الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

وقال الطريحي في مادة نجس وفي الاية دلالة على ان المشركين انجاس نجاسة عينية لا حكمية وهو مذهب اصحابنا وبه قال ابن عباس : قال ابن عباس اعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وروايات اهل البيت على نجاستهم مشهورة وخالف في ذلك باقي الفقهاء وقالوا معنى كونهم نجسا أنهم لا يغتسلون من الجنابة ولا يجتنبون النجاسات الى آخر كلامه قدس‌سره وفي المقام وجوه من الاشكال الوارد على الاستدلال بها على المدعى :

الوجه الأول : ان المصدر لا يحمل على الذات فلا بد من تقدير (ذو) فيكفي كونهم انجاس بالعرض أي ان المشرك ذو نجاسة ويرد عليه انه لا مانع من حمل المصدر على مصداقه كما لو اشير الى الضرب ويقال هذا ضرب وقس عليه بقية الموارد.

وبعبارة واضحة المدعى في المقام ان المشرك عين النجاسة فلا مانع عن الحمل ولا نحتاج الى القول بانه مبالغة كقوله زيد عدل ولا الى القول بتقدير لفظ (ذو) ولتوضيح المدعى نقول الذي لا يمكن الالتزام به ان يحمل المعنى الحدثي على الذات إذ لا يعقل اتحاد الضدين واما اذا فرضنا ان المصدر أي ما يسمى بالمصدر لا يكون معنى حدثيا كما انه كذلك في المقام فلا مانع عن الحمل وان شئت فقل ما يسمى بالمصدر يحمل على مصداقه بلا فرق بين أن يكون مصداقه من الجوامد أو من المشتقات ولذا لا اشكال في صحة كلام الاصحاب حيث يقولون النجاسات عشرة فان النجاسات حملت على الذوات الخارجية وانما نعبر في كلامنا بما يسمى بالمصدر من باب ان المصدر يعتبر وجوده في جميع افراد المشتقات وما يسمى بالمصدر لا يكون كذلك ولا يعقل ان يكون مصدرا مثلا المصدر في مادة ضرب عبارة عن الضاد والراء والباء على نحو الابهام الا من ناحية ترتيب الحروف وصفوة القول ان المصدر بما هو كذلك يعتبر وجوده في جميع المشتقات.

١٠١

الوجه الثاني : ان الآية على فرض دلالتها على المدعى لا تدل على نجاسة مطلق الكافر بل تختص بالكافر المشرك والجواب عن الوجه المذكور ان الكلام في نجاسة المشرك.

الوجه الثالث : أنه لا دليل على ارادة النجاسة المعهودة من الآية فان النجاسة في اللغة بمعنى القذارة وبعبارة واضحة الأحكام الشرعية صدرت عن مصادرها بالتدريج ولا شاهد على كون المراد من النجاسة في الآية النجاسة الشرعية وان أبيت عن الجزم بما ذكر فلا أقل من الاحتمال واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ويرد عليه أنه لا دليل على كون الاية نازلة في أول البعثة وقيل أنها نزلت في السنة التاسعة من الهجرة فالآية نازلة بعد سنين متعددة ويضاف الى ما ذكر ان الدليل دال على انّ الماء جعل طهورا ورافعا للنجاسة في أوائل البعثة لاحظ ما روى عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : الاحتجاج عن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في حديث طويل مع يهودي يخبره عن فضائل الانبياء ويأتيه امير المؤمنين عليه‌السلام بما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو افضل مما اوتي الانبياء .. الى أن قال وكانت الامم السالفة اذا أصابهم اذى من نجاسة قرضوه من اجسادهم وقد جعلت الماء لأمتك طهورا فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك الحديث (١) فان المستفاد من هذه الرواية ان الله سبحانه منّ على رسوله الأكرم بان رفع عن امته وجوب القراض وجعل الماء طهورا ورافعا للنجاسة ولاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الماء يطهر ولا يطهر (٢) ولاحظ ما رواه مسعدة بن اليسع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : الماء يطهر

__________________

(١) تفسير برهان : ج ١ ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الماء المطلق الحديث ٦.

١٠٢

ولا يطهر (١) ولاحظ ما روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول عند النظر الى الماء : الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا (٢) ولاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا صلاة الا بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة احجار بذلك جرت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما البول فانه لا بد من غسله (٣).

فانه يستفاد من هذه النصوص ان النجاسة والطهارة كانتا مجعولتين في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قريب من زمانه اضف الى ذلك كله ان مقتضى الاستصحاب القهقري الذي يكون من الاصول اللفظية كون النجاسة بالمعنى الشرعي منها في لسان الشارع كانت في زمان رسول الإسلام متحدة مع ما كانت في لسان الائمة ومخازن الوحي ، إن قلت هب ان مقتضى الاستصحاب بالتقريب المذكور كون المراد المعنى الشرعي لكن مقتضى الاستصحاب أيضا بقاء اللفظ على معناه اللغوي في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قلت هذا الاستصحاب من الاصول العملية والاستصحاب القهقري الجاري في الالفاظ من الامارات والأصل العملي لا يقاوم الاصل اللفظي وان شئت قلت الأصل الفقاهي لا يعارض الدليل الاجتهادي وبتعبير آخر الاصل العملي لا يقاوم الامارة.

إن قلت الحق ان الاستصحاب امارة فلا وجه للترجيح قلت ان الاستصحاب وإن كان امارة على المسلك الحق لكن امارة حيث لا امارة وعلى الجملة ان الاستصحاب لا يقاوم الدليل اللفظي بلا كلام ولا ريب.

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ٧.

(٢) نفس المصدر الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب احكام الخلوة الحديث ١.

١٠٣

ان قلت مع ذلك لا يمكن حمل النجاسة على النجاسة الشرعية بل يلزم حملها على النجاسة المعنوية والخباثة الذاتية إذ لا اشكال في جواز ادخال النجاسات العينية كالدم والعذرة والبول وغيرها في المسجد ما دام لا يوجب تلوث المسجد فيكون المراد من النجاسة في الاية الخباثة فان المشرك حيث انه خبيث ورجس وقائل بالشريك له تعالى لا يناسب دخوله في مهبط الوحي ومخزن التوحيد والوحدانية.

قلت : التقريب المذكور غير تام فان المذكور في الآية ان المشركين (نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) والمستفاد منها ان المشرك موظف أن لا يدخل المسجد الحرام وهذه الاية تدل على ان الكفار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالاصول ولا تنافي بين هذه الاية وجواز ادخال النجاسة العينية في المسجد الحرام.

وبعبارة واضحة : لا دلالة في الاية على النهي عن ادخال الموحد المشرك الى المسجد كي ينقض بل المستفاد من الآية ان المشرك بنفسه منهي عن دخول المسجد الحرام فالنتيجة ان المستفاد من الاية الشريفة نجاسة المشرك وهذه هي الدعوى في المقام فلاحظ.

النوع الثالث : الغلاة فنقول ان كان المراد من الغالي من يعتقد ان أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الرب وهو الله فلا اشكال في كونه كافرا لأنه لا يعتقد بالله وهل يمكن الجزم بنجاسته وكونه من الاعيان النجسة فلو قلنا بتمامية الدليل على نجاسة الكافر يتم الامر أو قلنا بانه يستفاد من نجاسة المشرك نجاسة الغالي بالأولوية يتم الامر أيضا لكن في كلا التقريبين اشكال واما حديث محمد بن عيسى قال : قرأنا في كتاب الدهقان وخط الرجل في القزويني الى ان قال : وتوقوا مشاورته ولا يجعلوا له

١٠٤

السبيل الحديث (١) فمضافا الى الاشكال في السند يحتمل أن يكون النهي عن المشاورة لا عن المساورة كي يقال بان النهي عن مساورته دليل على نجاسته وان كان في الجزم بالتقريب أيضا اشكال ولا يمكن الجزم به.

وإن كان المراد من الغالي من يعتقد ان الله تعالى فوض الامور الى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو بنفسه انعزل عن التصرف في العالم يكون من مصاديق المفوضة ويقع الكلام فيهم ان شاء الله تعالى.

وان كان المراد من الغالي كون علي عليه‌السلام وأولاده المعصومين أقرب الموجودين الى ساحة القدس الربوبي وانهم أبواب الله فهذا ليس موجبا لفساد العقيدة والشيعي الاثني عشري قائل بهذه العقيدة ونسأل الله أن يثبّتنا على الاعتقاد المذكور في الدنيا والآخرة وحشرنا مع الأنوار الطاهرة ومظاهر الصفات الربوبية وقد ورد في دعاء ايام شهر رجب انه : لا فرق بينك وبينها الّا أنهم عبادك وخلقك الى آخر الدعاء.

النوع الرابع : الخارجي وعن جامع المقاصد أنه لا كلام في نجاسته وعن جملة من الاجلة دعوى الاجماع عليه.

أقول : ان كان المراد من الخارجي الطائفة الملعونة التي خرجت على أمير المؤمنين عليه‌السلام واعتقدت كفره ومثلهم الطائفة التي خرجت على أبي الشهداء شهيد كربلاء فلا اشكال في كونهم مصاديق الناصب ويقع البحث فيه ان شاء الله تعالى ويدل على كونه مشركا ما نقل عن الباقر عليه‌السلام بالنسبة الى احد الخوارج «مشرك والله مشرك» (٢) واما ان كان المراد من الخارجي من يعارض امام زمانه لأجل الدنيا وزخرفها فلا يكون مثله ناصبيا وان كان مرتكبا لأشد المعاصي

__________________

(١) تنقيح المقال للمامقاني باب الفاء في ترجمة فارس بن حاتم.

(٢) مصباح الفقيه : ج ٧ ص ٢٨٥ و ٢٨٦.

١٠٥

وحيث انجر الكلام الى هنا نقول لا اشكال في انّ الثلاثة الاوّلين من النواصب لعنة الله عليهم وعلى اتباعهم وكيف لا يكون الامر كذلك والحال انهم هجموا على بيت الزهراء عليها‌السلام واحرقوا الباب وضربوا بنت الرسول واسقطوا ما في بطنها وجرّوا ولي الله وهتكوا وارادوا قتله ونشكو الامر الى الله وهو الحاكم في يوم الحساب بل إنهم اعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهل يمكن أن يكون شخص يحب الرسول ويضرب بضعته وكيف يمكن أن يحبه ويتجاسر عليه بقوله ان الرجل ليهجر والبحث في هذا المجال طويل.

النوع الخامس : المنكر لرسالة نبي الإسلام فانه لا شبهة في ان المنكر للرسالة كافر بمقتضى النصوص والاجماع والضرورة بل كون الشخص مسلما مع كونه منكرا للرسالة أو شاكا فيها مرجعه الى الخلف المحال ويلحق به منكر الضروري اذا رجع الى انكار الرسالة ويظهر من جملة من النصوص ان انكار حكم من أحكام الشريعة يوجب الكفر منها ما رواه داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفرائض الله عزوجل فقال ان الله عزوجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمور كلّها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عزوجل به عباده من الطاعة بكافر ولكنه تارك للفضل منقوص من الخير (١) ومنها ما رواه محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كل شيء يجرّه الاقرار والتسليم فهو الايمان وكل شيء يجرّه الانكار والجحود فهو الكفر (٢) ومنها ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام من شهد أن لا إله الّا الله وانّ محمدا رسول

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب مقدمات العبادات الحديث ٢.

(٢) نفس المصدر الحديث ١.

١٠٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مؤمنا قال فأين فرائض الله الى أن قال ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان كافرا (١) ومنها ما رواه عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث انه كتب اليه مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار الى أن قال والإسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان فاذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو بصغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الإسلام فان تاب واستغفر عاد الى الايمان ولا يخرجه الى الكفر الّا الجحود والاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام والايمان وداخلا في الكفر الحديث (٢) ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين الضروري وغير الضروري نعم لا يبعد ان يستفاد منها الجحود والانكار فلا يشمل ما اذا كان عن عذر ولكن مقتضى اطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين كونه تكذيبا للنبي أم لا واما نجاسة هذا القسم فمبني على القول بنجاسة مطلق الكافر.

وأما منكر المعاد فقد استدل سيدنا الاستاد بجملة من الآيات منها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٣) ومنها قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٤) والانصاف

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب مقدمات العبادات الحديث ١٣.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب حد المرتد الحديث ٥٠.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) التوبة : ٢٩.

١٠٧

ان هذه الآيات لا تدل على كفر منكر المعاد نعم لا اشكال في وجوب الاعتقاد بالمعاد ويستحق المنكر العقاب كما تدل عليه الآية الشريفة في سورة المدّثر (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) بل يمكن أن يقال ان العقل حاكم بالمعاد ويوم الجزاء والّا بأيّ نحو يمكن الزام البشر بالطاعة وترك العصيان ولكن مع ذلك كله لم نجد دليلا على كون منكر المعاد كافرا لكن كيف لا يجزم العارف بالشريعة بكون المعاد من أصول الدين فانه لو ادعى أحد أنه مورد التسالم ومورد السيرة والارتكاز لا يكون مجازفا في قوله ولا اشكال في ان انكار المعاد إنكار لرسالة الرسول فلاحظ.

النوع السادس : الناصبي وقد نفى الخلاف عن نجاسته في بعض الكلمات بل قيل انه ادعى عليه الاجماع في كلام جمع من الاصحاب وتدل على نجاسته جملة من النصوص منها ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال وايّاك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه (١) ومنها ما رواه خالد القلانسي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ألقى الذمّي فيصافحني قال امسحها بالتراب وبالحائط قلت فالناصب قال اغسلها (٢) وفي المقام وجوه من الاشكال :

الوجه الأول : أن المذكور في الحديث ان الناصب أنجس من الكلب ولا تتصور الاشدية في النجاسة الخبثية فيكون المراد من الحديث الأمر المعنوي.

وفيه انه لا مانع من الاشدية فيها ولذا نرى الفرق في التطهير بين النجاسات مثلا يشترط في التطهير من البول التعدد اذا كان بالماء القليل وفي الكلب التعفير وفي

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب الماء المضاف الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب النجاسات الحديث ٤.

١٠٨

الخنزير سبع مرات بالماء.

الوجه الثاني : أنه قد جعل الناصب في عداد ولد الزنا لاحظ ما أرسله علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه‌السلام في حديث انه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام فانّه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم (١) والحال أن ولد الزنا لا يكون نجسا كما ان الاغتسال من الزنا لا يوجب النجاسة.

وفيه انّه يكفي للاستدلال حديث ابن أبي يعفور ونفرض عدم امكان الأخذ بما ذكر مضافا الى ضعف السند اضف الى ذلك ان المستفاد من هذه الطائفة الخباثة المعنوية ولا نضايق ان نلتزم بكلا الأمرين بالنسبة الى الناصب لعنه الله.

الوجه الثالث : ان النصب صار شايعا في دولة بني امية حتى ان معاوية جعل لعن ولي الله أمير المؤمنين عليه‌السلام من الأذكار المستحبة ولم يظهر من الائمة ما يدل على نجاسة الناصب بل كان المتعارف معاملة الطهارة معه وحمل المعاشرة في هذه المدة الطويلة على التقية بعيد.

وفيه أنه لا نرى بعدا فيه والميزان ما يصل إلينا من الأحكام وقد وصل إلينا الدليل على نجاسة الناصبي ولا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بهذه الوجوه المذكورة وامثالها ولا مانع من الالتزام بكون الناصبي من الأعيان النجسة ومع ذلك يمكن أن يقال أن حكم الشارع بعدم الاجتناب عنه بلحاظ ملاك في نظره وصفوة القول ان الوظيفة الشرعية والعقلية التسليم في قبال ما وصل إلينا من الأحكام ولا مجال للقيل والقال فيها.

النوع السابع : المجسمة قال سيدنا الاستاد قدس‌سره ما ملخص كلامه في هذا المقام

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب الماء المضاف الحديث ٣.

١٠٩

على ما في تقريره الشريف هم على قسمين فقسم منهم يعتقد ان الله كبقية الاجسام له يد ورجل ورأس فالقائل بلوازم قوله ان التزم بها فلا اشكال في أنه كافر وقسم منهم يعتقد أنّ الله جسم لا كبقية الاجسام ويلتزم بالاوصاف التي تناسب ذلك الصقع وهذا الاعتقاد وان كان خلاف الواقع لكن لا يوجب الكفر الّا أن يرجع الى تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر المسلمين لقصور باعهم يعتقدون ان الله جسم جالس على عرشه ولذا يتوجهون اليه توجه الجسم الى جسم مثله لا بنحو التوجه القلبي وقد ورد في الخبر أنه «شيء بخلاف الأشياء» (١).

أقول : ما كنّا نترقب من سيدنا الاستاد قدس‌سره مع كونه مشارا اليه بالبنان في الميادين العلمية ان يصدر عنه هذا القول لاحظ ما رواه سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عن الإسلام والايمان أهما مختلفان فقال انّ الايمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام شهادة أن لا إله الّا الله والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به والايمان أرفع من الإسلام بدرجة ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة (٢) فان المستفاد من هذه الرواية ان قوام الإسلام بشهادة أنه لا آله الّا الله هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ثبت عندهم انّ لفظ الله علم لذات واجب الوجود وهو الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية فاذا لم يكن كذلك يكون الشخص خارجا عن دائرة الإسلام وبعبارة اخرى نسأل الاستاد بانّ الجسمية بايّ معنى كان أعم من أن يكون المراد بها الجسم الطبيعي أو

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٨١ ذيل حديث ٥.

(٢) الكافي : ج ٢ ص ٢٥ باب ان الايمان يشارك الإسلام الحديث ١.

١١٠

التعليمي نقص أم لا لا سبيل الى الثاني وعلى الأول يكون المتصف به ناقصا.

وأمّا أكثر المسلمين معتقدون بهذه العقيدة فلا نسلم وننكر هذه الجهة أشد الانكار وانّما يتوجهون عند التوسل الى الفوق لا من جهة أنه تعالى جالس على عرشه بل التوجه الى الفوق عند الدعاء والتوسل أمر رائج ودائر بين جميع الموحدين وهو المتعارف عند الشيعة عند التوسل والدعاء وقد امر من ناحية الشرع برفع الرأس أو اليد عند الدعاء والتوسل في بعض الموارد وهذا ظاهر واضح نعم ذلك الصوفي الضال المضل يقول في اشعاره :

ديد موسى يك شبانى را براه

كاو همى گفت اى خدا واى اله

تو كجائى تا شوم من شاكرت

چارقت دوزم كنم شانه سرت

الى آخر اشعاره الكفرية ولا غرو في صدور هذه الترهات والاباطيل عن مثله فان من يكون قائلا بوحدة الموجود وأمثال هذه العقيدة الكفرية يناسب أن يصدر عنه ما يكون مناسبا ومناسخا مع الابالسة الملاعين اعاذنا الله عن الاعتقاد بعقائدهم.

وأما حديث الكافي فالمستفاد منه أنّه تعالى شيء لا كالأشياء والمراد بالشيء الوجود ولا اشكال في انّ الله تعالى موجود والّا يلزم ان يكون معدوما نستجير به تعالى نعم بعد اثبات كونه موجودا يقع الكلام في الفارق بينه وبين خلقه. أقول :

«الى موضع الاسرار قلت لها قفي».

وأما كلام ملّا صدرى في شرح اصول الكافي فهو أنه لا مانع عن الالتزام بكونه جسما الهيا فان الجسم على أقسام قسم منه الجسم الخارجي المادي ومنها جسم مثالي وهو الصورة الحاصلة للإنسان من الأجسام الخارجية فانها جسم بلا مادة ومنها جسم عقلي وهو الكلي المتحقق في الذهن وهو أيضا لا مادة له ومنها غير ذلك والجامع لهذه الأقسام الأربعة هو الجسم الذي له ابعاد ثلاثة من العمق

١١١

والطول والعرض ، أقول : يا أهل المروة والانصاف هل يمكن أن يصدق العارف الموحد هذه المقالة وهل يكون واحد منهم يعتقد بانه تعالى ذو عرض وطول وعمق ولا أدري بايّة مناسبة لقب هذا الشخص بصدر المتالهين وان كان ذوق التأله يقتضي الالتزام بهذه المقالة فلا نريد هذا الذوق وكيف يمكن أن توجد هذه الابعاد بلا مادة وبعبارة واضحة قد حقق عندهم أن العرض موجود في نفسه لغيره في قبال الوجود لا في نفسه وكيف لا يكون مثله مركبا وكيف لا يكون محتاجا ويضاف الى ذلك أن هذه الأبعاد كل واحد منها ماهيّة فتكون مشتركة مع بقية الأبعاد ويلزم التميز أي يكون الجامع بين الكل هو الجنس والمائز هو الفصل ولا يكون ما به الامتياز عين ما به الافتراق إذ لا تشكيك في الماهية ويؤيد المدعى بعض النصوص منها ما رواه ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام يقول من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن نسب اليه ما نهى عنه فهو كافر (١) ومنها ما رواه عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر (٢) ومنها ما رواه داود بن القاسم قال : سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن وصفه بالمكان فهو كافر ومن نسب اليه ما نهى عنه فهو كاذب الحديث (٣) ومنها ما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ومن أنكر قدرته فهو كافر (٤).

النوع الثامن : المجبرة قال سيدنا الاستاد في هذا المقام تارة يراد بالمجبرة الذين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب حد المرتد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب حد المرتد الحديث ٣.

(٣) نفس المصدر الحديث ١٦.

(٤) نفس المصدر الحديث ١٧.

١١٢

قائلون بالجبر ويلتزمون بلوازمه وهذا يوجب الكفر والنجاسة إذا الالتزام بالجبر يستلزم انهدام الشرائع فان الجبر لا يتصور فيه الاختيار كي يصحّ التكليف ومع عدم صحة التكليف لا مجال لإرسال الرسل وانزال الكتب وأما ان كان المراد بالجبر ان افعال العباد خارجة عن تحت اختيارهم ولكن يرون صحة التكليف فلا يكون هذا موجبا للكفر وبعبارة اخرى مجرد الاعتقاد بالجبر لا يوجب الكفر ولا يوجب النجاسة.

أقول : المستفاد من حديث سماعة وغيره ان قوام الإسلام بالاعتقاد بوجود الله الذي يكون جامعا لجميع الصفات الكمالية ومع انتفائه لا يتحقق الإسلام وكيف يكون الشخص المعتقد بان الله يكلف عباده بما لا يكون مقدورا لهم ويعذبهم بالعصيان.

وببيان واضح الذي يعتقد أن موجد العالم غير حكيم لا يكون معتقد بالله فإن مجرد الاعتقاد بوجود موجود مؤثر كائنا من كان لا أثر له ويؤيد المدعى بعض النصوص منها ما رواه يزيد بن عمر الشامي عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : من زعم انّ الله يفعل افعالنا ثمّ يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم ان الله فوّض أمر الخلق والرزق الى حججه فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك (١) ومنها ما رواه الحسين بن خالد عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة (٢) ومنها ما رواه حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل زعم ان الله أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر ورجل يزعم ان الأمر مفوّض اليهم فهذا قد وهن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب حد المرتد الحديث ٤.

(٢) نفس المصدر الحديث ٥.

١١٣

الله في سلطانه فهو كافر الحديث (١) ونقل عن بعض أنه قال حمار الاشعري أفهم منه اذ حماره لما يصل الى الماء يدري بان دخول الماء اختياري له ولا يدخل والاشعري لا يفهم بان فعله اختياري له اعاذنا الله من الزلل وصفوة القول انه ان كان الاعتقاد بانه للعالم خالق على نحو الاطلاق يكفي لكون الشخص موحدا ، يكون الراعي الذي رآه موسى بن عمران في مقام التصور موحدا وهل يرضى سيدنا الاستاد به وهل يمكن ان يصدر من نبي الله موسى عليه‌السلام ما نسب اليه بقوله :

هيچ آدابى وترتيبى مجو

هرچه مى خواهد دل تنگت بگو

النوع التاسع : المفوضة قال الطريحي قدس‌سره في مادة فوض : المفوضة قوم قالوا ان الله خلق محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفوض اليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها وقيل فوض ذلك الى علي عليه‌السلام وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره ان المفوّضة اذا التزموا بلازم كلامهم يكون كفرا وشركا ويوجب اعتقادهم نجاستهم اما اذا لم يلتزموا بلازم كلامهم فلا يوجب كفرهم.

أقول : ان فرض انّ اعتقادهم يستلزم الاعتقاد بكون الباري تعالى ذا شريك كيف لا يكون اعتقادهم مضرا مثلا لو فرض ان شخصا يعتقد بانّ الله جسم من الأجسام ولا يتوجه باعتقاده ويكون غافلا هل يكون مثله مسلما مع ان قوام الإسلام بكون الشخص معتقدا بوجود ذات مستجمع لجميع الصفات الكمالية وهو الله جلّ جلاله.

اذا عرفت ما تقدم اعلم انه ان كان المراد من التفويض انعزال الخالق عن الخلق واستقلال المخلوق بعد خلقته عن الخالق يكون الاعتقاد المذكور كفرا والحادا اعاذنا الله من الزلل والزلات.

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ١٠.

١١٤

توضيح المدعى انّ المفوضة حيث رأوا ان كلام الاشاعرة والمجبرة الذين يقولون بعدم كون افعال العباد اختيارية ويستلزم اعتقادهم نسبة الظلم الى ساحة القدس الربوبي سلكوا مسلكا آخر كي لا يقعوا في محذور الجبر والتزموا باختيارية افعال المكلّفين وقالوا الحادث بعد حدوثه لا يحتاج الى المؤثر فلا يرتبط الفعل الصادر من العبد بساحة القدس الربوبي وزعموا أنّهم سلكوا طريق الحق بخلاف الاشاعرة.

ويردّ عليهم انّ ما ذهبوا إليه أكثر اشكالا وأسوأ من مذهب الاشاعرة.

إذ يرد على هذا المسلك اولا انّ الوجود الامكاني لا يعقل ان يصير واجبا ولا يمكن تعلق القدرة به وبعبارة اخرى الممكن كما انه يكون في الحدوث محتاجا الى مؤثر يكون كذلك بقاء.

وثانيا : انّ ما ذهب إليه مستلزم للشرك فانّ زيدا بعد وجوده يكون شريكا مع الباري تعالى وهذا الشرك أشد فسادا من الشرك الذي التزم به الثنوية القائلون بتعدد الإله وكونه اثنين أحدهما يزدان وهو خالق الخيرات ثانيهما أهرمن وهو خالق الشرور ولكن المفوضة قائلون بالتعدد الى ما لا نهاية له.

وثالثا : انّ حكم الامثال واحد ومن هذه الجهة لا يكون فرق بين الاناسي والحيوانات.

ورابعا : أنّه كيف لا يكون الممكن بعد حدوثه غير محتاج الى المؤثر والحال أنّه نرى فناء الاشياء وممات الاحياء ومن الواضح انّ الواجب لا يمكن انعدامه.

وخامسا : انّه يلزم ابطال الشرائع والأديان إذ على هذا المسلك لا يتصور المعاد كي يحاسب العبد فانّ الواجب لا يفنى ويدل بعض النصوص على كونهم مشركين قال القمي رحمه‌الله في تفسيره في رواية ابي الجارود قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا كافرا وشقيّا

١١٥

وسعيدا وكذلك يعودون يوم القيامة مهتد وضال يقول (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) وهم القدرية الذين يقولون لا قدر ويزعمون انهم قادرون على الهدى والضلالة وذلك اليهم ان شاءوا اهتدوا ان شاءوا ضلّوا وهم مجوس هذه الامة الحديث (١).

وبالمناسبة نذكر ما افاده المعتزلي شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد قال في أول كتابه الحمد لله الذي قدم المفضول على الفاضل فانه يسئل التقديم الذي اشار إليه تقديم تكويني أو تقديم تشريعي أما على الأول فهو يناقض مسلك التفويض وانّ ما يرجع الى العباد لا يرتبط بساحة قدسه وأما على الثاني فيسئل أيضا أنه ايّ دليل دل على تقديم المفضول على الفاضل يا ليته لم تلده والدته كي لا يصدر عنه هذا الأمر الباطل فانّ البراهين الواضحة قائمة على انّ الحق يدور مدار علي بن ابي طالب أرواحنا فداه ولا مجال لقياس الأولين عليه.

فالنتيجة انّ القائل بهذا المذهب كافر مشرك وطبعا يكون نجسا.

وإن كان المراد من التفويض ما أفاده الطريحي أي الباري تعالى فوض أمر الخلق الى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو علي عليه‌السلام يكون أيضا فاسدا فان القول المذكور مخالف مع القرآن والنصوص فان المستفاد من الكتاب والسنة ان الامور كلها بيده وبقدرة الباري تعالى وهذا القول يستلزم الشرك فان مرجعه الى ان ذاته تعالى منعزل ويكون الامر بيده عبيده ويكون هذا شركا ولا حول ولا قوة الّا بالله.

ازمة الامور طرا بيده

والكل مستمدة من مدده

فتحصل مما تقدم أنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين وهذا مسلك في قبال المسلكين الباطلين وتدل عليه جملة من النصوص الواردة عن مخزن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٩ الحديث ١٣.

١١٦

الوحي (١) ومن تلك النصوص ما ارسله محمد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين قال : قلت وما أمر بين أمرين قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية (٢).

ويمكن تصور الحال في ضمن امثلة : الأول أنه لو فرضنا ان شخصا يربط آلة قتالة بيد المرتعش بلا ارادة ذلك المرتعش وبعد ذلك صادفت الآلة شخصا ثالثا وقتل لا ينسب القتل الى المرتعش بل ينسب الى ذلك الرابط والقائل بالجبر يعتقد ان الفعل منسوب الى الباري والمكلف يصدر عنه الفعل بلا اختيار.

الثاني : ان يعطي شخص آلة قتالة لغيره مع العلم بانه يقتل بالآلة شخصا ثالثا ولا يمكنه بعد الاعطاء ان يأخذ الآلة منه وقتل الآخذ شخصا يكون القتل مستندا الى الأخذ ولا يرتبط بالمعطي والقول بالتفويض يستلزم الالتزام به.

الثالث : ان يعطي شخص آلة قتالة للثالث مع العلم بانه يقتل ثالثا ولكن اختيار الآخذ بيد المعطي أي ما دام يمده يختار واذا قطع امداده عنه يعجز فاذا قتل الآخذ شخصا ثالثا يصدق ان الآخذ قاتل لكن أيضا يصدق ان المعطي كان معينا له في القتل والامامية ذهبوا الى هذا المذهب وهذا اعتقادهم ويمكن الاستدلال على المدعى ببعض الآيات الشريفة منها قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(٣) ومنها قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ١٥٥ كتاب التوحيد باب الجبر والقدر.

(٢) نفس المصدر الحديث ١٣.

(٣) الانسان : ٣٠.

١١٧

لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)(١) فان المستفاد من الآيتين الشريفتين انّ العبد إذا فعل فعلا يكون سبب فعله ارادته وارادة الله ولتوضيح الأمر نمثل مثالا آخر وهو أنه لو كان شخص معلقا في مكان في طرفه اليمين جملة من المأكولات المفيدة للمزاج وفي يساره جملة من المأكولات المضرة وكان حبل مشدودا ببدنه ولكن زمام اختياره بيد شخص آخر بحيث في كل يمكنه أن يجره ويمنعه عمّا يريده فنسأل أن الشخص المربوط بالحبل هل يكون مختارا في الأكل أو مجبورا لا اشكال في أنه إذا أكل من الطرف الأيمن أو الأيسر يكون مختارا ولكن مع الوصف يكون اختياره بيد ذلك الشخص الثاني فالحق انه لا جبر ويكون الفعل الصادر من العبد باختياره وارادته والوجدان أصدق شاهد عليه :

اين كه گوئى اين كنم يا آن كنم

اين دليل اختيار است اى صنم

والحق أيضا ان الممكن كائنا ما كان في كل آن ولحظة يحتاج الى الواجب ولا يعقل غنائه عنه والّا يلزم الخلف المحال وإن شئت فقل انّ اضافة الواجب الى الممكن اضافة اشراقية الى المضاف اليه عين الفقر لا شيء له الفقر ومثاله في الممكن اضافة الانسان الى الصورة الحاصلة في النفس فان قوام تلك الصورة بتوجه المتصور بحيث اذا غفل في آن لا تبقى تلك الصورة :

اگر نازى كند برهم فرو ريزند قالبها.

ولتوضيح المراد والمرام ننبّه على نكتة مفيدة للمقام ولما يأتي عن قريب ان شاء الله تعالى وهو ان صدق عنوان المشتق على الذات متوقف على واجديّة ذلك الذات لمبدإ ذلك المشتق والّا يكون الصدق مستحيلا فاذا كان الذات غير المبدأ لا بد أن يكون واجدا له ويمكن أن يكون خاليا عنه فعند خلوه لا يصدق عليه وأما اذا كان

__________________

(١) الكهف : ٢٣ و ٢٤.

١١٨

الذات نفس ذلك المبدأ لا يعقل انفكاكه عنه مثلا الجدار الأبيض يصدق عليه عنوان الابيض لكن هذا الصدق ببركة كون البياض فيه واما نفس البياض فهو بنفسه أبيض ولنا أن نقول تركب الذات والمبدأ ربما يكون تركبا اتحاديا وقد يكون انضماميا.

النوع العاشر : القائلون بوحدة الوجود ولا بد في حكمهم التفصيل بان يقال ان كان المراد بوحدة الوجود ان حقيقة الوجود واحدة ولها مراتب وهو مفهوم واضح وأما كنهه في غاية الخفاء وهو الأصل في العالم انّ الوجود عندنا أصل دليل من خالفنا عليل لا مانع من الالتزام به بان يقال قسم من الوجود واجب وقسم منه ممكن والممكن على أقسام قسم منه رسول مكرم وقسم منه شيطان رجيم وهذا لا يوجب الكفر وهذا يسمى عندهم بالتوحيد العامي.

الفهلويون الوجود عندهم

حقيقة ذات تشكك تعمّ

وأما ان قيل ان الموجود واحد في الخارج وله اطوار فانه في السماء سماء وفي الأرض أرض وفي الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق وهكذا وهو المسمى عندهم بتوحيد خاص الخاص فيكون كفرا والحادا ومكابرة مع الوجدان والبرهان امّا منافاته مع الوجدان فهو واضح عند من يكون له الوجدان وامّا منافاته مع البرهان فهو أنه كيف تجتمع الوحدة مع التعدد وكيف يتصور كون الواحد علة ومعلولا والالتزام بهذا المسلك يهدم جميع الأديان والشرائع وقائله كافر بلا اشكال والظاهر أنه لا شبهة في نجاسته إذ لازم هذا القول الهتك الأكثر من الشرك بالنسبة الى ذات الالوهية وغاية الجسارة الى ساحته المقدسة اعاذنا الله من القول الباطل وإن كان المراد من وحدة الوجود ان الوجود واحد والموجود متكثر وبعبارة اخرى الموجود الحقيقي واحد وهو ذات الباري وبقية الموجودات موجودات انتسابي واطلاق الموجود عليها كإطلاق اللابن على بايع اللبن والتامر على بايع التمر

١١٩

والوجه في الالتزام بالمسلك المذكور المسمى عندهم بالتوحيد الخاصي انهم يرون حقائق الأشياء في العالم ماهيات ومن ناحية اخرى لا يعقل اصالة الماهية والوجود كليهما فلزمهم أن يقولوا ان الموجود واحد وهو وجود الباري وبقية الموجودات ماهيات لها انتساب الى الوجود والظاهر ان الالتزام بهذا القول لا يوجب الكفر لكن اصل المطلب خلاف التحقيق إذ قد ثبت في الفلسفة ان الأصيل هو الوجود وإن كان المراد بوحدة الوجود التوحيد أخص الخواص أي الوجود والموجود في عين الكثرة واحدا فان كان مرجعه الى القول الأول فقد تقدم حكمه وإن كان المراد أمرا آخر فلا بد من تعقله أولا ثم ترتيب الحكم عليه (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ) وعليه التوكّل والتكلان.

النوع الحادي عشر : الكتابي فانّ مقتضى الأصل فيه هي الطهارة بمقتضى قاعدتها في أنّ كل شي شك في طهارته ونجاسته يحكم بطهارته بلا فرق بين أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية وهل يمكن اثبات الطهارة في مورد الشبهة الحكمية بالاستصحاب إذ يشك في انّ الشارع هل حكم بنجاسة الشيء الفلاني أم لا؟ يكون مقتضى الاستصحاب عدم اعتبار النجاسة.

الذي يختلج بالبال أن يقال يشكل اثباتها بالاستصحاب إذ كما ان مقتضى الاستصحاب عدم اعتبار النجاسة كذلك يكون مقتضى الاستصحاب عدم اثبات الطهارة وبعبارة اخرى اذا فرضنا أنّ الموضوع لا بد أن يكون محكوما بحكم واقعي في وعاء الشرع فيشك في كون ذلك الحكم هي النجاسة أو الطهارة فلا أثر لاستصحاب عدم جعل النجاسة إذ اثبات الطهارة بالأصل المذكور يرجع الى المثبت الذي لا نقول به مضافا الى كونه معارضا باستصحاب عدم جعل الطهارة فلا مناص عن التوسل بذيل عناية أصالة الطهارة الجارية في جميع الأشياء.

وبعبارة واضحة جريان الاستصحاب أو أصل الطهارة متقوّم بالشك في الحكم

١٢٠