التّفسير الحديث - ج ٨

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٨

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٢٢

١
٢

٣
٤

السور المفسّرة في هذا الجزء (١)

١ ـ النساء.

٧ ـ المجادلة.

٢ ـ محمد.

٨ ـ الحجرات.

٣ ـ الطلاق.

٩ ـ التحريم.

٤ ـ البينة.

١٠ ـ التغابن.

٥ ـ النور.

١١ ـ الصفّ

٦ ـ المنافقون.

١٢ ـ الفتح

__________________

(١) النظر الفهرست المفصل في آخر الجزء.

٥
٦

سورة النساء

في هذه السورة فصول عديدة ومتنوعة. تحتوي أحكاما وتشريعات وتوكيدات ووصايا في اليتامى وحقوقهم. وحلال الأنكحة ومحرماتها. والمواريث والعلاقة الزوجية وحق كل من الزوجين وحماية المرأة وتوطيد شخصيتها وحقوقها. وواجبات الناس في احترام حقوق بعضهم. ورعاية حقوق الضعفاء ومعاونتهم. والتيمم وأحكام الجنابة والنهي عن الصلاة في حالة السكر. وتوطيد سلطان النبي وأولي الأمر من المسلمين. وتوطيد أحكام القرآن والسنة النبوية لتكون أصولا في مختلف الشؤون ومرجعا. وتوطيد صلاحية الاستنباط والاجتهاد في الفروع والأشكال وما لا يكون فيه نصوص صريحة من قرآن وسنة لذي العلم والخبرة والأمر. وواجب الحذر والاستعداد للعدو. والنضال والجهاد ضد الظلم وفي سبيل المستضعفين. وواجب تضامن المسلمين وتكتلهم مع بعضهم وعدم قبول دعوى الإسلام بدون ذلك ، وتنظيم العلاقات السياسية بين المسلمين وغير المسلمين من حياديين ومعاهدين ومحاربين. وأحكام القتل الخطأ والعمد. ووجوب قبول ظواهر الناس وعدم اتخاذ الجهاد وسيلة للغنائم وصلاة الخوف. وواجبات القاضي وآداب القضاء وتحري الحق والعدل بقطع النظر عن أي اعتبار. وحملات شديدة على المنافقين ومواقفهم. وتوطيد الإيمان بجميع الرسل والأنبياء. وبيان حكمة الله في إرسال الرسل. وبيان حقيقة أمر عيسى وردود على اليهود والنصارى في شأنه. وهتاف بالناس جميعا من كتابيين ومشركين للاستجابة إلى دعوة الحق والسير في طريق الله القويم. وقد تخلل فصول السورة صور كثيرة عن السيرة النبوية. ومواعظ ومعالجات وتلقينات بليغة مستمرة المدى.

٧

ومضامين فصول السورة وسياقها يلهم أن منها ما نزل مبكرا ومنها ما نزل متأخرا. ومنها ما له ارتباط ببعضه ظرفا أو موضوعا. ومنها المستقل. ومنها ما نزل قبل سور أو فصول من سور متقدمة عليها في الترتيب. ومنها ما نزل بعد سور أو فصول من سور متأخرة عنها. وكل هذا يسوغ القول إن هذه السورة ألّفت تأليفا بعد استكمال نزول فصولها.

وأكثر روايات ترتيب النزول تجعل هذه السورة سادسة السور المدنية نزولا ومنها ما يجعلها ثامنة (١). ولعلّ ذلك بسبب تبكير مطلعها الذي يبرز عليه طابع المطلع.

ولقد جاءت آخر آية منها في أحكام إرث الكلالة لا يمكن تعليل وضعها في مكانها إلّا بكونها نزلت بعد تأليف فصول السورة فألحقت بها لأنها متصلة بأحكام المواريث التي احتوتها السورة. وفي ذلك عندنا دليل حاسم على أن تأليف السورة قد تمّ في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإرشاده وفي زمن متأخر من العهد المدني. والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذا ولقد أورد السيوطي في الإتقان حديثا أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل والبزار في مسنده عن عبد الله بن مسعود قال «ما كان يا أيها الذين آمنوا أنزل بالمدينة وما كان يا أيها الناس ففي مكة» وأخرج الإمام أبو عبيد هذا الحديث في الفضائل مرسلا. وفي الآية الأولى لهذه السورة التي لا خلاف في مدنيتها نقض ما لهذا القول على إطلاقه كما هو ظاهر. وقد لا حظ ذلك غير واحد من العلماء ونبهوا عليه على ما جاء في الإتقان أيضا (٢). وليست هذه الآية هي الوحيدة المحقق مدنيتها والتي فيها خطاب يا أيها الناس. ففي بعض السور المدنية مثل ذلك أيضا. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) انظر كتابنا سيرة الرسول ج ٢ ص ٩ والإتقان ج ١ ص ١٠ ـ ١٢.

(٢) الإتقان ج ١ ص ١٨.

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)). [١]

(١) تساءلون به : تتساءلون به ، وقرئت بتشديد السين والمعنى واحد. وهو الذي تناشدون وتستحلفون به بعضكم حيث كان من عادة العرب أن يقولوا لأجل الاطمئنان باليقين نشدتك بالله أو سألتك بالله.

(٢) الأرحام : هي على قول الجمهور معطوفة على محل (به) أي اتقوا الأرحام التي تناشدون وتستحلفون بها بعضكم حيث كان من عادة العرب أن يقولوا لبعضهم نشدتك بالرحم أو سألتك بالرحم إذا أرادوا أن يطلبوا مطلبا أو يستحلفوا أحدا. وقد يرد أن تكون معطوفة على الله بمعنى واتقوا الأرحام وقطيعتها.

تعليق على الآية الأولى من السورة

عبارة الآية واضحة. والخطاب فيها موجّه للناس يدعون فيه إلى تقوى الله الذي يناشد بعضهم به بعضا ، وتقوى الأرحام بمعنى حفظها وعدم قطيعتها وهي التي يناشد كذلك بعضهم بعضا بحقها. وينبهون فيه إلى أن الله رقيب عليهم محص لجميع أعمالهم. وهو الذي خلقهم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها وأخرج منها الكثير من الرجال والنساء.

ولم يرو المفسرون مناسبة خاصة لنزول الآية. والمتبادر أنها جعلت فاتحة السورة كبراعة استهلال لما احتوته من الأحكام والتشريعات المتعددة في حقوق النساء وذوي الأرحام ، فلكل من هؤلاء حقوق يجب على الناس تقوى الله ومراقبته فيها وأداؤها إلى أهلها. وعلى ذلك يقوم المجتمع البشري قويا مطمئنا. ويتوطد التعاطف والتعاون بين أفراده الذين هم أخوة من أب واحد وأم واحدة. ومع أن

٩

المتبادر من روح الآية أن الخطاب موجه في الدرجة الأولى إلى المسلمين الذين يؤمنون بالقرآن ويتلقون ما جاء فيه نبراسا وهدى لهم وهم أهل الدعوة إلى تقوى الله فإن استعمال لفظ (النَّاسُ) لا يخلو من معنى جليل في صدد الدعوة إلى تقوى الله في الحقوق التي هي قدر مشترك بين جميع الناس الذين يتألف منهم المجتمع البشري. وبهذا كله تبدو الآية رائعة في أسلوبها ومداها.

ويلحظ أن في الآية تكرارا لما ورد في سور سابقة في النزول من الإشارة إلى وحدة النفس الإنسانية وخلق زوجها منها. حيث يمكن أن يلمح من هذا التكرار قصد توكيد التنويه الرباني بشأن بني آدم ومركزهم بين خلق الله والتذكير بما يوجبه عليهم هذا التوكيد من تقوى الله تعالى على اعتبار أنهم هم المكلفون بذلك على ما شرحناه في آخر سورة الأحزاب السابقة لهذه السورة في النزول. وهناك أحاديث نبوية عديدة في تعظيم حرمة الأرحام والنهي عن قطيعتها حيث يبدو من ذلك حكمة ما جاء في الآية من مناشدة الناس بالأرحام التي يتساءلون بها ووجوب تقوى الله فيها. من ذلك حديث رواه الشيخان عن أبي أيوب جاء فيه «إنّ رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم» (١) وحديث رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرّه أن يبسط الله رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (٢). وحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي جاء فيه «ليس الواصل بالمكافىء. ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» (٣) وحديث رواه البخاري والترمذي عن أبي هريرة جاء فيه «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الرحم شجنة من الرحمن فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» (٤) وحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جبير بن مطعم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا يدخل الجنة قاطع رحم» (٥).

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ ، وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما تقدم.

(٢) التاج ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ ، وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما تقدم.

(٣) التاج ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ ، وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما تقدم.

(٤) التاج ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ ، وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما تقدم.

(٥) التاج ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ ، وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما تقدم.

١٠

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)). [٢]

(١) حوبا : إثما أو ذنبا.

وعبارة الآية واضحة. وقد احتوت أمرا ربانيا بوجوب أداء أموال اليتامى وحقوقهم وعدم أكلها وإساءة استعمالها وتبديل الخبيث بالطيب منها. وبيانا لما في ذلك من ذنب عظيم عند الله.

تعليق على الآية

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) إلخ

وقد روى بعض المفسرين (١) أن الآية نزلت في يتيم بلغ رشده فامتنع عمه ووصيه عن أداء أمواله إليه فشكى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله الآية فاستجاب العمّ واستعاذ من الحوب الكبير. والرواية لم ترد في الصحاح بل في كتب التفسير القديمة كالطبري. ومع احتمال أن يكون قد حدث شيء مما ذكرته فإن نصف الآية المطلق واحتواءها حالات أخرى غير حالة الامتناع عن دفع مال اليتيم وورود آيات أخرى بعدها في صدد التشديد على حقّ اليتيم يجعلنا نرجح أنها لم تنزل لحدتها بسبب الحادث المروي وأنها استمرار لما قبلها بالدعوة إلى تقوى الله في أموال اليتيم ومتصلة بما بعدها في الوقت نفسه.

ويدل نصّها على أن بعض الأوصياء كانوا يتحايلون على أموال الأيتام الذين تحت وصايتهم فيتصرفون فيها لمصالحهم ويجعلون الرديء من ماشية وغلة ونقود محل الطيب فاقتضت حكمة التنزيل أن تكون الآية مطلقة العبارة شاملة لمختلف الحالات.

__________________

(١) انظر تفسير الخازن للآية.

١١

وننبه على أن القرآن المكي قد أمر مرارا بمراقبة الله في أموال اليتامى وحقوقهم. ولا بد من أن يكون هذا بسبب استشراء عادة البغي عليها والإساءة فيها فلما توطد سلطان الإسلام في المدينة اقتضت حكمة التنزيل أن يعار الأمر اهتماما تشريعيا. وقد بدأ ذلك فعلا في الآية [٢٢٠] من سورة البقرة. وورد في هذه السورة آيات عديدة بسبيل ذلك هذه أولاها. وهكذا تتسق المبادئ القرآنية في المكي والمدني من القرآن وتتطور في المدني وفقا لتطور حالة الإسلام فتغدو تشريعا بعد أن كانت تنبيها ووعظا وإنذارا ولقد علقنا على هذا الموضوع وأوردنا ما روي فيه من أحاديث في سياق سورة الفجر فنكتفي بهذا التنبيه.

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣)) [٣].

(١) ألا تقسطوا : أن لا تعدلوا.

(٢) مثنى وثلاث ورباع : معدولة عن اثنتين اثنتين ، وثلاث ثلاث ، وأربع أربع.

(٣) ذلك أدنى ألا تعولوا : فسر بعضهم (أَلَّا تَعُولُوا) بأن لا يكثر عيالكم وتفقروا. وفسرها بعضهم بأن (هذا أحرى أن يمنعكم من الجور والجنف) والكلمة لغويا تتحمل المعنيين. غير أن المقام يجعل المعنى الثاني هو الأوجه. وهو ما أخذنا به.

في الآية تنبيه للمسلمين على أنهم في حال احتمال خوفهم من عدم العدل مع البنات واليتيمات فلهم في غيرهن متسع فليتزوجوا بما يطيب لهم من غيرهن بواحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ثم تنبيه آخر في مقام الاستطراد على أنهم إذا خافوا من احتمال عدم العدل الواجب مع أكثر من زوجة واحدة فعليهم أن يكتفوا

١٢

بواحدة أو بما في ملك يمينهم من الإماء فقط. فهذا هو أحرى أن يجنبهم إثم الجور والجنف.

تعليق على الآية

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) إلخ

وتمحيص مسألة تعدد الزوجات

لم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآية. ويتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآية السابقة لها التي تنهى عن أكل أموال اليتامى وهادفة إلى حماية البنات اليتيمات. أما بقية الآية فقد احتوت استطرادا متسقا مع مداها.

ولقد روى البخاري ومسلم عن عروة قال : «سألت عائشة عن قول الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فقالت : يا ابن أختي ، هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويعجبه جمالها ومالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا عن ذلك إلّا أن يبلغوا لهن أعلى سنّتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن» (١). وقد روى الطبري حديثا آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة جاء فيه «أنّ الآية الأولى نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل وهي ذات مال فلعله ينكحها لمالها وهي لا تعجبه ثم يضربها ويسيء صحبتها فنهوا عن ذلك» وتبدو حكمة النهي في هذا الحديث أظهر مما هي في الحديث الأول كما هو واضح. فإن احتمال الخوف من الجور أحرى أن يكون من ناحية زواج الوصي على اليتيمة غير الجميلة طمعا في مالها فقط. والمتبادر أن هذه الحالة تكون في ذوي القربى حيث تكون اليتيمة ذات المال في حجر أحد أقاربها فيضنّ بمالها أن يأخذه الغريب فيتزوجها أو يزوجها لابنه ولا يكون لها من جمالها عاصم فتتعرض للأذى. وهذا المعنى ذكر بصراحة أكثر في آية أخرى من هذه السورة وهي : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ٧٩ ـ ٨٠.

١٣

يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (٢٧)).

هذا في صدد الفقرة الأولى من الآية. وواضح من روحها أن الأمر الوارد في الفقرة الثانية أي (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) هو في حالة الخوف من عدم العدل والإنصاف في حالة التزوج باليتيمات. وأنه لا حرج من التزوج بهن في حالة انتفاء هذا الخوف.

والمتبادر أن الفقرة الثالثة التي جاءت بعدها أي (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) قد جاءت في مقام الاستدراك في حالة الخوف من عدم العدل بين الزوجات العديدات اللاتي جعلت الفقرة الثانية فيهن مندوحة عن عدم الإقساط باليتيمات ، وفي الجملة الأخيرة من الفقرة تعليل لذلك حيث يكون الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين من الإماء مانعا للجور وعدم العدل.

وهكذا تكون الآية قد هدفت إلى حماية اليتيمات ثم إلى منع الجور عن الزوجات في حالة التعدد. وهذا وذاك من روائع الأهداف القرآنية التي تكررت بأساليب متعددة مرّ بعضها في سياق أحكام الطلاق التي تضمنتها آيات البقرة [٢٢١ ـ ٢٤٢] على ما شرحناه في مكانها ، وفي هذه السورة فصول أخرى من هذا الباب أيضا.

ومع أن صيغة الفقرة الثانية في إباحة تعدد الزوجات في عصمة الرجل ليست تشريعية في التحديد وإنما هي بسبيل المخرج من خوف عدم الإقساط في اليتيمات فإن معظم العلماء اعتبروها تحديدا لعدد الزوجات اللاتي يسوغ للرجل جمعهن في عصمته وهو أربع زوجات حيث رووا أن الرجل كان قبلها ومنذ ما قبل الإسلام يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات ويصل العدد أحيانا إلى عشر. ومن ذلك أنه كان تحت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما نزلت الآية عشر نساء. وهناك أحاديث نبوية ساعدت على هذا الاعتبار. منها حديث أخرجه الإمام أحمد جاء فيه «إن غيلان بن سلمة

١٤

الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختر منهن أربعا» (١) وحديث رواه أبو داود عن عميرة الأسدي جاء فيه «إني أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال اختر منهن أربعا» (٢) وحديث رواه الشافعي عن نوفل بن معاوية الديلي جاء فيه «أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختر أربعا منهن أيهن شئت وفارق الأخرى» (٣) ولقد قال الذين اعتبروا الآية تحديدا إن الله قد أحل للنبي أن يحتفظ بزوجاته اللاتي كن في عصمته زائدات عن الحد واستندوا في ذلك إلى آيات سورة الأحزاب [٥٠ ـ ٥٢] التي مرّ تفسيرها.

على أن هناك أقوالا ومذاهب مخالفة لذلك (٤) حيث ذهب قائلوها إلى أن الفقرة ليست لأجل الحصر والتحديد وإنما هي للترغيب لأجل تفادي ظلم اليتيمات وحسب ، وأن من السائغ أن يجمع الرجل في عصمته ما شاء أكثر من أربع. وذهبت الشيعة والظاهرية التي تأخذ ألفاظ القرآن على ظاهرها على ما ذكره ابن كثير إلى جواز جمع تسع نساء حيث اعتبروا كلمات مثنى وثلاث ورباع معدولة عن اثنين وثلاث وأربع ، وجمعوا هذه الأرقام فصار الجمع تسعا. وأورد المفسر القاسمي أقوالا مطولة للرازي والشوكاني في تبرير جمع أكثر من أربع وفي كون الفقرة لا تعني التحديد ، وفي إيراد أدلة على ضعف الأحاديث المروية عن غيلان وعميرة ونوفل وإبراز عللها وكون حديث الصحابي إذا صحّ لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته ، وفي أنه لم يقم دليل على كون جمع النبي لعشر نساء كان من قبيل الاختصاص.

غير أن العمل المتواتر بعدم جواز جمع أكثر من أربع في عصمة الرجل من لدن العهد النبوي والخلفاء الراشدين قد عدّه أهل المذاهب السنية وعلماء الحديث

__________________

(١) هذه النصوص من ابن كثير ، وقد وردت في كتب التفسير الأخرى انظر الطبري والطبرسي والبغوي والخازن والقاسمي.

(٢) انظر المصدر نفسه.

(٣) انظر المصدر نفسه.

(٤) انظر المصدر نفسه.

١٥

دليلا على ذلك وهو الحق الذي يجب الالتزام به والوقوف عنده.

أما القول إنه لم يقم دليل على أن جمع النبي لعشر نساء هو من قبيل الاختصاص فهو غريب. ففي آية سورة الأحزاب [٥٠] وبخاصة في جملة (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من هذه الآية دليل لا يدحض على ذلك فيما هو المتبادر وعلى ما شرحناه في سياق تفسير الآيات [٥٠ ـ ٥٢] من سورة الأحزاب. ومن العجيب أن يتجاهله القائلون. بل وفيها دليل على صحة مذهب جمهور أهل السنة في التحديد.

ولقد قلنا في مقدمة السورة إن مضامين بعض فصولها تلهم أن بعضها نزل قبل فصول في سور متقدمة عليها في الترتيب. وآية النساء التي نحن في صددها من الأمثلة على ذلك حيث يتبادر أنها نزلت قبل آيات سورة الأحزاب المذكورة التي نزلت للاستدراك بالنسبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولما كانت هذه الآية متصلة موضوعا وسياقا بما قبلها وما بعدها فقد يصح القول إن الفصل كلّه قد نزل قبل آيات الأحزاب المذكورة التي هي فصل قائم بذاته. ولو أن رواة الترتيب جعلوا سورة الأحزاب بعد هذه السورة لكان ذلك معقولا بسبب تقدم هذا الفصل على آيات سورة الأحزاب المذكورة. ولو كان هناك قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل وقعتي الأحزاب وبني قريظة لكنا نرى مبررا لتقديم هذه السورة على سورة الأحزاب في الترتيب.

ويبدىء بعض الأغيار ويعيدون في أمر إباحة الإسلام لتعدد الزوجات ، والإنصاف يقتضي القول إن هناك ظروفا يكون فيها التعدد مفيدا من دون ريب وإن هناك ظروفا يكون فيها مضرّا من دون ريب أيضا. فهناك احتمال بأن يكون الرجل أو المجتمع في حاجة إلى كثرة النسل لأسباب اقتصادية واجتماعية عامة وخاصة. وهناك احتمال بأن تكون زوجة الرجل عاقرا أو مريضة ولا يرى من الرأفة والإنصاف ما يسوغ له طلاقها. وهناك احتمال بتفوق عدد النساء في مجتمع ما على

١٦

عدد الرجال وتعرض الزائدات للشقاء والعوز والسقوط. وهناك احتمال السفر والتغرب لمدة طويلة لأسباب متنوعة لا يكون في الإمكان اصطحاب الزوجة فيها. ففي مثل ذلك يكون التعدد سائغا أو واجبا أو مرغوبا فيه. أما عدا هذه الحالات فإن التعدد يسبب المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها جحيما. وهذا عدا الاحتمال الغالب بعدم العدل بين الزوجات العديدات سواء من ناحية المعاشرة أم من ناحية النفقة أم من ناحية تفضيل بعضهن على بعض لأسباب متنوعة نفسية واجتماعية واقتصادية مما يؤدي كذلك إلى المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها بدوره جحيما.

وتنبيه القرآن إلى ذلك في جملة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) يتسق مع طبيعة الأشياء والوقائع. وفي هذه السورة آيات تذكر ما يمكن أن يقع من نشوز وإهمال من الرجال لبعض زوجاتهم العديدات ومن الميل الشديد لواحدة دون أخرى منهن وتقرر استحالة العدل بينهن وتوصي ببعض الحلول والمعالجات وهي الآيات [١٢٧ ـ ١٣٠]. وهي وإن كانت لا تمنع التعدد بالمرة بسبب تلك الضرورات الملزمة فيما هو المتبادر فإنها تلهم بوجوب الاكتفاء بواحدة في حالة عدم قيام تلك الضرورات على ما سوف يأتي شرحه بعد.

وهكذا تكون الحكمة التشريعية القرآنية قد توخت إباحة التعدد لمعالجة حالة قائمة وسائغة فيها غلوّ وإفراط ولتكون بعد ذلك مخرجا للحالات السابقة الذكر والتشديد على وجوب العدل والاقتصار على زوجة واحدة في الحالات الأخرى بحيث يمكن أن يقال إن تلقين الاقتصار هو الأقوى وإن إباحة التعدد هو المخرج للحالات والضرورات الاستثنائية المتنوعة الدواعي. وفي هذا ما فيه من روعة وجلال. ولقد اقتضت حكمة الله ووعده أن يكون الدين الإسلامي والشرائع الإسلامية دين البشرية وشرائعها مما احتوت توكيده آيات عديدة منها آية سورة الفتح هذه (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨)) فكان من ذلك أن احتوت الشرائع الإسلامية ما احتوته في هذا الصدد كما في غيره من حلّ مختلف المشاكل والانطباق على كل حالة وظرف.

١٧

ولعلّ فيما هو منتشر في الأمم والبلاد التي تجعلها شرائعها تقتصر على زوجة واحدة من الشذوذ والتحايل على هذه الشرائع ونقضها بمختلف الأشكال ومن جملة ذلك استباحة الأعراض المحرمة والسفاح والتخالل السري والعلني دليلا حاسما على حكمة التشريع الإسلامي (١).

ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام أنه ليس في الآية إيجاب للتعدد وإنما فيها تحديد لإباحة مطلقة كانت واقعة وسائغة. فضلا عما احتوته من توكيد بالعدل وإيجاب للاقتصار على واحدة إذا غلب احتمال الجور.

وهناك نقطة يتناولها الباحثون. وهي كيفية تنظيم التعدد. فبعضهم يرى إناطة الأمر بالقضاء الذي يكون عليه التثبت أولا من الحاجة والضرورة وثانيا من قدرة الرجل على الإنفاق والإقساط وعدم قصد المضارة. فإذا ثبت له ذلك أجاز الزواج الجديد وإلّا منعه. وبعضهم يرى أن الآيات القرآنية قد جعلت تقدير ذلك منوطا بالرجل وحذرته وأنذرته بحيث يكون مخالفا لتلقينات القرآن إذا ما أقدم على التزوج من جديد دون أن يكون متيقنا من استطاعته على الإنفاق وعلى الإقساط والعدل.

ونحن إذ نذكر أن المسلمين كانوا يرفعون مشاكلهم في الحياة الزوجية من نكاح وطلاق ورضاع وحضانة وشقاق ومضارة إلخ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإلى خلفائه الراشدين من بعده فيقضون فيها في نطاق كتاب الله وسنة رسوله ساغ أن يقال إن أولي الحلّ والعقد من المسلمين وأولياء أمورهم إذا رأوا أن يكلوا أمر التثبت من قدرة الرجل على التعدد وحاجته إليه إلى القضاء وإناطة ذلك به فيكون ذلك صحيحا. وليس في الكتاب والسنة ما يمنعه ، وقد أخذت بعض الحكومات الإسلامية تسير عليه (٢).

__________________

(١) انظر تفسير الآية في المنار حيث ساق الإمام رشيد رضا له وللإمام محمد عبده من الأقوال والتعليلات ما فيه الحجة المقنعة التي لا يماري فيها منصف وعاقل. وهي في جملتها متسقة مع ما قررناه.

(٢) ممن عرفنا منها الحكومة التونسية.

١٨

على أن هناك أسلوبا آخر مستلهما من تلقينات القرآن قد يسدّ الثغرة أيضا. فالحالة إما أن تكون برضاء الزوجة القديمة وعلم من الزوجة الجديدة بكون الزوج متزوجا أو لا تكون القديمة راضية أو الجديدة عالمة. فإن كانت الأولى راضية والجديدة عالمة لا يكون إشكال. وكل ما في الأمر وجوب التزام الزوج العدل وعدم الميل الشديد حسب تلقينات كتاب الله وسنة رسوله. أمّا إذا لم تكن القديمة راضية ورأت في ما يريده زوجها أن يقدم عليه ضررا عليها وتحميلا لنفسه ما لا طاقة لها به فيكون الموقف موقف شقاق ويصبح لها الحقّ في رفع أمرها إلى الحاكم ليحل ذلك وفقا للآية [٣٥] من هذه السورة وفي نطاق ما سوف نشرحه من مداها بعد. وهذا ما تستطيع المرأة الجديدة أن تفعله أيضا إذا لم تكن عالمة بزواجه وكان قد غرر بها. والله تعالى أعلم.

ولقد قال بعض المفسرين عزوا إلى بعض التابعين (١) : إن (تَعُولُوا) في الآية من (عال) بمعنى صار فقيرا وإن معنى الجملة (لئلا تفقروا من كثرة الأولاد والعيال) ولقد وردت كلمة (عائِلاً) في سورة الضحى بمعنى فقير (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) ووردت كلمة (عَيْلَةً) بمعنى الفقر في سورة التوبة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ...) غير أن جمهور المفسرين (٢) على أنها بمعنى (لئلا تجوروا ولا تميلوا) وإن الكلمة من (عال) بمعنى جار أو مال. وهذا مما هو وارد في معاجم اللغة وكتبها. ونقد بعضهم (٣) القول الأول لغويا وصرفيا. وروح الآية ومضمونها يلهمان وجاهة تأويلها بمعنى الجور والميل أكثر.

ويمكن أن يقال أيضا في توجيه هذا التأويل إنه لو كان القصد تفادي الفقر بسبب كثرة العيال والنفقة عليهم لما أبيح استفراش الإماء بدون قيد وشرط في نفس الآية كبديلات عن الزوجات. فهنّ في هذا سواء والحرائر في الطبيعة الجنسية.

__________________

(١) انظر تفسير الطبري.

(٢) انظر أيضا الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والزمخشري والطبرسي.

(٣) انظر الطبرسي والخازن والزمخشري.

١٩

تعليق على جملة

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) في الآية الثالثة

وتعبير (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) مطلق يدل كما قلنا آنفا على عدم تحديد عدد الإماء اللاتي يمكن استفراشهن في ظروف واحدة من قبل سيدهن. وهذا إقرار لعادة كانت جارية وليس إنشاء تشريعيا كما هو المتبادر. وروح الآية تدل على أن جعل الإماء بديلا من الزوجات فيها هو بسبب قلة الأكلاف والمشاكل التي تنجم عن الزواج بالحرائر واحدة أو أكثر وهذا المعنى واضح أكثر في آية أخرى من هذه السورة وهي (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) [٢٥].

والجمهور على أن ما أبيح للمسلم الحرّ من استفراش ما يملك من إماء بدون تحديد غير مؤثر في حقه في جمع أربع زوجات في عصمته في ذات الوقت أيضا. والمتبادر أن الشقاق بين الزوجات والجور عليهن إنما كان واردا بالنسبة للحرائر وحسب. وبهذا يزول ما يمكن أن يقع في الوهم من التناقض.

وإطلاق استفراش الإماء الذي قد يبدو الآن عجيبا ليس هو عجيبا بالنسبة للزمن الذي نزلت فيه الآية. وقد جعل وسيلة لتفادي الظلم أولا. وهو وسيلة من وسائل تحرير الإماء في الإسلام ثانيا من حيث أن الأمة التي تلد لسيدها تتحرر حال وفاته ولا يصح عليها بيع ولا هبة في حياته وتسمى بأم ولد تمييزا لها عن غيرها (١). هذا بالإضافة إلى ما هيأه القرآن من الوسائل التي تجعل الرقّ من أساسه آئلا للزوال بالنسبة للأزمان التالية لزمن نزول الآية على ما سوف نزيده شرحا في مناسبات آتية.

ولقد شرحنا الشروط التي لا بدّ من توفرها ليكون استفراش الإماء سائغا من

__________________

(١) هناك حديث رواه ابن ماجه والإمام أحمد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء فيه «أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه» أي بعد وفاته ولا يصح عليها في حياته بناء على ذلك بيع ولا هبة. التاج ج ٢ ص ٢٥٠.

٢٠