تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

كماله المطلق حيث يستحيل ان يرى فيه نقص أو فطور. أو ارتياب في جماله وكماله.

(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب.

(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) فانظر مرة بعد مرة للتأكيد (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ). هل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل. (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) فربما فاتك شيء في النظرة الاولى فأعد النظر (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ).

واسلوب التحدي من شأنه أن يثير الاهتمام والجد في النظر الى السموات والى خلق الله تعالى كله. وهذه النظرة الحادة الفاحصة للمتأمل المتدبر. هي التي يريد القرآن ان يثيرها فبلادة الالفة تذهب بروعة النظرة الى هذا الكون الرائع العجيب الجميل الدقيق. الذي لا تشبع العين من تملّي جماله وروعته. ولا يشبع القلب من تلقي ايحاءاته. ولا يشبع العقل من تدبر نظامه ودقته. وبذلك تدركه الدهشة والذهول. والروعة الهائلة لهذا الكون.

فمن نعمة الله على البشر أن أودعهم القدرة على التجارب مع هذا الكون بمجرد النظر والتأمل فالقلب يتلقى ايقاعات هذا الكون الهائل الجميل تلقيا مباشرا حين يتفتح ويستشرف.

ومن ثم يكل القرآن الناس الى النظر في هذا الكون. والى تملي مشاهده وعجائبه. ذلك ان القرآن يخاطب الناس جميعا. وفي كل عصر. يخاطب الامي الذي لم يقرأ حرفا. كما يخاطب العالم الفلكي. والعالم الطبيعي. كما يخاطب الفيلسوف والبليغ والحكيم. والاديب. وكل واحد من هؤلاء يجد في القرآن المجيد ما يناسب فهمه واستعداده

٤٨١

الكسبي والتكويني بجميع شؤونه. والجمال في تصميم هذا الكون مقصود كالكمال في الانسان ذاته بل انهما اعتباران لحقيقة واحدة. فالكمال يبلغ درجة الجمال. ومن ثم يوجه القرآن النظر الى جمال السموات بعد أن وجه النظر الى كمالها.

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وخصّ السماء الدنيا لعلها هي الاقرب الى الارض. ولعل المصابيح المشار اليها هنا هي النجوم والكواكب الظاهرة للعين. التي نراها حين ننظر الى السماء. فذلك يتسق مع توجيه المخاطبين الى النظر في السماء.

ومشهد النجوم في السماء جميل. يأخذ بالقلوب الى التفكير بخالق هذه النجوم وينتقل من عظمتها الى عظمة خالقها العظيم. وهناك المجموعات من النجوم المتضامنة والمتضامة. والمتناشرة. وهذا القمر الحالم الساهي بليله. والزاهي المتفتح للحياة ليلة تمامه وهذا الفضاء الوسيع الذي لا يمل البصر من امتداده. ولا يبلغ البصر آماده. انه الجمال الذي يملك الانسان ان يعيشه. اذا استعمل عقله ونبذ هواه.

والقرآن يوجه النفس الى جمال السماء. والى جمال الكون كله. لانه ادراك لجمال الوجود.

(وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) فنحن نؤمن أن هناك خلقا اسمهم شياطين. وردت بعض صفاتهم في القرآن. وسبقت الاشارة اليها في هذا البيان. ولا نزيد عليها شيئا ونحن نؤمن ان الله جعل من هذه المصابيح التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين في صورة شهب كما جاء في سورة أخرى. (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في الاخرة لاولئك الشياطين. ولعل مناسبة ذكر هذا الذي أعده الله للشياطين في الدنيا والاخرة.

٤٨٢

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))

البيان : هنا يرسم مشهدا لجهنم هذه. وهي تستقبل الذين كفروا في غيظ وحنق شديد.

(إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ. تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) وجهنم هنا مخلوقة حية.

فترتفع انفاسها في شهيق وتفور. ويملأ جوانحها الغيظ فتكاد تتمزق من الغيظ. وهي تنطوي على بغض وكره يبلغ الى حد الغيظ والحنق على العاصين لله رب العالمين.

والتعبير في ظاهره يبدو مجازا لحالة جهنم ولكنه ـ فيما نحس ـ يقرر حقيقة ملموسة. فكل خليقة من خلائق الله حية ذات روح من نوعها. وكل خليقة تعرف خالقها وتسبح بحمده.

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).

ويندهش الانسان حين يسمع أن كل ما في الوجود مذعن لخالقه ويسبحه ويشكره على نعمه الا بعض افراد هذا النوع البشري من الناس الذين اتبعوا أهواءهم فضلّوا وأضلوا غيرهم عن هذا المرسوم الطبيعي في جميع المخلوقات الكونية بدون استثناء إلّا هذا الانسان. ولذا نسمع مما لا شك فيه ان النار تتغيظ لهذا الانسان الجاحد لربه العاصي لخالقه المخالف لفطرته. وهذه الحقيقة في مواضع شتى تشعر بانها تقرر حقيقة مكنونة في كل شيء.

(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) وواضح أن

٤٨٣

هذا السؤال في هذا الموضع هو للتأنيب والترذيل. فهي مشاركة لجهنم في الغيظ والحنق. كما هي مشاركة لها في التعذيب.

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا) فالذي يسمع أو يعقل. لا يورد نفسه هذا المورد الوبىء ولا يجحد ما يعترف بوجوده كل مخلوق حتى الجماد والنار. والشجر والماء.

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) والسحق البعد. وهو دعاء عليهم من الله تعالى. بعد اعترافهم بذنبهم في الموقف الذي لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بوقوعه. والدعاء من الله تعالى قضاء. فهم مبعدون من رحمته فلا رجاء لهم في مغفرة ولا اقالة لهم من عذاب.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))

البيان : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) الغيب المشار اليه هنا يشمل خشيتهم لربهم أي كان في السر حيث لا يراهم أحد من الناس. كما يشمل خشيتهم لله فيما يروه بأعينهم وقد آمنوا والتزموا بلوازمه. كمن يؤمن بالجنة والنار. فيعمل ما ينيله الجنة. ويتجنب ما يوقعه في النار كما أخبر بذلك الله تعالى في شريعته وان كان على لسان انبيائه.

ووصل القلب بالله تعالى في السر والخفية. وبالغيب ما لا تطلع

٤٨٤

عليه العيون وهو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير فالصلة بالله هي الاصل.

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ففي جميع الحالات فهو مكشوف لعلام الغيوب. فهو عليم حتى في ما تكنه الصدور. وما تضمره القلوب (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ).

ان البشر وهم يحاولون التخفي من الله بحركة أو سر او نية في الضمير. ولكن يمكن خفاؤه على المخلوقين المحدودين في امكانياتهم. ولكن جميع ذلك مكشوف للخالق العظيم.

والقرآن يعنى بتقرير هذه الحقيقة في الضمير. لان استقرارها فيه ينشىء له ادراكا صحيحا للامور. فوق ما يودعه هناك من يقظة وحساسية وتقوى تناط بها الامانة. التي يحملها المؤمن في هذه الحياة على عاتقه أمانة العقيدة. وامانة العدالة. وامانة التجرد لله عزوجل في النية والعمل دون سواه. وذلك لا يتحقق الا حين يستيقن القلب انه هو وما يكن في ضميره مكشوف لله بدون أدنى خفاء (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

عندئذ يتقي المؤمن بالله تعالى ويخلص له في كل أعماله ونواياه في الظاهر والخفاء.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً). والناس لطول الفتهم لحياتهم على هذه الارض. وسهولة استقرارهم عليها. وسيرهم فيها واستغلالهم لتربتها وأرزاقها جميعا. ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها.

والقرآن المجيد يذكرهم هذه النعمة الهائلة. ويبصرهم بها حتى يدرك كل جيل بقدر ما ينكشف له. والله تعالى جعل الارض ذلولا

٤٨٥

للبشر بأن جعلها صالحة للحياة والمنافع التي يحتاجها الانسان في حياته.

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) البشر الذين يعيشون على ظهر الارض الذلول ويعيشون من خيراتها. يعرفون كيف تكون ذلولا سهلة خصبة صالحة لكل ما يغرس فيها.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). ولقد انكر الله ممن كذبوا قبلهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ). وهم يعلمون كيف كان مسيرهم. فقد كانت آثار الدمار والخراب تصف لهم كيف كان هذا النكير والعاقبة.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) وهذه خارقة تقع في كل لحظة. تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشي به من القدرة والعظمة. ولكن تأمل هذا الطير. وهو يصف جناحيه ويفردهما. يسبح فيه هذا الهواء في يسر وسهولة. تأمل هذا المشهد فهو متعة فوق ما هو مثار التفكير. وتدبر في صنع الله البديع. الذي يتعانق فيه الكمال والجمال.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ) وقد خوفهم الخسف وخوفهم الحاصب. وذكرهم مصائر الغابرين الذين أنكر الله عليهم فأصابهم التدمير. ثم يعود ليسألهم : من هو الذي ينصرهم ويحميهم من الله. غير الله. (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) غرور يهيء لهم انهم في أمن وفي حماية. وهم يتعرضون لغضب الرحمان. بلا شفاعة لهم من ايمان. ولا عمل فيه الرحمة.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ورزق البشر كله ـ كما سلف ـ معقود بارادة الله في أول أسبابه. في تصميم هذا الكون. وفي كل حركة متحرك في هذا الكون.

(بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) والتعبير يرسم خدا مصغرا. بعد تقريره لحقيقة الرزق وانهم عيال على خالقهم العظيم. وأقبح العتو ما يقع من العيال في مواجهة كافلهم ورازقهم.

٤٨٦

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

البيان : ان حياة الايمان هي اليسر والاستقامة والقصد. وحياة الكفر هي العسر. فأيهما أهدى. وهل الامر في حاجة الى التردد في الجواب. انما هو سؤال التقرير والايجاب. ويتوارى السؤال والجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك. مشهد جماعة يمشون على وجوههم. أو يتعثرون وينكبون على وجوههم. لا هدف لهم ولا طريق. وهناك مشهد جماعة اخرى تسير مرتفعة الهامات. مستقيمة الخطوات. في طريق مستقيم لهدف مرسوم. انه تجسم للحقائق. واطلاق الحياة في الصور الواقعية لكلا الفريقين.

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) وهذه حقيقة واقعية بان الله تعالى هو الذي انشأ الانسان. حقيقة ليس لها معارض او جاحد الا عن الهوى.

فالانسان قد وجد بعد أن كان معدوما. ويستحيل أن يوجد من يدعي وجوده غير الله عزوجل. فلا بد ان يكون هناك من هو ارفع منه وأعلم واقدر منه قد أوجده. ولابد من الاعتراف بخالق عظيم قد أوجد هذا الانسان العظيم في جميع جهاته ونواحيه.

والقرآن يذكر هذه الحقيقة هنا ليذكر هذا الانسان ببعض ما تفضل به عليه خالقه العظيم. وما قابل الانسان به من العناية والمواهب التي لا تحصى (قليلا ما تشكرون).

٤٨٧

والسمع والبصر معجزتان كبيرتان. والافئدة التي يعبر عنها القرآن المجيد. هي معجزة أكبر واعظم. وهي قوة الادراك والمعرفة. انها معجزة أعجب ما في هذا المخلوق.

وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطاها الله تعالى للانسان لينهض بتلك الامانة الكبرى التي حملها حين جعله الله تعالى خليفة في أرضه.(ولكن قليلا ما يشكرون). وهو أمر يثير الخجل والحياء عند التذكير به كما يذكرهم القرآن في هذا المجال. ويذكر كل جاحد ومنحرف. حيث أعرضوا عن شكر تلك النعم التي أنعم الله بها على هذا النوع البشري. وهو معرض لا يوفيها حقها. ولو استعمل عقله لخجل من سخافة اعماله مع خالقه.

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) والذرىء : الاكثار. والحشر الجمع. وليتذكر البشر وهم مجتمعون منتشرون في الارض ان هناك غاية هم صائرون اليها هي الجمع والحشر.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) وهو سؤال الشاك المرتاب. وهو من علم الغيب الذي حجب الله تعالى عن عباده. ومبدأه حين خروج الروح من هذا الجسم الحيواني. ثم دار الخلود اما في جنة النعيم او في نار الجحيم

(قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) وهنا يبرز بجلاء فارق ما بين الخالق والمخلوقين وتتجرد ذات الخالق العظيم. ووحدانيته بلا شبيه ولا شريك ويتمحص العلم له سبحانه في هذه الخمسة اشياء ويختص بها دون سواه حيث أرادت حكمته خفائها عن كل مخلوق وهي (عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ. وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ. وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً. وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ).

٤٨٨

ويقف الخلق أجمع بما فيهم الرسل والملائكة. في مقامهم متأدبين عند مختصات الخالق العظيم.

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهذه الطريقة في عرض ما سيكون تتكر في القرآن المجيد. لمواجهة حالة التكذيب. وجها لوجه مع مشهد حاضر لما يكذبون به.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ) وهو سؤال يردهم الى تدبر حالهم والتفكير في شأنهم وهو الاولى. فما ينفعهم ان يتحقق امانيهم فيهلك الله النبي ومن معه.

(فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) وهو اسلوب في الدعوة الحسنة. فهو يخوفهم بذلك.

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ) وذكر صفة ـ الرحمن ـ هنا يشير الى رحمته العميقة الواسعة.

(فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وهو اسلوب كذلك من شأنه أن يخلخل الاصرار على الجحود. ويدعوهم الى مراجعة موقفهم مخافة ان يكونوا هم الضالين فينالهم العذاب.

(فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) وفي الوقت ذاته لا يجبههم بانهم ضالون فعلا. حتى لا تأخذهم العزة بالاثم. أو يأخذهم القنوط واليأس من رحمة الله فيزدادوا طغيانا.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) الغائر هو الذاهب في الارض لا يقدرون عليه. والمعين النابع المتدفق. وهي لمسة قريبة في حياتهم ان كانوا ما يزالون يستبعدون ذلك اليوم ويشكون فيه. والملك بيد الله وهو على كل شيء قدير. فكيف لو توجهت ارادته الى حرمانهم مصدر الحياة القريبة. ثم يدعوهم بان يتدبروا ما يكون لو أذن الله

٤٨٩

بوقوع هذا المحذور. انها سورة ضخمة. سورة اكبر من حجمها وخيرها وعدد آياتها. وكأنما هي سهام تشير الى بعيد ويكاد أن يكون كل سهم سورة كبرى يكشف عالما جديدا.

* * *

ـ ٦٨ ـ سورة القلم آياتها (٥٢) اثنتين وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦))

البيان : يقسم الله سبحانه. بنون. وبالقلم والكتابة. والعلاقة واضحة بين الحرف (نون) بوصفه أحد حروف الأبجدية وبين القلم والكتابة فاما القسم بها فهو تعظيم لقيمتها.

يقسم الله سبحانه بنون والقلم وما يسطرون. منوها بقيمة الكتابة معظما لشأنها كما أسلفنا لينفي عن رسوله ص وآله تلك الفرية التي رماه بها المشركون (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) وان العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول ص وآله في قومه. فبينما كانوا يصفونه (بالصادق الامين) ويرجعون اليه في كل العسرة في حل مشاكلهم. وبمجرد ما قال لهم : (قولوا لا اله الا الله تفلحوا) فجعلوا يصفونه بأقبح الصفات. أن الانسان العاقل يأخذه العجب حين يرى هذه المتناقضات.

(إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وتتجاوز ارجاء الوجود بهذا الثناء الفريد

٤٩٠

عليه ص وآله ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود.

ويعجز كل قلم وكاتب. عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود. وهي شهادة من الخالق العظيم. انها لعظيمة في ميزان الله تعالى لعبد من عبيده : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وهذا مما لا يبلغ مداه في ميزان القيم الانسانية والكمالات الروحية ثم يأتي التهديد لأعدائه.

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) وهذا الوعد من الله يشير الى ان الغد يكشف عن حقيقة النبي ص وآله. ويثبت أيهم الضال من المهتدي و (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) وفي هذا ما يطمئنه. وما يقلق اعدائه. وما يبعث في قلوبهم الخوف والرعب مما سيأتيهم عن قريب.

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) فهي المساومة. والالتقاء في منتصف الطريق كما يفعلون في التجارة وفرق بين الاستقامة والتجارة. فصاحب العقيدة الصحيحة لا يتخلى عن شيء منها. لأن الصغير منها لا يماثله شيء. بل ليس في العقيدة الصحيحة شيء صغير.

ومما يروى ان رسول الله ص وآله حين صدع بالاسلام لم ينكر عليه قومه. وانما انكروا عليه وقاوموه. حين عاب الهتهم. وسفه احلامهم وقبح عبادتهم لاحجار واصنام هم صنعوها ثم عبدوها. والواجب يدعو المصنوع ان يعبد الصانع. والعكس امر مستغرب.

ومضى رسول الله ص وآله يظهر دين الله. ويشهر بالتقبيح لما يعبده المشركون ثم استشرى الامر بينه وبينهم حتى تباعدوا وتضاغنوا ـ مع بني هاشم الذين كانوا يحيطون بحراسة النبي ص وآله من كل أذى. وعلى رأسهم سيدهم ابو طالب رضوان الله عليه. ثم انهم مشوا الى ابي طالب مرة بعد مرة يشكون اليه ما يفعل ابن اخيه محمد ص وآله وابو طالب لا يرد عليهم ولا يبالي بهم. واخيرا قالوا له : يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا

٤٩١

ومنزلة فينا. وانا قد استنهيناك من ابن اخيك فلم تنهه عنا. وانا والله لا نصبر على هذا : فقد سفه احلامنا وشتم آباءنا. وعاب الهتنا. حتى ضاقت صدورنا. وزهقت ارواحنا. فاما تكفّه عنا او ننازله واياك. حتى يهلك احد الفريقين. ونحن ننتظر منك الجواب النهائي. فعظم ذلك على ابن طالب رضوان الله عليه. فبعث الى رسول الله ص وآله فقال له : يا ابن اخي ان قومك قد جاءوني فقالوا لي : كذا وكذا. فابق علي وعلى نفسك. ولا تحملني من الامر مالا أطيق. فظن رسول الله ص وآله. انه قد بدا لعمه فيه بداء. وانه خاذله. ومسلمه وانه قد ضعف عن نصرته والقيام في الدفاع عنه. وحين اذ قال قولته الخالدة.

فقال ص وآله له : (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني. والقمر في شما لي. على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله تعالى او اهلك دونه) ثم استعبر رسول الله ص وآله فبكى. ثم قام. فلما ولى ناداه ابو طالب رضوان الله عليه. فقال : أقبل يا ابن اخي. فاقبل عليه ص وآله فقال له : اذهب يا أبن أخي فقل ما أخببت. فو الله لا أسلمك لشيء ابدا ثم انشأ يقول (ع) :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتى أوسد بالتراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقرّمنك عيونا

ودعوتني وعلمت انك ناصحي

ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا

ثم ازداد (ع) في التهديد والوعيد لقريش وعلى رأسهم ابو جهل العتي الخبيث فقال :

ألا ابلغ قريشا حيث حلت

وكل سرائر منها غرور

فاني والضوابح عاديات

وما تتلو السفاسرة الشهور

٤٩٢

لآل محمد راع ـ حفيظ

وود الصدر مني والضمير

فلست بقاطع رحمي وولدي

ولو جرت مظالمها الجزور

فلا ـ وابيك ـ لا ظفرت قريش

بقتل محمد والامر زور

ثم اردف ذلك بقوله (ع) :

يرجون منا خطة دون نيلها

حراب وطعن بالوشيج المقوم

يرجون ان نسخى بقتل محمد

ولم تختصب سمر العوالي من الدم

كذبتم ـ وبيت الله ـ حتى تفلقوا

جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع ارحام وتنسى حليلة

حليلا ويغشى محرم بعد محرم

على ما مضى من مقتكم وعقوقكم

وغشيانكم في امركم كل مأتم

وظلم نبي جاء يدعو الى الهدى

وأمر أتى من عند ذي العرش قيم

فلا تحسبونا مسلميه فمثله

اذا كان في قوم فليس بمسلم

ثم أنشد بعد ذلك قوله (ع) :

الا ابلغا عني على ذات بينها

لويا ـ وخصا من لوى بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى ـ خط في اول الكتب

أفيقوا أفيقوا قبل ان تحفر الزبى

ويصبح من لم يجن ذنبا كذى ذنب

فلسنا وبيت الله نسلم احمدا

لعزاء من عض الزمان ولا كرب

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا

ولا نشتكي مما ينوب من النكب

فالويل لأهل البطل والتضليل الذين يقولون كذبا وزورا ان ابا طالب (ع) لم يؤمن بمحمد ص وآله واي دليل اقوى من قوله هذا (ع) بانه يؤمن بان محمدا نبيا كموسى (ع) فالويل لهم ثم الويل. وقد اشبعنا هذا المطلب في الجزء الاول من هذا الكتاب فراجعه لترى الحق من الباطل. والهدى من الضلال. وانما صدر ذلك من الزنديق معاوية

٤٩٣

واتباعه لتنقيص ولده علي (ع) وقد ساوم أهل الاشراك محمدا ص وآله ليسكت عن الهتهم ويسكتوا عنه وينتهي الامر فقال تعالى :

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) قيل انه الوليد بن المغيرة لعنه الله وقد نزلت هذه الآيات والايات التي في سورة المدثر فيه :(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ..) (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) وهو طرف الانف وهذا تهديد من الله للوليد بن المغيرة.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣))

البيان : وهذه القصة قد تكون متداولة ومعروفة. ولكن القرآن المجيد يكشف عما وراء حوادثها. من فعل الله وقدرته. ومن ابتلاء وجزاء لبعض عباده. ويكون هذا هو الجديد في سياقها القرآني. ومن خلال نصوصها وحركاتها نلمح مجموعة من الناس ساذجة.

والقصة من ناحية الاداء تمثل احدى طرق الاداء الفني للقصة في القرآن المجيد. وفيه مفاجات مشوقة. كما ان فيه سخرية بالكيد البشري العاجز امام تدبير الخالق العظيم.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) ها هم أولاء يصبحون مبكرين كما دبروا وينادي بعضهم بعضا لينفذوا ما اعتزموا (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) .. (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) وكأنما نحن الذين نسمع القرآن

٤٩٤

ونعلم ما لا يعلمه اصحاب الجنة من امرها. ورأينا كأنما هي مقطوعة الثمار بعد ذلك الطائف الخفي الرهيب (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ).

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) ما هذه جنتنا الموقورة بالثمار. فقد ضللنا اليها الطريق. (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) وهذا هو الخبر اليقين. والان وقد حاقت بهم عاقبة المكر. ويتقدم اوسطهم واعقلهم ـ ويبدو انه رافقهم وهو فريد في رأيه ـ (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) عسى ان يغفر الله لهم ويعوضهم من الجنة (قالوا يا ويلنا ان كنا طاغين). (كَذلِكَ الْعَذابُ. وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) كذلك الابتلاء بالنعمة (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فليعلم ذلك المشركون اهل مكة المعاندون للحق لما جاءهم. ثم ليحذروا ما هو اكبر من ابتلاء الدنيا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨))

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥))

البيان : وهنا يأتي التقابل في العاقبة. كما انه التقابل في المسلك والحقيقة. تقابل النقيضين اللذين اختلفت بهما الطريق. فاختلفت بهما خاتمة الطريق.

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) والتهديد بعذاب الآخرة وحرب الدنيا يجيىء ـ كما ترى ـ في خلال ذلك الجدال

٤٩٥

وهذا التحدي فيرفع من حرارة الجدل ويزيد ضغط التحدي.

والسؤال في المقام استنكاري. الى عاقبة هؤلاء وهؤلاء. التي عرضها في الآيات السابقة. وهو سؤال ليس له الا جواب واحد : لا. لا يكون. فالمسلمون المذعنون المتقون لربهم لا يكونون ابدا كالمجرمين ـ سواء في محياهم ومماتهم ـ ومن ثم يجيىء السؤال الاستنكاري (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ومن الاستنكار والانكار عليهم ينتقل الى التهكم بهم والسخرية منهم (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ).

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) فعلام اذن يتكلمون

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) من منهم المتعهد بان لهم في الاخرة من نصيب.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) وهم كانوا يشركون بالله. ولكن التعبير يضيف الشركاء اليهم لا لله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) فيقفهم وجها لوجه امام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة.

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) انه ذلك المخلوق الصغير الضعيف. امام ذلك السلطان القهار العظيم. فيا محمد خل بيني وبين هذا المخلوق. واسترح أنت ومن معك من المؤمنين.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ان شأن المكذبين واهل الكون اجمعين لأهون واضعف من ذبابة. امام قوة الخالق العظيم (الذي اذا قال للشيء كن فيكون).

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))

٤٩٦

البيان : فهل ثقل الاجرة والغرامة التي تفرضها عليهم مقابل هدايتك لهم دعتهم ان يفرّوا من حولك وينكروا عليك قولك. ويتهموك في ما أتيتهم به من ربك. ام لا. الّا العناد والتكبر وحب المال والجاه دعاهم لانكار الحق لما جاءهم به رسولهم (و (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وصاحب الحوت هو نبي الله يونس (ع). الذي اجتباه ربه.

(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) انه مشهد تلقته ريشة المبدع العظيم. وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) فالذكر لا يقوله مجنون. ولا يحمل عبئه مجنون. لا يقوله ولا يحمله ولا يبلغه الا (الأحديون) الا الأنبياء والمرسلون. الذين اخلصوا لخالقهم واستخلصهم لسفارته في ارضه لعباده. وحملهم امانة تعجز السموات والجبال عن حملها والقيام يواجبها كما اراد خالقهم العظيم.

* * *

ـ ٦٩ ـ سورة الحاقة آياتها (٥١) احدى وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠))

البيان : القيامة ومشاهدها واحداثها تشغل معظم هذه السورة ومن ثم تبدأ باسمها. فالحاقة. هي التي تحق فتقع. او تحق فتنزل

٤٩٧

بحكمها على الخلائق فيكون فيها الحق المبين.

فهو يبدأ فيلقيها كلمة مفردة. لا خبر لها في ظاهر اللفظ : (الحاقة) ثم يتبعها باستفهام حافل بالاستعظام (ما الحاقة) ثم يزيد هذا الاستعظام (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ).

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) وهذا اسم جديد للحاقة. انها فوق انها تحق فهي تقرع. والقرع ضرب الشيء الصلب. والنقر عليه. بشيء مثله. والقارعة تقرع القلوب المنحرفة. عن خط الله المستقيم. والقلوب الغافلة عن خالقها العظيم. فيا للهول والرعب. فانها تقرع فتدمر كلما أصابته ونزلت عليه. وهذا هو جرسها يقرع ويقرقع. ويقرع.

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) كانت ثمود تسكن شمالي الحجاز والشام.

(وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) وهي الشديدة الباردة. واللفظ ذاته في صرصرة.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) الحسوم القاطعة المستمرة. (سبع ليال. (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) مصروعين مجذلين متناثرين (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) وهي الاصول والجذوع المقطعة. (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) ذلك شأن عاد وثمود. وهو شأن كل متكبر جبار. (وَجاءَ فِرْعَوْنُ) وفرعون كان في مصر ـ وهو فرعون موسى ـ ومن قبله لا يذكر عنهم تفصيل والمؤتفكات هي قرى لوط المدمرة. فانهم جاؤا (بالخاطئة) اي بالخطيئة وما اكثر الخاطئين في كل زمان ومكان. واكثرهم في القرن العشرين قرن الاباحية الفاجرة.

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)

٤٩٨

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤))

البيان : أن مشهد طغيان الماء. ومشهد الجارية على وجه الماء الطاغي. كلاهما مشهد هائل يتناسق مع مشاهد السورة وبيانها. وجرس الجارية وواعية يتمشى كذلك مع القارعة (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) انها لمسة هائلة تلمس القلوب الجامدة. فتدب فيها الحياة وتلمس الاذن الواعية. فترتجف منها البصائر والقلوب الحية.

فعن النبي ص وآله : أنه لما نزلت هذه الآية قال ص وآله : (اللهم اجعلها أذن علي بن ابي طالب) (ع).

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) نحن نؤمن بكل ما ورد في هذا القرآن المجيد. بعد ان ثبت لدينا بالقطع واليقين انه كلام الخالق العظيم فلا (يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) سواء ادركنا ما يخبرنا عنه كله او بعضه فالتسليم بعد القطع بصحة الصدور. أو لم ندركه. سواء حضر لدينا او غاب عنا شيئا. فنحن نؤمن بان هناك نفخة في الصور ـ وهو البوق ـ وان كنا لا نعرف عنه شيئا. (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا) ومشهد حمل الأرض والجبال ونقضها ودكها مشهد مروع (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) والواقعة. كالحاقة والقارعة ولا يقتصر الهول على ذلك (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء وما الانشقاق لها. وعلينا ان ندع الامر في بيان ذلك لمن عرف حقيقة السماء وحقيقة كيفية انشقاقها.

(والملك على ارجاءها) والملائكة على اطرافها. وهذا ايضا كله من الامور الخفية عن ادراك البشر لها. (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.

٤٩٩

فالكل مكشوف من داخل وخارج من ظاهر وباطن. وحينئذ يتجرد الانسان من حيطته. ومن مكره وتدبيره. ويفتضح منه ما كان يخفيه على امثاله).

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وأخذ الكتاب باليمين والشمال. ومن الظهر قد يكون حقيقة مادية. وقد يكون تمثيلا لغويا. من تعبيرهم عن وجهة الخير باليمين والشر بالشمال. والمشهد المعروض هو مشهد بني البشر الفائز بالامتحان لأهل الجد والاجتهاد يوم العمل والدراسة. وهؤلاء هم الذين يفرحون بيوم الامتحان ليقينهم بالفوز والنجاح واخذ الوسام.

(هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) فانا كنت على يقين من مجيء هذا اليوم وكنت دائما احسب له الحساب. واهيء له الاستعداد لأنني بلغني قول امام المتقين وسيد الوصيين (ع) (من أصبح وأمسى وهمه الآخرة كفاه الله هم الدنيا والآخرة) وهكذا انا كنت في دار الدنيا.

(فهاؤم اقرؤا كتابيه) فانه كامل غير منقوص فلا اخشى نقصانه من شيء (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) وهذا اللون من النعيم مع هذا التكريم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) فيا لها من فرحة ومن حياة ونعيم وسرور لا انقطاع له.

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧))

البيان : هذا هو القسم الثاني من البشر. وهو الذي لا يقدر بمقدار لكثرة أهله من البهائم والبقر. الذين كان همهم الوحيد في الحياة الدنيا. حب المال والجاه. والشهوات ، بها يفرحون وعليها يحزنون.

٥٠٠