التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

(٢) لتعارفوا : لتتعارفوا ، أي ليعرف بعضكم بعضا.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا)

وما فيها من تلقينات رائعة وما ورد في صددها من أحاديث

عبارة الآية واضحة ، وفيها هتاف للناس جميعا بأن الله قد خلقهم متساوين من ذكر وأنثى. وأن تفرقهم إلى شعوب وقبائل للتعارف وليس للتفاضل. وأن أكرمهم عند الله هو أتقاهم بالإقبال على صالح العمل واجتناب الآثام. وأن الله عليم خبير بأعمالهم وشؤونهم لا تخفى عليه منهم خافية.

وقد روى المفسرون أكثر من رواية لمناسبة نزول الآية. منها أن صحابيا اشترى عبدا على شريطة عدم منعه من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فواظب على ذلك. وقد غاب فسأل عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل له إنه محموم فعاده ثم بلغه أنه يحتضر فحضر موته وتولّى غسله ودفنه ، فدخل على الأنصار والمهاجرين من ذلك أمر عظيم فنزلت الآية لتهتف بما هتفت به (١). ومنها أنها نزلت في ثابت بن قيس حيث غمز بأمّ رجل لم يفسح له في المجلس فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت؟ قال رأيت أبيض وأحمر وأسود قال فإنك لا تفضلهم إلّا بالدين والتّقوى (٢). ومنها أن بلالا لما علا الكعبة ليؤذّن عقب فتح مكة قال الحارث بن هشام أما وجد محمّد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ، فأخبر الله رسوله وأوحى بالآية لزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء (٣).

والروايات غير موثقة الإسناد. والرواية الأخيرة تقتضي أن تكون الآية نزلت

__________________

(١) انظر تفسير الزمخشري.

(٢) انظر تفسير الخازن.

(٣) المصدر نفسه.

٥٢١

عقب الفتح المكي وهو ما لا تطمئن النفس به. ولقد روى الترمذي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلاها في خطبته التي ألقاها على الناس عقب الفتح كآية كانت نازلة قبل ، حيث روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في خطبته «أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبّيّة الجاهلية وتعاظمها بآبائها. فالناس رجلان برّ تقيّ كريم على الله. وفاجر شقيّ هيّن على الله. والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب. قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ...)» (١) والرواية الأولى لا تتسق مع فحوى الآية. وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المهاجرين والأنصار أجلّ من أن يداخلهم همّ عظيم بسبب ما ظهر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من برّ وتكريم لمسلم ولو كان عبدا وهو ما روته الرواية الأولى. وقد يكون في الرواية الثانية مناسبة لأن فيها شيئا مما يتناسب مع الآية ، ومع ذلك فإنه يتبادر لنا أن الآية قد جاءت معقبة على الآيات السابقة وبخاصة على الآيتين [١١ و ١٢] اللتين نهتا المسلمين عن إساءة بعضهم لبعض وجاها وغيابا بسخرية وانتقاص أو نبز أو لمز أو سوء ظن أو غيبة أو تجسس وكشف عورة على اعتبار أن فاعل ذلك إنما يفعله وهو يظنّ أنه أرفع وأفضل وأكرم من غيره. وإنها بالتالي جزء من سلسلة الآيات وتتمة لما احتوته من تعليم وتأديب ساميين.

على أن الآية بما هتفت به بالناس واستهدفته من تذكيرهم بمساواتهم لبعض في الأصل والطبيعة وحقوق الحياة. ومن تقرير كون التفاضل بينهم إنما يكون في العمل الصالح وتقوى الله. وكون الأكرم عند الله إنما هو الأتقى ، هي جملة تامة لذاتها تقرر وجهة نظر الشريعة الإسلامية التي يمثلها القرآن في الدرجة الأولى ، في مساواة الناس في الحقوق والواجبات العامة مساواة تامة. وفي هدم درجات التفاوت والطبقات في الإسلام ونسف امتيازاتها القائمة على الأنساب والأحساب والثروات وما يماثلها من الأعراض. وفي جعل التفاضل منوطا بالسلوك الشخصي

__________________

(١) فصل التفسير في التاج ج ٤ ص ٢١٦ وعبّيّة الجاهلية : فخرها وكبرها كما فسّرها مؤلف التاج. وقد روى ابن كثير والبغوي والخازن والقاسمي هذا الحديث وجاء في روايتهم كلمة (عيبة) بدلا من (عبّيّة).

٥٢٢

الذي عبر عنه بتعبير (أَتْقاكُمْ) والذي يدخل في نطاقه مراقبة الله في السرّ والعلن وابتغاء رضائه في الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه. وقد أمر بكل ما فيه الحقّ والعدل والبرّ والتقوى وأداء الواجبات نحو الله والناس. ونهي عن كلّ ما فيه إثم وبغي ومنكر وتقصير نحو الله والناس. وهي من أجل ذلك يصح أن تعتبر من روائع جوامع الكلم القرآنية وأقواها وأبعدها مدى وأثرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والشخصية والإسلامية.

ويلفت النظر بخاصة إلى المخاطب في الآية. فبينما خاطبت الآيات السابقة لها المسلمين جاءت هذه الآية لتخاطب الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأنسابهم وأحسابهم وأديانهم ونحلهم خطابا مطلقا يمتد ما دامت الحياة الدنيا ، لأن الموضوع الخطير الذي تقرره هو الذي يتناسب مع هذا الخطاب أكثر. وفيها شيء من معنى التنديد اللاذع بما اعتاده الناس من التفاخر بالأحساب والأنساب والثروات وما يماثلها من الأعراض.

وهذه الدلالات قوية البروز في الخطبة الرائعة التي ألقاها السيد الرسول صلوات الله عليه بعد فتح مكة وتلا فيها الآية والتي أوردنا خبرها قبل. ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآية وفي صددها أحاديث نبوية قوية التلقين والعظة منها حديث رواه ابن ماجه عن أبي هريرة جاء فيه «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (١). وحديث أخرجه الطبراني عن محمد بن حبيب بن خراش العصري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتّقوى» (٢). وحديث أخرجه أبو بكر البزار عن حذيفة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ، ولينتهينّ قوم يفخرون بآبائهم أو ليكوننّ أهون على الله تعالى من الجعلان» (٣). وحديث رواه الطبري جاء فيه «قال

__________________

(١) النصوص من ابن كثير.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

٥٢٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الناس لآدم وحواء ، طفّ الصاع لم يملؤوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (١). وحديث رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أنسابكم هذه ليست بحسبة على أحد. كلّكم بنو آدم. طفّ الصاع لم يملؤوه. ليس لأحد على أحد فضل إلّا بدين وتقوى. وكفى بالرجل أن يكون بذيئا بخيلا فاحشا» (٢). وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله» (٣).

ومن الجدير بالتذكير في هذا السياق آيات في سورة (المؤمنون) تحتوي التلقين الذي احتوته الأحاديث الشريفة وهي (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣)).

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)) [١٤ ـ ١٨].

(١) لا يلتكم : لا ينقصكم.

__________________

(١) النصوص من ابن كثير.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

٥٢٤

تعليق على الآية

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ...)

والآيات الثلاث التالية لها وما فيها من صور وأحكام وتلقين

عبارة الآيات واضحة ، وقد روى المفسرون (١) أنها نزلت في مناسبة قدوم جماعة من أعراب بني أسد إلى المدينة في سنة جدب وإظهارهم الإسلام ومطالبتهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعطيهم من الصدقات ومنّهم عليه بدخولهم في الإسلام ومتابعتهم له عن طواعية في حين أن القبائل الأخرى عالنته العداء وحاربته.

وروح الآيات ومضمونها متسقان مع الرواية إجمالا كما هو واضح. وقد احتوت :

أولا : صورة من صور الأعراب ومدى تأثرهم بالإسلام لأول عهدهم به واتخاذهم التظاهر به وسيلة للغنم ومنّهم بما يتظاهرون به على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد ردت عليهم الآيات ردّا قويّا لاذعا وآذنتهم أن الله يعلم سرائرهم وأن الإسلام والإيمان هما لنجاتهم وأن الله الذي هداهم هو الأولى بأن يمنّ عليهم بهما.

وثانيا : تسامح الله تعالى مع مثل هؤلاء وقبول الظاهر منهم مع ذلك إذا اقترن بطاعة الله ورسوله. وتطمينهم بأن الله عزوجل في مثل هذه الحالة يجزيهم على أعمالهم دون نقص برغم علمه أن الإيمان لم يتمكن في قلوبهم وأن كل ما كان من أمرهم إعلان إسلامهم.

وثالثا : وصفا قويا رائعا وحاسما للمؤمن المخلص فيه معنى الحثّ على الاتصاف به.

ورابعا : فرقا بين معنى الإيمان ومداه ومعنى الإسلام ومداه بكون الأول لا يحتمل ترددا ولا ارتيابا ولا أمل منفعة مادية دنيوية ولا قصدا لها. ويجعل

__________________

(١) انظر الطبري والطبرسي والبغوي وابن كثير والخازن.

٥٢٥

المتحقق به يقدم على الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه وتحمل التضحيات والمشقات برضاء نفس وطمأنينة قلب. وبكون الثاني هو إظهار الانقياد للدعوة وواجباتها رغبة أو رهبة دون أن يتمكن الإيمان في قلب من يعلن إسلامه. وهذه صفة الأعراب الذين حكت الآيات قصتهم وتعبير (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ينطوي في الوقت نفسه على تنويه بالذين تمكن الإيمان في قلوبهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووصف لهم.

ولقد كان تعبير (الإسلام) يأتي بمعنى إسلام النفس لله عزوجل وخضوع المرء وانقياده له وبالتالي بمعنى الإخلاص لله في حين أن الآيات لم تعتبر قول الأعراب (أَسْلَمْنا) دليلا على إخلاصهم وصحة إيمانهم. حيث يبدو من ذلك طور من أطوار استعمال هذه الكلمة في القرآن. ولقد صارت الكلمة عنوانا على الدين الذي جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما جاء في الآية الثالثة من سورة المائدة (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). فجملة (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها من مدى ذلك بمعنى (قولوا اتخذنا الإسلام دينا) والله أعلم.

ولقد نبّه بعض المفسرين (١) إلى أن الآيات لا تتضمن وصف الأعراب الذين حكت أقوالهم بالنفاق. وهذا صحيح. ويستتبع هذا أن الله إنما وسع لهم رحمته وحكمته لأنهم كانوا يظنون أنهم بإظهارهم الإسلام قد فعلوا ما عليهم. وأن الآيات هي بسبيل إعلامهم حقيقة أمرهم وحقيقة الإيمان الصحيح والمتصفين به للتأديب والتنبيه والحثّ في مناسبة ما روي عنهم من منّ وتبجّح. وقد يكون هذا حال معظم الذين أسلموا من جماهير العرب الذين كانت أكثريتهم من القبائل. بل قد يكون هذا حال جماهير المسلمين في كل وقت. وهذا مؤيد في تقسيم القرآن للمؤمنين بالله فريق (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [١٠] و (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [٨] كما جاء في سورة الواقعة. وقد جعل لكل منهما ثوابه الأخروي بحسب ذلك على

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير.

٥٢٦

ما جاء في نفس السورة. وجاء في وصف السابقين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)) وفي وصف أصحاب الميمنة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)). وعلى ضوء هذا قد يصح أن يقال والله أعلم إن في الآيات خطة شرعية سياسية مستمرة المدى. وهي قبول ظواهر الناس وتوسيع الدولة الإسلامية صدرها لمن يعلن إسلامه ويظهر انقياده وطاعته ويقوم بما يترتب عليه من واجبات نحو الله والدولة والناس ، واعتباره من رعاياها المسلمين بقطع النظر عما إذا كان مؤمن القلب أم لا. لأن ذلك مغيب عن غير الله عزوجل. وليس من شأن الدولة والناس أن يشقوا عن قلوب أمثاله ليتبينوا صدق إيمانه على حدّ تعبير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث المروي عنه في سياق آية النساء هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ...) [٩٤] حيث قال لمن قتل القائل حينما قال له إنه كان كاذبا في قوله «هلا شققت عن قلبه» (١) على ما شرحناه في سياق تفسير هذه الآية.

ويحسن أن ننبه على أمر هام في هذا الصدد وهو أن من الأعراب الذين كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبل منهم ظواهرهم الإسلامية بناء على تلقينات القرآن من صار مخلصا في إيمانه وعمله على ما سجلته آية سورة التوبة هذه (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)). وقد جاءت هذه الآية بعد آيتين ذكر فيهما حالة الأعراب بصورة عامة (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة : ٩٧ ـ ٩٨]. حيث تبدو خلال ذلك روعة الحكمة القرآنية فيما

__________________

(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير.

٥٢٧

رسمته من خطة مثلى. وحيث يبدو أن ما جاء في الآية التي نحن في صددها هو بسبيل تسجيل الواقع حين نزولها.

هذا ، ومع ما يبدو من كون الآيات فصلا مستقلا احتوى موضوعا خاصا فإن ما فيها من النهي عن المنّ بالإسلام وما ينطوي عليه من نهي عن زهو المرء بما ليس فيه في غير حقّ ومحل. ومن تقرير لصفة المؤمن الصادق وإخلاصه يجعل بينها وبين الفصول السابقة من السورة التي احتوت فصولا تأديبية متنوعة ومتساوقة صلة ما. لأن فيها معنى من معاني التعليم والتأديب والتهذيب الخلقي والنفسي للمسلمين عامة في كل وقت مثلها. وإذا كانت نزلت لحدتها وفي ظرف غير ظرف نزول فصول السورة فالراجح أن هذه الصلة هي سبب وضعها في ترتيبها. والله أعلم. ومن المحتمل مع ذلك أن يكون الحادث الذي نزلت في مناسبته سابقا لنزول السورة فاقتضت حكمة التنزيل أن يشار إليه في فصل من فصول السورة التأديبية والتعليمية. وإذا صحّ هذا الاحتمال فيكون هذا الفصل أيضا قد نزل مع الفصول السابقة التي يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة أو متتابعة ، والله تعالى أعلم.

٥٢٨

سورة التحريم

في السورة إشارة إلى حادث وقع بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعض زوجاته. واستطرادات متصلة به استهدفت العظة والإنذار والتمثيل والتذكير. ومن المحتمل أن يكون فصل الحادث نزل لحدته ثم نزلت الفصول الاستطرادية بعده تباعا حتى تمت السورة. والله أعلم. وقد ذكر الزمخشري أنها تسمى سورة النبي أيضا ولم يذكر لذلك سندا.

وليس في السورة أمارة مميزة يمكن أن تساعد على القول بصحة ترتيبها وعدمه. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أنها نزلت بعد الحجرات ، وروي هذا في ترتيبات أخرى (١) فجارينا هذه الروايات.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ

__________________

(١) انظر روايات تراتيب النزول للسور المدنية في كتابنا سيرة الرسول ٢ ص ٩.

٥٢٩

طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)) [١ ـ ٥]

(١) تحلّة : وسيلة للتحلّل من الأيمان.

(٢) صغت : مالت أو زاغت.

(٣) صالح المؤمنين : بمعنى الجمهور الصالح من المؤمنين.

(٤) سائحات : قيل بمعنى صائمات. وروي حديث نبوي مرفوع جاء فيه «سياحة هذه الأمة الصيام» وقيل بمعنى مهاجرات.

في الآية الأولى : سؤال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه معنى العتاب لتحريمه على نفسه ما أحلّه الله له مرضاة لزوجاته مع تطمينه بغفران الله ورحمته فهو الغفور الرحيم.

وفي الآية الثانية : تذكير بأن الله قد شرع كفارة اليمين للمسلمين لتكون وسيلة للرجوع عما أقسموا الأيمان عليه من أمور يحسن الرجوع عنها. وهو العليم بأعمال الناس الحكيم فيما يأمر به ويرسمه. وينطوي في التذكير تنبيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هذه الوسيلة.

وفي الآية الثالثة : إشارة إلى حادث وقع بين النبي وبعض أزواجه حيث حدّث واحدة منهن بحديث وطلب منها كتمانه فلم تكتمه وأخبرت به غيرها. وسئل عنه وأظهره الله على ما جرى فاعترف بشيء منه وسكت عن شيء آخر ثم عاتب زوجته على إفشائها السرّ فسألته مستغربة عن الذي أخبره بالأمر فأجابها إنه الله العليم الخبير.

أما الآيتان الرابعة والخامسة : فقد احتوتا إنذارا يتضمن معنى التنديد أيضا موجها لزوجات النبي عامة ولاثنتين منهن خاصة كما احتوتا تطمينا وتأييدا للنبي كما يلي :

(١) فعلى الزوجتين أن تتوبا إلى الله. فقد كان منهما من الزيغ والكيد

٥٣٠

ما يوجب عليهما ذلك (١).

(٢) وإذا كانتا قد تظاهرتا وتعاونتا على الكيد للنبي فلتعلما أن الله نصيره وظهيره. وأن جبريل والملائكة والصالحين المخلصين من المؤمنين أيضا نصراؤه وظهراؤه.

(٣) وأن ربّه ليستطيع إذا تراءى له أن يطلّق نساءه بسبب أمثال هذه المكايدات أن يبدله بهن أزواجا خيرا منهن ثيبات وأبكارا متصفات بأحسن الصفات وأطهرها من إسلام وإيمان وخشوع وخضوع وعبادة وصوم أو هجرة.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١))

والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين

ولقد روي في صدد نزول هذه الآيات وصورها روايات عديدة. منها حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير ، إني أجد منك ريح مغافير. قال : لا ولكنّي كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا» (٢) وهذا الحديث ورد في كتاب التاج في سياق تفسير السورة في فصل التفسير كأنما

__________________

(١) هذا تأويل جملة (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وهو ما ذهب إليه أكثر المفسرين ومنهم الزمخشري والخازن والطبرسي والبغوي والنسفي. وقد رأينا في تفسير القاسمي تأويلا آخر وهو : إن تتوبا إلى الله فتكون قلوبكما قد صغت وعادت إلى الحق وقد اخترنا الأول لأننا رأيناه الأكثر اتساقا مع روح الآية. والله أعلم.

(٢) التاج ج ٤ ص ٢٣٩. واطيت بمعنى تواطأت أو اتفقت. مغافير صمغ شجر العرفط وهو حلو الطعم كريه الريح. والقصد إيهام النبي أن النحل قد جنى من هذا الصمغ فصار ريحه كريها. وقد أوردنا النص كما ورد والظاهر أنه مختصر. ويفيد على كل حال أن إحداهما قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ما تواطأنا عليه فأجابها بما جاء في الشطر الثاني من الحديث ...

٥٣١

يورد كسبب لنزول الآيات (١). وقد روى الثلاثة المذكورون حديثا طويلا آخر ورد في التاج في سياق تفسير السورة أيضا عن ابن عباس رأينا من المفيد إيراده لما فيه من صور طريفة قال «مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن آية فما أستطيع ذلك هيبة له حتى خرجت في الحجّ معه فلمّا رجعنا وكنّا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين : من اللتان تظاهرتا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة. قلت والله كنت أريد أن أسألك عن هذا من سنة فما أستطيع هيبة لك. قال فلا تفعل ، ما ظننت علمه عندي فاسألني عنه فإن كان لي علم خبرتك به ثم قال عمر والله إنا كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهن ما قسم. قال فبينا أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي لو وضعت كذا وكذا فقلت لها ما لك ولما هاهنا وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي عجبا يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان ، فقام عمر فأخذ رداءه حتى دخل على حفصة فقال لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله. لا تغرنّك هذه التي أعجبها حسنها وحبّ رسول الله إيّاها. قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت عجبا لك يا ابن الخطاب! دخلت في كلّ شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد. فخرجت وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب أتيته بالخبر. وكنا نتخوف ملكا من ملوك غسان سمعنا أنه يريد السير إلينا وقد امتلأت صدورنا منه فإذا صاحبي الأنصاريّ يدقّ الباب فقال افتح فقلت جاء الغسانيّ؟ قال بل أشدّ من ذلك. اعتزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أزواجه. فقلت رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي فخرجت حتى جئت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله أسود على رأس الدرجة. فقلت له : قل هذا عمر بن الخطاب فأذن لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عمر : فقصصت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) إن المفسرين : البغوي والطبرسي أوردا هذا الحديث وقالا إن الآيات نزلت في مناسبة ما جاء فيه.

٥٣٢

هذا الحديث فلمّا بلغت كلام أمّ سلمة تبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرظ مصبوب. وعند رأسه أهب معلقة. فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال ما يبكيك؟ قلت : يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله ، فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» (١). وقد روى البخاري حديثا ثالثا عن أنس ورد في التاج في فصل التفسير وفي سياق تفسير السورة أيضا قال : «قال عمر رضي الله عنه : اجتمع نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الغيرة عليه فقلت لهنّ عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ فنزلت هذه الآية» (٢).

ولقد أورد المفسرون (٣) هذه الأحاديث. وأوردوا بالإضافة إليها أحاديث أخرى لم ترد في كتب صحاح الأحاديث. فقد روى البغوي بالإضافة إلى الحديث الأول الذي أورده وقال إن الآيات نزلت في مناسبة ما جاء فيه ، حديثا عن عائشة ذكر فيه أن النبيّ إنما شرب شراب العسل عند حفصة وأن التواطؤ كان بين عائشة وسودة وصفية. وقد روى البغوي وابن كثير والطبرسي والخازن حديثا فيه سبب آخر «وهو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذن لحفصة أن تزور أهلها وفي غيابها استدعى مارية القبطية إلى بيتها ووقع عليها. وعرفت حفصة ذلك فأخذت تبكي وتقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنك أذنت لي من أجل هذا وأدخلت أمتك بيتي ووقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، فقال لها ألا ترضي أن أحرّمها فلا أقربها؟ قالت : بلى فقال لها : لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة فأنزل الله الآيات» ومما رووه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لحفصة من قبيل المراضاة والبشرى إن أباها وأبا عائشة سيكونان خليفتين بعده. ومما رووه تتمة للحادث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضب لإفشاء سرّه واعتزل نساءه شهرا وقعد في مشربة

__________________

(١) المصدر السابق الذكر ص ٢٤٠ ـ ٢٤١ والقرظ : ثمرة مثل البلوط. وأهب جمع إهاب. وهو كيس من جلد. وفسر الشارح كلمة (عجلة) بدرجة. وقد جاءت هذه الكلمة بعد كلمة (عجلة) كأنها مرادفة لها.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) انظر تفسير الطبري والطبرسي والبغوي والخازن وابن كثير.

٥٣٣

مارية. وشاع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلقهن بل ورووا أنه طلق حفصة وأن عمر بن الخطاب جاء إلى المسجد فوجد الناس جالسين يبكون وفي رواية ينكتون بالحصى ويقولون : طلّق رسول الله نساءه فاستأذن على النبي فلما أذن له قال : يا رسول الله ما يشقّ عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ثم سأله : أطلقتهن؟ قال : لا ، فنادى بأعلى صوته : لم يطلق النبي نساءه ونزلت الآيات.

وعلى كل حال فالآيات قد نزلت بسبب حادث ما مما ورد في الأحاديث ، وبالتالي بسبب غيرة نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن فحواها متطابق مع ذلك. مع القول إن رواية المفسرين لأحاديث غير أحاديث الشيخين والترمذي قد تفيد أن من الرواة من لم يكن متأكدا من هذه الأحاديث ، ومتأكدا مما بلغه وأن المفسرين جاروهم في ذلك فجمعوا بين الأحاديث على اختلاف مراتبها. ومن الجدير بالتنبه أنه ليس في الحديث الطويل المروي عن ابن عباس وحديثه عن عمر ما يتصل بالحادث إلّا كون جملة (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) هي في حفصة وعائشة. وهذا مطابق للحديث الأول الذي هو الأقوى سندا والذي قد يكون ما جاء فيه هو الأصحّ والله أعلم.

والتنديد والإنذار في الآيات قويان يلهمان أن الحادث مما أزعج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا فجاءا بهذه القوة متناسبين مع شدة الإزعاج والألم اللذين ألمّا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع علوّ مقامه الذي هو جدير بالتعظيم والتوقير وبخاصة من نساء النبي أكثر من أي شخص آخر.

وهكذا تكون الآيات قد احتوت مشهدا آخر من مشاهد السيرة النبوية الخاصة بحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزوجية. وقد سبقت الإشارة إلى مشاهد أخرى من ذلك في سورتي الأحزاب والنور.

والإيجاز في الإشارة وأسلوب الآيات معا يلهمان أن الآيات إنما أوحيت للعظة والتعليم مما يصح أن يكون شاملا لعامة المسلمين في الحالات المماثلة التي هي من مشاهد الحياة الزوجية.

٥٣٤

ويحسن أن ننبه على مدى تعبير (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) من حيث كونه ليس في معنى المناقضة في تحريم ما أحل الله تعالى في المفهوم الشرعي الذي يقابله معنى إحلال ما حرّم الله. وإنما هو في معنى حرمان النفس ومنعها مما أحلّه الله. وهذا غير غريب عن المألوفات البشرية في امتناع الناس أو حلفهم على الامتناع عن شيء هو في أصله حلال ومباح لهم دون أن يعني أنه قصد نقيض حلّه.

وتحلّة الأيمان إنما وردت في آيات سورة المائدة هذه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)).

ويفيد هذا أن الآيات التي نحن في صددها قد نزلت بعد هذه الآيات مع أن سورة المائدة متأخرة في الترتيب عن سورة التحريم. ولقد احتوت سورة المائدة فصولا متعددة منها ما يدل على أنها نزلت قبل فصول نزلت في سور متقدمة عليها في الترتيب على ما سوف نشرحه بعد. ومنها هذا الفصل على ما يبدو.

وقد يفيد أسلوب الآيتين الأولى والثانية أن الله عزوجل لا يحب أن يحرم الإنسان على نفسه ما أباحه وأحله له. وأن الواجب إذا صدر من امرئ يمين بذلك أن يكفر عنه ويتمتع بما أباحه الله وأحله له. وهذا صريح أكثر في آيات المائدة. ولقد أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث وردت في الكتب الخمسة مؤيدة لذلك. وأحاديث في تعريف اليمين اللغو وأخرى في اليمين الغموس التي تحلف كذبا على أمر جرى خلافا للمدعى به ، وأخرى في صدد اليمين بغير الله وأخرى في صدد الاستثناء في اليمين أوردناها في سياق تفسير الآية [٢٢٤] من سورة البقرة فنكتفي بهذا التنبيه هنا يرجع إليها.

هذا ، وجبريل يذكر هنا للمرة الثانية. وقد ذكر لأول مرة في آيات سورة البقرة [٩٧ ـ ٩٨] وعلقنا عليه بما فيه الكفاية. والأسلوب والمقام الذي جاء ذكره

٥٣٥

فيهما هنا يؤيد ما نبهنا عليه من دلالة آيات البقرة والأحاديث النبوية العديدة من اختصاصه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحيا وتوجيها وتأييدا وتعليما. ومن كونه عظيم ملائكة الله المقربين ، ومن كون هذا قد استقر في أذهان المسلمين.

وبرغم ما هو ظاهر الدلالة من أن جملة (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) تعني في مقامها جمهور المؤمنين الصالحين فإن مفسري الشيعة صرفوها كعادتهم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دون سائر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم (١). وفي هذا ما فيه من تعسف وهوى.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨)) [٦ ـ ٨].

(١) توبة نصوحا : التوبة التي ينصح الإنسان بها نفسه أي ينقذها وهي التوبة التي يندم بها صاحبها عمّا فرط منه ويعتزم على عدم العودة. وقد روى الطبرسي أن معاذ بن جبل سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها فقال له : أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) والآيتين التاليتين لها

لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه مناسبة خاصة لنزول الآيات التي احتوت عظة وإنذارا وتبشيرا.

__________________

(١) التفسير والمفسرون للذهبي ج ٢ ص ١٩٢.

٥٣٦

والذي يتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة. فقد حكت ما حكته من الحادث الذي كاد فيه بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بما آلمه ، وأنذرتهن ونددت بهن وطلبت منهن التوبة فجاءت هذه الآيات تهتف بالمسلمين عامة ـ ونساء النبي داخلات في الخطاب طبعا ـ على سبيل العظة والتوكيد : بوجوب التوبة إلى الله تعالى مما ألمّوا ويلمّون به من ذنوب وأخطاء توبة صادقة مخلصة ليقوا أنفسهم وأهليهم بذلك من أهوال يوم القيامة ويستحقوا فيه مغفرة الله تعالى ورحمته ورضوانه وجناته.

وقد وصفت الآيات ذلك اليوم بما وصفت من قبيل الاستطراد والتشديد بالدعوة إلى ما هتفت به من التوبة ووقاية النفس والأهل : فالنار شديدة هائلة. وحرّاسها أشداء أقوياء من الملائكة يسارعون إلى تنفيذ أوامر الله ولا يعصونه في شيء. ولسوف يقال في ذلك اليوم للكفار : لا تعتذروا فلن يفيدكم اعتذار وإنما تجزون بما كنتم تعملون حقّا وعدلا. ولسوف يقرّ الله فيه عيون النبي والمؤمنين المخلصين معه ولا يخزيهم. يشعّ نورهم أمامهم وعلى جوانبهم ويدعون الله بأن يتمّم نوره ونعمته عليهم ويغفر لهم ذنوبهم مقررين أنه على كل شيء قدير.

والآيات قوية نافذة من شأنها بعث الرهبة والرغبة في السامعين وهو مما استهدفته الآيات. وإطلاق الهتاف يجعله عامّا شاملا لكل المسلمين في كل ظرف ومكان.

ووصف التوبة التي دعي إليها المسلمون بالنصوح الذي يعني الندم على ما فات والاعتزام على عدم اقتراف ذنب فيما هو آت. وهو ما أوله به أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم على ما رواه المفسرون (١). وهذا هو الأصل الحكيم في مبدأ التوبة القرآني على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.

ولقد علّق المفسرون (٢) على جملة (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) فقالوا : إنها

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والزمخشري والخازن.

(٢) المصدر نفسه.

٥٣٧

توجب على ربّ البيت المسلم أن يعلم أهله وأولاده ومماليكه ما فرض الله ونهى عنه ومن ذلك تعليم الأطفال الصلاة والصوم وحسن الأخلاق وأن يراقبهم في ذلك وأن يزجرهم ويقذعهم إذا ما أتوا معصية. ومنهم من عزا ذلك إلى ابن عباس. وفي هذا وجاهة ظاهرة.

وفي مناسبة جملة (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦)) نقول : إن شيئا من ذلك ورد في سورة المدثر وعلقنا عليه وعلى موضوع الملائكة في مناسبة بما يغني عن التكرار. وقد يكون ما تضمنته الآيات هنا من إنذار بالجزاء الأخروي للناس على أعمالهم والتحذير من عذاب النار من حكمة الأسلوب الذي وردت به العبارة القرآنية لأن فيه ترهيبا قويا ، والله تعالى أعلم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)) [٩].

وهذه الآية أيضا لا يروي المفسرون لها مناسبة فيما اطلعنا عليه. ومع أنها تبدو مستقلة عما قبلها وبعدها سياقا وموضوعا فليس من شأن هذا أن يجعلها في مكانها فذة. فقد تكون استطرادية بعد الآيات السابقة التي دعت إلى التوبة واجتناب عذاب الله وأشارب إلى مصير الكفار الأخروي وعدم جدوى اعتذارهم في يوم القيامة لتأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالوقوف ـ من الذين كفروا برسالته علانية وهم الكافرون وسرّا وهم المنافقون ـ موقف الشدة والمجاهدة. ولتنذر بمصيرهم الأخروي المحتم وهو جهنّم. ومثل هذه الاستطرادات غير نادر في النظم القرآني كما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة. ومما يمكن أن يسوغ هذا ما يبدو من صلة وثيقة بين الآيات التالية لهذه الآية والآيات السابقة لها بحيث يستبعد أن تكون هذه الآية فذة كما قلنا في مكانها لا تتصل بما سبقها وما لحقها اتصالا مباشرا أو غير مباشر والله أعلم.

٥٣٨

ولقد فرق المفسرون (١) عزوا إلى ابن عباس وابن مسعود وبعض علماء التابعين في الموقف الواجب وقوفه من كل من الكافرين والمنافقين بحيث تكون مجاهدة الكافرين بالسيف والمنافقين بالحجة والغلظة في التنديد والتثريب. مع أنه ليس في الآية ما يسوغ هذا التفريق ولا سيما أنها جعلت مصير الفريقين الأخروي واحدا.

ويتبادر لنا أن هذا التفريق مستلهم من موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المنافقين حيث لم ير قتالهم وقتلهم لاعتبارات عديدة منها أنهم كانوا مسلمين في الظاهر يقرون بوحدانية الله ورسالة رسوله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويشتركون في الحركات الجهادية على ما شرحناه في سياق تفسير سور البقرة والأحزاب والنساء. وقد يكون هذا في محله والله أعلم.

وعلى ضوء ما شرحناه في مناسبات سابقة فإن كان الجهاد المأمور به النبي الكفار يعني القتال فإنه يكون بالنسبة للأعداء منهم دون المسالمين. أما إذا كان يعني بذل الجهد في الإنذار فيصح أن يكون الأمر واردا بالنسبة لجمع الكفار وبالنسبة للمنافقين معا.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)) [١٠ ـ ١٢]

__________________

(١) انظر تفسير هذه الآية وتفسير الآية [٧٣] من سورة التوبة التي في نفس الصيغة في كتب تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.

٥٣٩

تعليق على الآية

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ)

والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين

الآيات تحتوي تذكيرا بحالة ثلاث فئات من النساء ومصائرهن :

(١) فالفئة الأولى كافرات في عصمة مؤمنين صالحين. والمثال عليها امرأتا نوح ولوط. فقد خانتا زوجيهما وكفرتا فلم تنفعهما زوجيتهما بنبي ولم يغن زوجاهما عنهما من الله شيئا. وحقّت عليهما النار في جملة من حقت عليه.

(٢) والثانية مؤمنة في عصمة كفار متمردين على الله. والمثال على ذلك امرأة فرعون. فقد آمنت وأنابت إلى الله واستنكرت ظلم فرعون وكفره ودعت الله بأن ينجيها منه من تبعة عمله وبأن يكون لها بيت عنده في الجنة. وينطوي في هذا تقرير كون زوجيّتها لفرعون لم تضرّها وكونها نالت من الله الرضاء وحسن الجزاء.

(٣) والثالثة مؤمنة لم ترتبط بعصمة الرجال. والمثال عليها مريم ابنة عمران. فقد آمنت بالله وكتبه وخضعت له واعتصمت به. وأحصنت فرجها فكرمها الله بأن نفخ فيه من روحه. وينطوي في ذلك أيضا تقرير كونها نالت رضاء الله عنها.

ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات أيضا. والمتبادر أنها متصلة بموضوع آيات السورة وخاصة بفصلها الأول صلة تمثيل وتذكير لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللائي صدر من بعضهن ما صدر ، وأنه أريد بها كما تلهمه تقرير كون رابطتهن الزوجية بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس من شأنها وحدها أن تنجيهن من عذاب الله أو تضمن لهن رضاءه وأن هذا وذاك متوقف على عملهن وسلوكهن.

والإطلاق في الآيات يجعل العظة التي استهدفتها والأمثال التي ضربتها والتذكير الذي ذكرت به موجها إلى عموم المسلمين ومستمر التلقين. وخاصة في صدد كون المرء لا ينجيه إلّا عمله مستقلا عن أية رابطة تربطه بغيره.

٥٤٠