفة العامة وبالاحدثية التي هي أيضا من المرجحات المنصوصة (٢) وقال في جملة كلام له : الا أنها مترجحة بالاكثريّة والاصحيّة والموافقة للأصل وبعضها بالأحدثية التي هي من المرجحات المنصوصة (٣).

__________________

(١) الانفال : ٤١.

(٢) مستند الشيعة : ج ١٠ ص ١١٨.

(٣) نفس المصدر : ص ٢٧٨.

١٣٩

القاعدة التاسعة

قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم

قد ذكر في عداد القواعد الفقهية قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم ويقع البحث في هذه القاعدة تارة في بيان المراد منها واخرى في الوجوه القابلة للاستدلال بها ، فيقع الكلام في مقامين :

أما المقام الأول فلا اشكال في أنه لا يكون المراد نفي السبيل التكويني الخارجي إذ من الواضح أن الكافر ولو في الجملة له سلطة على المسلم وهذا غير قابل للإنكار فلا بد أن يكون المراد من الجملة ان الشارع الأقدس لم يجعل في وعاء الشرع علوا للكافر على المسلم.

وأما المقام الثاني : فقد ذكرت وجوه للاستدلال بها على المدعى :

الوجه الأول : قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(١) بتقريب أن المستفاد من الآية نفي السبيل للكافر على المسلم وقد حقق في محله أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم.

ويرد عليه ان الآية مقرونة بما قبلها والظاهر من مجموع الآية الشريفة بمناسبة ما ذكر قبل هذه الجملة ان الله تعالى عند الحساب والمحاكمة بين الطرفين لن يجعل للكافر حجة توجب غلبته على المسلم وإن أبيت فلا أقلّ من أنّ الآية الشريفة

__________________

(١) النساء : ١٤١.

١٤٠