التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

حيث إن روح الآيات وفحواها هما في صدد الإقامة في دار كفار أعداء وظالمين بغاة. ولا سيما إذا كان المسلمون في هذه الحالة قادرين على ممارسة شعائرهم وغير راضخين لأنظمة وحالات تخالف دينهم. والله تعالى أعلم.

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)) [١٠١ ـ ١٠٣].

(١) أن تقصروا : بمعنى أن تختصروا.

(٢) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا : قيل في تأويلها : إن خفتم أن يأخذكم الكافرون على غرة أو يلهوكم عنهم أو يأسروكم ويردوكم عن دينكم. والجملة تتحمل كل ذلك.

(٣) وليأخذوا أسلحتهم : بمعنى وليحملوا أسلحتهم وهم يصلون.

(٤) فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك : فليتأخروا إلى الوراء حتى تأتي الطائفة التي كانت وراءكم للحراسة فتأخذ مكانهم وتصلي بدورها.

__________________

واجب الهجرة إذا لم يتمكنوا من إقامة شعائر دينهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إذا أراد الحاكم الظالم حمل الناس على المعاصي وترك الواجبات.

٢٢١

(٥) أن تضعوا أسلحتكم : أن لا تحملوها.

(٦) فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة : إذا ذهب الخوف وأمنتم فأقيموا الصلاة تامة بدون اختصار.

(٧) كتابا موقوتا : مكتوبة عليكم في أوقات معينة.

تعليق على الآية

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ...) إلخ

والآيتين اللتين بعدها وسنّة قصر الصلاة في حالة السفر بدون خوف

عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت :

(١) إباحة اختصار الصلاة للمسلمين إذا خرجوا إلى قتال أعدائهم الكفار وخافوا أن يتعرضوا لكيدهم وعدوانهم حين انشغالهم بالصلاة.

(٢) وتعليما للنبي لبعض كيفيات الصلاة في حالة الخوف.

(٣) وتنبيها للمسلمين إلى وجوب الاحتفاظ بأسلحتهم وهم في الصلاة مع رفع الحرج عنهم في حالة المطر والمرض وإلى وجوب أخذ الحذر على كل حال حتى لا يميل عليهم الكفار ويأخذوا أسلحتهم وأمتعتهم.

(٤) وأمرا لهم بذكر الله على كل حال وبإقامة الصلاة في أوقاتها تامة حين الاطمئنان والأمن.

والآيات فصل جديد. ولكن التناسب ملموح بينها وبين الآيات السابقة. فإما أن تكون نزلت بعدها فوضعت في مكانها للتناسب الظرفي والموضوعي وإلّا فتكون وضعت فيه للتناسب الموضوعي.

ولقد روى المفسرون في سبب نزول الآيات عدة روايات منها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على رأس المسلمين في عسفان وأمامهم المشركون وعليهم خالد بن الوليد ، فصلى بهم الظهر فقال المشركون : لقد أصبنا غرة أو غفلة فلو حملنا عليهم وهم في الصلاة ، فنزلت الآيات بين الظهر والعصر فصلى النبي بالمسلمين العصر صلاة

٢٢٢

الخوف على النحو الذي علّمته الآية الثانية. ومنها أن سليمان اليشكري سأل جابرا عن أي يوم نزل فيه قصر الصلاة فقال له كنّا مع رسول الله وراء عير لقريش فنزل بنخل فجاءه رجل فقال يا محمد ألا تخاف مني؟ قال : لا. قال : ما يمنعك مني؟ قال الله يمنعني منك. قال : فسلّ السيف فهدده وأوعده ، ثم نادى بالترحل وأخذ السلاح ، ثم نودي بالصلاة فصلّى النبي بالناس صلاة الخوف. وقد روى الترمذي الرواية الأولى بخلاف يسير عن أبي هريرة دون أن يذكر بصراحة أنه سبب نزول الآيات حيث قال «نزل النبي بين ضجنان وعسفان فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة ، فأتى جبريل النبي فأمره أن يقسم أصحابه شطرين فيصلي بهم وتقوم طائفة أخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ثم يأتي الآخرون ويصلّون معه ركعة واحدة ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله ركعتان» (١) وهناك رواية أخرى تذكر أن قوما من التجار سألوا النبي كيف يصلّون وهم يضربون في الأرض فأنزل الله (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فقط وانقطع الوحي حتى مرّت سنة على ذلك فغزا النبي غزوة فصلى بالمسلمين الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم فشدوا عليهم فقالوا إن لهم صلاة أخرى بعدها فأنزل الله بقية الآية بين الصلاتين فصلى العصر ركعتين. وقد صف المسلمين صفين فوقف جميعهم معه وسجد الصف الأول معه وظل الثاني حارسا ثم تأخر الصف الأول وحل محله الثاني وسجد مع النبي في الركعة الثانية ولما جلس جلسوا جميعا معه وأتموا الصلاة.

ورواية سؤال التجار غريبة لأنها تقسم الآية الأولى إلى فترتين مع أنها هي والآيتين التاليتين لها وحدة تامة منسجمة. ورواية عسفان متصلة بوقعة الحديبية ونرجح أن الآيات نزلت قبلها. وقد ذكرت هذه الوقعة في سور متأخرة عن هذه السورة.

ولقد كانت الغزوات بقيادة النبي والسرايا بقيادة أصحابه متواصلة في العهد

__________________

(١) التاج فصل التفسير ج ٤ ص ٨٦.

٢٢٣

المدني. فالمتبادر أن حادثا ما وقع في وقت مبكر نوعا ما فكان سببا لنزول الآيات جملة تامة لتكون تشريعا مستمرا.

وينطوي في مضمون الآيات وروحها توكيد على عدم التهاون في أداء الصلاة في أوقاتها حتى في ظروف الخوف والخطر مع إباحة اختصارها في هذه الظروف. وفي هذا ما فيه من تلقين عظيم بما للصلاة عند الله من خطورة عظمى مما نبهنا عليه في سياق تفسير سورة العلق. ولقد روى الخمسة عن ابن عمر حديثا جاء فيه فيما جاء «فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلّ راكبا أو قائما تومىء إيماء» (١). وهناك حديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال «بعثني رسول الله في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» (٢) حيث ينطوي في الحديثين توكيد واجب أداء الصلاة في أوقاتها على كل حال.

ولقد روى المفسرون (٣) بدون عزو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يؤخر الصلاة لوقت آخر إذا كان في حالة حرب أو خوف ويسمح للمسلمين بذلك إلى أن نزلت هذه الآيات. وفي هذا إن صحّ ولا مانع من صحته توكيد لخطورة ذلك الواجب.

وهناك أحاديث صحيحة في كيفية صلاة الخوف التي صلاها النبي بأصحابه. منها حديث رواه الخمسة عن ابن عمر قال «صلّى رسول الله صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلّى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلّى بهم ركعة. ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة» (٤). ومنها حديث رواه مسلم وأبو داود عن أبي بكرة قال «صلّى النبي في خوف الظهر فصفّ بعضهم خلفه وبعضهم إزاء العدو فصلّى بمن خلفه ركعتين ثم سلّم فانطلق الذين صلّوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلّوا خلفه فصلّى بهم ركعتين ثم سلّم.

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٣٧.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) انظر ابن كثير وغيره.

(٤) التاج ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

٢٢٤

فكانت لرسول الله أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين» (١) والجمهور والتواتر على الكيفية الأولى وعلى أن صلاة الخوف مقصورة على ركعتين. ولقد قال بعض العلماء إن جملة (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) تفيد أن صلاة الخوف خاصة بالنبي وحياته. غير أن الجمهور والتواتر على أنها مستمرة الحكم بعده.

وكلام المفسرين والأحاديث في صدد صلاة الخوف جماعة. وفي ظروف مواجهة عدو محارب. وهو المستفاد من الآيات أيضا. غير أنه يرد على البال أمران الأول أن يكون الذي يواجه الخطر واحدا وأن يكون الخطر غير خطر عدو محارب مثل لصوص وقطاع طرق إلخ ويتبادر لنا أن للمسلم أن يقصر ويصلي صلاة الخوف منفردا في أي حالات الخطر والخوف والله تعالى أعلم.

ومع أن نصّ الآيات صريح بأن قصر الصلاة قاصر على ظروف الخوف من الأعداء فإن هناك آثارا تفيد أن السنة النبوية جعلته شاملا للسفر في حالة الأمن أيضا. فمن ذلك حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن يعلى بن أمية قال «قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا. وقد أمن الناس. فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (٢). والحديث يفيد أن تعميم القصر على السفر في حالة الأمن إلهام رباني وهذا هو المتواتر الذي عليه الجمهور. وهناك أحاديث نبوية تؤيد ذلك يأتي بعضها بعد هذا.

وفي مدة السفر التي يصح قصر الصلاة فيها روى الخمسة عن أنس قال «خرجنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلّي ركعتين ركعتين حتى رجعنا قال راوي الحديث عن أنس قلت ماذا أقمتم في مكة قال أقمنا عشرا» (٣) وروى

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٢) المصدر نفسه ص ٢٦٥.

(٣) المصدر نفسه ص ٢٦٥ و ٢٦٦. وهناك أحاديث أخرى فيها خبر قصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصلاة في السفر الأمن فاكتفينا بما أوردناه. وقد قال الشارح إن الفرسخ ثلاثة أميال والميل ألف باع.

٢٢٥

البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال «أقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة عشر يقصر. فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا» (١) وفي مسافة السفر روى البخاري «أنّ ابن عمر وابن عباس كانا يقصران ويفطران في أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا» (٢) وروى مسلم وأبو داود وأحمد عن يحيى بن يزيد قال «سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلّى ركعتين» (٣) وبسبب التباين في المسافة في الأحاديث اختلف الفقهاء في المسافة التي يصحّ القصر فيها فمنهم من أخذ بالمسافة الطويلة ومنهم من أخذ بالمسافة القصيرة. ويرد لبالنا أن نقول إن ما ورد في الأحاديث اختلاف وفرق كبير قد يكون كلّه صحيحا ووقع في ظروف اختلفت فيها درجة الجهد والمشقة والتعب وحالة الطريق والموسم والماء والطعام إلخ. وقد يتبادر أن هذا يظل المقياس في الأمر. وإن المسلم يوكل فيه إلى إيمانه وتقواه. فإذا شق عليه السفر وجهد في المسافة القصيرة جاز له أن يقصر والله تعالى أعلم.

وهناك حديث يرويه الإمام مالك عن عائشة أنها قالت «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر فأقرّت في السفر وزيدت في الحضر». وجملة (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) تفيد كما هو المتبادر أن القصر طارئ وليس أصيلا حيث يسوغ ذلك التوقف في الحديث.

هذا والجمهور على أن القصر هو للصلوات الرباعية فقط. أي الظهر والعصر والعشاء. فتقصر على ركعتين. وإن صلاتي الفجر والمغرب تبقيان على حالهما. وهذا مستفاد من الأحاديث التي اقتصر الكلام فيها على الركعتين بدلا من الأربع.

(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ

__________________

(١) المصدر السابق نفسه.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

٢٢٦

وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)) [١٠٤]

عبارة الآية واضحة. وهي تأمر المسلمين بعدم التهاون والضعف في طلب أعدائهم وملاحقتهم وقتالهم. وتبثّ فيهم بسبيل ذلك الروح : فإذا كان ينالهم نصب وألم من ذلك فأعداؤهم ينالهم مثل ذلك مع فارق عظيم هو أنهم يرجون من نصر الله وتأييده وأجره ما لا رجاء لأعدائهم فيه. والله عليم حكيم يعلم مقتضيات كل أمر ويأمر بما فيه الحكمة والسداد.

وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في مناسبة انتداب النبي للمسلمين عقب وقعة أحد وحينما بلغة أن قريشا تفكر في الكرة عليهم للخروج إليهم ليثبتوا لهم أنهم غير هائبين منهم أو في مناسبة انتداب النبي المسلمين للخروج إلى بدر حيث واعدهم أبو سفيان باللقاء في العام القابل بعد الوقعة المذكورة. وقد تلكأ بعض المسلمين بسبب ما كان يشعر به من ألم وتعب (١).

وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولسنا نرى لها مناسبة في مقام الآية. ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق الذي فيه دعوة إلى الجهاد والهجرة ومراغمة العدو والحذر منه وتنديد بالمثبطين والمترددين وأنها جاءت معقبة وداعمة لذلك. والله أعلم. ومع اتصال الآية بظروف السيرة النبوية فإنّ فيها تلقينا مستمر المدى في إطلاق عبارتها حيث تظل تهتف بالمؤمنين في كل ظرف ومكان بأن لا يتوانوا في مكافحة أعدائهم الذين يظل التفوق لهم عليهم بإيمانهم بنصر الله وأعداؤهم يفقدون هذا الإيمان الذي يمدّ صاحبه بقوة عظمى.

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي.

٢٢٧

النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)) [١٠٥ ـ ١١٣]

(١) خصيما : مخاصما ومدافعا ومجادلا عنهم.

(٢) يختانون أنفسهم : يخونون أنفسهم ويضرونها بما يفعلون من أفعال سيئة.

(٣) خطيئة أو إثما : قال بعضهم إن الأولى تعني السيئة الصغيرة ، والثاني يعني السيئة الكبيرة. وهو وجيه لأنه لا بدّ من أن يكون بينهما فرق.

في هذه الآيات :

(١) خطاب موجّه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينبه فيه إلى أن الله إنما اختاره وأنزل عليه الكتاب بالحق والصدق ليحكم بين الناس بما علمه الله وينهاه فيه عن الدفاع عن الخائنين المذنبين والمجادلة عن الذين يورطون أنفسهم ويظلمونها بالخيانة. فالله لا يحبّ الخوان الأثيم. وعليه أن يستغفر الله مما كاد أن يقع فيه.

(٢) ونعي على الخائنين الذين يرتكبون الإثم والخيانة ثم يستترون من الناس ويحاولون التلبيس عليهم خشية منهم وحياء في حين أنهم أولى أن يخشوا الله ويستحيوا منه لأنهم لا يستطيعون أن يستتروا منه ويخفوا إثمهم عنه. وعليهم أن يذكروا أنه معهم ومحيط بأعمالهم وأقوالهم حينما يتآمرون بالسرّ في الطريقة التي يخفون بها جرائمهم وأنه لا يمكن أن يرضى عنها.

٢٢٨

(٣) والتفات إلى النبي والمسلمين التفاتا ينطوي على التنديد والتثريب : فعلى فرض أنهم جادلوا عن الخائنين في الدنيا فنجحوا ونجوا من العقوبة الدنيوية فمن الذي يجادل عنهم يوم القيامة ويكون وكيلا عليهم أمام الله وينقذهم من العقوبة الأخروية. وهو محيط بحقائق ما فعلوا ولا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة.

(٤) وتقريرات في الموقف تنطوي على التعقيب على ما احتوته الآيات الثلاث الأولى :

(١) فمن يعمل سوءا أو يورط نفسه ويظلمها باقتراف الإثم ثم يستشعر بخطئه ويندم ويستغفر الله فإن الله يشمله بغفرانه ورحمته.

(٢) ومن يرتكب إثما فإنه لا يضرّ به في الحقيقة إلّا نفسه. لأن الله عليم بكل شيء حكيم ، لا يمكن أن يكون منه إلّا الحق والحكمة.

(٣) ومن يرتكب ذنبا كبيرا كان أو صغيرا ثم يرمي به الأبرياء فإنه يكون قد ارتكب بهتانا عظيما وإثما مبينا حيث يكون قد اقترف جريمتين معا وهما جريمة الذنب وجريمة إلصاقه بالأبرياء.

ثم احتوت الآية الأخيرة التفاتا تعقيبيا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فالله قد شمله بفضله ورحمته. وبصّره بالأمور. ولو لا ذلك لحاول بعض الذين هم موضوع الكلام السابق أن يلبسوا عليه ويضللوه بأقوالهم ومزاعمهم. ولكنهم لن يستطيعوا ذلك ولن يخدعوا إلّا أنفسهم ولن يضروه في شيء. وكل ذلك بفضل الله العظيم عليه ورحمته به وما آتاه من الكتاب ووهبه من الحكمة وعلمه ما لم يكن يعلمه.

تعليق على الآية

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ...) إلخ

والتي بعدها لآخر الآية [١١٣]

والآيات فصل جديد. ومع ذلك فإنه يلمح شيء من التناسب بينها وبين

٢٢٩

بعض الفصول السابقة التي احتوت حكاية مواقف مكروهة لبعض الفئات. وإذا لم تكن قد نزلت بعد الآيات السابقة ووضعت في ترتيبها بسبب ذلك فتكون قد وضعت فيه بسبب هذا التناسب على ما هو المتبادر.

روى المفسرون في سبب نزول هذه الآيات رواية رواها الترمذي عن قتادة بن النعمان وهذا نصّها «قال قتادة سرق طعام وسلاح لعمّي رفاعة بن زيد فأخبرني بذلك فسألنا وتحسّسنا في الدار فقيل لنا إنهم بنو أبيرق وهم بشير وبشر ومبشّر وكان بشير منافقا يهجو أصحاب النبيّ بالشعر وينسبه إلى غيره. وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام فأتيت النبي فأخبرته والتمست منه ردّ السلاح فقط فقال سآمر في ذلك. فسمع بنو أبيرق بهذا فأوفدوا إلى النبي أسيد بن عروة فقال يا رسول الله بنو أبيرق منّا أهل صلاح وإسلام يرمون بالسرقة من غير بيّنة. قال قتادة فكلمت النبي ثانيا فقال رميت بالسرقة أهل بيت فيهم إسلام وصلاح من غير بيّنة ولا ثبت. فرجعت وتمنيت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلّم رسول الله فجاءني عمي فأخبرته بما قال لي رسول الله فقال الله المستعان. فلم يلبث أن نزل القرآن (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) إلى آخر الآيات. فلما نزلت أتي رسول الله بالسلاح. قال قتادة وكنت أشكّ في إسلام عمّي رفاعة لأنه كان شيخا قد عصى في الجاهلية فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا» (١). وقد روى الطبري الذي روى هذا الحديث روايات أخرى في نزول الآيات. منها أن درعا سرقت لجماعة من الأنصار كانوا في غزاة فاتهموا بها طعمة بن أبيرق وكان هو سارقها فلما رأى أنه سيفتضح عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل بريء من الأنصار أو من اليهود وأخبر قومه فجاؤوا إلى النبي وقالوا له إن صاحبنا بريء وطلبوا أن يجادل عنه فأنزل الله الآيات. ومنها أن يهوديا استودع طعمة درعا فدفنها في الأرض وجاء اليهودي فطلبها فأنكرها طعمة وكان بعض عشيرة اليهودي يعرفون مخبأها فخشي طعمة من الفضيحة فأخرجها وألقاها في دار

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٨٦ ـ ٨٧

٢٣٠

أنصاري آخر. ورفع اليهودي الأمر إلى النبي فجاء قوم طعمة يبرئونه ويطلبون الجدال عنه فأنزل الله الآيات. ومنها أن رجلا استودع طعمة مشربة فيها درع فلما عاد لم يجد الدرع ورمى طعمة بها رجلا من اليهود وجاء قوم طعمة فكلموا النبي في براءة صاحبهم وكادوا أن يقنعوا النبي بأيمانهم وتزويقهم الكلام وتنويههم بإسلامهم حتى كاد يحكم بقطع يد اليهودي ثم عصمه الله ولم تلبث الحقيقة أن ظهرت ببراءة اليهودي وخيانة طعمة وتضليل قومه وأنزل الله الآيات في ذلك.

والروايات متسقة مع فحوى الآيات. وصحتها محتملة. وإن كان ينبغي القول إن الرواية التي يرويها الترمذي هي التي ينبغي أن تكون الأقوى احتمالا. وفي الروايات صور عن المجتمع الإسلامي في العهد النبوي المدني ، وقد تضمنت الآيات إشارات إليها.

وواضح أن الآيات لم ترد لحكاية الحادث وإنما اتخذت حكمة التنزيل وسيلة مناسبة للتأديب والتعليم والتحذير والعظة والإنذار وإيقاظ الضمير وبعث الشعور بخشية الله ومراقبته وتقواه في القلوب. وهو الأسلوب القرآني المتميز على ما نبهنا عليه مرارا عديدة. وقد تجلّت فيها صورة رائعة من العصمة النبوية في إعلان ما أوحي إليه من عتاب. وانطوت على تلقينات جليلة ومبادئ قضائية وأخلاقية سامية مستمرة المدى من ذلك :

(١) إن على القاضي أن يجعل الحق والصدق هدفه في جميع مواقفه وأن يدقق فيما يعرض عليه فلا يأخذ بظواهر الأمور ولا ينخدع بتزويق الخصوم وعليه أن يحذر تلبيسهم ولا ينساق بأي اعتبار غير اعتبار الحق والعدل والحقيقة. ولا يتسرع في تصديق فريق وتبرئته والدفاع عنه. وأن يرجع عن الخطأ إذا ما ظهر له.

(٢) إن على المسلم أن يذكر دائما أن الله تعالى مطلع على حقائق الأمور ولا يخفى عليه خافية. وأنه لا يجديه أن يلبس على الحق والحقيقة ويخدع الناس عنهما فإنه إنما يزداد بذلك إثما عند الله. وعليه أن يذكر أن له بين يدي الله موقفا لا يستطيع أحد أن يجادل عنه فيه.

٢٣١

(٣) إن من يرتكب ذنبا فإنه في الحقيقة إنما يضرّ به نفسه.

(٤) إن الأجدر بمن يتورط في إثم أن يبادر إلى الاعتراف والندم واستغفار الله. وهو واجد عند الله حينئذ الرحمة والغفران.

(٥) إن الذي يرتكب إثما ثم يرمي به بريئا يجمع بين كبيرتين فيكون قد ارتكب إثم الذنب وإثم البهتان.

(٦) إن على المسلمين أن يستنكروا الجرائم والخيانات وأن لا يساعدوا المجرمين والخائنين بأي شكل إخفاء وتستيرا أو دفاعا وتبريرا مهما كانت الأسباب والصلاة التي تصل بينهم وبين المذنب.

ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا قال إن البخاري ومسلم روياه عن أم سلمة قالت «سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها» (١) وحديثا قريبا من هذا رواه الإمام أحمد عن أم سلمة كان المخاطب به رجلان من الأنصار اختصما إلى رسول الله في مواريث بينهما. ومما جاء فيه «أنهما لما سمعا ما قاله رسول الله بكيا وقال كلّ منهما : حقي لأخي ، فقال رسول الله أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخّيا الحقّ بينكما ثم استهما ثم ليحلل كلّ منكما صاحبه» (٢). وقد انطوى في الحديثين تلقين جليل مستمر المدى وصورة

__________________

(١) ورد هذا الحديث في التاج برواية الخمسة عن أم سلمة بهذه الصيغة «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن من بعض فأقضي له على ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» التاج ج ٣ ص ٦١.

(٢) في التاج حديث رواه أبو داود عن أم سلمة مقارب لهذا الحديث وهذا نصّه «أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما ليست لهما بينة إلّا دعواهما فقال النبي من قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لك. فقال لهما النبي أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخّيا الحق ثم استهما ثم تحالّا وفي رواية إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه» التاج ج ٣ ص ٥٩.

٢٣٢

من صور أخلاق أصحاب رسول الله ودلالة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحكم فيما يرفع إليه من خلاف بالاجتهاد بعد أن يسمع لقول الطرفين.

ولقد وقف بعض المتكلمين عند أمر الله تعالى النبي بالاستغفار في الآية [١٠٦] وقالوا بجواز وقوع الذنب منه. لأن الاستغفار إنما يكون عن ذنب. ورد عليهم مخالفوهم فقالوا إن النبي لم يقع منه ذنب وإن موقفه في الحادث إنما كان موقف القاضي الذي قد يخدع بالأيمان وتزويق الكلام وشهادة الزور وإن أمر الله إياه بالاستغفار هو لأنه أوشك أن يقع منه خطأ في القضاء فيحكم على البريء ويبرىء المتهم نتيجة لذلك. وأن هذا ليس ذنبا (١). وفي هذا ما هو ظاهر من صواب ووجاهة وحق. فقد عصم الله تعالى نبيه من الذنب والمعصية وكل ما يجوز أن يصدر منه اجتهاد في أمر لا يكون هو الأولى والأصح في علم الله فيعاتب عليه وينبه إلى ما هو الأولى. وقد مرّ من ذلك بعض الأمثلة في سور عبس والأحزاب والأنفال.

وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستغفار لا يأتي هنا لأول مرة. فقد جاء في سور عديدة سبق تفسيرها وعلقنا على الموضوع بصورة عامة في سياق آية سورة غافر [٥٥] التي هي أولى الآيات التي ورد فيها وأوردنا من بعض الأحاديث المروية في ذلك فنكتفي بهذا التنبيه.

ونصّ الآية [١١٠] جدير بالتنويه لما فيه من دعوة المذنبين المسيئين إلى الاستغفار وتأميل لهم بغفران الله إذا استغفروا أي تابوا وطلبوا الغفران من الله. وينطوي في هذا هدف سام من أهداف الإسلام وهو استغفار الإنسان وصلاحه. وقد شرحنا هذا في سياق شرحنا مدى الاستغفار والتوبة. في سورتي المزّمل والبروج فنكتفي بهذا التنبيه أيضا.

ولقد توقف بعض المفسرين والأصوليين عند الفقرة الأولى من الآية الأولى لأنه ليس في القرآن شيء صريح محدد في الحادث الذي نزلت فيه الآيات. فهناك

__________________

(١) انظر تفسير الخازن.

٢٣٣

من قال إن فيها تفويضا للنبي بالاجتهاد بعد أن صار أهلا لذلك بنزول كتاب الله عليه. وإن هذا أمر خاص به. وإن للنبي أن يجتهد فيما يعرض له من أحكام ويحكم بما يلهمه الله بناء على ذلك. وهناك من رأى فيها دليلا على جواز الرأي والقياس والاجتهاد مطلقا (١).

والذي يتبادر لنا أن الآية بسبيل أمر النبي بالحكم بما يلهمه الله في نطاق الكتاب المنزل عليه الذي يأمر بالحق والعدل وتحرّيهما. ويمكن أن يفسر هذا بمعنى التفويض في الاجتهاد في هذا النطاق. وأن الخطاب وإن كان موجها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلسنا نرى أئمة المسلمين وحكامهم وقضاتهم خارجين عن شموله. حيث يكون لهم الاجتهاد فيها يعرض عليهم من قضايا ليس فيها نصوص صريحة قطعية ومحددة. وحيث يكونون ملزمين بأن يكون اجتهادهم في نطاق ميادين كتاب الله وسنة رسوله وتلقيناتهما. والله تعالى أعلم.

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥)) [١١٤ ـ ١١٥].

(١) النجوى : التسارر والاجتماعات السرية ؛ وأصلها الاجتماع والكلام بين اثنين أو أكثر في نجوة عن الناس.

(٢) معروف : هنا بمعنى كل ما تعارف عليه جمهور المسلمين أنه خير ونافع وليس فيه معصية ومنكر.

(٣) سبيل المؤمنين : يمكن أن يكون القصد من التعبير الإيمان بالله ورسوله والتزام أوامرهما ونواهيهما ويمكن أن يكون القصد هو ما يكون عليه جمهور

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير رشيد رضا والقاسمي.

٢٣٤

المسلمين من أمور موافقة لكتاب الله وسنّة رسوله.

في الآيتين بيان على سبيل التحذير والعظة بأنه لا خير في كثير مما يدور في الاجتماعات السرية التي يجتمع فيها الناس بعيدين عن أعين الرقباء إلا إذا كان الهدف صدقة تعطى. أو معونة تبذل. أو معروفا يؤمر به. أو إصلاحا بين الناس. وبأن الذين يستهدفون مثل هذه الأهداف في اجتماعاتهم ابتغاء وجه الله ورضائه لهم الأجر العظيم عند الله. أما الذين يستهدفون مكايدة النبي ومشاققته بعد ما ظهر لهم ما ظهر من الحق والهدى ويسيرون في غير الطريق القويم الذي يسير فيه المؤمنون الصالحون والذي هو التزام ما أمر الله ورسوله به واجتناب ما نهيا عنه فإن الله يجعل أعمالهم السيئة ونياتهم الخبيثة تحيق بهم كما يجعل مصيرهم في الآخرة جهنّم وساءت هي من مصير.

تعليق على الآية

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ

أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ...) إلخ

والآية التالية لها واستطراد إلى مسألة إجماع المسلمين وسبيلهم

قال بعض المفسرين (١) إن الآيتين تتمة للسياق السابق ولقد جاء في حديث الترمذي الذي أشرنا إليه قبل هذه العبارة «فلما نزلت الآيات لحق بشير بن أبيرق بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فنزلت (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) الآية فرمى حسان بن ثابت سلافة بأبيات من الشعر فلما بلغتها أخذت رحل بشير ورمت به وقالت أهديت لي شعر حسان. ما كنت تأتيني بخير». وعلى هذا فتكون الآيتان متصلتين بالآيات السابقة ومنطويتين على تعقيب على الحادث.

غير أننا نلمح من الآية الثانية أن الآيتين في صدد أمر أعمّ من الحادث. وقد

__________________

(١) انظر تفسير الخازن والطبرسي والطبري.

٢٣٥

يكونان فصلا جديدا متصلا بالآيات التالية لهما. وفيهما على كل حال صورة من صور العهد النبوي في المدينة من حيث إنه كان هناك مرضى نفوس ومخامرون يعقدون المجالس السرية للمكايدة والمشاقّة. ومن هنا يكون بين الآيتين والآيات السابقة تناسب قد يكون سبب وضعهما في مكانهما إذا لم يصح ما ذكره المفسرون من صلتهما بحادث ابن أبيرق وصحّ ما ذكرناه من صلتهما بالآيات التالية.

وفي الآيتين تلقينات جليلة مستمرة المدى حيث انطوى فيهما قصد تهذيب أخلاق المسلمين وتنقية قلوبهم وتوجيههم في وجهة الحق والبرّ والمعروف والإصلاح في سرّهم وعلنهم وفي اجتماعاتهم الخاصة والعامة. وتجنيبهم مواقف المكايدة والانشقاق والانحراف التي لا يجوز للمسلم أن يتورط فيها. وتنبيههم إلى ما في الاجتماعات السرية من شبهة التآمر والكيد ووجوب مراقبة الله فيها. وتقبيح الشذوذ عن السبيل القويم والرأي الحقّ الذي يكون عليه المسلمون والذي يكون في نطاق أوامر الله ورسوله ونواهيهما وتلقيناتهما.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأولى بعض أحاديث نبوية. منها حديث رواه ابن مردويه والترمذي وابن ماجه عن محمد بن يزيد قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح ردّده عليّ فقال حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلام ابن آدم كلّه عليه إلّا ذكر الله عزوجل أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، فقال سفيان أو ما سمعت الله في كتابه يقول (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) فهذا هو» (١) ومنها حديث أخرجه الحافظ البزار عن أنس قال «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي أيوب ألا أدلّك على تجارة قال بلى يا رسول الله قال تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا» وفي الأحاديث تساوق تلقيني مع الآية كما هو واضح.

وهناك أحاديث يصحّ أن تساق أيضا في صدد ما انطوى في الآية الثانية من

__________________

(١) الشطر الأول من الحديث ورد في التاج برواية الترمذي ، انظر ج ٥ ص ١٦٧.

٢٣٦

لزوم سبيل المسلمين وعدم الشذوذ عنها. من ذلك حديث رواه أبو داود عن أبي ذرّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (١) ومن ذلك ثلاثة أحاديث رواها الطبراني أحدها عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لن تجتمع أمتي على ضلالة فعليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الجماعة» (٢) وثانيها عن أسامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «يد الله على الجماعة فإذا شذّ الشاذّ منهم اختطفه الشيطان كما تختطف الذئب الشاة من الغنم» وثالثها عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «عليك بتقوى الله والجماعة وإياك والفرقة فإنها هي الضلالة وإنّ الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة» (٣).

والآية الثانية جديرة بالتأمل من وجهة أخرى أي من وجهة كون الإنذار فيها موجها إلى الذين يشاقون الرسول ويشذون عن سبيل المسلمين عن عمد وبينة. بحيث يرد على البال أنه لا يشمل من يفعل عن جهالة وعماء. على أن من الحق أن يقال إن على الذين لا يعرفون وجه الحق والهدى في أمر ما يجب عليهم للنجاة من الإنذار أن يسألوا أهل العلم فيه. ولهم أن يطلبوا البرهان على ما يقولونه لهم وإن الذين لا يفعلون ذلك ويفضلون البقاء على ما هم عليه من جهالة وعماء وعدم تبين وجه الحق والهدى يدخلون في شمول الإنذار أيضا.

ولقد أوّل بعضهم تعبير (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) في الآية الثانية بأنه الإيمان بالله ورسوله والتزام أوامرهما ونواهيهما. وأوله بعضهم بأنه ما اتفق عليه جمهور المسلمين من حق ومصلحة. والتعبير يتحمل التأويلين بل ليس بينهما تعارض. والآية التي جاء فيها التعبير وإن كانت متصلة بعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيرته فإنها مستمرة التلقين للمسلمين بعده ، شأن أمثالها الكثيرة بحيث تكون قد انطوت على الإنذار الرهيب لمن يشذ ويسير في طريق غير طريق كتاب الله وسنة رسوله وصالح المسلمين.

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٢٨٠.

(٢) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢١٨ و ٢١٩.

(٣) المصدر نفسه.

٢٣٧

ولقد قال بعض المفسرين إن في الآية حجة لوجوب اتباع (الإجماع) وعدم جواز مخالفته. وعزا بعضهم ذلك إلى الإمام الشافعي. وليس المقصود بهذا الإجماع معناه اللغوي. بل ذلك الاصطلاح الفقهي الذي يجعله الأصل الثالث من أصول التشريع الإسلامي. فالأصل الأول هو القرآن والثاني هو سنّة رسول الله والثالث هو إجماع علماء المسلمين أو مجتهديهم أو من وصفوا (بالقادرين على استنباط الأحكام من مآخذها) على ما ليس فيه نصوص محكمة ومحددة في القرآن والسنّة من مختلف الشؤون حيث تكون مخالفة ما يجمعون عليه حراما ويدخل في نطاق الإنذار الذي احتوته الآية.

وهذا وجيه من دون ريب لأنه يصحّ أن يدخل في متناول تعبير (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) حسب التأويل الثاني لهذا التعبير مع التنبيه إلى أن هذا التعبير بالتأويل المذكور واسع الشمول ويتناول فيما يتناوله ما يتفق عليه علماء المسلمين ومجتهدوهم من شؤون سياسية وعسكرية وتنظيمية فيها مصلحتهم.

ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة أن المستفاد من بحوث العلماء أنه ليس هناك اتفاق على شروط الإجماع وعلى أوصاف الجماعة التي يحصل الإجماع باتفاقها. وأن الإجماع الاصطلاحي المذكور ظلّ وسيظل نظريا وأنه لم يتحقق عمليا وليس من سبيل إلى ذلك وأنه لم يكد يوجد مسألة فقهية إلّا وفيها خلاف وأنه نتيجة لذلك انقسم المسلمون في عباداتهم وفي معاملاتهم إلى مذاهب عديدة منها ما يجمعه جامعة السنيّة ومنها ما يجمعه جامعة الشيعية بل ومنها ما يجمعه جامعة الخوارج الذين لا يزال منهم فرقة إلى اليوم تعمل به ، وبعضها يوجب ما لا يوجبه بعضها وبعضها يجيز ما لا يجيزه بعضها ، وبعضها يستكره ما يستحبه بعضها ، وبعضها يحرّم ما يحلّه بعضها ، وبعضها يحلّ ما يحرّمه بعضها ، وبعضها يفسق بعضها بل يكفره (١).

__________________

(١) انظر رسالة الإجماع في الشريعة الإسلامية لعلي عبد الرزاق وننبه على أننا لا نقول ما قلناه على سبيل التجريح والتثريب إطلاقا. فنحن نعرف ونعترف أن اختلافات أئمة الفقه

٢٣٨

ومن جهة أخرى فإن الباحثين لا يدخلون أهل الحلّ والعقد والعلم الدنيوي في عداد الجماعة التي ينيطون بها ملكة القدرة على استنباط الأحكام من مأخذها ويجعلون إجماعها أصلا من أصول التشريع حيث يحصرون ذلك في المشتغلين بالعلوم الدينية مع أن تعبير (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يتناول كما قلنا قبل الشؤون السياسية والعسكرية والتنظيمية التي يكون لرأي أهل الحل والعقد والعلم الدنيوي أثر مهم فيها.

وبناء على ذلك كلّه تظل ضرورة تعيين السبيل التي يجب على المسلمين اتباعها والتي تنذر الآية الشاذين عنها ملحة في كل وقت وقطر بالنسبة لما لم يرد فيه شيء صريح أو قطعي أو محدد في القرآن والسنن النبوية من مختلف الشؤون التعاملية والسياسية والعسكرية والتنظيمية. ولما كان الإجماع على ذلك غير ممكن ، وبقاء المسلمين مختلفين مذاهب وشيعا في ذلك على النحو الذي ذكرناه ضارا كل الضرر ومخالفا لتقريرات القرآن والسنّة النبوية ومعطلا لتعيين سبيل المسلمين الواجب على المسلمين اتباعها فلا بدّ من الأخذ بما يتفق عليه الأكثرية. وسبيل ذلك الشورى التي وصف الله المسلمين بأنها من خصائصهم في آية سورة الشورى [٣٨] حيث جاء فيها (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). وهذا المقام هو أوسع المقامات لتحقيق هذا الوصف حيث يجتمع ممثلو المذاهب الفقهية في مجالس خاصة فيبحثون المسائل الخلافية في العبادات والمعاملات فما اتفق عليه أكثرهم مما ليس فيه مناقضة لصريح القرآن والسنّة صار سبيل المسلمين في هذه المسائل

__________________

ومجتهديه مستندة إلى النصوص القرآنية والنبوية والراشدية والصحابية التي ليست صريحة قطعية وقياسا على الأمثال والأعراف واستنباطا منها. وهذا مما يؤجر عليه المصيب والمخطئ منهم إذا كان مقصده الحق وخدمة الشريعة الإسلامية دون الهوى ونصرته ، وقد تكون نتيجة ذلك علم الفقه الإسلامي الذي يصح أن يكون مثلا جليلا عالميا بما نبغ فيه من علماء وبما احتواه من بحوث واستنباطات دقيقة وفروض وحلول لمختلف المشاكل. وإنما نقوله تقريرا للواقع.

٢٣٩

ووجب اتباعه وحيث يجتمع ممثلو العلوم والشؤون الدنيوية في مجالس خاصة فيبحثون المسائل الدنيوية السياسية والعسكرية والتنظيمية فما اتفق عليه أكثرهم مما ليس فيه كذلك مناقضة لصريح القرآن والسنة صار سبيل المسلمين في هذه المسائل ووجب اتباعه.

وقد يفيد أن يكون في مجالس شورى الفقهاء بعض ذوي العلم الدنيوي وقد يفيد أن يكون في مجالس شورى العلماء الدنيويين بعض ذوي العلم الديني لأنّ الإسلام دين متكامل يجمع بين الشؤون الدينية والدنيوية. والله تعالى أعلم.

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢)) [١١٦ ـ ١٢٢].

(١) إناثا : قيل إنها تعني الأوثان عامة حيث كان العرب يسمون أوثانهم إناثا. وقيل إنها تعني أوثانهم المؤنثة الأسماء بخاصة كاللات والعزى ومناة ونائلة. وقيل إنها تعني الأموات لأن العرب كانوا يسمون الأموات وما لا روح فيه من حجر وخشب ومعدن إناثا. وقيل إنها كناية عن الملائكة الذين كانوا يشركونهم مع الله لأنهم بنات الله في زعمهم سبحانه وتعالى عن ذلك. والعبارة في

٢٤٠