التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

سورة التحريم [٩] من أن القتل والقتال لمن كفر بعد إيمانه علانية وأصرّ على ذلك دون من يكون قال ذلك خفية وعلم الله به ولكنه أنكره وقال إني مسلم إذ يكون بذلك قد حقن دمه وحسابه على الله.

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)) [٧٥ ـ ٧٨].

في هذه الآيات :

١ ـ صورة أخرى من مواقف المنافقين حيث كان بعضهم يعاهد الله وينذر على نفسه إن آتاه الله من فضله ووسع عليه الدنيا بأن يتصدق ويخلص فلما حقق الله له أمنيته بخل وأخلف وعده.

٢ ـ وتعقيب على هذه الصورة يتضمن تقرير كون هذا الموقف قد أدى إلى اندماغ المخلف بالنفاق اندماغا مستمرا إلى يوم يلقى الله لأنه أخلف فيما وعد وكذب على الله تعالى فعاقبه الله على ذلك.

٣ ـ وسؤال استنكاري فيه إنذار ووعيد عما إذا كان المنافقون وهم يقفون مثل هذه المواقف الغادرة الكاذبة لا يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأنه علام الغيوب لا تفوته هاجسة ولا يغرب عن علمه شيء مما يدور في خلدهم؟

تعليق على الآية

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ...) إلخ

والآية التالية لها وما فيهما من صور وتلقين

ولقد روى المفسرون (١) أن شخصا اسمه ثعلبة بن حاطب طلب من رسول

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي والطبرسي.

٥٠١

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدعو الله ليرزقه مالا فقال له ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. فأعاد عليه السؤال فقال له أما ترضى أن تكون مثل نبي الله والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت. فقال له والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كلّ ذي حق حقه. فقال رسول الله اللهمّ ارزق ثعلبة مالا. فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت عليه المدينة فتنحّى عنها فنزل واديا وصار يقصر في واجبات الصلاة. وظلّ ماله ينمو وعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمره فأرسل من يأخذ صدقة ماله منه فأبى وقال ما هذه إلا جزية أو أختها ، فأنزل الله فيه الآيات. ورووا إلى هذه الرواية روايات أخرى منها أن ثعلبة نذر بما نذر أمام ملأ من قومه ثم ورث مالا فلم يف بما وعد. ومنها أن هذا النذر كان من جماعة من بني عوف فآتاهم الله من فضله فبخلوا. ومنها أنها نزلت في حاطب بن بلتعة. كان له مال في الشام فأبطأ عليه وجهد لذلك جهدا شديدا فحلف لئن أتاه ذلك المال ليصدقن فأتاه فلم يفعل.

وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب أحاديث معتبرة. ولقد روينا قصة لحاطب بن بلتعة في سياق سورة الممتحنة تفيد أنه كان مخلصا وممن شهدوا بدرا. لذلك نستبعد صحة الرواية عنه. وفي الرواية التي ذكر فيها ثعلبة أن بعض أقاربه قال له ويحك قد أنزل الله فيك قرآنا فخرج حتى أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله أن يقبل صدقته فقال له إن الله منعني من ذلك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال له رسول الله هذا عملك فقد أمرتك فلم تطعني. وقبض رسول الله ولم يقبض صدقته. فأتى أبا بكر فعرض عليه صدقته فقال له لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها مستنكرا. وقبض أبو بكر ولم يقبضها ، فجاء إلى عمر فرفضها ، ثم جاء بعده إلى عثمان فرفضها. ومات في زمن عثمان. وهذا التفصيل عجيب. فالروايات لا تذكر أنه كان من المنافقين. والآية السابقة تشجع المنافقين على التوبة وتعدهم بالخير إذا فعلوا. والآية الثانية إلى كل هذا تلهم أن الذين عاهدوا الله وأخلفوه أكثر من واحد وأنهم كانوا من المنافقين.

وعلى كلّ حال فالآيات تضمنت حكاية مشهد أو صورة خبيثة من مشاهد

٥٠٢

المنافقين ومواقفهم. والذي نرجحه أن ذلك كان مما وقع قبل غزوة تبوك فاحتوت الآيات تذكيرا بذلك في معرض سرد أخلاق المنافقين كما هو الحال في الآيات السابقة. وأن الآيات والحكمة هذه جزء من السلسلة ولم تنزل لحدتها في مناسبة إحدى الروايات المروية والله تعالى أعلم.

وواضح أن الآيات تنطوي كسابقاتها على تلقين مستمر المدى بتقبيح هذه الصورة وتقرير كونها من أخلاق المنافقين.

ولقد أورد الطبري في سياقها بعض الأحاديث من ذلك حديث مرفوع رواه قتادة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة. قالوا ما هي يا رسول الله قال إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم. أبصاركم عن الخيانة. وأيديكم عن السرقة. وفروجكم عن الزنا» وحديث مرفوع آخر رواه الحسن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثلاث من كنّ فيه صار منافقا وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم. إذا حدّث كذب وإذا أؤتمن خان وإذا وعد أخلف». وهناك حديثان من باب الثاني رواهما الشيخان والترمذي وأبو داود جاء في أحدهما عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» (١). وثانيهما عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهنّ كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها. إذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر» (٢).

وفي الأحاديث مقاييس بليغة للمنافقين. ومن الحكمة المنطوية فيها كما هو المتبادر تقبيح هذه الصفات والتحذير منها وتقرير كونها لا يمكن أن تكون في مؤمن مخلص.

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٤١.

(٢) المصدر نفسه.

٥٠٣

لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)) [٧٩]

(١) المطوعين : المتطوعين. وروح الآية تلهم أنها هنا في معنى المتبرعين في الصدقات.

في الآية :

(١) صورة خبيثة أخرى للمنافقين حيث كانوا يعيبون المتبرعين من المؤمنين بالصدقات ويسخرون منهم وبخاصة من الذين يتصدقون بالقليل الذي يبلغ إليه جهدهم وطاقتهم.

(٢) وتعقيب تنديدي على ذلك : فهم أحق بالسخرية. وليسخرن الله منهم وليكونن لهم عنده العذاب الأليم.

تعليق على الآية

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ...) إلخ

وما فيها من صور وتلقين

روى البخاري عن ابن مسعود حديثا جاء فيه : «لما أمرنا بالصدقة كنّا نتحامل فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجاء إنسان بأكثر منه فقال المنافقون إنّ الله لغنيّ عن صدقة أبي عقيل. وإنّ الآخر ما فعل إلا رئاء فأنزل الله الآية» (١) ولقد أورد الطبري وغيره هذا الحديث وأوردوا معه روايات أخرى (٢) مفادها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا المسلمين إلى التصدق فأقبلوا أغنياء وفقراء كل بحسبه. فكان من الأغنياء عبد الرحمن بن عوف الذي تصدّق بنصف ماله البالغ أربعة آلاف دينار أو بأربعمائة أوقية من فضة أو بأربعين أو بمائة أوقية من ذهب. وعاصم بن عدي الذي تبرّع بمائة وسق من تمر. وعمر بن الخطاب الذي تبرّع بمال كثير. وكان من الفقراء أبو

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١١٨.

(٢) انظر أيضا البغوي وابن كثير والطبرسي.

٥٠٤

عقيل وفي رواية أخرى أبو خيثمة جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له لقد أجرت نفسي ونلت صاعين من تمر فأمسكت بأحدهما وأتيتك بالآخر فأخذ المنافقون يلمزون الأغنياء بالرياء ويسخرون بأبي عقيل أو أبي خيثمة ويقولون إن الله ورسوله لغنيان عنه. وأنه لم يأت بصاعه إلّا ليذكر بين الناس. ومما رووه أيضا أن رسول الله هتف يوما قائلا من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة فجاء رجل ليس في البقيع رجلا أقصر منه قامة ولا أشدّ سوادا ولا أذم لعين منه يقود ناقة ليس في البقيع أحسن ولا أجمل منها فقال أصدقة يا رسول الله قال نعم قال فدونكها فألقى إليه بخطامها. فقال والله إنه ليتصدق بها ولهي خير منه. فنظر رسول الله فقال بل هو خير منك ومنها. وليس ما يمنع أن المواقف كانت تتكرر فتعددت الروايات وإن كان من الصحيح أن يؤخذ بحديث البخاري على أنه سبب نزول الآية مباشرة. ونرجح أن الوقائع المروية وقعت قبل السفر إلى تبوك. ولعلها وقعت في مناسبة الإعداد لغزوة تبوك. وأن الآية لم تنزل حين وقعت. وأنها جزء من السلسلة في معرض ذكر أخلاق ومواقف المنافقين والتنديد بهم.

والصورة من الصور الخبيثة المألوفة من ذوي القلوب المريضة في مختلف الظروف حيث يبخلون بما آتاهم الله ثم يقدحون في ذوي النفوس السمحة من قبيل التعطيل والتغطية على بخلهم. وواضح أن في الآيات تلقينا مستمر المدى في تقبيح هذه الصورة وتقرير كونها من أخلاق المنافقين.

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)) [٨٠].

تعليق على الآية

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ...)

ومداها وما ورد في صددها من أقوال وروايات وأحاديث

عبارة الآية واضحة. والخطاب فيها موجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وضمير الجمع

٥٠٥

الغائب عائد إلى المنافقين الذين هم موضوع الحديث في الآيات السابقة. وهي بسبيل تسجيل كفرهم وفسقهم وعدم إمكان شمولهم بغفران الله تعالى سواء أستغفر لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لم يستغفر لهم حتى ولو استغفر لهم سبعين مرة. فإن الله لا يمكن أن يوفق ويهدي الفاسقين عن أوامره.

وقد روى المفسرون (١) أن المنافقين لما نزلت الآيات السابقة التي تحكي مواقفهم وتفضحهم وتندد بهم لجأوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتذرون ويطلبون منه الاستغفار لهم وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن الله خيّرني أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم فاستغفر لهم أو همّ بذلك فأنزل الله الآية. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدها : «لأزيدنّ على السبعين أو سأستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين ...».

ولقد روى الشيخان والترمذي حديثا عن ابن عمر قال : «لما توفّي عبد الله بن أبيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن به أباه. فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه فقام رسول الله ليصلّي عليه فقام عمر فأخذ بثوب النبي فقال يا رسول الله تصلّي عليه. وقد نهاك ربّك فقال إنما خيرني الله فقال (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وسأزيده على السبعين. قال عمر إنه منافق. قال فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)» (٢). وبقطع النظر عما يتحمله هذا الحديث من ملاحظات سوف نوردها في سياق تفسير الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ...) التي ستأتي بعد قليل فإن خبر مسارعة المنافقين إلى الاعتذار للنبي وطلب الاستغفار منه لهم بعد نزول الآيات القارعة فيهم محتمل الصحة. وبخاصة بالنسبة للمنافقين الذين كانوا معه في غزوة تبوك. لأننا نعتقد أن هذه السلسلة نزلت أثناء هذه الغزوة على ما تلهمه القرائن العديدة في آياتها السابقة واللاحقة. غير أننا

__________________

(١) انظر تفسير الخازن مثلا وانظر أيضا تفسير الطبري وابن كثير والبغوي.

(٢) التاج ج ٤ ص ١١٨.

٥٠٦

في حيرة من تتمة الروايات وبخاصة من حديث ابن عمر الذي يرويه الشيخان. فليست هذه أولى مرة يؤذن القرآن ورسول الله بأن الله لن يغفر لهم سواء استغفر لهم أم لم يستغفر حيث ورد هذا في الآية [٦] من سورة المنافقون. ويصعب علينا أن نسلّم بأن رسول الله استغفر لهم أو همّ بذلك. أو حدّث نفسه ، بعد هذا التوكيد الحاسم الذي جاء في الآية التي نحن في صددها بعد آية المنافقون. أو أن يكون قد فهم عبارة آية التوبة فهما عدديا. ولا سيما أنها تلهم بقوة أنها على سبيل التغليظ والتشديد. ومع ذلك فليس لنا إذا صح الحديث إلا أن نقول إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اجتهد في الأمر ورأى أن التأييد القرآني بعدم مغفرة الله للمنافقين هو في حق أناس علم الله أنهم لا يصدقون في الندم وطلب الغفران وأن عفو الله تعالى ورحمته تتسعان لقبول استغفاره لمن يرى أن يستغفر له منهم إذا ما استغفر لهم أكثر من سبعين مرة. أو لمن يرى أنه صادق في ندمه وتوبته وطلب الغفران. ولعلّه استند في اجتهاده إلى الآية [٧٤] التي شجعت المنافقين بعد أن قررت أنهم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم وهمّوا بما لم ينالوا على التوبة والندم ودعتهما إليهما وقالت إن ذلك خير لهم تساوقا مع الهدف الإصلاحي الذي استهدفته حكمة التنزيل من جعل باب التوبة مفتوحا لكل الناس مهما فعلوا على ما شرحناه في سورة البروج. وسيأتي في سياق آيات تجيء بعد قليل حديث بأن بعض المنافقين ممن لم يكن النبي يعلم نفاقهم جاؤوه نادمين وطلبوا أن يستغفر لهم فاستغفر لهم ودعا لهم مما قد يكون فيه تدعيم. والله تعالى أعلم.

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ

٥٠٧

يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)) [٨١ ـ ٨٥].

(١) المخلّفون : المخلّفون وراءك أو المتخلفون.

(٢) خلاف رسول الله : إما أنها بمعنى خلف أو بعد أو وراء وإما أنها بمعنى مخالفة لرسول الله.

(٣) مع الخالفين : قيل إنها بمعنى المخالفين. وهناك من قرأها كذلك. وقيل إنها بمعنى المتخلفين الذين تجعلهم طبيعة حالتهم يتخلفون كالنساء والصبيان والزمنى والمرضى والعميان. وهذا هو الأوجه كما هو المتبادر.

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت :

١ ـ إشارة تنديدية إلى ما كان من فرح المتخلفين عن غزوة تبوك واغتباطهم بسبب نجاحهم في الاعتذار والتخلف كراهة منهم للجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. وما كان من تثبيطهم غيرهم عنها بحجة شدة الحر.

٢ ـ وردّا عليهم مع الإنذار والإغلاظ. فعلى النبي أن يهتف جوابا على هذا بأن نار جهنم التي استحقوها بسبب مواقفهم أشدّ حرا لو علموا. وأنهم إذا فرحوا وضحكوا الآن فليس إلا لوقت قصير يعقبه البكاء الكثير والندم الشديد على ما اقترفوا. وعلى النبي إذا ما أعاده الله إلى المدينة سالما واستأذنه المتخلفون ليخرجوا معه في غزوة أخرى أن يرفض السماح لهم وأن يلعنهم أنهم لن يكون لهم ذلك ولن يقاتلوا معه عدوا. لأنهم رضوا بالقعود أول مرة وابتهجوا فليبقوا حيث هم مع الخالفين بعيدين عن المكرمات. ثم عليه أن لا يصلي على أحد يموت بعد الآن منهم قط. ولا يقف على قبره داعيا له. فقد كفروا بالله ورسوله وماتوا على كفرهم وفسقهم فلم يبق محل للأمل فيهم والإشفاق عليهم والاستغفار والدعاء لهم. وعليه أن لا يغترّ ويعجب بما لهم من مال وولد مهما كثر وأن لا يظن أنها نعمة من الله رآهم جديرين بها. وإنما هي ابتلاء واختبار. وستكون سببا لعذابهم في الدنيا وخروجهم منها كافرين نتيجة لما هم عليه من خبث نية وسوء طوية ومنكر أفعال ومواقف.

٥٠٨

تعليق على الآية

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ ...)

والآيات الثلاث التي بعدها

وما فيها من دلالات وتلقينات وتمحيص وما روي من روايات

عن صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كبير المنافقين ابن أبيّ بن سلول

روى الطبري أن رجلا من بني سلمة قال لا تنفروا في الحرّ حينما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حرّ شديد إلى تبوك فأنزل الله (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا). والرواية لم ترو في كتب حديث معتبرة. والجملة جزء من آية والآية جزء من آيات تامة الانسجام وفيها إشارة صريحة إلى أنها نزلت في غزوة تبوك. فالذي يستقيم مع هذا أن يكون في الجملة ردّ على قول المنافق أو المنافقين الذين قالوا ذلك القول في سياق الحملة عليهم لتخلّفهم.

ولقد روى الطبري أيضا أن ابن أبيّ بن سلول أرسل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مريض ليأتيه فنهاه عمر ولكن النبي أتاه فلما دخل عليه قال له أهلكك حبّ اليهود فقال يا نبيّ الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ولكن لتستغفر لي. وسأله قميصه أن يكفن به فأعطاه إياه فكفن به حين مات ونفث في جلده وولاه في قبره. وفي رواية أخرى يرويها الطبري أن عبد الله بن أبي بن سلول وهو مؤمن مخلص هو الذي طلب من النبي حينما مات أبوه أن يعطيه قميصه ليكفنه به وأن يصلي عليه. وروى الشيخان والترمذي حديثا عن ابن عمر أوردناه في سياق تفسير الآيات السابقة فيه توافق مع ما ورد في هذه الروايات. وقد جاء فيه أن الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ..) نزلت في هذه المناسبة.

ونحن في حيرة من هذه الروايات وبخاصة من هذا الحديث. فالآيات جملة منسجمة وفي إحداها كما قلنا آنفا صراحة بأنها نزلت أثناء غزوة تبوك. والآية التي يروي الحديث نزولها في مناسبة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عبد الله بن أبيّ جزء من السياق والكلام. وتتبعه تتمة للكلام وتتمة للسياق. ويلحظ أن الحديث والرواية

٥٠٩

يذكران أن عمر قال للنبي كيف تصلّي عليه وقد نهاك ربّك؟ في حين أن الحديث يذكر أن الله أنزل الآية بعد صلاة النبي عليه. ويلحظ كذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر إنما خيّرني الله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وسأزيده على السبعين. والفرق ظاهر بين الاستغفار والصلاة على كل حال مهما كان معنى الصلاة هو الاستغفار. وهذا فضلا عما نبّهنا عليه قبل من بعد احتمال أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد فهم النهي عن الاستغفار على هذا الوجه الذي جاء في الحديث وأن يكون قد استغفر له أو لغيره بعد نزول الآيات.

والحديث يذكر أن الآية (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ...) نزلت بعد أن صلّى النبي على ابن أبيّ بن سلول. وروايات الحديث المعتبرة تذكر أن هذا كان حيا حينما توجه النبي إلى تبوك وأنه ضرب معسكره إلى جانب معسكر النبي ثم تخلص واعتذر عن السفر على ما شرحناه قبل في سياق موجز قصة غزوة تبوك (١). وهذا يعني إذا صحّ الحديث أنه مات بعد رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغزوة. والآية جزء منسجم كل الانسجام كما هو واضح من آيات نزلت أثناء هذه الغزوة. ومن الصعب التوفيق بين كل هذا وبين الروايات المتناقضة معه وبخاصة بينه وبين الحديث الذي يرويه الشيخان والترمذي. ونميل إلى القول إن في الحديث والروايات شيئا من الالتباس والتداخل. وأن كل ما يمكن أن يكون هو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجاب التماس عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول المؤمن المخلص فأعطاه قميصه ليكفن به أباه الذي مات بعد العودة من تبوك تطييبا له على إخلاصه وتألفا للمترددين من قومه دون أن يكون ذلك مناسبة لنزول الآية. وفي الحديث أن عمر قال للنبي كيف تصلّي عليه وقد نهاك ربّك. وهذا يعني إذا صح أن عمر استند إلى الآية التي نزلت أثناء الغزوة في حق جميع المنافقين. ولقد ذكر الطبرسي أن النبي لم يصلّ على ابن أبيّ بن سلول ولكنه لم يسند قوله إلى سند معين. ولقد روى الطبري عن أنس أن رسول الله أراد أن يصلّي عليه فأخذ جبريل بثوبه فقال ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره. وهذه الرواية تؤيد رواية الطبرسي من جهة وتنطوي على تصحيح لما

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ج ٤ ص ١٧٣.

٥١٠

التبس من رواية نزول الآية في هذه المناسبة حيث تفيد إذا صحت أن جبريل إنما ذكّر بالآية تذكيرا. ونحن نميل إلى ترجيح رواية عدم الصلاة لأنها المعقولة أكثر بعد أن نهي النبي عن الصلاة عن أي منافق في آية سابقة النزول بأسلوب حاسم والله تعالى أعلم.

ولقد روى المفسرون فيما رووا خبر إسلام ألف من قوم ابن أبي بن سلول نتيجة لما كان من تصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكريم إزاءه. وروح آيات عديدة من هذه السورة تلهم بقوة كما نبهنا عليه في مناسباتها أن المنافقين قبل غزوة تبوك قد تضاءلوا عددا وشأنا. وهذا ينقض الرواية كما هو المتبادر. فألف رجل في المدينة رقم عظيم. ولا يعقل أن يكون صحيحا. والروايات التي ذكرت المعسكر الذي ضربه المنافقون وتظاهروا به أنهم خارجون إلى الغزوة مع النبي لم يكن فيه إلّا نحو ثمانين شخصا ....

ويلحظ أن الآية [٨٥] جاءت تكرارا للآية [٥٥] من هذه السورة بفرق يسير. وقد يلمح في هذا التكرار أن كثرة الأموال والأولاد التي كانت للمنافقين كانت تشغل حيزا غير يسير في أذهان المؤمنين فاقتضت حكمة التنزيل تكرار بثّ القوة والعلوّ والتهوين في نفوسهم وتوكيد المدى الذي في الآية وأمثالها على ما شرحناه في سياق الآية [٥٥].

وتعبير (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) يدلّ بصراحة كما قلنا أن هذه الآيات والسلسلة التي قبلها قد نزلت أثناء سفرة تبوك مستهدفة التنديد والتقريع بالمعتذرين والمتخلّفين المنافقين وفضح أخلاقهم والتذكير بمواقفهم على سبيل التوكيد والتدعيم من جهة وتثبيت المؤمنين المخلصين الذين اشتركوا في الغزوة من جهة أخرى. وتعبير (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) يؤيد ما روي من أن هذه الغزوة كانت في موسم الصيف. وفي تعبير (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) صورة لما كان يجري من تشييع الجنائز والدعاء على قبور الأموات بعد مواراتهم والجلوس عندها لتأنيسهم. والمتبادر أن هذا مما كان قبل الإسلام عند العرب أيضا.

٥١١

والآيات قوية التلقين كسابقاتها بالموقف الحاسم الذي يجب على النبي والمسلمين أن يقفوه من المنافقين. بل فيها ما هو أشدّ مما احتوته الآيات السابقة حيث توجب اعتبارهم خارج صف المسلمين فلا يدعونهم ليشتركوا معهم في حرب ولا يجوز أن يصلّوا على أحد منهم حينما يموت ولا يقوموا على قبره. لأنهم آثروا القعود مع الضعفاء والعجزة والصبيان فيجب أن يبقوا في النطاق الذي وضعوا أنفسهم فيه ، ولأن من مات منهم على حالته فقد مات كافرا فاسقا. وهذا من دون ريب متناسب مع موقفهم النفاقي وتخلفهم عن الجهاد بالمال والنفس والتثبيط عنهما مع شدة صلة ذلك بالدعوة الإسلامية ومصلحة المسلمين العامة. وفي كل هذا تلقين جليل مستمر المدى لما يجب أن يكون موقف المخلصين من أمثال هؤلاء وبخاصة حينما يتهربون من التضامن مع الناس وأداء واجباتهم في الأزمات والشدائد معتذرين بالأعذار الكاذبة ومنطلقين بمختلف أساليب المكر والحيل ، والبخل والتثبيط والتعطيل والفرح بالعافية مما قد يلمّ بالناس من محن وبلاء في سبيل الله.

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧)) [٨٦ ـ ٨٧].

(١) أولو الطول : ذوو القدرة والاستطاعة واليسار.

(٢) الخوالف : يصحّ أن يكون المقصود بالكلمة الإشارة إلى النساء اللاتي كن بطبيعتهن يتخلفن عن الحرب في البيوت دون الرجال. ويصحّ أن يكون المقصود من يتخلّف عادة من نساء ومرضى وصبيان وشيوخ بصورة عامة. وقد عبر عن ذلك في آية سابقة بكلمة (الْخالِفِينَ).

عبارة الآيتين واضحة. ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولهما. والمتبادر أنهما استمرار في الحملة على المنافقين المتخلفين التي وردت في السياق السابق ، فهم كلما أنزل الله أمرا قرآنيا بالإيمان به والجهاد في سبيله بادر ذوو القدر

٥١٢

واليسار منهم إلى الالتماس من النبي بأن يدعهم يبقون مع القاعدين عن الحرب. راضين بذلك مهانة البقاء مع الخوالف العجزة فكان ذلك مظهرا من مظاهر انغلاق قلوبهم وأفهامهم عن إدراك مغبة موقفهم ومهانته.

(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)) [٨٨ ـ ٨٩].

وعبارة الآيتين كذلك واضحة. وصلتهما بالسياق قائمة من حيث ورودهما على سبيل التنويه والإشادة بموقف المخلصين الذين كانوا يلبّون دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتنفيذ أمر الله فيسارعون معه إلى الجهاد بأموالهم وأنفسهم. والبشرى لهم. وتقرير فلاحهم وسعادتهم ورضاء الله عنهم والمقابلة لما ذكر من مواقف المنافقين وأخلاقهم ، والتنديد بهم وإنذارهم في الآيات السابقة مما جرى عليه النظم القرآني في المناسبات المماثلة التي مرّت أمثلة عديدة منها.

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)) [٩٠].

١ ـ المعذّرون : قيل إنها بمعنى (المعتذرون) أي الذين اعتذروا عن الاشتراك في غزوة تبوك. وقيل إن المعذّر هو الذي يتوسل بعذر غير قوي وغير وجيه وغير معقول. أو المقصّر في الأمر المتواني فيه.

تعليق على الآية (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ..)

وما روي في صددها من روايات وما انطوى فيها من صور

يستفاد مما أورده المفسرون (١) في تأويل هذه الآية أنها تحتمل أن تكون

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي والزمخشري وابن كثير والخازن والطبرسي.

٥١٣

بسبيل الإشارة إلى فريقين من الأعراب. فريق جاء معتذرا طالبا الإذن له بالتخلّف عن غزوة تبوك وكانت أعذاره كاذبة وغير وجيهة. وفريق قعد وتخلّف بدون اعتذار واستئذان. ويحتمل أن تكون بسبيل الإشارة إلى فريق واحد فقط من الأعراب جاء معتذرا طالبا الإذن بالتخلّف وقعد عن الجهاد في سبيل الله وكان في اعتذاره وقعوده كاذبا فيما عاهد الله ورسوله عليه من الصدق في الإسلام والجهاد في سبيل الله. أما فقرة (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فهناك من جعلها عائدة إلى الفريق أو الفريقين واعتبر اعتذارهم الكاذب وقعودهم كفرا. وهناك من جعلها عائدة إلى الذين يصرّون على الكفر من الفريق أو الفريقين.

وقد رووا ثلاث روايات في صدد المعتذرين ، منها أنهم جماعة من بني غفار. ومنها أنهم جماعة من أسد وغطفان. ومنها أنهم رهط عامر بن الطفيل. ولم يذكر الذين قالوا إن الآية تحتوي إشارة إلى فريقين أي اسم للفريق الذي قعد بدون اعتذار واستئذان. وإنما قالوا إنهم منافقو الأعراب.

وقد تلهم روح الآية وفحواها أن القول بأنها تحتوي إشارة إلى فريقين وأن الفقرة المذكورة عائدة إلى الذين يصرّون على الكفر منهم هو الأوجه والله أعلم.

وعلى كلّ ففي الآية صورة لموقف بعض الأعراب المنضوين إلى الإسلام إزاء غزوة تبوك وكان موقفا فيه نفاق وكذب ونكث عهد فاستحقّ أصحابه ما احتوته الآيات التالية من تنديد وتوبيخ شديدين.

والآية صريحة الدلالة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد استنفر الذين أعلنوا له إسلامهم من قبائل البدو أيضا إلى غزوة تبوك. وذكر الآية اعتذار فريق وقعود فريق منهم لا يفيد بالطبع أن جميع من استنفروا تخلّفوا. والروايات تروي أن كثيرا من البدو أجابوا واشتركوا في الحملة. والعدد العظيم المروي البالغ ثلاثين ألفا يؤيد ذلك فيما هو المتبادر.

٥١٤

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦)) [٩١ ـ ٩٦].

في الآيات :

١ ـ تنبيه استدراكي بأن الله تعالى لا يؤاخذ الضعفاء ولا المرضى ولا الذين لا يجدون ما ينفقون فيمنعهم عجزهم عن الاشتراك الفعلي في الجهاد ويقعدون عنه إذا ما كانوا مخلصين حسني النية مجتهدين في النصح لله ورسوله. ولا يؤاخذ كذلك الذين راجعوا الرسول وطلبوا منه تدبير الوسائل التي تساعدهم على الاشتراك فلم يستطع النبي إجابتهم فانصرفوا باكين حزنا على فقرهم وحرمانهم من ثواب الجهاد. لأنه ليس على من أدّى واجبه على أحسن ما يقدر عليه أو أراد من كل قلبه أن يؤديه فعجز سبيل ولا حرج ولا إثم وإنما هذا على الذين يستأذنون في القعود ويتخلّفون وهم أغنياء قادرون مفضّلين البقاء مع الخوالف مهما كان في ذلك من ضعة وهوان.

٢ ـ ووصف لهؤلاء : فهم غلاظ القلوب كأنما طبع عليها فلم يدركوا ما في موقفهم من إثم وهوان.

٥١٥

٣ ـ وحكاية لما سوف يكون من الأعراب المعتذرين والقاعدين حينما يعود النبي والمسلمون. حيث يسارعون إلى الاعتذار واليمين بالله لتوكيد أعذارهم ويطلبون الإغضاء والإعراض عن تعنيفهم وتقريعهم والرضاء عنهم.

٤ ـ وأوامر تقريرية لما يجب أن يقابلوا به : فعلى النبي والمخلصين أن يعلنوهم بأنهم لن يركنوا إليهم ولن يصدقوهم بعد الآن. وأن الله قد كشف لهم عن حقيقة أمرهم وكذب أخبارهم. وأنه هو ورسوله مراقبوهم وشاهدون عليهم. وأن الله سيحاسبهم حينما يقفون بين يديه ويردون إليه بما يستحقون وهو عالم الشهادة والغيب والعلن والسرّ. وعلى النبي والمخلصين أن يعرضوا عنهم إعراض تحقير ومقاطعة ونبذ فإنهم رجس ومأواهم النار. ولا يجوز لمؤمن أن يرضى عنهم. فإن فعلوا فإنما يفعلون خلاف ما يرضي الله. لأن الله لا يمكن أن يرضى عن القوم الفاسقين.

تعليق على الآية

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ

حَرَجٌ ...)

والآيات الخمس التي بعدها وما فيها من صور وتلقين

روى المفسرون أن قسما من الآية [٩١] نزل في حقّ ابن أم كلثوم الضرير. وقسما آخر نزل في حقّ فقير اسمه أبو معقل لم يجد ما يساعده على الاشتراك في غزوة تبوك. وأن الآية [٩٢] نزلت في جماعة التمسوا من النبي أن يدبر لهم ما يحملهم حتى يشتركوا في الغزو. فقال لهم لا أستطيع فحزنوا وبكوا حتى سمّوا البكائين لحرمانهم من الجهاد.

والآيتان منسجمتان مع السياق. وروحهما ونصّهما ونصّ الآيات التي تأتي بعدهما يلهم بقوة أنهما جاءتا بمثابة تمهيد للتنديد بالقادرين بدنا ومالا على الاشتراك في الغزوة. ثم استأذنوا النبي بالقعود معتذرين بالأعذار الكاذبة. وهذا لا يمنع أن يكون ما انطوى فيهما من صور ومشاهد هي واقعية لبعض المخلصين من

٥١٦

فقراء ومرضى ذوي عاهات فالتبس الأمر على الرواة وحسبوا أنهما نزلتا في شأنهم خصيصا.

ومعظم الروايات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل (١) تصرف ما جاء في الآيات [٩٣ ـ ٩٦] إلى المنافقين المتخلّفين في المدينة الذين يروون أن عددهم كان بضعة وثمانين. وبعضها يصرفها إلى المتخلفين بأعذار كاذبة أو بغير أعذار من أهل المدينة والأعراب عامة. ويأتي بعد هذه الآيات آيات فيها عودة إلى ذكر الأعراب حيث يلهم هذا أن الفصل جميعه من الآية [٩٠] إلى الآية [٩٩] في صدد المعتذرين والقاعدين من الأعراب خاصة وأن الآيات [٩٣ ـ ٩٦] هي بالتبعية في صددهم أيضا.

على أن الإطلاق في هذه الآيات يجعل اعتبارها شاملة لجميع المتخلفين بأعذار كاذبة أو بدون أعذار سائغا أيضا. وعلى كل حال فالآيات [٩١ ـ ٩٦] مع الآية السابقة لها ليست منفصلة عن السياق والكلام على المتخلفين والقاعدين.

وتعبير (إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) وتعبير (إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) صريحا الدلالة على أن هذه الآيات نزلت أثناء سفرة تبوك. وهذه الصراحة منطوية في الآية [٨٣] من الآيات السابقة حيث تتلاحق الدلالة على أن السلسلة جميعها قد نزلت في أثناء السفر دفعة واحدة أو متلاحقة.

والآية الثالثة احتوت مشهدا رائعا من مشاهد إخلاص الفئة المخلصة وشدة رغبتها في الجهاد في سبيل الله. وإذا لوحظ بعد شقة الغزوة وضعف الأمل في الغنيمة ورجحان الخطر وشدة الحرّ تضاعفت روعة المشهد. ولقد روى الطبري وغيره روايات عديدة في أصحاب هذا المشهد منها أنهم نفر من بني مقرن من مزينة. ومنها أنهم سبعة من قبائل شتى. ومنها أنهم خليط من أعراب وأنصار. وقد أورد المفسرون سبعة أسماء ورووا أنها أسماؤهم. وقد عرفوا في روايات السيرة

__________________

(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والطبرسي ... إلخ.

٥١٧

بالبكائين (١). ولما كان الفصل في الأعراب فالاحتمال الأقوى أنهم أيضا من الأعراب. وإذا صح هذا كانت روعة المشهد أشدّ. وعلى كل حال فالمشهد مستمد إلهام بليغ دائم المدى.

كذلك فإن في الآيات الأخرى أحكاما وتلقينات قوية من شأنها أن تكون بدورها مستمد إلهام مستمر المدى : فالضعيف والمريض والفقير لا يؤاخذ إذا لم يشترك فعلا في النضال لأنه عاجز عن وسائله أو عاجز ببنيته. ولكن إسلامه والإخلاص له يحملانه مسؤولية بذل جهده في النصيحة وفعل كل ما يقدر عليه في سبيل نفع المناضلين. فإن لم يفعل يكن مقصرا في واجبه. والمتخلف المتقاعس عن الجهاد مع القدرة عليه هو اللئيم والملوم الذي لا يجوز أن يكون محل تساهل وإغضاء ورضاء ويجب أن يكون موضع احتقار وزراية ونبذ. وظروف الشدة والنضال هي الظروف التي يمتاز فيها المخلص من المخامر. والمخامرة في هذه الظروف هي أشد أنواع المخامرات ضررا وخطرا. وتستحق من أجل ذلك أشد أنواع التنكيل والاحتقار والنبذ.

(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧)). [٩٧]

تعليق على الآية

(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ...)

واستطراد إلى نقد ما كان من استعمال ابن خلدون

كلمة العرب محل كلمة الأعراب

عبارة الآية واضحة ، وهي كما يبدو تعقيب على الآيات السابقة التي احتوت

__________________

(١) هذه هي الأسماء التي رواها الطبري نسجّلها نحن أيضا لأن من حقّ أصحابها أن يذكروا بالتكريم على مدى الأجيال : سالم بن عمير وحرملة بن عمرو وعبد الرحمن بن كعب وسلمان بن صخر وعبد الرحمن بن يزيد وعمرو بن غنيمة وعبد الله بن عمرو المزني رضي الله عنهم.

٥١٨

تنديدا بالأعراب المعذرين والقاعدين. وعلى سبيل الاستطراد لبيان طبيعة الأعراب أكثر منها لقصد التشديد والتغليظ على ما هو المتبادر. فكافرهم يكون أشدّ كفرا ومنافقهم أشدّ نفاقا. وهم أكثر بعدا عن تقدير وإدراك وفهم حدود ما أنزل الله.

وواضح أن هذا مظهر من مظاهر الاجتماع البشري وتفاوت درجاته. فالأعرابي أقسى طبعا وأجفى خلقا وأقلّ تقيّدا بالواجبات وإدراكا للحدود من الحضري. وكلما تقدّم الإنسان في سلم الحضارة لطف طبعه ودمث خلقه ولان قلبه واتسع علمه وتجربته وأفقه. وأقام صلاته بالناس على أسس الواجبات والحقوق المتبادلة.

ولقد استعمل ابن خلدون لفظ العرب خطأ في مقام الأعراب أو استعمله استعمالا عاميّا كما كان شائع المفهوم في حياته وأدى هذا إلى فهم تقريراته عن البدو وطبائعهم وحياتهم وآثارهم فهما خاطئا. في حين أن ما ذكره عن نفور العرب من الحضارة وتدمير المعالم الحضرية إنما ينطبق على الأعراب لا على العرب. وهو ما يدخل في مفهومه جميع أعراب الدنيا لا أعراب العرب خاصة. ومن الغريب أن يكون هذا الفهم الخاطئ وأن يستمر إيراده في معرض وصف طبائع العرب وأخلاقهم مع ما في الأمر من بداهة ومع ما في كلام ابن خلدون من دلالات على أنه إنما قصد البدو والأعراب.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه فيما جاء «من سكن البادية جفا» (١) حيث ينطوي فيه المعنى المراد في الآية والله أعلم.

(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

__________________

(١) أورد هذا الحديث عزوا إلى أبي داود والترمذي والنسائي المفسر ابن كثير في سياق تفسير الآية. وللحديث تتمة هي «ومن اتّبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن».

٥١٩

وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)) [٩٨ ـ ٩٩]

(١) مغرما : خسارة لا عوض عنها.

(٢) يتربص بكم الدوائر : يتوقع أن تدور عليكم الدوائر السيئة لينقلبوا عليكم.

في الآيتين تقسيم للأعراب الذين أعلنوا إسلامهم إلى فريقين : فريق كان لا يعتبر ما ينفق في سبيل الله أو يؤديه إلى النبي من صدقات واجبا دينيّا له ثوابه عند الله ، وإنما هو ضريبة أو خسارة لا عوض لها يتحملها خوفا ورياء ، ثم يتربّص أن تدور الدائرة على المسلمين فيتخلص منها أو ينقلب عليهم. وفريق مخلص في إيمانه بالله واليوم الآخر ويعتبر ما ينفق في سبيل الله أو يؤديه إلى النبي من صدقات وسيلة إلى التقرّب إلى الله ونيل رضاء رسوله ودعائه.

وقد تضمنت الآيتان تعقيبا مناسبا على صفات وحالة كلّ من الفريقين. فالأول هو الذي تدور عليه دائرة السوء. وإن الله لسميع لما يقوله عليم بخبث نياته وإنه لمجزيه عليها بما يستحق. وللثاني البشرى. فاعتبارهم أن ما ينفقونه وسيلة قربى إلى الله ورسوله صادق وإنها لقربة لهم حقّا. وإن الله سيشملهم برحمته وهو الغفور الرحيم.

تعليق على الآية

(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً ...) إلخ

والآية التالية لها وما فيهما من صور وتلقين

ولم يرو المفسرون رواية خاصة في سبب نزول الآيتين. وإنما روى الطبري أن الآية الأولى عنت منافقي الأعراب والثانية عنت بني مقرن من مزينة الذين عنتهم الآية [٩٢]. وقد روى البغوي أن الآية الأولى نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم ، والثانية في بني مقرن من مزينة في رواية وفي قبائل أسلم وغفار وجهينة في

٥٢٠