تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

والخشوع : صفة القلب والجوارح الدالة على تأثر القلب بجلال الله عزوجل.

والتصدق : هو دلالة التطهر من شح النفس. والتكافل بين الجماعة المسلمة.

والصوم : اشارة الى اطراده وانتظامه. وهو استعلاء في الضرورات. وصبر عن الحاجات ...

وحفظ الفروج : وما فيه من تطهير. وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب الانسان. والسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها الا تقي يدركه عون الله.

وذكر الله كثيرا : وهو حلقة الاتصال بين نشاط الانسان كله وعقيدته في الله. واستشعار القلب لله عزوجل في كل لحظة. واشراق القلب ببشاشة الذكر الذي يسكب فيه النور.

هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات. المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة. هؤلاء هم الذين قد (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ

فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠))

٨١

البيان : روي أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش. حينما أراد النبي ص وآله ان يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة الجاهلية. فيرد الناس سواسية كأسنان المشط. لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى.

وكان الموالي ـ العبيد ـ وهم الرقيق المحرر ـ طبقة أدنى من طبقة السادة. ومن هؤلاء زيد بن حارثة مولى رسول الله ص وآله ـ الذي تبناه. فأراد رسول الله ص وآله أن يحقق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم قريبة رسول الله ص وآله ـ زينب بنت جحش ـ ليسقط تلك الفوارق الطبيقة بنفسه في اسرته. وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف. بحيث لا يحطمها الا فعل واقعي من رسول الله ص وآله. تتخذ منه الجماعة المسلمة اسوة. وتسير البشرية كلها على هداه في هذا الطريق.

ولكن النص في الآية أعم من أي حادث خاص. وحادث زواج رسول الله ص وآله من زينب بعد طلاقها من زيد الامر الذي كانت له ضجة عظيمة في حينه حيث كان زيد قد تبناه رسول الله ص وآله ثم أخذ زوجته زينب بعد طلاقه لها فكان هذا منكر هائل بنظر العرب ـ حسب عادتهم الجاهلية ـ وأراد الله عزوجل أن يبطل هذه العادة أيضا كما أراد رفع الفوارق بين البشر الا بالتقوى. ولذا أنزل الله هذه الآيات ردا على كل من استنكر كفاح العادتين معا.

وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر الله لشعورهم الباطن الوصل بان قدر الله هو الذي يصرف كل شيء وكل أحد. وكل حادث. وكل حالة. واستقبلوا قدر الله تعالى فيهم بالمعرفة المدركة للربح الواثق. (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً

٨٢

أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

انه الاستسلام المطلق ليد الله التي تقود خطاهم. وتصرف حركاتهم وهم مطمئنون لليد التي تقودهم شاعرون بان معها الامن والثقة واليقين سائرون معها في بساطة ويسر.

ومن هذا البيان ينجلي أن النص القرآني أشمل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث.

ثم يجيء الحديث عن حادث زواج النبي ص وآله من زينب بنت جحش فيقول عزوجل :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ...)

لقد مضى في أول السورة ابطال تقليد التبني. ورد الادعياء الى آبائهم واقامة العلاقات العائلية على أساس الانساب لا غير.

(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ...)

ولكن نظام التبني كانت له آثار واقعية في حياة الجماعة العربية. ولم يكن ابطال هذه الاثار الواقعة في حياة المجتمع ليمضي بالسهولة التي يمضي بها أبطال تقليد التبني ذاته.

فالتقاليد الاجتماعية أعمق أثرا في النفوس. ولا بد من سوابق سوابق عملية مضادة. ولا بد أن تستقبل هذه السوابق أول أمرها بالدهشة والاستنكار. وان تكون شديدة الوقع على الكثيرين. وقد مضى أن رسول الله ص وآله زوج زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه. ابنة عمة رسول الله ص وآله ليحطم فوارق الطبقات الموروثة ويحصر التفاضل بالتقوى لا غير.

ثم شاء الله تعالى أن يحمل نبيه بعد ذلك على ازالة آثار التبني.

٨٣

فيتزوج من مطلقة متبناه زيد. ويواجه المجتمع بهذا العمل ـ المستهجن بنظرهم ـ وألهم الله نبيه ص وآله ـ أن زيدا سيطلق زينب. وانه سيتزوجها للحكمة التي قضى الله بها. وكانت العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت. وعدم استطاعته المضي معها. والرسول ص وآله يشجعه على عدم طلاقها. فيقول لزيد (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ...) ويؤخر هذا الامر بالطلاق : (ولم يكن قد نزل بعد احلال مطلقات الادعياء). حتى نزل قوله تعالى :

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها. لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ...)

وكانت هذه احدى ضرائب الرسالة الباهظة حملها رسول الله ص وآله فيما حمل. وواجه بها المجتمع الكاره ـ بل المستنكر لها ـ حتى تردد في مواجهته بها هو هو الذي لم يتردد في مواجهته بعقيدة التوحيد. وذم الالهة والشركاء. وتخطئته للاباء والاجداد. (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) لا مرد له ولا مفر منه واقعا محققا لا سبيل الى تخلفه. وكان زواجه ص وآله ـ من زينب ـ بعد انقضاء عدتها وتنفيذ ما أراد الله تنفيذه.

ولم تمر المسألة سهلة. فقد فوجىء بها المجتمع الاسلامي كله ، كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول : تزوج حليلة ابنه ..

ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يؤكدها ويزيل عنصر الغرابة فيها. ويردها الى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية. فقال عزوجل :

(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ). فقد فرض له أن يتزوج زينب. وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الادعياء. اذن

٨٤

فلا حرج في هذا الامر بعد اليوم على كل مخلوق.

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) فهو أمر جاري في الزمان الماضي والحاضر والمستقبل. وفق سنة الله التي لا تتبدل. والتي تتعلق بحقائق الاشياء. لا بما يحوطها من تقاليد مصطنعة باطلة.

(وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) فهو نافذ مفعوله. لا يقف في وجهه شيء. وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن. منظور فيه الى الغاية التي يريدها الله منه. وقد أمر الله رسوله ان يبطل تلك العادة ويمحو آثارها بالفعل والعمل. ويقرر نفسه لتطبيقها. ولا بد من نفاذ أمر الله تعالى.

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ. وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله. ولا يخشون احدا الا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) فزينب ليست حليلة ابنه. وزيد ليس ابن محمد ص وآله وانما هو ابن حارثة. ولا حرج اذن في الامر حين ينظر اليه بعين الحقيقة الواقعة. والعلاقة بين محمد ص وآله. وبين جميع المسلمين ـ ومنهم زيد بن حارثة ـ على حد سواء (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ). (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية وما يصلحها. وهو الذي فرض على النبي ص وآله ما فرض. واختار له ما اختار. وقد قضى بحلية أزواج الادعياء بدون حرج.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)

٨٥

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠))

البيان : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً).

ذكر الله اتصال القلب به. والاشتغال بمراقبته. وليس هو مجرد تحريك اللسان. واقامة الصلاة وذكر الله. بل انه وردت آثار تكاد تخصص الذكر بالصلاة. والذكر يشمل كل صورة يتذكر فيها العبد ربه. ويتصل به قلبه. سواء جهر بلسانه بهذا الذكر أم أخفت.

وان القلب ليظل فارغا أو لاهيا او حائرا حتى يتصل بالله وبذكره ويأنس به. فاذا هو مليء جاد قار. يعرف طريقه. ويعرف منهجه. ويعرف من أين والى اين ينقل خطاه.

ومن هنا يحث القرآن كثيرا على ذكر الله. ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الاوقات. (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) في البكرة والاصيل خاصة. ما يستجيش القلوب الى الاتصال بالله مغير الاحوال ومبدل الظلام. وهو باقي لا يتغير ولا يتبدل. وكل ما سواه قوامه التغيير.

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ. لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى

٨٦

النُّورِ) وتعالى الله وجعلّت نعمته وهو يذكر العباد الضعاف الفانين بالخير في الملأ الأعلى. انها لعظيمة لا يكاد الادراك يتصورها ونور الله واحد متصل شامل وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف. ولا ينقذهم من الظلمات الا النور الذي ينشرق في قلوبهم وأرواحهم. ويهديهم الى فطرتهم. وهي فطرة هذا الوجود.

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) سلام وأمن من كل خوف ومن كل تعب وعناء. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. فهذا ثوابهم الذي يشرع لهم ويختار لهم ما يصلحهم ويسعدهم في الدارين.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً).

فوظيفة النبي ص وآله فيهم ان يكون (نذيرا) للغافلين والمعرضين عن طاعة خالقهم بالعذاب والنيران.

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ. وَدَعْ أَذاهُمْ. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ..

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ). المطلقة قبل الدخول ان كان فرض لها مهر. فلها نصف مهرها. وان لم يفرض لها مهر فلها متاع يتبع قدرة الزوج وامكانه. وليس عليها عدة اذا طلقت قبل الدخول (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ..)

ففي الآية يحل الله للنبي ص وآله. أنواع النساء المذكورات كما هو حلال لبقية المسلمين. ولكن الشيء الذي ميز الله به النبي ص وآله عن غيره. هو جواز الزائد من النساء عن اربع زوجات. حيث حرم الزيادة على كافة المسلمين. ثم حرم عليه بعد ذلك الزيادة عن

٨٧

الموجودات لديه أو تبديلهن بالغير. وهذا أيضا مما اختص به دون سواء من المسلمين.

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣)

إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))

البيان : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ).

وجاءت هذه الاية تعلم الناس الا يدخلوا بيوت النبي بغير اذن. فاذا دعوا الى الطعام. دخلوا فاما اذا لم يدعوا فلا يدخلون. ثم اذا أطمعوا أخرجوا ولا تبقوا بعد الطعام للسمر والاخذ بأطراف الحديث. وما أحوج المسلمين اليوم الى هذا الادب الذي يجافيه الكثيرون.

فان دعوا اليوم الى الضيافة لا يفرق بين الزوج وأصحابه. وبين الزوجة وصاحباتها فهم سواء.

(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) هذا قول الخالق لهذا الانسان الذي هو أعلم بحقائق الانسان. وهو أخير بما

٨٨

يصلح الانسان دون سواه وهذا ما اختاره لعباده وما هو خير لهم في دينهم ودنياهم.

وأين هذا من دعاة الباطل والضلال الذين ينادون بالاختلاط ورفع الفوارق بين الرجل والمرأة. وازالة الترخيص والحجاب في الحديث والاجتماع. واللقاء والجلوس. ومشاركة الجنسين ويدعون أن هذا يرفع الكبت وهيجان الغريزة بينهما. الى آخر ما يقوله مكرا وخداعا. نفر من المضللين الماكرين. الذين قد طبع الله على قلوبهم فأصبحوا كما وصفهم خالقهم (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ. بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).

والواقع العلمي الملموس يهتف بصدق الله. ويكذب المدعين غير ما يقوله الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما يقوله الله ورسوله. ويبطل كلما يفترون.

(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ. وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً).

فالله هو الذي يتولى الامر. وهو عالم بما يتعرض وما يبدو وما يخفى. مطلع على كل تفكير.

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ ...) وهؤلاء المحارم هم الذين أبيح لنساء المسلمين عامة أن يظهرن اليه ويجتمعن بهم. وان يجلسن معهم. وكل ذلك مشروط بتقوى الله ومراقبة سخطه ورضاه. (وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً).

فالايحاء بالتقوى ومراقبة الله يطرد في مثل هذه المواضع. لان

٨٩

التقوى هي الضمان الاول والاخير. وهي الرقيب اليقظ الساهر على القلوب. والضمائر والجوارح.

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))

البيان : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). صلاة الله على النبي ص وآله ذكره بالثناء عليه في الملأ الاعلى. وصلاة ملائكته طلب المزيد من الثناء عليه من الله تعالى. وصلاة المؤمنين ايضا طلب المزيد من الثناء عليه من الله فهنالك صلاة وثناء عليه مباشرة من الله. وهنالك ثناء من الله عليه بطلب من الملائكة ومن المؤمنين والغاية من الجميع بيان عظمته عند الله وبيان فضله على من سواه كافة.

فيا لها من مرتبة سنيّة. حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ويشرف الكون كله. وتتجاوب به ارجاؤه. ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الى أبد الابد.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

وهذا التشديد يشي بانه كان في المدينة يومذاك فريق يتولى هذا الكيد للمؤمنين والمؤمنات. بنشر قالة السوء عنهم. وتدبير المؤامرات

٩٠

لهم واشاعة التهم ضدهم. وهو عام في كل زمان ومكان. والمؤمنون والمؤمنات عرضة لمثل هذا الكيد في كل بيئة من الاشرار المنحرفين والمنافقين. والذين في قلوبهم مرض. والله يتولى عنهم ردع كيد المكيدين. وبغي المعتدين.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ). وهذه الاية المباركة من جملة الادلة المتوافرة على وجوب ستر جسم المرأة بكامله. لان الجلباب هو الذي يغطي كامل جسم المرأة حتى وجهها بحيث لا تظهر منها شعرة. وهذا الستر هو من انجح اسباب الوقاية. من وقوع الفساد وتفسخ الاخلاق الناشىء من الاختلاف وتبذل المرأة وتهتكها وابداء مفاتنها. ومنه ينشأ كل فساد ودمار :

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ. وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ). ومن هذا التهديد الحاسم ندرك مدى قوة المسلمين في المدينة بعد بني قريظة. ومدى سيطرة الدولة المسلمة عليها. وانزواء المنافقين. الا فيما يدبرونه من كيد خفي لا يقدرون على الظهور الا وهم مهددون خائفين.

(يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩))

البيان : قد كانوا ما يفتأون يسألون النبي ص وآله عن الساعة التي حدثهم عنها طويلا وخوفهم بها طويلا. وقد وصفها القرآن حتى

٩١

كأن السامع يراها بعينه. وكأن ما يفهم من السياق ان الله يقول لهم ماذا يعنيكم او ينفعكم معرفة القيامة. ولكن الذي ينفعكم معرفة ساعة الموت التي تأتي بغتة فتبهر صاحبها وتسد عليه باب كل أمل او كل تدارك مما فاته أو مما قصر في احرازه أو فرط في تجنبه. فالعاقل يهتم بما ينفعه ويحذره من الوقوع في المهالك هذا الذي ينبغي للعاقل أن يسأل عنه ويهتم به ولكن ليس لمعرفة الموت سبيل فالمؤمن اللبيب من كان دائما وأبدا مستعدا للموت حتى لا يأتيه بغتة فيبهره ويرديه.

(إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً) .. (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ...)

النار تغشاهم من كل جهة. فالتعبير على هذا النحو يراد به تصوير الحركة وتجسيمها. والحرص على أن تصل النار الى كل صفحة من صفحات وجوههم زيادة في النكال (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول). وهي أمنية ضائعة. لا موضع فيها ولا استجابة. فقد فات الاوان. انما هي الحسرة والزفرة لا غير.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا ..)

ولم يحدد القرآن المجيد نوع الايذاء لموسى (ع). ولقد وردت روايات في هذا الشأن. فمنها أن موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون. فقالت بنو اسرائيل : انت قتلته. فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني اسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا انه مات طبيعيا كما يموت كل انسان وبرأه الله من ذلك الاتهام. والله أعلم بحقائق الامور.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١)

٩٢

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))

البيان : يوجه القرآن المؤمنين ان يسددوا القول ومعرفة الهدف قبل اطلاق اللفظ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على النهج القويم. والاهتداء الى الطريق المستقيم. ولو لم يكن وراءه جزاء وثواب لان السير عليه راحة وسعادة للسائرين. وهي الفوز العظيم قبل يوم الحساب وقبل النعيم الخالد والفوز الدائم. (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها).

ان السموات والارض والجبال ـ التي اختارها القرآن ليحدث عنها ـ هذه الخلائق الضخمة. الهائلة لقد أشفقت من أمانة التبعة. امانة الارادة. أمانة المعرفة الذاتية.

(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) الانسان الذي يعرف الله بادراكه وشعوره. ويهتدي الى ناموسه ويطيع الله بارادة. ويتحمل مقامه بعدم انحراف شهواته وغرائزه وأهوائه حتى تستقيم كما أراد خالقها العظيم. وبذلك يصبح الانسان أعظم وأقوى من كل كائن مهما عظم وقوي. وحين يصل الانسان الى هذه الدرجة. وهو واع مدرك. فانه يصل حقا الى مقام فريد بين خلق الله تعالى.

٩٣

ـ ٣٤ ـ سورة سبأ وآياتها (٥٥) خمس وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥))

البيان : ابتداء السورة التي تستعرض اشراك المشركين بالله فمع الحمد صفة الملك لما في السموات وما في الارض. فليس لأحد معه شيء. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) الحمد الذاتي. والحمد الواقعي المرتفع من عباده. (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ). الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل بحكمة ويصرف الدنيا والاخرة بحكمة. ويدبر أمر الوجود كله بحكمة. الخبير الذي يعلم بكل شيء أوجده.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها. وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها).

ويقف الانسان امام هذه الصفحة المعروضة في كلمات قليلة. فاذا هو امام حشد هائل. عجيب من الاشياء. والحركات والاحجام والاشكال. والصور والمعاني والهيئات لا يصمد لها شيء.

ولو أن أهل الارض جميعا وقفوا حياتهم كلها يتتبعون ويحصون ما يقع في لحظة واحدة مما تشير اليه الاية لأعجزهم تتبعه واحصاؤه عن الاحاطة به.

فكم من شيء يلج في الارض. وكم من حبة تختبىء. وكم من دودة ومن حشرة ومن هامة ومن زاحفة تلج في الارض واقطارها

٩٤

المترامية كم من قطرة ماء. ومن ذرة غاز. ومن اشعاع كهرباء.

وكم يخرج منها من نبتة تنبثق. وكم نبع يفور. وكم من رحمة تشمل الوجود. وكم من رزق يبسطه الله لمن يشاء من عباده. وكم وكم مما لا يحصيه الا الله العليم الخبير.

وان آية واحدة من القرآن كهذه الآية تثبت انه من خالق الكون وجميع المخلوقات عاجزة عنه :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ. قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ).

وانكار الذين كفروا للاخرة ناشىء من عدم ادراكهم لحكمة الله وتقديره. فحكمة الله تعالى لا تترك الناس سدى. يحسن منهم من يحسن. ويسيء منهم من يسيء. ثم لا يلقى المحسن جزاء احسانه ولا يلقى المسيء جزاء اساءته. والله الذي يؤكد مجيء الساعة هو (عالِمِ الْغَيْبِ) فقوله الحق :

(لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) وأقرب تفسير لقوله (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). انه علم الله الذي يقيد كل شيء ولا يخفى عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض ..

(وأصغر من ذلك) والذرة كان معروفا ـ الى عهد قريب ـ انها أصغر الاجسام. فالان يعرف البشر ـ بعد تحطيم الذرة ـ ان هناك ما هو أصغر من الذرة. وهو جزئياتها. التي لم تكن في حسبان أحد يومذاك. (فتبارك الله الذي يعلم عباده ما يشاء من أسرار صفته ومن أسرار خلقه عند ما يشاء). (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فهناك حكمة وقصد وتدبير. وهناك تقدير في الخلق لتحقيق الجزاء الحق للذين آمنوا وعملوا الصالحات.

٩٥

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ

بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))

البيان : وقد ورد ان المقصود بالذين أوتوا العلم أهل الكتاب الذين يعلمون من كتابهم ان هذا القرآن هو الحق. وانه يقود كل من تبصر فيه الى صراط العزيز الحميد.

ومجال الآية أكبر وأشمل. فالذين أوتوا العلم في أي زمان ومكان. من كل جيل وقبيل يرون هذا متى صح علمهم ونبذوا هواهم. واستقام ايمانهم. واستحق المستبصر أن يوصف بانه (من اولي العلم).

والقرآن كتاب مفتوح للاجيال. وفيه من الحق ما يكشف عن نفسه لكل ذي علم صحيح. وهو يكشف عن الحق المستكن في كيان هذا الوجود كله. وهو أصدق ترجمة وصفية لهذا الوجود.

(وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وصراط العزيز الحميد هو المنهج الذي أراده الله للوجود. واختاره للبشر. لينسق خطاهم مع خطى هذا الكون. الذي يعيشون فيه.

يهدي الى صراط العزيز الحميد. بما ينشئه في ادراك المؤمن من تصور للوجود وروابط وعلاقات وتعاون اجزاء هذا الكون من حوله ـ وهو معها ـ في تحقيق مشيئة الله وحكمته البالغة.

ويهدي الى صراط العزيز الحميد. بتصحيح منهج التفكير

٩٦

واقامته على أسس سليمة. متفقة مع الايقاعات الكونية على الفطرة البشرية. بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري الى ادراك طبيعة هذا الكون وخواصه وقوانينه. والاستعانة بها. بدون ادنى اصطدام معها.

يهدي الى صراط العزيز الحميد. بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب والتناسق مع الجماعة البشرية. ويعد الجماعة البشرية للتجاوب والتناسق أفرادا وجماعات مع جميع الخلائق.

يهدي الى صراط العزيز الحميد. بما فيه من نظم وتشريعات مستقيمة مع فطرة الانسان. وظروف حياته ومعاشه الاصيلة. متناسفة مع القوانين الكلية. التي تحكم بقية الاحياء.

ان هذا الكتاب هو الدليل الى هذا الصراط. الدليل الذي وضعه خالق الانسان وخالق الصراط. العارف بطبيعة هذا وذاك. ومنشىء الطريق. ومنشىء السالك في الطريق.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ..)

الى هذا الحدّ يصل الانسان اذا استدبر الحقائق في استغرابه لما لا يحتاج في وضوحه الى ادنى دليل. عجيب (انكم ستخلقون خلقا جديدا) هل ندلكم على رجل غريب عجيب ينطق بقول مستنكر. انكم بعد الموت والبلى والتمزّق الشديد تخلقون من جديد. وتعودون للوجود.

ولماذا هذا كله. لانه يقول لهم ـ بزعمهم ـ (انكم ستخلقون خلقا جديدا) وفيم العجب وهم قد خلقوا ابتداء. انهم لا ينظرون هذه العجيبة الواقعة. عجيبة خلقهم الاول. ولو قد نظروها وتدبروها.

٩٧

ما عجبوا أدنى عجب للخلق الجديد. ولكنهم ضالون لا يهتدون. ومن ثم يعقب على تشهيرهم وتعجيبهم تعقيبا شديدا مرهوبا لائقا بسخافة عقولهم وبطلان قولهم :

(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).

وقد يكون المقصود بالعذاب الذي هم فيه عذاب الاخرة. فهو لتحققه كأنهم واقعون فيه. وقوعهم في الضلال البعيد الذي لا يرجى معه اهتداء. وقد يكون هذا تعبيرا عن معنى اخر معنى ان الذين لا يؤمنون بالاخرة يعيشون في عذاب كمن يعيشون في ضلال. وهي حقيقة عميقة. فالذي يعيش بلا حقيقة في الاخرة يعيش في عذاب نفسي. لا أمل له ولا رجاء في نفسه ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في الحياة. وفي الحياة مواقف وابتلاءات لا يقوى الانسان على مواجهتها الا في نفسه رجاء الاخرة. وثوابها للمحسن وعقابها للمسيء

ان الاعتقاد بالاخرة رحمة ونعمة يهبهما الله لمن يستحقهما من عباده باخلاص القلب وتحري الحق. والرغبة في الهدى. والارجح ان هذا هو الذي تشير اليه الاية :

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ .. إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ..) انه مشهد كوني عنيف. منتزع في الوقت ذاته من مشاهداتهم. أو من مداركهم المشهودة على كل حال. فخسف الارض يقع ويشهده الناس وترويه الاخبار وسقوط قطع من السماء يقع كذلك عند سقوط الشهب وحدوث الصواعق. ويمكن ان يقع بهم من هذه الارض الساعة ومن هذه السماء التي يجدونها من بين أيديهم ومن خلفهم وهي محيطة بهم. وليست بعيدة عنهم بعد الساعة المغيبة في علم الله عزوجل.

٩٨

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))

البيان : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ). ان داود (ع) أوتى صوتا جميلا خارقا في الجمال. كان يرتل به مزاميره. وهي تسابيح دينية. ورد منها في كتاب (العهد القديم) ما الله أعلم بصحته والاية تصور من فضل الله على داود (ع) انه قد بلغ من الشفافية والتجرد في تسابيحه أن انزاحت الحجب بينه وبينها ... وحين انطلق صوت داود (ع) يرتل ويمجد خالقه رجعت معه الجبال والطير. وتجاوب الكون بتلك الترانيم. تمجد بارئها الواحد القهار. وانها لحظات عجيبة لا يتذوقها الا من عنده بها خبر. ومن جرب نوعها ولو في لحظات من حياته.(وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) وهو طرف اخر من فضل الله عليه. ويبدو ان الامر كان خارقة ليست من مألوف البشر. فلم يكن الامر أمر تسخين الحديد حتى يلين. ويصبح قابلا للطرق.

انما كان ـ والله أعلم ـ معجزة يلين بها الحديد من غير وسيلة. وهو جو المعجزات التي يظهرها الله تعالى. على يد من استخلصه الله لاداء رسالته. (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ. وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).

السابغات الدروع. روى انها كانت تعمل قبل داود (ع) بشكل تنصب الجسم وتثقله. فألهم الله تعالى داود ان يصنعها رقائق متداخلة لينة يسهل تشكيلها وتحريكها بحركة الجسم.

٩٩

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ان الله سخر الريح لسليمان (ع) تأتمر بأمره كما يشاء. (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) القطر هو النحاس وكان أيضا معجزة خارقة كالانة الحديد لداود.

(وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) وكذلك سخر له طائفة من الجن يعملون بأمره باذن ربه. والجن كلهم مستورون لا يراهم البشر. وسخر الله منهم طائفة لنبيه سليمان (ع) فمن عصى منهم ناله عذاب الله.

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ).

المحاريب هي تجعل في أماكن العبادة ومفردها محراب كما هي في مساجد المسلمين اليوم. والتماثيل هي صور من نحاس وخشب وغير ذلك. والجوابي جمع جابية التي يجلب فيها الماء. والقدور جمع قدر وهي الوعاء الكبير الذي يطبخ به في الولائم العامة.

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً).

أي قد سخرنا لكم هذه الاشياء فعليكم اداء الشكر لله على ما أنعم به عليكم. لان النعم يلزمها شكر. حتى التوفيق لطاعة الله تعالى هو نعمة منه على عباده يلزمهم اداء الشكر عليه وهو منّة منه

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ..)

روى ان سليمان صعد يوما الى مقصورة له عالية تشرف على عمال المسجد الاقصى يراقب أعمالهم وهم يرونه وهو يراقبهم لينظر من الذي يقصر في عمله فيعاقبه. ومن جملة العمال الجن كذلك.

فلما وقف أمام أعينهم وجعل يراقبهم وهم يرونه في مراقبته لهم

١٠٠