التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

أحبّ إليه من كل عرض دنيوي وصلة رحمية مهما عظمت في نفسه أو عظمت فيها مصلحته الشخصية. وهكذا تكون الآيات قد وضعت قياسا لإيمان المسلم وإخلاصه. وهو قياس دقيق شديد بل قياس خالد لإيمان المؤمنين وإخلاصهم لعقائدهم ومبادئهم في كلّ ظرف ومكان. وإذا لوحظ أن الآية شملت كل ما يمكن أن يكون للمرء فيه مصلحة خاصة ومحببة وصلة وشيجة من آباء وأبناء وإخوان وأزواج وعشيرة وأموال وتجارة ووطن خاص بدا مدى هذا المقياس الرقيق الشديد الخالد. وسبيل الله التي تجعل الآيات الجهاد فيها من أركان هذا القياس هي الدعوة الإسلامية وما ينطوي فيها من أوامر ونواه ومبادئ وأهداف دنيوية وأخروية بصورة عامة على ما شرحناه في مناسبات سابقة حيث يبدو من خلال ذلك شمول هذا القياس الدقيق. وينطوي في الآيات بالإضافة إلى ذلك هدف توطيد الكيان الإسلامي وتضامن المسلمين في نطاقه بقطع النظر عن أي اعتبار وصلة خارجة عنه.

ومن الجدير بالذكر أن القرآن المكي وصّى الإنسان والمسلم بوالديه حسنا على أن لا يطيعهما في الشرك وأن يصاحبهما في الدنيا معروفا. كما جاء في آيات سورة الإسراء [٢٣ ـ ٢٤] وسورة لقمان [١٣ ـ ١٤] وسورة العنكبوت [٨] ثم تطور هذا في الآية [٢٢] من سورة المجادلة حيث قررت أنه لا يمكن لمؤمن صادق أن يوادّ من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. ثم جاءت الآيات التي نحن في صدد تفسيرها تطورا آخر حاسما بنهيها صراحة عن اتخاذ الآباء والأبناء وغيرهم من ذوي الأرحام أولياء ونصراء إذا ظلوا كفارا. والفرق التطوري يلمح في كون الوصف في آية المجادلة هو (مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) وهذا يعني العداء في حين أن الوصف في الآيات التي نحن في صددها هو (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) وهذا لا يعني العداء دائما. وحكمة التطور تلمح في تطور حالة المسلمين والإسلام وقوتهما واشتداد أمرهما كما هو المتبادر. وفي ذلك كلّه صور من صور السيرة النبوية.

٣٨١

ومن الحق أن نستدرك في هذا الصدد أمرا وهو مدلول (الأولياء) في الآيات التي نحن في صددها من حيث كونه يعني التحالف والتناصر. بحيث يمكن أن يقال إن حكم آية سورة الممتحنة (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)) لم يتعطل بالآيات التي نحن في صددها وإنه ليس فيها ما يمنع البرّ بالوالدين والأقارب والإقساط إليهم فضلا عن غيرهم ولو كانوا كفارا إذا كانوا موادّين مسالمين كافّين ألسنتهم وأيديهم عن الإسلام والمسلمين.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جده قال : «كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال والله يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه فقال عمر فأنت الآن والله أحبّ إليّ من نفسي فقال رسول الله الآن يا عمر». وحديثا رواه البخاري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» وهذا الحديث رواه الشيخان والنسائي أيضا (١) وهناك حديث آخر من بابه رواه الثلاثة ومنهم الترمذي عن أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه من سواهما وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله تعالى وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (٢) حيث ينطوي في الأحاديث تنبهات نبوية متساوقة مع مدى الآية.

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٢.

(٢) المصدر نفسه.

٣٨٢

وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)) [٢٥ ـ ٢٧]

عبارة الآيات واضحة كذلك وقد احتوت الآيتان الأولى والثانية تذكيرا للمسلمين على سبيل المنّ الرباني بما كان من نصر الله لهم في مواطن كثيرة اشتبكوا فيها مع أعدائهم وبما كان بنوع خاص في يوم حرب حنين حيث كانوا كثيري العدد فأعجبتهم كثرتهم وداخلهم الزهو فلم تفدهم كثرتهم واشتد عليهم ضغط أعدائهم حتى ضاقت عليهم الأرض على رحبها وولوا منهزمين. ثم نظر الله إليهم برحمته فأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين المخلصين وأيدهم بجنود لم يروهم فدارت الدائرة على أعدائهم الكافرين ونالهم ما استحقوا من عذاب الله. أما الآية الثالثة فقد احتوت تطمينا عاما حيث قررت كون الله من بعد ذلك يتوب على من يشاء ممن يهتدي بهداه ويستحق رحمته وغفرانه وهو الغفور الرحيم.

تعليق على الآية

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ..)

إلخ والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين وصور

وموجز الروايات عن وقعة حنين وحصار الطائف وفتحها

ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. والمتبادر أنها جاءت استطرادا تدعيميا للآيتين السابقتين لها هادفة إلى تقرير كون الله تعالى هو الذي نصر المسلمين وينصرهم دائما. وأن هذا يغنيهم عن اتخاذ آبائهم وإخوانهم وعشيرتهم أولياء إذا استحبوا الكفر على الإيمان. وأن التكثر بهم لا يغنيهم شيئا. وقد رأوا مثالا على ذلك بما كان من كثرتهم يوم حنين وزهوهم بها وتيقنهم أنهم منتصرون على أعدائهم فانهزموا ليكون لهم بذلك درس وعبرة. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعليهم وأيدهم بجنود من عنده فانتصروا.

وواضح أن الآيات بهذا الشرح قد انطوت على تلقين وتهذيب مستمري

٣٨٣

المدى يستمد منهما المسلم قوة روحية عظيمة ويجعلانه يدرك وجوب الاعتماد على الله والإخلاص له وحده وعدم التأثر بالمصالح الشخصية وجعلها تحرفه عن ذلك وعدم التضامن مع غير المخلصين مثله مهما اشتدت بينه وبينهم الروابط ، وكون ذلك هو الذي يكفل له النصر والتأييد الربانيين بقطع النظر عن القلة والكثرة.

وهذا مما تكرر في مناسبات عديدة سابقة بأساليب متنوعة.

ويوم حنين المذكور في الآيات هو وقعة حربية نشبت بين المسلمين وقبائل هوازن بعد فتح مكة. وملخص ما روته الروايات عنها (١) أن هذه القبائل كانت حليفة لقريش مثل قبائل ثقيف وأن قريشا حينما علمت بزحف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين أرسلت إليها تستنجد بها فتحركت للنجدة. ولكن زحف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أسرع وتمّ استيلاؤه على مكة قبل أن تصل النجدات فعاد فريق من ثقيف إلى منازله وبقي فريق مع هوازن وتحشدوا في وادي حنين على بعد ثلاث ليال من مكة نحو الطائف. وأرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يستطلع خبرهم فعاد الرسول يقول إنهم مجمعون على الحرب وإن المدد متواصل إليهم. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أوائل شوال على رأس (١٢٠٠٠) فيهم نحو ألفين ممن أسلم من أهل مكة حتى لقد قال النبي أو أبو بكر أو رجل من بكر على اختلاف الروايات : لن نغلب اليوم من قلة. وكان قائد القبائل مالك بن عوف. واشتبك الفريقان. وكان عدد جيش مالك نحو أربعة آلاف. غير أنه كان فيهم رماة ماهرون. فلما اشتبك الفريقان ظهر من جانب بعض المسلمين استهتار بالعدو لقلته وكثرتهم. ورشق الرماة المسلمين بمدرار من النبل فأدى هذا وذاك إلى اضطراب صفوف المسلمين وفرار أكثرهم من الميدان عدا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعادته وأبي بكر وعمر والعباس وعليّ والفضل وآخرون من أصحاب رسول الله المخلصين رضي الله عنهم. وأخذ ينادي الناس بصوته : يا أنصار الله يا أنصار رسول الله. فلم يلبث المسلمون أن هدأ روعهم وأنزل الله السكينة عليهم وعادوا إلى الميدان هاتفين : لبيك لبيك ثم حملوا على المشركين حتى قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الآن

__________________

(١) انظر ابن سعد ج ٣ ص ٢٠٠ ـ ٢١٢ ، وابن هشام ج ٤ ص ٦٥ ـ ١٤٩ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٤٤ ـ ٣٦٠. وتفسير الطبري وتفسير البغوي أيضا.

٣٨٤

حمي الوطيس. وجعل يرتجز وهو على ظهر بغلته :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

وأيّد الله المسلمين وقذف الرعب في قلوب المشركين فانهزموا لا يلوون على شيء واحتاز المسلمون أنعامهم وماشيتهم ونساءهم وأطفالهم ، وكان عدد السبي (٦٠٠٠) والإبل (٢٤٠٠٠) والغنم (٤٠٠٠٠) والفضة (٤٠٠٠) أوقية.

وقد زحف بعد ذلك في شهر شوال على الطائف لأن معظم أهلها من ثقيف الذين كانوا حلفاء قريش وهوازن وجاءوا إلى نجدتهم. وحاصرها نحو ثمانية عشر يوما وضربها بالمنجنيق حيث كانت مسورة ولم يتيسر له فتحها ولم يخرج أهلها إلى المسلمين. وتراشق الطرفان بالنبال واستشهد نحو اثني عشر من المسلمين وأمر النبي بقطع أعنابهم وتحريقها فنادوه من وراء الأسوار وناشدوه الرحم فاستجاب وقال أدعها لله والرحم ، واستشار بعض أصحابه فقال له بعضهم «ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك» فأمر رسول الله مناديا ينادي بالرحيل. وأمر الناس أن يهتفوا «آئبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» وسألوه أن يدعو على ثقيف فقال : «اللهمّ اهد ثقيفا وائت بهم».

وهناك حديث رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو في صدد حصار الطائف والانصراف عنها قال : «حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا فقال إنا قافلون إن شاء الله. قال أصحابه نرجع ولم نفتح. فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اغدوا على القتال فغدوا عليه فأصابهم جراح فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنا قافلون غدا. قال فأعجبهم ذلك فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١).

وفي طريق عودته توقف في الجعرانة لقسمة سبي هوازن وغنائمها. وقد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينعم منها على بعض زعماء مكة والقبائل زيادة على الأسهم العادية تألفا لقلوبهم لحداثة عهدهم بالإسلام فأعطى بعضهم مائة من الإبل وبعضهم خمسين ومنهم من أعطاه فضة ومنهم من أعطاه غنما. ثم وزع الباقي على سائر

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٩١.

٣٨٥

الناس بعد إفراز الخمس لبيت المال. وفعل كذلك بالسبي. أي أنه قرر استرقاق السبي ـ النساء والأطفال ـ ووزعهم كغنائم على المسلمين.

ولقد أرسلت هوازن وفدا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعلنه بإسلامها وتطلب منه ردّ أموالها وسبيها فأخبرهم أنه قد وزع السبي والأموال ثم سألهم : أبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم من أموالكم؟ فقالوا بلى. فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فإذا صليت الظهر فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله. ففعلوا فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فقال الأنصار والمهاجرون من أصحاب رسول الله وما كان لنا فهو لرسول الله ، وقال بنو سليم كذلك. وأبى بعض زعماء القبائل فقال رسول الله أما من تمسك بحقّه منكم من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه. فقبل الممتنعون وردّوا ما في أيديهم من السبايا.

ومما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بامرأة قتيل فسأل عن شأنها فقالو ا قتلها خالد بن الوليد فأمر أحد أصحابه ليدرك خالدا ويقول له إن رسول الله ينهاه عن قتل المرأة والوليد والعسيف (١).

ومما روي في سياق توزيع الغنائم أن الأنصار وجدوا في أنفسهم ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يمنح زعماءهم كما منح زعماء مكة والقبائل حتى قال قائلهم : إن رسول الله لقي قومه. ودخل عليه سعد بن عبادة زعيم الخزرج فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم في هذا الفيء الذي أصبت. قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظيمة في قبائل العرب ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. فقال له : اجمع لي قومك فجمعهم ، فأتاهم رسول الله فقال بعد حمد الله «يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم. وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم. ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله. وعالة فأغناكم الله. وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. الله ورسوله أمنّ وأفضل. ثم قال ألا تجيبوني

__________________

(١) الخادم أو المملوك.

٣٨٦

يا معشر الأنصار؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المنّ والفضل فقال لهم أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم وصدّقتم : أتيتنا مكذّبا فصدّقناك. ومخذولا فنصرناك. وطريدا فآويناك. وعائلا فآسيناك. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم. ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم. فو الذي نفس محمد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» (١). فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظّا فكان مشهدا من أروع مشاهد السيرة. وفيه تلقين بليغ المدى سواء أفي عظم أخلاق ووفاء السيد الرسول أم في عظم مقام الأنصار عنده أم في النظرة النبوية إلى الناس حسب قوة إيمانهم وإخلاصهم.

وفي الكتب الخمسة أحاديث نبوية في بعضها تطابق لما جاء في الروايات أو إيجاز. وفي بعضها مغايرة وتوضيح. وفي بعضها صور لم ترد في الروايات. وقد رأينا من المفيد إيرادها لإكمال الصورة ولأنها الأوثق في بابها.

من ذلك حديث رواه مسلم والبخاري عن أنس جاء فيه : «إنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فسمع رسول الله من قولهم فأرسل إلى الأنصار فقال ما حديث بلغني عنكم. فقال له فقهاء الأنصار يا رسول الله أما ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم

__________________

(١) انظر التاج ج ٤ ص ٣٨٩.

٣٨٧

برسول الله. فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به. فقالوا بلى يا رسول الله قد رضينا. قال فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة. فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض. قالوا سنصبر» (١). وروى مسلم والبخاري عن أنس قال : «جمع رسول الله الأنصار فقال أفيكم أحد من غيركم. فقالوا لا إلا ابن أخت لنا. فقال رسول الله إنّ ابن أخت القوم منهم. فقال إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة. وإني أردت أن أجيرهم وأتألّفهم. أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم. لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار» (٢). وروى مسلم والبخاري عن عبد الله قال : «لمّا كان يوم حنين آثر رسول الله ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله. قال فقلت والله لأخبرنّ رسول الله فأتيته فأخبرته قال فتغيّر وجهه حتى كان كالصّرف ثم قال فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله. ثم قال يرحم الله موسى. قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. قلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا» (٣). وروى مسلم عن رافع بن خديج قال أعطى رسول الله أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كلّ إنسان منهم مائة من الإبل. وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس :

أتجعل نهبي ونهب العبي

د بين عيينة والأقرع

فما كان بدر ولا حابس

يفوقان مرداس في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما

ومن تخفض اليوم لا يرفع

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٤٤ و ٣٤٥ والحديث الأول يفيد أن ذوي الأسنان من الأنصار لم ينتقدوا. وهم لا شك السابقون الأولون الذين سجّل الله رضاءه عنهم ورضاءهم عنه في إحدى آيات هذه السورة.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

٣٨٨

قال فأتمّ له رسول الله مائة» (١).

وروى البخاري ومسلم عن العباس قال : «شهدت مع رسول الله يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله فلم نفارقه وهو على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفار ولّى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله يركض بغلته قبل الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفّها لئلا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه فقال رسول الله أي عباس ناد أصحاب السمرة (٢) فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة. قال فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها تعالوا يا لبيك يا لبيك فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث يا بني الحارث. فنظر رسول الله إلى قتالهم وهو على بغلته وقال هذا حين حمي الوطيس. ثم أخذ رسول الله حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفار. ثم قال انهزموا وربّ محمد. قال فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما نرى. قال فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى أحدّهم كليلا وأمرهم مدبرا. وفي رواية رماهم بقبضة من تراب وقال شاهت الوجوه. فولوا مدبرين وانهزموا وقسمت غنائمهم بين المسلمين» (٣). وفي رواية للبخاري «لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبيّ عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا. قال يا معشر الأنصار. قالوا لبيك يا رسول الله وسعديك. لبيك نحن بين يديك. فنزل رسول الله وقال أنا عبد الله ورسوله. فانهزم المشركون. فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا فقالوا في ذلك فدعاهم رسول الله فأدخلهم في قبّة. قال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله. لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لاخترت شعب الأنصار» وفي رواية قال : «كنّا إذا احمرّ البأس نتقي

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٤٥ و ٣٤٦.

(٢) السمرة هي الشجرة التي بايع أصحاب رسول الله رسول الله تحتها يوم الحديبية. وهي التي عنتها آية سورة الفتح (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).

(٣) التاج ج ٤ ص ٣٨٨ و ٣٨٩.

٣٨٩

برسول الله. وإنّ الشجاع منّا للّذي يحاذيه» (١).

وروى الشيخان عن أبي موسى قال : «لما فرغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى : وبعثني النبي مع أبي عامر فرماه رجل جشميّ بسهم في ركبته فانتيهت إليه فقلت يا عمّ من رماك. فأشار إليّ فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولّى فاتبعته فجعلت أقول له ألا تستحي ، ألا تثبت ، فكفّ فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم رجعت لأبي عامر فقلت قتل الله صاحبك. قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء. قال يا ابن أخي أقرئ النبيّ السلام وقل له استغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس. فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبيّ فرأيته على سرير مرمل (٢) ، وعليه فراش قد أثّر رمال السرير بظهره وجنبيه. فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر. اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس. فقلت ولي فاستغفر فقال اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما. قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى» (٣).

ونستطرد إلى ذكر فتح الطائف للمناسبة أيضا. ولقد كان ذلك بعد سنة من فتح مكة. وقد جاء أحد زعماء ثقيف عروة بن مسعود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم فاستأذنه في الذهاب إلى الطائف ليدعو قومه فأذن له. فلما وصل حيّا الناس بتحية الإسلام فاستنكروا فلما طلع الفجر أذّن للصلاة من فوق غرفة له فخرج الناس منكرين عليه ورماه أحدهم بسهم فانبرت عشيرته للمقابلة وكاد الشرّ يتسع بين الناس فقال رضي الله عنه تصدقت بدمي لأصلح بين الناس وهي كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٨٨ و ٣٨٩.

(٢) مشدود بحبال الحصر.

(٣) التاج ج ٤ ص ٣٩٠.

٣٩٠

إلي. فلما قضى نحبه جاء ابنه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع رفيق له فأسلما. واستدعى النبي مالك بن عوف فعهد إليه بثقيف فقال له أنا أكفيكهم حتى يأتوك مسلمين. ثم صار يغير على سرحهم ويقاتلهم حتى أعجزهم فاتفقوا على إرسال وفد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمفاوضته على التسليم والإسلام وجاء الوفد وكانوا سبعين رجلا وعلى رأسهم زعماؤهم عبد ياليل وابناه وكنانة وشرحبيل بن غيلان وغيرهم فسرّ النبي بمقدمهم وضرب لهم قبة في المسجد. وقد حاولوا الحصول على بعض الامتيازات فلم يتساهل معهم فاستعفوه من هدم أصنامهم بأيديهم فأعفاهم فأسلموا. وغدت الطائف في حوزة السلطان النبوي وكان ذلك في رمضان أو شوال من السنة التاسعة للهجرة (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)). [٢٨]

(١) عيلة : فقرا أو فاقة.

عبارة الآية واضحة. وقد تضمنت :

(١) خطابا للمسلمين تؤذنهم فيه بأن المشركين نجس فلا ينبغي أن يقربوا المسجد الحرام بعد هذا العام الذي أنزلت فيه الآية.

(٢) وتطمينا لهم فإذا كانوا يخافون الفاقة وضيق العيش من هذا المنع فليطمئنوا فإن الله عزوجل قادر على إغنائهم من فضله. وإنه لهو العليم الحكيم الذي يعلم مقتضيات الأمور ويأمر بما فيه الحكمة والصواب.

__________________

(١) انظر تفصيل فتح الطائف في ابن هشام ج ٤ ص ١٩٤ ـ ٢٠٠ ، وابن سعد ج ٢ ص ٧٧ ـ ٧٨.

٣٩١

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ

هذا) وما روي في صددها من أقوال وما ينطوي فيها

من صور وتطور وتلقين وأحكام

لقد روى الطبري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أمر بالنداء بأن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك قال المسلمون كنّا نصيب من بياعاتهم في الموسم فأنزل الله الآية. كما روي أنه لما نزل شطر الآية الأول وشقّ على المسلمين وقالوا من يأتينا بطعامنا ومن يأتينا بالمتاع فنزل شقّها الثاني. هذا في حين أن الطبري روى في جملة ما روى في سياق الآيات الأولى من السورة أن هذه الآية نزلت مع ما قبلها من أول السورة وكان حكمها في جملة ما نودي به يوم الحج الأكبر وهو أن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك.

ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآية على كلّ حال لم تنزل لحدتها ولم تنزل مجزأة وإنما هي جزء من السياق السابق أو نتيجة من نتائجه. فالآيات السابقة أمرت بقتال المشركين الناكثين وقررت عدم أهلية المشركين كافة لعمارة مساجد الله. ولقد كان من جملة ما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإعلانه يوم الحج الأكبر أن لا يحج بعد الآن مشرك على ما رويناه قبل.

ولقد علم الله أن حياة أهل مكة كانت تقوم على الخارج تجارة وغذاء. وأن أهلها سوف يستشعرون خوفا من أن يضيق بالمنع رزقهم ومعيشتهم فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآية تبريرا للمنع من جهة وتطمينا لأهل مكة من جهة أخرى.

ولما كان نزول الآيات والنداء يوم الحج الأكبر الذي أمرت الآية الثالثة من السورة وتنفيذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بواسطة أبي بكر وعلي رضي الله عنهما قد وقع بعد سنة من فتح مكة وبعد فتح الطائف ودخول هوازن وثقيف أقوى قبائل منطقة الحجاز في الإسلام بالإضافة إلى أهل مكة ومعظم من حولها من القبائل فإن معنى هذا أن ذلك قد وقع بعد أن صارت هذه المنطقة جميعها في حوزة السلطان الإسلامي

٣٩٢

وصار معظم أهلها مسلمين حيث صار في الإمكان منع من بقي على شركه من العرب من دخول منطقة المسجد الحرام وممارسة طقوس تتنافى مع دين الله الذي توطّد فيها. وينطوي في هذا صورة لتطور الدعوة الإسلامية وانتشارها وقوتها وسلطانها تحت راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولقد حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هذه السنة الحجة التي سميت حجة الوداع لأنه مات بعدها بقليل. ومن الممكن أن يلمح من ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يحجّ ويكون في من يشهدون الحجّ مشركون فأرسل أبا بكر أميرا للحج وأرسل معه الأمر بمنع المشركين بعد هذه السنة من دخول المسجد الحرام تنفيذا لهذه الآية. فلمّا تمّ ذلك بادر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحجّ في السنة التالية حيث لم يشهد الحجّ معه إلا المسلمون.

ولقد تعددت أقوال المفسرين وأهل التأويل من التابعين الذين يروي المفسرون أقوالهم في مفهومهم لنجاسة المشركين. وتحديد المنطقة المحرمة.

وشمول التحريم :

١ ـ فبالنسبة للنقطة الأولى فهناك من قال إن نجاستهم عينية كنجاسة الكلب والخنزير وإن على من يمسّهم ويصافحهم أن يغسل يده أو يتوضأ. وهناك من قال إنها نجاسة حكمية. وأكثر المذاهب الفقهية على القول الثاني. وهو الأوجه إذ المتبادر أن الوصف منبثق من ما كان عليه المشركون من عقائد باطلة. وما كانوا يمارسونه من تقاليد شنيعة من جملتها الطواف في حالة العري وأكل الميتة والتزوج بزوجات الآباء وعدم التطهر من الجنابة إلخ. وكل هذا نجاسة معنوية مما يتنافر مع قدسية المسجد الحرام وطهارته.

٢ ـ وبالنسبة للنقطة الثانية هناك حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد وأورده ابن كثير عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا إلّا أهل العهد وخدمهم» حيث يفيد ظاهر هذا الحديث أن المنع هو للمسجد. وهناك قول يرويه الزمخشري عن عطاء أحد كبار التابعين بأن المراد بالمسجد هو الحرم

٣٩٣

أي منطقة الحرم بل هناك قول رواه الزمخشري أيضا عن مالك أن المنع شامل لكلّ مساجد المسلمين.

ولما كان نصّ الآية قطعيا بأنها في صدد المسجد الحرام فإن تشميل المنع لكل مسجد أو لغير المسجد الحرام هو غلوّ لا مبرر له. ولما كان على القادم إلى مكة أن يحرم من حدود الحرم المعروفة خارج مكة فالمتبادر أن المنع هو لمنطقة الحرم ويكون قول عطاء هو الأوجه وهو ما عليه الجمهور. وليس في هذا نقض للحديث المروي عن جابر في حالة صحته. فإن روح الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر المسجد الحرام تلهم أن المقصد من التعبير منطقة المسجد الحرام (١) وآية العنكبوت هذه (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [٦٧]. وآية القصص هذه (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) [٥٧] بنوع خاص تلهمان ذلك بكل قوة.

٣ ـ وبالنسبة للمسألة الثالثة فإن الحديث الذي رواه جابر وأورده ابن كثير يفيد أن المنع للمشركين دون الذميين (٢). وقد روى الطبري عن جابر مع ذلك قولين متناقضين أحدهما يجعل المنع شاملا للذميين. وثانيهما لا يشمله. وروي عن قتادة أن المنع للمشركين وأن الذميين وعبيد المسلمين مستثنون منه. وروي أن عمر بن عبد العزيز أمر بمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام بهذه الآية. ويظهر أنه لم يثبت عنده حديث جابر من جهة واجتهد بأن قول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله هو شرك بوجه ما. ومنع اليهود والنصارى بالإضافة إلى المشركين من دخول المسجد الحرام هو الذي عليه التعامل المتواتر منذ صدر الإسلام إلى اليوم. ولقد قال البغوي وتابعه الخازن إن علماء الإسلام يقسمون بلاد الإسلام بالنسبة للكفار إلى ثلاثة أقسام :

__________________

(١) اقرأ آيات سورة الفتح [٢٥] وسورة الحج [٧٥] وسورة الأنفال [٣٤] مثلا. فالصدّ في هذه الآيات كان عن منطقة الحرم وعن الحج ويدخل في ذلك الكعبة وفناؤها.

(٢) والمقصود بكلمة الذميين في الأعمّ الأغلب أهل العهد من الكتابيين.

٣٩٤

(١) الحرم المكي : فلا يجوز لكافر أن يدخله ذميا كان أو مستأمنا. وننبه على أن كلمة الكافر تطلق على كل جاحد برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن. فيدخل في ذلك أهل الكتاب وغيرهم.

(٢) الحجاز : فيجوز للكافر دخولها بإذن ولمدة مؤقتة دون الإقامة. لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بإخراج المشركين واليهود والنصارى من جزيرة العرب. وعدم السماح بوجود دينين فيها. ومعنى هذا منعهم من الإقامة فيها.

(٣) سائر بلاد الإسلام : فيجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة أو أمان. على أن لا يدخل مساجد المسلمين إلّا بإذن منهم. وهو تقسيم وجيه مع التنبيه على أن التعليل بالنسبة للقسم الثاني يقتضي أن يكون منع الإقامة الدائمة شاملا لجميع جزيرة العرب وليس للحجاز فقط. وقد يكون الجاري في الحجاز هو هذا حيث إن أهلها جميعهم مسلمون وإن غير المسلمين الذين يقيمون في جدة إنما يقيمون إقامة مؤقتة. ولا يمكن أن يقال هذا بالنسبة لليمن مثلا التي كان وما يزال يسمح لليهود بالإقامة فيها إقامة دائمة. ولعلّ شيئا من هذا جار في أنحاء جزيرة العرب الجنوبية والشرقية والغربية الأخرى.

ولم يذكر أصحاب التقسيم المسجد النبوي بخاصة والمساجد في جميع جزيرة العرب بعامة. واقتصر كلامهم على أن دخول غير المسلمين إلى مساجد المسلمين في غير جزيرة العرب منوط بإذن المسلمين.

وما دام النص القرآني محصورا في المسجد الحرام وليس هناك أثر ثابت صحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن غيره فالمقتضى أن يكون دخول غير المسلمين إلى مساجد المسلمين غير محرّم باستثناء المسجد الحرام. والجاري اليوم بالنسبة للمسجد النبوي هو التحريم مع أن من المتواتر الذي بلغ حدّ اليقين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظل يستقبل في مسجده إلى آخر حياته طوائف من الكفار مشركين وكتابيين ومعاهدين وغير معاهدين لمصالح ومقاصد متنوعة وأن خلفاءه الراشدين فعلوا ذلك أيضا.

والآية [٢٨] من هذه السورة التي تأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجارة من يستجيره من

٣٩٥

المشركين حتى يسمع كلام الله تنطوي على قرينة قرآنية بالإباحة لأن النبي إنما كان يستقبل جميع الناس من غير المسلمين في مسجده.

ولقد روى مسلم والترمذي عن عبد الله بن زيد بن عاصم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها. وإني حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة. وإني دعوت في صاعها ومدّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» (١).

وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن علي قال : «من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلّا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب. فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات. وفيها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. زاد في رواية فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (٢) وروى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة قال : «حرّم رسول الله ما بين لابتي المدينة. فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها. وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى» (٣). ومع أن المتبادر من هذه الأحاديث هو تحريم سفك الدماء فيها وضمان الأمن لمن يكون فيها كما هو الأمر بالنسبة للحرم المكي ومداه قد يكون ما درج عليه المسلمون منذ العهود القديمة من عدم السماح لغير المسلمين بدخول المدينة مستمدا من ذلك. والله تعالى أعلم.

وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المذكور في الفقرة الثانية بعدم السماح بوجود دينين في جزيرة العرب وإخراج اليهود والنصارى منها جاء في أحاديث عديدة. منها حديث رواه ابن هشام والطبري والبلاذري ونصّه : «لا يترك بجزيرة العرب دينان» (٤).

__________________

(١) التاج ج ٢ ص ١٦٧ و ١٦٨.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) انظر ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٣٤ و ٥٣٥ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٧٣.

٣٩٦

وحديث رواه الإمام أبو عبيد بن القاسم في كتاب الأموال وهو «أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب» (١). وحديث رواه الشيخان وأبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه : «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» (٢).

ومما لا شكّ فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد هدف بذلك إلى غاية عظيمة. وهي تحصين جزيرة العرب من تعدد الأديان وما يؤدي هذا إليه من شقاق ونزاع ودسائس ومكائد وجعلها بلادا خالصة للإسلام وحده. وهي موطن الجنس العربي الذي حمل راية الإسلام. ومهبط الوحي الإلهي على نبي الإسلام. وفي هذا كلّ الحكمة والحق.

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ

__________________

(١) كتاب الأموال ص ٩٩.

(٢) التاج ج ٤ ص ٣٦١.

٣٩٧

وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)) [٢٩ ـ ٣٥]

(١) الجزية. قيل إنها من الجزاء بمعنى المكافأة والمقابلة. وقيل إنها الإجزاء بمعنى الإكفاء ، وقيل إنها من الجزي بمعنى القضاء ، وعلى القول الأول يكون معناها في مقامها (جزاء إقرار أهل الكتاب على ما هم عليه) وعلى القول الثاني (اجتزاء بها عن إسلامهم) وعلى القول الثالث (قضاء ما عليهم) وعلى كل حال فالكلمة اصطلاح للضريبة التي يدفعها المغلوب المستسلم لغالبه مقابل إقراره على ما هو عليه والدفاع عنه. ونرجح أنها كانت في هذا المعنى في اللغة قبل الإسلام أيضا. ولقد قال بعضهم (١) إنها فارسية معربة من لفظ (كزيت) وكان الفرس يستعملونها في المعنى المراد منها. وقد يكون هذا صحيحا. وقد تكون أصالة عروبتها هي الصحيحة. ونحن نميل إلى هذا ما دام في العروبة جذر مناسب لها ولا يبعد أن تكون دخلت إلى اللغة الفارسية وحرّفت فيما بعد. وعلى كل حال فمما لا ريب فيه أن الكلمة بصيغتها مما كان العرب قبل الإسلام يتداولونه في معناها.

(٢) يضاهئون : يشتبهون ويماثلون.

تعليق على الآية

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...)

والآيات الخمس التي بعدها وما ورد في صددها من أحاديث وأقوال

وما ترتب عليها من أحكام وتلقينات وبخاصة في صدد الجزية

وتمحيص ما روي في صدد قتال الكتابيين ومن ملّة الذميين منهم

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت أمرا للمسلمين بقتال الموصوفين فيها بأوصاف معينة من أهل الكتاب حتى يخضعوا لهم ويعطوهم الجزية مقهورين

__________________

(١) انظر تفسير رشيد رضا.

٣٩٨

صاغرين. واستطرادات تعليلية لهذا الأمر. والآيات الست منسجمة مترابطة. وهذا ما جعلنا نوردها جملة واحدة برغم ما احتوته من أحكام متنوعة وكثيرة.

ولقد روى البغوي عن الكلبي أن الآية الأولى نزلت في بني قريظة وبني النضير من اليهود فصالحهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام وأول ذلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين. ويقتضي هذا أن تكون الآية نزلت في السنة الثالثة أو في السنة الخامسة اللتين أجلى النبي فيهما يهود بني النضير ونكل ببني قريظة على ما شرحناه في سورتي الحشر والأحزاب. في حين أن سياق الآيات وما بعدها يلهم بقوة أنها نزلت بعد الفتح المكي وبين يدي غزوة تبوك. وهناك مأخذ آخر على رواية الكلبي وهو قوله إن النبي صالحهم على الجزية في حين أنه لم يكن صلح ولا جزية بل كان إجلاء للأولين وتنكيلا حاسما بالآخرين على ما شرحناه في السورتين المذكورتين آنفا.

ولقد عقب الطبري على الآية السابقة لهذه الآيات فقال : إن لمسلمين لمّا قالوا من أين نأكل ومع من نتجر ولسوف نغدو فقراء بسبب منع المشركين عن دخول الحرم أنزل الله الآية [٢٩] وأمرهم بغزوة تبوك ليأخذوا الجزية بدلا عما ضاع عليهم ، ثم قال في سياق تفسير هذه الآية إن الآية نزلت على رسول الله بحرب الروم فغزا غزوة تبوك بعد نزولها. وعزا أقواله إلى بعض أهل التأويل من التابعين مثل الضحاك وقتادة والسدي ومجاهد.

وهذه الأقوال تقتضي أن يكون الله عزوجل قد جعل الجزية التي قد تأتي من حرب الروم مقابل ما خسره المسلمون من منع المشركين من الاقتراب من المسجد الحرام ، وأن يكون النبي لم يكن قد حارب الروم ثم أن لا يكون النبي قد أخذ الجزية من أهل الكتاب قبل هذه الآية. ويرد على هذا ملاحظات عديدة. فأوّلا أنه لم يقع حرب في غزوة تبوك وأخذت الجزية نتيجة لها. والعهود التي عقدها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض أهل هذه الأنحاء على ما سوف نشرحه بعد عهود مسالمة وموادعة. وما تعهدوا بأدائه لم يكن مقدارا مهمّا يسدّ ثغرة واسعة في حياة

٣٩٩

المسلمين الاقتصادية. وهو عائد إلى بيت المال الذي كان ينفق منه على مصالح المسلمين العامة والمحتاجين منهم وحسب في حين أن التخوف المذكور في الآية السابقة [٢٨] هو تعبير عن لسان أهل مكة الذين كانت مواسم الحج وسيلة لتكسبهم وقضاء مصالحهم المعاشية. فضلا عن أن هؤلاء كانوا أقلية بين المسلمين والجزية ليست عائدة إليهم. وثانيا أن هذه الأقوال تعني أن الله جعل الجزية هدفا للمسلمين من القتال في حين أن القرآن قرر في أكثر من موضع أن الغنائم ليست هدفا للقتال ولا يجوز أن تكون هدفا على ما مرّ شرحه في مناسبات عديدة سابقة وبخاصة في سياق تفسير الآية [٩٤] من سورة النساء دون أن يكون ذلك نتيجة لقتال. وثالثا أن النبي صالح نصارى نجران على جزية سنوية معينة على ما شرحناه في سياق تفسير الآيات [٣٣ ـ ٦٤] من سورة آل عمران. وأن روايات السيرة ذكرت أنه أرسل سريّة في السنة السادسة إلى دومة الجندل في أنحاء تبوك لتأديب قبائلها النصرانية ودعوتها إلى الإسلام فأسلم من أسلم وتعهد من أقام على دينه بالجزية (١). ولقد سبق غزوة تبوك حركات حربية عديدة في أنحائها للمقابلة والدفاع على ما ذكرته روايات السيرة. فقد بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا يحملون كتبه إلى ملوك وأمراء تخوم الجزيرة العربية في السنة السادسة للهجرة فقتل والي مؤتة من قبل الروم والغسانيين رسول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملك بصرى وهو الحارث الأزدي (٢) وقتل الروم والي معان من قبلهم واسمه فروة الجذامي بسبب إسلامه (٣) ، وشلّح جماعة من نصارى جذام النازلين في أنحاء تبوك دحية الكلبي رسول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قيصر (٤). وكانت قبائل كلب وجذام وقضاعة النصرانية تعتدي على قوافل المسلمين وتتجمع من حين إلى آخر لغزو المدينة (٥). فكان هذا مما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر ابن سعد ج ٣ ص ١٣٢.

(٢) المصدر نفسه ص ١٧٤.

(٣) ابن سعد ج ٢ ص ٤٦ و ١١٧.

(٤) ابن سعد ج ٣ ص ١٣١.

(٥) المصدر نفسه ص ١٠٣ ـ ١٠٤ و ١٧٧ ـ ١٨٨.

٤٠٠