التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

لم يكونوا موجودين عند نزولها ويتناول القول من يكون بعدهم بهذه الصفة إلى قيام الساعة. وروى المفسر نفسه أيضا رواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله من الأئمة الاثني عشر أنها في أمير المؤمنين عليّ وأصحابه حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين. وعقب المفسر على هذا بسبيل تدعيم الرواية قائلا إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف عليا رضي الله عنه الوصف الوارد في الآية الأولى بلفظ «يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» في حديث صدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر حيث قال «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يده» (١) ثم أعطاها عليا. ثم استمر المفسر فقال أما الوصف باللين على أهل الإيمان والشدّة على الكفار والجهاد في سبيل الله مع عدم الخوف فيه لومة لائم الذي جاء في الآية فمما لا يمكن أن يدع عليّ عنه بما ظهر من مقاماته المشهورة.

ويروي الطبرسي عن علي أنه قال يوم البصرة أي اليوم الذي جرى حرب الجمل فيه بين عليّ وأنصاره وعائشة وطلحة والزبير وأنصارهم والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم. يريد القول بذلك الذين عنتهم الآية الأولى لم يكونوا موجودين وإنما جاؤوا بعد النبي. وإن عليا قاتل ذلك اليوم محققا ما في الآية. ويروى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال «يرد عليّ قوم من أصحابي يوم القيامة فيجلون عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا من بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (٢).

__________________

(١) في التاج ج ٣ ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ حديث فيه شيء من ذلك رواه الشيخان عن سلمة بن الأكوع بهذا النص «كان عليّ قد تخلّف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان رمدا فقال أنا أتخلف ، فخرج فلحق بالنبي. فلما كان مساء الليلة التي فتح الله خيبر في صباحها قال رسول الله لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله أو قال يحبّ الله ورسوله يفتح عليه. فإذا نحن بعليّ وما نرجوه فقالوا هذا عليّ فأعطاه رسول الله الراية ففتح عليه». وهناك حديثان آخران يرويهما الشيخان بعد هذا الحديث وفي نفس المناسبة فيهما هذا الوصف.

(٢) هناك حديث يرويه الشيخان عن سهل بن سعد فيه شيء من ذلك هذه صيغته «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا فرطكم على الحوض. من مرّ عليّ شرب. ومن شرب لم يظمأ أبدا. وليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول إنهم منّي فيقال لا تدري

١٦١

ولقد أورد هذا المفسّر الرواية التي أوردها الطبري عزوا إلى أبي جعفر في صدد الآية [٥٥] بتفصيل مثير عن السدي عن غيابة بن ربعي قال «بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله إذ أقبل رجل معمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلّا قال الرجل قال رسول الله فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري. سمعت رسول الله بهاتين وإلّا صمّتا ورأيته بهاتين وإلّا عميتا يقول «عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة ومنصور من نصره ومخذول من خذله. أما إني صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم اشهد. إني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا. وكان عليّ راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختّم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره. وذلك بعين رسول الله. فلما فرغ رسول الله من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إن أخي موسى سألك فقال (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما). اللهم وأنا محمّد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري. قال أبو ذر فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبريل من عند ربّه فقال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)». ومع أن الرواية تذكر أن النبي كان يصلي حينما تصدق عليّ بخاتمه فإن المفسر يروي رواية أخرى جاء فيها أن النبي خرج إلى المسجد والناس بين قائم

__________________

ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غيّر بعدي» وفي رواية البخاري قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. التاج ج ٥ ص ٣٤٤ و ٣٤٥.

١٦٢

وراكع فبصر بسائل فقال له هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم من فضة فقال من أعطاكه قال ذلك القائم وأومأ إلى علي فقال على أي حال أعطاكه قال وهو راكع فكبّر النبي ثم قرأ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

ومما أورده المفسر الشيعي الكاشي في سياق الآيات رواية عن الإمام الصادق في سياق تفسير الآية [٥٥] جاء فيها أنها في حقّ إمامة علي وأولاده إلى يوم القيامة وإنه هو المقصود. بوصف (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وأنه كان عليه حلّة قيمتها ألف دينار كان أهداها إليه النجاشي فجاء سائل إليه وهو راكع فقال السلام عليك يا وليّ الله وأولى المؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه. فأنزل الله الآية وصير نعمة أولاده بنعمته. فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله. وإن السائل الذي سأل أمير المؤمنين هو من الملائكة. والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة» وروى عن الصادق عن أبيه عن أجداده (إنه لما نزلت الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) التي عنت بجملة (وَالَّذِينَ آمَنُوا) عليا اجتمع نفر من أصحاب رسول الله في المسجد فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وإن آمنا فإن هذا ذلّ حين يسلط علينا علي بن أبي طالب فقالوا قد علمنا أن محمدا صادق فيما يقول. ولكنا نتولاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا قال فنزلت هذه الآية (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [النحل : ٨٣] يعني ولاية علي وأكثرهم الكافرون بها.

ومما أورده محمد العلوي في تفسيره أن الآية [٥٥] نزلت في علي عليه‌السلام وإن صيغتها تدل على إمامته دون سواه للحصر. وعدم اتصاف غيره بهذه الصفات. وقد جاءت في صيغة الجمع أي (وَالَّذِينَ آمَنُوا) للتعظيم أو لدخول أولاده الطاهرين معه فيها) (١).

__________________

(١) ما أوردناه من روايات المفسرين الشيعة نقلناه من تفسير مجمع البيان للطبرسي ومن الجزء الثاني من كتاب التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي. ولا نشك في أن مفسري الشيعة

١٦٣

وتعليقا على الأحاديث والروايات نقول إن معظمها لم يرد في كتب الصحاح وما ورد منها فيها مثل حديث «لأعطين الراية رجلا يحبّ الله ورسوله» وحديث الحوض لم يذكر فيها أية صلة بينها وبين الآيات حيث يبدو أن إيرادها في مناسبة الآيات هو من قبيل التطبيق الاجتهادي. وهذا يقال في صدد صرف الآيات إلى قتال أبي بكر للمرتدين. ونرجح أن الرواية التي أوردها الطبري عن الإمام أبي جعفر مصنوعة. ونقول هذا بالنسبة للروايات التي يرويها مفسرو الشيعة من باب أولى التي يرون على ضوئها في الآيات دلالة قرآنية على إمامة علي رضي الله عنه وأولاده من بعده ففيها كثير من التناقض والمفارقة. وطابع الصنعة غير الموفقة والهوى الحزبي بارز عليها. لا يمكن أن يخفى على عاقل مجرد عن الهوى الذي يعمي صاحبه ويصمه ويسوقه إلى التعسف والتحكم. وفيها جرأة على رسول الله وعلى علي رضي الله عنه بل على الأئمة أبي جعفر وأبي عبد الله الذين نحبّ أن ننزههم عن هذا التعسف في التأويل والكذب على الله ورسوله فيه. والآية التي فيها (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) والتي يوردونها ليقولوا إنها نزلت في أصحاب رسول الله وقررت أن أكثرهم كافرون والعياذ بالله مكية بينما الآية التي تساق في صددها مدنية. والآيتان [٥٥ و ٥٦] اللتان يروون أنهما نزلتا لتقرير إمامة وولاية علي وأولاده جزء من سياق سابق ولاحق في صدد تولي المسلمين لليهود والنصارى. وهذا واضح بحيث يكون من التعسف بل من الغباء الشديد أن يقال إنهما نزلتا لحدتهما لتقرير ذلك.

ولقد أورد ابن كثير الرواية المسهبة المروية عن أبي ذر وفندها تفنيدا سديدا سواء من ناحية اقتطاع الدلالة منها على نصّ القرآن والنبي على ولاية عليّ بعد النبي أم ناحية محتواها العجيب التركيب. أم من ناحية تناقض هذا المحتوى مع

__________________

الآخرون قد أوردوا هذه الروايات وغيرها من بابها لتوكيد كون الآيتين [٥٥ و ٥٦] هما في صدد إمامة علي وأولاده رضي الله عنهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٦٤

روايات أخرى أم ناحية ضعف سندها وتهمة رواتها أم من ناحية عدم تناسبها مع السياق. وفي كتب التفسير الأخرى شيء من ذلك وإن كان ابن كثير هو الأقوى والأصرح فيه. ومما قاله الزمخشري إن الركوع لغة بمعنى الخشوع والإخبات والتواضع لله تعالى وإن معنى جملة (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حالة من الخشوع والإخبات والتواضع لله. وفي هذا ما فيه من الوجاهة. ويضع الأمر الذي يخرجه رواة الشيعة عن مداه في نصابه الحق المعقول الذي يلهمه أسلوب الآية وروحها.

ونحن نتوقف في الروايات التي تروي أن بعض هذه الآيات نزلت في اليهود الذين أسلموا ثم نافقوا أو في عبد الله بن سلام وجماعته إذا كان ذلك يعني أن هذه الآيات نزلت منفصلة عن غيرها. ونرى أن الآيات جميعها سياق واحد بسبيل توكيد نهي المسلمين عن اتخاذ الذين أوتوا الكتاب أولياء وبيان أسباب ذلك. ويلحظ أن الآية [٥٧] شملت في نهيها أهل الكتاب والكفار حيث أريد بذلك النهي عن موالاة كل كافر من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون دين الإسلام وصلاة المسلمين وأذانهم هزوا. وهذا لا يمنع أن يكون بعض اليهود آمنوا ثم نافقوا وأن اليهود قاطعوا عبد الله بن سلام وجماعته لإسلامهم فرأى أهل التأويل الأولون في الآيات تطابقا مع ذلك وقالوا إنها في حقهم من قبيل التطبيق والاجتهاد وفي سور سبق تفسيرها ما يفيد أن من اليهود من كان يفعل ذلك مثل آية [٧٦] من سورة البقرة والآيات [٧٢ ـ ٧٣ و ٨٥ ـ ٩١] من سورة آل عمران.

وعلى ضوء كل ما تقدم نقول إن الآيات هي بسبيل نهي المؤمنين عن تولي اليهود والنصارى والكفار والتنديد بمن يفعل ذلك وإنذارهم ووصفهم بالارتداد وتوكيد كون الله ورسوله والمؤمنين الصادقين هم الأولى بالتولي وكون هؤلاء ومن يتولونهم هم المنصورون وكون الله سوف ينصر دينه بطوائف مخلصة في إيمانها مستعدة دائما للقتال في سبيل الله دون هوادة وتردد وخوف ، تحب الله ورسوله ويحبهم الله ورسوله. وهكذا تبدو قوة روعة الآيات أسلوبا ومدى. ونضيف إلى

١٦٥

هذا أن الآيات متصلة بما كانت عليه الحالة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند نزولها.

ونقول تعليقا على حديث الحوض إن من واجب المسلم الإيمان بما يثبت عن رسول الله من أخبار الآخرة مع استشفاف الحكمة من ذلك. والمتبادر أن من ذلك تحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه من الشذوذ والارتداد عن ما رسم الله ورسوله من حدود دينية ودنيوية. وهذا مستمر التلقين بطبيعة الحال لكل مسلم بعد أصحاب رسول الله.

هذا ، ومن المؤولين والمفسرين من جعل وصف ارتداد المسلم عن دينه الوارد في الفترة الأولى من الآية الأولى متحققا في تولي أهل الكتاب بسبب خلاف الدين مطلقا. ومنهم من جعل ذلك في من يتولى الأعداء المحاربين منهم وحسب. والقول الثاني هو الأوجه الذي يتناسب أكثر مع خطورة وصف الارتداد ومع الفقرة الثانية من الآية التي تذكر أن الله سوف يأتي بأناس يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم لأن القتال إنما يرد في صدد أعداء محاربين على ما شرحناه في مناسبات عديدة في سور سبق تفسيرها. ويلحظ أن آية آل عمران [٢٨] قالت إن المؤمنين الذين يتولون غير المؤمنين ليسوا من الله في شيء وذكر هنا أن ذلك يكون ارتدادا. وليس من تناقض في ذلك. ولقد نهت آية آل عمران عن تولي غير المؤمنين إطلاقا. وآيات المائدة التي نحن في صددها نهت عن ذلك إطلاقا أولا ثم عادت إلى النهي مع التعليل. فيكون التعليل الذي يكون التولي والمنهي عنه به هو بالنسبة لمن يقف موقف عداء وسخرية من الإسلام والمسلمين. ويكون هذا ضابطا. وفي آيات في سورة الممتحنة يأتي هذا الضابط أقوى وأصرح على ما سوف يأتي شرحه في سياق تفسيرها الذي يأتي بعد تفسير هذه السورة مباشرة.

ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها كسائر الآيات المماثلة عامة التوجيه والتلقين لجميع المسلمين في كل ظرف. وإطلاق عبارتها مما يقوي هذا التعميم أيضا. ومما ينطوي فيها من تلقين بالإضافة إلى النهي والتحذير : (أولا) تقبيح موالاة أي فريق من المسلمين للكائدين لأمته ودينه ومناصرتهم والاستنصار بهم

١٦٦

وخدمتهم ضد أمته ودينه في أي عمل وموقف. واعتبار ذلك ارتدادا عن الدين فضلا عما فيها من خيانة عظمى لأمته ووطنه. (وثانيا) بثّ القوة والطمأنينة والثبات في قلوب المؤمنين وتلقينهم أن تضامنهم فيما بينهم هو الذي يضمن لهم الفوز والنصر وأن واجبهم اللازم هو تولي بعضهم بعضا ومناصرة بعضهم بعضا. (وثالثا) وجوب تحلي المؤمنين بصفات جليلة كالاستغراق في الله ورضائه ومحبته والجهاد في سبيله. وعدم خشية أحد في ذلك. والبرّ والإشفاق بإخوانهم والشدة والعنف مع الأعداء.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠)) [٥٩ ـ ٦٠].

(١) هل تنقمون منّا : هل تحقدون علينا وتضمرون لنا الحقد والغيظ.

(٢) عبد الطاغوت تعددت قراءات هذه الجملة. منها ما يجعل عبد جمع عابد مثل خادم وجمعها خدم والطاغوت مضاف إليه. ومنها ما يجعل عبد فعل ماض والطاغوت مفعولا. ومنها عبدوا بدلا من عبد. والطبري رجّح القراءة الثانية. والمصحف رسم الجملة على هذه القراءة. ويتبادر لنا أن صيغة الآية تجعل القراءة الأولى أكثر وجاهة. والله أعلم.

(٣) الطاغوت : هنا بمعنى الأوثان أو الأصنام. وقد وردت في هذا المعنى في آية سورة النساء [٥١] أيضا وقد ذكرت أسفار العهد القديم مرارا عديدة عبادة بني إسرائيل للأصنام وانحرافهم عن توحيد الله.

في هاتين الآيتين :

(١) أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتوجيه السؤال إلى أهل الكتاب على سبيل الإنكار

١٦٧

والتنديد عما إذا كانت نقمتهم وحقدهم على المسلمين وغيظهم منهم ليس إلا لأنهم يعلنون إيمانهم بالله وبما أنزل على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما أنزل على أنبيائه السابقين في حين أن أكثرهم منحرفون وفاسقون ومتمردون على الله.

(٢) وأمر آخر بتوجيه سؤال آخر على سبيل التنديد بهم أيضا عما إذا كانوا يودون أن ينبئهم النبي عن من هم الأولى بالنقمة والعيب والنكال عند الله. وإنهم لهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعباد الطاغوت. فهؤلاء هم شرّ مكانا وأضلّ عن السبيل القويم في الحقيقة وواقع الأمر والمنطق.

تعليق على الآية

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ)

والآية التالية لها

لقد روى الطبري أن الآيتين نزلتا بمناسبة سؤال أورده على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من اليهود عن من يؤمن به من الرسل فقال (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فلما ذكر عيسى جحدوا وقالوا لا نؤمن بمن يؤمن به. وروى المفسرون الآخرون هذه الرواية. ومنهم من رواها بزيادة (١) وهي أنهم قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرّا من دينكم».

والرواية لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة. وتقتضي أن تكون الآيتان فصلا جديدا لا صلة له بالسياق السابق مع أنهما تلهمان بقوة أنهما متصلتان اتصالا وثيقا بالآيات السابقة. وأن الانسجام بينهما شديد بحيث يصحّ القول إنهما جاءتا على سبيل التعقيب والتنديد بموقف السخرية والهزء بدين المسلمين وأذانهم وصلاتهم المحكي في آخر آية من الآيات السابقة.

__________________

(١) انظر تفسير البغوي والخازن والطبرسي.

١٦٨

على أن هذا لا يمنع أن يكون جماعة من اليهود سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السؤال المروي في الآية وأن يكون بدر منهم سوء أدب وبذاءة لسان في الدين الإسلامي كما بدر منهم ذلك إزاء أذان المسلمين وصلاتهم قبل نزول هذه الآيات وما قبلها فأشير إلى ذلك في معرض الكلام عن مواقفهم وواقعهم. ولقد تكررت حكاية مثل ذلك في آيات عديدة في السور السابقة (١) مما يدل على تكرر حدوثه منهم.

وفي الآيتين دلالة قاطعة على أن المقصود المباشر من أهل الكتاب هم اليهود. فهم الذين تكررت الإشارة القرآنية إلى أنهم هم الذين لعنهم الله وغضب عليهم ومسخهم قردة وخنازير وإلى أنهم انحرفوا عن التوحيد إلى عبادة العجل وآمنوا بالجبت والطاغوت. وهذا قد يؤيد ما قلناه قبل من أن ذكر النصارى في السياق السابق كان على سبيل الاستطراد وأن اليهود هم أصحاب الموقف الفعلي الذي نزل بسببه النهي والتحذير.

والآية الأولى قوية في أسلوبها الإنكاري والحجاجي والإفحامي على ما هو ظاهر. كما أن الآية الثانية قوية في أسلوبها التقريعي. وهذا وذاك يدلان على ما كان لموقف اليهود من إثارة واستفزاز وما كان فيه من قحة وسوء أدب اقتضت حكمة التنزيل مقابلتهم عليه بما يستحقون وبما هو من واقع تاريخهم وأخلاقهم.

وواضح أن الآيتين تدلان فيما تدلان عليه على أن اليهود كانوا مغيظين محنقين من ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظهور دعوته وانتشار دينه واشتداد قوته وبخاصة مما في ذلك من قطع الطريق عليهم وإحباط زهوهم وحجتهم وإيقافهم في موقف المتناقض المكابر لأنها تأمر بالإيمان بالله وحده وبما أنزله على الرسل السابقين. ومما في ذلك من زعزعة لمركزهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني الذي كان لهم عند العرب وكانوا يجنون بسببه كثيرا من الثمرات المادية والأدبية. وفي

__________________

(١) اقرأ تفسير آيات سورة آل عمران [٧٢ ـ ٧٣] وسورة النساء [٤٦ ـ ٥٣].

١٦٩

الآيات التالية تأييدات صريحة لهذا المعنى كما أن آيات عديدة في السور السابقة احتوت مثل ذلك (١).

وهذه ثالث مرة ترد فيها الإشارة إلى مسخ بعض اليهود. غير أنها تذكر مسخهم قردة وخنازير في حين أن المرتين الأوليين في سورتي البقرة والأعراف ذكر فيهما المسخ قردة فقط. وليس في هذا تناقض أو تعديل جديد مما قد يرد على الوهم. فالإشارة القرآنية هنا وفي المرتين السابقتين لم تستهدف ذكر الحادث تاريخيا وقصصيا. وإنما استهدفت التنديد باليهود وتذكيرهم بحادث نكال وخزي رباني في بعض بني قومهم. وروحها تلهم أنهم كانوا يتناقلون خبر هذا الحادث وأن في هذا الخبر خبر مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير في آن واحد. والآيات القرآنية تتلى علنا ولم يرو أن اليهود أنكروا ذلك. ولقد أورد المفسرون روايات عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم في أسباب وكيفية مسخ فريق من اليهود قردة وخنازير في دور من أدوار تاريخهم في سياق هذه الآيات كما أوردوا مثل ذلك في سياق المرات السابقة مما يدل على أن ذلك كان متداولا في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والمتبادر أن ذلك مقتبس من اليهود. ولقد علقنا على الحادث بذاته في سياق سورة الأعراف بما فيه الكفاية فلا نرى محلا للزيادة أو الإعادة.

أما عبادة الطاغوت فتوجد في أسفار عديدة من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم إشارات كثيرة جدّا إلى ما كان من انحراف بني إسرائيل عن التوحيد وعبادتهم العجل والبعل وغيره من آلهة المصريين والكنعانيين والعمونيين والمؤابيين والفينيقيين وتقديمهم القرابين لها وتنديد الله تعالى بهم وإنذاراته القارعة لهم بواسطة الأنبياء ونكال الله فيهم وتسليطه أعداءهم عليهم بسبب ذلك. وهذا مبثوث في أسفار القضاة ويشوع وصموئيل والملوك وأخبار الأيام من أسفار العهد القديم بكثرة تغني عن التمثيل. وبذلك يستحكم في بني إسرائيل التنديد القرآني الذي يأتي هنا مكررا حيث ندد فيهم من أجل ذلك في آيات عديدة في سورة البقرة التي مرّ

__________________

(١) اقرأ تفسير آيات البقرة [٧٦ و ٨٨ ـ ٩١] وآل عمران [٧١ و ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٩].

١٧٠

تفسيرها. وقد جعل الخطاب في بعضها موجها إلى المعاصرين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين في بيئته للربط بين أخلاقهم وشذوذهم وأخلاق وشذوذ آبائهم الأولين.

ولقد ورد في الآية [٥١] من سورة النساء نسبة هذا الشذوذ إلى هؤلاء المعاصرين المقيمين في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث ذكر فيها بأسلوب التنديد والإنكار أنهم كانوا يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للكفار العرب إن ذلك أهدى مما عليه النبي والمؤمنون على ما جاء في الآية [٦٠] حيث انطوى في ذلك تقرير استمرار الشذوذ والانحراف المحكي عن آبائهم في هؤلاء الأبناء أيضا.

(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)) [٦١ ـ ٦٣].

في الآيات :

(١) تقرير منطو على التنديد باليهود الذين هم موضوع الكلام بأنهم إذا جاءوا المسلمين أو إلى مجالس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا صدقنا وآمنا. في حين أنهم حين دخولهم دخلوا وقلوبهم جاحدة وحين خروجهم يخرجون كفارا جاحدين. وبأن هذه هي حقيقتهم التي يعلمها الله وهو الأعلم بحقائق ما يكتمون في نفوسهم.

(٢) وتقرير آخر منطو على التنديد كذلك بأن المدقق في حالهم يرى كثيرا منهم يوغلون في ارتكاب الآثام والعدوان وأكل المال الحرام دون ما تورع ولا مبالاة. وأنه لبئس العمل والخلق عملهم وخلقهم.

(٣) وتحدّ ينطوي على التنديد بأحبارهم ورهبانهم بأنهم كان عليهم أن يزجروا بني ملتهم عن تلك الأخلاق السيئة. ولكنهم لم يفعلوا. ولبئس الصنيع صنيعهم.

١٧١

تعليق على الآية (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا ...) إلخ والآيتين التاليتين لها وما فيها من صور وتلقين

وقد روى الخازن أن الآية الأولى نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيعلنونه بإيمانهم به في حين كانوا كاذبين.

والرواية لم ترد في كتب الحديث المعتبرة ومع احتمال صحة الواقعة المروية التي حكت مثلها آيات أخرى في سور أخرى (١) فإننا نرى انسجاما تاما بين الآيات واتصالا وثيقا بينها وبين الآيات السابقة سياقا وموضوعا مما يسوغ القول أنها نزلت معها جملة واحدة أو نزلت عقبها لإكمال السياق. وكل ما يمكن أن يكون أن السياق احتوى فيما احتواه إشارة إلى الواقعة المحكية في الرواية في جملة الوقائع التي صدرت منهم والأخلاق التي اتصفوا بها في معرض التنديد بهم والتحذير منهم والنهي عن موالاتهم ومصانعتهم.

وفي الواقعة المحكية من بشاعة سوء القصد ونية الكيد والدس ما هو واضح. وهذا من مشاهد مواقف اليهود الخبيثة إزاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته مضافة إلى مشاهد مواقفهم المماثلة إزاء المؤمنين. وقد تكرر هذا وذاك منهم على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة كما قلنا. ومع ذلك فإن صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحتمله منهم لأنه كان في نطاق المماحكة والمكر والكلام ولم يتبدل موقفه منهم إلّا حينما تجاوزوا هذا النطاق إلى التظاهر بالعداء والتآمر مع الأعداء على ما نبهنا عليه في سياق تفسير سورة البقرة والأنفال وآل عمران والنساء والحشر والأحزاب والجمعة والفتح.

والآية الثالثة في احتوائها معنى التنديد بأحبار اليهود وربانييهم تلهم أنه كان لهم ضلع ويد بارزة في المواقف الخبيثة التي كان يقفها اليهود فضلا عما تفيده من

__________________

(١) انظر تفسير آيات البقرة [٧٦ و ١٠٥] وآل عمران [٧١ ـ ٧٤].

١٧٢

إغضائهم عما كان مستشريا في اليهود من أخلاق سيئة واستحلال مال الغير والعدوان عليه. فاقتضت الحكمة أن يغمزوا هذه الغمزة كأنه أريد أن يقال لهم إنه كان الأولى بهم والواجب عليهم أن ينهوا عامة بني ملتهم عن قول الإثم وأكل السحت. ولكنهم لم يفعلوا هذا أيضا. ولقد أشارت آيات أخرى إلى ضلع الأحبار والربانيين في مواقف العناد والدس والكيد والصد بصراحة (١). وهكذا تؤيد الإشارات القرآنية بعضها بعضا. بل ولعل من الصواب أن يقال إن موقف عامة اليهود متأثر بموقف هؤلاء الرؤساء. ومن أجل ذلك استحقوا ما احتوته آيات القرآن من التنديد والتقريع بصورة عامة.

ومهما تكن الآيات في صدد اليهود فإنّ فيها تلقينا مستمر المدى للمسلمين من حيث تقبيح استشراء الإثم والعدوان وأكل المال الحرام بين الناس. وتقبيح سكوت الرؤساء الدينيين خاصة عن ذلك وعدم نهيهم عنه.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)) [٦٤].

(١) مغلولة : مقيدة. والكلمة كناية عن البخل والإمساك.

__________________

(١) اقرأ تفسير آيات البقرة [٤٤] وآل عمران [١٨٧ ، ١٨٨] وفي سورة التوبة آيات صريحة منها هذه الآية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [٣١] وهذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) [٣٤].

١٧٣

تعليق على الآية

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)

وما فيها من صور وتلقين

عبارة الآية واضحة. وقد تضمنت :

(١) حكاية لقول اليهود يد الله مغلولة سبحانه وتعالى.

(٢) وردا عنيفا عليهم : فهم المغلولة أيديهم الملعونون بما قالوا. وإن يديه لمبسوطتان ينفق كيف يشاء على من يشاء.

(٣) وتقريرا لما يحدثه فيهم ما ينزل الله على نبيه من آيات حيث يزيدهم كفرا وطغيانا وغيظا وسعيا في الأرض فسادا.

(٤) وتقريرا لما جازاهم الله وقابلهم على ذلك حيث ألقى بينهم العداوة والبغضاء وأطفأ نار الحرب كلما أوقدوها وأحبط كل كيد ومكر لهم. والله لا يحب المفسدين أمثالهم.

ولقد روى المفسرون أن الآية نزلت في يهودي اسمه فنحاص قال إن يد الله مغلولة بقصد الشكوى من ضيق حالة اليهود الاقتصادية بعد أن كانوا في بحبوحة وسعة.

والرواية لم ترد في الصحاح ومع احتمال صحتها فالذي يتبادر لنا أن الآية متصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا وأنها احتوت الإشارة إلى هذا القول الصادر عن بعضهم والتذكير به في جملة الأخلاق التي اتصفوا بها وسوء الأدب الذي يصدر عنهم نحو الله ورسوله والمؤمنين ودينهم وصلاتهم في معرض التنديد والتحذير والنهي عن توليتهم. هذا مع التنبيه على أن نسبة القول في الآية لجميع اليهود تفيد أن القول المنسوب في الروايات إلى واحد منهم إنما كان تعبيرا عنهم جميعا. ومن هنا وجهت الحملة العنيفة عليهم جميعا.

ولقد قلنا قبل إن موضوع الكلام الأصلي في السياق السابق هم اليهود واستدللنا على ذلك من فحوى بعض الآيات فذكرهم صراحة في هذه الآية مؤيد لذلك تأييدا حاسما.

١٧٤

والآية في حد ذاتها احتوت صورة بشعة عن سوء أدب يهود المدينة في حياة النبي في حقّ الله تعالى. وصورة ثانية عن شدة الغيظ الذي ملأ صدورهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوة مركزه وانتشار دعوته ورسوخ قدمه. وصورة ثالثة عن المكائد والدسائس التي ينصبونها ويبثونها ضده وضد دعوته ومركزه أيضا وصورة رابعة عن تطور حالتهم الاقتصادية من حسن إلى سوء.

ولعل الكلمة التي صدرت عن بعضهم وكانت كما قلنا تعبيرا عما في صدورهم جميعهم قد صدرت في ثورة من ثورات الغيظ المشتد فيهم الذي احتوت الآية إشارة إليه. والمتبادر أن التفاف الناس حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وازورارهم عن اليهود قد أثر تأثيرا غير يسير في نشاط اليهود الاقتصادي ومجال الاستغلال الذي كانوا يجولون فيه بين العرب وجعلهم يشعرون بالضيق بعد السعة التي كانوا يتبجحون بالغنى نتيجة لها حتى جعلهم ذلك يقولون كلمة بشعة أخرى فيها سوء أدب إزاء الله تعالى وهي (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) على ما حكته الآية [١٨١] من سورة آل عمران فكان ذلك من أسباب هذا الغيظ أيضا. وفي هذا صورة من تطور حالهم. ولعل في الآيات التالية قرينة ما على ذلك.

ولقد قلنا في سياق تفسير سلسلة الآيات الواردة في اليهود في سورة البقرة إن تجهمهم من هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ومواقفهم المناوئة له بمختلف الأساليب قد كانت متأتية من حسبانهم حساب ما سوف يكون لانتشار دعوته واشتداد قوته من أثر في المركز الممتاز الذي كان لهم بين العرب وبخاصة في المدينة اقتصاديا واجتماعيا ودينيا. وفي هذه الآية وما فيها من صور مصداق لذلك.

وبعض المفسرين قالوا إن جملة (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) هي في صدد ما بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء لا تنقطعان. وعزوا هذا القول إلى مجاهد. وقال بعضهم إنها في اليهود خاصة لأنهم كانوا منقسمين في الدين طوائف يعادي بعضهم بعضا (١).

__________________

(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي ففي بعضها قول وفي بعضها القولان.

١٧٥

ومع أن العداوة والبغضاء لم تنقطعا بين اليهود والنصارى فإن القول الثاني هو الأرجح لأن الآية تصرح باسم اليهود وهي فيهم. ولقد كان بين يهود المدينة خصومات وعداء في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدليل أن منهم من كان في الجاهلية حليفا للأوس ومنهم من كان حليفا للخزرج. وكان بين الأوس والخزرج عداوة وحروب ودماء ، فكان حلفاء الخزرج من اليهود يقاتلون معهم الأوس واليهود المتحالفين معهم ، وكان حلفاء الأوس من اليهود يقاتلون معهم الخزرج واليهود المتحالفين معهم على ما شرحناه في سياق تفسير الآيات [٨٤ ـ ٨٥] من سورة البقرة مما فيه مصداق لما جاء في الآية عما كان بينهم من عداوة وبغضاء. وكان مثل ذلك بينهم بعد موسى عليه‌السلام وفي عهد دولتيهم يهوذا وإسرائيل على ما هو مستفيض في أسفار الملوك وأخبار الأيام من أسفار العهد القديم (١). وكان مثل ذلك بعد ذلك أيضا في زمن حكم الدولة السلوقية والدولة البطليوسية اليونانيتين والدولة الرومانية والدولة المكابية على ما هو مأثور من الروايات التاريخية القديمة (٢). وقد ظلوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يزالون منقسمين دينيّا وسياسيا وعنصريا إلى طوائف متباغضة. وسيظل ذلك بينهم إلى يوم القيامة مصداقا لقول الله تعالى.

ولقد أشار بعض المفسرين في سياق جملة (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) إلى ما كان من غزوات قديمة ضد اليهود القدماء مثل غزوة بختنصر والمجوس وما كان تسلطهم عليهم. وذهب بعضهم إلى أن المقصود بذلك الحروب التي قامت بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هجرته من مكة إلى المدينة وكانوا هم في موقف المعتدين فيها مما فصلناه في سياق تفسير سور الأنفال والأحزاب والفتح والحشر. ومهما يكن من أمر ففي الجملة إطلاق يشمل الماضي والحاضر والمستقبل معا بحيث يقال إنهم استحقوا غضب الله تعالى بعد انحرافهم واستمرارهم فيه. وكان من نتيجة ذلك عزيمة الله تعالى على إثارة العداوة والبغضاء

__________________

(١) انظر كتابنا تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص ١٣٠ ، ١٣٤.

(٢) المصدر نفسه ص ٢٣٤ ، ٢٩٦.

١٧٦

بينهم وإحباط ما يثيرونه من حروب ومكائد ودسائس في الماضي وفي زمن النبي وفي المستقبل إلى يوم القيامة. وفي هذا ما فيه من وعد وبشرى ربانيين يضاف إليهما ما جاء في سورة الأعراف من عهد رباني بأن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب كما جاء في الآية [١٦٥] ثم ما جاء في آيات سورة البقرة [٦١ و ٨٥] وسورة آل عمران [١١٢] من أن الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضبه في الدنيا بالإضافة إلى عذابه في الآخرة. مما يجب على المسلم الإيمان به رغم ما يبدو الآن من بروز وقوة لهم وتأثيرهم في بعض دول الأرض. فالله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل. وقد قال (... سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم : ٤٤ و ٤٥] والأعراف [١٨٢ و ١٨٣].

ولقد وقف بعض المفسرين عند كلمة (يَداهُ) فمنهم من أوّلها بأنها كناية عن نعم الله وبأن تثنيتها في مقام التعظيم. ومنهم من أوّلها بأنها كناية عن قدرة الله. ومنهم من قال إن يد الله صفة من صفاته يجب التسليم بها دون البحث في الكيفية ، على ما كان عليه السلف من أهل السنة. ولقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير الآية الأخيرة من سورة القصص فلا نرى محلّا للإعادة أو ضرورة للزيادة. ولقد روى الترمذي والبخاري حديثا نبويا عن أبي هريرة في سياق تفسير هذه الآية جاء فيه «يمين الرحمن ملأى سحّاء لا يغيضها الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وعرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يرفع ويخفض» (١) حيث يفيد هذا أن المقصود من الجملة القرآنية تقرير كرم الله سبحانه وسخائه غير المحدودين. وهو ما تلهمه جملة (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) ذاتها.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ

__________________

(١) التاج ج ٤ فصل التفسير ص ٩١ ، ٩٢.

١٧٧

فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦)) [٦٥ ـ ٦٦]

(١) مقتصدة : معتدلة في مواقفها أو مستقيمة. أو قليلة الانحراف.

في الآيتين :

(١) تقرير استدراكي بأن أهل الكتاب لو آمنوا برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتقوا الله في سيرتهم لنالوا رضاء الله وجناته وغفرانه لسيئاتهم. وبأنهم لو اتبعوا التوراة والإنجيل وأقاموا أحكامهما واتبعوا كذلك ما أنزل إليهم من ربهم لا تسع عليهم الرزق ولأتاهم من كل جهة أو من فوقهم بما ينزل عليهم من مطر ومن تحتهم بما ينبت الله من متنوع النبات.

(٢) وتقرير آخر بواقع حالهم من أن أعمال الكثيرين منهم وأخلاقهم سيئة معوجة منحرفة عما أنزل الله تعالى وليس فيهم إلّا القليل الذين يسيرون بقصد واعتدال. وعدم الغلوّ في المواقف أو يسيرون سيرا مستقيما.

تعليق على الآية

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ...) إلخ

والآية التالية لها وما فيهما من صور وتلقين

لم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيتين والمتبادر الواضح أنهما متصلتان بالآيات السابقة لهما سياقا وموضوعا.

ومع أن موضوع الحديث القريب هم اليهود فقد جاء الكلام في الآيتين عن أهل الكتاب وشملتا بذكر الإنجيل النصارى كما هو ظاهر. والذي نرجحه أن ذلك كما هو في الآيات السابقة من قبيل الاستطراد. ولا سيما أن مقام الكلام يتحمل التعميم كما يدرك ذلك عند إنعام النظر.

١٧٨

والمتبادر أن الآيتين قد احتوتا ردا على شكوى اليهود من الضيق بعد السعة والعسر بعد اليسر التي عبروا عنها بتلك الكلمة البذيئة في حق الله التي حكتها عنهم الآية [٦٤]. فما وقع هو ناشىء عن انحرافهم واعوجاجهم. وليس بسبب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما زعموا ولو أنهم آمنوا كما آمن الناس وأقاموا أحكام كتب الله لا تسع عليهم الرزق ودرّت عليهم الخيرات فضلا عما ينالونه من غفران الله لسيئاتهم وحسن جزائه الأخروي.

ومن المؤولين من صرف جملة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) إلى القرآن ومنهم من صرفها إلى كتب الله السابقة. والقول الأول معزوّ إلى ابن عباس. ونحن نراه الأوجه لأن ما أنزل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو منزل إلى الناس جميعا وأهل الكتاب من الجملة. ويعضد هذا الآية الأولى من الآيتين التي تقرر بأنهم لو آمنوا لكفّر الله عنهم سيئاتهم حيث إن المقصود إيمانهم برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ويعضده ذكر التوراة والإنجيل قبل الجملة ، وتعضده أيضا الآيتان [١٥ ، ١٦] من هذه السورة حيث خوطب فيهما أهل الكتاب بأنه قد جاءهم من الله نور وكتاب مبين. وبهذا يزول ما يرد من إشكال في لوم أهل الكتاب على عدم إقامتهم التوراة والإنجيل وإيذانهم بأنهم لو أقاموا لحسنت حالتهم. فالمطلوب منهم أو الواجب عليهم أن يقيموهما ويقيموا في الوقت نفسه أحكام ما أنزل إليهم بواسطة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو القرآن.

وقد يرد إشكال آخر. فما دام أن الدعوة الإسلامية موجهة إليهم. وفي حال إيمانهم بها تكون الشريعة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة النبوية القولية والفعلية هي شريعتهم فكيف يؤمرون والحالة هذه بإقامة التوراة والإنجيل؟ وجوابا على هذا نقول إن الآية قد جاءت في معرض التنديد لتقول لأهل الكتاب إن ما أصابهم من ضيق وعسر إنما أصابهم لأنهم أيضا لم يقيموا أحكام كتبهم ويتبعوا وصاياها ومن جملة ذلك الإيمان برسالة النبي الأمي الواردة صفته في التوراة والإنجيل على ما شرحناه في سياق آية سورة الأعراف [١٥٧] التي تذكر ذلك.

١٧٩

ومن المؤولين من أوّل جملة (أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) بمعنى طائفة مؤمنة مسلمة. وقالوا إنها تعني الذين آمنوا برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليهود والنصارى. ومنهم من أولها بمعنى معتدلة في موقفها غير مغالية في عدائها ومناوئتها وانحرافها (١). وكلا التأويلين وجيه غير أن هناك بعض آيات فيها استثناء وفيها تنويه بالمؤمنين منهم على سبيل الاستدراك مثل آيات سورة آل عمران [١١٣ ـ ١١٥] والنساء [٤٦] و [١٦٢] والمائدة [١٣] مما قد يرجح الرأي الأول على الثاني. والله أعلم.

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)) [٦٧]

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...)

وما روي في صددها وخاصة ما رواه الشيعة

من سبب نزولها. وحقيقة هدفها ومداها

عبارة الآية واضحة. وفيها أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوجوب تبليغ ما أنزله الله إليه.

وإيذان له بأن أي تقصير أو إهمال في ذلك يجعله غير مبلّغ لرسالة الله. وعليه أن لا يخشى في ذلك أحدا فإن الله حاميه وعاصمه من الناس. والكافرون الذين يمكن أن يأتيه أذى أو صدّ منهم لن يوفقهم الله ولن يهديهم فيما يريدون ويقصدون.

ولقد تعددت الروايات في سبب ومناسبة نزول هذه الآية والمقصود منها. فقال الطبري إنها في صدد اليهود والنصارى الذين ذكروا في الآيات السابقة حيث أمره الله أن يستمر في تبليغهم ما أنزل الله ولا يبالي بمواقفهم المناوئة. وروى مع ذلك عن مجاهد أن الشطر الأول نزل لحدته فلما نزل قال إنما أنا واحد كيف أصنع فتجتمع عليّ الناس فنزل الشطر الثاني. وإلى هذا فقد روى عن ابن جريج أن

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن. ومنهم من أورد القولين.

١٨٠