التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

أين أبي يا رسول الله فقال له في النار ، فقام عمر فقبّل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال إنّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك فاعف عنّا عفا الله عنك فسكن غضبه ، وفي رواية قال رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبنبيّنا محمد رسولا وأعوذ بالله من سوء الفتن فنزلت الآية».

وإلى هذا فإن الطبري روى عن ابن عباس أن الآيتين نزلتا بسبب سؤال بعضهم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام التي ورد ذكرها في الآية التي تأتي بعد الآيتين اللتين نحن في صددهما. وليس في كتب التفسير زيادة عما في كتاب الطبري.

ويتبادر لنا أن السؤال عن البحيرة وأخواتها لا يقتضي نهيا ولا إنذارا ولا غضبا من الله ورسوله. وهذا ما جعلنا نفرد الآيتين عن الآيات التالية لها. إلا أن يقال إن السؤال أورد في مناسبة أو في صيغة غير لائقة والله تعالى أعلم.

ويلحظ أن الأحاديث التي يرويها البخاري ومسلم والترمذي متباعدة إلّا أن يقال إن من الجائز أن يكون كل ما ورد فيها كان يحدث حتى كثرت الأسئلة بدون مناسبة وضرورة وكان منها ما هو غير لائق في مداه أو صيغته فوقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم موقف الغاضب ونزلت الآيات ناهية منذرة معلمة.

ومهما يكن من أمر فالآيتان كما هو متبادر من فحواهما بسبيل التحذير من اللجاجة والمواقف والأسئلة المثيرة التي قد يكون لها نتائج ضارة وسيئة لأصحابها وغيرهم. وفي هذا ما فيه من تلقين تأديبي وتعليمي رفيع مستمر المدى.

ولقد روى مسلم عن سعد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرّم فحرّم على الناس من أجل مسألته» (١) وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (٢). ولقد أورد ابن كثير والقاسمي حديثا عزاه

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٥.

(٢) المصدر نفسه (كتاب التفسير سورة الحشر). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بشيء من

٢٤١

الأخير إلى ابن ماجه والترمذي والحاكم جاء فيه «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أشياء فقال الحلال ما أحلّ الله في كتابه والحرام ما حرّم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه فلا تتكلفوا» وأورد ابن كثير حديثا وصفه بالصحيح جاء فيه «إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها وحدّ حدودا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها».

وينطوي في الأحاديث تلقينات رائعة واسعة المدى متسقة مع التلقين القرآني وفيها مثل أخلاقية واجتماعية وسلوكية وتعبدية يحتذيها المسلم ويقيس عليها أمورا كثيرة من شؤون الدين والدنيا مماثلة لها في كل ظرف ومكان والله تعالى أعلم.

وواضح من روح الآيات والأحاديث أن الأسئلة المكروهة هي ما كان فيه تنطّع وتكلّف وحذلقة وقصد إحراج ومماراة وجدل من دون ما ضرورة من شرع ودين ومصلحة. وأن الأسئلة التي لا يكون فيها ذلك وكان فيها رغبة معرفة حدود كتاب الله وسنّة رسوله ليست مكروهة ولا محظورة بل هي واجبة على المسلم. ولقد روى أبو داود حديثا عن جابر قال «خرجنا في سفر فأصاب رجلا منّا حجر فشجّه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمّم. قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العيّ السؤال» (١).

هذا ولقد روى الطبري في صدد جملة (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) أنهم الذين سألوا عيسى إنزال المائدة فلما أعطوها كفروا أو إنهم قوم صالح سألوا معجزة فلما أظهر الله لهم معجزة الناقة كفروا أو إنهم بعض المنافقين واليهود طلبوا من النبي بعض الأمور فلما أجيبوا كفروا. وليس شيء من

__________________

المغايرة وهي «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم» وأورده البغوي والزمخشري بشيء من الزيادة وهي «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

(١) التاج ج ١ ص ١١٣.

٢٤٢

هذه الأقوال واردا في كتب الصحاح. ولا نرى الأمثلة تنطبق تماما على فحوى العبارة. وفي الجملة إخبار رباني وليس هناك توضيح نبوي فيوقف عند ذلك بدون تخمين كما هو الواجب في هذا وأمثاله. والله تعالى أعلم.

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤)) [١٠٣ ـ ١٠٤].

(١) بحيرة : من البحر وهو الشق.

(٢) سائبة : من السيب. وهو الترك.

(٣) وصيلة : من الوصل.

(٤) حام : من الحماية.

تعليق على الآية

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ ...) إلخ

والآية التالية لها وما فيهما من صور وتلقين

في الآيتين :

(١) تقرير بأن الله تعالى لم يشرّع شريعة البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ولم يأمر بالجري على تقاليدها.

(٢) واستدراك بأن الذين يمارسون هذه الشريعة من الكفار إنما يفترون على الله الكذب حينما ينسبونها إليه وأكثرهم جاهل لا يدرك مدى ما يقول.

(٣) وتنديد بعقولهم وتناقضهم : فهم من جهة يسخفون في نسبة هذه الشريعة إلى الله ويدعون أنهم يسيرون عليها حسب أوامر الله بينما هم من جهة أخرى إذا

٢٤٣

بيّن لهم ما شرع الله ورسوله مما فيه المصلحة والفائدة ودعوا إلى اتباعه أبوا وقالوا إنه يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا.

(٤) وتقريع لاذع بسبيل الرد عليهم بأسلوب سؤال عما إذا كان يصحّ في العقل أن يحتجوا بآبائهم فيسيروا على ما كانوا عليه سيرا أعمى ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا وليسوا من أمرهم على هدى.

ولقد ذكرنا في سياق تفسير الآيتين السابقتين أن الطبري روى أنهما نزلتا في صدد سؤال عن تقاليد البحيرة وأخواتها. وقد توقفنا في هذه الرواية. بسبب صيغتها. ولم نطلع على رواية أخرى كسبب لنزول الآيات التي نحن في صددها والتي نرجح أنها مستقلة عن ما سبقها وأنها نزلت جوابا على استفسار أورده بعضهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه التقاليد وما كان يدعيه العرب من أن ذلك تقاليد دينية شرعها الله. فنزلت الآيات موضحة نافية أن يكون ذلك من شرع الله. ومقررة أن هذه الدعوى كذب وافتراء على الله. ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت عقب الآيات السابقة فوضعت بعدها وظنّ بعضهم أنها نزلت بسبب السؤال الذي ترويه الرواية. أو أن تكون وضعت بعدها للتماثل بينها وبين ما قبلها من حيث احتواء السياق أوامر وتحذيرات. والله تعالى أعلم.

وهناك حديث رواه الشيخان عن سعيد بن المسيب في شرح المقصود من عبارة الآية الأولى جاء فيه «البحيرة هي التي يمنع درّها للطواغيت فلا يحلبها أحد. والسائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء. والوصيلة هي الناقة البكر تبكّر بأنثى ثم تثني بعد بأنثى ليس بينهما ذكر وكانوا يسيّبونها لطواغيتهم. والحامي هو فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضاه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل» (١) وهذه التعريفات لا توضح مدى التقاليد والاصطلاحات الجاهلية توضيحا شافيا. وفي كتب التفسير بيانات أوسع فيها صور عديدة لذلك. غير أنها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٦.

٢٤٤

متغايرة وليس فيها ما يساعد على ترجيح صورة على أخرى. وقد أوردنا إحداها في سياق تفسير الآيات [١٣٦ ـ ١٤٠] من سورة الأنعام فنكتفي بذلك.

وروح الآيات تلهم أن العرب قبل الإسلام كانوا يعتقدون أن هذه التقاليد من أمر الله وشرعه. ويمارسونها ويحترمونها على هذا الاعتبار بسبيل شكر الله أو التقرب إليه لتحقيق مطالبهم ورغباتهم وأنهم قد تلقوها كذلك عن آبائهم. وأنهم كانوا شديدي التعلق بتقاليد الآباء وتقديسها. وهذا مما تكرر تقريره أكثر من مرة في القرآن عنهم حيث يفيد ذلك أنهم كانوا يكررون الاحتجاج بتقاليد الآباء وقدسيتها واتصالها بالله عزوجل في كل مناسبة متجددة مماثلة.

هذا ، ولقد أورد الطبري والبغوي في سياق الآيات حديثا روياه بطرقهما عن أبي هريرة قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأكثم بن جون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه به رجل منك ولا به منك. وذلك أنه أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحّر البحيرة وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي. فقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه. فقال أكثم أيضرني شبهه يا رسول الله. فقال لا إنك مؤمن وهو كافر» وقد أورد ابن كثير هذا الحديث وأورد صيغا أخرى منها عزا بعضها إلى البخاري وبعضها إلى الإمام أحمد وبعضها إلى البزار. فلم نر ضرورة إلى إيرادها لأن حديث الطبري والبغوي أوفى. فإن صحت هذه الأحاديث فيكون فيها مشهد روحاني شهده النبي وأخبر به فيوقف عند ذلك وتستشف حكمته وهي الوعظ والإنذار وتوكيد متساوق مع توكيد الآيات بأن هذه التقاليد لا تمتّ إلى الله وإنما هي خروج عن الفطرة السليمة وانحراف نحو الشرك والوثنية. والله تعالى أعلم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) [١٠٥].

٢٤٥

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...) وما ورد في

صددها من أحاديث وما فيها من تلقين

في الآية هتاف للمسلمين بأنهم إذا كانوا مهتدين بهدي الله ورسوله فلا يضرّهم من كفر وسلك غير سبيل الحقّ والهدى. فالجميع مرجعهم إلى الله تعالى وحينئذ ينبئهم بما عملوا ويجزيهم عليه بما استحقوا.

ولم نطلع على رواية خاصة في سبب نزول الآية. والمتبادر المستلهم من فحواها وروحها ومقامها أنها متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب واستدراك وتسلية حيث تقول للمسلمين إن الكفار إذا كانوا يسيرون في تلك التقاليد ويعزونها إلى الله كذبا ويتمسكون بما كان عليه آباؤهم من سخف وضلال فأنتم غير مسؤولين عنهم. وإنما أنتم مسؤولون عن أنفسكم. وإن عليكم أن تسيروا وفق ما أنزل الله دون أن تأبهوا بضلال الضالين وجحود الجاحدين.

على أن الآية في حدّ ذاتها جملة مستقلة تامة المدى أيضا. وقد اعتبرها المؤولون والمفسرون كذلك وأداروا الكلام في صددها على هذا الاعتبار.

ولقد أورد المفسرون (١) روايات عديدة عن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم في مدى هذه الآية يستفاد منها أن هناك من اعتبرها خطابا لجميع المسلمين بالنسبة لأهل الكتاب أو لأهل كلّ ملّة ضالّة. فما داموا مؤمنين مهتدين بهدى الله ورسوله فلا يضرهم ضلال غيرهم من أهل الملل الأخرى. وأن هناك من اعتبرها خطابا لجميع المسلمين بالنسبة إلى بعضهم بشرط أن يبذل المهتدون بهدى الله ورسوله منهم جهودهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح وتقويم ما يكون في جماعات من المسلمين أو أفرادهم من فساد وبغي وانحراف عن ذلك الهدى. فإن عجزوا فعليهم أنفسهم فلا يضرّهم ذلك الفساد والانحراف ما داموا مهتدين.

__________________

(١) الطبري أكثرهم استيعابا لها. انظر أيضا البغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

٢٤٦

والقول الأول فيما يتبادر لنا هو الأوجه المتسق مع روح الآية ومقام ورودها. وفيها كما قلنا تسلية لجميع المسلمين عن ضلال غيرهم من جهة وحثّ على وجوب تمسكهم بهدى الله ورسوله وعدم الانحراف عنه من جهة ، وتوطيد لحرية الدين فيما يتبادر لنا من جهة ، وتوكيد لما استلهمناه من آيات كثيرة سابقة ونبهنا عليه من أن المسلمين غير مكلفين بمحاربة من لم يسلم من أهل الملل الأخرى بسبب عدم إسلامه فقط.

ولا يعني هذا رفع واجب الدعوة عن المسلمين إلى الإسلام. فالدعوة واجب مستمر الوجوب على المسلمين في كل ظرف ومكان. سواء في ذلك أفرادهم وهيئاتهم وحكوماتهم في النطاق القرآني وهو (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥]. فوعد الله عزوجل بإظهار دينهم على الدين كلّه إنما يتحقق بذلك. وهذا فضلا عما في القرآن والسنّة من نصوص صريحة في هذا من حيث إن رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي عامة شاملة. وقد أمر بإبلاغها وصار ذلك واجب المسلمين من بعده. على أن هذا القول لا يتعارض مع القول الثاني أيضا ولا يضعف وجاهته. ولا سيما أن هناك أحاديث نبوية وصحابية يوردها رواة الحديث ومفسرو القرآن في سياق الآية ، بل فيها ما هو صريح بأنه ذو علاقة بها. منها حديثان رواهما الترمذي وأبو داود : أحدهما عن أبي بكر قال «إنكم تقرءون هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّ الناس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمّهم الله بعقاب» (١). وثانيهما عن أبي أمية الشعباني قال «سألت أبا ثعلبة عن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...) الآية فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٥ وفي رواية الطبري أنّ أبا بكر قال «والله ما أنزل الله في كتابه أشدّ منها».

٢٤٧

فعليك بخاصة نفسك. ودع العوامّ. فإنّ من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم. قيل : يا رسول الله أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال : بل أجر خمسين منكم» (١).

وحديث رواه النسائي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال «بينما نحن حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفّت أماناتهم وكانوا هكذا وشبّك بين أصابعه فقمت إليه وقلت كيف أفعل عند ذلك يا رسول الله جعلني الله فداك. قال الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة» (٢) وهناك أحاديث أخرى أوردها المفسرون هاهنا حديث رواه الطبري وأورده عن أبي بكر قال «يا أيها الناس لا تغتروا بقول الله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فيقول أحدكم عليّ نفسي والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فليسومنّكم سوء العذاب ثم ليدعو خياركم الله فلا يستجيب لهم» وحديث رواه الخازن عن ابن مسعود قال «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قيل منكم فإن ردّ عليكم فعليكم أنفسكم» ومنها حديث رواه الطبري عن الحسن قال «إن هذه الآية قرئت على ابن مسعود فقال : ليس هذا بزمانها قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم» وحديث رواه الطبري عن سفيان بن عقال قال «قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه فإن الله تعالى يقول (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فقال : إنها ليست لي ولا لأصحابي لأن رسول الله قال : ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، وكنا نحن الشهود وأنتم الغيّب ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم». وحديث رواه البغوي عن ابن عباس في

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٥ ، ٩٦.

(٢) التاج ج ٥ ص ٢٠٥ ويمكن أن يقال في التوفيق بين هذا الحديث والذي قبله إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصد بالثاني الحالة التي يصل الأمر فيها من الفساد وخفة الأمانة واختلاف الناس وشدة الفتنة إلى الحدّ الذي لا يسمع فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وروح الحديث ونصه يؤيدان ذلك والله أعلم.

٢٤٨

الآية «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قيل منكم فإن ردّ عليكم فعليكم أنفسكم». وحديث رواه الخازن عن عبد الله بن المبارك «أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هذه الآية ، فإن الله قال فيها عليكم أنفسكم يعني أهل دينكم بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغّبه في الخيرات وينفّره من القبائح والمكروهات».

وظاهر أن في الأحاديث ما يزيل كل وهم يمكن أن يحيك في صدر أحد بأن الآية تخاطب أفراد المسلمين وتوعز إليهم بالاكتفاء بما يكون عليه الواحد منهم من عافية في أمر دينه ودنياه وعدم الأبوه لما يكون من انحراف غيره من بني دينه وضلاله عن جادة الحق والاستقامة. ويتأكد هذا المعنى بآية آل عمران [٧٤] التي توجب على المسلمين أن يكون منهم دائما جماعات يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وما ورد في صدد ذلك من أحاديث نبوية أوردناها في سياق تفسير هذه الآية.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)) [١٠٦ ـ ١٠٨].

(١) من غيركم : من غير المسلمين على أرجح الأقوال.

(٢) تحبسونهما : بمعنى تجعلونهما ينتظران إلى ما بعد الصلاة ليؤديا شهادتهما.

٢٤٩

(٣) لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى : بمعنى لا نكتم شهادتنا ولا نكذب فيها مهما أعطينا من الرشوة ولو كان الحق على أقاربنا أو كانت المسألة تخصّ أقاربنا.

(٤) فإن عثر على أنهما استحقا إثما : فإن تبين وعرف أنهما اقترفا إثما بكتمهم الشهادة أو كذبهم فيها.

(٥) يقومان مقامهما : يخلفانهما في مقام الشهادة.

(٦) من الذين استحق عليهم الأوليان : بمعنى نالهم ضرر الإثم والحلف الكاذب في الشهادة من أولياء الميت وورثته.

(٧) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم : بمعنى أن يخافوا أن يرد حق اليمين والشهادة إلى غيرهم فيكون في ذلك تكذيب وفضيحة لهم.

في هذه الآيات تشريع بشأن الوصية والإشهاد عليها وتحقيق صحتها في حال الاشتباه. وقد احتوت الآيتان الأوليان منها على ما يلي :

١ ـ أمر المسلمون بأنه إذا شعر أحد منهم بقرب أجله وكان في سفر بعيد عن أهله فعليه أن يشهد على وصيته وتركته شاهدين عدلين من المسلمين أو غير المسلمين.

٢ ـ فإذا وقع قضاء الله في الموصي وجاء الشاهدان ليسلما أهل الميت التركة أو يبلغا الوصية وارتاب هؤلاء في صحة أقوالهما فلهم أن يطلبوا منهم يمينا على صدقهما وعدم كتمانهما شيئا لأي سبب كان سواء أمن أجل منفعتهما الخاصة أم من أجل صالح قريب من أقاربهما.

٣ ـ وعلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين أن يحجزوا الشاهدين ليؤديا اليمين والشهادة بعد الصلاة.

٤ ـ فإذا ظهر بعد يمينهما وشهادتهما أنهما كاذبان أو أنهما جنفا وخانا فيهما فيصحّ أن يتقدم اثنان من أولياء الميت الذين يقع عليهم الحيف وضرر الشهادة الكاذبة فيخلفاهما في مقام الشهادة ويشهدا بما يريانه الحق ويقسما بالله على أن

٢٥٠

شهادتهما أحقّ من شهادة الشاهدين الأولين. وأنهما لم يجنفا ولم يعتديا فيهما. وحينئذ تقبل هذه الشهادة وتنقض الشهادة الأولى.

وقد احتوت الآية الثالثة (١) تعليلا بأن هذه الطريقة التي جعلت بها شهادة أولياء الميت حجة مقبولة ضد شهادة الشاهدين الأصليين من شأنها أن تجعلهما يتحريان الحق ويلتزمانه ويصدقان في شهادتهما خشية التكذيب والفضيحة من جراء ردّ شهادتهما وجعل حق لأولياء الميت في الشهادة بدلا منهما. (٢) وتحذيرا للمسلمين. فعليهم أن يتقوا الله في حقوق بعضهم. وأن يسمعوا ويطيعوا أوامره.

فإن الله لا يوفق الفاسقين عن أوامره ونواهيه.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ) إلخ

والآيتين التاليتين لها وما فيها من أحكام وصور وتلقين

والآيات كما يبدو فصل جديد. ولعلّها نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في مكانها أو لعلّها وضعت في مكانها للتناسب التشريعي الملموح بينها وبين سابقاتها.

ولقد روى البخاري والترمذي حديثا في صدد هذه الآيات عن ابن عباس جاء فيه «خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدّاء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوّصا بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم وجد الجام بمكة فقيل اشتريناه من عدي وتميم. فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم. قال وفيهم نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) الآية» (١).

وقد روى الطبري هذه الرواية مع شيء من الزيادة والبيان خلاصته أن اسم السهمي بديل وأنه كان في رحلة تجارية في الشام وأن تميم الداري وعدي بن بداء

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١١٠.

٢٥١

سافرا معه وكانوا على دين النصرانية حينئذ. وإنه لما مرض وشعر بدنوّ أجله كتب قائمة بمتاعه ودسّها فيه وعهد إلى رفيقيه المذكورين بتسليم متاعه إلى أهله وإنهما فتشا متاعه بعد موته فوجدا فيه الإناء المخوّص بالذهب فأخذاه لنفسهما وسلّما بقية المتاع لأهله. ثم باعاه في مكة. وفتح أهل الميت المتاع فوجدوا القائمة وسألوا الرفيقين فأنكراه. ثم وجدوا الإناء في يد شخص في مكة فقال إنه اشتراه منهما فراجعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعقد مجلسا بعد صلاة العصر وحلّف الرجلين فأصرّا على الإنكار وفي رواية ادّعيا أن الإناء لهما فتقدم اثنان من أولياء الميت فحلفا أنه لقريبهم فقضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم وفي رواية إن الشاهدين بعد أن حلفا تركا وشأنهما ثم إن تميما أسلم وتأثّم من عمله فأخبر أهل الميت بالحقيقة وردّ إليهم ما أخذه من ثمن الإناء فراجعوا النبي وأظهروا استعدادهم للشهادة فاستشهدهما ثم حكم على عدي بردّ ما قبضه من ثمن الإناء فانتزع منه ولم تلبث الآيات أن نزلت. وليس في هذا البيان ما يمنع صحته ولا ما يتعارض مع حديث ابن عباس. وهناك رواية تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر في المسألة وحكم فيها بعد نزول الآيات وفاقا لها. وحديث ابن عباس يذكر أن الآيات نزلت بعد النظر والحكم وسنده أقوى. وفي هذه الحالة يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر وحكم في المسألة بإلهام رباني ثم نزلت الآيات بإقرار ذلك وبأسلوب يجعل الأسلوب الذي نظره وحكم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشريعا عاما في الحالات المماثلة. ومثل هذا قد تكرر ونبهنا عليه في مناسبات سابقة.

ولقد تعددت الأقوال التي يوردها المفسرون عزوا إلى بعض أصحاب رسول الله وعلماء التابعين وتابعيهم فيما احتوته الآيات من معان وأحكام. وقد استوعبها الطبري أكثر من غيره (١). وهذا إيجاز لها :

١ ـ هناك من أوّل جملة (مِنْ غَيْرِكُمْ) بمعنى أهل الكتاب أو بمعنى غير المسلمين إطلاقا. وهناك من قال إنها تعني من أسرة غير أسرة المتوفى أو حيّه أو عشيرته من المسلمين. وروي عن الزهري في صدد تأييد الرأي الثاني قوله إن السنة

__________________

(١) انظر أيضا البغوي والخازن وابن كثير والطبرسي.

٢٥٢

مضت على عدم جواز شهادة كافر على مسلم لا في حضر ولا في سفر وإن الجملة هي في المسلمين فيما بينهم. ومعظم الأقوال بأنها تعني من غير المسلمين إطلاقا. ويدخل في ذلك المجوس والمشركون والوثنيون مع أهل الكتاب. وقد صوّب الطبري هذا وفنّد صرف جملة (مِنْ غَيْرِكُمْ) إلى عشيرة أهل الميت أو حيّه لأن الخطاب موجّه للمؤمنين. وهو تصويب في محلّه. وقد يرد أن القسم بالله لا يتوقع الصدق فيه إلّا من مسلم. ويرد على هذا أن الكتابيين والمشركين كانوا يؤمنون بالله ويحلفون به حيث يكون توقع الصدق واردا منهم أيضا.

٢ ـ ومن أصحاب الرأي الثاني من قال : (أولا) إن إشهاد غير المسلمين في مثل هذا الموقف مشروط بأن لا يكون هناك مسلمون يمكن إشهادهم. ومنهم من قال إن (أو) للتخيير حيث يصح إشهاد مسلمين وغير مسلمين. والمتبادر أن القول الأول هو الأوجه مع تنبيه أو استدراك. فالآية تجعل صفة العدل مما يجب توفره في الشاهد بحيث يصحّ أن يقال إن للموصي إذا لم يطمئن لاستقامة وأمانة من حضره من المسلمين أن يوصي من يطمئن باستقامته وأمانته ممن حضره من غيرهم. والله أعلم. (وثانيا) إن أصحاب هذا الرأي قالوا إن إشهاد غير المسلمين إنما يجوز في السفر لأن في هذه الحالة فقط يتوقع عدم وجود مسلمين للشهادة. وقد يكون هذا متسقا مع نصّ الآيات وظرف نزولها. غير أن تعذر وجود شهود من المسلمين في بعض الظروف المستعجلة والحرجة يكون واردا. وروح الآيات تسوغ كما هو المتبادر لنا استشهاد غير المسلمين في غير السفر إذا تعذّر وجود مسلمين والله تعالى أعلم. (وثالثا) هناك من قال إن شهادة غير المسلمين كانت مقبولة في البدء ثم نسخت بآية البقرة [٢٨٢] التي نزلت بعد هذه الآيات والتي قصرت الشهادة على المسلمين في جملة (مِنْ رِجالِكُمْ) وهناك من قال إنها محكمة لم تنسخ. والمتبادر أن هذا هو الأوجه ، لأن تعذّر وجود شهود من المسلمين وارد في كل ظرف. (ورابعا) إن هناك من قال إن شهادة غير المسلم على المسلم لا تجوز إلا في قضية وصية. ويبدو مما أورده الطبري من أقوال عديدة أن هذا مجمع عليه. ولم يرد في الأقوال ما ينقضه. ولكن مما يرد على البال أن يكون

٢٥٣

هناك حقّ لمسلم على مسلم ولا يكون لصاحب الحقّ شاهد أو شاهد عدل أمين إلّا غير مسلم. فهل يصحّ أن يقال إنه لا مانع من ضياع حقّ المسلم في مثل هذه الحالة؟ ونحن نميل إلى القول إن ذلك لا يصحّ.

وورود الآية في مقام الوصية ليس من شأنه أن ينفي ذلك أو يحصره فيها. ولقد تطرقنا إلى هذه المسألة في سياق تفسير سورة البقرة المذكورة وألمعنا إلى ما ذكره رشيد رضا عزوا إلى ابن القيم وانتهينا إلى ترجيح صحة شهادة غير المسلم على المسلم إذا لم يكن إثبات حق المسلم إلا بها. فنكتفي بهذا التنبيه. والله أعلم.

٣ ـ هناك من قال إنه إذا تقدم مسلمان فشهدا خلاف ما شهد به غير المسلمين أخذ بشهادتهما وأبطلت شهادة غير المسلمين إطلاقا. ويتبادر لنا أن هذا مناف لنصّ الآيات. فالآيات تنصّ على قبول شهادة الشاهدين على الوصية إطلاقا ولو كانا غير مسلمين إذا ما تعذر وجود مسلمين وعدم ردّ شهادتهما والأخذ بشهادة غيرهما إلّا إذا ظهر أنهما أثما في شهادتهما أو ادعي أنهما آثمان وأريد إثبات ذلك. والله تعالى أعلم.

٤ ـ وفي صدد الصلاة المذكورة في الآيات فإنّ هناك من قال إنها صلاة يصليها الشاهد مسلما أم غير مسلم لتكون شهادته عقبها أدعى إلى الاطمئنان وهناك من قال إنها صلاة العصر حيث كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعقد مجالسه بعدها لأنها قريبة من الغروب. وأكثر الأقوال في جانب هذا. ونراه هو الأوجه ولقد صرف أكثر المؤولين جملة الصلاة الوسطى في الآية [٢٢٨] من سورة البقرة إلى صلاة العصر على ما شرحناه في سياق تفسيرها حيث يتبادر أن وقتها كان مساعدا في المدينة لاجتماع الناس من حيث الطقس ومن حيث الفراغ فحثّت الآية على المحافظة عليها بصورة خاصة.

٥ ـ والمتفق عليه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي روجع وحلّ المسألة على اعتباره وليّ أمر المؤمنين وصاحب السلطان فيهم بالإضافة إلى نبوّته الشريفة. والمسألة

٢٥٤

هي مسألة قضائية تكون بعده من نطاق سلطان وليّ أمر المسلمين أو من ينيبه عنه كما هو المتبادر.

هذا ، والآيات من جهة ما تؤكد واجب الوصية المأمور بها في الآيات [١٨٠ ـ ١٨٢] من سورة البقرة والمنوّه بها في الآيات [١١ ، ١٢] من سورة النساء وضرورتها بصورة عامة. كما تؤكد واجب الإشهاد عليها تفاديا من التلاعب والتبديل فيها وفي هذا تعليم للمسلمين وحرص على نفاذ الوصية وحقوق أصحاب الحق فيها. وتلقين مستمر المدى كما هو واضح يضاف إلى التلقين المنطوي في آيات سورة البقرة والذي نوّهنا به في سياق تفسيرها بما يغني عن التكرار.

وجملة (إِنِ ارْتَبْتُمْ) في الآية [١٠٦] جديرة بالتنويه حيث يتبادر أنّه ينطوي فيها أن اليمين لا يلزم أولا يحسن أن يطلب من الشاهد إلا في حالة الارتياب. وأنه في غير هذه الحالة يصحّ أن تقبل شهادة الشاهد بغير يمين وقد يسوغ أن يزاد إلى هذا أن الشاهد يجب أن يحلف إذا طلب صاحب الحق أن يحلف أيضا ، من حيث إن طلب صاحب الحقّ قد يكون ناشئا عن الارتياب. ولسنا نرى هذا متعارضا مع الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «البيّنة على المدعي واليمين على المدعى عليه» (١) أو الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس وجاء فيه «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل حلّفه احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء» (٢). والشهادة هي البينة. فإذا ارتاب الحاكم أو صاحب الحق وجب على الشاهد أن يؤدي شهادته بعد اليمين. والله تعالى أعلم.

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)) [١٠٩].

عبارة الآية واضحة. وقد قال المفسرون (٣) ما مفاده إنها تحتمل أن تكون

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٥٥.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) انظر تفسير الطبري والخازن وابن كثير وغيرهم.

٢٥٥

متصلة بسابقاتها اتصال إنذار وتعقيب فيكون معناها «إن الله تعالى لا يوفق ولا يسعد الفاسقين المتمردين على أوامر الله الذين لا يتقونه في اليوم الذي يجمع الله فيه الرسل فيسألهم عما أجيبوا». كما قالوا إنها تحتمل أن تكون بدء الفصل التالي ومقدمة له.

وكلا الاحتمالين وجيه يتحمّله أسلوب الآية وسياق الكلام وإن كنّا نرجح الثاني لأن الآيات التالية تلهم أن حكاية تذكير الله بعيسى عليه‌السلام ومخاطبته له مما سوف يكون في يوم القيامة فتكون الآية متسقة مع هذا أكثر لهذا السبب. وهذا الاتساق يبدو واضحا أكثر أيضا في حكاية جواب عيسى عليه‌السلام لله تعالى في الآيات [١١٦ ـ ١١٨] إذا ما أمعن النظر فيها.

وإذا صحّ توجيهنا فتكون الآية بدء فصل جديد لا تبدو صلة ما بينه وبين الآيات السابقة ويحتمل أن يكون نزل عقبها بدون فاصل فوضع بعدها والله أعلم.

ولقد تعددت التأويلات المعزوة إلى علماء التأويل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم لجملة (لا عِلْمَ لَنا) لأن رسل الله يعلمون على الأقل ماذا أجيبوا في حياتهم. فمنهم من قال إن جوابهم نتيجة ذهول من هول الموقف. ومنهم من قال إنهم قصدوا به أن لا علم لنا إلّا علما أنت أعلم به منّا. والذي يتبادر لنا أن الجملة الجوابية جملة أسلوبية وأن المراد منها بيان كونهم لم يعرفوا إلّا القليل الظاهر في حين أن الله عزوجل يعلم الحقائق ما ظهر منها وما خفي وما وقع منها في حياتهم وبعدها.

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى

٢٥٦

الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥) وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)) [١١٠ ـ ١٢٠].

(١) مائدة : قيل إنها من ماده يميده بمعنى موّنه وأطعمه مرادفا لجذر ماره يميره أو بمعنى أعطاه ورفده. وقيل إنها من ماد يميد بمعنى تحرك وإن الكلمة تعني الخوان الذي يوضع عليه الطعام لأنه يتحرك وضعا ورفعا ، أو لأنها تميد بمن يتقدم إليها من الآكلين. وعلى كل حال فقد صارت بمعنى الخوان الذي يوضع عليه الطعام.

(٢) عيدا : معنى الكلمة في الأصل العائد ؛ ثم صارت بمعنى العائد من أسباب السرور أو الفرح ، والعائد من أسباب العبادة أو من أسباب ما هو جدير بالحفاوة.

٢٥٧

تعليق على الآية

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ ...) إلخ

وما بعدها لآخر السورة وما فيها من صور

وأهداف وما ورد في صددها من روايات

عبارة الآيات واضحة. ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات وهي فصل جديد ولا صلة له بالآيات السابقة عدا الآية السابقة مباشرة لها من احتمال صلتها بها كمقدمة تمهيدية على ما ذكرناه ورجحناه قبل.

ولقد احتوت الآيات مقطعين مختلفين في صيغة الخطاب متفقين في الموضوع والتوجيه :

أولهما : تضمّن حكاية لتذكير رباني موجّه إلى عيسى عليه‌السلام بما كان من رعاية الله له ولأمّه ومن تأييده له وإظهار المعجزات على يديه. وإلهام الحواريين بالإيمان به وإنزال المائدة السماوية بناء على طلبهم منه والتماسه ذلك من الله عزوجل.

وثانيهما : تضمّن حكاية سؤال موجّه إلى عيسى عليه‌السلام أيضا عما إذا كانت عقيدة النصارى بألوهيته وألوهية أمه نتيجة لقوله ذلك لهم وحكاية جواب عيسى على السؤال فيه تنصّل من ذلك وإشهاد لله على براءته منه وكونه لم يقل لهم إلّا ما أمره به أن اعبدوا الله ربي وربكم.

ويتبادر لنا من أسلوب الآيات أن المقطع الأول هو تمهيد للمقطع الثاني. وأن الثاني قد تضمن فيما تضمّنه أو بعبارة أخرى استهدف فيما استهدفه التنديد بعقيدة النصارى بألوهية عيسى عليه‌السلام وأمّه. وتبرئة عيسى من هذه الدعوة وتحميل مسؤوليتها على المعتقدين بها. وتقرير حقيقة دعوة عيسى وكونه لم يقل إلّا ما أمره الله تعالى من أنه رسول الله وكونه إنما دعا الناس إلى عبادة الله وحده ربّه وربّهم ، وكون ولادته وطفولته وكلامه الناس في هذه الطفولة وما جرى على يديه من معجزات إنما هو بإذن الله وعنايته وتأييده.

٢٥٨

ولا نستبعد بل نرجح أن مشهدا ما قام بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين فريق من النصارى أو أن سؤالا ما وجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أن بحثا ما أثير حول عيسى عليه‌السلام وشخصيته وأمّه ورسالته ومعجزاته فكان مناسبة لنزول هذه الآيات. لأن بعض ما جاء فيها بل أكثره قد جاء في آيات أخرى لمناسبات مروية ولا تبدو الحكمة في تكراره إلّا أن تكون مناسبة جديدة جريا على النظم القرآني والهدف القرآني في تكرار القصص.

والقسم الأول من الآيات ورد ما يماثله بأسلوب آخر في سورة آل عمران. وكذلك ورد خبر تأييد الله تعالى عيسى عليه‌السلام بروح القدس في بعض آيات سورة البقرة. وعلقنا على هذا وذاك بما فيه الكفاية. والآيات هنا تلهم أنه استهدف تقرير كون ذلك إنما جرى بإذن الله تعالى. وهو ما تضمّنت الأناجيل المتداولة عبارات عديدة منسوبة لعيسى عليه‌السلام فيها اعترافه به.

ومن الجديد في الآيات حكاية قول الذين كفروا من بني إسرائيل إن ما جاء به عيسى من الآيات والبينات هو سحر. وفي الأناجيل المتداولة اليوم حكاية قولهم حينما كان عيسى يشفي المجانين إنه يخرج الشياطين ببعل زيون رئيس الشياطين وإنّ به شيطانا (١) وكان بنو إسرائيل يعتقدون أن السحرة والعرافين يتعاملون مع الجن على ما أوردناه في سياق قصة موسى عليه‌السلام مع فرعون في سورة طه. وليس من مانع من أن يكون قولهم الصريح الذي حكته الآيات قد ورد في أناجيل وقراطيس لم تصل إلينا. ونحن نعتقد ذلك. والله تعالى أعلم.

ومن الجديد في الآيات معجزة المائدة والتنصل المحكي على لسان عيسى عليه‌السلام من عقيدة النصارى بألوهيته وألوهية أمه.

ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره عن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم في صدد معاني الآيات ومحتواها.

__________________

(١) انظر الإصحاحات ١٠ و ١٢ من إنجيل متى و ٣ من مرقص و ١١ من لوقا.

٢٥٩

(فأولا) هناك رواية تذكر أن المائدة لم تنزل لأن الحواريين خافوا من إنذار الله بالعذاب بعد إنزالها فسحبوا طلبهم. ورواية أن عيسى عليه‌السلام قال لهم إن تصوموا ثلاثين يوما لله يؤتكم كلّ ما تسألونه فصاموا فطلبوا المائدة فأنزلها الله مع الملائكة طائرة على خوان. وجمهور المفسرين يديرون الكلام على أن المائدة قد نزلت. وقد روى الطبري بطرقه عن عمار بن ياسر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «إن الله أنزل عليهم مائدة من خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير». وقد روى هذا الحديث الترمذي أيضا عن عمار (١). ويظهر أن هذا الحديث لم يصح عند كثير من المؤولين الأولين كابن عباس والسدّي والحسن وعكرمة وقتادة حيث روى الطبري عنهم روايات عديدة أخرى في صدد المائدة. ولو صحّ لكان الفيصل في هذه المسألة لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو صاحب الصلاحية في الإخبار عن مثل هذه الأمور الغيبية. والحديث بعد غير متطابق تماما مع فحوى الآية وما رواه أهل التأويل وأورده المفسرون ، ولا يخلو من أمور غريبة عجيبة أيضا :

(١) إن المائدة سمكة مشوية بدون فلوس وشوك ومعها ملح وبقل وخلّ وخبز عليه سمن وعسل وجبن وزيتون وقديد.

(٢) إنها سبعة أرغفة وسبعة حيتان.

(٣) إنها سمكة فيها طعم من كل طعام.

(٤) إنها من كل طعام عدا اللحم.

(٥) إنها من ثمار الجنة.

(٦) إنها خبز ورز وبقل.

(٧) إنها كانت تنزل حيثما نزل عيسى والحواريون إلى أن سرق بعضهم منها فانقطع نزولها.

(٨) لما نزلت قالوا لعيسى كن أول الآكلين منها فقال معاذ الله أن آكل منها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٧.

٢٦٠