تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٥

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

لأن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عند تعبده له وطلب حوائجه اليه فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف انه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له حيث يتمنى له الجنة بلسانه. ويبخل عليه بالحطام من ماله. وذلك ان العبد قد يقول في دعائه :

(أللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات. فاذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنة فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل) ج ٤ ـ ٢٣.

ـ عن ابي عبد الله (ع) قال : المعروف ابتداء. واما من اعطيته بعد المسألة فانما كافيته بما بذل لك من وجهه .. يبيت ليلته ارقا متململا يمثل بين الرجاء واليأس. لا يدري اين يتوجه لحاجته ثم يعزم بالقصد لها فيأتيك وقلبه يرجف وفرائضه ترعد قد ترى دمه في وجهه لا يدري أيرجع بكأبة أم بفرح) ج ٤ ـ ٢٣

(الكريم يستحي ان يرى وجه المحتاج عند العطاء له)

ـ عن اليسع بن حمزة قال : كنت في مجلس ابي الحسن الرضا (ع) أحدثه وقد اجتمع اليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام اذ دخل عليه رجل طوال آدم.

فقال : السّلام عليك يا ابن رسول الله رجل من محبيك ومحبي آبائك واجدادك (ع) مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما ابلغ مرحلة. فأن رأيت أن تنهضني الى بلدي ولله علي نعمة فاذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقه. فقال له (ع) : اجلس رحمك الله واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وانا.

فقال (ع) : أتأذنون لي في الدخول فقال له سليمان : قدم الله

٤٨١

أمرك. فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من اعلى الباب وقال : أين الخراساني.

فقال ها انا ذا فقال (ع) : خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرك بها ولا تصدق بها عني واخرج فلا اراك ولا تراني ثم خرج.

فقال له سليمان : جعلت فداك ، لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه فقال (ع) : مخافة ان ارى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته. اما سمعت حديث رسول الله ص وآله : المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول. والمستتر بها مغفور له ، اما سمعت الشاعر الحكيم حيث يقول :

(متى آته يوما لاطلب حاجة

رجعت الى أهلي ووجهي بمائة)

عن الحارث الهمداني قال سامرت مع امير المؤمنين (ع) فقلت : يا أمير المؤمنين عرضت لي حاجة قال (ع) : فرأيتني لها اهلا قلت نعم. قال جزاك الله عني خيرا.

ثم قام الى السراج فأغشاها وجلس ثم قال (ع) : انما اغشيت السراج لئلا ارى ذل حاجتك في وجهك فتكلم فاني سمعت رسول الله ص وآله يقول : الحوائج امانة من الله في صدور العباد فمن كتمها كتبت له عبادة ومن أفشاها كان حقا على من سمعها ان يعينه ـ أي يكفيه ـ) ج ٤ ـ ٢٤ وقد قال الشاعر المجيد

واذا بليت ببذل وجهك سائلا

فابذله للمتكرم المفضال

ان الجواد اذا حباك بموعد

اعطك سلسا بغير مطال

واذا السؤال مع النوال قرنته

رجح السؤال وخف كل نوال

(المعروف سبيل من سبل الخيرات لا يناله الا الابرار)

ـ عن الامام الصادق (ع) انه قال : ان من بقاء المسلمين وبقاء

٤٨٢

الاسلام ان تصير الاموال عند من يعرف فيها الحق ويصنع (فيها) المعروف فان من فناء الاسلام وفناء المسلمين ان تصير الاموال في ايدي من لا يعرف فيها الحق ولا يصنع فيها المعروف).

ـ وعن الامام الباقر (ع) قال : ان الله عزوجل جعل للمعروف اهلا من خلقه حبب اليهم فعاله. ووجه لطلاب المعروف الطلب اليهم ويسر لهم قضاءه كما يسر الغيث للارض المجدبة. ليحييها ويحيى به أهلها. وان الله عزوجل جعل للمعروف اعداء من خلقه بغض اليهم المعروف. وبغض اليهم فعاله. وحظر على طلاب المعروف الطلب اليهم وحظر عليهم قضاءه. كما يحرم الغيث على الارض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يعفو الله اكثر).

وعنه (ع) : ان من احب عباد الله لمن حبب اليه المعروف وحبب اليه فعاله) ج ٤ ـ ٢٥

(صنع المعروف عظيم القدر عند الخالق والمخلوق)

ـ عن الامام الصادق (ع) قال : رأيت المعروف كأسمه وليس شيء افضل من المعروف الا ثوابه. وذلك يراد منه وليس كل من حب ان يصنع المعروف الى الناس يصنعه. وليس كل من يرغب فيه يقدر عليه. ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه. فاذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب اليه).

ـ وعنه (ع) قال : اصنع المعروف الى من هو اهله والى من ليس من اهله فان لم يكن هو من اهله فكن انت من اهله) ـ يعني عند الجهل بحال من يصنع معه ـ

وعنه (ع) لعمار : يا عمار انت رب مال كثير قال نعم جعلت فداك قال : فتؤدي ما افترض الله عليك من الزكاة قال نعم. قال فتخرج

٤٨٣

المعلوم من مالك قال نعم. قال : فتصل قرابتك قال نعم. قال فتصل اخوانك قال نعم.

فقال (ع) : يا عمار المال يفنى والبدن يفنى ويبلى. والعمل يبقى والديان حي لا يموت. يا عمار انه ما قدمت فلن يسبقك. وما اخرت فلن يلحقك) ج ٤ ـ ٢٧.

(أهل المعروف يمتازون في الآخرة عن غيرهم)

ـ عن الامام الصادق (ع) قال : قال بعض اصحاب رسول الله ص وآله : يا رسول الله فداك أباؤنا وامهاتنا. ان اصحاب المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم فهم يعرفون في الاخرة.

فقال ص وآله : ان الله تعالى اذا دخل اهل الجنة الجنة. امر ريحا عبقة طيبة فلزقت باهل المعروف فلا يمر احد منهم بملأ من اهل الجنة الا وجدوا ريحه فقالوا : هذا من اهل المعروف.

وعنه (ع) قال : اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الاخرة يقال لهم : ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم) ج ٤ ـ ٢٩

وعنه (ع) قال : ان للجنة بابا يقال له : المعروف لا يدخله الا اهل المعروف واهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الاخرة) ج ٤ ـ ٣٠

(الدين للاخيار. افضل من الصدقة)

ـ عن عقبة بن خالد قال : دخلت انا والمعلي وعثمان بن عمران على ابي عبد الله (ع) فلما رآنا قال : مرحبا مرحبا بكم وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة فقال عثمان : جعلت فداك : اني رجل موسر ويجيىء الرجل فيسألني الشيء وليس هو ابان زكاتي. فقال له الصادق (ع) : القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة. وماذا عليك اذا كنت كما تقول موسرا اعطيته فاذا كان ابان زكاتك احتسبت بها من الزكاة يا عثمان لا ترده فان رده عند الله عظيم.

٤٨٤

يا عثمان انك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته. ومن ادخل على مؤمن سرورا فقد ادخل على رسول الله ص وآله. وقضاء حاجة المؤمن تدفع الجنون والجذام والبرص ـ وما هو أقل أولي ـ) ج ٤ ـ ٣٤

(وما بكم من نعمة فمن الله الغني الكريم)

ـ عن مسمع بن عبد الملك قال : كنا عند ابي عبد الله (ع) بمنى وبين ايدينا عنب نأكله فجاء سائل فسأله فأمر بعنقود فأعطاه. فقال السائل لا حاجة لي في هذا ان كان درهم.

فقال (ع) : يسع الله عليك فذهب ثم رجع فقال ردوا العنقود فقال (ع) يسع الله لك ولم يعطه شيئا.

ثم جاء سائل اخر فأخذ الصادق (ع) ثلاث حبات عنب فناولها اياه فأخذ السائل من يده ثم قال : الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال الصادق (ع) : مكانك فحشا ملء كفيه عنبا فناولها اياه. فأخذها السائل من يده ثم قال الحمد لله رب العالمين. فقال الصادق (ع) : مكانك يا غلام اي شيء من الدراهم معك فاذا معه نحو عشرون درهما فناولها اياه فأخذها ثم قال الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك.

فقال الصادق (ع) : مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال : البس هذا فلبسه ثم قال : الحمد لله الذي كساني وسترني. يا ابا عبد الله جزاك الله خيرا. ولم يقل غير ذلك ثم انصرف فذهب. فظننا انه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لانه كلما كان يعطيه حمد الله الذي اعطاه) ج ٤ ـ ٤٩

(الاحسان يجلب الخير ويدفع البلاء)

ـ عن الامام الصادق (ع) قال : اتى رسول الله ص وآله بأسارى فقدم رجل منهم ليضرب عنقه فقال له جبرائيل (ع) أخر هذا اليوم يا محمد. فرده واخرج غيره حتى كان هو اخرهم فدعا به ليضرب

٤٨٥

عنقه. فقال له جبرائيل : يا محمد ربك يقرئك السّلام ويقول لك : ان اسيرك هذا كان يطعم الطعام ويقري الضيف ويصبر على النائبة ويحمل الحملالات.

فقال له النبي ص وآله : ان جبرائيل اخبرني فيك من الله عزوجل بكذا وكذا وقد اعتقتك. فقال له : ان ربك ليحب هذا فقال نعم فقال : اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله. والذي بعثك بالحق نبيا لارددت عن مالي احدا ابدا) ج ٤ ـ ٥١

القصد محبوب. والاسراف مبغوض

عن الامام الصادق (ع) قال : ان القصد أمر يحبه الله عزوجل وان السرف أمر يبغضه الله حتى طرحك النواة فانها تصلح للشيء. وحتى صبك فضل شرابك.

وعنه (ع) قال : ضمنت لمن اقتصد ان لا يفتقر.

وعن رسول الله ص وآله : من اقتصد في معيشته رزقه الله. ومن بذر حرمه الله.

عن الصادق (ع) قال : رب فقير هو أسرف من الغني. ان الغني ينفق مما أوتي. والفقير ينفق من غير ما أوتي.

عن الصادق (ع) قال له رجل : اتحل الصدقة لبني هاشم فقال (ع) : انما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا.

فأما غير ذلك فليس به بأس. ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا الى مكة. هذه المياه عامتها صدقة.

(الزكاة مضمونة ولها ربح التجارة)

ان الباقر (ع) : سئل عن الزكاة تجب في موضع لا يمكن اداؤها فقال (ع) : اعزلها فان اتجرت بها فانت ضامن لها. ولها الربح وان نويت

٤٨٦

في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك. وان لم تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا ضيعة عليها.

(الصوم جنة من النار. والبلاء)

عن ابي جعفر (ع) قال : بني الاسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. وقال رسول الله ص وآله : (الصوم جنة من النار).

عن النبي ص وآله قال لأصحابه : ألا أخبركم بشيء ان أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب : قالوا : بلى. قال ص وآله :

الصوم يسود وجهه. والصدقة تكسر ظهره. والحب في الله والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره. والاستغفار يقطع وتينه. ولكل شيء زكاة. وزكاة الابدان الصيام.

عن الصادق (ع) قال : ألا أخبركم بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه. قالوا : بلى. قال (ع) : أصله الصلاة. وفرعه الزكاة. وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله. ألا اخبركم بأبواب الخير. ان الصوم جنة ان الله تبارك وتعالى يقول : (الصوم لي وأنا أجزي عليه)

وعنه (ع) : ان النبي ص وآله قال : (ان الله عزوجل وكل ملائكته يقولون بالدعاء للصائمين. وقال : اخبرني جبرائيل عن ربه انه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي الا استجبت لهم فيه) وعنه (ع) : (نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح)

(بعض ما ورد في فضل شهر رمضان)

عن ابي عبد الله (ع) قال :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ٩ / ٣٦

٤٨٧

قال (ع) : فقلب هذه الشهور شهر الله عزوجل. وهو شهر رمضان. وقلب شهر رمضان ليلة القدر. ونزل القرآن في اول ليلة منه فاستقبل الشهر بالقرآن.

وعن اسحاق بن عمار عن المسمعي انه سمع ابا عبد الله (ع) يوصي ولده :

(اذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فان فيه تقسم الارزاق وتكتب الآجال وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون اليه. وفيه ليلة العمل فيها خير من ألف شهر)

عن الباقر (ع) قال : قال رسول الله ص وآله لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال : ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : أيها الناس ان هذا الشهر قد خصكم الله به وقد حضركم.

وهو سيد الشهور ـ وفيه ليلة ـ خير من ألف شهر. تغلق فيه أبواب النار. وتفتح فيه أبواب الجنان. فمن أدركه ولم يغفر له ـ فقد ـ أبعده الله ومن أدرك والديه ولم يغفر له ـ فقد أبعده الله ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر له أبعده الله).

وكان ص وآله يقبل بوجهه الى الناس فيقول : يا معشر الناس اذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين. وفتحت ابواب السماء وابواب الجنان وابواب الرحمة. وغلقت أبواب النار. واستجيب الدعاء وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار. وينادي مناد كل ليلة هل من سائل. هل من مستغفر.

اللهم أعط كل منفق خلفا. واعط كل ممسك تلفا. حتى اذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون ان أغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجوائز.

عن الصادق (ع) قال : من فطر أخاه الصائم فله مثل أجره.

وعنه (ع) ان من فطر أخاه الصائم يعدل عتق رقبة).

٤٨٨

(ما يستحب عند هلال شهر رمضان)

ـ عن الباقر (ع) قال : كان رسول الله ص وآله اذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم أهلة علينا بالامن والايمان والسلامة والاسلام والعافية المجللة. والرزق الواسع ودفع الاسقام. اللهم ارزقنا صيامه وقيامه. وتلاوة القرآن فيه. اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه) ج ٤ / ٧١

ـ عن الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال : سئل عن الاهلة فقال (ع) : هي أهلة الشهور فاذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فافطر ج ٤ / ٧٦

ـ عن امير المؤمنين (ع) قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال لا تجوز الا شهادة رجلين.

ـ عن الصادق (ع) قال : اذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته. واذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين ج ٤ / ٧٨

ـ وعنه (ع) قال : لأن صوم يوما من شعبان احب الي من ان افطر يوما من شهر رمضان. ج ٤ / ٨١

ـ عن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل صام يوما ولا يدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره. فجاء قوم فشهدوا انه كان من شهر رمضان فقال بعض الناس عندنا لا يعتد به.

فقال (ع) : بلى فقلت انهم قالوا : صمت وانت لا تدري امن شهر رمضان هذا ام من غيره. فقال (ع) : بلى فاعتد به. فانما هو شيء وفقك الله له.

انما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان. لانه قد نهى ان ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك. وانما ينوي من الليلة انه يصوم من شعبان فان كان من شهر رمضان أجزء عنه بتفضل الله تعالى. وبما قد وسع على عباده ولو لا ذلك لهلك الناس ج ٤ / ٨٢

٤٨٩

ـ عن الصادق (ع) قال لمحمد بن مسلم : اذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدد اشياء غير هذا وقال (ع) لا يكون يوم صومك كيوم افطارك ـ فطرك ـ. ج ٤ / ٨٧

ـ عن زرارة قال سألت ابا عبد الله (ع) عن افضل ما جرت به السنة في التطوع من الصوم فقال (ع) : ثلاثة ايام في كل شهر : الخميس في اول الشهر. والاربعاء في وسط الشهر. والخميس في اخر الشهر ـ وفي خبر اخر يعدل صيام الدهر ج ٤ / ٣

ـ عن الصادق (ع) : تقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار الى اخره الحمد لله الذي اعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا. اللهم تقبل منا واعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية. الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان ج ٤ / ٩٥.

ـ عن ابي عبد الله (ع) قال : وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام ان يقوم بحذاء القبلة ويتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فاذا جازت قمة الرأس الى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص) ج ٤ / ١٠٠

ـ عن ابي عبد الله (ع) قال : المسافر الصائم في شهر رمضان كالمفطر في الحضر.

ـ وعن رسول الله صلى وآله قال : خيار امتي الذين اذا سافروا أفطروا وقصروا واذا احسنوا استبشروا واذا اساؤوا استغفروا.

وشرار امتي الذين ولدوا في النعم وغذوا به يأكلون طيب الطعام ويلبسون لين الثياب واذا تكلموا لم يصدقوا) ج ٤ / ١٢٧.

صيام الترغيب

ـ عن الصادق قال (ع) للحسن بن راشد حينما سأله هل للمسلمين عيد غير العيدين فقال (ع) : نعم يا حسن اعظمها واشرفها يوم نصب

٤٩٠

أمير المؤمنين عليا فيه علما للناس قلت جعلت فداك وما ينبغي لنا ان نصنع فيه قال : تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله. وتبرء الى الله ممن ظلمهم فان الانبياء (ع) كانت تأمر الاوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي ان يتخذ عيدا قلت فما لمن صامه.

فقال (ع) : صيام ستين شهرا ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فانه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد ص وآله. وثوابه مثل ستين شهرا لكم) ج ٤ / ١٤٩.

ـ عن الباقر (ع) قال : من نوى الصوم ثم دخل على اخيه فسأله ان يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فانه يحتسب له بذلك اليوم عشرة ايام.

ـ وعن ابي عبد الله (ع) قال : من دخل على اخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة) ج ٤ / ١٥٠

وعنه (قال : لافطارك في منزل اخيك المسلم افضل من صيامك تسعين ضعفا) ج ٤ / ١٥١

(الصيام الذي لا يجوز الا باذن غيره)

عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله ص وآله : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا الا باذن صاحبه. ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا الا باذنه وأمره. ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعا الا باذن مولاه وأمره. ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا الا باذن أبويه وأمرهما. والا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية. وكان العبد آبقا عاصيا. وكان الولد عاقا.

عن حسان بن مهران عن ابي عبد الله (ع) قال : سألته عن ليلة القدر فقال (ع) : التمسها ليلة احدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين.

٤٩١

(أهل الباطل يصومون قبل الوقت ويفطرون قبل الوقت)

عن محمد بن اسماعيل الرازي عن ابي جعفر (ع) قال قلت له : جعلت فداك ما تقول في الصوم فانه قد روى انهم لا يوفقون لصوم؟

فقال (ع) : أما انه قد اجيبت دعوة الملك فيهم فقلت : وكيف ذلك قال : ان الناس لما قتلوا الحسين (ع) أمر الله تبارك وتعالى ملكا ينادي : أيتها الامة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم ولا لفطر.

وعن رزين قال : قال ابو عبد الله (ع) : لما ضرب الحسين (ع) بالسيف فسقط رأسه. ناد مناد من بطنان العرش ألا أيتها الامة المتحيرة الضالة بعد نبيها لا وفقكم الله لأضحى ولا لفطر. ثم قال (ع) : فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون حتى يثأر ثائر الحسين (ع).

أقول : وبالفعل لقد تحقق لدينا صحة ذلك فلذا نراهم يصومون قبل دخول شهر رمضان ويفطرون قبل نهايته. كما أنهم دائما يحجون قبل يوم الحج وهذا تصديقا لدعاء الملك عليهم. بل هذه أمور طبيعية فمن كانت قيادته بيد الشيطان فلا يدعه يأتي بعمل صحيح. وهذا ما تحقق لاتباع معاوية وحزبه.

ولكن القبح والخزي على من يدعي انه من اتباع علي (ع) وحزبه وهو يتبعهم مسايرة لهم بدعوى أن الاتفاق على الباطل أحسن من الاختلاف على الحق. وهذا مبدأ الهلاك والدمار للاشرار (ق)

(فطرة الصيام واجبة عنى كل فرد على رب العائلة)

عن صفوان الجمال قال : سألت ابا عبد الله (ع) عن الفطرة قال هي واجبة على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل انسان صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب.

وقال (ع) : لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيب عنه ويعطي

٤٩٢

عنهم وهو غائب عنهم. والصاع مقداره بالوزن ثلاثة كيلوات الكيلو ألف غرام.

عن عمر بن يزيد قال : سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة قال : نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو انثى صغير أو كبير حر او مملوك.

الضاحك واللاعب في العيد مسيىء

نظر الامام الكاظم (ع) الى الناس في يوم الفطر يلعبون ويضحكون فقال لأصحابه والتفت اليهم : ان الله عزوجل خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه ليستبقوا فيه بطاعته الى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا.

فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب فيه المقصرون وأيم الله لو كشف الغطاء لشغل محسن باحسانه ومسيء باساءته.

(قضية عجيبة اسلام جماعة من اليهود بفضل امير المؤمنين (ع)

عن ابي عبد الله (ع) قال : أتى أمير المؤمنين (ع) وهو جالس في مسجد الكوفة بقوم وجدوهم يأكلون بالنهار في شهر رمضان فقال لهم أمير المؤمنين (ع) أكلتم وانتم مفطرون قالوا : نعم قال : يهود أنتم. قالوا : لا. قال : فنصارى. قالوا : لا. قال : فعلى أي شيء من هذه الاديان مخالفين للاسلام. قالوا : بل مسلمون. قال : فسفر أنتم. قالوا : لا. قال : فيكم علة استوجبتم الافطار لا نشعر بها فانكم أبصر بأنفسكم. لان الله عزوجل يقول :

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) القيامة (١٤)

٤٩٣

قالوا : بل أصبحنا ما بنا علة قال فضحك (ع) ثم قال : تشهدون ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله. قالوا : نشهد ان لا اله الا الله ، ولا نعرف محمدا. قال : فانه رسول الله.

قالوا : لا نعرفه بذلك انما هو اعرابي دعا الى نفسه فقال : ان أقررتم والا لاقتلنكم. قالوا : وان فعلت. فوكل بهم شرطة الخميس وخرج بهم الى الكوفة. وأمر ان يحفر حفرتين وحفر احداهما جنب الاخرى ثم خرق فيما بينهما كوة ضخمة شبه الخوخة.

فقال (ع) لهم : اني واضعكم في احدى هذين القليبين وأوقد في الاخرى النار فأقتلكم بالدخان. قالوا : وان فعلت فانما تقضي هذه الحياة الدنيا. فوضعهم في احدى الجبين وضعا رفقا ثم أمر بالنار فأوقدت في الجيب الآخر ثم جعل يناديهم مرة بعد مرة. ما تقولون فيجيبونه اقض ما أنت قاض حتى ماتوا. ثم انصرف (ع).

فسار بفعله الركبان وتحدث به الناس فبينما هو ذات يوم في المسجد اذ قدم عليه يهودي من أهل يثرب قد أقر له من في يثرب من اليهود انه اعلمهم وكذلك كانت آباؤه من قبل. قال الراوي وقدم على امير المؤمنين (ع) في عدة من اهل بيته.

فلما انتهوا الى المسجد الاعظم بالكوفة : أناخوا رواحلهم ثم وقفوا على باب المسجد وارسلوا الى امير المؤمنين (ع) : انا قوم من اليهود قدمنا من الحجاز ولنا اليك حاجة فهل تخرج الينا أم ندخل اليك فقال (ع) : أخرج اليهم وهو يقول : سيدخلون ويستأنفون باليمين.

فقال (ع) فما حاجتكم فقال عظيمهم : يا ابن ابي طالب ما هذه البدعة التي احدثت في دين محمد ص وآله. فقال له : وأية بدعة. فقال اليهودي : زعم قوم من أهل الحجاز أنك عمدت الى قوم شهدوا ان لا اله الا الله. ولم يقروا ان محمدا رسوله فقتلتهم بالدخان. فقال (ع) : فنشدتك بالتسع الآيات التي أنزلت على موسى (ع) بطور سيناء وبحق

٤٩٤

الكنايس الخمس. وبحق السمت الديان هل تعلم أن يوشع بن نون أتى بقوم بعد وفاة موسى (ع) شهدوا ان لا اله الا الله. ولم يقروا أن موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة.

فقال له اليهودي نعم أشهد انك ناموس موسى (ع). ثم أخرج من قبائه كتابا فدفعه الى امير المؤمنين (ع) ففضه ونظر فيه وبكى. فقال له اليهودي ما يبكك فهل تدري ما هو انما نظرت في كتاب سرياني وانت رجل عربي؟

فقال (ع) : نعم هذا اسمي مثبت. فقال له اليهودي. فأرني اسمك في هذا الكتاب واخبرني ما اسمك بالسريانية. فقال (ع) : اسمي اليا وأراه اسمه في الصحيفة.

فقال اليهودي : اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله ص وآله. وأشهد أنك وصي محمد. واشهد أنك أولى الناس بالناس من بعد محمد ص وآله. وبايعوا امير المؤمنين (ع) ودخلوا المسجد فقال امير المؤمنين الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا. الحمد لله الذي أثبتني عنده في المؤمنين في صحيفة الابرار والحمد لله ذي الجلال والاكرام.

(الحج يزيد المخلصين تقوى. ويزيد المرائين شرا)

عن ابي عبد الله (ع) قال : ان الله تبارك وتعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها. ولذلك يقول الحاج : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.

عن الحلبي قال قلت لابي عبد الله (ع) : لم جعل استلام الحجر فقال (ع) : ان الله عزوجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة فأمره فالتقم الميثاق فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.

عن الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : لم جعل استلام الحجر

٤٩٥

فقال (ع) : ان الله عزوجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة فأمره فالتقم الميثاق فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.

عن بلير بن أعين قال : سألت ابا عبد الله (ع) لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره. ولأي علة تقبل ولأي علة أخرج من الجنة. ولأي علة وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره .. وكيف السبب في ذلك. تخبرني جعلني الله فداك فان تفكري فيه لعجيب.

فقال (ع) : سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك واصغ سمعك. أخبرك ان شاء الله : ان الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة الى آدم (ع) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق. وذلك انه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان. وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (ع). فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرائيل (ع) والى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم وهو الشاهد لمن وافا في ذلك المكان والشاهد على من أدى اليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عزوجل على العباد.

وأما القبلة والاستلام فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة ليؤدوا اليه العهد الذي أخذ الله عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة ويؤدوا اليه العهد والامانة اللذين أخذا عليهم. ألا ترى أنك تقول :

امانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة وو الله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شعيتنا وانهم ليأتوه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم وذلك انه لم

٤٩٦

يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر. وهو الحجة البالغة من الله عليهم يوم القيامة.

يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الاولى يعرفه الخلق ولا ينكره. يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده .. يحفظ العهد والميثاق وأداء الامانة ويشهد على كل من أنكر وجحد ونسي الميثاق والانكار.

فاما علة ما أخرجه الله من الجنة فهل تدري ما كان الحجر. قلت : لا قال (ع) : كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله. فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك فاتخذه أمينا على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الاقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عزوجل عليهم. ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الاقرار في كل سنة.

فلما عصى آدم وأخرج من الجنة انساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد ص وآله ولوصيه (ع) وجعله تائها حيرانا. فلما تاب الله على آدم (ع) حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة الى آدم (ع) وهو بأرض الهند. فلما نظر اليه آنس اليه وهو لا يعرفه بأكثر من أيه جوهرة وأنطقه الله عزوجل فقال له :

يا آدم أتعرفني قال : لا. قال : أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك. ثم تحول الى صورته التي كان مع آدم في الجنة. فقال لآدم : أين العهد والميثاق فوثب اليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له قلبه وجدد الاقرار بالعهد والميثاق ثم حوله الله عزوجل الى جوهرة الحجر درة بيضاء صافية تضيء فحمله آدم (ع) على عاتقه اجلالا له وتعظيما. فكان اذا أعيا حمله عنه جبرائيل (ع) حتى وافا مكة فما زال

٤٩٧

يأنس به بمكة ويجدد الاقرار له كل يوم وليلة. ثم ان الله عزوجل لما بنى الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق ، ولذلك وضع في ذلك الركن.

فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا فان الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة لان الله عزوجل لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد ص وآله بالنبوة. ولعلي (ع) بالوصية اصطكت فرائض الملائكة ، فأول من اسرع الى ذلك الملك لم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد ص وآله منه.

ولذلك اختاره من بينهم وألقمه الميثاق وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه الى ذلك المكان وحفظ الميثاق.

(سبب بناء بيت الله الحرام)

عن محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلي اذ أتاه رجل فجلس اليه فلما انصرف سلم عليه ثم قال : اني أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها الا انت ورجل آخر. قال : ما هي قال : أخبرني أي شيء كان سبب الطواف بهذا البيت فقال (ع) : ان الله عزوجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم (ع) ردوا عليه فقالوا :

(أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)

فقال الله عزوجل :

(إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)

٤٩٨

فغضب عليهم ثم سألوه التوبة فأمرهم أن يطوفوا بالضراح وهو البيت المعمور ـ في السماء ـ ومكثوا يطوفون به سبع سنين ويستغفرون الله عزوجل مما قالوا ثم تاب عليهم من بعد ذلك ورضي عليهم. فهذا كان أصل الواف ثم جعل الله البيت الحرام حذوا الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم وطهورا لهم. فقال الرجل صدقت يا ابن رسول الله ص وآله وانصرف.

(كيفية حج آدم (ع) وسببه)

عن ابي عبد الله (ع) قال : ان الله عزوجل لما أصاب آدم وزوجته الحنطة ـ الخطيئة ـ أخرجهما من الجنة وأهبطهما الى الارض. فاهبط آدم على الصفا. وهبطت حواء على المروة. وانما سمي الصفا لانه شق له من اسم آدم المصطفى وذلك لقول الله عزوجل : (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل عمران على العالمين).

وسميت المروة مروة لانه شق لها من اسم المرأة.

فقال آدم : ما فرق بيني وبينها الا انها لا تحل لي ولو كانت تحل لي هبطت معي على الصفا. ولكنها حرمت علي من أجل ذلك وفرق بيني وبينها.

فمكث آدم معتزلا لحواء فكان يأتيها نهارا فيتحدث عندها على المروة. فاذا كان الليل وخاف أن تغلبه نفسه رجع الى الصفا فيبيت عليه ولم يكن لآدم أنس غيرها ولذلك سمين النساء. من أجل ان حواء كانت أنسا لآدم ـ ومكث ـ لا يكلمه الله ولا يرسل اليه رسولا. ثم ان الله عزوجل من عليه بالتوبة وتلقاه بكلمات. فلما تكلم بها تاب الله عليه وبعث اليه جبرائيل (ع).

فقال السّلام عليك يا آدم التائب من خطيئته الصابر لبليته. ان الله عزوجل أرسلني اليك لأعلمك المناسك التي تتطهر بها. فأخذ بيده

٤٩٩

فانطلق به الى مكان البيت وانزل الله عليه غمامة فأظلت مكان البيت وكانت الغمامة بحيال البيت المعمور ـ في السماء ـ فقال : يا آدم خط برجلك حيث أظلت عليك هذه الغمامة. فانه سيخرج لك بيتا من مهاة بكون قبلتك وقبلة عقبك من بعدك.

ففعل آدم (ع) وأخرج الله له تحت الغمامة بيتا من مهاة. وأنزل الله الحجر الاسود وكان درة بيضاء وانما اسود لان المشركين تمسحوا به فمن نجاسة المشركين اسود الحجر.

وأمره جبرائيل (ع) ان يستغفر الله من ذنبه عند جميع المشاعر ويخبره ان الله عزوجل قد غفر له ، وأمره أن يحمل حصيات الحجار من المزدلفة. فلما بلغ موضع الحجار وتعرض له ابليس فقال له : يا آدم أين تريد. فقال له جبرائيل (ع) لا تكلمه وارمه بسبع حصيات وكبر مع كل حصاة. ففعل آدم (ع) حتى فرغ من رمي الحجار وأمره ان يقرب القربان وهو الهدي قبل رمي الحجارة وأمره أن يحلق رأسه تواضعا لله عزوجل. ففعل آدم ذلك ثم أمره بزيارة البيت وأن يطوف به سبعا ويسعى بين الصفا والمروة اسبوعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ثم يطوف بعد ذلك اسبوعا بالبيت وهو طواف النساء فلا يحل لمحرم ان يباضع ـ المجامعة ـ حتى يطوف طواف النساء.

ففعل آدم (ع) فقال له جبرائيل : ان الله عزوجل قد غفر ذنبك وقبل توبتك وأحل لك زوجتك. فانطلق آدم وغفر له ذنبه وقبلت منه توبته وحلت له زوجته.

وفي خبر آخر انه بعد أن خط البيت كما ذكرنا آنفا. انطلق به جبرائيل الى منى فأراه مسجد منى فخط برجله ومد خطة المسجد الحرام بعدما خط البيت.

ثم انطلق به من منى الى عرفات فأقامه على المعرف فقال : اذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله المغفرة والتوبة سبع مرات

٥٠٠