تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

فالعبادة مختصة به ولا تجوز لسواه ابدا. فهذه كلمة الانس والجن. يتعارفان عليها فمن شذّ عنها فهو من المشركين وهو قد شذ عن العالمين.

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) يؤمر الرسول ص وآله ان يتجرد وان ينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص الخالق العظيم الواحد المتفرد في مشيئته وشؤون خلقه.

وبهذا يتجرد الجن ايضا ـ وهو موضع الشبهة ـ عن كل ضر او نفع. ويتفرد الله عزوجل بهذا الامر. ويستقيم التصور الايماني على هذا التجرد الكامل الصريح الواضح.

(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) وهذه هي القولة الرهيبة. التي تملأ القلب بجدّية هذا الامر. امر الرسالة والدعوة. والرسول ص وآله يؤمر باعلان هذه الحقيقة الكبيرة.

(وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) اي ملجأ او حماية. الا ان ابلغ ما أمرت به. ولؤدي هذه الامانة. فهذا هو الملجأ الوحيد. وهذه هي الاجارة المأمونة. ان الامر ليس امري. وليس لي فيه شيء الا التبليغ. ولا مفر لي من اداء هذا الواجب علي. ولن يجيرني احد اذا انا قصرت.

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ

وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (٢٨))

البيان : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) فهو التهديد الصريح لمن يبلغه هذا الامر ثم ينحرف عنه ـ بعقيدة او عمل ـ (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً).

٥٢١

(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) ان الدعوة ليست من امره. وليس له فيها شيء ..

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) وهنا يقف الرسول ص وآله متجردا من كل صفة الا صفة العبودية. فهو عبد لله عزوجل. ووظيفته التبليغ (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) وفي الوقت ذاته يحيط هؤلاء الرسل بالارصاد والحراس من الحفظة والرقباء. يحمونهم من شر الشيطان واتباعه. ومن سائر ما يعترض البشر من النقص والغيب واهل البيت (ع) كذلك انه موقف يثير العطف على موقف الرسول ص وآله. كما يثير الرهبة حول هذا الشأن الخطير الذي بدأت به الروعة. والرجفة في مقالة الجن. الحافلة بآثار الرجفة والرهبة.

* * *

ـ ٧٣ ـ سورة المزمل آياتها (٢٠) عشرون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))

البيان : انها دعوة السماء. وصوت السلطان المتعال .. قم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك ـ من احقاب واحقاب السنين ـ قم للعبء الثقيل الذي تعجز عن حمله الجبال الشاهقة قم فقد مضى وقت النوم والراحة. انها كلمة عظيمة رهيبة فزعة. قم من دفء الفراش. الى ساحة الجهاد والكفاح. قم لخوض المعارك. وقلب العقائد والضمائر والاوضاع.

٥٢٢

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) قد اوجب الله قيام الليل بصلاته المعروفة على رسوله دون سواه (سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) هذا القرآن هو الحمل الثقيل. في تطبيقه وتبليغه والقرآن في مبناء ليس بثقيل. بل هو من أيسر اليسر. ولكنه ثقيل في ميزان الحق والعدل وثقيل لأنه يملىء القلب ايمانا ويقينا ـ كالجبال التي جعلها الله اوتادا للارض ـ.

ومن جهة ثانية ثقيل على القلوب المسوّدة من جرائم الاعمال. والعقاد الزائقة. ان الاتصال بالملأ الاعلى وبروح الوجود يحتاج الى جهد وتطهير. ونقاء عقلي وروحي. وان تلقى الفيض من النور الآلهي لثقيل يحتاج الى استعداد طويل. وجهد جهيد. وان الاستقامة على الصراط المستقيم بلا تردد ولا ارتياب ولا تلفت يحتاج الى صبر جميل. وان قيام الليل والناس نيام. والانقطاع عن غبش الحياة. وفهم خدعها وغرورها يحتاج الى علم واختبار. وعزيمة واستمرار لا يقوم بحمله الا اولوا الالباب.

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) لان الذكر فيها حلاوة. والصلاة فيها بخشوع طلاوة. وانها لتسكب في القلب انسا وراحة ونورا يستحيل وجوده من جهة اخرى. والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله واوتاره ومساربه.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ذكر اسم الله. ليس هو مجرد ترديد باللسان على عدد السبحة المئوية. انما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله عزوجل. والاتجاه الكلي اليه بالعبادة والذكر والحضور مع الله.

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) والهجر الجميل هو الهجر الذي يبقي الباب معه مفتوحا لمن هجره لم يقنطه من الاتصال به لو سنح له ذلك الهجر الجميل الذي معه أمل.

٥٢٣

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩))

البيان : المكذبون هم من نوع هذا البشر. دون بقية المخلوقات فانها مذعنة مقرة تسبح بحمد ربها بدون انقطاع ومستسلمة لمشيئته بدون تكبر او عناد. الا هذا البشر المنكود. فمنه المطيع الخاضع الذليل ومنه العاصي المنحرف عن سواء السبيل.

(ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) فهي دعوتي. وما عليك الا البلاغ. فدعهم يكذبون واهجرهم هجرا جميلا. وسأتولّى انا كفاحهم. فاسترح انت من التفكير في شأن هؤلاء المكذبين لك ومكذبين بي.

(انها القاصمة المزلزلة المذهلة حيال هذا الانسان الضعيف الهزيل يهدده هذا السلطان الجبار. (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) وما هي هذه المهلة مهما طالت ان هي الا ايام معدودة ثم تنقضي وتزول وهناك ينفرد هذا الانسان الضعيف المهزول. بمولاه القوي الجبار الذي اذا قال للشيء كن فيكون.

(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) والانكال ـ هي القيود ـ والجحيم هي النار المؤقدة. المطلعة على الافئدة انها عليهم مؤصدة في عمد ممدودة لا يطفؤ لهيبها. ولا يفادي اسيرها ولا تنقضي مدتها ابدا.

(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) فيا لها من صورة مرعبة. ويا له من هول مفزع ترجف منه الارض الطويلة العريضة. وترجف منه الجبال الشاهقة. ويتعرض له هذا الانسان الهزيل الضعيف النخيف. انه الهول الشديد. الذي يتجاوز هذا الانسان الهزيل. ويصل خوفه وهوله الى الجماد الى الارض والجبال الشاهقات. فترتجف من شدة ما ينالها

٥٢٤

من الخوف لئلا يصيبها هذا الهول. وهذا المصاب الذي لا يطاق. فكيف يتعرض له هذا الانسان ان هذا الامر هائل عجيب. هذا الانسان المركب من لحم وعظم. يتعرض لهذا الهول الشديد الذي تخشاه الجمادات الاحجار والتراب. الارض والجبال ان هذا لأمر عجيب غريب.

(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً) فيا لها من هزة عنيفة ترعب القلوب والافئدة. انه تهديد هائل وتحذير شديد. فانا ارسلنا اليكم رسولا كما ارسلنا الى فرعون الذي تعرفون قصته وما نزل به وما جرى عليه حين كذب رسولنا. فقد اخذناه اخذا وبيلا فقد اغرقناه وجميع اتباعه وابتلعهم البحر وأصبحوا طعاما لهوام البحر. وانتم يصيبكم ما اصاب فرعون ان انتم كذبتم رسولي انتبهوا ايها الناس المهازيل. ايها البشر الضعفاء الى ما سينزل بكم ان كذبتم هذا ما سيصيبكم في هذه الحياة اما ما ينتظركم في الحياة الآخرة من العذاب والنكال فشيء يستحيل ان تدركه عقولكم المحدودة لانه هول وبلاء غير محدود وليس له مثيل في هذه الدنيا ابدا. (فكل بلاء ـ في هذه الدنيا ـ هو عافية ـ عند نار الجحيم ونكال النار ومقامع النيران.

ان صورة الهول هنا لتنشقّ لها السماء. ومن قبل رجفت لها الارض والجبال.

(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ).

انه هول لتشيب منه الولدان والاطفال. انه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة. وفي الانسانية الحية. ولكن القلوب المطموسة لا تهتم به ولا تبال له وتتعرض لملاقاته. فيا لها من قلوب ما أقساها وما اشد عماها. ويا أقبح أهلها واربابها ما اسخف عقولهم.

٥٢٥

(كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) فهو واقع لا محالة. فلا خلف فيه ولا تكذيب يعتريه.

(إِنَّها تَذْكِرَةٌ) ان السبيل الى الله لأيسر ما يتصوره عقل عاقل. أو فهم فاهم لانه المحبوب الى الله المرغوب لرسول الله ص وآله فطباله يستحيل رده او توقفه. فالباب امامه مفتوح لا يغلق ان الله تعالى يمهل ولا يهمل. فلا يدع أوليائه لأعدائه. ولو امهل اعداءه الى حين فان أخذه شديد.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠))

البيان : انها لمسة التخفيف الندية تمسح على المتعب فتزيل عنه كلما به من تعب وعناء. وقد علم الله تعالى منه واتباعه الخلص اخلاصهم له. فنفحهم من روحه ورحمته الواسعة. (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً). انها لمسة الرحمة والمودة والطمأنينة.

(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) فاتجهوا الى الله مستغفرين عن تقصيركم.

(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ. إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن حضرة المولى يستمد عبده زاد الحياة وزاد الجهاد. على ان قلبه ما كان ينام وان نامت العين. فقد كان قلبه ص وآله دائما لا ينام ومشغولا بذكر الله تعالى. على ثقل ما يحمل على عاتقه من أعباء التبليغ وكيد الاعدا.

٥٢٦

ـ ٧٤ ـ سورة المدثر آياتها (٥٦) ست وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠))

البيان : انه النداء العلوي الجليل. للامر العظيم الثقيل. نذارة هذه البشرية وايقاظها وتخليصها من تعب الدنيا وشر الآخرة. وهو واجب ثقيل شاق حين يناط بفرد من البشر ويطلب منه مقابلة هذه البشرية الضالة العاتية العاكفة على عبادة الاحجار (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) والانذار هو اظهار ما في الرسالة فهو تنبيه للخطر القريب الذي يترصد للغافلين او الضالين. وهم لا ينقصون في ملك خالقهم العظيم ذرة مهما كانوا وطغوا. ولا يزيدون في ملكه ذرة. مهما كثروا وعبدوا. غير ان حكمته اقتضت ان يمنحهم كل هذه العناية لينتشلهم مما هم فيه من الشقاء والبلاء. والشحناء والبغضاء. وان يدعوهم رسوله ليغفر لهم ويدخلهم جنات النعيم.

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ). وهذا تعبير بالكناية. والمراد منه طهارة القلب والعقيدة والخلق والعمل وباختصار طهارة الذات التي تحتويها الثياب. وهذا ما يتناسب للتلقي من الملأ الاعلى. كما انها الصق بطبيعة هذه الرسالة. وهي لفتة دقيقة عميقة تدركها النفوس الزكية.

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) وهذا موجه لغير الرسول ص وآله ـ كما اياك اعني واسمعي يا جارة ـ لأن الرسول ص وآله خلق طاهر مطهر من كل ما يؤل اليه الرجز. فالكلام له والمقصود غيره. وهذا المعنى قد ورد في كثير من تعبير القرآن المجيد. فغايته الحث لأهل الرجز بتركهم له

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) وهذا ايضا يقصد به تنبيه عام لكل من يتصدق ان لا يمنن بفعله.

٥٢٧

(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وهي الوصية العاملة المتكررة عند كل نائبة وعند كل تكليف شاق.

(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) المراد منه نفخة الصور. ومن ثم يصف اليوم بانه عسير على الكافرين. ويؤكد وقعا من الصوت الذي تسمعه الآذان

(على الكافرين غير يسير. فهو عسير كله لا يتخلله يسر ابدا لانه جزاء عملهم القبيح.

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))

البيان : روى ان المقصود بهذا التهديد والوعيد هو الوليد بن المغيرة المخزومي. وسببه ان الوليد جاء الى النبي ص وآله فسمع منه شيئا من القرآن. فكأنه رق له. فبلغ ذلك ابا جهل الخبيث. فأتاه فاتهمه بانه مال الى محمد فانكر ذلك الوليد فقال ابو جهل ان قومك لا يقبلون منك حتى تقول فيه ما يظهر ما تقول. فقال الوليد ماذا اقول فيه فو الله ما منكم رجل اعلم بالاشعار مني. ولا أعلم برجزه ولا بأشعار الجن ..

والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا. والله ان لقوله الذي

٥٢٨

يقوله حلاوة. وانه ليحطم ما تحته. وانه ليعلو وما يعلى عليه. فدعني حتى افكر فيه. فلما فكر قال : ان هذا الا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ..)

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الخطاب للرسول ص وآله. ومعناه خل بيني وبينه هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر. ثم هو الآن يكفر بي ويكذب رسولي فسوف يعلم ما سأفعل به. وما يستحقه بقوله هذا (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) فالتصعيد في الطريق وأشق السير واشده ارهاقا. ولا راحة وامل في نهاية الطريق.

(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) انها مرتبة من العذاب اسفلها عمقا واشدها ضراما.

(كَذلِكَ. يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) تذكر الحقائق وتعرض الايات فتتلقاها القلوب المختلفة تلقيا مختلفا. فيهتدي بها فريق قد استعمل عقله ونبذ هواه. ويضل بها فريق اخر قد اتبع هواه ونبذ عقله. وهذا سبب الاختلاف بين الفريقين ـ كالعنب : واحد يأكله عنبا وزبيبا فينتفع به. وواحد يصنعه خمرا فيسكر ويذهب عقله فيضر نفسه وغيره. وهكذا المواعظ والارشاد تصنع بأهلها.

(كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))

٥٢٩

البيان : والقرآن يلمس بهذه الاشارة السريعة مكامن هذه المشاعر والاسرار في القلوب التي يخاطبها. على خبرة بمداخلها ودروبها وقلّ ان يستيقظ قلب لمشهد القمر حين يطلع. وحين يسري وحين يغيب. ثم لا يعي عن القمر شيئا. والله الذي خلق القلب البشري يعلم ان هذه المشاهد بذاتها تصنع فيه الاعاجيب في بعض الاحايين. وكأنها تخلقه من جديد.

(إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) والقسم ذاته ومحتوياته. والقسم عليه بهذه الصورة ... كلها مطارق تطرق قلوب البشر بعنف وشدة. (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).

(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) فكل فرد يحمل همّ نفسه وتبعتها. فهي رهينة. بما تكسب مقيدة بما تفعل ، (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) واعلان ذلك في هذا الموقف وعرضه يلمس القلوب لمسة مؤثرة. (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وهي كناية عن الايمان كله. وهي كيان العقيدة ورمز الايمان ودليله.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) .. وهذه تلى عدم الايمان. بوصفها عبادة لله في خلقه. بعد عبادته سبحانه. ويدل ذكرها بهذه القوة على الحالة الاجتماعية التي كان القرآن يوجهها وانقطاع الاحسان للفقير في هذه البيئة القاسية. على الرغم من الفخر بالكرم عند العرب.

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) وهي تصف حالة الاستهتار بأمر العقيدة. وحقيقة الايمان واخذها مأخذ الهزل واللعب. وهي اعظم واخطر من الامر في حياة الانسان.

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) وهذه أس البلايا. فالذي يكذب بيوم الدين تخلى يده من جميع الموازين والقيم التي بها تتفاوت الحياة. حسنا وقبحا. وسعادة وشقاء.

٥٣٠

(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) الموت الذي به يكشف غطاء التمويه والاغراء والتضليل. وبه ينقطع الامل من المفرطين والمكذبين والمسوفين الذين كانوا يسوفون التوبة.

(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) فقد قضى الامر وحق القول وانقطعت العلاقات وليس هناك من يشفع او ينفع (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).

(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) ومشهد حمر الوحش وهي هاربة خوفا من اقتناص الاسد لها. فهو مشهد يعرفه العرب. وهو مشهد مضحك حين يشبه به الآدميين الخالق العظيم.

انها ريشة المبدع ترسم لأولى الالباب هذا المشهد وتسجله في صلب الكون ليكون عظة وعبرة لمن له قلب. ينتفع بالمواعظ والعبر. ويمهد لهم طريق الرجوع الى خالقهم الكريم.

(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) فهم يحسدون النبي وأهل بيته (ع) على ما آتاهم الله من فضله واختصهم بسفارة مملكته. والقيمومة على جميع عباده. لطهارة ذاتهم وثبات عقائدهم والصبر على اداء ما عهده الله اليهم بما تعجز عن حمله الجبال.

(كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) انه هذا القرآن الذي يعرضون عن قطف ثماره والانتعاش بطيب عبيره.

(هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فكل ما يقع في هذا الوجود فهو بارادته وحكيم تدبيره. فهذه هي حقيقة الاسلام التي يستحيل ان تصل البشرية الى امن او سعادة بدونها. وهذا هو المقصود ابتداء من تقرير طلاقة المشيئة الالهية. وافتقار المخلوقات اليها دائما وابدا.

٥٣١

ـ ٧٥ ـ سورة القيامة آياتها (٤٠) أربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥))

البيان : لا صلة ومعناها اقسم بيوم القيامة. والنفس اللوامة هي المتوسطة بين المطمئنة والامارة فالانسان اذا انحرف عن طاعة خالقه تلومه نفسه على هذا الانحراف وتؤنبه. وتدعوه الى الاستقامة. وهذا دأبها ما دام بها احساس روحي فاما الانسان يرجع ويعتدل ويستقيم ويحكّم عقله وينبذ هواه فتطمأن نفسه. وتفريح باستقامة صاحبها. وتسمى حينئذ مطمئنة. خالية من كل شك او ارتياب او خوف او وجل وحينئذ تستنير بنور خالقها العظيم وتصبح تنطق بالحكمة وترى ما لا يرى سواها وهذه هي التي يخاطبها الله تعالى عند فناء الجسم بقوله عزوجل :

(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).

وحينئذ تخرج من هذا الجسم كما دخلت فيه في عالم الارحام. وتصعد الى جنة البرزخ الى البعث.

وحين يستمر الانسان في طغيانه واجرامه. يصل الى مرحلة تموت احساساته الروحية. وتعمى بصيرته. وتصبح نفسه امارة. وقد يقنط من رحمة الله ويطلق لهواه الزمام. ويصبح وحشا لا يردعه عن ارتكاب الفواحش والجرائم اي رادع كما قال تعالى :

(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ. وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)

٥٣٢

وتخطابها ملائكة العذاب عند موت الجسم بقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ..) وحينئذ تهوي في نار البرزخ الى يوم القيامة. فتدخل نار الخلود والدوام.

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) قد كانت المشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم لجمع العظام البالية في التراب. ورجوعها الى الحياة كما هي والقرآن يرد عليهم :

(بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) البنان هي الخطوط التي توجد في الانامل والبصمات (أطراف الاصابع) والنص يؤكد عملية رجوع ما هو ادق من مجرد جمعها. وهو تسوية البنان. كما كانت وهي كناية عن اعادة التكوين الانساني بأدق ما فيه. واكماله بحيث لا تضيع منه حتى بنانه ولا تختل عن مكانها. بل تسوي تسوية تامة. لا ينقص منها شيء حتى تلك الخطوط الدقيقة.

(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) والسؤال بأيان يوحي باستبعاده لهذا اليوم. والاخرة لجام للنفس الراغبة في الشر ومصدة للقلب المحب للفجور. فهو يحاول ازالة هذا وازاحة هذا اللجام لينطلق الشر في فجوره بلا حسيب ولا رقيب.

ومن ثم كان الجواب على التهكم بيوم القيامة. واستبعاد موعدها مشهدا من مشاهد الكون.

(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ..) فالبصر يخطف ويتقلب سريعا والقمر يخسف ويطمس والشمس تقترن بالقمر. وعندئذ (فيقول الانسان (أَيْنَ الْمَفَرُّ) ويظهر انه سؤال رعب وفزع. واذا هو مسدود دونه كل طريق وكل منفذ. ولا ملجأ ولا وقاية. ولا مفر من قهر الله واخذه.

٥٣٣

(كَلَّا. لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) وما كان يرغب فيه الانسان من المضي في الفجور لن يكون يومئذ. بل سيكون كل ما كسبه محسوبا وسيذكر به ان كان نسيه.

(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) بما قدمه من عمل هذا وبما اخره وراءه من آثار. ولن تقبل منه المعاذير. ونفسه وجوارحه تشهد عليه. فلا مفر ولا خلاص فالحساب دقيق.

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ومما يلاحظ ان كل شيء سريع قصير. والمشاهد خاطفة.

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤))

البيان : وهنا الاعجاز الخالد. الذي يترك في النفس الايمان بصحة هذا القرآن المجيد. الذي تكفل خالقه العظيم بحفظه وحراسته من كل نقص او عيب او تغير او تحريف.

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ومن شدة حرص الرسول ص وآله على استيعاب ما يوحى اليه. وخشيته ان ينسى منه عبارة او كلمة. كان يتثبت من حفظه بكل دقة.

(كَلَّا. بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) واول ما يلحظ من ناحية التناسق هو تسمية الدنيا بالعاجلة في هذا الموضع. وهو ايحاء مقصود. فان هناك تناسقا بين بيان اللفظ وبيان الموقف السابق وقول الله تعالى لرسوله (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فهذا التحريك وهو العجلة هي احد بيان السمة البشرية في الحياة الدنيا. وهو تناسق لطيف.

٥٣٤

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ان هذا النص ليشير اشارة سريعة الى حالة تعجز الكلمات عن تصويرها. كما يعجز الادراك عن تصور مداها بكل حقيقتها. ذلك حين يعد الموعودين السعداء بحالة من السعادة لا تشبهها حالة حتى تتضاءل الى جوارها الجنة بكل ملذاتها ونعمها.

ان روح الانسان لتستمتع احيانا بلمحة من جمال الابداع الالهي في هذا الكون او النفس فتغمرها النشوة. وتفيض بالسعادة وترف باجنحة من نور في عوالم عديدة. وتتوارى عنها شوائب الدنيا وما فيها من المغريات المادية. وما فيها من الام ومصائب. وهذه لذة لا يتذوقها الا المتقون.

فما بال اناس يحرمون ارواحهم ان تعانق هذا النور الفائض بالفرح والسعادة والسرور ويشغلها بالجدل حول مطلق التوافه. لا نفع فيها ولا ارباح. ومنها افلام التلفزيون الخبيثة.

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فهذه هي الآخرة التي يذرونها ويهملونها ويتجهون الى العاجلة التي ملؤها تعب وعناء. وتجلب على عاشقها في الاخرة الشقاء والبلاء.

انه مشهد الموت الذي ينتهي اليه كل حي. والذي لا يدفعه عن نفسه دافع. ولا عن غيره. الذي يفرق الاحبة والجماعة. ولا يجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق. ولا لرغبة راغب.

(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))

٥٣٥

البيان : ـ انه مشهد الاحتضار. يواجههم به نص القرآن كأنه حاضر. وكأنه يخرج من ثنايا الالفاظ ويتحرك كما هي ملامح الصورة من خلال لمسات الريشة.

(كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) (وحين تبلغ الروح المكروب.

(وَقِيلَ مَنْ راقٍ) تكون السكرات المذهلة. ويكون الكرب الذي تزوع منه الابصار. ويلتفت الحاضرون حول المحتضر يتلمسون حيلة او وسيلة لاستنقاذ هذا المكروب. (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) لعل رقية تفيد.(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) وبطلت كل حيلة وعجزت كل وسيلة. وتبين الطريق الواحد الذي يساق اليه كل حي في نهاية المطاف (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ).

انه لمشهد ليكاد يتحرك وينطلق. وكل آية ترسم حركة. وكل فقرة تخرج لمحة. وحالة الاحتضار ترتسم معها الجزع والحيرة. ومواجهة الحقيقة القاسية المريرة.

(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وقد قيل ان المراد به ابو جهل لعنه الله. ولكن في الحقيقة هو الذي غصب الخلافة من أهلها الشرعيين واخرج الناس عن الصراط المستقيم وامر بحرق بيت فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين على كل من فيه ـ وفيه خيرة اهل الارض ـ اذا لم يخرج ابو الحسنين ويبايع السامري.

والتعبير القرآني يتهكم عليه وكل من يعتقد به الخير والصلاح جهلا وتعصبا.

(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) وهو تعبير اصطلاحي يتضمن التهديد والوعيد لهذا المنافق.

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) فقد كانت الحياة في نظر القوم

٥٣٦

امرا لا يكون انها احدى لمسات القرآن التوجيهية للقلب البشري كي يفلت ويستحضر الروابط بخالقه.

(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) فما هذا الانسان ألم يك نطفة من الماء. فمن الذي صيره في هذا التكوين البديع. انه لا مفرّ من الاحساس باليد التي ركبته واوجدته في أحسن تكوين.

(ا ليس بقادر على ان يحيى الموتى) بلى انه قادر. وما يملك الانسان الا ان يقف خاشعا امام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضا على كل ذي شعور واحساس والله ولي المتقين.

* * *

ـ ٧٦ ـ سورة الانسان آياتها (٣١) احدى وثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧))

٥٣٧

البيان : قد روى الخاص والعام ان الايات من هذه السورة وهي قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ) الى قوله (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وجارتهم فضّة). وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد. وابي صالح وهو الحق.

روى انه قد مرض الحسن والحسين (ع) فعادهما جدّهما ص وآله ووجوه العرب. وقالوا يا ابا الحسن لو نذرت عن ولديك نذرا. فنذر هو صوم ثلاثة ايام ان عافاهما الله تعالى. ونذرت فاطمة (ع) كذلك وكذلك فضة. فبرئا وليس عندهم شيء. فاستقرض علي ثلاثة اصوع من شعير وجاء بها الى فاطمة (ع) فطحنت صاعا منها فاختبزته وصلى علي المغرب وقربته اليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم فأعطوه ولم يذوقوا الا الماء فلما كان اليوم الثاني اختبزت الصاع الثاني وقدمته اليهم فاذا يتيم في الباب يستطعم فأعطوه. ولم يذوقوا الا الماء. فلما كان اليوم الثالث اختبزت الباقي وقدمته اليهم. فاذا أسير بالباب يستطعم فاعطوه. ولم يذوقوا الا الماء. فلما كان اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم اتى علي (ع) ومعه الحسن والحسين (ع) الى النبي ص وآله وبهما الضعف. فبكى رسول الله ص وآله. ونزل جبرائيل (ع) بسورة هل أتي وهذا هو الحق

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) هذا الاستفهام في مطلع السورة انما هو للتقرير. كأنما ليسأل الانسان نفسه. الا يعرف انه كان معدوما قبل زمان (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ثم ألا يتدبّر هذه الحقيقة ويتملاها. ثم الا يفعل تدبرها في نفسه ويشعر باليد التي دفعته الى مسرح هذه الحياة. وجعلته شيئا مذكورا بعد العدم. انها ايحاءات كثيرة تنبض من وراء صيغة الاستفهام في هذا المقام. وهي ايحاءات رقيقة عميقة. تثير النفس وتدعوها الى التأمل.

٥٣٨

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) الامشاج الاخلاط. وهي اشارة الى نطفة الذكر وبويضة الانثى حال التلقيح. قد خلقت هذا الانسان يد القدرة الالهية. لحكمة وغاية لا عن عبث وصدفة. ومن ثم جعله سميعا بصيرا. أي زوّده بوسائل الادراك والارادة اتماما للنعمة واكمالا للحجة. ومن ثم قد وهبه الاستعداد للتلقي. والاستجابة. وكل شيء وهبه اياه وفق حكمة.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ..) وعبر عن المهتدي بانه شاكر لربه. وبالضال بانه كفور. ويشعر الانسان بجدية الامر ودقته بعد هذه اللمسات ويدرك انه مخلوق لغاية كبرى وانه مزود بالمعرفة ومحاسب ومطالب. وانه في دار عمل واختبار يتبعها دار جزاء وعقاب.

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) فيا لها من طامة كبرى من ابتلى فيها لا يبرا (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ..) وهذه العبارة للابرار. مقابل ما استحق الكفار. (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) انها صورة وضيئة لآل بيت محمد (ع) استحقوها بعد وفائهم بالنذر.

(وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) فهم يدركون صفة هذا اليوم الذي يعاقب فيه المجرمون.

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) وهي تصور شعور البر والعطف والاحسان من آل بيت محمد (ع) الى المسكين واليتيم والاسير. بعد ذلك فيه هذا المدح والثناء من خالقهم الكريم. وانهم ليجودون بالطعام مع حاجتهم اليه ولكن حب الله تعالى والتقرب اليه يدعوهم.

(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ..) فهي الرحمة الفائضة والتقرب الخالص لوجه الله لا غير.

٥٣٩

ان الاسلام عقيدة قلوب. ومنهج تربية لهذه القلوب ومن ثم كان ذلك الشعور الكريم.

(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) فهذه الهيئة العامة لهذه الجنة التي جزى الله بها عباده الابرار الذين رسم لهم تلك الصورة المرهفة اللطيفة الوضيئة في الدنيا والاخرة.

(عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢))

البيان : ان علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) يتلقون هذا المديح من الخالق الجليل. وهو يعدل عندهم الدنيا وما فيها. ويمنحهم قيمة أخرى وهي المقام الرفيع في جنات النعيم. وهكذا ينتهي ذلك العرض المثير. والهتاف العلوي للقلوب المفتوحة. في طريقها الى الجنة.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))

البيان : في هذه الايات تكمن حقيقة كبيرة من حقائق الدعوة الايمانية حقيقة ينبغي ان يعيش فيها الدعاة الى الله طويلا. وان يتعمقوها تعمقا كاملا. وان ينظروا بتدبر في مدلولاتها الواقعية والايمانية الكبيرة

لقد كان رسول الله ص وآله. يواجه المشركين بالدعوة الى الله وحده. وهو لم يكن يواجه في نفوسهم مجرد عقيدة. ومن ثم ينبغي

٥٤٠