التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١)). وآية سورة آل عمران [١٢٩] المماثلة لها.

وفي كتب التفسير (١) أقوال كثيرة معزوة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعض أصحابه وتابعيهم في صدد ما انطوى في الآية الأولى من أحكام نوجزها ونعلق عليها بمايلي باستثناء ما ورد في الاغتسال والتيمم وكيفياته ونواقض الوضوء وموجبات الغسل ومدى ملامسة النساء حيث ألممنا بذلك في سياق جملة مماثلة في آية سورة النساء [٤٣] :

١ ـ اختلف في قراءة (أَرْجُلَكُمْ) حيث قرئت بفتح اللام وبكسرها. وترتب على ذلك خلاف. فمن قرأها بالكسر قال إن الآية أمرت بالمسح على الرجلين لأن الكلمة معطوفة على (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ومن قرأها بالفتح أوجب غسل الرجلين لأنها تكون معطوفة على الوجه واليدين. وعلّل أصحاب هذا القول تأخيرها للترتيب في عملية الوضوء حيث يكون غسل الرجلين آخرها واستندوا إلى أحاديث عن كيفية وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وغسله لرجليه سنوردها بعد. ومنها حديث رواه الخمسة عن أبي هريرة قال «أسبغوا الوضوء فإني سمعت أبا القاسم يقول : ويل للعراقيب من النار» (٢) وحديث رواه مسلم وأبو داود عن عمر «أن رجلا توضّأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ارجع فأحسن وضوءك ، فرجع ثم صلّى» (٣) وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المستورد قال «رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخلّل أصابع رجليه بخنصره» (٤).

والأكثر على وجوب غسل الرجلين. وهو الأوجه فيما يتبادر لنا ولعلّ جملة (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرينة قرآنية على ذلك حيث لا تبدو حكمة لو كان القصد مسحا.

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري. وأكثرها استيعابا تفسير الطبري.

(٢) التاج ج ١ ص ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

٦١

وهذا ما عليه جمهور أهل السنة. أما الشيعة فهم يقرأون لام (أَرْجُلَكُمْ) بالكسر ويقولون بالمسح دون الغسل. ولا يأخذون بالأحاديث التي لا يرويها أئمتهم. وقد روى الطبرسي عن إمامهم أبي جعفر أن شخصا سأله عن المسح على الرجلين فقال له هو الذي نزل به جبريل.

٢ ـ إن نصّ الآية يفيد أن الوضوء واجب على كل مسلم كلّما قام إلى الصلاة ، وهناك رواية عن عكرمة أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان يتوضأ عند كل صلاة ويقرأ الآية. ورواية عن ابن سيرين أن الخلفاء الراشدين كانوا يتوضأون لكل صلاة. ورواية عن عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشقّ ذلك عليه فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلّا من حدث. ورواية عن ابن بريدة عن أبيه من طرق عديدة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر : إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله. قال : عمدا فعلته (١). ورواية عن عمرو بن عامر أنه سأل أنسا : أكان رسول الله يتوضأ عند كل صلاة؟ قال : نعم. قال : فأنتم؟ قال : كنا نصلّي الصلوات بوضوء واحد (٢). وروايات عديدة عن جابر بن عبد الله وابن عباس وعكرمة وأبي موسى وأبي العالية تفيد أن سنّة رسول الله وأصحابه لا توجب الوضوء إلّا بعد حدث وأنهم كانوا يصلّون بوضوء واحد أكثر من صلاة. ورواية عن أبي غطيف قال صليت مع ابن عمر الظهر فأتى مجلسا فجلست معه فلما نودي بالعصر دعا بوضوء فتوضأ ثم خرج إلى الصلاة ثم رجع إلى مجلسه فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ فقلت : أسنّة ما أراك تصنع؟ قال : لا وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كاف للصلوات كلّها ما لم أحدث ولكن سمعت رسول الله يقول من

__________________

(١) هذا الحديث من مرويات مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي أيضا (التاج ج ١ ص ٩٣).

(٢) روى البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي صيغة مقاربة لهذا الحديث (التاج ج ١ ص ١٩٣). وهي هذه «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوضأ عند كل صلاة قلت كيف كنتم تصنعون قال يجزي أحدنا الوضوء ما لم يحدث».

٦٢

توضأ على طهر كتب له عشر حسنات فأنا رغبت في ذلك (١).

ويستفاد من حديثي أنس وأبي بريدة الصحيحين بخاصة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتوضأ لكل صلاة. وكان أصحابه يحذون حذوه ثم ألهم التخفيف عن أمته فصلّى بوضوء واحد أكثر من صلاة. وفسر بعمله التخفيفي وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة إذا كان المرء على غير طهر. وهذا ما عليه جمهور المسلمين بالتواتر الذي لم ينقطع من الصدر الإسلامي الأول وإن كان يستحبّ مع ذلك أن يتوضأ المسلم لكل صلاة طهرا على طهر.

٣ ـ والآية لا تذكر إلّا غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين أو مسحهما على اختلاف القراءة. غير أن حديثا رواه الخمسة احتوى تفصيلا لكيفية الوضوء جاء فيه «أنّ عثمان دعا بوضوء فغسل كفّيه ، ثلاث مرات ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجه ه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ، وفي رواية مضمض واستنشق واستنثر بثلاث غرفات من ماء وفي أخرى مسح رأسه ثلاثا وفي أخرى مسح رأسه فأقبل بيديه وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه» (٢). وإلى هذا فقد روى البخاري وأبو داود والترمذي حديثا عن عبد الله بن زيد «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرتين مرتين» (٣) ـ أي بدلا من ثلاث مرات لكل عمل ـ وحديثا عن ابن عباس «أن النبي توضأ مرة مرة» (٤). ومن الكيفيات المروية أيضا ما رواه أبو داود والترمذي عن أنس «أنس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا توضأ أخذ كفّا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلّل به

__________________

(١) أوردنا قبل حديثا فيه ذلك رواه أبو داود والترمذي.

(٢) التاج ج ١ ص ٩١ ـ ٩٣.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

٦٣

لحيته وقال : هكذا أمرني ربّي». وما رواه الاثنان عن أنس أيضا «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا توضأت فخلّل بين أصابع يديك ورجليك» (١) وما رواه الاثنان أيضا عن المستورد قال : «رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخلّل أصابع رجليه بخنصره» (٢) وما رواه الاثنان كذلك عن ابن عباس «أنّ النبي مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» (٣) وما رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن المغيرة «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» (٤) وما رواه أبو داود «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أسبغ الوضوء وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائما» (٥).

٤ ـ وفي الأقوال المأثورة عن ابن عباس وغيره على ما جاء في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير ما يفيد وجوب غسل المرفقين نفسهما وما يفيد عدم وجوب ذلك والاكتفاء بغسل اليدين إلى حد المرفقين. لأن صيغة الآية تتحمل هذا وتتحمل ذاك. وليس هناك أثر نبوي صريح وثابت في ذلك. وهذا جعل المسألة خلافية في المذاهب الفقهية.

٥ ـ وكما اختلف في دخول المرفقين في اليدين وعدمه اختلف في الكعبين أيضا لنفس السبب فكان غسلهما أو غسل الرجلين لحدودهما مسألة خلافية بدورها.

٦ ـ ولقد اختلف في الترتيب فمنهم من أوجبه ومنهم من لم يوجبه. والموجبون استندوا إلى ترتيب الآية من جهة وإلى الأحاديث في عملية وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جهة. وهو الأوجه فيما يتبادر لنا.

٧ ـ ولقد اصطلح الفقهاء على تسمية غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس أركانا أو فروضا وبقية العملية سنّة. ومنهم من قال إن من يفعل الأركان

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٩١ ـ ٩٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه.

٦٤

فقط يجزيه وتصح صلاته. غير أن الأكثر على كون بقية العملية المروية في الأحاديث واجبة مع الاختلاف في العدد من مرة لكل عمل إلى ثلاث بسبب اختلاف الروايات.

٨ ـ ولقد ذهب بعضهم إلى أن نية الوضوء للصلاة ركن من أركانه. وذهب بعضهم إلى عدم ضرورة ذلك. ولقد روى أبو داود والترمذي حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» (١) والمتبادر أن التسمية عند مباشرة الوضوء التي يوجبها هذا الحديث هي تعبير عملي عن النية.

٩ ـ ولقد رأى بعضهم في الآية دلالة على أن الوضوء لا يجب لغير الصلاة. وساق على ذلك حديثا رواه معزوا إلى أصحاب السنن عن عبد الله بن عباس جاء فيه «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج من الخلاء فقدّم إليه طعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء فقال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» (٢).

١٠ ـ ومن سنن الوضوء المستحبة الاستياك حيث روى مالك والبخاري حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه «لو لا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كلّ وضوء» (٣) ولقد روى البخاري والنسائي حديثا آخر عن عائشة قالت «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : السواك مطهرة للفم ومرضاة للربّ» (٤).

١١ ـ واختلف في كيفية مسح الرأس ومقداره ، فمنهم من أوجب مسحه جميعا ومنهم من أوجب مسح بعضه أو ربعه لأن الأحاديث المروية في ذلك مختلفة على ما مرّ ذكره.

١٢ ـ والمفسرون يستطردون في سياق تفسير هذه الآيات أو آية الوضوء بنوع خاص إلى ذكر المسح على الخفين. ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب اختلاف قراءة (أَرْجُلَكُمْ) ومجيء هذه الكلمة بعد جملة (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٨٨ ـ ٨٩.

(٢) انظر تفسير القاسمي.

(٣) التاج ج ١ ص ٨٨ ـ ٨٩.

(٤) المصدر نفسه.

٦٥

حيث ذهب بعضهم إلى أنها معطوفة على هذه الجملة وأن مفهومها هو مسح الرجلين وليس غسلها على ما ذكرناه قبل.

ولقد أوردوا في سياق ذلك أحاديث عديدة عن المسح على الخفين معظمها ورد في مساند الأحاديث الصحيحة (١). وليس فيها أية إشارة إلى صلة هذه المسألة بقراءة (أَرْجُلَكُمْ) حيث يصحّ القول إنها تشريع نبوي للتخفيف والتيسير وأن ذكرها في سياق الآيات هو للمناسبة أو تطبيق متأخر. وأساس السنّة لبس الخفين على طهر فلا يكون بينها وبين روح الآية القرآنية تناقض. وقد أخذ بهذه السنة معظم المذاهب الإسلامية. ومن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين حديث رواه الخمسة عن المغيرة بن شعبة «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج لحاجته فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء فصبّ عليه حين فرغ من حاجته فتوضأ ومسح على الخفين وفي رواية لأبي داود أن المغيرة قال له يا رسول الله : نسيت ، قال بل أنت نسيت ، بهذا أمرني ربّي عزوجل» (٢). وحديث رواه أبو داود وأحمد والترمذي عن بريدة «أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خفّين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما» (٣) وحديث رواه البخاري ومسلم عن المغيرة قال «كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفّيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» (٤) وحديث رواه أصحاب السنن عن المغيرة «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين وعقّب أبو داود على ذلك فقال إن عليا وابن مسعود والبراء وأنسا وأبا أمامة وسهل بن سعد مسحوا على الجوربين. وعقّب الترمذي فقال إن سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا : «يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين إذا كانا ثخينين» (٥). وقد روى أبو داود والترمذي

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.

(٢) التاج ج ١ ص ٩٤.

(٣) المصدر نفسه ص ٩٤ ـ ٩٥.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه.

٦٦

عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «المسح على الخفّين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة» (١) وروى مسلم والنسائي عن علي بن أبي طالب «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم» (٢).

١٤ ـ ويناسب البحث الإلمام بأحكام المياه التي يصحّ الوضوء والاغتسال بها. وقد رويت أحاديث عديدة في ذلك منها ما ورد في الكتب الخمسة. وهذه جملة منها :

١ ـ روى أصحاب السنن عن أبي هريرة قال «سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّا نركب البحر ونحمل القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» (٣).

٢ ـ روى أصحاب السنن عن ابن عمر قال «سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من الدوابّ والسباع فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث». وفي رواية «إذا بلغ الماء قلّتين بقلال هجر لم ينجسه شيء» (٤).

٣ ـ روى الخمسة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه وفي رواية ثم يتوضأ منه. وفي رواية نهى أن يبال في الماء الراكد» (٥).

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) التاج ج ١ ص ٧٠ والمتبادر أنه يصح الاغتسال به من الجنابة والفقهاء يعرفون (الطهور) أنه الماء الذي يزيل الحدث. أما إذا استعمل الماء بوضوء أو اغتسال فيبقى طاهرا ولكنه لا يزيل الحدث مرة ثانية.

(٤) التاج ج ١ ص ٧١ و ٧٢ وجملة (في رواية) في الذيل من الشارح وقال الشارح إن الشافعي قدر القلة بقربتين ونصف من قرب الحجاز. والقربة نحو مائة رطل بغدادي. وروى الشارح عن الشافعي وغيره أن الماء في هذا المقدار لا ينجس إذا وقع فيه نجاسة إذا لم تتغير أوصافه وينجس إذا تغيرت.

(٥) التاج ج ١ ص ٧٢ و ٧٣ والمتبادر أن الماء الدائم أو الماء الراكد هو الماء في البئر النبع الذي يبقى في العمق ولا يجري.

٦٧

٤ ـ روى البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عمر قال «كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله جميعا من إناء واحد ندلي فيه أيدينا» (١).

٥ ـ روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. فقال كيف يفعل يا أبا هريرة. قال يتناوله تناولا» (٢).

٦ ـ روى أصحاب السنن عن كبشة أنها أحضرت لأبي قتادة ماء للوضوء فجاءت هرّة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا بنت أخي فقلت نعم فقال إن رسول الله قال إنها ليست بنجس إنها من الطوّافين عليكم والطوافات» (٣).

٧ ـ روى الشافعي والبيهقي عن جابر قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلّها» (٤).

وهناك أحاديث أخرى في الكتب الخمسة وغيرها. فاكتفينا بما تقدم مع التنبيه على أن في كتب التفسير والفقه خلافات وتفريعات نتيجة لتعدد الأحاديث واختلافها ورتبها وتفسيرها لا يتسع المنهج لتفصيلها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠)) [٨ ـ ١٠]

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٧٢ و ٧٣.

(٢) المصدر نفسه ص ٧٣.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

٦٨

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ...)

والآيتين التاليتين لها

عبارة الآيات واضحة. وقد احتوت أولاها هتافا للمسلمين بأن يكونوا قوامين لله فيما أمر ونهى ومراعين جانبه وحده في الشهادة بالقسط والحق والعمل بهما والتعاون على إقرارهما دون أن يكون لبغضهم لقوم ما تأثير يؤدي إلى الإخلال بواجب العدل والانحراف عن جادة القسط والحق. فهذا هو واجبهم وهو الأمثل بالمؤمنين. والمحقق لمعنى تقوى الله. والموجب لرضائه. وعليهم أن يلاحظوا دائما أنه خبير بكل ما يفعلونه. أما الآيتان الثانية والثالثة فقد احتوتا تعقيبا على ذلك الهتاف ودعما له وتثبيتا للمسلمين : فالذين آمنوا بالله ولزموا حدوده وعملوا الصالحات لهم المغفرة والأجر العظيم وعدا من الله. أما الذين يكفرون بالله ويكذبون بآياته وينحرفون عن حدوده فهم أصحاب الجحيم.

ولقد روى الطبري أن الآية الأولى نزلت في اليهود حينما همّوا بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذه الرواية وروايات مقاربة من بابها مروية في تفسير الطبري وغيره كسبب لنزول الآية التي تأتي بعد هذه الآيات. ولم يرو المفسرون الآخرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد هذه الآيات. وفحوى الآيات يجعل المناسبة التي يرويها الطبري أكثر ملاءمة لنزول الآية التالية. ويحمل على التوقف فيها بالنسبة لهذه الآيات.

والذي يتبادر لنا من روحها وفحواها أنها نزلت في مناسبة أخرى كان فيها خصومة أو مقاضاة بين فريق من المسلمين وآخر من غيرهم. وحاول الفريق المسلم أو عمد إلى الجنف على الفريق الثاني أو الشهادة في حقه شهادة غير صحيحة متأثرا بعدائه وبغضائه. بل وقد يخطر للبال أن يكون موضوع الآيات متصلا بالآية الثانية من السورة التي تحذر المسلمين من أن يحملهم بغضاؤهم لقوم على الإثم والعدوان والتعاون عليهما. فإن صحّ هذا أمكن القول أن الآيات جزء

٦٩

من السلسلة السابقة التي يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة أو متلاحقة. وقد يبرر هذا ما بين الآيات من تماثل في الخطاب الموجّه للمؤمنين وفي الهدف التشريعي والتحذيري. وإن لم يصح فإن من المحتمل كثيرا أن تكون نزلت بعدها فوضعت بعدها أو وضعت بعدها للتناسب التشريعي. والله أعلم.

والمبدأ الذي احتوته الآية الأولى متسق من حيث الأصل مع تقريرات القرآن ومبادئه التي تضمنتها آيات كثيرة مكية ومدنية. وقد جاء ما يقاربها بنوع خاص في آية سورة النساء [١٣٥]. غير أن الأسلوب الذي جاءت به الآية والتعقيب والتدعيم والتبشير والإنذار الذي جاء في الآيتين التاليتين لها يجعل ما احتوته قويا ساطعا ، ويجعلها من أروع الآيات القرآنية وأبعدها مدى في مجال الحق والعدل والتجرد والنزاهة شهادة وعملا وقضاء وتطمينا. وفي واجب مراعاة جانب الله وحده في هذا المجال وعدم التأثر فيه بعداء وبغضاء وأحقاد. وإذا لوحظ أن الشنآن إنما كان على الأكثر واردا فيما بين المسلمين وغير المسلمين تجلّت روعة الآية ومداها أكثر. وهناك أحاديث عديدة في وجوب العدل والحكم به والشهادة به أوردناها في سياق الآية [١٣٥] من سورة النساء التي فيها أمر مماثل لما في هذه الآية فنكتفي بهذا التنبيه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)) [١١]

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ...) إلخ

وما فيها من تلقين

عبارة الآية واضحة. وقد احتوت خطابا للمؤمنين تذكرهم فيه بما كان من

٧٠

نعمة الله عليهم ورعايته لهم حينما همّ قوم أن يعتدوا عليهم فصرفهم عنهم. وانتهت بالأمر بتقوى الله ودعوة إلى الاتكال عليه.

وقد روى الطبري من طرق عديدة وبصيغ مختلفة أن الآية نزلت في مناسبة ما كان من يهود بني النضير من التآمر على اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما ذهب إليهم للاستعانة بهم على دية بعض القتلى حسب العهد الذي بينه وبينهم. وروى في الوقت نفسه أنها في صدد ما تعرّض له النبي والمسلمون من كسرة أمام الكفار يوم وقعة (بطن نخلة) أو تآمر من بعضهم على قتله. وقد نزل عليه جبريل وأخبره بذلك حتى صلوا صلاة الخوف. وروى أيضا أنها في صدد ما كان من أعرابي من نية غدر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما رآه تحت شجرة وهو في غرّة أثناء هذه الوقعة حيث عمد الأعرابي إلى سيف النبي المعلّق فأخذه وقال له من يمنعك مني. فقال الله. ولم يلبث أن شلّت يده وسقط السيف من يده. وجاء أصحاب رسول الله وهو على هذه الحالة وأرادوا الفتك به فمنعهم رسول الله وأطلقه. وعلى ما ذكره ابن سعد وابن هشام أيضا (١). ويروي الطبري رواية أخرى مفادها أن الحادث هو محاولة اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل شخص أرسلته قريش بعد وقعة بدر التي كانت في السنة الثانية للهجرة. والمفسرون الآخرون أوردوا بدورهم هذه الروايات.

ويلحظ أن الروايات تروي أحداثا وقعت في السنة الثانية للهجرة والآيات على ما يلهمه السياق نزلت بعد وقعتي الحديبية وخيبر. ولقد روي أن بعض خيالة قريش أرادوا أن يأخذوا المسلمين على غرة في الحديبية كما روي أن قبائل غطفان وأسد تجمعوا لغزو المدينة أثناء رحلة النبي والمسلمين إلى الحديبية على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة الفتح التي سبق تفسيرها قبل هذه السورة فكفّ الله أيديهم حيث يرد بالبال أن الآية بسبيل التذكير بمثل هذا الحادث القريب. ولعلّه الحادث الأول لأن روايته أوثق.

__________________

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٧٣ و ٧٤ و ٩٨ ـ ١٠٠ وابن هشام ج ٢ ص ٢١٤ ـ ٢١٧ و ١٩١ ـ ٢١٢.

٧١

ويلحظ كذلك شيء من الانسجام بين الآية والآيات الثلاث السابقة لها بحيث يتبادر أنها نزلت معها على سبيل توكيد الله ومراقبته. وأن ما احتوته من إشارة إنما كانت على سبيل التذكير في موقف يؤمر المسلمون فيه بتقوى الله والتزام حدوده.

ولقد انتهت الآية بالتنبيه إلى أن على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويعتمدوا عليه فهو كافيهم ومنجيهم من الأخطار. ومثل هذا تكرر كثيرا في الآيات المكية والمدنية لما في ذلك من معالجة روحية وبثّ للقوة المعنوية في المسلمين لمواجهة ما كانوا يتعرضون له من أخطار ومواقف محرجة. وتلقينها مستمر المدى للمسلمين في كل ظرف ومكان بطبيعة الحال على ما شرحناه شرحا وافيا في إحدى المناسبات السابقة.

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)) [١٢ ـ ١٤].

(١) النقيب : لغة من نقب الشيء أي بحثه وفحصه ، ونقيب القوم من يفحص ويبحث أحوالهم ، ثم صار علما على رئيسهم وصاحب التوجيه والأمر فيهم.

٧٢

(٢) خائنة : بمعنى خيانة.

تعليق على الآية

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ...)

والآيتين التاليتين لها وما فيها من صور وتلقين

عبارة الآيات واضحة. وفيها تذكير بما كان من أمر بني إسرائيل والنصارى. وبما أخذه الله عليهم من ميثاق بالثبات على طريق الحقّ والقيام بالواجبات المفروضة عليهم وتصديق الرسل الذين يأتونهم بالهدى من قبل الله وتأييدهم. وبما كان من نقضهم لهذا الميثاق وانحرافهم عن جادة الحق والواجب. وما كان من تحريف اليهود لكلام الله. وما كان من نتيجة لذلك من استحقاقهم للعنته وتقسية قلوبهم. وما كان من نزاع وعداء وبغضاء بين النصارى واستمرار ذلك إلى يوم القيامة حيث ينبئهم الله ويفصل بينهم فيما كانوا يصنعونه. والمتبادر أن جملة (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) أسلوبية وأن الأولى أن تحمل على أن القصد منها هو تقرير كون ما قام بين النصارى من نزاع وبغضاء وعداء هو بسبب ما كان من إهمالهم ما أمروا به وانحرافهم عن طريق الحق. وروح العبارة وفحواها يدعمان ذلك.

وفي الآية الثانية جملة اعتراضية فيها خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه ما يزال يطلع على خيانة من اليهود بسبيل توكيد استمرارهم فيما ارتكسوا فيه من انحرافات ونقض ميثاق باستثناء القليل منهم الذين يجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم العفو والتسامح معهم لأن الله يحبّ المحسنين.

ولم نطلع على مناسبة خاصة لنزول الآيات وورودها في الترتيب بعد السلسلة التشريعية يمكن أن يسوغ القول أنه قصد بها تذكير المسلمين بما كان من أمر أهل الكتاب وانحرافهم ونقضهم مواثيق الله وبما كان من نكال الله لهم باللعنة والبغضاء والعداوة وتقسية القلوب على سبيل العظة والدعوة إلى الاعتبار والتوكيد على الاستقامة على أوامر الله والتزام حدوده. وفي الآية السابعة من السورة تذكير

٧٣

بميثاق الله الذي أخذه الله من المسلمين مما قد يقوي التوجيه ، ويجعل صلة ما بين هذه الآية والآيات السابقة.

وفي الآيات صور لواقع اليهود والنصارى في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استمرارا لما قبله من انحراف واختلاف وعداوة ومذاهب وأحزاب وقتال فيما بينهم مما حكته عنهم آيات كثيرة في سورة البقرة وآل عمران والنساء ببيانات أوفى وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.

ولقد ذكر الطبري عزوا إلى ابن إسحاق خبر الاثني عشر نقيبا الذين أمر الله موسى إقامتهم ليكونوا كفلاء على قومهم ثم ذكر أن موسى أرسلهم للتجسس على الأرض المقدسة وذكر أسماءهم. وذكر ذلك ابن كثير أيضا وأورد نفس الأسماء ثم قال إنه رأى في السفر الرابع من التوراة أسماء غير هذه الأسماء وأوردها. وفي سفر العدد المتداول اليوم وهو فعلا السفر الرابع من أسفار العهد القديم خبران مستقلان. واحد في الإصحاح الثاني منه يذكر خبر أمر الله لموسى بإقامة رئيس على كل سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر وأسماءهم الذين يذكر أن الله أوحى بها. وثان في الإصحاح الثالث عشر منه يذكر أن الله أوحى لموسى بانتداب رجل من كل سبط ليذهبوا ويتجسسوا على أرض كنعان. والأسماء المذكورة في صدد كل خبر مختلفة. والسفر يذكر أن الله أوحى بأسماء الخبر الأول فقط. والأسماء التي أوردها الطبري هي أسماء الخبر الثاني حيث يبدو أن ابن إسحاق الذي يعزو الطبري إليه مزج الخبرين وسمى أسماء الخبر الثاني. وأن ابن كثير ظن أنه صحح الأسماء. ولم ينتبه إلى أن في السفر خبرين لكل منهما أسماء مختلفة عن الآخر. والمتبادر أن الاثني عشر نقيبا المذكور خبرهم في الآيات هم الذين ذكر خبرهم في الإصحاح الثاني من سفر العدد لأنهم انتدبوا بوحي الله كما ذكر الإصحاح ليكونوا رؤساء لأسباطهم. ولم نر ضرورة إلى ذكر الأسماء لأن الهدف القرآني لا يقتضيه.

وفي أسفار الخروج والأحبار والعدد وتثنية الاشتراع المتداولة اليوم والتي

٧٤

تؤرخ رسالة موسى وهارون وسيرتهما وسيرة بني إسرائيل في عهدهما ثم في أسفار عديدة أخرى مما يعود إلى حقبة ما بعد موسى وهارون من أسفار العهد القديم فصول كثيرة عن لسان الله مبلغة بواسطة موسى وأنبياء بني إسرائيل الآخرين لبني إسرائيل فيها وصايا متنوعة في التزام توحيد الله وعبادته وحده والأعمال الصالحة واجتناب الشرك والأصنام والأعمال السيئة. وفي إنذار الذين ينحرفون عن ذلك عليها سمة الوحي الرباني. وفي الأناجيل المتداولة التي تحكي رسالة وسيرة المسيح عليه‌السلام فصول كثيرة من هذا الباب أيضا مبلّغة من المسيح لبني إسرائيل وغيرهم ممن اتبع المسيح ولم يتبعه على سمة الوحي الرباني كذلك. فالمتبادر أن ذلك هو المواثيق التي ذكرت الآيات أن الله تعالى قد أخذها من نقباء بني إسرائيل وأسباطهم ومن النصارى فانحرف معظمهم عنها فاستحقوا ما تضمنته الآيات من اللعنة والتنديد والإنذار.

ولقد لحظ بعض المفسرين عدد النقباء في الآية ولحظوا أن المسيح عليه‌السلام اتخذ مثل عددهم تلامذة وحواريين على ما شرحناه في سياق تفسير سورة آل عمران. وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل على جماعات الخزرج والأوس حينما بايعوه بيعة العقبة الثانية اثني عشر نقيبا على ما شرحناه في سياق سورة الأنفال حيث رأوا في هذا إلهاما ربّانيا متوافقا مع ما كان من ذلك بالنسبة لموسى أولا ولعيسى ثانيا عليهما‌السلام والله تعالى أعلم.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)) [١٥ ـ ١٦].

٧٥

تعليق على الآية

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً ...) إلخ

والآية التالية لها.

ومدى ما فيها من دعوة صريحة لأهل الكتاب

وروعة أسلوبها وهدفها ورسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتبه إلى ملوكهم.

ومسألة تحريف وإخفاء الكتب السماوية السابقة

الآيتان موجهتان إلى أهل الكتاب وعبارتهما واضحة. وفيهما إيذان لهم بأنه قد جاءهم رسول الله ليبين لهم كثيرا مما أخفوا وأهملوا من كتاب الله وأحكامه. وليتسامح معهم في أمور كثيرة. ومعه كتاب من الله ونور مبين من شأنهما هداية من حسنت نيته ورغب في رضاء الله ورضوانه إلى سبيل الأمن والسلام والطريق المستقيم وأخرجهم من الظلمات إلى النور.

وينطوي في العبارة القرآنية تقرير كون ما جاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كتاب ونور كفيلين بإنقاذ أهل الكتاب المخاطبين من الخلافات والإشكالات والانحرافات التي ارتكسوا فيها فأدّت إلى النتائج التي ذكرتها الآيات السابقة.

ولقد روى الطبري عن عكرمة أن يهودا جاؤوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه عن الرجم واجتمعوا في بيت فقال لهم أيّكم أعلم فأشاروا إلى ابن صوريا فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى ورفع الطور وبالمواثيق التي أخذت عليهم أن يقول الحق. فقال إن نساءنا نساء حسان فكثر فينا القتل فاختصرنا .. فجلدنا مائة وحلقنا الرؤوس وخالفنا بين الرؤوس إلى الدواب. فحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الزاني منهم بالرجم فأنزل الله (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) الآية وأنزل فيهم كذلك هذه الآية (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [٧٦]. والآية الثانية من آيات سورة البقرة. وجعلنا كمناسبة للرواية غريب. وروي مثل هذه الرواية كمناسبة لنزول آيات أخرى من هذه السورة. وفحوى الآيتين اللتين نحن في صددهما والسياق السابق لهما

٧٦

يسوغ التوقف في الرواية والقول إن الآيتين متصلتان بما سبقهما وإنهما جاءتا على سبيل الاستطراد إلى دعوة أهل الكتاب عقب الآيات الثلاث التي احتوت حكاية ما كان من نقض اليهود والنصارى لمواثيق الله وانحرافهم عنها وتعرضهم لسخط الله ونقمته بسبب ذلك وتقرير ما كان من واقع أمرهم عند نزولها لتهيب بهم إلى الانضواء إلى ما جاء به رسول الله والاهتداء بهدي نور الله وكتابه.

وأسلوب الدعوة في الآيتين قوي موجّه إلى العقل والقلب معا كما هو ظاهر. والمتبادر أنه ينطوي فيه قصد التأنيس والتذكير بما يجمع بين هذه الدعوة وأهل الكتاب من رسالات الله وكتبه ومواثيقه. وتقرير كونها بمثابة إنقاذ لهم مما هم فيه من خلاف ونزاع. وفرصة للسير في طريق الأمن والسلام.

ودعوة أهل الكتاب في هذه الآيات إلى الإيمان برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المصدقة لما عندهم ليست جديدة. فقد تكررت في القرآن المكي والمدني بأساليب متنوعة قبل هذه المرة. غير أنه يلحظ أنها جاءت هنا صريحة أكثر في بيان كون رسول الله قد أرسل إليهم وكون القرآن نورا وهدى لهم وأكثر تعميما وتوجيها في الخطاب.

ولما كان فريق من أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد آمنوا قبل نزول هذه الآية بالرسالة المحمدية في مكة ثم في المدينة نتيجة للدعوة السابقة ولما رآه الذين آمنوا من تطابق بينها وبين ما عندهم على ما ذكرته آيات عديدة مكية ومدنية أوردناها في مناسبات سابقة فتكون الدعوة في الآية استئنافية موجهة إلى الذين لم يؤمنوا بعد لأسباب متنوعة نبهنا عليها كذلك في مناسبات سابقة.

ومن الغريب أن تكون هذه الصراحة في هذه الآية ـ وقد جاء بعد قليل آية أخرى فيها صراحة قوية بأسلوب آخر ـ ثم يصرّ المبشرون وبعض المستشرقين على القول إن ما في القرآن من نصوص لا يدلّ على شمول رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغير العرب من الملل والنحل الأخرى. بل وإننا لنرى في هاتين الآيتين وفي الآية التي تأتي بعد قليل ما يمكن أن يكون فيه تأييد لما روته الروايات من إرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسله وكتبه

٧٧

إلى ملوك الأقطار المجاورة لجزيرة العرب وأكثرهم نصارى وهم ملوك الروم ومصر والحبشة وغسان والفرس يبلغهم أنه رسول الله إليهم ويدعوهم إلى الإسلام من حيث إن هذه الآيات وأمثالها وبخاصة الآيتين [٦٦ ـ ٦٧] من هذه السورة اللتين سوف نشرحهما في مناسبتهما هي التي حفزت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خطوات عملية في سبيل تبليغ دعوته إليهم وإلى غيرهم من ملوك وأمراء وزعماء الأنحاء البعيدة عن الحجاز من جزيرة العرب مثل اليمن وحضرموت والبحرين وعمان. والروايات تذكر (١) أن هذا الأمر قد وقع بعد صلح الحديبية وفراغ بال النبي من قريش واليهود في المدينة والمقري الأخرى. وهذه الآيات قد نزلت على ما يلهمه سياق السلسلة منذ بدء السورة بعد صلح الحديبية.

ولقد أثرت نصوص مختلفة لكتاب الدعوة الذي أرسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للملوك وأشهرها هذا النصّ المعنون إلى هرقل (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (٢) (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)) [آل عمران : ٦٤]) (٣).

ونحن نعرف أن بعض المستشرقين يشككون في ذلك بسبب ثغرات وعلل زعموها في النصوص العديدة المروية. بل وبعضهم يقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر ابن سعد ج ٢ ص ٢٣ ـ ٢٧ وابن هشام ج ٤ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٠ وكتاب الأموال للإمام القاسم أبي عبيد ص ٢٠ ـ ٢٢. والخبر ورد في سياق طويل رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وأوردناه في سياق تفسير الآية [٦٤] من سورة آل عمران.

(٢) فسر الإمام أبو عبيد الأريسيين بالأتباع والرعية.

(٣) هذا النص وارد في الحديث الطويل المذكور الذي يرويه البخاري ومسلم عن ابن عباس انظره في التاج ج ٤ ص ٦٥ ـ ٦٩.

٧٨

لم يكن يفكر في خارج الحجاز أو على أبعد تقدير في خارج الجزيرة. ولم يكن ليجرأ على إرسال رسل وكتب إلى أكبر ملوك الأرض إذ ذاك. والثغرات المزعومة ليس من شأنها نفي أصل الخبر الذي أجمعت عليه الروايات القديمة. والقول بعدم التفكير في خارج الجزيرة يكذّبه ما يكاد يكون يقينيا من الجيش الذي سيره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الظروف التي رويت فيها الروايات إلى مؤتة في البلقاء للانتقام من الذين قتلوا بعض رسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن الجيش العظيم الذي قاده بنفسه إلى تبوك لتأديب قبائل النصارى في مشارف الشام ومقابلة ما بلغه من تجمع الروم لغزو المدينة نتيجة لغزوة مؤتة. أما القول بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن ليجرأ على إرسال رسله إلى ملوك الأرض فهو هراء بالنسبة إلى صاحب دعوة مؤمن بدعوته أعمق الإيمان ومستغرق فيها أشدّ الاستغراق ومعتقد بواجبه بنشرها في مشارق الأرض ومغاربها وإبلاغها لجميع البشر تنفيذا لأمر ربه القرآني أقوى الاعتقاد. وقد رأى علماء اليهود الراسخين في العلم قد آمنوا بها ورأى النصارى الذين هم في الحجاز قد آمنوا بها ورأى وفود النصارى الذين فيهم القسيسون والرهبان قد آمنوا بها وقد فاضت أعينهم بالدموع مما عرفوا فيها من الحق على ما ذكرته الآيات العديدة التي أوردناها في مناسبات سابقة وبخاصة في مناسبة تفسير آية الأعراف [١٥٧].

تعليق على الآية

(يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ)

وما ينطوي فيها من قرائن وصور

هذا ، وجملة (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) جديرة بالتنبيه من حيث انطواؤها على تقرير كون أهل الكتاب كانوا يخفون كثيرا مما عندهم من كتب الله. ومع أن

٧٩

تقرير القرآن فوق مستوى أي شكّ في صحته مبدئيا فإننا لا نشكّ في أن ذلك كان مما ثبت بوقائع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعض أهل الكتاب أيضا. ولعلّ أمر القرآن للنبي بتحدّي اليهود بالإتيان بالتوراة في موقف من مواقف مكابرة لهم على ما جاء في آيات سورة الأعراف [٩٣ و ٩٤] حيث شرحناه من الدلائل الحاسمة بالنسبة لليهود بخاصة.

ولقد آمن فريق من أهل الكتاب بالرسالة المحمدية وبالقرآن لأنهم وجدوا بينهما وبين ما عندهم من الكتاب تطابقا وتوافقا على ما قررته آيات قرآنية عديدة منها آية الأعراف هذه (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [١٥٧] وآيات القصص هذه (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)) وآيات المائدة هذه (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)) (١).

ولقد قلنا قبل إن هذه الدعوة المستأنفة هي موجهة بخاصة للذين لم يكونوا قد آمنوا بعد من أهل الكتاب. فتكون الجملة قد عنت هؤلاء في الدرجة الأولى. والمتبادر أنهم كانوا ينكرون كثيرا مما عندهم ويخفونه بدافع البغي والمكابرة ولئلا يكون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجة عليهم مما أشارت إليه آيات عديدة منها آيات البقرة هذه (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا

__________________

(١) اقرأ أيضا آيات آل عمران [١١٣ ـ ١١٤ و ١٩٩] والنساء [١٦١] والأنعام [١١٤] والرعد [٣٦] والإسراء [١٠٧ و ١٠٨] والعنكبوت [٤٧] ففيها شواهد أخرى على إيمان جماعات من أهل الكتاب وأهل العلم والراسخين في العلم بالقرآن والرسالة المحمدية وفرحهم بهما وتصديقهم بأنهما من عند الله تعالى.

٨٠