التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

العداء للمسلمين. وهم الذين ذهبوا وحرضوا قريشا وقبائل العرب من أسد وغطفان وغيرها على التحزّب والزحف على المدينة لاستئصال شأفة الإسلام وحرضوا زعماء بني قريظة على الغدر والنكث مما نتج عنه وقعة الأحزاب ثم وقعة بني قريظة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الأحزاب. وقد استمروا على عدائهم بعد ذلك وظلوا يحرضون قبائل العرب ويغزونهم بغزو المدينة. ومما لا شك فيه أن هذه المواقف جعلت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفكر في إتمام عمليات التنكيل باليهود في هذه المنطقة غير أنه على ما يظهر لم يجد الخطر عاجلا فاكتفى بإرسال سرايا من المسلمين اغتالت زعيمهم أبا رافع بن أبي الحقيق ثم أسير بن زارم الذي تزعم اليهود بعده. وأجّل إتمام العمل إلى ما بعد عودته من زيارة الكعبة التي اعتزم القيام بها والتي نتج عنها صلح الحديبية. والراجح الذي تلهمه روح الآيات وتؤيده الوقائع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاد من الحديبية وقد بيّت النية على إتمام تلك العمليات وقد أمن من مباغتة قريش. فما إن وصل من الحديبية إلى المدينة حتى أخذ يستعد للزحف على خيبر ثم زحف في المحرم من السنة الهجرية السابقة في رواية وفي جمادى الأولى في رواية. ولقد روي أن قبائل أسد وغطفان (١) كانت تتجمع لتهاجم المدينة في غياب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها أو لتهاجم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه في طريقهم إلى الحديبية أو عودتهم منها. ولكن انحسام الأمر بين النبي وقريش جعلهم ينكصون. فلعل هذا كان أثرا من كيد يهود خيبر ومما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجل بالزحف عليهم.

ولقد كانت خيبر كثيفة السكان كثيرة الحصون قوية الاستعداد فلقي المسلمون جهدا ومشقة واستمرت مجاهدتهم مع اليهود نحو شهر حتى تمكنوا من الانتصار عليهم والاستيلاء على حصونهم وقد قتلوا كثيرا من مقاتليهم واستولوا على مقادير عظيمة من أموالهم وأسلحتهم وحقولهم وبساتينهم ونسائهم وأطفالهم فكانت غنيمة عظيمة قسمها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المجاهدين بعد أن فرز خمسها. وقد

__________________

(١) انظر تفسير البغوي.

٦٠١

أبقى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من لم ير في بقائه خطرا من الذين استسلموا منهم وولّاهم رعاية البساتين والحقول مقابل نصف الغلة مع الاحتفاظ بحق إخراجهم حين يشاء. ولقد أوصى حين موته بإخراجهم فأخرجهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنفيذا للوصية حين سنحت فرصة كان فيها منهم بغي وعدوان (١). وقد أجلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم من رأى في بقائه خطرا. ثم انصرف بعد خيبر إلى وادي القرى وكان فيه حصون عديدة لليهود فلقي فيها بعض المقاومة ثم كتب الله النصر لنبيه فقتل من قتل وأجلى من أجلى واستولى على أموالهم وسلاحهم واتفق مع من لم يكن منه خطر على البقاء على رعاية البساتين والحقول على النصف كما فعل في خيبر. ودبّ الرعب في قلوب اليهود في فدك فأرسلوا رسلهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصالحهم على نصف بساتينهم وحقولهم فغدت فيئا لأن المسلمين لم يزحفوا عليها ويحاربوها. وفعل مثلهم أهل الجرباء وتيماء أيضا (٢).

وفي أثناء غزوة خيبر عاد المهاجرون الأولون من الحبشة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم وانضموا إلى النبي والمسلمين في خيبر فقسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم من الغنائم. وقد روى ابن هشام (٣) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمري إلى الحبشة بعد صلح الحديبية فحملهم على سفينتين. ولا ريب أن هذا كان من بركات هذا الصلح. حيث شعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون بالقوة والعزة فلم يعد ما يسوّغ بقاء المهاجرين الأولين رضي الله عنهم بعيدين في أرض الغربة. وهذا يقال بطبيعة الحال بالنسبة لما تمّ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين من نصر وأحرزوه من غنائم في خيبر ووادي القرى وفدك ، وما كان من خضد شوكة اليهود نهائيا في أرض الحجاز بعد تطهير مدينة الرسول منهم.

__________________

(١) انظر كتاب الأموال للإمام أبي عبيد ص ٩٩ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٢٩ ـ ٤١ و ٧٣ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٣٤ وسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٢ وما بعدها.

(٢) ابن هشام وابن سعد ذكرا خبر فدك وابن سعد ذكر خبر الجرباء. أما خبر تيماء فقد ذكره البلاذري ص ٤١ و ٤٢. انظر ابن سعد ج ٣ ص ١٦٦ وج ٢ ص ٥٦.

(٣) ابن هشام ج ٣ ص ٤١٤.

٦٠٢

ومما روي في سياق وقعة خيبر أن المسلمين أخذوا يقعون على ما وزعه رسول بالله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سبي نساء اليهود فأمر مناديا ينادي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعنّ على سبية حتى يستبرئها. وأنه كانت بين السبي صفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود وزوجة كنانة بن أبي الحقيق فاصطفاها رسول الله لنفسه وأعتقها وتزوج بها (١). وإن امرأة سلام بن مشكم الذي قتل زوجها أهدت النبي شاة مصلية مسمومة. فلما قضم من ذراعها لم يسغها وكان معه بشر بن البراء فأكل منها فمات فاستدعى المرأة فاعترفت وقالت لقد بلغت من قومي ما بلغت فقلت إن كان ملكا استرحنا منه وإن كان نبيا فسيخبره الله. وإنه تجاوز عنها. وإن نسوة من غفار جئن إلى رسول الله فقلن له أردنا أن نخرج معك فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا فأذن لهن ورضخ لهن من الغنائم ، وأن وفدا من دوس وأشعر من اليمن وفيهم أبو موسى الأشعري الصحابي المشهور وفد على النبي للإسلام وهو في خيبر فأسلموا ورضخ لهم من الغنائم. ومما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدركون ليلتهم أيّهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجون أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأنه لم يكن به وجع فأعطاه الراية. فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (٢). وفي كل ما تقدم صور فيها تعليم وتلقين وتشريع كما هو المتبادر.

__________________

(١) خبر صفية رواه البخاري عن أنس التاج ج ٤ ص ٣٧٩ و ٣٨٠ ومما جاء في الحديث «أن صفية وقعت في سهم دحية الكلبي فطلب النبي منه أن يتنازل له عنها وتزوجها وجعل عتقها صداقها».

(٢) التاج ج ٤ ص ٣٧٨.

٦٠٣

ولقد كان ما أورده بعض المفسرين في سياق الآيات التي نحن في صددها من أن الله قد كافأ أهل الحديبية بغنائم خيبر وعوّضهم بها عما لقوه من جهد ومنوا به من خيبة أمل في الزيارة وسيلة لجعل بعض الأغيار يقولون إن زحف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خيبر لم يكن له أي سبب مبرر إلّا رغبة مكافأة أهل الحديبية وتطييب خاطرهم. مع أنه ليس هناك كما قلنا قبل رواية تذكر أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر كانوا هم أهل الحديبية فقط. ومع أن ما أوردناه من بيانات يدحض هذا الزعم أقوى دحض ويبرز الأسباب المبررة القوية للزحف. ونقول من باب المساجلة إن ما أورده كتّاب السيرة والمؤرخون القدماء قد أورد على سجيته ولم يكن هناك حينئذ قضية مثل القضية التي يثيرها الأغيار اليوم حتى يكون اختراعا بقصد التبرير والدفاع وفي ما أورده الرواة من الأسباب القوية المبررة للزحف ردّ حاسم أيضا. وما قاله بعض المفسرين لا يصحّ أن يغطي على ما أورد من الأسباب المبررة القوية أو يتخذ بديلا أو تكأة. وليس ما قالوه بعد واردا في كتب الحديث الصحيح ولا مستندا إلى أسناد وثيقة.

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١)) [٢٠ ـ ٢١].

تعليق على الآية

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ)

والآية التالية لها

المتبادر أن الآيتين متصلتان بالآيات السابقة وبخاصة بالآيتين اللتين قبلهما مباشرة اتصال التفات وتعقيب. فالسابقتان وجهتا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سبيل التنويه بالذين بايعوا تحت الشجرة وتبشيرهم وتطمينهم. وهاتان وجهتا إلى المبايعين

٦٠٤

أنفسهم على سبيل توكيد التبشير والتطمين. وهما على كل حال جزء من السياق واستمرار له. وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقة.

وعبارة الآيتين اللغوية واضحة. غير أن الأقوال في مدلول محتواها تعددت (١). ونلخصها بما يلي :

فأولا : قيل عن المغانم الكثيرة التي ذكرت الفقرة الأولى أن الله وعد المؤمنين بها إنها مغانم خيبر ، كما قيل إنها مغانم الفتوحات التي سوف ييسرها الله للمسلمين في مختلف الظروف والأماكن. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو أوجه وأن الفقرة هي بسبيل التبشير والتطمين بوجه عام. أما القول الأول فالذي نرجحه أنه من وحي ما تمّ بعد قليل من سفرة الحديبية من زحف على خيبر واكتساحها وما يسره الله للمسلمين من غنائمها.

وثانيا : قيل إن المقصود من جملة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) هو ما تمّ من صلح الحديبية كما قيل إنه مغانم خيبر. والمتبادر أن القول الأول هو الأوجه. لأن في الجملة تقريرا لواقع وإشارة إليه. ولم يكن واقعا حين نزولها إلّا صلح الحديبية. ولعل في الجملة قرينة على ذلك حيث نبّه المسلمون فيها إلى أن الله عجّل بحسم هذه المسألة لييسر لهم إتمام وعده.

وثالثا : قيل إن جملة (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) قد عنت ما كان من منع الله الحرب بين المسلمين وقريش بصورة عامة أو إنها عنت خيالة قريش الذين حاولوا بقيادة خالد بن الوليد مباغتة معسكر النبي والمسلمين فعلم النبي بخبرهم وأرسل من ردّهم وأسر بعضهم ثم عفا عنهم على ما ذكرناه في خلاصة وقائع الحديبية. كما قيل إنها عنت ما كان من تجمع أسد وغطفان للإغارة على المدينة أثناء غياب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين عنها وإحباط الله كيدهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. ويتبادر لنا أن القول الأول والثاني هو الأوجه لأن الجملة تذكّر المسلمين في أثناء عودتهم إلى المدينة بما كان جرى في الحديبية وظروفها.

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

٦٠٥

ورابعا : قيل إن جملة (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) تعني أن ما كان من تيسير الله لصلح الحديبية وكفّ أيدي الناس عن المؤمنين قد كان آية ربانية ليعتبر بها المؤمنون ويتيقنوا من أن ما كان هو بتيسير ونصر من الله. ووجاهة القول ظاهرة.

وخامسا : قيل إن جملة (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) تعني مكة وفتحها ، كما قيل إنها إشارة إلى ما سوف ييسر الله للمسلمين من نصر وفتح في مختلف الظروف أو فتح بلاد فارس والروم. وقيل أيضا إنها خيبر قبل أن يزحفوا عليها.

وكل من الأقوال الثلاثة وارد لا يخلو من وجاهة. وإن كنا نرجح القول الثاني من حيث كون المسلمين لم يقدروا في سفرتهم على دخول مكة فاقتضت حكمة التنزيل تطمينهم بأن الله قد أحاط بها ولسوف يقدرهم عليها. وعلى كل حال ففي الجملة تثبيت وتطمين للمسلمين من جهة وبشرى تحققت فكانت من معجزات القرآن سواء أكان المقصود منها مكة أم خيبر أم غيرهما.

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣)) [٢٢ ـ ٢٣].

عبارة الآيتين واضحة أيضا : وهي استمرار للخطاب الموجه إلى المؤمنين في الآيتين السابقتين لهما مباشرة حيث تؤذنانهم بأن الكفار لو قاتلوهم لولوا الأدبار ولما وجدوا لهم وليّا ولا نصيرا ينصرونهم من الله. وبأن هذه هي سنّة الله التي جرت من قبل ولن يكون لها تبديل بالنسبة إليهم.

والآيتان والحالة هذه جزء من السياق. وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقة من تثبيت وتطمين.

ومن المفسرين من قال إن (الَّذِينَ كَفَرُوا) هم أهل مكة (١). ومنهم من قال

__________________

(١) الطبرسي وابن كثير.

٦٠٦

إنهم أهل خيبر أو بني أسد وغطفان الذين كانوا يريدون الإغارة على المدينة (١) والمتبادر أن القول الأول هو الأوجه لأن الآيات في صدد وقائع سفرة الحديبية.

وقد يكون فيهما تقرير كون الكفار لو قاتلوهم لكانوا في موقف الباغي المعتدي. وقد جرت سنة الله على أن تدور الدائرة على البغاة المعتدين وأن ينصر من ينصره وينصر دينه وهو ما تكرر تقريره ووعده في آيات في سور سبق تفسيرها.

وواضح من هذا أن في الآيتين تطمينا مستمر المدى والتلقين للمؤمنين بأنهم منصورون على الكفار إذا قاتلوهم في أي ظرف ومكان. وهو ما تكرر توكيده في آيات عديدة مكية ومدنية. وما يظل يمد المؤمنين بفيض من القوة الروحية التي تضاعف قوتهم. وطبيعي أن يكون ذلك رهنا بصدقهم في قتال أعدائهم وإعداد ما يستطيعون من قوة. وبذلهم من أموالهم دون بخل ولا تقصير. وهو ما تكرر التنبيه عليه في آيات في سور سبق تفسيرها كذلك.

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)) [٢٤].

(١) ببطن مكة : كناية عن جوار مكة أو واديها.

الآية استمرار في الخطاب للمؤمنين وجزء من السياق على سبيل التذكير والتثبيت كذلك حيث تذكر المؤمنين بما كان من فضل الله عليهم في سفرة الحديبية من كفّ أيدي الكفار عنهم وكفّ أيديهم عن الكفار لينتهي الموقف بالسلام الذي انتهى إليه بعد أن كتب لهم الظّفر عليهم.

وقد روى المفسرون (٢) في سياق هذه الآية حادثا معينا أشرنا إليه سابقا وقالوا إنها تحتوي على إشارة إليه. وهو ما كان من محاولة خيالة من قريش أخذ

__________________

(١) البغوي والخازن.

(٢) انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.

٦٠٧

النبي والمؤمنين على غرّة قبل أن يتمّ عقد الصلح وما كان من تنبّه النبي والمؤمنين لهم وردّهم وأسر بعضهم على ما ذكرناه في الخلاصة التي أوردناها قبل لظروف وبواعث سفرة الحديبية ومشاهدها. وقد روى الترمذي ومسلم عن أنس «أن ثمانين هبطوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح وهم يريدون قتله فأخذوا أخذا فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)» (١) والمتبادر أن المقصد من جملة فأنزل الله هو كون هذه الآية في صدد ذلك.

والمتبادر أن الآية قد استهدفت بيان كون ما تمّ من ذلك إنما كان بقضاء الله ولحكمة فيها الخير والمصلحة للمسلمين.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)) [٢٥ ـ ٢٦].

(١) الهدى معكوفا أن يبلغ محلّه : الأنعام المنذورة لتكون قرابين لله محبوسة عن البلوغ إلى المحل الذي يجب ذبحها عنده أو يحلّ ذبحها عنده.

(٢) أن تطأوهم : أن تدوسوهم وتصيبوهم بالأذى.

(٣) معرة : تبعة فيها إثم وعار. أو تعروكم من جرّائهم مشقة وهمّ.

(٤) لو تزيّلوا : لو تميزوا وانفردوا عن الكفار.

__________________

(١) التاج ج ٤ فصل التفسير ص ٢١٣.

٦٠٨

تعليق على الآية

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)

والآية التالية لها وما فيهما من صور

الآيتان استمرار للخطاب الموجه للمؤمنين كسابقاتهما وجزء من السياق. وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقات من تثبيت وتطمين. وقد انطوتا على تقرير ما يلي :

(١) إن الكفار مستحقون لعذاب الله تعالى. ولقد كان قادرا على إنزال النكال الشديد بهم حالا لما بدا منهم. فهم كافرون من جهة. وقد صدوا المسلمين عن زيارة المسجد الحرام. وصدوا الهدي المنذور لله عن المكان الذي يحل فيه نحره من جهة. ولعبت في رؤوسهم نزوة الجاهلية وحميتها من جهة.

(٢) ولكن حكمة الله العليم بكل شيء قضت بأن ينتهي الموقف إلى ما انتهى إليه. فأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين. وهدّأ من سورة غضبهم وغيظهم. وألزمهم كلمة التقوى التي هي الأمثل بهم لأنهم أهلها والأحق بها. وألهمهم الرضاء بما فيه الخير والمصلحة. ولا سيما أنه كان في مكة فريق من المؤمنين والمؤمنات لا يعلمهم المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان من المحتمل أن يدوسوهم وينالهم أذى أثناء الاشتباك فيقعوا بذلك في الإثم والمشاكل. وهذه ناحية رئيسية من حكمة الله تعالى في كفّ أيدي الفريقين عن بعض.

ولقد احتوت الآيتان إشارات خاطفة متوافقة مع ما ذكر الرواة تفصيله وأوردنا خلاصته قبل في صدد بعض مشاهد سفرة الحديبية والمفاوضات التي جرت بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومندوبي قريش وما كان من تعنّت قريش وإصرارهم على الشروط التي كان الحافز عليها أنفة الجاهلية وحميتها وما كان من هدوء جأش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتساهله وموقفه الحازم وانبثاث السكينة في نفسه ونفوس معظم المسلمين ومسايرتهم لهذه الشروط التي لا تهضمها النفوس بسهولة لو لا إلهام الله وسكينته التي أنزلها على قلوبهم وإلزامه إياهم كلمة التقوى والحق والمصلحة.

٦٠٩

وفي الآية الأولى خبر وجود فريق من المؤمنين والمؤمنات في مكة. وروح العبارة يلهم أوّلا أنهم كانوا يكتمون إيمانهم وأنهم لم يكونوا قليلين بحيث كان من الصعب أن يختفوا وأن يسلموا من الأذى لو وقع اشتباك حربي بين المسلمين وقريش في مكة. وليس في العبارة القرآنية معنى تأنيبي في حقهم حيث يلهم ذلك أنهم كانوا معذورين في البقاء في مكة. ولعلّهم أو لعلّ منهم من أشارت إليه آية النساء هذه (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥)) وآيات النساء هذه (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)) ويكاد يكون من المتفق عليه أن العباس رضي الله عنه عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسرته كانوا من المؤمنين وقد ظلّوا في مكة إلى يوم الفتح. والمرجح أن بقاءه كان بإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولمصلحة كان يراها (١).

ولقد روى البخاري عن ابن عباس قوله «كنت أنا وأمي من المستضعفين وفي

__________________

(١) ذكرنا في سياق تفسير آيات سورة الأنفال [٦٩ ـ ٧١] وفي سياق تفسير آيات سورة النساء المذكورة الروايات التي تذكر خبر إسلام العباس. ولقد روى ابن هشام ج ٣ ص ٣٩٨ ـ ٣٩٩ أن شخصا اسمه الحجاج من المسلمين ممن شهد وقعة خيبر استأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السفر إلى مكة لاقتضاء دين له في التصرف في بعض القول ليسهل عليه ذلك ، فأذن له فلما بلغ مكة سأله بعض رجال قريش عن أخبار النبي وكانوا قد عرفوا أنه سار إلى خيبر ولم يعرفوا أن الحجاج قد أسلم فقال لهم عندي من الخبر ما يسرّكم : إنه هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه وأسره اليهود وهم يهمون بإرساله إليكم. فسروا أعظم سرور وسهلوا له قضاء حاجته وجاءه العباس فزعا يسأله الخبر فأخبره الحقيقة. وطلب كتمانها إلى أن يخرج فلما خرج لبس العباس حلّة وتخلّق (تطيب بالطيب وأخذ عصاه وجاء إلى الكعبة فطاف بها فقال له بعض رجال قريش : يا أبا الفضل والله هذا التجلد لحرّ المصيبة ، فقال وأي مصيبة. كلا والله الذي حلفتم به لقد فتح محمد خيبر وأحرز أموالهم وتزوج بنت ملكهم (وهي زوجته صفية بنت حيي بن أخطب) حيث يستفاد من هذا الخبر ما قلناه من أن العباس كان أشبه بنائب عن النبي أو معتمد له في مكة.

٦١٠

رواية كنت أنا وأمي ممن عذرهم الله» (١).

ويروي الشيعة في مناسبة الآية [٢٥] رواية جاء فيها «قيل للإمام الصادق ألم يكن علي قويّا في دين الله. قال بلى. قيل فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك. قال آية في كتاب الله وهي (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً). لقد كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين. ولم يكن علي ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع. فلما خرجت على عليّ ظهر من ظهر فقتلهم» (٢).

والكلام في صدد عدم مقاتلة علي لأبي بكر وعمر وعثمان وجمهور أصحاب رسول الله الذين يزعم الشيعة أنهم غصبوا حقه وخالفوا وصية رسول الله. وفي هذا من الهراء والسخف ما هو واضح. وننزه الإمام الصادق عن قوله واعتباره جمهور أصحاب رسول الله كافرين ومنافقين والعياذ بالله. ولقد قاتل النبي الكفار ولم يمنعهم احتمال أن يخرج من أصلابهم مؤمنون. ولقد قاتل علي طوائف من المسلمين في ما يسمى في وقائع الجمل وصفّين وحروراء لأنه اجتهد في صواب ذلك ولم يمنعه كونهم مسلمين أو احتمال خروج مؤمنين من أصلابهم ولقد ثبت يقينا أن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم وتعاون معهم في مختلف ميادين العمل العام ولا شك في أنه يعرف أن النبي لو كان وصّى له لما بايعهم ولقاتلهم لأجل تنفيذ وصية رسول الله دون أن يمنعه أي شيء لأن ذلك واجب ديني. هذا فضلا عن أن أبا بكر وعمر وعثمان والجمهور الأعظم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وسجل الله رضاءه عنهم في القرآن (سورة التوبة الآية ١٠٠) أتقى من أن يجمعوا على مخالفة وصية رسول الله لأن تنفيذها واجب ديني قبل أي شيء.

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ

__________________

(١) كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية للقصيمي ج ١ ص ٤٣٣ و ٤٣٤

(٢) المصدر نفسه.

٦١١

آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧)) [٢٧]

(١) محلّقين رؤوسكم : بمعنى حلق شعر الرأس جميعه.

(٢) مقصّرين : بمعنى تقصير شعر الرأس تقصيرا دون حلقه. والحلاقة والتقصير هي هنا لأجل التحلل من الإحرام.

تعليق على الآية

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ ...)

وخبر زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين للكعبة

عبارة الآية واضحة. والخطاب فيها موجه إلى المسلمين استمرارا للسابق. وهي والحالة هذه جزء من السياق. وقد احتوت :

(١) تصديقا ربانيا لصحة رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه زار الكعبة مع أصحابه وكونها حقا.

(٢) وتوكيدا ربانيا بتحقيق هذه الرؤيا وبدخولهم المسجد الحرام وبقيامهم بطقوس الزيارة آمنين مطمئنين. منهم المحلقون ومنهم المقصرون دون ما خوف ولا اضطراب.

(٣) وإشارة إلى ما انتهى إليه سفر الحديبية على سبيل تبرير النهاية : فإذا كان قد انتهى إلى ما انتهى إليه من عدم تحقيق الرؤيا في نفس الرحلة فذلك ناتج عن حكمة الله ولم يعلموها حيث اقتضت أن يكون بدل الزيارة في هذه الرحلة الفتح القريب الذي يسّره لهم.

وفي الآية كما هو ظاهر تأييد للروايات المروية من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما اعتزم الخروج لزيارة الكعبة استلهاما من رؤيا رآها في منامه ، ورؤياه حق. وهذا الذي جعل بعض المسلمين يذهلون حينما انتهى الموقف بدون تحقيق هذه الزيارة في هذه الرحلة. وقد استهدفت الآية التصديق والتثبيت مع الوعد الرباني بتحقيق الرؤيا.

٦١٢

ولقد تحقق الوعد الرباني فتمّت الزيارة في العام القابل حسب الاتفاق. وأدّى المسلمون مناسكها آمنين مطمئنين فكان ذلك معجزة من معجزات القرآن. ومما روي عن ذلك (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة على رأس ألفين من أصحابه كان معظمهم ممن شهدوا صلح الحديبية. وقدموا أمامهم الهدي ولم يكن معهم إلا سيوفهم في أغمادها. ولما أقبلوا على مكة خرج أهلها إلى رؤوس الجبال عدا رجال منهم اصطفوا عند دار الندوة لمشاهدة مشهد دخول النبي وأصحابه الذين دخلوا مهلّلين مكبّرين وقد هتف النبي بأصحابه (رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة) ثم أقبل النبي وأصحابه نحو الكعبة فطافوا بها وارتقى بلال فوقها فأذن للصلاة. وارتجز عبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله :

خلّوا بني الكفار عن سبيله

خلوا فكل الخير مع رسوله

نحن ضربناكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله (٢)

__________________

(١) انظر كتب تفسير : الطبري وابن كثير والبغوي والخازن وسيرة ابن هشام ج ٣ ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧ وابن سعد ج ٣ ص ١٦٧ ـ ١٦٩.

(٢) روى هذا الشعر وهتاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن هشام ج ٣ ص ٤٢٤ و ٤٢٥ ، وابن سعد ج ٣ ص ١٦٧ ـ ١٦٩. وهناك روايات أخرى للشعر رواها ابن كثير فيها زيادات. ولقد قال ابن هشام إن البيت الثالث وما بعده ليس لعبد الله بن رواحة وإنما هو لعمار بن ياسر قاله في غير هذا اليوم. واستدلّ على صحة ذلك قائلا إن الذي يقاتل على التأويل يكون قد اعترف بالتنزيل ولم يكن مشركو قريش اعترفوا بذلك. والتعليل وجيه. على أننا نشك في الشعر كله وفي هتاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فليس شيء من ذلك واردا في الصحاح. والنبي والمسلمون وصلوا مكة في هذا الظرف بناء على اتفاق الحديبية الذي كان اتفاق صلح أو هدنة. والشعر والهتاف أحرى أن يكونا في ظرف انتصار حربي. ومن المعقول والمحتمل أن يكون ذلك حينما دخل النبي والمسلمون مكة عنوة فاتحين في السنة الثامنة للهجرة على ما سوف يرد شرحه بعد في سياق سورة الحديد. بل لقد روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في خطبته بعد أن تم فتح مكة (لا إله إلّا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده) ، وهي الفقرة التي يروى أن النبي أمر عبد الله بن رواحة أن يقولها بدلا من شعره ...

٦١٣

فهتف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل قل (لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده) فقالها فرددها المسلمون. وقد مكث النبي وأصحابه ثلاثة أيام ، ثم انصرفوا سالمين معافين. وتسمّى هذه الزيارة في كتب السيرة بعمرة القضاء (١). ويعلل التسمية ابن كثير قائلا إنها من القضية لأن مفاوض قريش في صلح الحديبية سمّى هذا الصلح قضية حيث قال للنبي حينما جاء ابنه المسلم لبحث القضية بيني وبينك وهذا أول ما أقاضيك عليه. ونحن نرجح مع ذلك أنها أريد بها القيام بالعمرة قضاء عن العمرة التي اعتزموها ثم لم يتمّوها بسبب ممانعة قريش فتأجلت للسنة القابلة حسب اتفاق الحديبية. والله أعلم.

ومما روي كذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب في سفرته هذه ميمونة بنت الحارث أخت زوجة عمّه العباس فزوجها له العباس وأصدقها عنه. وأن زعماء قريش أرسلوا إلى النبي بعد انقضاء الأيام الثلاثة المتفق عليها أن اخرج عنّا فقد انقضى أجلك. فقال لهم وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين ظهرانيكم وصنعت لكم طعاما فحضرتموه. فقالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا. فخرج وانتظر زوجته الجديدة في سرف حتى تجهزت وخرجت إليه.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨)) [٢٨].

والآية متصلة بالسياق وجزء منه كذلك. وقد هدفت هي الأخرى إلى تثبيت المسلمين وتطمينهم :

(١) في تقريرها كون الله تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.

(٢) وفي توكيدها بأنه ناصر لهذا الدين ومظهره على سائر الأديان. وبأن هذا هو كلام الله تعالى ووعده وكفى به شهيدا على تحقيقه.

وهذه هي المرة الثانية التي يرد فيها وعد الله بإظهار الدين الذي جاء به محمد

__________________

(١) ابن هشام ج ٣ ص ٤٢٤.

٦١٤

صلوات الله عليه على الدين كله. والمرة الأولى كانت في سورة الصف وفي سياق ذكر رسالات موسى وعيسى عليهما‌السلام واليهود والنصارى وهذه المرة جاءت في مناسبة الكلام عن المشركين. وهكذا يكون النص القرآني قد ورد في سياق الكلام عن المشركين والكتابيين معا. ولقد علقنا على النصّ بما فيه الكفاية في المرة الأولى المذكورة فلا نرى ضرورة للإعادة.

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)) [٢٩].

(١) سيماهم : علامتهم.

(٢) شطأه : أوائل نبته.

(٣) استغلظ : صارت قصبته غليظة بعد الرقة والرخاوة.

(٤) استوى : ارتفع ونهض.

(٥) سوقه : جمع ساق. وهي هنا قصبة النبات وساقه.

تعليق على الآية

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ...)

وما فيها من صور رائعة للمسلمين الأولين وما ورد فيهم من أحاديث

المتبادر أن هذه الآية أيضا متصلة بالسياق وجزء منه. وقد احتوت بيانا تفسيريا لكلمة (رَسُولَهُ) التي جاءت في الآية السابقة لها مباشرة ثم استطرادا تنويهيا محبّبا لذكر أصحابه ومؤيديه : فمحمّد هو رسول الله حقا الذي أرسله

٦١٥

بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه. وصفة أصحابه ومؤيديه هي أنهم أشداء عنفاء على الكفار بينما هم رحماء ليّنون مع بعضهم. لا يهملون عبادة الله ، حيث تراهم ركّعا سجّدا. يبتغون بذلك فضل الله ورضوانه. وآثار السجود في وجوههم بادية. وهذه هي صفة المؤمنين الصالحين التي ذكرت في التوراة والإنجيل. وأنهم لكالزرع الذي نبت لينا ثم قوي فغلظت سوقه فأثمر أحسن الثمر وأكثره مما يعجب الزراع ويرضيهم. وإن الله قد يسّرهم إلى ما يسّر وحلّاهم بما حلاهم به ليغيظ بهم الكفار أيضا. وإن الله قد وعد الذين آمنوا فحسن إيمانهم ووثقوا به فحسن وثوقهم وعملوا الصالحات بمغفرته وعظيم أجره.

ولقد جاءت الآية خاتمة قوية للسورة التي يتضح من الإمعان فيها ترابط آياتها. وكون هدفها الرئيسي هو تثبيت المسلمين وتسكينهم إزاء ما كان من ظروف ونتائج سفرة الحديبية على النحو الذي شرحناه في سياق الآيات.

وفي الآية صورة رائعة لما كان عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ورع وتقوى وعبادة وأخلاق كريمة سمحاء فيما بينهم ، مع الشدّة والقوة والبسالة بالنسبة لأعدائهم. ومثل هذه الصورة تكررت في سور عديدة مكية ومدنية ممّا نبهنا عليه في مناسباته ومما فيه دلالة على ما كان من أثر دعوة الله وقرآنه ونبيه في هذه الفئة التي صارت بذلك مثالا نموذجيا خالدا.

ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة وعكرمة تأويلات أخرى لجملة (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) من ذلك أن الكلام يتم عند جملة (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) فتكون الصفات السابقة لها هي مثلهم وصفاتهم في التوراة وتكون جملة (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ ...) إلى آخر الجملة مستأنفة فتكون الصفات المذكورة فيها هي صفاتهم في الإنجيل. ورووا بسبيل ذلك عن ابن عباس قوله «إن نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن تخلق السموات والأرض» وعن قتادة قوله «إنه مكتوب في الإنجيل : يخرج قوم ينبتون نبات الزرع فيكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون يأمرون

٦١٦

بالمعروف وينهون عن المنكر». ومما رواه المفسرون عن أهل التأويل أيضا أن الصفات جميعها في صفاتهم المذكورة في التوراة والإنجيل. وما رووه أيضا أن جملة (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ...) إلى آخر الجملة هي مستأنفة أو تمثيل ثان لهم. وأن الزرع فيها يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشطأه هو أبو بكر وآزره هو عمر واستغلظ هو عثمان واستوى على سوقه هو علي رضي الله عنهم. ويتبادر لنا أن في هذه الأقوال تكلفا. ونرجو أن يكون شرحنا الآنف هو الوجه الصواب إن شاء الله أي إن ما ذكر من صفاتهم قبل ذكر كلمتي التوراة والإنجيل هي مثلهم فيهما. وجملة (كَزَرْعٍ) مستأنفة كصفات أخرى لهم. والله أعلم.

هذا ، وروح الآية يلهم أن جملة (وَالَّذِينَ مَعَهُ) قد تعني بنوع خاص تلك الفئة المخلصة الراسخة في إيمانها ووثوقها بالله ورسوله والمؤيدة لرسول الله ودينه قلبا وقالبا. وهذا هو قول جمهور المفسرين الذين أوردوا في سياق الآية أحاديث نبوية عديدة فيها دلالة على ذلك وردت في الصحاح وأوردناها في سياق الآية [٢٢] من سورة الفتح. ومن شواهد الدلالة على أن المقصود هم الفئة المخلصة الراسخة المؤيدة لرسول الله من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وأن الخطاب في الأحاديث موجّه إلى فريق آخر من المسلمين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولقد قال ابن كثير إن الإمام مالك رحمة الله عليه انتزع في رواية عنه من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم لأنهم يغيظونهم وإن طائفة من العلماء رضي الله عنهم وافقه على ذلك. وقد علّق المفسر القاسمي على هذا بقوله إن هذا خلاف ما اتفق عليه المحققون من أهل السنة والجماعة من أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة. وننبه على أن هذا في صدد البغض. غير أن هناك طوائف من الشيعة يكفرون الجمهور الأعظم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزعم أنهم خالفوا أمر رسول الله وعصوه. وقد أوردنا آنفا رواية يعزونها إلى الإمام الصادق تنعت هذا الجمهور بالمنافقين والكافرين والعياذ بالله. تنزهوا عن ذلك وهم الذين سجل الله رضاءه عنهم في القرآن. ومن يفعل ذلك فقد حقّ عليه النعت.

٦١٧

فهرس محتويات الجزء الثامن

تفسير سورة النساء............................................................... ٧

تعليق على الآية الأولى من السورة.................................................. ٩

تعليق على الآية (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ...)..................................... ١١

تعليق على الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ...).......................... ١٣

تعليق على جملة (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ...)..................................... ٢٠

تعليق على الآية (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ..)................................. ٢٢

تعليق على الآية (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا ...)................................... ٢٥

تعليق على الآية (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ...).......................... ٢٩

تعليق على الآية (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ...).................................. ٣٣

استطراد إلى الوقف............................................................. ٤٦

تعليق على الآية (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ...).................................... ٤٩

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ ...)........................... ٥٦

مسألة المغالاة في المهور.......................................................... ٥٨

تعليق على الآية (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ...)...................... ٦١

تعليق على الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ...)........................... ٦٦

تعليق وتمحيص في صدد نكاح المتعة.............................................. ٧٩

تعليق على الآية (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ...)................................ ٨٧

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ ...)....................... ٩٤

تعليق على الآية (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ...)..................... ١٠٠

تعليق على الآية (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ...).............................. ١٠٣

تعليق على الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا ...).......................... ١١٢

حكمة تفصيل القرآن لشؤون الأسرة............................................. ١١٤

تعليق على الآية (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ...).......................... ١١٦

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ...)...................... ١٢٣

تعليق على الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً ...)............................ ١٣٧

٦١٨

تعليق على الآية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ ...)......................... ١٤٦

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا ...).................... ١٥٠

تعليق على الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ...)..................... ١٥٩

تعليق على الآية (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...).................... ١٦٣

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ...)......................... ١٦٧

تعليق على الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ...)................... ١٧١

تعليق على جملة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ ...).................... ١٧٤

تعليق على الآية (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ ...)............................ ١٧٨

تعليق على الآية (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ...)..................... ١٨٠

تعليق على الآية (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ ...)............................ ١٨٤

تعليق على الآية (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ ...).......................... ١٨٧

تعليق على الآية (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ...)..................... ١٨٩

تعليق على الآية (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ...)............................. ١٩٤

تعليق على الآية (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ ...)......................... ١٩٧

تعليق على الآية (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ ...)...................... ٢٠١

تعليق على الآية (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ...)............................ ٢٠٢

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ...)............................ ٢٠٩

تعليق على الآية (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...)......................... ٢١٢

تعليق على الآية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ...)............................... ٢١٥

تعليق على الآية (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ...)................ ٢٢٢

تعليق على الآية (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ...)............................ ٢٢٩

تعليق على الآية (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ...)............................. ٢٣٥

تعليق على الآية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ...).............................. ٢٤١

تعليق على الآية (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ...)..................... ٢٤٧

تعليق على الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ ...).................................. ٢٥١

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ...).................. ٢٥٨

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...)..................... ٢٦٠

تعليق على الآية (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ...)..................... ٢٦٦

تعليق على الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ ...)............................ ٢٧٠

٦١٩

تعليق على الآية (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ ...)..................... ٢٧٢

تعليق على الآية (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ...)....................... ٢٨٤

تعليق على الآية (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ...)....................... ٢٨٩

تعليق على الآية (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ...)..................... ٢٩٤

تفسير سورة محمد............................................................. ٢٩٨

تعليق على الآية (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...).................................. ٣٠٢

تعليق على الآية (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ ...)........................ ٣١٥

تعليق على الآية (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ...)..................... ٣١٩

تعليق على الآية (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...)........................ ٣٢٣

تعليق على الآية (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ...)............................. ٣٢٧

تعليق على الآية (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ...)............................. ٣٢٩

تفسير سورة الطلاق ٣٣٣ تعليق على الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...)... ٣٣٤

تعليق على الآية (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ ...)................... ٣٣٨

تعليق على الآية (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ...)................... ٣٤١

تعليق على الآية (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ...)............................ ٣٤٥

تفسير سورة البينة............................................................. ٣٤٧

تعليق على روايات الشيعة في صدد (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...)........................ ٣٥١

تفسير سورة النور............................................................. ٣٥٢

تعليق على حدّ الزنا والرجم..................................................... ٣٥٣

جريمة اللواط وإتيان النساء من أدبارهن........................................... ٣٦١

حالة الإكراه والغصب......................................................... ٣٦٢

تعليق على الآية (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ...)................................ ٣٦٦

تعليق على الآية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ...)..................... ٣٦٩

تعليق على الآية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ...).................................. ٣٧٥

تعليق على الآية (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ ...)............................ ٣٨٠

تعليق على الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً ...)....................... ٣٩٣

تعليق على الآية (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ...)......................... ٤٠١

تعليق على الآية (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ...)..................... ٤٠٣

٦٢٠