التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

خالفوا أحكام الله وانحرفوا عن حدوده ، ليكون ذلك مثلا وعظة يتمثل ويتعظ بها الذين يخافون الله ويتقونه ويراقبونه.

وهذا النوع من الآيات كثير في النظم القرآني وقد مرّت منه أمثلة كثيرة.

(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)) [٣٥].

(١) مشكاة : قيل إنها الكوّة غير النافذة في الجدار ، التي يوضع فيها السراج.

وقيل هي القنديل الذي يوضع فيه السراج والمادة الدهنية التي يغمس فيها الفتيل أو الحدائد التي يعلق بها القنديل. وقيل إنها معربة. وقيل إن لها أصلا في الفصحى وهو الشكوة بمعنى القربة. ومقامها يلهم أنها آنية صافية أو أنها القنديل الذي يعلق في السقف. وهذا هو الذي تعرف به الآن.

(٢) مصباح : قيل إنه السراج وقيل إنه القنديل. وقيل إنه الفتيلة المضيئة ونرجح القول الأخير ، استلهاما من روح العبارة ومداها.

(٣) درّيّ : نسبة إلى الدرّ. وهو اللؤلؤ ، بقصد تشبيه اللون والصفاء واللمعان. وكان العرب يسمون النجم الشديد اللمعان والسطوع كوكبا دريّا وجمعه دراري.

قد تكون هذه الآية بدء فصل جديد لا صلة له بالسابق. وقد تكون متصلة بالآية السابقة بسبيل التنويه بنور الله الساطع فيما أنزله من الآيات. ونحن نميل إلى ترجيح الاحتمال الثاني استلهاما من المناسبة.

وقد احتوت كما يتبادر لنا :

(١) تقريرا بأن الله هو نور السموات والأرض جميعا ، أي منورهما بنوره.

٤٢١

(٢) وتمثيلا لنوره بما يمكن أن يفهمه الناس من مشاهد الدنيا وأمثلتها تقريبا لأذهانهم : فنوره مثل نور زيت شجرة الزيتون المباركة التي نبتت في أحسن البقاع وأكثرها اعتدالا ، فليست في أقصى الشرق فتشتد عليها حرارة الشمس ولا في أقصى الغرب فتشتد عليها البرودة ، فجاء زيتها نقيا صافيا وقد وضع في زجاجة صافية بيضاء لامعة كأنها كوكب دري. وقد وضع المصباح في الزجاجة ووضعت الزجاجة في مشكاة. والمصباح يوقد من ذلك الزيت النقي الصافي الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ويكون نورا لغيره الموضوع في تلك الزجاجة التي كأنها كوكب دريّ بلمعانها وصفائها. وهذا مثل نور الله الذي هو نور في ذاته ونور لغيره.

(٣) وتعقيبا على هذا التمثيل بأن الله إنما يهدي لنوره من يشاء وأنه يضرب الأمثال للناس ليتدبروها وأنه العليم بكل شيء ومقتضيات كل شيء.

والمتبادر لنا كذلك أن الآية من حيث الإجمال أسلوب من أساليب تقريرات القرآن لعظمة ذات الله وآثاره الباهرة الظاهرة في السموات والأرض. وقد استهدفت تقرير كون نور الله وهداه في آياته قد بلغا من الظهور والسطوع والصفاء والسناء أقصى الغايات ، فإذا لم يهتد بهما أحد ما فلن يكون ذلك بسبب غموض أو خفاء أو ضعف نور وجلاء فيهما ، وإنما يكون بسبب قصور فيه. فالله إنما يهدي لنوره من يشاء ممن حسنت نياتهم وطابت سرائرهم ولم يتعمدوا الضلال والغواية. أما خبثاء النية والطوية المعاندون المكابرون فهم عمي لا يبصرون نور الله فلا يهتدون به. ولعلّ في الآيات التالية قرائن مؤيدة لهذا التوجيه إن شاء الله.

ولقد صرف بعض المؤولين من التابعين على ما ورد في بعض كتب التفسير الضمير الغائب في (نُورِهِ) إلى المؤمن. وقالوا إن الآية مثل ضربه الله للمؤمن. ولكن الجمهور على أنه نور الله تعالى. وهذا هو الأوجه المتسق مع نصّ الآية.

٤٢٢

ولقد أورد المفسرون تأويلات عديدة للآية منها أنها مثل ضربه الله لتبيين هدى نور الله وأثره. ومنها أنها مثل ضربه الله لنبيه. فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح النبوة والشجرة المباركة هي شجرة إبراهيم الحنيف المسلم ، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية. ومنها أنها مثل ضربه الله لطاعته فسماها نورا وأضاف هذا النور إلى نفسه تفضلا. ونلمح في هذه التأويلات شيئا من التكلّف ونرجو أن يكون كما تبادر لنا هو الصواب (١).

وفي كتب تفسير الشيعة روايات معزوة إلى أئمتهم في تأويل الآية فعن الرضا قوله «نحن المشكاة والمصباح فيها محمد يهدي لو لايتنا من أحبّ» وعن أبي جعفر قوله «نور العلم في صدر النبي المصباح في زجاجة. والزجاجة صدر علي. فصار علم النبي إلى صدر علي. ومعنى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار أي يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل. ومعنى نور على نور أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد مثله. فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه وحجته على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم كما لا تخلو السماوات والأرض من نور الله» (٢). والتكلف والهوى الحزبي ظاهران في هذه الروايات.

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨)) [٣٦ ـ ٣٨]

__________________

(١) انظر الأقوال والتأويلات في كتب الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي. وهناك أقوال وتأويلات أخرى من بابها لم نر ضرورة لإيرادها.

(٢) انظر تفسير الطبرسي وهو من معتدليهم.

٤٢٣

تعليق على الآية

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦))

والآيتين التاليتين لها وما ورد في صدد فضل المساجد وآدابها

قال بعض المفسرين : إن (فِي) متعلقة بمحذوف تقديره (سبحوا) أي سبحوا الله في بيوت أذن الله أن ترفع (١). وهذا يجعل الآيات فصلا جديدا متصلا بما بعده ، غير أن معظم المفسرين قالوا إنها متعلقة بالمشكاة التي مثل الله نوره في الآية السابقة بنورها ، على اعتبار أن مشاكي بيوت العبادة أكبر المشاكي ونورها أقوى الأنوار (٢). ونحن نرجح هذا على القول الأول لأنه متسق مع معنى الآيات ومداها. وبذلك تكون هذه الآيات بمثابة استطراد وانتقال لتقرر أن نور الله قوي هاد كنور المشكاة الكبيرة ذات النور الساطع التي تكون في بيوت العبادة التي أمر الله برفع أركانها وتكريمها بذكر اسمه والتي يسبح له فيها عباده المهتدون بنوره الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، حاسبين حساب اليوم الآخر الذي تضطرب فيه القلوب وتزيغ الأبصار. ولسوف يجزيهم الله جزاء يتكافأ مع أحسن أعمالهم ويزيدهم من فضله أيضا. وهو الواسع الفضل ، إذا أعطى أحدا فإنه يعطيه بدون حساب.

والمعنى مستقيم بهذا الشرح كما هو واضح. ومع أن ذكر بيوت الله جاء إتماما لمدى تمثيل نور الله بالمشكاة فالمتبادر أن ذكر عباد الله قد جاء بمثابة استطراد. وليس هذا غريبا في النظم القرآني. وقد تضمن الاستطراد في الوقت نفسه تنويها ببيوت العبادة وإيجاب تكريمها وتطهيرها. وبعباد الله المخلصين واهتدائهم بنور الله وما يسّره لهم هذا النور من السير في الطريق القويم الذي نجحوا به وسعدوا.

__________________

(١) انظر الزمخشري والنسفي.

(٢) انظر الطبري والنيسابوري والبغوي والخازن وابن كثير. والزمخشري والنسفي قد أوردا القول الثاني أيضا.

٤٢٤

ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن نصّ الآيات وروحها يلهمان أن المقصود من البيوت هي التي يذكر فيها اسم الله عزوجل ويعبد دون غيره ودون ما شائبة واختصاص أو تأويل أو غموض. وهذه الأوصاف عدت بعد البعثة المحمدية منحصرة في مساجد المسلمين التي يذكر فيها ويعبد ربّ العالمين جميعا ، المتصف بجميع صفات الكمال الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

هذا ويحسن أن ننبه على أمر في هذا المقام وهو أن ما احتوته الآيات من التنويه بعباد الله الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله لا ينفي أن يؤخذ على أنه تنويه بالذين هم ينقطعون لذكر الله ولا يتعاطون تجارة ولا بيعا. ولا على أنه تنديد بالمشتغلين بالتجارة والبيع وأمور الدنيا. ففي العبارة القرآنية نفسها ما يفيد أن التنديد يكون لمن يشغله ذلك عن واجباته نحو الله والناس وحسب وأنه لا يتوجه إلى من يشتغل بأمور الدنيا دون أن يشغله ذلك عن هذه الواجبات. وفي القرآن آيات كثيرة مرّت أمثلة منها مكية ومدنية فيها تسويغ لابتغاء فضل الله وحثّ على السعي في مناكب الأرض. مما هو بديهي وفيه قوام الحياة. ومتسق مع مقاصد القرآن. وفي آية سورة الجمعة هذه (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠) تفسير صريح للمراد من هذا الشرح والتنبيه.

ولقد أورد المفسرون في سياق الآيات أحاديث عديدة في فضل بناء المساجد وآدابها منها ما ورد في الكتب الخمسة. فمن ذلك حديث رواه الخمسة إلّا أبا داود عن عثمان بن عفان قال «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنّة وفي رواية بيتا في الجنة» (١) وحديث رواه أبو داود والترمذي عن عائشة قالت «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظّف وتطيّب» (٢)

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ و ٢١٣.

(٢) المصدر نفسه ، وحديث عائشة يفيد أنه يحسن بالمسلم أن يكون في بيته ركن خاص يكون بمثابة مسجد له ويعنى بنظافته وتطييبه.

٤٢٥

وروى الشيخان وأبو داود عن أنس «أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى نخامة في القبلة فحكّها بيده ورؤي منه كراهية وقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربّه فلا يبزقنّ في قبلته ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه وردّ بعضه على بعض وقال يفعل هكذا» (١) وروى مسلم عن أبي هريرة «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد فليقل لا ردّها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا» (٢). وروى الخمسة عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدا وفي رواية فلا يقربنّ مساجدنا ، حتى يذهب ريحها» (٣) وروى الترمذي والنسائي «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء فيه وأن يتحلّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة» (٤). وروى أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ما أمرت بتشييد المساجد». وروى البخاري وأبو داود عن ابن عباس «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» (٥). وروى مسلم والنسائي عن جندب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» (٦) وروى الترمذي عن ابن عمر قال «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يصلّى في سبع مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله الحرام» (٧) وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «الأرض كلّها مسجد إلّا الحمّام والمقبرة» (٨). وروى الخمسة إلا أبا داود عن

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ و ٢١٣.

(٢) المصدر نفسه ص ٢١٥ ـ ٢١٩.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) المصدر نفسه ، وننبه على أن النهي هو عن أن يكون مكان ما قبرا لصالح أو نبي ثم يتخذ مسجدا وفرق بين هذا وبين أن يكون المكان في الأصل مسجدا ثم يدفن في طرف منه صالح أو نبي. وقبر النبي وصاحبيه من هذا الباب لا من الأول.

(٧) المصدر نفسه ص ٢٢٠.

(٨) التاج ج ١ ص ٢١٩.

٤٢٦

أبي هريرة حديثا عن النبي جاء فيه «وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا» (١). وروى الشيخان وأبو داود عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. وزاد ولكن ليخرجن وهنّ تفلات» (٢). وروى الخمسة عن عباد بن تميم عن عمه «أنه رأى رسول الله مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى» (٣). وروى الثلاثة عن أبي هريرة قال «بعث رسول الله خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد» (٤) وروى ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا تتخذ المساجد طريقا ولا يشهر فيها سلاح ولا ينبض فيها بقوس ولا ينثر فيها نبل ولا يضرب فيها حدّ ولا تتخذ سوقا» (٥) وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنّة نزلا كلّما غدا أو راح» (٦) وروى الخمسة إلا أبا داود عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثا عن سبعة يظلّهم الله في ظلّه منهم «رجل قلبه معلّق في المساجد» (٧) وروى مسلم والنسائي والترمذي عن أبي هريرة كذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من تطهّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة» (٨).

وليس ما أوردناه هو كل ما هناك من أحاديث في المساجد فاكتفينا بما تقدم.

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ وكلمة مسجد في هذا الحديث تعني مكان سجود حيث يجوز للمسلم أن يصلي في أي مكان طاهر.

(٢) المصدر نفسه ص ٢١١ ومعنى تفلات أي غير متعطرات.

(٣) المصدر نفسه ص ٢١٤.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) من تفسير ابن كثير.

(٦) التاج ج ١ ص ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٧) المصدر نفسه.

(٨) المصدر نفسه.

٤٢٧

وهناك أحاديث كثيرة تفيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يستقبل الوفود في مسجده ويتناظر معهم ويتبادل معهم العهود ، ويراجعه الناس في مسجده بمشاكلهم المتنوعة ويقضي بينهم. ويعقد لقواده الرايات. ولقد أصيب سعد بن معاذ بسهم في واقعة الخندق فضرب النبي عليه خيمة في مسجده يعوده من قريب (١) ، وجعل له امرأة تعالجه. هذا فضلا عن مجالسه الوعظية التي كان يتحلق فيها حوله أصحابه يسمعون منه ويسألونه. حيث يفيد كل هذا ما كان مسجد رسول الله يتسع له من نشاط ديني ودنيوي معا. وفي سورة المائدة هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)) حيث ينطوي فيها صورة مجلس قضائي عقده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجده. ولقد سار خلفاء النبي الراشدون على هذا. فكان المسجد دار خلافة ونشاط سياسي وديني معا. وإذا كان أولو أمر المسلمين أخذوا يتخذون دورا غير المسجد للحكم فإن المساجد كانت وظلّت منذ الصدر الإسلامي مكان علم وتعليم لطلاب العلم بالإضافة إلى كونها مكان وعظ ودرس علم لسواد المسلمين. وبالتالي ظلت تتسع لشؤون عامة غير الصلاة أيضا.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)) [٣٩ ـ ٤٠].

(١) سراب. هو الظاهرة التي تظهر في القيعان في ظروف طبيعية خاصة بمظهر الماء والبحيرات.

__________________

(١) انظر التاج ج ٤ ص ٣٧٧.

٤٢٨

(٢) قيعة : قاع. وهي السهل الذي فيه شيء من الانخفاض.

(٣) لجّي : عميق.

في الآيات تنديد بالكفار مقابل التنويه بعباد الله الصالحين في الآيات السابقة جريا على الأسلوب القرآني في المناسبات المماثلة. وقد تضمنت تقرير ما يلي : أن الذين كفروا ولم يهتدوا بنور الله الساطع لن يكون لهم نور آخر يهتدون به. وأن أعمالهم لخاسرة حابطة مهما خيّل لهم غير ذلك. وأن مثلهم كمثل ذلك الظمآن الذي رأى سرابا في قيعة فظنه ماء ، فلما جاءه لم يجده شيئا فوقع في الخيبة المريرة. أو كمثل الذي هو فوق بحر عميق تلاطمت حوله الأمواج الصاخبة فسدت عنه أفق الساحل وادلهمّ وجه السماء بالسحب القاتمة ، وكان الوقت ليلا مظلما فاكتنفته هذه الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض ، حتى لا يكاد يرى يده لو رفعها ـ فضلا عن الطريق أو الأمل بالنجاة. ولسوف يوفيهم الله هم الآخرون حسابهم الحقّ فليس عنده مطل ولا تسويف في توفية الحساب.

والتنديد والتمثيل قويان رهيبان. مستمدان من مشاهد الطبيعة الرهيبة. ومن شأنهما إثارة الخوف والارعواء في السامعين من الكفار ، وهذا مما استهدفته الآيات كما هو المتبادر.

ولقد روى البغوي عن مجاهد أن الآيات نزلت في عتبة بن عتبة بن أمية الذي كان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر. ويلحظ أن الآية معطوفة على ما قبلها عطف تعقيب وتمثيل ومقابلة. وقد قال البغوي راوي الرواية إن الأكثر على أنها عامة في جميع الكفار وهو ما قاله جمهور المفسرين. ولعل بعضهم لما سمعها اعتبرها منطبقة على حالة عتبة فكان ذلك سبب الرواية.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ

٤٢٩

خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)) [٤١ ـ ٤٥].

(١) والطير صافات : باسطة أجنحتها في السماء.

(٢) يزجي : يسوق.

(٣) ركاما : متكاثفا أو متراكما بعضه على بعض.

(٤) الودق : قطرات المطر.

(٥) وينزل من السماء من جبال فيها من برد : أوجه تأويلات الجملة هو (ينزل من السماء بردا قدر الجبال).

(٦) سنا : سناء وهو الضوء أو لمعان الجسم المضيء.

عبارة الآيات واضحة. وفيها تنبيه وتقرير بصيغة السؤال ولفت النظر إلى بعض مشاهد قدرة الله وملكوته ونواميس كونه وخضوع خلقه له. وتقرير كونه هو الذي يخلق كل شيء ، والقادر على كل شيء ، والمحيط علمه بكل شيء ، وإليه مرجع كل شيء.

ولم يرو المفسرون رواية ما في نزولها. والمتبادر أنها متصلة بسابقاتها وبخاصة بآية النور اتصال تعقيب واستطراد. ففي ما جاء في الآيات من مظاهر قدرة الله ونواميسه الكونية وإحاطته بكل شيء في السموات والأرض عبرة لأولي البصائر النيرة والعقول السليمة خليقة بأن تكون دافعة لهم إلى ذكر الله والاستشعار بعظمته وهيبته والاستمساك بحبله والدأب على القيام بواجبهم نحوه.

والمتبادر كذلك أن ما احتوته الآيات من نواميس كونية وتكوينية هو مما يقع تحت مشاهدات الناس ومداركهم وأن القصد من ذلك هو إثارة الاعتبار فيهم وجعلهم يعترفون بعظمة الله وقدرته ويخضعون له. وليس بسبيل شرح تلك

٤٣٠

النواميس شرحا فنيا إن صح التعبير. ومن الواجب أن يبقى هدف الآيات في هذا النطاق على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة الكثيرة.

(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)) [٤٦].

يحتمل أن تكون هذه الآية معقبة على الآيات السابقة. ويحتمل أن تكون مقدمة للآيات التالية. والاحتمال الأول هو الأرجح. ففي الآيات السابقة طائفة من البراهين على عظمة الله وقدرته سيقت ليعتبر بها أولو الأبصار ويهتدي بها من شاء الله له الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد تكرر ما جاء في الآية كثيرا في المناسبات المماثلة. وإطلاق الهداية لمن يشاء الله يفسر بما جاء في آيات عديدة أخرى مثل جملة (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) في آية سورة الرعد (٢٧) وجملة (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) في آية المائدة (١٦) أي أن الله يهدي من علم برغبته في الهداية وحسنت نيته على ما نبهنا عليه في مناسبات كثيرة سابقة.

(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢)) [٤٧ ـ ٥٢].

(١) مذعنين : خاضعين طائعين.

(٢) يحيف : يجور.

الآيات احتوت :

(١) حكاية حال فريق من المسلمين كانوا يدّعون أنهم مؤمنون بالله ورسوله

٤٣١

مطيعون لأوامره ثم يناقضون أقوالهم بأفعالهم. وكان بعضهم إذا دعوا ليتحاكموا بين يدي رسول الله أبوا إلا إذا تيقنوا أن الحكم سيكون لصالحهم وحينئذ فقط يأتون مسرعين طائعين.

(٢) وتنديدا بهم ، فإن حالتهم هذه إنما هي دليل مرض في قلوبهم أو ريبة وشكّ أو خوف من جور الله عليهم ورسوله في الحكم. وليست هذه حالة المؤمن المخلص الصادق وإنما هي حالة الباغي الظالم.

(٣) وبيانا لما يجب أن تكون عليه حالة المؤمنين المخلصين الصادقين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم حيث يلبون الدعوة بدون تردد ويقولون سمعنا وأطعنا.

(٤) وتنويها بهؤلاء وأمثالهم ، فهم المفلحون حقا. وأن من يطيع الله ورسوله ويخشى الله ويتقيه هم الفائزون حقا.

تعليق على الآية

(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ)

والآيات الخمس التي بعدها وما فيها من صور وتلقين

والآيات فصل جديد. وحرف الواو الذي بدأت به إما أن يكون إنشائيا أو يكون عطفا بيانيّا على الآية السابقة التي تكون حينئذ مقدمة تمهيد وتذكير.

وقد روى المفسرون أنها نزلت بمناسبة خلاف شجر بين منافق ويهودي فأبى المنافق التحاكم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطلب التحاكم إلى كعب بن الأشرف أحد طواغيت اليهود ، كما رووا أنها نزلت في خصومة بين علي بن أبي طالب والمغيرة بن وائل ، فأبى المغيرة التحاكم إلى النبي قائلا : إنه يبغضني وأخاف أن يحيف عليّ. أو في خصومة بين علي وعثمان فقال ابن عمّ عثمان له : لا تتحاكم إلى النبي فإنه سيحكم عليك لابن عمه (١).

__________________

(١) انظر تفسير الزمخشري والطبرسي والخازن والبغوي.

٤٣٢

ونلاحظ أن الرواية الأولى قد رويت في مناسبة آيات سورة النساء [٦٠ ـ ٦٥] وأن كعب بن الأشرف قد قتل على ما ترويه روايات السيرة في الشهر الخامس والعشرين من الهجرة النبوية إلى المدينة (١) بينما نخمن أن هذه الآيات نزلت بعد ذلك بمدة طويلة. والرواية الثالثة لا يمكن أن تصدق لأن عثمان أنزه وأجل من أن يسمع لابن عمه في النبي وعليّ ، أو أن يعرض عن التحاكم إلى النبي ويخاف حيفه. والآية تندد بالمعرض عن هذا التحاكم الذي لا يمكن أن يكون إلّا منافقا. وهي بعد من مرويات الشيعة (٢) الذين يجعلون عثمان في زمرة من يطعنون بهم ويجرحونهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي الله عنهم.

وتبقى الرواية الثانية التي قد تتسق مع فحوى الآيات. على أنه يتبادر لنا مما تلهمه روح الآيات وفحواها أولا ، وروح الآيات التالية وفحواها ثانيا ، أنها بسبيل التنديد بصورة عامة بفريق من المسلمين كان يبدو منه مواقف لا تتفق مع الإيمان والإخلاص أكثر منها بسبيل حكاية موقف أو حادث خاص. وهذا لا يمنع أن تكون حدثت حادثة من نوع ما روته الرواية الثانية فاتخذت وسيلة للتنديد القوي بهذا الفريق على مواقفه التي لا تصدر إلّا من مرضى القلوب المرتابين في عدل الله ورسوله. ومع أنه لم يرد في الآيات لفظ (المنافقين) فالوصف يمكن أن ينصرف إليهم وبخاصة إن تعبير (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) استعمل في مناسبات عديدة في وصف المنافقين أو جاء كمرادف لهذا الوصف على ما مرّ منه أمثلة عديدة.

والآيات وهي تندد بهذا الفريق وتذكر مواقفه المخامرة وتنوه بالمؤمنين المخلصين وواجبهم تستهدف كما هو المتبادر توطيد سلطان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القضائي والسياسي وتوطيد السمع والطاعة له على المسلمين في كل أمر وموقف. وهذا أسلوب قد تكرر وهدف قد استهدف بآيات مدنية عديدة على ما نبهنا عليه في

__________________

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٧٠ ـ ٧٣.

(٢) راويها الطبرسي وهو مفسر شيعي.

٤٣٣

مناسبات سابقة. وقد احتوت كما هو واضح صورة من صور السيرة النبوية في العهد المدني والمشاكل التي كان يلقاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعالجاتها.

ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها احتوت تلقينا بليغا مستمر المدى في تقبيح مواقف مرضى القلوب والأنانيين الذين لا يرضخون للحقّ ويتهربون منه إذا كان عليهم. والذين لا يكون قصارى همهم إلا أنفسهم ومصالحهم الشخصية. والذين يتظاهرون بالإخلاص وقلوبهم خالية منه. ولا يتورعون عن الوقوف في مواقف مكذبة لهم. مزيفة لدعاواهم ، مما تكثر صوره في المجتمعات في كل ظرف. وهي في نفس الوقت ترسم للمؤمن الصالح الخطة التي تضمن له النجاح والفلاح في كل زمن وهي طاعة الله ورسوله فيما أمرا به ونهيا عنه وجعل الحق والعدل رائدين له ، سواء أكان له أم عليه ، وخشية الله واتقائه في كل قول وعمل في السرّ والعلن.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)) [٥٣ ـ ٥٤].

(١) فإن تولوا : هي الأرجح في مقام فإن تتولوا أي صيغة الجمع المخاطب وهو ما عليه الجمهور.

المتبادر من واو العطف الذي بدأت به الآية الأولى أن المقصود بالكلام هم الذين حكيت مواقفهم وندد فيهم في الآيات السابقة أي مرضى القلوب والمنافقين وقد احتوت الآيات :

(١) حكاية لما كانوا يحلفون به للنبي من أوثق الأيمان على استعدادهم لتنفيذ أمره لو أمرهم بالخروج.

٤٣٤

(٢) وأمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرد عليهم بأن لا يحلفوا ، وأن المطلوب منهم هو الإذعان والطاعة في ما هو خير ومصلحة ومعروف ، وأن الله خبير بأعمالهم ونياتهم.

(٣) وأمرا آخر للنبي بأن يؤكد عليهم وجوب الإخلاص في طاعة الله ورسوله وعدم الاكتفاء بالقول ، ففي إخلاصهم هدى وخير ومصلحة لهم وإذا أعرضوا فكل مسؤول عن واجبه وعمله ، فالرسول مسؤول عما أوجب الله عليه وحمّله إياه وهو التبليغ والإرشاد. وهم مسؤولون عما أوجب عليهم وحملهم إياه من الإخلاص والسمع والطاعة ، وضرر تقصيرهم وعدم إخلاصهم عائد إليهم.

تعليق على الآية

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا

تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣))

والآية التالية لها وما فيها من صور وتلقين

قال المفسرون : إن المنافقين لما صار القرآن يندد بإخلاصهم ويفضحهم جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحلفون له بأنهم مخلصون وأنهم مستعدون لتنفيذ كل ما يأمرهم به حتى لو أمرهم بالجلاء. أو يحلفون له على استعدادهم للجهاد حالما يدعوهم إليه (١).

ولم يسند المفسرون أقوالهم بسند. والآيات تؤيد الأقوال. غير أن أسلوبها لا يدل على أنها نزلت مباشرة بسبب ذلك. ففيها حكاية لأقوالهم. وهي معطوفة على ما قبلها ، وضمائر الجمع الغائب والجمع المخاطب فيها عائدة إلى الذين ندد بهم في الآيات السابقة ، بحيث يمكن القول إنها متصلة بها سياقا وموضوعا. والذي يتبادر هو أنها والآيات السابقة نزلت معا لتحكي مواقف المنافقين المذكورة فيها وتندد بهم. وقد انطوت هذه الآيات كذلك على معنى عدم الثقة فيما يتظاهرون به ويحلفون عليه ، واستهدفت ما استهدفته الآيات السابقة من توطيد الطاعة والإخلاص لله ورسوله.

__________________

(١) انظر الطبرسي والخازن والبغوي.

٤٣٥

ويلمح في الآيات طبيعة المنافقين في التظاهر والمواربة ومحاولة الإقناع بإخلاصهم. وهو ما يلمح في آيات كثيرة بعد هذه السورة أيضا. والسورة على الأرجح قد نزلت بعد قطع دابر اليهود في المدينة على ما مرّ ذكره في سور سابقة. وهذا ما يسوغ القول إن موقف المنافقين قد أخذ يتطور وحالتهم أخذت تضعف بعد ذلك فصار يبدو منهم ما حكته هذه الآيات وغيرها من التظاهر والانصياع.

ومع خصوصية الآيات الزمنية فإنها هي الأخرى تحتوي تلقينا عاما في تقبيح موقف مرضى القلوب في التظاهر بالإخلاص مع خلوهم منه والادعاء كذبا باستعدادهم للتضامن مع المسلمين ولا سيما في ظروف النضال التي يكون التضامن فيها واجبا عاما يصيبهم نفعه إذا قاموا به وينالهم ضرره إذا قصروا فيه.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)) [٥٥ ـ ٥٧].

تعليق على الآية

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) ... إلخ

والآيتين التاليتين لها وما فيها من دلالة على قيام الدولة

الإسلامية ومن تلقينات وحقائق اجتماعية خالدة ومن

معجزة تحققت في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه من بعده

عبارة الآيات واضحة. وفيها :

(١) إيذان بوعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات باستخلافهم في الأرض

٤٣٦

وجعلهم أصحاب السلطان والبسطة فيها كما استخلف أمثالهم من قبلهم. وبتوطيد دينهم الذي ارتضاه لهم والذي هو دين الله القويم وتمكينه ونشره وبإبدالهم بالأمن والطمأنينة بعد الخوف ، على شرط أن يلتزموا الإخلاص في إيمانهم وأعمالهم فيعبدون الله وحده لا يشركون معه أحدا. وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويطيعوا الرسول حيث يستحقون بذلك رحمة الله وفضله.

(٢) وإنذار للكافرين ، فالذين يكفرون بعد ذلك هم الفاسقون المتمردون على الله. ولا يظنن أحد أنهم معجزون الله في الدنيا. فهو محيط بهم قادر على البطش بهم. ومأواهم في الآخرة عذاب النار وبئس هي من مصير.

وقد روى المفسرون أن بعض المسلمين ـ وقد أمروا بالهجرة والجهاد وكانوا لا يفارقون سلاحهم ـ قالوا : أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال لهم رسول الله لن تصبروا إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيه حديدة. ثم أنزل الله الآية الأولى (١).

والذي يتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة وبخاصة بالآيتين السابقتين مباشرة لها سياقا وموضوعا اتصالا وثيقا وأنها جاءت معقبة عليهما. فقد نددتا بمرضى القلوب ، ودعتا إلى الإخلاص في السمع والطاعة والإيمان ، وقررتا أن هذا هو لخير الناس ومصلحتهم فجاءت هذه الآيات تعد المخلصين بما تعدهم وتؤكد واجب الطاعة للرسول وما في ذلك من ضمان رحمة الله.

وهذا لا يمنع أن يكون بعض المسلمين تساءلوا في موقف ما مثل ما روته الرواية فاقتضت حكمة التنزيل تضمين الآيات جوابا لهم فيه البشرى المشروطة بالشروط التي احتوتها.

وإذا كان الخطاب في الآيات هو لسامعي القرآن مباشرة من المؤمنين الأولين في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ما تفيده كلمة (مِنْكُمْ) أيضا فضلا عن ظروف نزولها فإن

__________________

(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن والطبرسي.

٤٣٧

مداها عام لجميع المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما هو المتبادر. فكل خطاب مثل هذا الخطاب في القرآن هو عام شامل لكل المسلمين في كل ظرف على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.

ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن الآية الأولى ـ وهي تعد المؤمنين الصالحين من لدن عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستخلاف في الأرض ـ تنطوي على تقرير أن ذلك يكون في نطاق دولة ذات سلطان. وبمعنى آخر قد انطوى فيها فكرة قيام الدولة في الإسلام. مع التنبيه على أن هذا كان أمرا متحققا برئاسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومما انطوى في الآيات الكثيرة المكية والمدنية التي أمرت بإطاعة الله والرسول وأولي الأمر من المسلمين ورد الأمور إليهم ، ووطدت سلطان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القضائي والسياسي والجهادي والتشريعي واحتوت فكرة الجهاد والدفاع وضمان حرية الدعوة وحماية المسلمين ودينهم والشورى ومسالمة المسالمين وعقد المواثيق بدون حرب أو بعد حرب وأخذ الجزية وإقامة الحدود وتنظيم شؤون الأسرة وتخصيص الزكاة والفيء وخمس الغنائم لبيت مال المسلمين ليتولى ولي أمرهم إنفاقها على مصالح المسلمين العامة والطبقات المعوزة إلخ إلخ مما مرّ كثير منه ونبهنا عليه في سياق شرحه. ويضاف إليه الأحاديث النبوية الصحيحة والكثيرة جدا في كل شأن من هذه الشؤون التي أوردنا كثيرا منها في المناسبات السابقة.

ويحسن أن نقف عند تعبير (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لنقول : إن عمل الصالحات الذي هو من شروط تحقيق البشرى والوعد الربانيين يشمل كما قلنا في المناسبات السابقة كل أنواع الخير والبرّ والواجب تعبديّا كان أم غير تعبدي من عبادة الله وحده وإسلام النفس إليه والإحسان والبرّ بالمحتاجين والرحمة بالضعفاء والجهاد في سبيل الله ومكافحة الظلم والظالمين والتضحية بالنفس والمال في ذلك والتزام الحق والعدل والإنصاف والصدق والأمانة والتعاون على البرّ والتقوى والتواصي بالحق والصبر والرحمة والأعمال العامة التي فيها مصلحة المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكسب الحلال وقيام المرء بواجباته نحو أسرته وبني ملّته وقومه ومعاملة الناس بالحسنى.

٤٣٨

وهكذا يبدو هذا الشرط الذي يتحقق به الوعد والبشرى الربانيان رائعا جليل المعنى والمدى. وفي الوقت نفسه ينطوي على حقيقة اجتماعية خالدة وهي أن السلطان والتمكن والفوز في الدنيا مضمون دائما للذين آمنوا وعملوا الصالحات ولدينهم ومنهجهم في كل وقت وزمان.

ولقد تحققت هذه البشرى والوعد المزدوجان ، أي الاستخلاف في الأرض وتمكين دين الإسلام ، في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه لأن شروطهما كانت متحققة في رجال العهدين رضي الله عنهم ، فكان ذلك معجزة من معجزات القرآن حيث تبدل خوف المسلمين أمنا وضعفهم قوة ، ومكّن الله دينهم فلم يتوفّ نبيه إلا وهو منتشر في جميع أرجاء الجزيرة العربية ، وأخذ يطرق أبواب الأقطار المجاورة ، وصار للإسلام دولة نافذة الأمر والسلطان في الشؤون القضائية والتشريعية والجهادية والاقتصادية والتنظيمية تحت راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم تحت راية خلفائه الراشدين الذين ساروا على طريقته ، فظلت المعجزة مستمرة في عهدهم فانتشر الإسلام في جميع الأقطار المجاورة لجزيرة العرب من الشمال والجنوب وقام السلطان الإسلامي النافذ في تلك الشؤون قويّا منصورا واندحرت أمامه قوى الظلم والطغيان. ثم ظلّ هذا مستمرّا ما استمر حكام المسلمين ورجالهم على الطريقة حتى صار السلطان الإسلامي والدين الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى شاملين لمعظم ما كان معروفا من أرجاء المعمورة في مشارق الأرض ومغاربها من حدود الصين والهند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا مع امتداد عظيم في الشمال والجنوب من هذه الساحة الشاسعة على اختلاف أجناس سكانها وألوانهم وأديانهم.

ونحن مؤمنون بأن وعد الله المطلق يظل يتحقق للمؤمنين وللدين الإسلامي في كل زمان ومكان إذا ما تحققت فيهم الشروط التي احتوتها هذه الآيات. وساروا على ما رسمه الله ورسوله في الكتاب والسنّة وأوجباه عليهم من خطط وأخلاق اجتماعية وسياسية وشخصية وجهادية وتضامنية وأسرية وتبشيرية وسلوكية وتنظيمية بكل إخلاص وجدّ.

٤٣٩

الإيمان بهذا واجب على كل مسلم لأن الله لن يخلف ما وعده من النصر والتمكين في هذه الآيات وفي آيات كثيرة أخرى في سور عديدة مكيّة ومدنية.

ولقد أورد المفسرون بعض الأحاديث النبوية التي فيها أخبار بما سيكون من فتح للمسلمين والعرب وقوة وسلطان ، منها حديث جاء فيه «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» (١) ، ومنها حديث روي عن عدي بن حاتم جاء فيه «قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وفد عليه : أتعرف الحيرة؟ قال : لم أعرفها ولكن قد سمعت بها ، قال فو الذي نفسي بيده ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة وتطوف بالبيت في غير جوار أحد. ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز قال قلت له كنوز كسرى بن هرمز!؟ قال نعم كسرى ابن هرمز وليذلن المال حتى لا يقبله أحد. قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد وقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز. والذي نفسي بيده لتكوننّ الثالثة لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قالها» (٢).

__________________

(١) النصّ منقول من ابن كثير. وقد وصف الحديث الأول بأنه صحيح ثابت ، وقد روى البخاري الحديث الثاني بنص آخر جاء فيه «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت لم أرها وقد أنبئت بها ، قال : فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله. قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد. ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ، قلت كسرى بن هرمز!؟ قال نعم. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله. وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقول له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول بلى ، فيقول ألم أعطك مالا وولدا وأفضل عليك؟ فيقول بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. فاتقوا النار ولو بشق تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيبة. قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم» التاج ج ٣ ص ٢٥٦. وهناك أحاديث عديدة من هذا الباب منها حديث رواه مسلم عن نافع بن عقبة جاء فيه أنه سمع رسول الله يقول تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله وتغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ... التاج ج ٣ ص ٢٥٦ و ٢٥٧.

(٢) المصدر نفسه.

٤٤٠