التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

الفاسقين المتهمين بصدقهم وإخلاصهم. فلا يستعجلوا في التصديق والحكم فيتهموا أناسا أبرياء من غير يقين. ويصيبوهم بالأذى فيصبحوا نادمين حينما تظهر براءتهم.

(٢) وتنبيه تعقيبي على هذا الأمر ، فعلى المسلمين أن يعتبروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الموجود بينهم فلو أنه يصدق كثيرا مما يقال له ويأخذ به لنالهم شدائد ومشاق كثيرة. وأن الله قد منّ عليهم أيضا بفضله ونعمته فحبب إليهم الإيمان وزينه وكره إليهم الكفر والعصيان لأوامر الله ورسوله والانحراف عن ذلك. ومن يتحقق فيه ذلك فهم الراشدون. والله عليم بكل شيء حكيم في ما يأمر به ويقرره.

تعليق على الآيات

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...)

إلى نهاية الآية الثامنة وما فيها من تلقين

لقد روى المفسرون (١) روايات مختلفة الصيغ متفقة المدى للمناسبة التي نزلت فيها الآيات. منها رواية يرويها الطبري عن أم سلمة قالت إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد قليل من عودته من غزوة بني المصطلق التي كان من نتائجها المباركة تزوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببنت زعيمهم ودخولهم في الإسلام أن بعث رجلا لجباية صدقاتهم فهرعوا إلى مقابلته تعظيما لرسول الله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فرجع وقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنهم منعوا الصدقات وأرادوا قتله فغضب رسول الله واعتزم على إرسال بعث عليهم وبلغ القوم فأتوه ووجدوه يصلّي الظهر فتصافوا أمامه وصاروا يقولون نعوذ بالله من سخط الله ورسوله بعثت إلينا مصدّقا فسررنا وقرّت أعيننا ثم رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ورسوله فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال وأذّن لصلاة العصر فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ...) إلخ وروى الطبري وغيره صيغا أخرى فيها اسم الرجل الذي بعثه رسول الله وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وإنه قال لرسول الله إن بني المصطلق

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.

٥٠١

ارتدوا عن الإسلام وأرادوا قتلي مع أنهم رجعوا ، وسلموه صدقاتهم وإن كان بينه وبينهم إحنة في الجاهلية فأراد أن يضربهم بما قاله عنهم. وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل خالد بن الوليد ينظر في أمرهم وينكل بهم وأوصاه بالتثبيت وعدم التعجل. فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فرجعوا فأخبروه أن الجماعة متمسكون بالإسلام وأنهم سمعوا أذانهم وصلاتهم. فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي أعجبه فرجع إلى رسول الله فأخبره الخبر فأنزل الله الآية.

والروايات لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة والذي نلحظه أن الآيات نعتت المخبر بالفاسق. ويصعب أن يصدق هذا على رسول وثق به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولا سيما أنه من المهاجرين وابن رجل كان شديد المناوأة للنبي فانفصل عن أبيه والتحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومهما يكن من أمر فالآيات تلهم أنها نزلت في حادث ما أخبر به مخبر غير موثوق به لو صدّقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون لترتب عليه ظلم أناس أبرياء. على أن الإطلاق في الآية الأولى أولا ومجيئها بعد الآيات التأديبية والتعليمية السابقة ثانيا يجعل من المحتمل أن يكون بينها وبين سابقاتها صلة نزول ووحدة سياق ، ويسوّغ التخمين أن الحادث قد وقع قبل نزول السورة فكان وسيلة للتنبيه والتحذير في سياق فصول التعليم والتأديب التي احتوتها السورة.

والآيات تحتوي بطبيعة الحال تعليما وتأديبا عامين مستمري التلقين والشمول وذوي خطورة عظيمة أخلاقية واجتماعية لا تخفى. ولعل في الآيتين الثانية والثالثة توكيدا لهذه الخطورة وتلقينها. لأن التثبت يكون أوجب وأوكد في الظروف التي لا يكون فيها نبي مشمول برعاية الله تعالى وتسديده وإلهامه ووحيه ، وذو نفوذ روحي عظيم على أتباعه. ولقد روى الترمذي «أن أبا سعيد الخدري قرأ (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) ثم قال هذا نبيكم يوحى إليه وأخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتم فكيف بكم اليوم» (١) مما فيه تدعيم

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٢١٥.

٥٠٢

للتلقين الذي نوهنا به آنفا. ولقد روى المفسر القاسمي أن قتادة قال «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول التثبّت من الله والعجلة من الشّيطان» مما فيه تلقين متسق مع التلقين القرآني.

والجملة الأخيرة من الآية الثانية جديرة بالتنويه حيث انطوى فيها تنويه بالذين تتحقق فيهم الصفات المذكورة قبلها والتي تمنع صاحبها من الفسق والكفر والعصيان. وحيث ينطوي في هذا التنويه حثّ على هذه الصفات والتزامها.

ولقد أورد ابن كثير في سياقها حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي رفاعة الزرقي قال «لما انكفأ المشركون يوم أحد قال رسول الله استووا حتى أثني على ربي عزوجل فصاروا خلفه صفوفا فقال اللهمّ لك الحمد كلّه. اللهمّ لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت. ولا هادي لمن أضللت ولا مضلّ لمن هديت. ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرّب لما باعدت ولا مباعد لما قرّبت اللهمّ ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهمّ إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهمّ إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف. اللهم إني عائذ بك من شرّ ما أعطيتنا ومن شرّ ما منعتنا. اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهمّ توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين. غير خزايا ولا مفتونين. اللهمّ قاتل الكفرة الذين يكذّبون رسلك ويصدّون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهمّ قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحقّ» ، حيث ينطوي في الحديث موقف دعائي جامع من مواقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه تعليم وأسوة للمسلمين فيما تمناه وسأله وعاذ منه. ومن جملة ذلك الاتصاف بالصفات التي احتوتها الجملة المذكورة.

هذا وجملة (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) مستند قرآني لاشتراط العدالة في المخبر والراوي والشاهد ووجوب ردّ من عرف بفسقه. والفسق كلمة عامة تعني الانحراف أو التمرّد عن كلّ ما أمر الله ورسوله به ونهيا عنه ورسماه من حدود إيمانية وتعبدية وأخلاقية واجتماعية.

٥٠٣

وبين العلماء خلاف في أمر مجهول الحال (١). أي الذي لم يعرف فسقه ولا صلاحه فقال بعضهم برده لاحتمال فسقه وقال آخرون بقبوله لأن القرآن إنما أمر بالتثبت عند خبر الفاسق. والمجهول ليس محقق الفسق. ويتبادر لنا أن الرأي الثاني هو الأوجه. والله أعلم.

ولقد درج القضاة الشرعيون على استشهاد عدول على عدالة الشاهد بحيث يوجبون شهادة عدلين متحققة عدالتهما عندهم على عدالة الشاهد. ومن المعتاد أن يفعلوا ذلك سرّا ثم يقرر القاضي في أمر الشاهد حسب ما سمعه من العدلين. وهذا سديد مستلهم من روح الآية. وإذا لم يشهد عدلان بعدالته ردّه القاضي ، وبعض القضاة يردون مجهول الحال. والقوانين تمنح للمدعى عليه حقّ الطعن بالشاهد وتحميه في الوقت نفسه ، فعلى الطاعن أن يثبت صدق طعنه وإن لم يثبت عدّ قاذفا عليه العقاب وهذا عدل وسديد ومتسق مع التلقين القرآني.

(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)) [٩ ـ ١٠].

(١) حتى تفيء إلى أمر الله : حتى ترجع عن بغيها وتقبل حكم الله وما رسمه من حدود.

تعليق على الآية

(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما)

والآية التالية لها وما فيها من أحكام وتلقين وما ورد في صددها

وفي صدد الأخوة بين المسلمين من أحاديث ومدى هذه الأخوة والخطة

الرائعة المرسومة فيها لما يجب أن يكون عليه الأمر بين الدول الإسلامية

عبارة الآيتين واضحة. وفيهما تعليم للمسلمين بما يجب عليهم إذا اقتتلت

__________________

(١) انظر تفسير القاسمي.

٥٠٤

طائفتان منهم حيث يجب عليهم أن يبادروا إلى الإصلاح بينهما. فإن لم تكف إحداهما وتجنح إلى الصلح وظهر منها بغي وظلم للأخرى فعليهم أن ينصروا المبغى عليها ويقاتلوا الباغية إلى أن ترتدع وتقبل حكم الله وتقف عند حدوده. فإذا ما أذعنت فعليهم أن يصلحوا بين المتنازعين بالحق والعدل فينال كلّ حقه والله يحب المقسطين. وفي الآية الثانية تعقيب تدعيمي قوي : فالمؤمنون إخوة ويجب أن يكون السلم والصلح موطدين بينهم. فإذا ما شجر بين بعضهم خلاف ونزاع فيجب على الآخرين المسارعة إلى الإصلاح بين المتنازعين مع مراقبة الله وتقواه حتى ينالوا رحمته.

ولقد روى المفسرون (١) روايات عديدة في مناسبة نزول الآيات. منها رواية رواها مسلم في صحيحه عن أنس قال «قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي. فركب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمارا وانطلق إليه مع بعض المسلمين. وكانت الأرض سبخة. فلما أتاه قال له إليك عني فو الله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فكان بينهم ضرب بالأيدي والجريد والنعال. قال فبلغنا أنه نزلت فيهم (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ...)» (٢) ومنها رواية رواها الطبري الذي روى أيضا الرواية السابقة جاء فيها «إن امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد كانت تحت رجل فكان بينها وبينه شيء فضربها فجاء قومها وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال فبلغ ذلك النبيّ فنزلت الآية وجاء النبيّ فأصلح بينهم». ومنها رواية رواها الطبري كذلك جاء فيها أن الآية نزلت في رجلين من الأنصار وكانت بينهما مشادة على حقّ لأحدهما على الآخر فقال صاحبه لآخذنّه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى نبيّ الله ليحاكمه فأبى واشتدّ الأمر بينهم فتدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال فأنزل الله الآية.

ويلحظ أن في الآية ما يفيد أن القتال على أمور وحقوق خاصة يجب إقرارها

__________________

(١) انظر الطبري وابن كثير والبغوي والخازن.

(٢) التاج ج ٤ ص ٢١٥ والروايات رواها غير الطبري أيضا.

٥٠٥

بالعدل. وهذا ما يجعلنا نتوقف في الرواية الأولى ولو كان يرويها مسلم. ولا سيما أنها لا تجزم أن الآية نزلت في الحادث الذي ذكر فيها. وإيراد المفسرين لروايات أخرى قد يفيد أنهم لم يأخذوا بها كسبب لنزول الآية. ونرجح أنها نزلت في مناسبة حادث من باب الرواية الثانية. وإلى هذا فإننا نرجح استلهاما من تجانس المواضيع التأديبية في السورة أن الحادث الذي قد تكون الآيتان نزلت في صدده كان سابقا لنزول السورة فكان وسيلة لتضمنها فصلا تعليميّا في ما يجب على المسلمين عند حدوث حادث مماثل.

والآيتان احتوتا تعليما تام الأركان رائع المدى في شأن ما يقوم من نزاع وقتال بين فريقين من المسلمين. وموجها إلى الفريق الذي ليس طرفا في النزاع بين المسلمين. وموجبا عليه بأن لا يقف موقف الساكت المتفرج بل يسارع إلى التدخل والإصلاح بين الفريقين المتنازعين وإحقاق الحق لصاحبه بدون محاباة. ونصرة المظلوم المبغى عليه بالسلاح إذا لم يرتدع الظالم ويقف عند ما رسمه الله ورسوله من حدود الحق والعدل.

وإطلاق العبارة في الآيتين يجعل ما تحتويانه من تعليم عامّا مستمر التلقين. ويجعل واجب المسلمين المذكور فيهما لازما عليهم في كل وقت ومكان. وفيهما توطيد للأخوة والسلم بين المسلمين. وتقرير لمنافاة النزاع والبغي والظلم بينهم لمعنى الأخوة الإسلامية. وفي هذا من الروعة والجلال ما هو واضح.

وقد يصح أن يقال إن طائفتي المسلمين يمكن أن تكونا قبيلتين أو أسرتين أو مدينتين في نطاق دولة واحدة ويمكن أن تكونا جماعتين ليس لإحداهما سلطان على الأخرى أو دولتين كل منهما ذات سلطان مستقل.

وفي صدد التطبيق قد يكون الأمر بالنسبة للنزاع والقتال بين جماعتين ليس لإحداهما سلطان على الأخرى أو بين دولتين كل منهما مستقل السلطان هو الأكثر تواردا. لأنه لا يبدو ضرورة لقتال الفريق الباغي من طرف ثالث لو كان الأمر يظل دائما في نطاق خصومة عائلية في بلد ما أو قبيلة ما أو بين قبيلتين أو مدينتين في

٥٠٦

نطاق سلطان دولة واحدة لأن سلطان هذه الدولة يكون قادرا على الاقتصاص من الباغي وإلزامه حدود الله وصيانة حقوق الناس وحقن دمائهم وحماية أرواحهم.

ولا تعدّ حكومة هذه الدولة طرفا ثالثا بطبيعة الحال. وحتى لو كانت ظروف الدولة تتحمل مثل ذلك فإن تناول حكم الآيتين لدولتين إسلاميتين أو لجماعتين إسلاميتين لا ترضخ إحداهما لسلطان الأخرى في نطاق دولة واحدة يظل قويّ الورود.

ولعل ما كان من حوادث أليمة بين المسلمين بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وما كان من تكتلهم كتلا بعضهم ينصر فريقا أو إماما وبعضهم ينصر فريقا أو إماما آخر ولا يخضع بعضهم لسلطان الآخر في نطاق دولة واحدة كان من هذا الباب ومن قبيل الاجتهاد في من هو الباغي وفي من هو المبغى عليه أو من قبيل فرض السلطان مما لا يتحمل منهج التفسير تفصيله.

ونريد أن نستدرك أمرا في صدد احتمال قيام دول إسلامية عديدة. وهو أن القرآن قرر ضمنا واقع الأمر من أن رئاسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للدولة كانت شاملة لجميع المسلمين ومصالحهم وكما قررت ذلك الأحاديث النبوية. وأن هذا استمر في عهد الخلفاء الراشدين وبعدهم إلى أمد غير قصير بحيث يسوغ القول إن الأصل في الإسلام هو وحدة الدولة. وإن كان ذلك تقريرا لواقع ما كان دون أن يكون فيه شيء صريح وقطعي من قرآن وسنّة.

ولقد روت الروايات أن فريقا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلوا جهودهم أولا في وقف ما كان من شقاق وحروب بين علي من جهة وعائشة وطلحة والزبير بعد مقتل عثمان رضي الله عنهم أجمعين. ثم بين علي من جهة ومعاوية من جهة رضي الله عنهما. وإن صلحا تمّ بين علي ومعاوية نتيجة لهذه الجهود على أساس استقلال علي بحكم العراق وبعض البلاد واستقلال معاوية بحكم الشام وبعض البلاد (١)

__________________

(١) خبر الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما واستقلال كل منهما في دولة وبلاد مذكور في تاريخ الطبري ج ٣ ص ١٠٧ ـ ١٠٨ وقيام الدول الإسلامية الأخرى واستقلالها عن بعضها في وقت واحد منذ القرن الهجري الثاني إلى الآن معروف مشهور ومستساغ.

٥٠٧

حيث كان هذا ظاهرة لتعدد الدول الإسلامية في الصدر الإسلامي الأول مستساغة من أصحاب رسول الله وعلى علم ومسمع ورضا من عدد كبير منهم كانوا ما يزالون أحياء.

ولقد كان في أواخر القرن الهجري الثاني ثلاث دول إسلامية كل منها مستقلة عن الأخرى كل الاستقلال وهي العباسية في المشرق والإدريسية في المغرب والأموية في الأندلس. وفي أواخر القرن الثالث قامت الفاطمية في شمال إفريقية ثم امتدت إلى مصر والشام. وكانت كل من الأموية في الأندلس والفاطمية والعباسية تتسم بسمة الخلافة وينعت رؤساؤها بنعت أمير المؤمنين. وكان القرآن والسنة مصدري حكمهم وشرائعهم. وساغ ذلك في نظر جمهور المسلمين. ثم استمرت ظاهرة قيام دول إسلامية مستقلة بعضها عن بعض والقرآن والسنّة مصدرا تشريعها وحكمها وما تزال.

ونخلص من هذا إلى القول إن حكم الآيتين وتلقينهما واجدان مجالهما الأوسع والألزم في حالة وجود دول إسلامية عديدة بحيث يكون هو الضابط للعلاقات بينهما. ويكون الانحراف عنه إثما دينيا فضلا عن خطره عليها جميعا وبحيث يقوم بينها تضامن تام في المنافع والمصالح والدفاع والتعاون في مختلف المجالات. وإذا نشب خلاف ونزاع وقتال بين دولتين أو أكثر منهما وجب على سائر الدول الإسراع إلى المداخلة وحل المشكل في نطاق ذلك الأساس والتضامن في فرض قبول الحل على المبطل ولو أدى الأمر إلى الاجتماع على قتاله إلى أن يفيء لأمر الله ويخضع للحق. وفي هذا ما فيه من روعة وجلال. وخاصة إذا لا حظنا أن مثل هذا النظام هو أسمى ما يتوق إلى تحقيقه العالم ، ويرى أساطينه أن لا سبيل إلى توطيد العدل والسلم والحق بين أمم الأرض ودولها إلّا به حيث تبدو بذلك روعة الهدى القرآني ومعجزته الخالدة.

ومسألة تعيين الباغي في هذا الموقف مسألة دقيقة من دون ريب. ولا سيما إذا كانت الأسباب مختلفا فيها. وهذا ما يوجب على الطرف الثالث سواء أكان دولة

٥٠٨

أم جماعة التحري الشديد قبل الانتصار لمن يكون مبغيا عليه حقا. وقد يكون والله أعلم ما جاء في الآية الثانية من حثّ المؤمنين على تقوى الله هو بسبيل ذلك. ولقد كان هذا مما جعل كثيرا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتابعيهم يتحرجون على ما يتبادر لنا من الاندماج مع طرف من أطراف النزاع بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه على ما تواترت فيه الروايات.

ولقد أورد المفسرون في سياق الآيات وبخاصة في صدد الإقساط والأخوة الإسلامية وواجباتها والتضامن الإسلامي أحاديث نبوية عديدة قوية التلقين والعظة. منها حديث عن عبد الله بن عمرو جاء فيه «إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن عزوجل بما أقسطوا في الدنيا» (١) وروي لهذا الحديث صيغة أخرى بطريق آخر وهي «المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا» (٢). ومنها حديث عن النعمان بن بشير رواه الشيخان جاء فيه «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» (٣). ومنها حديث عن أبي موسى رواه الشيخان والترمذي جاء فيه «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا وشبّك بين أصابعه» (٤). وهناك أحاديث صحيحة أخرى في هذا الباب منها حديث عن أبي هريرة رواه الأربعة جاء فيه «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» (٥).

__________________

(١) انظر ابن كثير والخازن والبغوي وانظر التاج ج ٥ ص ١٧.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) التاج ج ٥ ص ٣٥.

٥٠٩

وحديث عن أبي هريرة رواه مسلم وأبو داود والترمذي جاء فيه «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا» (١) وحديث عن أبي أيوب رواه الأربعة قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (٢).

وينطوي في تقرير الأخوة بين المسلمين في الآية والأحاديث تقرير المساواة بينهم كما هو المتبادر. فكما أن كل مسلم أخ لسائر المسلمين فإن كل مسلم متساو مع سائر المسلمين في الحقوق والواجبات العامة. وبكلمة أخرى ليس بين المسلمين طبقات متفاوتة يكون لإحداها على الأخرى حق التميز والتفوق والتعالي بسبب الأحساب والكثرة والمال. وتكون الفرص بينهم متكافئة. وما يكون ويصح أن يكون بينهم من تفاوت في المركز الاجتماعي والسياسي ونطاق الحكم والثروة مما هو نتيجة للتفاوت في المواهب والنشاط والمطامح وحسن اقتناص الفرص ليس من شأنه أن يسبغ لأحد على أحد ذلك الحق.

وليس هذا طبقية أيضا. لأنه مقبول متحول دائما. ولقد روى أبو داود عن علي بن أبي طالب حديثا عن رسول الله جاء فيه «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم» (٣) ويأتي بعد قليل آية رائعة تقرر التساوي بين الناس وتقرر أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم.

والمتبادر من إطلاق جملة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ومن الإطلاق في الأحاديث أن الرجال والنساء سواء في هذه الأخوة. وفي القرآن آيات مؤيدة لذلك

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٣٥ ـ ٣٦ وقد روي هذا الحديث بصيغة أخرى وطريق آخر أيضا. انظر المصدر نفسه.

(٢) التاج ج ٥ ص ٣٦ وكذلك روي هذا الحديث بصيغة أخرى وطريق آخر أيضا. انظر المصدر نفسه.

(٣) تفسير القاسمي للآيات [١٧٨ و ١٧٩] من سورة البقرة والتاج ج ٢ ص ١٦٨.

٥١٠

منها آية سورة التوبة هذه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) [٧١] وإذا كان لمالكي الرقيق على رقيقهم حقوق تجعل المماليك وما يملكون ملكا لمالكيهم فإن ذلك لا ينزع عنهم الأخوة الإسلامية. مع الأحرار وهم متساوون أمام الله في الحقوق والواجبات الدينية. وفي سورة النساء آية تقرر أن المماليك المؤمنين والأحرار بعضهم من بعض وهي هذه (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [٢٥] ، وفي كل هذا ما فيه من روعة وجلال وتلقين. ولقد كان نظام الرق قائما عامّا قبل نزول القرآن فعالجه هو والأحاديث النبوية خير معالجة وحثّا على تحريره بل وضعا أسسا لتحريره وإلغائه وانحصر في دائرة ضيّقة ظلّت تضيق حتى زال أو كاد في الإسلام.

هذا ، ولقد قال المفسرون (١) إن في الآيتين دليلا على أن القتال بين المسلمين لا يزيل اسم الإيمان عنهم حتى ولا عن الباغي منهم لأن الله سماهم إخوة ومؤمنين. وفي هذا وجاهة ظاهرة. ولقد روى البغوي «أن سائلا سأل عليّ بن أبي طالب عن الذين قاتلهم وقاتلوه في وقعتي الجمل وصفين (٢) هل هم مشركون؟ قال لا إنهم من الشرك فرّوا. فسأله هل هم منافقون؟ قال لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلّا قليلا. فسأله فما حالهم؟ قال إخواننا بغوا علينا».

ومع أن قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله مستند إلى أمر الله في الآية الأولى من الآيتين اللتين نحن في صددهما فالمتبادر أن هذا لا يدخل ذلك في مدى ومفهوم الجهاد في سبيل الله وموجباته ومقتضياته وحدوده وآثاره. لأن هذا إنما شرع بالنسبة لأعداء المسلمين من غيرهم. ويستتبع هذا أن لا يكون استرقاق للأسرى المسلمين الذين تأسرهم الفئة الثانية ولا جواز قتلهم ولا يكونوا تابعين للفداء لأن كل هذا إنما جاء كذلك بالنسبة لأسرى غير المسلمين من الأعداء. ولقد

__________________

(١) انظر البغوي وابن كثير والخازن.

(٢) الواقعة الأولى بين علي وأنصاره من جهة وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا من جهة. والثاني بين علي وأنصاره من جهة ومعاوية وأنصاره من جهة.

٥١١

روى البغوي أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أرسل مناديا ينادي يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح وأنه جيء يوم صفين بأسير فقال لا أقتلك إني أخاف الله ربّ العالمين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)) [١١].

(١) قوم : هنا بمعنى الرجال على ما عليه الجمهور.

(٢) لا تلمزوا : لا تعيبوا ولا تغمزوا ولا تطعنوا.

(٣) ولا تنابزوا بالألقاب : ولا تنعتوا بعضكم بأسماء وألقاب مكروهة.

في الآية :

(١) نهي للمسلمين رجالهم ونسائهم عن سخرية بعضهم من بعض. وتنبيه على سبيل توكيد النهي إلى أنه قد يكون المسخور به خيرا من الساخر.

(٢) ونهي كذلك عن غمز بعضهم بعضا بما يسيئه أو تلقيب بعضهم بعضا بأسماء وألقاب مكروهة. وتنبيه على سبيل توكيد النهي إلى أن في ذلك فسقا. ولبئس الإنسان أن يفسق بعد الإيمان.

(٣) وإنذار للذين لا يرتدعون ولا يتوبون فهم ظالمون باغون.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ)

وما فيها من تلقين وتأديب

ولقد احتوت الآية أربعة نواه. وروى المفسرون (١) لكل نهي مناسبة خاصة.

__________________

(١) انظر تفسير البغوي والطبرسي والخازن والطبري وابن كثير.

٥١٢

فالأول بسبب سخرية بعض الأغنياء أو الزعماء ببعض فقراء المسلمين ورثاثتهم. والثاني بسبب سخرية بعض زوجات النبي ببعض آخر منهن بسبب قصر قامتها وهي أم سلمة أو بسبب يهوديتها وهي صفية. والثالث بسبب غمز مسلم لمسلم آخر بأمه لأنه لم يفسح له مكانا للجلوس فيه قرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أو بسبب تسمية أشخاص بأسماء لهم غير مستحبة عندهم فيثيرون بذلك غضبهم. والرابع بسبب نعت بعض المسلمين بعض من أسلم من اليهود والنصارى باليهودي والنصراني. والآية منسجمة الأجزاء والأسلوب متماثلة المواضيع إجمالا. ويتبادر لنا بالإضافة إلى ذلك أنها غير منقطعة وغير منفصلة عن مواضيع ما قبلها وما بعدها. فإذا كانت الحوادث المروية صحيحة وهو محتمل فالراجح أنها وقعت قبل نزول الآية بل قبل نزول السورة فكانت وسيلة لنزول الآية في جملة آيات السورة التأديبية.

وعبارة الآية مطلقة من شأنها أن يكون ما احتوته تعليما وتأديبا عامين للمسلمين في كل وقت ومكان. وقد استهدفت توطيد الأخوة والمودة بينهم. فالمنهيات مما يتنافى مع آداب السلوك الرفيعة. ومن شأنها إثارة العداء والبغضاء والأحقاد بين المسلمين بعد أن جمعت بينهم أخوة الإسلام العامة.

ولقد روى المفسرون عن ابن عباس وبعض علماء التابعين أن النهي يتناول كل ما فيه نبز وسخرية وانتقاص وتحقير وإساءة ومن ذلك نعت المرء لآخر بالفسق والكفر والنفاق وبالكلب والحمار. وهذا سديد ، ويمكن أن يقاس على هذا كل ما يكون من هذا الباب بطبيعة الحال غير ما ذكر.

ولسنا نرى محلا للاستشكال بسبب نهي الرجال عن السخرية من الرجال فقط والنساء عن السخرية من النساء. وبسبب تعليل النهي باحتمال أن يكون المسخور به خيرا من الساخر. فالتقريرات والمبادئ القرآنية عامة تمنع أن يفرض إجازة سخرية الرجال من النساء والنساء من الرجال وإجازة السخرية من أحد ما إطلاقا سواء أكان الساخر خيرا منه أم كان المسخور منه غير خير من الساخر. وروح الآية وهدفها بالذات يلهمان أنها بسبيل تأديب المسلمين رجالهم ونسائهم جميعا ، ويلهمان بالتالي أن كل ما نهي عنه فيها وارد بالنسبة للرجال والنساء على السواء

٥١٣

وبصورة مطلقة. وعبارتها إنما جاءت كما جاءت للمناسبات وحسب.

ولقد أثرت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث عديدة متساوقة في التلقين مع تلقين الآية مع شيء من التوضيح نكتفي منها بما ورد في الكتب الخمسة ، منها حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «أيّما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان قال وإلّا رجعت عليه». وحديث رواه الشيخان عن أبي ذرّ قال «سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلّا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». وحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المستبّان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم». وحديث رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «اثنتان في الناس هما بهما كفر الطعن بالنسب والنياحة على الميّت». وحديث رواه الترمذي عن عبد الله قال «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء» وحديث رواه أبو داود عن عائشة قالت «اعتلّ بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزينب أعطها بعيرا فقالت أنا أعطي تلك اليهودية. فغضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهجرها ذا الحجة والمحرّم وبعض صفر» وفي بعض الأحاديث التي أوردناها في الفقرة السابقة شيء متصل بهذه الآية ومنها الذي جاء فيه «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره».

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)) [١٢].

(١) ولا تجسّسوا : ولا تبحثوا سرا عن عورات الناس وشؤونهم الخاصة لتطّلعوا على مخفياتهم.

٥١٤

عبارة الآية واضحة وفيها :

(١) أمر للمسلمين باجتناب الظنون والتخمينات والأخذ بها والحكم على الأمور بموجبها. فإنّ من الظنون ما هو خطأ يجرّ صاحبه إلى الإثم.

(٢) ونهي لهم عن البحث عن عورات بعضهم ومخفيات أمورهم وكشفها عن اغتياب بعضهم بعضا وذكره بالسوء في غيابه. وسؤال إنكاري على سبيل توكيد النهي عن الغيبة بخاصة عما إذا كان يحبّ أحدهم أن يأكل لحم أخيه ميتا. وتقرير لما هو طبيعي من كراهية ذلك.

(٣) وحثّ على تقوى الله ومراقبته والتوبة عن مثل هذه الأعمال البغيضة المكروهة المؤذية مع التنبيه على أن الله تعالى تواب يقبل توبة التائب ويشمله برحمته.

تعليق على الآية

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) إلخ

وما فيها من تلقين وما روي في صددها من أحاديث

وقد روى المفسرون (١) أن الآية نزلت أثناء غزوة غزاها النبي. حيث ضمّ سلمان الفارسي إلى شخصين موسرين ـ وهذا من عادة النبي حينما يخرج إلى غزاة ـ ليخدمهما ويأكل معهما. فغلبته عيناه مرة فلم يجهز لهما طعاما فأرسلاه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرسله إلى أسامة بن زيد خازن المئونة فقال له ليس عندي شيء فأرسلاه إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فقالوا له لو أرسلناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان على أسامة ليعلما إن كان عنده طعام ومنعه وأخذا يغمزان سلمان ويغتابان أسامة فلما جاءا إلى رسول الله قال لهما ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا لحما قال بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة فأنزل الله الآية.

__________________

(١) انظر تفسير البغوي والطبرسي والخازن وابن كثير.

٥١٥

ومع احتمال حدوث مناسبة مثل المناسبة المروية فإن الاتصال والتساوق والتجانس بينها وبين آيات السورة قائم. وما قلناه في صدد سابقاتها من كون المناسبات قد حدثت قبل نزول السورة ، فكانت وسيلة لما احتوته من تأديب وتعليم يقال هنا أيضا.

ولقد استهدفت الآية تنبيه المسلمين إلى وجوب رعاية حقوق بعضهم وأعراضهم في الغياب وتغليب حسن الظن في بعضهم وكبت غريزة الاستطلاع والتجسس على أسرار بعضهم ومخفياتهم. وتلقينها عام مستمر المدى كسابقاتها. وتعبير (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) تعبير قوي لاذع بسبيل تعظيم إثم غيبة الناس واستنكارها.

وهكذا تتكامل سلسلة التأديبات الرفيعة ليكون المسلمون بها مثال مكارم الأخلاق منزهين عن سيئاتها ومكروهاتها الخاصة والعامة.

ولقد أورد المفسرون في سياق الآية أحاديث نبوية عديدة قوية التلقين والعظة في صدد منهياتها. منها حديث أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال «رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يظنّ به إلّا خيرا» (١) وحديث رواه البخاري وأبو داود جاء فيه «إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» (٢). وحديث رواه أبو داود عن معاوية قال «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس

__________________

(١) النصوص من تفسير ابن كثير وقد أورد المفسر الحديث الأخير بصيغ أخرى ومن طرق أخرى مع خلاف يسير عن البراء بن عازب وعن نافع وابن عمر والمرجح أن الظن الذي وصفه الحديث الثاني بأكذب الحديث هو سوء الظن بالناس وليس الظن إطلاقا. والحديث الثاني رواه البخاري وأبو داود (انظر التاج / ٥ ص ٢٥) والحديثان الثالث والرابع رواهما أبو داود والترمذي (انظر المصدر نفسه ص ٢٨).

(٢) المصدر نفسه.

٥١٦

أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» (١). وحديث رواه أبو داود عن أبي برزة الأسلمي جاء فيه «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» (٢). وحديث أخرجه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال «كنّا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله أتدرون ما هذه الريح. هذه ريح الذين يغتابون الناس» (٣). وحديث أخرجه الإمام أحمد كذلك عن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنّم ، ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبّه حبسه الله تعالى على جسر جهنّم حتى يخرج مما قال» (٤) وحديث رواه أبو داود عن جابر ابن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري قال «سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلّا خذله الله تعالى في مواطن يحبّ فيها نصرته. وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله عزوجل في مواطن يحبّ فيها نصرته» (٥) وفي الحديثين الأخيرين إيجاب على كل مسلم أن يدافع عن أخيه المسلم إذا ما ذكر في مجلس سوء.

وهذه طائفة من أحاديث نبوية أخرى في صور من الاغتياب المكروهة التي نبّه رسول الله عليها وندّد بها ونهى عنها. منها أحاديث رواها الطبري بطرقه وهو من أئمة الحديث ومن ذلك حديث عن أبي هريرة جاء فيه «إنّ رجلا قام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأوا في قيامه عجزا فقالوا ما أعجز فلانا فقال رسول الله أكلتم لحم

__________________

(١) المصدر السابق نفسه.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) النص من ابن كثير أيضا. وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بطريق أخرى مع خلاف يسير في العبارة.

(٤) النصوص من ابن كثير أيضا ، وقد أورد ابن كثير الحديث الأول من طريق أخرى بصيغة أخرى.

(٥) المصدر نفسه.

٥١٧

أخيكم واغتبتموه». وحديث عن معاذ بن جبل قال «كنّا عند رسول الله فذكر القوم رجلا فقالوا ما يأكل إلّا ما أطعم وما يرحل إلا ما يرحل له وما أضعفه فقال رسول الله اغتبتم أخاكم. فقالوا يا رسول الله وغيبته أن نحدث ما فيه فقال بحسبكم أن تحدّثوا عن أخيكم بما فيه» وحديث عن أبي هريرة قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكرت أخاك بما يكره فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه» (١). وحديث عن حسان بن المخارق جاء فيه «إن امرأة دخلت على عائشة فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بعدها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي أنها قصيرة فقال رسول الله اغتبتها» (٢). وحديث رواه البغوي بطرقه عن أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» (٣). وهناك حديث يرويه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حقّ ، ومن الكبائر السّبّتان بالسّبة» (٤) وفي الأحاديث تعليم وتأديب نبويان واجبا الالتزام.

هذا ، وهناك حديث صحيح استنبط منه العلماء جواز غيبة الفاسق. وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت «استأذن رجل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام ، قال أي عائشة إن شرّ الناس من

__________________

(١) روى مسلم وأبو داود والترمذي مثل هذا الحديث بهذه الصيغة «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أتدرون ما الغيبة. قالوا الله ورسوله أعلم. قال ذكرك أخاك ما يكره. قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول. قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» التاج ج ٥ ص ٢٤ وبهته معناه افتريت عليه وهذا أشدّ من الغيبة.

(٢) روى أبو داود والترمذي حديثا مقاربا بصيغة أخرى عن عائشة قالت «قلت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسبك من صفية كذا وكذا يعني قصيرة. فقال قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) التاج ج ٥ ص ٢٤.

(٣) روى هذا الحديث أبو داود أيضا انظر التاج ج ٥ ص ٢٥.

(٤) التاج ج ٥ ص ٢٤.

٥١٨

تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه» (١).

وهناك حديثان نبويان فيهما صورة لأخلاق رسول الله متصلة بالموضوع الذي نحن فيه رواهما أبو داود والترمذي أحدهما عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (٢) وثانيهما عن عائشة قالت «حكيت للنبي إنسانا فقال ما أحبّ أني حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» (٣) حيث ينطوي فيهما تأديب نبوي للمسلمين أيضا الذين أمروا بأن يكون لهم رسول الله الأسوة الحسنة.

ولقد شرحنا كلمة (وَلا تَجَسَّسُوا) بما شرحناه لأن هذا هو ما يلهمه مقامها والأحاديث التي أوردناها في صددها. ومن المعلوم أن هناك عملا آخر من أعمال التجسس وهو التجسس على الأعداء والتجسس لهم. والأول مبرّر. وهناك حديث رواه أبو داود عن أنس في هذا جاء فيه «بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان» (٤) وحديث آخر رواه الشيخان والترمذي عن جابر قال «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا. قالها ثلاثا ويجيبه الزبير. فقال النبيّ لكلّ نبيّ حواريّ وحواريّي الزبير» (٥). والثاني جريمة قد تكون ارتدادا لأن فيها توليا ونصرة للأعداء ومتولي الأعداء وناصرهم على المسلمين منهم وليس من الله في شيء كما جاء في آية سورة آل عمران هذه (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) [٢٨] وآية سورة المائدة هذه (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٦).

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٢٤.

(٢) التاج ج ٥ ص ٢٤.

(٣) المصدر السابق نفسه. والمتبادر أن كلمة (حكيت) بمعنى قلدت ذلك الإنسان في عمله أو قوله ويكون ذلك القول أو العمل غير مستحب أو مثيرا للسخرية. وهذا من مألوفات ما يفعله الناس.

(٤) التاج ج ٤ ص ٣٦١.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) هذه الآية في سلسلة فيها نهي عن اتخاذ الذين يتخذون دين المسلمين هزوا من أهل الكتاب

٥١٩

وهناك حديثان يذكر أحدهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتل جاسوس من الأعداء وذكر ثانيهما أن النبي أمر بقتل من قال عن نفسه إنه مسلم وتجسّس للأعداء. وقد روى أولهما البخاري وأبو داود عن سلمة بن الأكوع قال «أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس مع أصحابه يتحدّث ثم انفتل فقال النبي اطلبوه فاقتلوه. قال فقتلته فنفّلني سلبه» (١). وروى ثانيهما أبو داود وأحمد جاء فيه «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتل فرات بن حيّان وكان عينا لأبي سفيان. وكان حليفا لرجل من الأنصار فمرّ بحلقة من الأنصار فقال إني مسلم فقال النبي إنّ منكم رجالا لا نكلهم إلى إيمانهم. منهم فرات بن حيّان» (٢).

ويرد على البال الجواسيس الذين تبثّهم الحكومات بين رعاياها. فإن كان ذلك ضدّ المجرمين وجرائمهم حقا وصدقا فقد يكون مبررا. وإن كان لغير ذلك يكون إثما عند الله وداخلا في نطاق النهي القرآني والنبوي ، والله تعالى أعلم.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)) [١٣].

(١) شعوبا وقبائل : أوجه الأقوال في الكلمتين على ما تلهمه روح الآية وتقديم الأولى على الثانية أن (الشعب) هو الأصل البعيد الجامع وأنه سمّي بذلك لأنه يتشعب إلى فروع. وأن (القبيلة) هي الأصل القريب المتفرع عن الشعب التي يتجمع فيها أفراد الفرع المنحدرين من أب أقرب.

__________________

والمشركين حيث يكونون بذلك أعداء للمسلمين. وفي السلسلة نعت الذين يفعلون ذلك بالارتداد أيضا.

(١) التاج ج ٤ ص ٣٦٠.

(٢) المصدر نفسه ص ٣٦٠ ذكر الشارح في ذيله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدل عن قتل فرات لأن حليفه كفله وأنه تاب وحسن إسلامه. ولم يذكر سندا لذلك. فإذا صح ففيه سنة نبوية بطبيعة الحال.

٥٢٠