التّفسير الحديث - ج ٩

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٩

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٠٤

الأسنان في كل سنّ خمس من الإبل» (١). وحديث رواه أبو داود والنسائي كذلك عن كتاب أرسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل اليمن جاء فيه «أنّ في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقّلة (وهي الشجة التي يتكون بسببها قشور على العظم دون اللحم) خمس عشرة من الإبل وفي كل إصبع من اليد والرجل عشر من الإبل وفي السنّ خمس وفي الموضحة (وهي الجرح الذي يرفع اللحم عن العظم) خمس وإن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار» (٢). وحديث رواه كذلك أبو داود والنسائي جاء فيه «قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العين العوراء السادّة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها وفي اليد الشلّاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السنّ السوداء إذا نزعت بثلث ديتها» (٣). ومنها حديث رواه أبو داود والنسائي عن عمران بن الحصين جاء فيه «أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا يا رسول الله إنّا قوم فقراء فلم يجعل عليهم شيئا» (٤).

ففي هذه الأحاديث تتمة للتشريع النبوي في قصاص الجروح وفيها تخفيف كبير بالنسبة لما كتب على بني إسرائيل في التوراة وذكر في الآية. لأنه ليس هناك دية بدلا من القصاص. وهذا فضلا عن ما في الأحاديث السابقة من تلقين بالعفو والتسامح وحديث الترمذي بخاصة جدير بالتنبيه ومنطو من دون ريب على تلقين مستمر المدى.

__________________

(١) التاج ج ٣ ص ١٣.

(٢) المصدر نفسه ص ١٣ ـ ١٤ وجملة على أهل الذهب ألف دينار تعني قيمة الدية الكاملة. وجملة (بثلث ديتها) تعني أن الدية في هذه الأعضاء المعطوبة هي ثلث مثلها إذا كانت سليمة من العطب.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه ص ١٢.

١٤١

والمتبادر أن التقدير النبوي للدية متأثر بالظروف والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية في ذلك الوقت. وقد يكون والحالة هذه مساغ للقول إن لولي أمر المسلمين حقّ الاجتهاد في التقدير بالنسبة للظروف والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية في وقته والله أعلم.

وثامنا : لقد استطرد الطبري إلى مسألتين. أولاهما نجاة الجاني من عقوبة الآخرة إذا اقتصّ منه أو أدّى دية ما جنت يده. أو عفا المصاب عنه. فقال إن هذا هو كفارته ولا عقوبة أخروية عليه على ما ثبت من حكم رسول الله في ذلك. وهذا حقّ وصواب استنادا إلى أحاديث رسول الله التي أوردناها قبل والتي ذكر فيها أن الله أعدل من أن يثني عقوبة على عبده. أما الثانية فهي ما يمكن أن يحدثه شخص في آخر من جروح خطأ بدون عمد. وقد قال الطبري إن الله سبحانه قد وضع عن عباده جناح ما أخطأوا ولم تتعمده قلوبهم (١) فلا محل لقصاص فإن عفا المصاب فيها وإلا فلا يجب على الجاني غير الدية. وهو اجتهاد وجيه. ولعلّه قاسه على القتل الخطأ الذي لا يستوجب قصاصا بل دية إن لم يعف أهل القتيل على ما مرّ شرحه في سياق الآية [٤٢] من سورة النساء.

وقد تكون الحالة هنا من باب الأولى. وقد يرد سؤال عما إذا لم يجد الجاني دية. فآية النساء شرعت في مثل هذه الحالة صيام شهرين متتابعين توبة من الله والفرق عظيم بين جرح غير مميت وبين إزهاق روح. وقد يكون في صيام الجاني مدة ما توبة له والله تعالى أعلم.

(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧)) [٤٦ ـ ٤٧]

__________________

(١) ورد هذا المعنى في آية سورة الأحزاب ٥.

١٤٢

تعليق على الآية

(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)

والآية التالية لها وما ينطوي فيهما من أحكام

عبارة الآيتين واضحة. وقد احتوتا :

(١) تقريرا بأن الله قد أرسل بعد أنبياء اليهود وتوراتهم عيسى ابن مريم مصدقا ومؤيدا للتوراة وآتاه الإنجيل أيضا. وفيه هو الآخر نور وهدى وموعظة لمن يخشى الله ويتقيه ومصدق وموقت في الوقت نفسه للتوراة التي نزلت قبله.

(٢) وإيجابا على أهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه وإنذارا بأن من لم يحكم كذلك فهو فاسق خارج عن أمر الله.

ولم نطلع على رواية في سبب نزول الآيتين. والمتبادر أنهما جاءتا في مقام الاستطراد حيث اقتضت حكمة التنزيل الاستطراد إلى ذكر عيسى عليه‌السلام وإنجيله بعد ذكر التوراة وأنبياء بني إسرائيل وإيجاب الحكم بالإنجيل على النصارى بعد إيجاب الحكم بالتوراة على اليهود. والمتبادر تبعا لذلك أن تكون الآيتان نزلتا عقب الآيات السابقة لها مباشرة. والله أعلم.

وجملة (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) تعني آثار النبيين المذكورين في الآية [٤٤] وهذا يعني أن المقصود بكلمة النبيين هم أنبياء بني إسرائيل ويؤيد ما قلناه قبل في سياق شرح هذه الآية.

وجملة (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) قوية التأييد للرأي الثاني الذي وجهناه في الفقرة الخامسة في سياق الآيات السابقة وعدم صحة قاعدة (شرع من قبلنا شرع لنا) كما هو المتبادر.

ولقد قرئت اللام في كلمة (وَلْيَحْكُمْ) بالسكون على معنى الأمر ، كما قرئت بالكسر بمعنى (كي يحكم). وكلتا القراءتين صحيحة المعنى في مقامها. غير أن جملة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أولا والآية [٦٨] من

١٤٣

هذه السورة التي تأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبليغ أهل الكتاب بأنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل ثانيا مما يرجح القراءة الأولى.

ولقد رأينا السيد رشيد رضا يورد زعم النصارى أو مغالطتهم بأن هذه الجملة تعني أنهم غير مخاطبين بالقرآن وحكمه. وهذا الزعم غير مستقيم. لأن كل ما تعنيه الجملة بالنسبة للنصارى في زمن النبي ومن بعده أن عليهم إذا أرادوا أن يحتفظوا بنصرانيتهم أن يحكموا بما في الإنجيل ويسجّل عليهم الفسق إذا خالفوه في أحكامهم. أما كونهم مخاطبين في القرآن ومدعوين إلى الإيمان به وبالرسالة المحمدية ففي القرآن آيات عديدة في ذلك من أقربها آيات هذه السورة [١٥ ـ ١٦] و [١٩].

وهذه الجملة تؤيد كما يتبادر لنا وذكرناه في سياق تعليقنا على الإنجيل في سورة الأعراف أنه كان في أيدي النصارى في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنجيل لعيسى لا بدّ من أنه كان يحتوي ما أنزله الله عليه من وصايا وتعاليم وأحكام. ومن الجدير بالذكر أن في إنجيل مرقس المتداول اليوم عبارات صريحة بأنه كان لعيسى إنجيل وأمر تلامذته بالتبشير به. وفي رسائل بولس ذكر لهذا الإنجيل أيضا (١). وليس في أيدي النصارى إلّا الأناجيل التي كتبها كتّابها بعد وفاة عيسى وضمنوها سيرته.

وينطوي في الجملة أن للنصارى الذين هم في نطاق السلطان الإسلامي حق التقاضي في قضاياهم فيما بينهم أمام قضاتهم كما هو الأمر بالنسبة لليهود على ما شرحناه قبل. وما قلناه هناك يقال هنا بتمامه وبخاصة في الإيجاب على السلطان الإسلامي ملاحظة التزامهم لأحكام الإنجيل وتعاليمه في قضاياهم. وإذا كان يمكن أن يقال إن إنجيل عيسى مفقود وهو ما يقال بالنسبة لتوراة موسى أيضا فما قلناه في صدد الحالة بالنسبة لليهود يصح قوله هنا أيضا من حيث إن في الأناجيل المتداولة أشياء كثيرة من أقوال وتعاليم ووصايا وأحكام معزوة إلى عيسى أو إلى الله عن لسانه عليها سمة الوحي. فيصحّ أن يترك لهم هذا على أن يكونوا في نطاقه

__________________

(١) الإصحاح ١ و ١٦ من إنجيل مرقس والإصحاح ١ من رسالة بولس إلى أهل روما والإصحاح ٩ من الرسالة الأولى إلى أهل كورنتوس.

١٤٤

وحسب. ومن الجدير بالذكر أن في الأناجيل المتداولة ما يفيد أن شريعة التوراة تظل شريعة للنصارى مما لم ينسخه عيسى رأسا أو بأمر الله. فيكون لهم أن يتحاكموا أيضا بشريعة التوراة والله أعلم.

ولقد رأينا ابن كثير يذكر في سياق تفسير الجملة التي نحن في صددها أنها توجب على النصارى الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الإنجيل يحتوي بشارة به. ومع وجاهة هذا القول في ذاته فالمتبادر أن الجملة هي في صدد التحاكم القضائي لأن هذا هو مقتضى السياق. ودعوة القرآن للنصارى إلى الإيمان برسالة النبي وكونها لهم في جملة الناس وإيجاب الإيمان بها عليهم وتقرير كونهم يجدون صفاته في التوراة والإنجيل وكون عيسى قد بشّر به قد انطوى في نصوص قرآنية بأسلوب أصرح. وقد فهمها طوائف كبيرة من النصارى على هذا الوجه وآمنوا بها على ما شرحناه في سياق تعليقنا على الآية [١٥٧] من سورة الأعراف وغيرها.

هذا وهناك مسألة قد تتفرع عن السماح لليهود والنصارى بالتقاضي فيما بينهم وفق كتبهم وهي حالة غير المسلمين الذين يعيشون في كنف السلطان الإسلامي ذميين ومعاهدين فإنهم قد لا يكونون جميعا يهودا ونصارى وقد يكون منهم من هو منتسب إلى ملل أخرى. ويتبادر لنا أن حكمة اختصاص اليهود والنصارى والتوراة والإنجيل بالذكر هي كونهم الذين كان للعرب بهم الاتصال الأوثق والأوسع قبل الإسلام. وقد ألممنا بمسألة مماثلة في سياق الآية الخامسة من هذه السورة ونقول هنا ما قلناه هناك إنه إذا ادّعت ملّة من الملل التي تعيش في كنف السلطان الإسلامي أن عندها كتابا موحى به من الله إلى أحد أنبيائها فيه شرائع لها وأظهرته وكان عليه سمة من سمات الكتب السماوية بقطع النظر عما يكون فيه من مخالفات للقرآن لأن هذا شأن الأسفار التي يتداولها اليهود والنصارى أيضا فليس للمسلمين أن يكذبوها ويصحّ أن يعاملوا أهلها في هذه المسألة على ذلك الأساس أيضا. أما إذا كان هناك ملّة ليس لها كتاب تدعي أنه سماوي منزل على نبي دون دليل قوي من واقع ونصّ فينطبق عليها وصف الجاهلية الوارد في الآية [٥٠] التي تأتي في

١٤٥

السلسلة التالية ويكون الشرع الإسلامي هو الذي يجب القضاء به في قضاياها والله تعالى أعلم.

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)) [٤٨ ـ ٥٠].

(١) شرعة ومنهاجا : الشرعة بمعنى الشريعة والمنهاج هو الطريق والسبيل والسنّة المبينة. والمستلهم من روح الآيات أن الكلمتين في مقامهما بمعنى القواعد والأحكام العملية وطريقة السير في تنفيذها والجري عليها.

عبارة الآيات واضحة كذلك. وقد وجّه الخطاب فيها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فأولا : قد آذنته أن الله قد أنزل إليه الكتاب بالحق مصدقا ومؤيدا لما أنزله سابقا من الكتب ورقيبا مهيمنا عليها وضابطا ومرجعا لها.

وثانيا : قد أمرته بأن يحكم بين الذين يتقاضون لديه من أهل الكتاب بموجب ما أنزل الله إليه وأن لا يسايرهم في أهوائهم ومآربهم مسايرة تصرفه عن الحق الذي جاءه.

وثالثا : قد قررت أن الله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة في شرائعها وطرائق تنفيذها ولكن حكمته اقتضت أن يكون لكل منهم أو لكل دور وظرف من أدوارهم وظروفهم شرائع وطرائق ليختبرهم بها في كيفية تصرفهم فيما يرسم لهم من حدود وقيود وأحكام.

١٤٦

ورابعا : قد هتفت بالمخاطبين ليتسابقوا بناء على ذلك في الخيرات والفضائل. فإن مرجعهم إلى الله عزوجل. وسوف ينبئهم بما كانوا فيه يختلفون فيظهر المحقّ من المبطل والمهتدي من الضالّ.

وخامسا : قد عادت فأمرت النبي ثانية بأن يحكم بينهم بما أنزل الله وبأن لا يسايرهم ولا يتبع أهواءهم وميولهم وبأن يكون على حذر من تدليسهم فلا يفتنوه ولا يجعلوه ينحرف عن بعض ما أنزل الله ويتساهل معهم.

وسادسا : قد أهابت به بأن لا يحزن ولا يعبأ بهم إن هم أعرضوا عن قبول حكمه وفق ما أنزل الله. فإن إعراضهم ناشىء عما في نفوسهم من خبث ودنس قضت إرادة الله بأن يعذبهم عليه. فكثير من الناس فاسقون وخارجون عن أمر الله وحكمه. وهم من الجملة فلا موجب للحزن والاغتمام.

وسابعا : قد تساءلت تساؤلا إنكاريا فيه معنى التنديد عما إذا كانوا يبغون أن يحكم النبي بينهم بحكم الجاهلية وعرفها ويدع حكم الله.

تعليق على الآية

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)

والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين

وأحكام وما ينطوي في جملة (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)

من ضابط للعقيدة الإسلامية بالنسبة للكتب السماوية

ولقد روى المفسرون (١) أن الآية الثانية نزلت في جماعة من زعماء اليهود وأحبارهم جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا له إننا أشراف قومنا وأحبارهم وبيننا وبين بعض قومنا خصومات ونريد أن نتحاكم إليك فإذا قضيت لنا عليهم آمنّا بك وصدقناك ، وإذا فعلنا ذلك تابعنا قومنا ، فنزلت الآية. ورووا أن الآية الثالثة نزلت في مناسبة طلب يهود بني النضير من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحكم لهم بدية مضاعفة لقتلاهم

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.

١٤٧

على بني قريظة لأنهم أشرف منهم وفاقا لتقاليد الجاهلية فأبى فنزلت الآية. والرواية الأخيرة رويت في مناسبة الآيات [٤١ ـ ٤٣] أيضا على ما ذكرناه قبل. وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح.

والمستلهم من روح الآيات ومضمونها ونظمها وعطفها على ما قبلها أنها وحدة تامة نزلت معا وأنها استمرار في السياق السابق وأسبابه وتعقيب عليه وغير منفصلة عنه لمناسبة جديدة أو مستقلة مع استثناء الآيتين [٤٦ و ٤٧] من السياق اللتين جاءتا استطراديتين. وأنها استهدفت تثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موقفه والتسرية عنه وتحذيره من تدليس اليهود وتهويشهم كما استهدفت التنديد بهم.

ومما يلهمه روح الآيات ومضمونها أن الحكم الذي كان يريد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحكم به بإلهام الله في القضية التي رفعت إليه أو أريد رفعها إليه كان مغايرا لما في التوراة فاتخذ اليهود ذلك وسيلة للمشاغبة والتهويش على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه أثنى بلسان القرآن على التوراة وأعلن أكثر من مرة أن القرآن جاء مصدقا ومؤيدا لها وأنه مأمور بالإيمان بما أنزل الله قبل القرآن ، فاحتوت الآيات إيذانا بأن القرآن هو المرجع لكتب الله السابقة ـ وهذا يعني أن الكتب المتداولة في أيديهم والتي قد يكون بينها وبين القرآن مغايرة ليست عليه حجة ـ وأن الله تعالى قد جعل لكل أمة أو دور شرعة ومنهاجا ولم تقتض حكمته أن يجعل الناس أمة واحدة على سبيل التعليل والردّ والتوضيح.

ومما يلهمه روح الآيات وفحواها وبخاصة الأخيرة منها أن اليهود كانوا ينتظرون أو يرغبون أن يقضي النبي بينهم في القضية وفقا لتقاليد الجاهلية لأنها متطابقة مع أهوائهم ـ وهذا مما تضمنته الرواية المروية لنزول الآية الثالثة ـ فكان موقف النبي مخالفا لذلك وجاءت الآية لتندد بهم ولتهتف مستنكرة عما إذا كان يصح أن يكون حكم ما أحسن من حكم الله!.

ولقد تعددت الأقوال المنسوبة إلى ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي التي أوردها المفسرون في تأويل جملتي و (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)

١٤٨

و (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) حيث قيل في الأولى إنها بمعنى مؤيد لما قبله من الكتاب. أو متطابق معها. أو أن كل شيء فيه عنها هو الصدق والحق. وحيث قيل في الثانية إنها بمعنى الشاهد والرقيب والأمين والمؤتمن على الكتب السابقة وهناك من جعل الضمير عائدا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث يكون كل ما تقدم صفة النبي ومهمته. مع التنبيه على أن الجمهور على أن الضمير عائد إلى القرآن ، وهو الأوجه.

والمتبادر لنا أن الجملتين تعنيان في مقامهما أن القرآن قد جاء ليؤيد ما كان قبله من كتب الله ويتطابق معها ويكون على ما في أيدي أهل الكتاب منها الضابط والمرجع والرقيب. فما جاء في الكتب المتداولة في أيديهم المنسوبة إلى الله من أسس ومبادئ وتلقينات مطابقا لما جاء في القرآن من ذلك أو غير متناقض معه فيجوز أن تكون نسبته إلى الله تعالى صحيحة. وما جاء فيه ولم يكن فيها من ذلك يكون هو الحق. وهذا التوجيه مؤيد بما جاء في الآيتين [١٥ و ١٦] من هذه السورة ثم بما جاء في آية سورة النمل هذه (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)) وفي آيات سورة النحل هذه (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)).

ويكون هذا الضابط بهذا المعنى هو ضابط العقيدة الإسلامية بالنسبة للكتب المتداولة التي تحتوي كلاما مبلغا عن الله بلسان أنبيائه. لأنه ليس بين الكتب المتداولة اليوم كتب يمكن أن يكون عليها وصف كتاب الله تعالى كما يصدق على القرآن المبلغ من النبي المنزل عليه مباشرة كوحي رباني المسجّل في وقت نزوله وتبليغه كذلك والمحفوظ كذلك من ذلك الوقت. في حين أن الكتب المتداولة قد كتبت بأقلام بشرية في أوقات مختلفة بعد مدة ما من الأنبياء فيها شذرات محكي تبليغها من الله تعالى مع شذرات كثيرة من أحداث الأنبياء وكلامهم وفيما هو محكي عن الله تعالى وأنبيائه فيها ما يتنزهون عنه ، ويدل على أنه محرّف أو غير صحيح عنهم.

١٤٩

والمتمعن في نصوص الآية الأولى بخاصة يجدها كما قلنا قبل قوية التأييد للرأي القائل أن المسلمين ليسوا مقيدين بأحكام وشرائع الكتب السابقة وإنما هم مقيدون بأحكام القرآن الذي أنزله الله على رسولهم. وقد قال رشيد رضا في تفسيره في سياق تفسير هذه الآية إنها نصّ صريح على أن (شرع من قبلنا ليس شرعا لنا) خلافا لمن قال بذلك محتجين بقوله تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) سورة الشورى : [١٣] وبقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام [٩٠] ثم أخذ يبين ما في الاحتجاج بذلك من مآخذ بإسهاب فيه كل القوة والوجاهة والسداد.

أما واجب المسلمين تجاه الكتب السماوية السابقة فينحصر في الإيمان بما أنزل الله من كتاب وبوحدة المصدر والأهداف الرئيسية التي تجمع بين الكتب التي أنزلها الله سابقا وبين القرآن في نطاق ما شرحناه في سياق تفسير آية الشورى [١٥] التي تأمر النبي بأن يقول (آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) وآية العنكبوت [٤٦] التي تأمر المسلمين بأن يقولوا (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

وقد ترد ملاحظة في صدد هذه الآيات من ناحية أخرى وهي أن في هذه الآيات وما قبلها إقرارا لأحكام التوراة والإنجيل بالنسبة لليهود والنصارى على الأقلّ أولا وتقريرا بأنها نافذة الحكم بعد البعثة النبوية ثانيا. وبأن الذين يسيرون وفقها هم على حقّ وهدى ثالثا. وقد يكون في هذا نقض لدعوة القرآن لليهود والنصارى إلى الإيمان برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والسير وفق ما أتي به من أحكام وشرائع رابعا. وجوابا على هذا نقول إن الآيات هي في صدد مشهد قضائي دار فيه جدل ودسّ وتهويش. وليست بسبيل تقرير أمور تتعلق بالدعوة المحمدية. وقد جاءت لهذا بالأسلوب الذي جاءت به لتتسق مع مقتضيات ذلك المشهد. بحيث يصح القول إن الآيات في مقامها هي في صدد شؤون قضائية متصلة بما يقوم بين الناس

١٥٠

من خلاف ونزاع وفي صدد تقرير احتواء التوراة والإنجيل أحكاما ربانية صالحة للفصل فيما يقوم بين النصارى وبين اليهود الذين يظلون على يهوديتهم ونصرانيتهم من مثل ذلك. وبحيث يبدو من هذا أنه ليس من نقض ولا عدول فيها عن دعوة القرآن لليهود والنصارى إلى الإيمان برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتباع ما أنزل الله عليه من شرائع وأحكام. ولا سيما أن هذه الدعوة ظلت تتكرر بدون فتور في القرآن المكي والقرآن المدني وظل القرآن المكي والقرآن المدني يشير إلى انحرافهم عن دينهم وميثاق الله الذي أخذه منهم وتحريفهم لكتبهم ويندد بهم ويجدد الدعوة لهم كما ظل يسجل أثرها الإيجابي والسلبي في اليهود والنصارى على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده في مناسبات عديدة في سور سبق تفسيرها وفي آيات من هذه السورة سابقة أيضا.

وبطبيعة الحال إن تقرير صلاحية أحكام التوراة والإنجيل لحلّ ما يتكون من قضايا بين اليهود وبين النصارى الذين يبقون على دينهم ينطوي على إقرار حرية ممارسة هذه الأحكام وحرية ممارسة الطقوس الأخرى كاملة لليهود والنصارى بصفة خاصة في نطاق السلطان الإسلامي مع التذكير بما نبهنا عليه قبل من أن جمل (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). و (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). و (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تنطوي على تلقين بحقّ السلطان الإسلامي بإجبارهم على التحاكم والعمل بمقتضى تلك الأحكام.

أما إذا أرادوا التقاضي لدى القضاء الإسلامي فالآيات صريحة النصّ بأن الحكم عليهم يكون وفاق أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا وذاك مما جرى عليه منذ العهد النبوي وفيه من الحق والعدل والتلقين الجليل ومنح الحرية لمن يدخل في ذمة السلطان الإسلامي وعهده أو ضمن رعويته من النصارى واليهود ما هو واضح.

هذا ، وفي الآيات أمران يجدر لفت النظر إليهما بنوع خاص. الأول التنبيه والتوكيد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوجوب التزام ما أنزل الله والحكم به لا غير. وعدم اتباع

١٥١

هوى المتخاصمين والحذر من الوقوع في شركهم وتدليسهم وخداعهم أو التأثر بتقاليد وعادات قديمة مخالفة لأحكام الله تعالى. حيث ينطوي في هذا تلقين جليل مستمر المدى للذين يتولون الحكم والقضاء في الإسلام. والثاني جملة (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) بعد جملة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) التي قال المفسرون والمؤولون إنها موجهة بنوع خاص إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتباعه بعد الجملة الأولى التي عنت الجميع ، وروحها يلهم صواب هذا القول حيث يسوغ القول إنها انطوت على حثّ المسلمين وقد جعل الله كتابهم هو المهيمن على الكتب السابقة ورشح دينهم ليظهره على الدين كلّه على استباق الخيرات ليبرهنوا على أنهم أهل لهذا الدين والمهمة التي حمّلهم الله إياها في نشره والله تعالى أعلم.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأخيرة حديثا عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخرجه الطبري ، ورواه عنه البخاري بصيغة مقاربة هذا نصها «أبغض الناس إلى الله ثلاثة. ملحد في الحرم. ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهلية. وطالب دم امرئ بغير حقّ ليريق دمه» حيث يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني ويوجه بنوع خاص إلى المسلمين.

وقد يرد ملاحظة مهمة في صدد الآيات جملة. وهي أن الأحكام المحددة التي أنزلها الله في القرآن معدودة. وشؤون الناس كثيرة ومتطورة ومتبدلة. وقد يكون فيها ما لم يرد نصا في القرآن. ولقد بحثنا هذا الأمر في سياق الآيتين [٥٩ و ١١٥] في سورة النساء وأوردنا ما رأيناه حقا سائغا في ذلك فنكتفي بهذا التنبيه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا

١٥٢

فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)) [٥١ ـ ٥٣].

(١) أولياء : نصراء.

(٢) يسارعون فيهم : يشتدون في موالاتهم ومصانعتهم.

(٣) نخشى أن تصيبنا دائرة : نخاف أن تدور علينا الدائرة في الحرب أو تقع علينا كارثة.

في الآيات :

(١) نداء للمؤمنين نهوا فيه عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ونصراء.

(٢) وتقرير رباني بأنهم نصراء بعضهم فقط في حقيقة الأمر وبأن من يتولاهم من المؤمنين فيعدّ منهم ويصبح في عداد الظالمين المنحرفين عن أوامر الله الذين لا ينالون رضاء الله وتوفيقه.

(٣) وتنديد بفريق المنافقين مرضى القلوب الذين يسارعون ويشتدون في موالاتهم ومصانعتهم والتواثق معهم. ويقولون إنهم إنما يفعلون ذلك لحماية أنفسهم من أن تدور عليهم دائرة الحرب وتحلّ فيهم كارثة من كوارثها.

(٤) وإنذار رباني توقعي ينطوي على التنديد بالمنافقين والبشرى للمؤمنين. فعسى الله أن ينصر المسلمين وييسّر لهم فتحا وفرجا وحدثا ليس في الحسبان فيخزى المنافقون ويندموا على ما أسروا في أنفسهم. ويشمت المؤمنون بهم حينئذ ويسألونهم على سبيل الشماتة والاستخفاف عن نتيجة الأيمان المغلظة التي حلفها لهم من اتخذوهم أولياء وسارعوا فيهم وصانعوهم من أهل الكتاب وجدواها. وتعقيب أو جواب على ذلك بأنها قد ذهبت سدى. وقد حبط جهد المنافقين وعملهم. وأصبحوا خاسرين عند الله وعند الناس.

١٥٣

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ...) إلخ

مع الآيتين التاليتين لها وما ورد في سياقها من روايات.

وما فيها من صور وتلقين. وبحث في جواز التحالف

مع غير الأعداء من غير المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة

والآيات كما تبدو فصل جديد. وقد روى المفسرون روايات عديدة في سبب نزول الآيات منها «أن عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول اختصما وتلاحيا في صدد حلفائهم من اليهود فقال الأول إني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم ، فقال الثاني ولكني لا أبرأ منهم لأني أخاف الدوائر ، فلا بدّ لي منهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية اليهود على عبادة فهو لك دونه قال إذا أقبل ، فأنزل الله الآيات». وقد رووا أن شيئا من ذلك وقع بين الرجلين بعد وقعة بدر أو في أثناء حصار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبني قينقاع حلفاء الخزرج وأن عبد الله بن أبي بن سلول أمسك بدرع رسول الله وقال له أحسن في مواليّ فقال له ويحك أرسلني فقال له والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة. إني امرؤ أخشى الدوائر. وإلى هذا فإنهم رووا أنها نزلت بعد وقعة أحد حيث قال أحد المسلمين أنا ألحق بفلان اليهودي فآخذ منه أمانا أو أتهود معه. وقال واحد آخر أنا ألتحق بفلان النصراني في أرض الشام فآخذ منه أمانا أو أستنصر معه. ورووا أنها نزلت في أبي لبابة بسبب تحذيره يهود بني قريظة من النزول على حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما استشاروه وأشار إليهم بما يعني أن مصيرهم حينئذ هو الذبح.

والروايات التي تحكي أقوال ابن أبي بن سلول سواء في موقفه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حصار بني قينقاع أم في ملاحاته مع عبادة بن الصامت تنطبق على الآيات أكثر من الروايتين الأخيرتين كما هو المتبادر. وفي حالة صحة رواية نزول الآيات بسبب ذلك تكون الآية الأولى بمثابة تمهيد لحكاية موقف مرضى القلوب. وتكون الآيات

١٥٤

قد نزلت في عهد قوة اليهود في المدينة. ولقد احتوت الآيات التي سبقت هذه الآيات صورا من مواقف اليهود وانحرافاتهم وواقعهم في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واستدللنا منها على أنها نزلت في عهد قوة اليهود في المدينة أيضا. وهكذا يمكن أن يكون تقارب ما بين ظروف نزول تلك الآيات وهذه الآيات وأن يكون وضع هذه الآيات عقب تلك بسبب ذلك. والله أعلم.

والنهي في الآية الأولى قد شمل اليهود والنصارى في حين أن الروايات من جهة وروح الآيات ثم روح آيات أخرى تأتي بعدها من جهة تفيد أن اليهود هم أصحاب الموقف الفعلي. وهذا مما يؤيده واقع الأمر حينذاك من حيث كون اليهود هم الذين كانوا كتلا قوية في المدينة وكان بينهم وبين بطون الأوس والخزرج محالفات وهم الذين يمكن أن يتخذهم بعض المسلمين أولياء ليحتاطوا بولائهم ومصانعتهم من الطوارئ والدوائر دون النصارى الذين لم يكونوا كتلة قوية في الحجاز ولم يكن لهم نتيجة لذلك محالفات مع العرب في المدينة وسائر الحجاز وهذا يسوغ القول إن ذكر النصارى إنما جاء من قبيل الاستطراد والتعميم ليتناول النهي الحالات المماثلة مما جرى النظم القرآني عليه.

وفي صدد جملة (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) قال الطبري إنها تعني أن بعض اليهود أنصار بعضهم الآخر وأن بعض النصارى أنصار بعضهم الآخر. وهذا وجيه يزول به ما قد يحيك في الصدر من إشكال كونها تعني تحالف اليهود والنصارى معا. وهو ما كان مغايرا لواقع الأمر حين نزول الآيات استمرارا لما كان قبل ، حيث كان العداء قائما بين أهل الديانتين.

ويلحظ أن النهي عن تولي اليهود والنصارى قد جاء بدون تعليل. وفي الآيات التالية آيتان فيهما تكرار للنهي مع بعض أسبابه وهي أنهم كانوا يتخذون دين المسلمين وأذانهم وصلاتهم هزوا ولعبا. والآيات التالية هي استمرار لهذه الآيات. وهذا يسوغ القول أن هذه الأسباب واردة بالنسبة للنهي الوارد بدون تعليل في هذه الآيات. ويسوغ القول بالتبعية أن النهي في الدرجة الأولى هو بالنسبة لمن يقف من المسلمين ودينهم هذا الموقف.

١٥٥

وبالإضافة إلى ما ذكرناه فإن روح الآيات صريحة الدلالة على أن النهي موجه لفريق من المسلمين وليس للمسلمين جميعهم ككيان. ومفهوم القول ولا سيما في الظروف التي نزلت فيها الآيات هو التناصر والتحالف في الحروب على الأعداء. وقد كان المسلمون كمجموع أو كيان طرفا وكل من اليهود والنصارى طرفا. والتعليل أو بعض الأسباب التي ذكرت في سياق النهي في الآيات التالية يعني أن كلا من هذين الطرفين أي النصارى واليهود يقفان موقف السخرية والانتقاص والعداء من المسلمين ودينهم كطرف أو كيان. واحتمال تطور هذا الموقف إلى حالة حرب وارد دائما بطبيعة الحال. وهو ما كان يقع فعلا. فتحالف فريق من المسلمين مع أي منهما وهو في موقف عداء وكيد للمسلمين يعني تحالفه ضد المسلمين كمجموع وكيان. ولا يمكن أن يقع هذا من مؤمن صادق وإن وقع فمن الطبيعي أن يخرجه من صف المؤمنين إلى صف الذين يحالفهم ويناصرهم على المؤمنين. وهو ما عنته جملة (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ولقد قال الطبري إن النهي في الآية هو عن تحالف فريق من المسلمين وتناصرهم مع النصارى واليهود على أهل الإيمان بالله ورسوله. وهذا متطابق كما قررناه آنفا.

وقد يصحّ القول والحالة هذه أنه ليس من تعارض بين نهي الآية وبين ما نبه عليه رشيد رضا في سياق الآية [٣٨] من سورة آل عمران وأوردناه وصوبناه من جواز التناصر بين مجموعة المسلمين أو مجموعة منهم كطرف وكيان وبين مجموعة من أهل الكتاب ليس لها موقف كيد وعداء وطعن ضد الإسلام والمسلمين على أعداء مشتركين. وجواز التعاهد بين مجموعة المسلمين أو مجموعة منهم كطرف وكيان وبين مجموعة من غير المسلمين ليس لها موقف كيد وعداء وطعن ضد الإسلام والمسلمين تعاهد سلم أو تعاهد تعاون على أعداء مشتركين بسبيل إرهابهم.

ولقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت «خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل

١٥٦

بدر فلما كان بحرّة الوبرة أدركه رجل يذكر بالجرأة والنجدة ففرح به الأصحاب فقال للنبي جئت لأتبعك وأصيب معك. فقال تؤمن بالله ورسوله قال لا. قال فارجع فلن أستعين بمشرك ثم مضى. حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فردّ عليه النبي كالمرة الأولى ثم رجع فأدركنا بالبيداء فقال كالأول فقال له النبي تؤمن بالله ورسوله. قال نعم فقال له انطلق» (١).

ويتبادر لنا أن الموقف في ذلك الظرف موقف خاص ومختلف عما نذكره. فالمشركون كانوا جميعهم جاهزين للرسالة النبوية وكثير منهم في موقف عدائي صريح لها. والإسلام في أول عهده. والقرآن يشنّ أعنف حملة على الشرك والمشركين وقد كان هدف الرجل الغنيمة فقط على أحسن الفروض الظاهرة.

وقد فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك في مواقف أخرى. فقد عاهد اليهود حينما قدم إلى المدينة لأول مرة. ونصّ الفقرة المتعلقة بهم في كتاب الموادعة الذي كتبه دستورا للعهد الجديد الذي بدأ تحت قيادته صريح فإنه في مثابة حلف حربي حيث جاء في الكتاب المذكور «وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ولليهود دينهم وللمسلمين دينهم. وإن بينهم النصر على ما حارب أهل هذه الصحيفة. وإن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم» (٢). وبعد انعقاد صلح الحديبية بين النبي وقريش دخل بنو خزاعة كطرف مع النبي وصاروا حلفاء له ولم يكونوا مسلمين. هذا فضلا عما كان يبرمه النبي مع مشركين وكتابيين من مواثيق وعهود سلمية بدءا أو بعد حرب مما احتوت صورا كثيرة منه كتب السيرة ومما أشارت إليه بعض آيات القرآن إشارات مقتضبة (٣).

ومن باب أولى أن يقال إنه ليس من تعارض بين النهي المنطوي في الآيات

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٣٢١.

(٢) انظر ابن هشام ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢٣.

(٣) ابن سعد ج ٢ ص ٢٥ ـ ٥٦ و ١١٩ وج ٣ ص ٢١٨ ـ ٢٢١ و ٣٣٩ وابن هشام ج ٣ ص ١٦٩ ـ ٢٢١ وآيات النساء [٩٠ و ٩٢] والأنفال [٥٥ و ٧٢] والتوبة [٥ و ٧].

١٥٧

وبين حسن التعامل والتعايش والتعاون بين المسلمين وغيرهم إذا لم يكن بينهم حالة حرب وعداء وكان الغير كافّا لسان ويده عنهم مما قررته آية سورة الممتحنة هذه (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)).

ولقد احتوت الآيتان الثانية والثالثة بشرى تطمينية بانتصار المسلمين على أعدائهم من يهود وغير يهود وبخيبة المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويصانعونهم احتياطا للطوارىء ولقد تحققت هذه البشرى فكان ذلك من المعجزات القرآنية.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨)) [٥٤ ـ ٥٨].

(١) أذلة : هنا بمعنى مشفقين رحماء.

(٢) أعزة : هنا بمعنى أشداء عنفاء.

(٣) إذا ناديتم إلى الصلاة : كناية عن الأذان الإسلامي على ما عليه الجمهور.

وفي هذه الآيات :

(١) نداء للمؤمنين فيه تحذير من الارتداد عن دينهم وإنذار لهم وهوان ذلك على الله إن هم فعلوه ، فارتدادهم لن يضرّ الله وإنما يضرّهم. وإن الله لقادر في مثل هذه الحالة على الإتيان بمؤمنين آخرين مخلصي الإيمان يحبهم ويحبونه. رحماء

١٥٨

مشفقين على إخوانهم أشداء قساة على أعدائهم. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ولا دوران دائرة.

(٢) وتقرير على سبيل التعقيب على النهي والتحذير وجّه فيه الخطاب إلى المؤمنين أيضا فلا يصح أن يكون لهم ولي غير الله ورسوله والمؤمنين المخلصين القائمين بجميع واجباتهم نحو الله والناس بالصلاة والزكاة. فهم فقط أولياؤهم حصرا. وإن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين المخلصين هو من حزب الله وإنّ حزب الله هو الغالب.

(٣) ونهي آخر موجه للمؤمنين ، كذلك بعدم اتخاذ أهل الكتاب والكفار الذين يتخذون دينهم هزوا ولعبا أولياء. وحثّ لهم على تقوى الله إن كانوا مؤمنين حقا والتزام أوامره ونواهيه.

(٤) وبيان تذكيري ببعض تصرفات الذين ينهون عن اتخاذهم أولياء. فهم إذا أذّن المؤذن إلى الصلاة اتخذوا ذلك وسيلة للسخرية والغمز. وهم إنما يفعلون ذلك لأنهم قوم قد ضلّت عقولهم عن فهم الحقّ واتباعه والوقوف عنده.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ...) إلخ

والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من تلقين.

وما ورد في صددها من روايات شيعية وغير شيعية

لقد روى المفسرون روايات عديدة ومتنوعة في نزول هذه الآيات وفيما تعنيه. فروى الطبري عن الحسن ومجاهد وغيرهما أن الآية الأولى هي في حقّ الذين ارتدوا عقب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي حقّ أبي بكر وأصحابه الذين جاهدوا فيهم وردّوهم إلى الإسلام. وقال الطبري إن في الآية وعيدا لمن سبق في علم الله أنه سيرتدّ بعد وفاة رسول الله من أهل الوبر والمدر وقيام من هم خير منهم بنصرته ووفّاهم بوعده لهم ووفّى المرتدين بوعيده.

١٥٩

وروي مع ذلك عن عياض الأشعري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) أومأ إلى أبي موسى الأشعري وقال هؤلاء قومك أو هؤلاء قوم هذا. وروى الطبري عن أبي جعفر أحد الأئمة الاثني عشر أن الآية [٥٥] نزلت في علي بن أبي طالب لأنه تصدّق وهو راكع. وعن ابن عباس أن الآيات [٥٧ ـ ٦١] نزلت في رفاعة بن زيد التابوت وسويد بن الحرث اليهوديين اللذين كانا أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادّونهم. وهناك رواية تذكر أن الآيات [٥٤ و ٥٥] نزلت في عبد الله بن سلام لما أسلم هو وبعض اليهود فقطع سائر اليهود موالاتهم لهم فأنزل الله الآيات لتطمين الذين أسلموا من اليهود. وقد أورد البغوي والخازن وابن كثير والنيسابوري هذه الروايات. منهم من أوردها جميعها ومنهم من أورد بعضها ومنهم من عزاها إلى الطبري ومنهم من أوردها من طرق أخرى. وبينما يروى الطبري أن الآية [٥٤] عنت أبا موسى الأشعري وقومه يروي ابن كثير مع هذه الرواية رواية عن جابر بن عبد الله بأنها عنت قوما من اليمن ثم من كنده ثم من السكون ثم من تجيب. كما يروى النيسابوري حديثا عن النبي يفيد أنها عنت سلمان الفارسي وقومه.

ومفسرو الشيعة ورواتهم وعلماؤهم يعلّقون أهمية كبيرة على هذه الآيات وبخاصة الآيات [٥٤ و ٥٥ و ٥٦] ويرون فيها على ضوء أحاديث وروايات ينفردون في روايتها نصّا قرآنيا على ولاية علي رضي الله عنه وأولاده للمؤمنين وإمامتهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون غيرهم. وهذا ما يجعلنا نسهب شيئا في شرح هذا الأمر لوضع الأمر في نصابه الحق إن شاء الله.

فمما أورده الطبرسي أحد مفسريهم والمعتدلين منهم (١) رواية عن علي بن إبراهيم بن هاشم أن الآية الأولى نزلت في مهدي الأمة وأصحابه وأوّلها خطاب لمن ظلم آل محمد وقتلهم وغصب حقهم. وقد عقب المفسر على الرواية قائلا وينصر هذا القول كون ما جاء في فقرتها الثانية (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

__________________

(١) في تفسيره المسمّى مجمع البيان.

١٦٠