التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

فرجا ومخرجا (١). إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم. ومما اتفق عليه أن تخيّر قبيلتا خزاعة وبني بكر اللتان كانتا نازلتين حول مكة وبينهما عداء في الانضمام إلى أي طرف من الطرفين فتكونا داخلتين في عقد الصلح فانضمت خزاعة إلى طرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانضمت بنو بكر إلى طرف قريش. وروي كذلك أن النبي حينما أخذ يملي العقد على علي بن أبي طالب هكذا (هذا ما تم عليه الاتفاق بين محمد رسول الله) اعترض سهيل وأبى أن يذكر محمد إلّا باسمه واسم أبيه فقط فوافق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذلك ومحا ما كان أملاه. ومما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في الشرط الذي شرطته قريش ردّ من يأتي إليهم من المدينة من ذهب منا مرتدا فلا رده الله ولسنا بحاجة إليه.

ومما روي من الشروط التي قبل بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ثقلت على فريق من المؤمنين من جملتهم عمر بن الخطاب وأذهلتهم وكادت تزيغهم. ولا سيما أنه أعلن أنه رأى في منامه أنه يزور الكعبة مع المسلمين وكانوا يعرفون أن رؤياه حقّ. وقد راجعوه وحاوروه. ومنهم من تباطأ في تنفيذ أمره في نحر الهدي وحلق الشعر والتحلل من الإحرام. ولكنه آذنهم أنه إنما يسير بإلهام الله. وثبت نفوسهم حتى عاودتهم الطمأنينة. ولم تلبث السورة أن نزلت مثبتة مطمئنة مبشرة ومؤيدة لما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبرم. وقد ورد هذا أيضا في أحاديث صحيحة أوردناها في مقدمة السورة.

__________________

(١) من طريف ما رواه ابن هشام في سياق قصة الحديبية أن مسلما آخر اسمه أبو بصير كان محبوسا مضيقا عليه في مكة مثل أبي جندل. واستطاع أن يفلت ويلتحق بالنبي في المدينة بعد قليل من عودته من الحديبية وأرسلت قريش تطالب النبي برده حسب العهد فقال له رسول الله ما قاله لأبي جندل وسلمه للرسول الذي جاء من قريش. واستطاع في الطريق أن يغتال هذا الرسول وينجو ويعود ثانية إلى المدينة وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما علم بما فعل قال (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد) على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤوه لئلا يعتبر ذلك نقضا منه فخرج إلى جهة مكة وأخذ يجتمع إليه أمثاله حتى بلغوا سبعين وصاروا يضيقون على قريش. لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه. ولا تمر بهم عير إلا اقتطعوها حتى كتبت قريش للنبي تقول له : لا حاجة لنا بهم وتسأله بأرحامها إلا أن آواهم وزواهم عنهم.

٥٨١

والروايات متسقة إجمالا مع ما احتوته آيات سورة الفتح من إشارات لم تستهدف القصة والإخبار وإنما استهدفت العظة والإرشاد والتثبيت والتطمين جريا على الأسلوب القرآني. كما أن الأحداث التي وقعت بعد صلح الحديبية حققت صدق إلهام النبي صلوات الله عليه فيما فعل وقال ، وأظهرت عظم الفوائد المادية والسياسية والحربية والدينية التي عادت على المسلمين والإسلام من هذا الصلح حتى ليصحّ أن يعدّ من الأحداث العظمى الحاسمة في تاريخ الإسلام وقوته وتوطده أو بالأحرى من أعظمها ، وتحققت بذلك معجزة القرآن في وصفه بالفتح المبين. فبالإضافة إلى ما كان من اعتراف قريش بشخصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرئيس الدولة الإسلامية واعتبارهم إياه ندّا وتراجعهم عن عدائهم الشديد له وكانوا قبل سنة زحفوا مع أحزابهم في عشرة آلاف مقاتل على المدينة لاستئصال شأفته وشأفة الإسلام والمسلمين. وما كان في ذلك من فرض شخصية النبي ودينه والمسلمين وتوطيد كيانهم واسمهم وهيبتهم عليهم. فإن ذلك كله كان أيضا بالنسبة لسائر العرب الذين كانوا يعتبرون مكة إماما وقدوة. كما أنه أتاح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرصة توسيع نطاق دعوته وإيصالها إلى مناطق وبيئات عديدة في أطراف الجزيرة وما وراءها والاستمتاع بحرية الحركة والسفر والاتصال بالقبائل وتصفية القرى اليهودية التي كان أهلها يناصبون المسلمين العداء في طريق الشام. وكانت حالة العداء والحرب بينه وبين أهل مكة وما والاها حائلة دون ذلك كله. ثم كان ممهدا للفتح الأكبر أي فتح مكة الذي انهدم به السور الذي كانت تضربه مكة بين الدعوة وسائر أنحاء الجزيرة العربية. وقد كان بعض هذه النتائج فورية. حيث زحف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قرى اليهود واكتسحها (١) عقب عودته من الحديبية وأرسل رسله ورسائله كذلك إلى ملوك فارس والروم ومصر وملوك العرب وأمرائهم وزعمائهم في أنحاء الجزيرة وخارجها فور عودته كذلك (٢). ولم يلبث أن جاء الردّ الإيجابي من ملوك عمان والبحرين

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٦ وابن هشام ج ٣ ص ٣٧٦ ـ ٤٠٠ وابن سعد ج ٣ ص ١٥٢.

(٢) ابن سعد ج ٢ ص ٢٣ ـ ٢٧ وابن هشام ج ٤ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٠.

٥٨٢

وزعماء اليمن وبعض أمراء الغساسنة وعمالهم. حيث بعثوا يعلمون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسلامهم وإذعانهم (١). وأخذت وفود العرب ورجالاتهم يفدون إلى المدينة من مختلف الأنحاء ليدخلوا في دين الله (٢) ، ومن جملة من فعل ذلك رجلان من مشاهير رجال قريش وهما عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما (٣).

ولقد روى الشيخان عن جابر قال «قال لنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض. وكنّا ألفا وأربعمائة. ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة» (٤) وقد يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد بهذا تبشير أصحابه وتطمينهم. وقد يلمح فيه أيضا قصد التساوق مع التلقين القرآني بالتنويه بالفتح المبين الذي تمّ في هذا اليوم للنبي والمؤمنين والله تعالى أعلم.

هذا ، ولقد تعددت الأقوال في تخريج وتأويل جملة (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) من ناحية النحو ومن ناحية المتناول (٥). فمما قيل من الناحية الأولى أنها بمعنى كي يجتمع لك مع الفتح المغفرة وتمام النعمة بالهداية والنصر. كما قيل إنها بمعنى أن الفتح كان سببا للمغفرة وتمام النعمة لأنه جهاد للعدو وفيه الثواب والمغفرة والرضاء الرباني وكلا القولين وارد ووجيه. وصيغة الآية تحتمل القولين.

ومما قيل من الناحية الثانية إنها بمعنى ما فرط منك قبل وما يمكن أن يفرط منك بعد من هفوات صغيرة. أو أنها بمعنى ما كان منك أو ما يمكن أن يكون من سهو وغفلة واجتهاد يكون غير الأولى في علم الله. أو إنها على طريق التوكيد كما يقال أعط من تراه ومن لم تره فيكون معناها ما وقع منك وما لم يقع هو مغفور لك.

__________________

(١) ابن هشام ج ٤ ص ٢٧٩ وابن سعد ج ٢ ص ٢٧ ـ ٥٦.

(٢) ابن سعد ج ٢ ص ٧١ ـ ١١٢ ـ ٢٢١.

(٣) ابن هشام ج ٣ ص ٣١٩.

(٤) التاج ج ٤ ص ٣٨٢ والشجرة هي التي بايع المسلمون النبي تحتها يوم الحديبية. وقد أشير إلى ذلك في آية من آيات السورة.

(٥) انظر كتب التفسير السابقة الذكر.

٥٨٣

ومما قيل وهو غريب : إن الذنب المقصود هو ذنب آبائه من لدن آدم وذنوب أمته. ومما رواه المفسر الطبرسي الشيعي عن جعفر الصادق وأبي عبد الله من الأئمة وهو أغرب ، قولهم «والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي ما تقدم منها وما تأخر»!

وما عدا القولين الأخيرين الغريبين فإن كلا من الأقوال الأخرى لا يخلو من وجاهة وإن كان الأوجه فيما نرى هو (ما كان وما يمكن أن يكون من سهو وغفلة واجتهاد يكون غير الأولى في علم الله). فلفظ الذنب في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجب في الحقيقة أن يصرف إلى ما كان يقع وما يمكن أن يقع منه من مثل ذلك مما لم يكن فيه وحي ومن غير قصد الإثم. وروح الفقرة وإطلاقها حتى تتناول السابق واللاحق تلهم هذا المعنى. ولقد وردت في القرآن آيات فيها إشارات إلى وقوع مثل ذلك وعتاب عليه وأمر للنبي بالاستغفار فيه على ما جاء في آيات سورة عبس [١ ـ ١٠] والنساء [١٠٦ ـ ١٠٩] والأنفال [٦٧ ـ ٦٩] والتوبة [٤٣ و ١١٣] ومحمد [١٩] وغافر [٥٤] على سبيل العظة والتعليم والتنبيه ولما يقتضيه مقام النبوة وجلالها. وفي الإيذان هنا بغفرانها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سواء ما كان منها قبل وما يمكن أن يكون منها بعد ينطوي تدعيم لذلك حيث علم الله تعالى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يمكنه كبشر أن يتفادى مثل هذه الاجتهادات أو لا يقع منه غفلة وسهو. أما الإثم المقصود فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصوم عنه قطعا بما كان من نعمة الله عليه بالاصطفاء والارتفاع إلى مقام النبوّة وما كان عليه من عظمة الخلق التي نوّه بها القرآن بأساليب متنوعة وفي مواضع عديدة.

على أنه مما يتبادر لنا أن الجملة وسائر الآية الثانية والآية الثالثة معا قد جاءت بسبيل توكيد خطورة ما تمّ. وبعد مداه وفوائده. وبسبيل البشرى والتطمين والتثبيت والتأييد الرباني للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الموقف الذي وقفه من بدئه إلى نهايته. والله أعلم.

٥٨٤

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)) [٤ ـ ٧].

(١) السكينة : الطمأنينة والهدوء النفساني.

تعليق على الآية

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)

والآيات الثلاث التي بعدها وما فيها من صور وتلقين

روى الترمذي عن أنس قال «لما نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) مرجعه من الحديبية قال : لقد نزلت عليّ آية أحبّ إليّ مما على الأرض ثم قرأها عليهم فقالوا هنيئا مريئا يا نبيّ الله قد بيّن الله لك ماذا يفعل لك فماذا يفعل بنا. فنزلت عليه (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها)» (١).

والحديث يقتضي أن تكون الآية منفصلة عن سابقاتها ولا حقاتها مع أن الأحاديث التي أوردناها في مقدمة السورة تذكر أن آيات السورة نزلت دفعة واحدة. وهذا بالإضافة إلى أن الآية منسجمة مع ما قبلها ومع ما بعدها انسجاما تاما ومعطوفة عليها. ولذلك نرجح أن الآيات الأربع استمرار للآيات السابقة. وأنها قد استهدفت ما استهدفته الآيات الثلاث الأولى من التثبيت والتطمين. فقد نوهت

__________________

(١) التاج ج ٤ فصل التفسير ص ٢١١.

٥٨٥

الآيات السابقة بما يسّر الله لنبيه من الفتح وبشّرته بما بشّرته فجاءت هذه الآيات تلتفت في الخطاب إلى المؤمنين فتذكّرهم (أولا) بما كان من بثّ الله الطمأنينة في قلوبهم بعد الجزع ليقوى إيمانهم وثقتهم به. وتطمئنهم (ثانيا) بأن ما كان من رحلتهم وما نالهم من مشقة قد جعله الله بالإضافة إلى ما يسّره به من فتح وسيلة للتجاوز عن سيئاتهم ورضائه عنهم ومن مبررات ما سوف يدخلهم فيه من الجنات الأخروية مخلدين فيها ، وفي ذلك ما فيه من الفوز العظيم. وتنبههم (ثالثا) إلى أن الله عزوجل الذي له جنود السموات والأرض وقواها قادر على تحقيق ما وعدهم به. وقد كان وما يزال العليم بكل شيء الحكيم الذي لا يأمر ولا يقضي إلّا بما فيه الحكمة والصواب. ولتستطرد (رابعا) إلى ذكر المنافقين والمشركين من رجال ونساء الذين يظنون بالله ظنّ السوء حيث يظنون أنه خاذل لأوليائه. وترد عليهم سوء ظنهم من كون دائرة السوء سوف تدور عليهم. وغضب الله ولعنته سوف يحلان عليهم. ومصيرهم الأخروي هو جهنّم وبئست هي من مصير أعدّ لهم ولأمثالهم. وكون الله الذي له جنود السموات والأرض وقواها قادرا على تحقيق ما أوعدهم به من الخزي واللعنة والهوان والعذاب. فهو كان وما يزال العزيز الحكيم القادر على ذلك والذي يفعل ما فيه الحق والحكمة والصواب.

وعلى ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون صوابا فإننا نتوقف في كون الآية [٥] نزلت جوابا على سؤال المؤمنين. ونميل إلى القول إن المؤمنين قالوا للنبي ألك في موقف آخر فتلا عليهم النبي الآية لتبشيرهم وتطمينهم فالتبس الأمر على الرواة والله تعالى أعلم.

وقد لمحنا حكمة تكرار جملة (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في كون ذلك قد جاء ليتلاءم مع وعد الله تعالى للمؤمنين ووعيده للكفار والمشركين. ونرجو أن يكون شرحنا لذلك صوابا إن شاء الله.

ولعلّ في الآية الأولى ما يلهم صحة ما روي من القلق والبلبلة التي اعترت

٥٨٦

المسلمين وبخاصة بسبب شروط الصلح ثم سكون نفوسهم بما كان من تطمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتثبيته وموقفه الحازم الملهم من الله.

ولعل في الآية الثالثة صورة لما كان يدور في خلد من تخلّف في المدينة من المنافقين وفي خلد المشركين من غلبة الظن بهلاك المسلمين وتعرضهم لضربة شديدة وارتدادهم مخذولين من رحلتهم. بل كان هذا مما دار في خلد بعض القبائل التي كانت أسلمت أيضا على ما سيأتي بيان صريح عنه.

ولقد عزا المفسرون إلى ابن عباس أن جملة (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) هي بمعنى (ليزدادوا إيمانا وتصديقا بشرائع الله بعد إيمانهم بالله وتوحيده) (١). وقال ابن كثير إن البخاري وغيره من الأئمة استدلوا بهذه الآية على تفاضل الإيمان في القلوب. ومع ما في قول ابن عباس من سداد بوجه عام فإن ما أوردناه قبل من شرح للآية هو المتبادر أكثر والله أعلم. ولسنا نرى في الآية دلالة على تفاضل الإيمان لذاته.

والجملة لم تأت هنا لأول مرة. بل جاءت في سورة المدثر المكية ثم في سور آل عمران والأنفال والأحزاب. وقد علقنا عليها في سورة المدثر بما فيه الكفاية.

ويلفت النظر إلى اختصاص المؤمنات والمشركات والمنافقات بالذكر إلى جانب المؤمنين والمشركين والمنافقين وقد سبق هذا في سورة الأحزاب أيضا حيث ينطوي في ذلك توكيد بأن المرأة العربية في الدعوة الإسلامية وظروفها ومختلف صورها كانت ذات شخصية مستقلة.

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)) [٨ ـ ٩].

(١) تعزروه : تنصروه وتعززوه.

__________________

(١) انظر البغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والطبرسي.

٥٨٧

تعليق على الآية

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨)) والآية التي تليها

قرئت ضمائر الأفعال في الآية الثانية بالتاء للمخاطب كما قرئت بالياء للغائب. وقال المفسرون : في الحالة الثانية تكون الآية موجهة إلى الناس. وروح الآية والسياق والمقام يلهم أنها موجهة إلى المسلمين بخاصة. وتكون قراءتها بالتاء هو الأوجه. وهو المشهور. أما ضمير المفعول في أفعال الآية فقيل إنه عائد للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل إنه عائد لله. ومع أن الضمير يعود للأقرب وهو الرسول فإن فعل (وَتُسَبِّحُوهُ) يثير إشكالا في صرفه إلى الرسول وقد قال الذين صرفوا الضمائر إلى الرسول إن الكلام ينتهي عند (وَتُوَقِّرُوهُ) ثم يبدأ من جديد في فقرة (وَتُسَبِّحُوهُ) وتكون مصروفة إلى الله (١). وفي هذا تكلف فيما نراه. والوجه الذي يتبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله هو أن الضمائر راجعة إلى الله ودينه. والآية الأولى قد تلهم هذا حيث تقرر أن الله إنما أرسل رسوله شاهدا ومبشرا ونذيرا.

والمتبادر أن الآيتين جاءتا على سبيل التعقيب على ما سبق فاحتوتا تقرير واجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وواجب المسلمين. وكلاهما كان موضوع خطاب في الآيات السابقة. وهذا ما يسوغ القول إنهما استمرار للسياق. وقد استهدفتا كما تلهم روحهما وبخاصة الآية الثانية منهما توكيد واجب المسلمين بنصرة دين الله ورسوله والخضوع لأوامرهما والوقوف عنده وتوكيد كون الله إنما أرسل رسوله شاهدا عليهم ومبشرا ونذيرا لهم وأن ما فعله قد فعله بإلهام الله تعالى ووحيه.

ولقد وردت جملة مماثلة للجملة الأولى في سورة الأحزاب. وقد جاءت بعد مسألة زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمطلقة ابنه بالتبنّي التي ذكرنا احتمال وقوع تشويش واستغراب في صددها فأريد بالآية التنبيه إلى عظم قدر النبي وكونه المبشر المنذر من الله ووجوب التسليم بما ينقله بإلهام الله ومقتضى حكمته. وجاءت هنا في مناسبة ما ثار في نفوس المؤمنين من مضض من شروط الحديبية فاقتضت الحكمة

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي والزمخشري والطبرسي.

٥٨٨

تكرارها للمقصد ذاته بسبب تكرر الموقف وإن اختلف الأشخاص والأحداث فيه ، والله تعالى أعلم.

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠)) [١٠].

تعليق على الآية

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)

وما ينطوي فيها من صور وتلقين

المستفاد من شرح المفسرين (١) أن هذه الآية تعني المبايعة التي بايع بها المسلمون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الشجرة في الحديبية : ومع أن في السورة آية أخرى فيها إيذان برضاء الله عن الذين بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الشجرة فلا يمنع أن تكون هذه الآية أيضا في الصدد نفسه لمعنى آخر غير المعنى الذي عبرت عنه الآية المذكورة.

وعلى كل حال فالمتبادر أن الآية متصلة بالسياق السابق وبالآيتين السابقتين مباشرة لها بخاصة. وعلى سبيل توكيد واجب المسلمين المذكور في الثانية منهما. وكأنما جاءت معقبة على ذلك لتؤذن المسلمين أولا أنهم وإن كانوا بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنما هم في الحقيقة قد بايعوا الله الذي كانت يده فوق أيديهم. ولتنبههم ثانيا إلى خطورة العهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله في البيعة على نصر دين الله وما يستلزمه هذا من الثقة والرضاء بكل ما يلهمه ويوحي به إلى رسوله والوقوف عنده. ولتنذرهم ولتبشرهم ثالثا بأن من نكث عن بيعته وفعل ما ينقضها فإنما يكون بذلك قد أضرّ نفسه وبأن من أوفى بما عاهد الله عليه يحظى بعظيم الأجر من الله.

وقد تلهم الآية خطورة ما كان عليه الموقف في الحديبية وما كان من شدة وقع شروط الصلح على المسلمين حيث اقتضت حكمة التنزيل هذا الإيذان والتنبيه

__________________

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.

٥٨٩

والإنذار والتبشير الذي احتوته الآية لتسكين نفوسهم من جهة وليكون خطة لهم في المستقبل من جهة أخرى.

ومما روي عن دواعي هذه البيعة أنه لما شاع أن قريشا قتلت أو حبست عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم قال النبي «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا من خرج معه إلى بيعته على الموت في رواية وعلى عدم الفرار في رواية أخرى ، واستظل في ظل شجرة من السمر فأقبلوا عليه يبايعونه ولم يتلكأ أو يتخلّف أحد إلّا شخص واحد روي أنه كان ينشد ناقة له قد ضلّت (١). ومما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال اللهمّ إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت إحداهما عن عثمان.

ولقد كان الموقف خطيرا ورائعا معا. فالذين خرجوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يخرجوا إلى قتال ولم يكونوا في عدّة وعدّة أعدائهم الأشداء والذين تكررت بينهم وقائع الحرب واشتدت بسببها الأحقاد والأضغان. ثم هم بعيدون عن عاصمتهم بينما عدوهم في عاصمته وفي متناوله ما قد يساعده على النصر. ولقد كانوا بين أمرين : إما الثبات والاستماتة حتى يحكم الله. وإما النكوص على الأعقاب من وجه عدوّهم بسبب إصراره وصدّه ، فاختاروا الأول وسارعوا إلى مبايعة النبي فأثبتوا بذلك رسوخ إيمانهم وثقتهم بالله ورسوله وابتغاءهم وجه الله ورضاءه ، ورضاءهم بكل تضحية في سبيل ذلك فاستحقوا الثناء المحبب والبشرى العظيمة التي احتوتها الآية [١٨] من هذه السورة (* لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).

ومما لا ريب فيه أن هذا الموقف جدير أن يعدّ من المواقف الحاسمة الموفقة في تاريخ الدعوة الإسلامية إذ كان من المحتمل جدا أن يكون لرجوعهم ونكوصهم من أمام أعدائهم الأشداء آثار خطيرة في هذا التاريخ. ولا نشك في أن

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير الذي أورد أحاديث عديدة في صدد البيعة ، منها ما ذكر أنها كانت على الموت ومنها ما ذكر أنها كانت على عدم الفرار.

٥٩٠

أخبار البيعة ومشهدها الرائع وما عبرت عنه من إعلان العزم على مواجهة الموت بقلوب مؤمنة ونفوس مطمئنة وجأش رابط قد وصلت إلى قريش وكانت عاملا من عوامل ما انبثق فيهم من رغبة اجتناب الحرب والقتال مع هذه الفئة التي بايعت نبيّها وربّها على الموت وعدم الفرار والتي ظهر من إخلاصها لدينها وتأييدها لنبيها ما ظهر.

ولقد كان تعبير (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) موضوع أقوال تتصل بعلم الكلام وصفات الله من حيث نسبة الجوارح إلى الله تعالى (١). ولسنا نرى التعبير والسياق يتحملان ذلك فقد قصد به كما هو المتبادر شدة التوكيد على خطورة العهد والبيعة وكون الله تعالى شاهدا عليهما استهدافا لقوة التلقين الذي أريد بثّه في نفوس المسلمين.

ولقد روى البغوي عن ابن عباس في تأويل الجملة (يد الله بالوفاء لما وعدهم من الخير فوق أيديهم). وروي عن الكلبي (نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة). وقال الطبري في تأويلها (يد الله فوق أيديهم عند البيعة لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم أو قوة الله فوق قوتهم في نصرة الله ورسوله). وفي هذه التأويلات أيضا سداد وتفيد أن الجملة حملت على المجاز.

ولقد حاول بعض الصوفيين أن يروا في الجملة وأمثالها تأييدا لمذهبهم في وحدة الوجود والاتحاد بالله والشطح والمفارقة ظاهران في هذا القول.

ولقد نبهنا في مناسبات سابقة على ما ينطوي في تعبيرات : يد الله ووجه الله وسمع الله وبصر الله ، من مقاصد خطابية وعلى ما ينبغي أن يفهم من ذلك على ضوء التقريرات القرآنية وسنة السلف الصالح (٢). فلا نرى ضرورة إلى الإعادة والتكرار.

ولا تخلو الآية من تلقين مستمر المدى فيما يكون قد وجب على المسلمين باعتناقهم الدين الإسلامي وبإيمانهم بالله ورسوله وقرآنه. فإنهم بذلك بمثابة من بايع الله ورسوله على السمع والطاعة والقيام بما أوجبه عليهم القرآن وسنة النبي من واجبات إيجابية وسلبية متنوعة وعدم إهمالها والتقصير فيها أو نقضها ومخالفتها.

__________________

(١) انظر الزمخشري وذيل ابن المنير على تفسير الزمخشري والخازن.

(٢) انظر آخر تفسير سورة القصص.

٥٩١

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)). [١١ ـ ١٤]

(١) المخلّفون : المتخلفون.

(٢) بورا : من البوار وهو الهلاك أو من الفساد أي كنتم هلكى بذنوبكم أو فاسدين بأخلاقكم.

تعليق على الآية

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا)

والآيات الثلاث التي بعدها وما فيها من صور وتلقين

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت :

(١) حكاية لما سوف يقوله الأعراب المتخلفون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الاعتذار بأهلهم وأموالهم التي شغلتهم وجعلتهم يتخلفون. وطلبهم منه أن يستغفر لهم.

(٢) وتكذيبا لهم بتقرير أنهم يقولون غير الحقيقة التي يعلمونها في قلوبهم مع التنديد بهم وإيذانهم بأن الله خبير بأعمالهم إن أظهروها أو أخفوها وبأنه هو وحده القادر على نفعهم وضرّهم دون أن يكون لأحد قدرة على منعه من ذلك.

(٣) وفضحا لحقيقة أمرهم وبيان الباعث الصحيح على تخلفهم وهو ظنهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين الذين خرجوا معه لن ينجوا من سيوف أعدائهم ولن يعودوا إلى أهلهم ؛ وهو ظنّ السوء الذي زيّن في قلوبهم فاستوجبوا لأنفسهم الهلاك وكانوا به من الفاسدين.

٥٩٢

(٤) وتنديدا وإنذارا لهم : فإن من لم يؤمن بالله ورسوله ويثق بهما ويكون طائعا سميعا لكل ما يأمرانه به يستحق ما أعده الله للكافرين من النار.

(٥) وتأميلا لهم مع ذلك ليرعووا ويثوبوا إلى رشدهم ، فإن الله هو مالك السموات والأرض وهو متصف بالغفران والرحمة يغفر لمن اقتضت حكمته المغفرة له ويعذب من اقتضت حكمته عذابه.

وقد روى المفسرون أن الآيات نزلت في صدد أعراب بني غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم ، الذين كانوا نازلين حول المدينة واستنفرهم النبي ليخرحوا معه إلى زيارة الكعبة حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فتثاقلوا وتخلفوا عن النفرة معه (١).

والرواية محتملة جدّا. وتكون الآيات على ضوئها متصلة بسياق آيات السورة وموضوعها الرئيسي ومحتوية على صورة من صور أحداث سفرة الحديبية من جهة وصورة من صور الأعراب ومواقفهم من جهة ، وصورة لما كان يظنه الأعراب من مصير السفرة وهلاك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين خرجوا معه من جهة. وكان يشارك الأعراب في الصورة الأخيرة المشركون والمنافقون أيضا على ما استلهمناه قبل من الآية [٦].

وسين المستقبل في حكاية أقوال المتخلفين دليل على أن الآيات قد نزلت قبل مواجهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم وقرينة على صحة رواية نزولها في طريق عودة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية إلى المدينة.

وقد يفيد هذا أن الآيات قد استهدفت ما استهدفته الآيات السابقة من تثبيت وتطمين المسلمين وإيذان الذين ثقل عليهم شروط الصلح بخاصة بما كان يقدره لهم الناس من الهلاك في السفرة على سبيل إبراز ما كان من توفيق الله فيها من فرض شخصيتهم ومدافعة أعدائهم لهم بالهدنة وعودتهم سالمين معافين.

وليس في الرواية ما يفيد أن الأعراب المتخلفين كانوا مسلمين أو غير

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والطبرسي والخازن.

٥٩٣

مسلمين بل قد تفيد أنهم غير مسلمين لأنها تذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد أن ينفروا معه حتى تعلم قريش أنه جاء زائرا بدليل اشتراك غير مسلمين معه في الزيارة (١). غير أن حكاية طلب استغفار الأعراب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الآية دليل على كونهم مسلمين. فضلا عن ما في التأميل في غفران الله ورحمته من قرينة. وفي آية قريبة أخرى دليل آخر أيضا على ما سوف يأتي شرحه. وفي روايات السيرة ما يفيد أن جماعات من مزينة وأشجع وفدوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسلموا في السنة الهجرية الخامسة ، وأن جماعات من مزينة وأشجع وأسلم وغفار كانوا في عداد الجيش الذي زحف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به على مكة في السنة الهجرية الثامنة (٢). حيث يفيد هذا أن منهم من كان مسلما قبل سفرة الحديبية بمدة ما. وكل ما يمكن أن يكون محتملا والحالة هذه أن إسلامهم لم يكن قد رسخ بعد وهو ما عبرت عنه آيات سورة الحجرات (١٤ ـ ١٧) وما تفيده من اتساع حلم الله ورسوله لهم على ما شرحناه في سياق تفسير هذه السورة.

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦)) [١٥ ـ ١٦].

تعليق على الآية

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها

ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ)

والآية التالية لها وما فيها من صور وتلقين

عبارة الآيتين اللغوية واضحة. وسين المستقبل فيهما قرينة على أن الأقوال

__________________

(١) وقد ذهب إلى هذا محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد.

(٢) انظر ابن سعد ج ٢ ص ٥٦ و ٧١ وج ٣ ص ١٨٢.

٥٩٤

التي حكيت في الأولى عن المتخلفين والتي أمر النبي بأن يقولها لهم في الثانية سابقة على المواجهة. ومن قبيل ما سوف يكون حين المواجهة. وتكون الآيتان والحالة هذه تتمة أو استمرارا للسياق السابق. وقد نزلتا معا في أثناء طريق عودة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين إلى المدينة من الحديبية.

وفي الآية الأولى صورة من صور الأعراب في مطامعهم وتناقضهم حيث يتخلفون حين الخطر عن اتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ويعتذرون بالأعذار الكاذبة ثم يطلبون منهم السماح لهم باتباعهم في الرحلات التي تكون الغنائم والسلامة فيها مضمونتين. فإذا منعوا من ذلك سخطوا واتهموا مانعيهم بالحسد. وفي هذا ما فيه من قلة الشعور وحسن الإدراك.

والمتبادر أن المتخلفين المذكورين في هذه الآيات هم نفس المتخلفين المذكورين في الآيات السابقة أو منهم. ولم يرو المفسرون روايات خاصة في صدد هذه الآيات حيث يؤيد هذا ما قلناه من وحدة السياق وظروف النزول ، والله أعلم.

وفي الآية الثانية إيذان رباني بعدم رضاء الله عن هذه الحالة. وإيجاب عدم السماح لهم إذا انطلق المسلمون إلى رحلة مضمونة النجاح والغنائم والسلامة كعقوبة لهم. ثم إتاحة فرصة اختبارية لهم حيث يؤذنون قبل ذلك بأنهم سيدعون إلى قتال قوم أشداء البأس من أعداء المسلمين. وحينئذ ينكشف أمرهم. فإن أطاعوا استحقوا أجر الله العظيم وإن تولوا كما تولوا من قبل وتخلفوا حقّ عليهم عذاب الله الأليم.

ولقد قيل (١) إن جملتي (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) و (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) تعطفان على آيات وردت في سورة التوبة في حق المتخلفين وهي (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ

__________________

(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري لقد أوردوا القولين وبعضهم فند الأول.

٥٩٥

فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)). وقيل (١) إن الله أمر نبيه بأن لا يسمح لهم بالذهاب معه إلى رحلة فيها مغانم وأن لا تكون مثل هذه الرحلة إلّا للذين شهدوا الحديبية. والقول الأول بعيد لأن آيات التوبة نزلت في ظروف غزوة تبوك في السنة الهجرية التاسعة على ما هو متفق عليه. وقد فنده غير واحد من المفسرين بناء على ذلك (٢). والقول الثاني هو الأوجه. ويكون ما جاء في الجملتين إما أنه نزل قرآنا في سورة الفتح أو غيرها في مناسبة ما ثم نسخ ورفع لحكمة ربانية وإما أنه إلهام رباني ووحي غير قرآني ، ثم أيده القرآن في الجملتين. وهذا مما تكرر على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.

ولقد قال المفسرون عزوا إلى بعض التابعين : إن المغانم المذكورة في الآية الأولى هي مغانم خيبر وإن الله قد وعد بها الذين شهدوا الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة إذ انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئا. وإن الله قد أمر نبيه أن لا يسير معه إلى خيبر غيرهم (٣).

والزحف على خيبر قد وقع بعد العودة من الحديبية بشهرين في رواية وبخمسة أشهر في رواية أخرى. ولم يذكر كتّاب السيرة القدماء أن شهودها اقتصروا على من شهد الحديبية (٤). حتى ولم يذكر ذلك المفسرون الذين رووا قصة وقعة خيبر (٥). هذا إلى ما هو ظاهر من أن أسلوب الآيتين اللتين نحن في

__________________

(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري لقد أوردوا القولين وبعضهم فند الأول.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) تفسير البغوي والطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والزمخشري.

(٤) انظر ابن سعد ج ٣ ص ١٥٣ ـ ١٦٣ وابن هشام ج ٣ ص ٣٧٨ ـ ٤٠٠.

(٥) انظر كتب التفسير السابقة الذكر.

٥٩٦

صددهما عام وفي صدد حكاية ما كانت عليه حالة الأعراب من رغبة الابتعاد حين الخطر ورغبة الإقبال حين تكون المغانم والسلامة مضمونة. ثم في صدد إتاحة فرصة لهم بإثبات صدق إيمانهم في موقف ليس فيه غنيمة وإنما فيه خطر على ما شرحناه قبل.

ولذلك فإنه يخطر بالبال أن تكون رواية تأويل المغانم بمغانم خيبر هي من قبيل التطبيق لأنه لم يكن في زحف خيبر جماعة من هؤلاء المتخلفين. والله أعلم.

ولقد تعددت روايات المفسرين المعزوة إلى ابن عباس والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير في المقصود بجملة (قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) منها أنهم هوازن وثقيف. ومنها أنهم بنو حنيفة قوم مسيلمة. ومنها أنهم الروم والفرس. ومنها أن الجملة مطلقة لم تعن قوما بأعيانهم (١). ونرى هذا هو الأوجه والأقوال الأولى من قبيل التطبيق. والله أعلم.

والآيتان كالآيات السابقة لا تخلوان هما الأخريان مع خصوصيتهما الزمنية والموضوعية من صورة يتكرر ظهورها من فئات من الناس في كل ظرف حيث يبتعدون عن الخطر ويتوارون وقت الشدة والنضال ويعتذرون بالأعذار الكاذبة ثم لا يخجلون من المسارعة حين الأمن والسلامة إلى المطالبة بالغنم دون الغرم. ولا تخلوان بالتبعية من تلقين جليل مستمر المدى بتقبيح هذه الصورة من جهة وبجعل إخلاص هذه الفئات وصدق دعواها منوطين بامتحان قوي يتحملون فيه الجهد والمغرم حتى يصح لهم أن يلتحقوا بزمرة الصالحين الصادقين ويكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

هذا ، ولسنا نرى في جملة (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) نقضا لما استنتجناه من تقريرات القرآن والسنة الثابتة وأوردناه في

__________________

(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.

٥٩٧

مناسبات سابقة عديدة من كون القتال في الإسلام هو للدفاع ومقابلة العدوان بالمثل وليس للإكراه على الإسلام أو قتال الكافرين بالرسالة الإسلامية عامة دون تفريق بين المسالمين والمعادين. فالقوم في الآية كفار أعداء وجب قتالهم. وحين تقوم حالة الحرب بين المسلمين وأعدائهم من الكفار لا تقف إلّا بانتهاء الأعداء عن مواقفهم. وهذا يكون بالإسلام كما يكون بالصلح. وصلح الحديبية مثل قريب على ذلك ينطوي فيه كون هذا لا يقتصر على غير العرب أو على غير المشركين منهم.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧)) [١٧].

لم يرو المفسرون مناسبة خاصة للآية والمتبادر أنها جاءت استطرادية استدراكية. وهي بذلك متصلة بالسياق السابق وجزء منه. فقد أنذرت الآيات السابقة الذين لا يثبتون إخلاصهم في طاعة الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله جهادا مجردا من الطمع فجاءت هذه الآية تؤذن بعذر المعذورين وتعفيهم من الواجب الذي لا يقدرون على القيام به بسبب أعذارهم الجسمانية.

والمبدأ الذي احتوته الآية متمشّ مع الحق والعدل والحكمة. وهو من المبادئ العامة التي تكرر تقريرها بأساليب متنوعة كما لا يخفى.

والفقرتان الأخيرتان من الآية أولا وإطلاق العبارة فيها ثانيا مما يلهم أن الآية مع انطوائها على قصد توكيد الحثّ والإنذار اللذين وجها إلى المتخلفين في الآيات السابقة فقد قصد بها أن تكون عامة التوجيه والتلقين شاملة لجميع المسلمين في مختلف الظروف أيضا كما هو المتبادر.

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)) [١٨ ـ ١٩].

٥٩٨

تعليق على الآية

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)

والآية التالية لها وما فيها من صور وتلقين

عبارة الآيتين واضحة ، وأسلوبها أسلوب تبشيري وتنويهي كما هو ظاهر للذين بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفرة الحديبية تحت الشجرة مما فصلت صورته الروايات التي أوردنا خلاصتها قبل. وهما منطويتان كذلك على القصد التطميني والتبشيري الذي استهدفته آيات السورة على ما نبهنا عليه قبل. والمتبادر أنهما استمرار للسياق وجزء منها ونزلتا معه.

والفقرات الأولى من الآية الأولى تنطوي في حدّ ذاتها على الإشارة إلى مشهد من مشاهد سفرة الحديبية وتلهم روعة المشهد وخطورة الموقف الذي كان يكتنف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين على ما شرحناه في سياق الآية (١٠) شرحا يغني عن التكرار.

وتسمى هذه البيعة ببيعة الرضوان أيضا (١). والمتبادر أنها تسمية منبثقة من جملة (* لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) في الآية الأولى.

وقد روى ابن كثير وغيره بعض الأحاديث في فضل الذين بايعوا تحت الشجرة منها حديث عن جابر قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما بايعه الناس تحت الشجرة : أنتم خير أهل الأرض اليوم» وحديث آخر عن أم مبشر قالت : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند حفصة : لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة التي بايعوا تحتها أحد» ومنها حديث عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : «بينما نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله أيّها الناس : البيعة البيعة ، نزل روح القدس فثرنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه».

ومن المفسرين من قال إن الفتح القريب المذكور في الآية الثانية يعني صلح الحديبية ، وإن المغانم التي تبشر بها الآية المسلمين هي ما سوف ييسره الله

__________________

(١) انظر تفسير الزمخشري وابن كثير.

٥٩٩

للمسلمين من ذلك بصورة عامة. ومنهم من قال : إن الفتح هو فتح خيبر والمغانم مغانمها. وكل من القولين معزوّ إلى بعض علماء التابعين (١).

والآيتان كما قلنا قبل جزء من السياق السابق. وقد نزل السياق أثناء عودة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين من الحديبية إلى المدينة. ووقعة خيبر كانت بعد ذلك بوقت ما. حيث يتبادر من ذلك أن القول الأول هو الأوجه وأن القول الثاني قد كان من وحي ما جاء مصداقا عاجلا للبشرى القرآنية بفتح خيبر ومغانمها. ويصحّ أن يعدّ ذلك والحالة هذه من المعجزات القرآنية التي سبق الإخبار عنها وتحققت بعد قليل من الإخبار.

استطراد إلى ذكر وقعة خيبر واستيلاء المسلمين

عليها وعلى قرى اليهود الأخرى في طريق الشام (٢)

ورد على مزاعم المستشرقين بأنها كانت مكافأة

للذين شهدوا الحديبية ولم يكن لها مبرر

ووقعة خيبر ليست منحصرة في خيبر بل تجاوزتها إلى قرى أخرى كانت لليهود بعد خيبر على طريق الشام. وكل ما في الأمر أنها كانت عاصمة اليهود وأهم مراكزهم بعد إجلائهم عن المدينة. وليس في القرآن إشارات أخرى إلى هذه الوقعة. فرأينا أن نستطرد إلى إيراد خبرها في هذه المناسبة.

ولقد كان لهذه الوقعة أسباب مبررة كما هو شأن وقائع التنكيل السابقة باليهود بل وكل الوقائع الجهادية في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذه الأسباب هي المواقف العدائية والعدوانية التي وقفها اليهود دون أن يعتبروا بما كان من حوادث سابقة عادت عليهم بالوبال والنكال. فقد استقر بعض زعماء بني النضير وأتباعهم في خيبر بعد أن أجلاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المدينة وتزعموا يهود المنطقة. وساقوهم إلى

__________________

(١) انظر البغوي والخازن وابن كثير والطبرسي.

(٢) هذه النبذة ملخصة عن تفسير الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٦ وابن سعد ج ٣ ص ١٥٢ ـ ١٦٤ وابن هشام ج ٣ ص ٣٨٨ ـ ٤٠٠.

٦٠٠