التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

المقصود بها تطمينه من قريش الذين كان يهابهم. وروي عن محمد بن كعب القرظي أن جملة (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) نزلت في مناسبة مجيء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو وحده في ظل شجرة فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال : الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه وضرب رأسه بالشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله الجملة. وروى ابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه فقال : إن الله قد عصمني من الجنّ والإنس». وروى البغوي عن الحسن أن الله لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذّبه فأنزل الله الآية. وقال البغوي بعد هذه الرواية وقيل إنها نزلت في عتب اليهود حيث دعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستهزأوا به وقالوا تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى فسكت عنهم فنزلت. وقيل إنها نزلت في قضية الرجم والزنا اليهودية. وقيل إنها نزلت في مسألة زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب بنت جحش. وقيل في الجهاد حيث كرهه المنافقون وكان النبي يمسك أحيانا عن الحثّ عليه فأنزل الله الآية. وهناك روايات يرويها الشيعة سنوردها ونعلّق عليها فيما بعد. ونعلق على الأقوال والروايات السابقة فنقول إنه لم يرد شيء منها في الصحاح. والنفس لا تطمئن إلى معظمها التي يقتضي بعضها أن تكون الآية نزلت متفرقة في مناسبات مختلفة. ويقتضي بعضها أن تكون نزلت في مكة. والتكلف والتلفيق ظاهران فيها. وإذا كان بعض الآيات المكية احتوى إشارة إلى ما كان يعتري النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أسى وضيق بتكذيب الناس ومناوأتهم له فهذه الحالة لم تعد قائمة في العهد المدني الذي قويت فيه الدعوة وكثر المسلمون وتبدل حالهم من الضعف إلى القوة. ولم ترو رواية ما بأن الآية مكية. وهذا فضلا عن أن ما أشارت إليه الآيات المكية من أسى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضيقه لم يكن خوفا من الناس يحمله على عدم تبليغ ما أنزل إليه. ولقد أنزل الله عليه في مكة آيات كثيرة فيها إنذارات قارعة وحملات قاصمة ونعوت لاذعة فكان يتلوها علنا دون ما خوف من زعماء قريش وأغنيائهم الأقوياء وجماهير الناس الذين رضخوا لتحريضهم

١٨١

ووقفوا من الدعوة موقف الانقباض. فالقول إن الآية نزلت في أول التبليغ لأنه ضاق ذرعا بمن كان يكذبه من الناس لا يصحّ تاريخا ولا موضوعا. ومسألة قضية اليهود في الزنا والرجم ومسألة نكاح زينب بنت جحش ليس لهما محل في هذا المقام.

وما سبق الآية ولحقها يسوغان الجزم بأنها جزء من موضوع السياق المتصل بالنهي عن تولي أهل الكتاب ولومهم لأنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله على رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشامل لهم. وهذا يجعل قول الطبري الذي أوردناه في مطلع الروايات والأقوال هو الأوجه المتسق مع السياق والفحوى. وقد عزاه الطبري إلى ابن عباس وقتادة وقال في توضيحه إن الله أمر رسوله بإبلاغ اليهود والنصارى الذين قصّ قصتهم وذكر انحرافهم ونهى عن موالاتهم ما أنزله عليه دون أن يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبه مكروه ولا جزع من كثرة عددهم وقلة عدد من معه وأن لا يتقي أحدا في ذات الله فإن الله تعالى كافيه كل أحد من خلقه ودافع عنه كل مكروه. وأعلمه أنه إن قصر في إبلاغ شيء مما أنزل عليه فهو في تركه شيئا من ذلك وإن قل فيكون في منزلة من لم يبلغ منه شيئا وهذا توضيح جيد يجلي الآية ومداها جلاء قويا. وقد يحسن أن نذكر في هذا المقام بالآيات الست الأخيرة من سورة الحجر حيث يصح القول إن الموقف الذي استوجب نزول هذه الآيات المكية وشرحناه في سياقها قد تكرر في العهد المدني بالنسبة لأهل الكتاب فاقتضت حكمة الله تنزيل الآية لتثبت النبي وإيذانه بأن الله عاصمه منهم كما آذنه في آيات الحجر أنه عاصمه من المشركين وأن عليه أن يستمر في مهمته وإبلاغ ما أنزل الله عليه دون خشية من أحد كتابيّ وغير كتابيّ. ولعلّ ما روي في سياق الآية من أن النبي أرسل إلى أبي طالب يخبره أن الله عاصمه وكافيه ، إن صحّ ، قد كان في مناسبة آيات سورة الحجر المكية فالتبس الأمر على الرواة. ومع ذلك فإنه يتبادر لنا أن في الآية تأييدا أقوى لما ذكرناه في سياق تفسير الآيتين [١٥ ، ١٦] من هذه السورة من احتمال صحة روايات إرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا وكتبا إلى ملوك وأمراء البلاد المتاخمة ودعوتهم إلى الإسلام. وذلك باحتوائها أمرا مؤكدا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبليغ رسالته لأهل الكتاب دون أن يخشى شيئا وتطمينا بأن الله تعالى حاميه وعاصمه حيث يمكن أن

١٨٢

يتناسب هذا الأسلوب مع فكرة ونتائج إرسال الرسل والكتب إلى أولئك الملوك والأمراء ودعوتهم. والله تعالى أعلم.

ولقد ورد في فصل التفسير في كتب البخاري ومسلم والترمذي حديثان في سياق تفسير هذه الآية رأينا أن نوردهما بدورنا على هامش تفسيرها. أحدهما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت «من حدّثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)» (١) وثانيهما رواه الترمذي عن عائشة أيضا قالت «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحرس حتى نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأخرج النبي رأسه من القبّة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله» (٢).

وفي الحديث الأول توضيح وتوكيد لمعنى جوهري وأصلي في العصمة النبوية بحيث يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بلّغ كل ما أنزل إليه من ربّه. وفي الحديث الثاني صورة رائعة لعمق إيمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بربّه وبما ينزله عليه. وتطبيق للآية الكريمة.

ولقد روى مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب خطبة طويلة في حجة الوداع التي مات بعدها بنحو ثمانين ليلة فقال فيما قال «قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون. قالوا نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهمّ اشهد. ثلاث مرات» (٣) حيث ينطوي في هذا كذلك عمق إيمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برسالته ومسؤوليته عنها تجاه الله عزوجل وحرصه على استشهاد جمهور المسلمين في موقف حافل جامع على أنه قد بلّغ رسالة ربه.

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٩٢.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) من خطبة حجة الوداع انظرها في التاج ج ٢ ص ١٤٠ ـ ١٤٥. ولقد أورد ابن هشام خطبة حجة الوداع وفيها زيادة بعد جملة (كتاب الله) وهي (سنّة نبيه) انظر ج ٤ ص ٢٧٢ وما بعدها.

١٨٣

روايات الشيعة في صدد الآية

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...)

والتعليق عليها

نأتي الآن إلى روايات الشيعة في صدد هذه الآية التي يعلّقون عليها أهمية عظيمة تشابه لما يعلقونه على الآيتين [٥٤ و ٥٥] من هذه السورة في تثبيت إمامة عليّ رضي الله عنه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنصّ قرآني أيضا. فقد روى الطبرسي المفسر الشيعي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله أن الله أمر رسوله بتنصيب علي رضي الله عنه إماما بعده ، فتخوّف أن يقول الناس إنه حابى ابن عمه فأنزل الله الآية فأعلن النبي بعد نزولها في غدير خمّ ولاية علي ، وفي رواية أنه أخذ بيد عليّ فقال من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وروى نفس المفسر عن إمامي الشيعة أبي جعفر وأبي عبد الله مثل ذلك. وروى المفسر الشيعي الكاشي حديثا عن النبي بدون عزو وراو وسند «أن رسول الله قال مبينا سبب نزول الآية إن جبريل هبط إليّ ثلاث مرات يأمرني بأمر ربي بأن أقوم فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله عليّ بذلك آية أخرى في ذلك وهي (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥)). فسألت جبريل أن يستغفر لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإوغال الآثمين وحيل المستهترين بالإسلام. الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم والذين آذوني فسمّوني أذنا ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت فأنزل الله عليّ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في عليّ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (١). وفي كتب تفسير

__________________

(١) انظر هذا الحديث في الجزء ٢ ص ١٦٩ من كتاب التفسير والمفسرون للذهبي.

١٨٤

المفسرين روايات وأحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما أوردناه ونقول تعليقا على ذلك ، إن سياق الآية السابق واللاحق والتي هي منسجمة معها أشدّ الانسجام يدلّ دلالة نعتقد أنها حاسمة على أنها نزلت آمرة النبي بتبليغ ما أنزل الله إليه إلى أهل الكتاب دون خشية وحذر وأنها نزلت في وقت كان اليهود في المدينة على شيء من الوجود القوي بحيث يمكن أن نقول إن روايات الشيعة مقحمة على الآية وسياقها إقحاما عجيبا فضلا عن نصوص بعضها العجيبة التي تبرز عليها الصنعة بروزا قويا شأن الروايات التي يسوقونها أوردناها في سياق الآيتين [٥٤ و ٥٥] من هذه السورة. والغاية منها ظاهرة وهي زعم كون خلافة عليّ بعد النبيّ مؤيدة بنصوص قرآنية ونبوية وزعم مخالفة الجمهور الأعظم من المهاجرين والأنصار للقرآن والنبي وتحريفهم القرآن بإسقاط اسم عليّ من الآية حاشاهم ثم حاشاهم ولا يجوز لمسلم عاقل أن يخالجه شك في أن النبي لو أمر بإعلان إمامة عليّ لأعلنها دون أي تردد. ولو وصّى بخلافته لعبد حبشي وليس لعلي بن أبي طالب الهاشمي القرشي الصحابي الجليل المجاهد العظيم والعالم الواسع العلم لتقبل أصحابه وبخاصة كبارهم وبالأخصّ أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ذلك بكل خضوع وتسليم ولنفذوا وصيته بدون أي تردد. لأن المسألة في ذلك الوقت ليست مسألة حكم وسياسة وإنما هي مسألة إيمان ودين. وكان أصحاب رسول الله وبخاصة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان والذين سجّل الله في القرآن رضاءه عنهم كانوا مستغرقين في دين الله ورسوله ورسالته وأوامره وسنته والقرآن يأمرهم بأخذ ما آتاهم النبي والانتهاء عمّا نهاهم عنه ويقول من أطاع الرسول فقد أطاع الله. والجمهور الأعظم من أصحاب رسول الله ومنهم علي بن أبي طالب بايعوا أبا بكر ثم بايعوا عمر من بعده ثم بايعوا عثمان من بعده. وعلى فرض المحال لو حدثت نفوس بعض أصحاب رسول الله بعدم تنفيذ وصية النبي لو كانت صحيحة لحاربهم جمهور أصحاب رسول الله. ولما كان يصحّ فرض تراجع عليّ عنها لأنه يكون في ذلك خالف وصية رسول الله ولحارب دونها ولوجد من المسلمين جمهورا عظيما يحاربون

١٨٥

معه. وهو يعد أقوى عصبة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.

وقد يكون في كتب الحديث المعتبرة أحاديث فيها شيء خاص بالنسبة لعلي رضي الله عنه. من ذلك مثلا حديث رواه الترمذي جاء فيه «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (١) وليس بين هذا الحديث والآية أية صلة. ولا يفيد الدلالة التي يريد الشيعة استخراجها حتى وليس في الزيادة التي زادوها عليه هذه الدلالة. ومن ذلك حديث رواه الترمذي قد يكون فيه تفسير أو توضيح للحديث السابق. جاء فيه «بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا وأمّر عليهم عليا فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة منهم على أن يخبروا رسول الله إذا رجعوا. فلما قدموا سلّموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا. فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثلهما فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من علي وكرّرها ثلاثا ثم قال إن عليا مني وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» (٢) حيث يمكن أن يستفاد من هذا الحديث إن صح أنه في معرض الدفاع عن علي رضي الله عنه وبيان علوّ منزلته عنده وحسب. ولعل الحديث الأول صدر أيضا في هذا الموقف فرواه أحدهم لحدته. ومن ذلك حديث يرويه مسلم والترمذي عن زيد بن أرقم صدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ماء خمّ بين مكة والمدينة جاء فيه «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي» (٣) وفرق كبير بين هذه الصيغة التي يروي الشيعة صيغة أخرى عن النبي يوم غدير خمّ وما يروونه وأوردناه قبل. وليس لها صلة بالآية التي

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ٢٩٦.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه ص ٣١٠.

١٨٦

نحن فيها. وليس فيها الدلالة التي يريد الشيعة استخراجها. ومحبة واحترام ورعاية أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر واجب على المسلمين جميعا ولو لم يرو هذا الحديث مع القول الحق إن هذا الواجب هو بالنسبة للمستقيمين المتقين الصالحين منهم الملتزمين لأوامر الله ورسوله ونواهيهما. على ما تلهمه آيات قرآنية وأحاديث نبوية عديدة. وإن للمستقيمين المتقين الصالحين منهم الحق في أن يتولوا أمر المؤمنين بالبيعة الشرعية وإن هذا ليس من شأنه أن يحجب ذلك عن المستقيمين المتقين الصالحين من غيرهم إذا ما تمّت لهم بيعة شرعية أيضا.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨)) [٦٨].

تعليق على الآية

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ

رَبِّكُمْ ...) وما فيها من أحكام ودلالات

عبارة الآية واضحة كذلك. وقد احتوت :

(١) أمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول لأهل الكتاب إنهم لن يكونوا على شيء من الهدى والحق والصواب وأسباب النجاة إلّا إذا نفذوا أحكام التوراة والإنجيل وأقاموا على أحسن وجه ثم آمنوا واتبعوا ما أنزل عليه أيضا لأن النبي واسطة من الله إليهم به.

(٢) وتقريرا توكيديا بأن ما ينزله الله عليه سوف يزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا.

(٣) وتسلية له على ذلك. فلا ينبغي أن يحزن أو يعبأ بموقف الكافرين منهم.

ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن جماعة من اليهود جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٨٧

فقالوا ألست تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه وتؤمن بالتوراة وتشهد أنها من الله حقّ قال بلى. ولكنكم أحدثتم وجحدتم وخالفتموها وكتمتم ما أمر الله أن تبينوه منها للناس وأنا بريء من إحداثكم فقالوا له فإنا نأخذ بما في أيدينا وهو الحقّ والهدى. ولا نؤمن بك ولا نتبعك ، فأنزل الله الآية.

والرواية لم ترد في الصحاح ، والمتبادر المستلهم من فحوى آيات السياق السابق أن الآية لم تنزل لحدتها بمناسبة ما روته الرواية. وأنها جزء من السياق واستمرار له. ففي الآيات السابقة وجّه اللوم إلى أهل الكتاب وقيل لهم لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله على النبي الذي هو موجّه إليهم لحسنت حالتهم ، فجاءت هذه الآية لتأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول لهم ما احتوته. ولعل الآية السابقة لهذه الآية ـ على ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون صوابا ـ جاءت بمثابة تمهيد وتشجيع. وكأنما أرادت أن تقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن عليه أن يقول هذا لأهل الكتاب بكل جرأة وصراحة وبدون تردد ولا حسبان ما يحدثه في كثير منهم من ازدياد الكفر والطغيان. فالله عاصمه وحاميه منهم ومن غيرهم.

وهذا لا يمنع صحة المحاورة المروية في الرواية بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واليهود في مجلس من المجالس قبل نزول الآيات.

وإذا صحت الرواية فيكون فيها تأييد لما قلناه أكثر من مرة من أن ذكر النصارى والإنجيل في السياق قد جاء من قبيل الاستطراد والتعميم. وأن المقصود في الدرجة الأولى في السياق هم اليهود. والله أعلم.

وما قلناه قبل في صدد مدى الحثّ على إقامة التوراة والإنجيل في سياق الآية [٦٦] ينسحب على ما جاء من ذلك في هذه الآية. وجملة (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ليس من شأنها أن تضعف ما قلناه أو تنقضه ما دامت مقترنة بنفس الجملة السابقة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) على ما شرحناه سابقا. وشرح الآية المستلهم من روحها وفحواها بالإضافة إلى الشرح السابق للآيتين [٦٥ و ٦٦] المستلهم كذلك من روحهما وفحواهما ينطوي على دلالة تكاد

١٨٨

أن تكون قطعية على صواب ما قرّرناه من أن الآية [٦٧] التي يتمسك بها الشيعة جزء من السياق وأن تمسكهم بها تعسف وتمحّل.

وفي الآية نصّ صريح والحالة هذه على أن اليهود والنصارى من وجهة النظر الإسلامية ليسوا على هدى يضمن لهم النجاة عند الله ما داموا لا يؤمنون بالرسالة المحمدية والقرآن الذي أنزله الله على محمد صلوات الله عليه. وهو ما دعوا إليه مرارا. وكانت أحدث دعوة إليه قبل هذه الآية في الآية [٦٥] وقبلها في الآيات [١٣ ـ ١٦ و ١٩] من هذه السورة.

ولقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلّا كان من أهل النار» (١) حيث ينطوي في الحديث تفسير وتوضيح لمدى الآية متساوقان مع ما استلهمناه منها.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) [٦٩].

عبارة الآية واضحة. وهي مماثلة ـ بفرق طفيف ـ لآية سورة البقرة [٦١] التي جاءت في سياق التنديد باليهود ومواقفهم وجحودهم كما جاءت هذه هنا. وليس هناك رواية خاصة بنزولها. والمتبادر أنها متصلة بالسياق اتصال تعقيب واستطراد وتنبيه لتقرر أن رضاء الله لا ينال باليهودية والنصرانية والصابئية والإسلام وإنما ينال بالإيمان بالله إيمانا صادقا واليوم الآخر والعمل الصالح لا غير. وإن من يفعل ذلك منهم فهو الذي لا يكون عليه خوف ولا حزن من العاقبة.

وما دامت الآية متصلة بالسياق فإن وجوب الإيمان بالرسالة المحمدية والقرآن منطو فيها بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين بطبيعة الحال. ولقد شرحنا هذه المسألة شرحا أوفى في سياق تفسير آية البقرة المذكور فنكتفي بهذا التنبيه.

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٣٠.

١٨٩

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)) [٧٠ ـ ٧١].

(١) وحسبوا أن لا تكون فتنة : ظنوا أنهم لا يبتلون أو لا يختبرون أو لا يؤاخذون.

تعليق على الآية

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً ...)

والآية التالية لها وما فيهما من صور

في الآيتين إشارة تنديدية إلى مواقف بني إسرائيل من الرسل الذين يأتونهم من قبل الله وتقرير لواقع حالهم :

(١) فلقد أخذ الله عليهم الميثاق والعهد بأن يسمعوا ويطيعوا لرسله. ولكنهم نقضوا عهد الله فكانوا كلّما جاءهم رسول بما لا يحبّون من المواعظ والأوامر والنواهي كذبوه أو قتلوه.

(٢) ولقد ظنوا أنهم لن يتعرضوا لابتلاء الله واختباره ومؤاخذته وعقابه فظلوا في غيّهم عميا عن رؤية الحقّ صمّا عن سماعه حتى عاقبهم الله وابتلاهم فتابوا فتاب عليهم ثم عاد كثير منهم إلى التصامم عن سماع الحق والتعامي عن رؤيته.

(٣) وإن الله ليعلم ما يعلمون ومحصيه عليهم وسائلهم عنه.

ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآيتين. والمتبادر أنهما متصلتان بالسياق أيضا اتصال تنديد وتعقيب وتذكير وإنذار.

ويتبادر لنا أن فيهما معنى من معاني التسرية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإذا كان اليهود قد وقفوا منه المواقف الخبيثة والجاحدة التي وقفوها والتي حكتها الآيات السابقة

١٩٠

فإن ذلك ديدن آبائهم من قبلهم. فلا محلّ للهمّ والحزن. ولقد احتوت سلسلة آيات البقرة الواردة فيهم مثل ذلك في مقام التنديد والتسرية أيضا. ولقد علقنا على الموضوع بذاته بما يغني عن التكرار.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)) [٧٢ ـ ٧٦].

(١) صدّيقة : شديدة الإيمان والتصديق ، أو شديدة الصدق.

تعليق على الآية

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) إلخ

والآيات الأربع التي بعدها

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت :

(١) تقرير كفر الذين يقولون إن الله هو المسيح والذين يقولون إنه ثالث ثلاثة.

(٢) وتقرير كون ذلك هو مخالف لدعوة المسيح الذي دعا بني إسرائيل إلى الله وحده ربّه وربّهم وأنذر المشركين به بالحرمان من الجنّة وبعذاب النار.

١٩١

(٣) وتقرير حقيقة المسيح وأمه. فهو رسول مثل سائر الرسل الذين سبقوه. وأمه صدّيقة مؤمنة. وكلاهما بشر مثل سائر البشر وكانا مثلهم يأكلان الطعام.

(٤) وسؤالين استنكاريين وتنديديين موجهين للنصارى : فهل يجوز أن يعبدوا من دون الله ما لا يملك لهم ضرّا ولا نفعا. وهل لا ينبغي لهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله من أقوالهم. وهو الغفور الرحيم الذي يقبل توبة التائبين إليه. أما الذين يظلّون منحرفين ظالمين أنفسهم فليس لهم أنصار ينصرونهم من الله.

ولم يرو المفسرون رواية خاصة بنزول هذه الآيات أيضا. والمتبادر أنها متصلة هي الأخرى بالسياق السابق اتصال تعقيب وتنديد وتذكير وإنذار.

ومع أن الآية الأخيرة قد تلهم أن الخطاب الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتوجيهه فيها إلى النصارى كان وجاهيا وعلى سبيل التنديد الجدلي. فإن السياق السابق واللاحق يلهم أن هذه الآية منسجمة مع سائر الآيات. ويجعلنا نرجح أن السؤال فيها أسلوبي وعلى سبيل التنديد من جهة وعلى سبيل تعليم النبي بما يوجهه من حجة مفحمة للنصارى من جهة أخرى. ويتبادر أنها جاءت من باب الاستطراد لبيان انحراف النصارى أيضا عن الإنجيل ودعوة المسيح كما انحرف اليهود. ولتوكيد كون أهل الكتاب اليهود والنصارى معا ليسوا على شيء ما داموا لا يقيمون التوراة والإنجيل على ما قررته الآية [٧٢] بالإضافة إلى عدم اتباع ما أنزل الله إليهم على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والفقرة الأولى من الآية الأولى وردت في الآية [١٧] من هذه السورة. وعلّقنا عليها بما يغني عن التكرار. ولقد علّقنا على موضوع التثليث الذي تضمنته الآية الثانية وعقيدة النصارى بأن الآلهة ثلاثة في سياق الآية [١٧١] من سورة النساء بما يغني كذلك عن التكرار. وإن كان من شيء نزيده هنا فهو تقرير الآية هنا كفر الذين يثلثون الآلهة ويقولون إن الله الذي هو في عقيدتهم واحد من الأقانيم الثلاثة ثالث ثلاثة. فهذا التقرير هنا جديد لأن آية النساء جاءت بأسلوب التنديد والاستنكار والنهي.

١٩٢

ومن الجدير بالذكر أن الأناجيل المتداولة اليوم والتي يعترف بها النصارى قد احتوت أقوالا كثيرة منسوبة إلى المسيح فيها مصداق لما جاء في الآيات من حيث كونه بشرا وابن الإنسان ومن حيث إنه كان يدعو إلى الله ويصفه بأنه ربّه وربّ كل الذين يخاطبهم وربّ الناس. وقد أوردنا طائفة من هذه الأقوال في سياق تفسير سورة مريم فلا نرى حاجة إلى التكرار إلا أن نقول إنه من وجهة النظر الإسلامية أن ما يعزى في الأناجيل المتداولة إلى عيسى عليه‌السلام من أقوال فيها ما يمكن أن لا يتطابق مع القرآن في هذه الآيات وفي غيرها صراحة أو تأويلا من كون المسيح بشرا كسائر البشر ولد بمعجزة ورسولا كسائر الرسل دعا إلى الله وحده وكون الله عزوجل واحدا لا شريك له ولا ولد ولا يقبل التعدد والتجزؤ هو منحول أو محرف عن أصله الحقّ. ومن الجدير بالتنبيه أن الروايات القديمة ذكرت أن من رجال المذاهب النصرانية في القرون النصرانية الأولى من كان يعتقد ويقول ببشرية عيسى عليه‌السلام وكونه رسولا ونبيّا وحسب ، وينكر ألوهيته وألوهية أمه (١).

وذكر أمّ المسيح ووصفها بالصدّيقة متصلان كما هو المتبادر بعقيدة اليهود والنصارى فيها. فالأولون بهتوها وقذفوها كما حكته الآية [١٥٩] من سورة النساء وأوردنا في سياق ما يروجونه من روايات قديمة (٢). ومن الآخرين من ألّهها وعبدها كما هو مأثور في الروايات التاريخية (٣) بل وقائم إلى الآن عند بعض الطوائف النصرانية. فالإشارة القرآنية هي بسبيل الردّ على هؤلاء وهؤلاء ووضع أم المسيح في موضعها الحقّ من كونها مؤمنة مخلصة لله طاهرة من الدنس وكون الله قد جعلها محلّ عنايته وبركته واصطفاها لمعجزة ولادة المسيح بدون مسّ رجل على ما جاء في آيات آل عمران [٣٣ ـ ٤٨] وآيات مريم [١ ـ ٢١] وقد أوردنا ما جاء في صدد ذلك في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا في سياق تفسير سورة مريم. فنكتفي بالتنبيه إلى ذلك. وإذا كان في بعض آيات القرآن بيانات ليست واردة في هذا

__________________

(١) انظر تاريخ سورية للدبس مجلد ٣ ج ٢ ومجلد ٤ ج ٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

١٩٣

الإصحاح فالذي نعتقده أنها وردت في قراطيس وأناجيل أخرى لم تصل إلينا.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)) [٧٧].

في الآية أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن ينهى أهل الكتاب عن الغلوّ في عقائدهم الدينية غلوّا يتنافى مع الحق والحقيقة. وعن سلوك طريق سلكها قوم قبلهم اتباعا لأهوائهم فضلّوا عن الطريق القويم وأضلّوا كثيرا من غيرهم أيضا.

تعليق على الآية

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ...) إلخ وما فيها من

تلقين وما ورد في عدم الغلوّ في الدين من أحاديث

ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآية. والمتبادر أنها هي الأخرى متصلة بالسياق نظما وموضوعا. وقد قال الطبري إن النهي الذي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتوجيهه هو للنصارى في صدد انحرافهم في عقائدهم عن الحق. وإن الذين نهوا عن اتباع أهوائهم هم اليهود. وعزا القول الثاني إلى مجاهد. وقال البغوي إن المقصود بالنهي والتحذير هم رؤساء الضلال من اليهود والنصارى. وقال ابن كثير إن النهي موجّه إلى النصارى والتحذير هو من رؤسائهم المنحرفين السابقين.

وما قاله الطبري هو الأوجه. فالخطاب في الآيات السابقة موجّه للنصارى. والآية استمرار لها. وتحذيرهم من (قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا) يدل على أن هؤلاء من غيرهم. وليس هناك غيرهم إلّا اليهود. والوصف الذي وصفوا به في شطر الآية الثانية قد وصفوا به في آيات عديدة سابقة. منها آية قريبة وهي الآية [٦٠] من هذه السورة. ومنها آيات سورة النساء [٤٤ ـ ٤٥] ولعلّ في الآية التالية قرينة على ذلك أيضا. وهكذا تكون الآية قد استهدفت تحذير النصارى من السير في طريق اليهود الذين اتبعوا فيما سبق أهواءهم فضلّوا وأضلّوا.

١٩٤

ومع أن أسلوب الآية قد يلهم أن الخطاب الذي أمر النبي بتوجيهه إلى أهل الكتاب كان وجاهيا وعلى سبيل التنديد فإن السياق السابق واللاحق يلهم أنه أيضا تعبير أسلوبي فيه تعليم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يوجهه لهم من تحذير وتنبيه.

ومع أن نهي الآية لأهل الكتاب عن الغلوّ في الدين في مقامه بمعنى النهي عن الانحراف في العقيدة الأصلية فقد وقف المفسّر القاسمي في (محاسن التأويل) عند الآية وأورد بعض أحاديث نبوية في سياقها حيث يبدو أنه رأى في الآية تلقينا للمسلمين أيضا والأحاديث التي أوردها ليست في معنى النهي الذي هدفت إليه الآية أي الانحراف عن العقيدة الأصلية وإنما هي في صدد التزمت والتنطع والتشدد في المبادرات الدينية المفصلة بالعبادات والمعاملات. وهناك كثيرون من المسلمين في مختلف العصور وبخاصة الأخيرة ، ومنهم المتزيون بزي رجال الدين من يتجاوزون الحق والاعتدال في أقوالهم وأفعالهم وتزمتهم ويتهمون من لا يسير على طرائقهم أو يشتدون في تسيير الناس على طرائقهم دون أن يكون لهذه الطرائق سند صحيح من قرآن وسنّة. كما أن هناك كثيرين من أصحاب المذاهب الدينية المشوبة بالسياسة الذين يتبعون أهواءهم ويغلبونها على الحقّ والمنطق ويفسرون القرآن وينسبون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أحاديث غير صحيحة بسبيل تأييد هذه الأهواء. والمتبادر أن المفسّر لحظ ذلك فوقف عند الآية مستطردا إلى ما عليه هؤلاء وهؤلاء من غلوّ وأورد ما أورده من أحاديث نبوية في ذلك. ولا نرى والحالة هذه بأسا في ذلك. ومن الأحاديث التي أوردها حديث رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس قال «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياكم والغلوّ في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدين» وحديث رواه مسلم عن ابن مسعود قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلك المتنطعون قالها ثلاثا» والمتبادر أن في الحديث الثاني تفسيرا للحديث الأول من حيث إن المقصود به هو التزمت ومجاوزة الحق والاعتدال في الأقوال والأفعال المتصلة بالدين والتدين. ومن الجدير بالتنبيه أن في القرآن المكي والمدني آيات كثيرة في النعي الشديد على الذين يتبعون هواهم ويتخذونه إلها ويجعلونه ضابطا لسيرهم في شؤون الدين والدنيا والتنديد بهم مما

١٩٥

مرّت أمثلة كثيرة منه في السور التي سبق تفسيرها وهي عامة شاملة للمسلمين بطبيعة الحال.

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)) [٧٨ ـ ٧٩].

تعليق على الآية

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ...) إلخ

والآية التي بعدها وما فيهما من تلقين وما ورد في صدد ذلك من أحاديث

عبارة الآيتين واضحة. وقد احتوتا إشارة تذكيرية لدور من أدوار تاريخ بني إسرائيل حيث كفر بعض أجيالهم فاستحقوا اللعنة على لسان داود وعيسى عليهما‌السلام بسبب كفرهم وعصيانهم وبغيهم وتجاوزهم حدود الله. وبسبب أن بعضهم كان يسكت عمّا يرتكبه البعض الآخر من آثام ومنكرات ولا ينهى عن ذلك أحد أحدا. ولبئس ما كانوا يفعلون.

ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآيتين. والمتبادر أنهما متصلتان بالآيات السابقة سياقا وموضوعا أيضا. وأنهما استهدفتا بيانا توضيحيّا للآية السابقة التي حذرت من اتباع أهواء الذين ضلّوا من قبل وأضلوا. وانطوتا في الوقت نفسه على تدعيم الخطاب الموجّه إلى النصارى في صدد نهيهم عن الغلوّ والانحراف ورجوعهم إلى الحق. فلا يصح لهم أن يسيروا في الطريق التي سار فيها اليهود وأتباع الأهواء مثلهم. فمن هؤلاء من لعنوا بلسان بعض الأنبياء بسبب كفرهم وعصيانهم وتجاوزهم حدود الله وعدم تناهيهم عن الآثام والمنكرات.

ولقد عزا الطبري إلى ابن عباس وابن جريج أن داود عليه‌السلام دعا على فريق من بني إسرائيل ولعنهم فصاروا خنازير. وأن عيسى عليه‌السلام دعا على

١٩٦

فريق منهم ولعنهم فصاروا قردة. وعزا إلى قتادة أن لعنة داود ودعاءه جعلتهم قردة ولعنة عيسى ودعاءه جعلتهم خنازير. وقال البغوي : إن اليهود لما اعتدوا في السبت في ميناء أيلة قال داود اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة وخنازير وإنهم لما كفروا بعيسى قال اللهمّ العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة خنازير. وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة فضلا عن أنها غير صادرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يسوغ التحفظ إزاءها.

ومهما يكن من أمر فإن تخصيص لعنتي داود وعيسى عليهما‌السلام بالذكر متصل فيما يتبادر لنا بحوادث معينة كانت معروفة عند اليهود والنصارى.

ولقد وقف بعض المفسرين عند هذه الآيات أيضا وأوردوا في سياقها أحاديث نبوية فيها تعليم للمسلمين بما يجب عليهم من التناهي عن المنكر وإنذار لمن لا يفعل ذلك حيث يبدو أنهم رأوا فيها تلقينا شاملا للمسلمين وأوردوا الأحاديث بناء على ذلك وهذا وجيه. ولا سيما إن بعض الأحاديث ينطوي على التذكير بما كان من ذلك من بني إسرائيل. ومن الأحاديث التي أوردها الطبري حديث عن ابن مسعود رواه بطرق عديدة بتباين يسير وقد ورد صيغة له في التاج برواية أبي داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود وهذه هي «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحلّ لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قرأ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)). ثم قال والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظالم ولتأطرنّه على الحقّ أطرا ولتقصرنّه على الحقّ قصرا أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننّكم كما لعنهم» (١) ومما أورده ابن كثير حديث

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٢٠٤.

١٩٧

أخرجه الإمام أحمد عن عدي بن عميرة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «إنّ الله لا يعذّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه. فإذا فعلوا عذّب الله الخاصة والعامة» (١) وحديث رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان قال «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنّه فلا يستجيب لكم» (٢). وحديث رواه أبو داود عن ابن عميرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها وفي رواية فأنكرها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كمن شهدها» (٣) وحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال «قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا فقال فيما قال ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة الناس أن يقول الحقّ إذا علمه» وحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» (٤) وحديث رواه الإمام أحمد عن المنذر بن جرير عن أبيه قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعزّ منه وأمنع ولم يغيروا إلّا أصابهم الله منه بعذاب» وحديث رواه ابن ماجه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا» (٥). وهناك حديث رواه الترمذي وأبو داود فيه ما في هذا الحديث الذي لم يرد في الصحاح روياه عن أبي بكر قال «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن الناس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب» (٦).

__________________

(١) أي إذا لم ينكروا.

(٢) ورد هذا النص في التاج أيضا انظر ج ٥ ص ٢٠٤.

(٣) ورد هذا الحديث في التاج أيضا انظر ج ٥ ص ٢٠٥.

(٤) وهذا أيضا انظر التاج ج ٣ ص ٤٨.

(٥) بعض هذه الأحاديث أوردها ابن كثير في سياق تفسير الآيات [٦٢ و ٦٣] من هذه السورة.

(٦) التاج ج ٤ ص ٩٥.

١٩٨

حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني بمنتهى القوة والروعة وبخاصة في ما ينطوي في بعضها من حثّ قوي على إنكار الظلم والإثم والانحراف على الحاكم والسلطان الجائر.

ولا شكّ أن في الآيات على ضوء الأحاديث النبوية التي تورد في سياقها تلقينا اجتماعيا جليلا يصحّ أن يكون منبع إلهام في كل ظرف. فمصلحة المجتمع وقوته وطمأنينته وخيره وصلاحه تقوم إلى أبعد حدّ على التعاون على الخير والمعروف والأمر بهما والتناهي عن الشرّ والمنكر وإنكارهما. والمجتمع الذي يستشري فيه الإثم والمنكر وتضعف فيه الدعوة إلى إنكارهما والنهي عنهما يكون مجتمعا فاسدا معرضا للانحلال وعرضة لنقمة الله ولعنته. ولقد تكرر في القرآن تقرير هذه المعاني بأساليب متنوعة مما مرّ منه أمثلة في السور التي سبق تفسيرها.

(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)) [٨٠ ـ ٨١].

تعليق على الآية

(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...)

والآية التالية لها وما فيها من صور

لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة بنزول الآيتين والمتبادر أن الضمير في (مِنْهُمْ) عائد إلى بني إسرائيل (١) الذين كانوا موضوع الكلام في الآيتين السابقتين. وهكذا يصح القول إن الآيتين متصلتان بالسياق السابق واستمرار له. وروح الآيتين وفحواهما يلهمان أن المقصود بهما بنو إسرائيل المعاصرين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة. وهكذا ينتقل الكلام عن أخلاق اليهود ومواقفهم من الماضي

__________________

(١) ذكر هذا الطبري أيضا.

١٩٩

إلى الحاضر. ويربط بين أخلاق الآباء والأبناء مما جرى عليه النظم القرآني. ولقد اختلفت الأقوال في المقصود من (الَّذِينَ كَفَرُوا) فقيل إنهم المشركون وقيل إنهم المنافقون الذين هم كانوا كفارا في حقيقة أمرهم (١).

واليهود في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة كانوا وراء المنافقين منذ بدء الهجرة وظلوا وراءهم على ما شرحناه في سياق تفسير آية سورة البقرة [١٤] وسورة الحشر [١١] وتحالفوا مع مشركي العرب أيضا على ما شرحناه في سياق تفسير آية سورة النساء [٥١] وآيات سورة الأحزاب [١١ ـ ٢٧] غير أننا نرجح أن المقصود هم كفار المشركين استدلالا من قرنهم مع اليهود في الآية التالية. والمتبادر أن في الآية الثانية إشارة إلى ما كان من دعاوى اليهود الكاذبة بأنهم يؤمنون برسالة النبي على ما حكته الآية [٦١] من هذه السورة والآية [٧٦] من سورة البقرة والآية [٧٧] من سورة آل عمران.

وهكذا تكون الآيتان بسبيل التنديد ببني إسرائيل في المدينة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فهؤلاء الذين لعن الأنبياء أسلافهم بسبب أخلاقهم وتمرّدهم وعدم تناهيهم عن المنكر لم يرعووا ولم يرتدعوا. وكثير منهم يوالون الذين كفروا بالله ورسالة رسوله. وفي ذلك مناقضة لدعواهم الإيمان. لأنهم لو كانوا يؤمنون حقا بالله ورسوله وما أنزل إليهم لما فعلوا ذلك. والحقيقة من أمرهم هي أن كثيرا منهم فاسقون متمردون على الله تعالى. ولبئس ما سوّلت لهم أنفسهم من موقف خبيث استحقوا عليه سخط الله الدائم وعذاب النار الأبدي.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن حيث أوردوا هذه الأقوال.

٢٠٠