تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

(ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) هكذا يواجههم القرآن بشهادة هذا الكون. وهي شهادة حاسمة جازمة. ويأخذ عليهم طريق الادعاء بلا بينة. ويعلمهم منهج البحث الصحيح في آية واحدة قليلة الكلمات واسعة المدى. قوية الايقاع. حماسة الدليل.

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) وقد كان بعضهم يتخذ الاصنام الهة. أما لذاتها واما باعتبارها تماثيل لاشخاص. وكلها لا تستجيب من يدعوها. ثم اذا كان الموت وكشف لهم فساد ما فعلوا وضللوا بخدع الشيطان لهم تبرأ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا (قال (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ .. فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ..)

وهكذا يقفهم القرآن وجها لوجه على حقيقة ما سيؤل اليه أمرهم مع من أضلهم واتبعوه بغير دليل ولا هدى. ويذكرهم بدلالة الكون على بطلان ما هم عليه.

واذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله الهة. لا يستجيبون لهم الى يوم القيامة. وكان هذا يعني المعبودات التاريخية التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن المجيد. فان النص أوسع مدلولا وأطول أمدا من ذلك الواقع التاريخي. فمن أضل ممن يدعي من دون الله أحدا في أي زمان وفي أي مكان. وكل أحد ـ كائنا من كان ـ لا يستجيب بشيء لمن يدعوه. ولا يملك ان يستجيب. وليس هناك الا الله فعال لما يريد. والاشراك بالله تعالى له صور عديدة. فكم من مشرك يشرك مع الله ذوي سلطان وجاه ومال. ويرجو فيهم ويتوجه اليهم بالدعاء. وكلهم أعجز من أن يستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية. وكلهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. ودعاؤهم شرك. ورجاؤهم شرك. والخوف منهم شرك. ولكنه شرك

٣٢١

خفي. يزاوله الكثيرون وهم لا يشعرون. والمسؤولية على عاتق علماء السوء المفتون بهم.

(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))

البيان : يبدأ الحديث عن قضية الوحي بترذيل مقولتهم عنه. واستنكار استقبالهم له. وهو آيات (بينات) لا لبس فيها ولا غموض. ولا شبهة فيها ولا ريبة. ثم انه (الحق) الذي لا مرية فيه وهم يقولون لتلك الايات ولهذا الحق (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) وشتان بين الحق والسحر وهما لا يختلطان ولا يقع بينهما لبس أو اشتباه.

وهكذا يبدأ الهجوم منذ البدء على تقولهم الظالم وادعائهم القبيح الذي لا يستند الى شبهة ولا دليل. ثم يرتقي في انكار مقولتهم الاخرى (افتراء) فلا يسوقها في صيغة الخبر بل في صيغة الاستفهام كأن هذا القول لا يمكن ان يقال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ).

ويلقن الرسول ص وآله ان يرد عليهم بأدب النبوة. الذي ينم عن حقيقة شعوره بربه. وشعوره (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) قل لهم كيف افترى على الله ومن ينجيني من الله ان افتريته. وانتم أعجز من أن تحموني من الله حين يأخذ المفترين عليه :

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) انه ص وآله ليس أول رسول فقد

٣٢٢

سبقته الرسل. وأمره كأمرهم وما كان بدعا من الرسل. انما هو بشر يعلم الله انه أهل للرسالة. فيوحى اليه. فيصدع بما يؤمر. هذا هو جوهر الرسالة وطبيعتها (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فهو لا يمضي في رسالته لانه يعلم الغيب. انما هو يمضي وفق الاشارة وحسب التوجيه واثقا بربه مستسلما لارادته. منفذا لأمره. يضع خطاه حيث قاده الله. وهو لا يتطلع الى السر من وراء الستر (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)

انه لأدب الواصلين الواثقين. انه لطمأنينة العارفين. فلا يطلبون من ربهم برهانا. فبرهانهم في قلوبهم. ولا يطلبون لانفسهم خصوصية فخصوصيتهم انه اختارهم لتبليغ أوامره ونواهيه. وان يبشر المطيعين وينذر المنحرفين عن الحق المبين.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) قد تكون هذه واقعة حال من بني اسرائيل عرف أن طبيعة هذا القرآن هي طبيعة الكتب السابقة. بل هي بنفسها تدل على صحة هذا القرآن وعلى صدق من أنزل عليه من ربه بكل وضوح.

وقد تكون اشارة الى واقعة اخرى في مكة نفسها. فقد آمن بعض أهل الكتاب على قلة في العهد المكي. وكان لايمانهم ـ وهم أهل الكتاب ـ قيمته وحجيته في وسط المشركين الاميين. ومن ثم نوه به القرآن في مواضع متعددة. وواجه به المشركين الذين كانوا يكذبون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

ولقد سلك القرآن المجيد شتى الاساليب. ليواجه شكوك القلوب البشرية وانحرافاتها وآفاتها ويأخذ عليها المسالك. ويعالجها بكل اسلوب. وفي أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة والدعاة الى هذا الدين. ومع اليقين الجازم بان هذا القرآن من عند الله فقد استخدم

٣٢٣

اسلوب التشكيك لا اسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا. وهو واحد من أساليب الاقناع في بعض الاحوال.

وبعد ذلك يمضي في استعراض مقولات المشركين عن هذا القرآن وعن هذا الدين. فيحكي اعتذارهم عن التكذيب به والاعراض عنه اعتذار المستكبر المتعالي.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥))

البيان : ولقد سارع الى الايمان بالاسلام نفر من الفقراء. والموالي في أول الامر. فكان هذا مغمزا في نظر الطغاة والمتكبرين. وراحوا يقولون : لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء اعرف منا به. ولا أسبق منا اليه. فنحن في مكاننا وسعة ادراكنا وحسن تقديرنا أعرف بالخير من هؤلاء.

والامر ليس كذلك. فما كان يمنعهم عن الايمان بالحق لما جاءهم الا كبرهم ومصالحهم : انهم لا يشكون فيه أو يجهلون الحق الذي يقوم عليه. والخير الذي يحتويه. انما كان يمنعهم الطغيان والظلم للعباد والفساد في الارض. والحسد لمحمد ص وآله لا كما كانوا يقولون ـ وفقدان المراكز والمنافع الاقتصادية بغير الحق. وانما

٣٢٤

يتضرعون بدين آبائهم مكرا وخداعا.

فأما الذين سارعوا في اتباع الاسلام وتصديق النبي ص وآله. فلم تكن لديهم حواجز وموانع من جاه ومال. التي منعت الطغاة والكبراء.

انه الهوى يتعاظم في نفوس أهل الضلال والطغيان. فهم لا يسلمون ولا يذعنون للحق أبدا. وهم يجعلون من ذواتهم محورا للحياة كلها يدورون حوله.

(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) طبعا. فلا بد من افتراء عيب به ماداموا غير مستعدين للاعتراف به. ولا يذعنون له. فلا بد من عيب يلصقونه بالحق المبين ليخدعوا به الجهال والبسطاء. يريدون ان يوحوا به للجماهير للاغراء لهم.

(ومن قبل كتاب موسى اماما ورحمة) وقد كرر القرآن الاشارة الى الصلة بين القرآن والكتب قبله. وبخاصة كتاب موسى (ع) باعتبار أن كتاب عيسى تكملة وامتدادا له. وأصل التشريع والعقيدة في التوراة. ومن ثم سمى كتاب موسى (ع) (اماما) ووصفه بانه رحمة. وكل رسالة السماء رحمة لأهل الارض بكل معاني الرحمة. في الدنيا والاخرة.

(وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) مصدق للاصل الاول الذي تقوم عليه الديانات كلها. وللمنهج الالهي الذي يرجع اليه قبل نزول القرآن المجيد. الذي شمله وشمل سواه.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (ربنا الله) ليست كلمة تقال .. بل انها ليست مجرد عقيدة في الضمير. انما هي منهج كامل للحياة. يشمل كل نشاط فيها وكل اتجاه. وكل حركة خالجة. ويقيم

٣٢٥

ميزانا للتفكير والشعور. وللناس والاشياء. وللاعمال والروابط والوشائج في كل هذا الوجود.

(ربنا الله) فلله العبادة واليه الاتجاه. ومنه الخشية وعليه الاعتماد

(ربنا الله) فلا حساب لأحد ولا لشيء سواه. ولا خوف ولا تطلع لمن عداه.

(ربنا الله) فكل نشاط وكل تفكير وكل تقدير متجه اليه. منظور فيه الى رضاه.

(ربنا الله) فلا احتكام الا اليه. ولا سلطان الا لشريعته ولا اهتداء الا بهداه.

(ربنا الله) فكل من في الوجود وكل ما في الوجود مرتبط بنا ونحن نلتقي به في الله.

(ربنا الله) منهج كامل على هذا النحو. لا كلمة تلفظها الشفاه. ولا عقيدة تأباها الحياة.

(ثم استقاموا) وهذه أخرى فالاستقامة. والاطراد والثبات على هذا النهج القويم.

(ربنا الله) منهج الاستقامة عليه درجة معرفته واختياره (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) توضح لنا معنى الاستقامة على هذا النهج.

(ربنا الله) منهج حياة يستقر في الضمائر والنفوس عن المنهج الكامل الذي يحيي القلوب.

(حملته امه) عظام الجنين يشتد امتصاصه من دم الام فتفتقر الى الجيرة والعون. ثم يأتي دور الرضاعة والرعاية. حيث تعطي الام

٣٢٦

عصارة لحمها وعظمها في اللبن. وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية .. وهي مع هذا وذلك فرحة سعيدة رحيمة ودودة. لا تمل ابدا ولا تكره تعب هذا الوليد. واكبر ما تتطلع اليه من جزاء ان تراه مهما يفعل الا الزهيد من الوفاء ولو حملها في الطواف حاملا امه يطوف بها فسأله النبي ص وآله : هل أديت حقها. فأجابه (لا ولا بزفرة واحدة).

(حتى اذا بلغ أشده وبلغ الاربعين) الاربعون هي غاية النضج والرشد. وفيها تكمل جميع القوى والطاقات. ويتهيأ الانسان للتدبر والتفكر في اكتمال وهدوء. وفي هذه السن تتجه الفطرة المستقيمة الى ماوراء الحياة. وما بعد الحياة وتتدبر الصبر والمآل.

(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) هي رغبة القلب المؤمن في أن يتصل عمله الصالح في ذريته وان يؤنس قلبه بشعوره. بان يكون في عقبه من يعبد الله ويطلب رضاه. والذرية الصالحة أمل العبد الصالح. وهي آثر عنده من الكنوز والذخائر. وسرور لقلبه. والدعاء يمتد من الوالدين الى الذرية ليصل الاجيال المتعاقبة في طاعة الله تعالى.

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))

البيان : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) فالجزاء

٣٢٧

بحساب احسن الاعمال والسيئات مغفورة بالتوبة والانابة. والمآل الى الجنة التي فيها ما تشتهي الانفس. (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فهذا الولد فاسق وابواه تقيان مؤمنان. فيخاطبهما بالتأفف الجارح وهما يريدان له الحياة السعيدة المنحصرة برضا الله والجنة. (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) والقول هو العقاب الذي ينال المجرمين المكذبين (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) وأية خسارة اكبر من خسارة رضا الله والجنة الخالدة.(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) فلكل فرد درجته. ولكل فرد عمله. في حدود ذلك الاعمال. في جزاء كل فريق. فريق في الجنة ونعيمها. وفريق في جهنم ولهيبها الدائم. (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) المشهد سريع حاسم. ولكنه يتضمن لفتة عميقة. انه مشهد العرض على النار. فقد كانوا يملكون الطيبات ولا يؤدون شكر خالقها ويستعينون بها على عصيانه ومخالفة قانونه. ومن ثم كانت لهم دنيا ولم تكن لهم آخرة. (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) كل عبد يستكبر على سيده فهو مستكبر على الحق والعدالة. وسيلاقي جزاءه في عذاب الهون. (فان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين لا غير).

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥))

البيان : أخو عاد هو هود (ع) يذكره القرآن هنا بصفة الاخوة لقومه. ليصور لهم صلة الود بينه وبينهم وصلة القرابة التي كانت كفيلة

٣٢٨

بان تعطفهم الى دعوته وتحسن ظنهم به وبها. وهي ذات الصلة التي كانت بين محمد ص وآله وبين قومه الذين وقفوا في طريق دعوته وجاهروه العداء والخصومة.

والاحقاف جمع حقف. وهو الكثيب المرتفع من الرمال. وقد كانت منازل عاد على المرتفعات في جنوب الجزيرة ـ يقال انها حضرموت ـ ولم يكن هود اول رسول من ربه. (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) قريبا منه وبعيدا عنه في الزمان وفي المكان. فالرسل متصلة وممتدة. والامر ليس بدعا وغريبا. فهو متكرر ومألوف. (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) قبحا لسوء الظن وعدم التدبر. واستعجال العذاب الذي ينذرهم به. والاستهزاء والتكذيب والاصرار على الباطل والضلال

(قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) انما انذركم بالعذاب كما كلفت أن أنذركم ولست أعلم متى يأتيكم العذاب. ولا كيف يكون شكله فعلم ذلك عند الله تعالى. وانما أنا مبلغ عن الله. لا ادعي علما ولا قدرة مع الله.(وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ). وتحمقون (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) تقول الروايات. انه أصاب القوم حر شديد واحتبس عنهم المطر. ودخن الجو حولهم. من شدة الحر والجفاف. ثم ساق الله سحابة ففرحوا بها فرحا شديدا. وخرجوا يستقبلونها في الاودية. وهم يحسبون فيها الماء والحياة. واذا فيها العذاب والدمار (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها).

والنص القرآني يصور الريح صورة مدركة مأمورة بالتدمير. وهي الحقيقة الكونية. التي يحفل القرآن باشعارها للنفوس. فهذا الوجود حي وكل قوة من قواه واعية. والانسان احدها. وحين يؤمن حق الايمان وينفتح قلبه بنور خالقه الذي يقذفه فيه حينئذ. يستطيع

٣٢٩

ان يعي هذه القوى الكونية كما يدرك قوة نفسه. وحينئذ يتجاوب معها كما يتجاوب مع بني جنسه ونوعه.

ففي كل شيء روح وحياة. ولكن لا يدركها الا المتقون الذين اخلصوا لربهم فاستخلصهم لطاعته. ومطموسوا القلوب. يستحيل ان يدركوا شيئا من ذلك حتى يرجعوا الى الله. والكون من حولنا حافل بالاسرار المحجوبة عن المعاندين. ويدركها ارباب البصائر المفتوحة المطهرة النقية من كل شكل واجرام يسببان حجب هذه الرؤية الصادقة. وقد ادت الريح ما أمرت به. فدمرت كل شيء (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) اما هم وانعامهم ومتاعهم واموالهم ورياشهم فلم يعد شيء منها يرى فقد تدمرت واضحت مساكنهم خاوية موحشة. لا ديار فيها ولا نافخ نار (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)

وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠))

البيان : هؤلاء الذين دمرتهم الريح. قد مكناهم فيما لم نمكنكم ـ انتم يا عرب ومن يتبعهم ـ فيه من القوة والمال والفهم والذكاء والبيان والمتاع. وآتيناهم اسماعا وابصارا وافئدة. ولكن هذه الحواس والمدارك لم تنفعهم ـ كما لم تنفع اهل عصرنا ـ وقد عطلوها باجمعها (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) والجحود بآيات الله طمس للقلوب والبصائر

٣٣٠

ويفقدها الاشراق الآلهي. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب والبلاء.

والعبرة التي ينبغي ان يستفيدها كل ذي سمع وبصر وقلب. الا يغتر ذو قوة بقوته. ولا ذو مال بماله. ولا ذو علم بعلمه. فهذه من قوة الحياة الفانية الزائلة. (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) وقد اهلك الله القرى التي كذب اهلها رسل الله ولقد نوع الله تعالى اسباب التدمير والهلاك. ولكنهم مضوا على ضلالهم فأخذهم العذاب الاليم.

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ) ومقالة النفر من الجن مع خشوعهم عند سماع القرآن تتضمن اسس الاعتقاد الكامل بتصديق الوحي ووحدة العقيدة بين التوراة والقرآن. والاعتراف بالحق الذي يهدي اليه. والايمان بالآخرة. وما ينتهي الى المغفرة. وما ينتهي الى العذاب من الاعمال. والاقرار بقوة الله التي لا تغلب. وولايته وحده للعباد.

والربط بين خلق الكون واحياء الموتى. وهي الاسس التي تتضمن السورة كلها. ان هذا الكون من حولنا حافل بالاسرار. حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنهها. صفة وأثرا لا تحصى. ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والاسرار. ولا نعرف منها الا القليل. ونحن لا نزال في اول الطريق. طريق المعرفة لهذا الكون الذي نعيش فيه منذ بداية زمن بعيد. وما عرفنا منه الا نزرا قليلا (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ).

لقد كان اذن تدبير من الله ان يصرف هؤلاء الجن الى استماع القرآن لا مصادفة. وكان في تقدير الله عزوجل. ان تعرف الجن نبأ الرسالة الاخيرة كما عرفت من قبل رسالة موسى (ع) وان يؤمن فريق منهم وينجوا من النار المعدة لشياطين الجن كما هي معدة لشياطين الانس ويرسم النص مشهد هذا النفر ـ وهم يستمعون الى هذا القرآن ـ

٣٣١

ويصور لنا ما وقع في حسّهم منه من الروعة والتأثر والرهبة والخشوع.

(فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) وهذه كتلك تصور الاثر الذي انطبع على قلوبهم من الانصات للقرآن فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية. فلما انتهى لم يلبثوا أن سارعوا الى قومهم لابلاغ الاخرين من قومهم في جد واهتمام.

(قالوا (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) فقد اعتبروا نزول هذا الكتاب الى الارض دعوة من الله لكل من بلغته من انس وجن. وآمنوا بالآخرة. وعرفوا ان الايمان والاستجابة لله يكون معهما غفران الذنب والاجارة من العذاب فبشروا وانذروا بهذا الذين لم يعرفوه.

(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

البيان : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) انها لفتة الى كتاب الكون المنظور الذي ورد ذكره في أول السورة. وكثيرا ما يتضمن السياق القرآني مثل هذا التناسق بين قول مباشر في السورة. وقول مثله يجيىء في قصة. فيتم التطابق بين مصدرين على الحقيقة الواحدة.

وكتاب الكون يشهد بالقدرة المبدعة. ابتداء الخلق الهائل السموات والارض. ويوحي للحس البشري بيسر الاحياء بعد الموت.

٣٣٢

وهذا الاحياء هو المقصود. وصياغة القضية في اسلوب الاستفهام والجواب اقوى وأكد في تقرير هذه القدرة الشاملة. لكل شيء كان او يكون (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يبدأ المشهد حكاية أو مقدمة لحكاية. وبينما السامع في انتظار وصف ما سيكون. اذ المشهد يشخص بذاته. واذا الحوار قائم في المشهد المعروض. (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ).

فيا له من سؤال. بل يا لها من قارعة للذين كفروا وكذبوا واستهزئوا واستعجلوا العذاب واليوم ملتوي اعناقهم على الحق الذي كانوا ينكرونه. والجواب في خزي ومذلة. (بلى وربنا) هكذا هم يقسمون (وربنا) ربهم الذي كانوا يستجيبون لداعيه. ولا يستمعون لنبيه. ولا يعترفون له بربوبيته. ثم هم اليوم يقسمون به على الحق الذي انكروه. (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ) كلمة ورد غطاها. كما يقال الجريمة ظاهرة والجاني معترف فالى الجحيم وسرعة المشهد هنا مقصودة. فالمواجهة حاسمة. فالآن يعترفون والان يذوقون.

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) كل كلمة في الاية ذات رصيد ضخم. وكل عبارة وراءها عالم من الصور والظلال والمعاني والايحاءات والقضايا والقيم.

توجيه يقال لمحمد ص وآله. وهو الذي احتمل ما احتمل وعانى ما عانى من قومه وهو الذي نشأ يتيما وجرد من الولي والحامي. ومن كل اسباب الارض واحدا بعد واحد. الاب لم يجتمع معه في الوجود لانه مات قبل ولادته. وامه لم يع عليها لانها ماتت وهو ابن ست سنين والجد الذي كفله بعد ابيه مات وهو صغير ايضا. والعم الحامي قد مات ايضا والاعداء محيطة به من كل جانب. والزوج ماتت ايضا في النهاية. وأصبح عاريا من كل مساعد او كفيل سوى ربيبه وابن عمه

٣٣٣

علي بن ابي طالب (ع) وهو الذي لقى من اقاربه المشركين اشد مما لاقى من الابعدين. وهو الذي خرج مرة ومرة ومرة. يستنصر القبائل والافراد ـ لالقاء الحجة عليهم ـ فلم ير منهم ناصرا. وكان بعضهم يقابله بالاستهزاء ورجمهم له بالحجارة. حتى تدمى قدماه الطاهرتان.(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) انه أمد قصير ساعة من نهار. وانها حياة خاطفة تلك التي يملكونها قبيل الآخرة. وانها لتافهة لا تترك وراءها من الواقع والاثر في النفوس الا مثلما تتركه ساعة من نهار. ثم يلاقون المصير المحتوم.

ثم يلبثون في الابد الذي يدوم. وما كانت تلك الساعة الا بلاغا قبل ان يحق الهلاك والعذاب الاليم.

(بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) لا. وما الله يريد ظلما للعباد لا وليبصر الداعية على ما يلقاه فما هي الا ساعة من نهار ثم يكون ما يكون.

* * *

ـ ٤٧ ـ سورة محمد آياتها (٣٨) ثمان وثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦))

٣٣٤

البيان : لقد افتتح الله عزوجل هذه السورة بمثل الهجوم بلا مقدمة ولا تمهيد. لما واجه به الكافرين من فساد أعمالهم وبطلانها. فاذا هذه الاعمال شاردة ضالة. واذا هم لهم عذاب شديد. وخسران كبير في الدنيا والاخرة. وخاب ظنهم من أعمالهم الضالة.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قد قبلت أعمالهم ونفعتهم عند الشدة والحاجة. وهذه ثمرة الايمان بالله ورسوله ص وآله والعمل النافع في الدنيا والاخرة. وقد عفى الله عنهم وكفر عنهم سيئاتهم التي فعلوها في أيام جهلهم لخالقهم وعصيانهم له.

(وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) بما أفاض عليهم النعمة والرحمة. والهداية والعناية.

(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ. وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ).

والاتباع الباطل معناه تدهور وتسافل ومصائب وبلايا. واتباع الحق معناه ارتفاع وصعود. وعافية وسلامة وأمن وأمان من كل ما يخشاه الانسان في هذا الزمان.

(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) ان الله عزوجل من شفقته على عباده يضرب لهم الامثال والعبر بما أصاب السابقين حين عصوه وانحرفوا عن خطه لعلهم يتعظون ويعتبرون فيطيعوه ويستقيموا على منهاجه ونظامه فيسعدوا في الدنيا والاخرة. فيعيشوا في هذا الحياة عيشة الاخيار. وينتقلوا لمرافقة الابرار.

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) واللقاء المقصود هو لقاء الحرب واعتداء الكافرين على المؤمنين. وهنا يلزم الشدة عليهم لعلهم ينتهون ويؤمنون. فيسعدوا كما سعد من آمن قبلهم. فغاية الاسلام

٣٣٥

سعادة البشر المنحصرة بالايمان بخالقهم العظيم. حتى يفيض عليهم من رحمته. ويغفر لهم ما سلف من خطاياهم.

(حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) وهنا يحسن العفو والرحمة لمن أذعن وسلم والقتل لمن بقي على كفره وعناده ومعاندته لله ولرسوله وللحق المبين.(ذلك ولو يشاء الله لا تنصر منهم) ان الذين كفروا بالحق لما جاءهم من خالقهم هم الطغاة والبغاة. والمفسدون في الارض بغير الحق. فعقابهم صلاح للناس.

(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) فانهم فازوا بالشهادة ونالوا المراتب العالية. وقفزوا الى جنات النعيم (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ).

فالله ربهم الذي قتلوا في سبيله. يظل يتعهدهم بالهداية. ويتعهدهم باصلاح بالهم. وتصفية الروح من بقية شوائب الارض. فهي حياة مستمرة في طريقها لم تنقطع الا فيما يرى أهل الارض المحجوبون. وهي حياة يتعهدها الله ربها في الملأ الاعلى ويزيدها هدى.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢))

البيان : كيف ينصر الله المؤمنين بدون أن ينصروا الله ويحققوا الشرط الذي جعله سببا لنصره لهم. ان لله في نفوسهم عهدا لا بد من تحقيقه. وهو التجرد له وحده. وألا يشركوا معه أحدا ظاهرا وباطنا.

٣٣٦

وان يكون الله أحب اليهم من ذاتهم ومن كل ما تحب وتهوى انفسهم. وان تحكم هذه الامة في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها. وسرها وعلانيتها. ونشاطها كله بما يقربها الى خالقها العظيم. وان لله شريعة ومنهاجا للحياة. تقوم على قواعد وموازين وقيم وتصور خاص للوجود كله وللحياة. ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه. ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) وذلك عكس النصر وتثبيت الاقدام. فالدعاء عليهم بالتعس قضاء من الله تعالى بالتعاسة والخيبة والخذلان وضياع الاعمال.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) وهو تصوير لما يكتمون في قلوبهم من الكراهية لما أنزل الله من قرآن وشريعة. وهذا هو الذي يدفع بهم الى الكفر والعناد.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وهي لفتة عنيفة. مروعة. فيها ضجة وهول. وفيها مشهد للذين من قبلهم. دمر الله عليهم كل ما حولهم. فاذا هم انقاض متراكمة. واذا هم تحت تلك الانقاض.

وعلى مشهد التدمير والتحطيم والردم يلوح للحاضرين من الكافرين. ولكل من يتصف بهذه الصفة. بان ذلك ينتظرهم. وسيجري عليهم ما جرى على من سبقهم بعد قليل.

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ومن كان الله مولاه وناصره وحسبه. ففيه الكفاية والاستغناء ... ومن لم يكن الله وليه ومولاه فهو يحيط به الخوف والبلاء من كل جانب. وهو ضائع عاجز. ولو تجمعت له كل اسباب الحماية والوقاية. ولو اتخذ

٣٣٧

الانس والجن كلهم أولياء فلن يغنوا عنه شيئا.

(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). فهم في جنة الله وحمايته وكفالته. وهم في أمنه وأمانه في الدنيا والاخرة.

ونصيب المؤمنين يتلقونه من يد الله عزوجل في الدنيا والاخرة وذلك الفوز العظيم.

ونصيب الذين كفروا متاع وأكل (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) وهو تصوير مزري لهم يذهب بكل سمات الانسانية. ومتاع الحيوان غليظ بلا تذود وبلا تعفف. انه المتاع الذي لا ضابط له من ارادة. ولا من اختيار. ولا رادع له من ضمير.

ان الفارق الرئيسي بين الانسان والحيوان : ان للانسان ارادة عقلائية يسير على ضوئها في الحياة. وقانون منظم لا يتعداه في كل أفعاله وأعماله.

وأما الحيوان فيسير بدافع شهواني وغرائزي بدون ادارة وتنظيم.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥))

البيان : روى أن هذه الاية نزلت في أهل مكة بعد هجرة النبي ص وآله منها. وما كان من شأن المشركين الجبارين الذين وقفوا في وجه الدعوة الاسلامية. وكفاح الحق لهم وآذوا المؤمنين حتى هاجروا من أرضهم وديارهم وتركوا أموالهم فرارا من الظلم والعدوان.

٣٣٨

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) فهو فارق أصيل في الحالة التي عليها الفريقان. وفي المنهج والسلوك سواء. فالذين آمنوا (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) رأوا الحق وعرفوه. واستيقنوا من صحة مصدره واتصلوا بربهم. فتلقوا عنه النور والهداية. وهم على يقين مما يتلقونه. غير مخدوعين ولا مضللين. والذين كفروا زين لهم سوء علمهم. فرأوه حسنا وهو قبيح وسيء.

(وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) بلا ضابط يرجعون اليه. ولا ميزان يزينون به صحيح ثابت. وليس لديهم نور من الحق حتى يتبين لهم الخبيث من الطيب. والهدى من الضلال.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها) ان هذه الصورة الحسية من نعيم دار الخلود ترد في موضع من القرآن. وقد تجيء معها صور معنوية مجردة. كما أن صور النعيم والعذاب ترد مجردة عن الحسيات. في مواضع أخرى. والله الذي خلق البشر. هو أعلم بمن خلق. وأعرف بما يؤثر في قلوبهم. وما يصلح لتربيتهم. والطبائع التي تلتقي كلها في فطرة الانسان. ثم تختلف وتتنوع بحسب كل فرد وما اختار لنفسه من هدى أو ضلال.

فهنالك ناس يصلح لتربيتهم ولاستجاشة هستهم للعمل وعدهم بان لهم انهار من ماء غير آسن. أو أنهار من لبن لم يتغير طعمه. أو أنهار من عسل مصفى. أو أنهار من خمر غير مسكر.

وهنالك ناس لا يفكرون بكل هذا همهم متعلق بالمناصب العالية عند خالقهم العظيم. حيث يرون نيلها باداء شكره. والتسليم له بكل ما يختار لهم مهما كان شكله ونوعه.

وهنا نوعان من الجزاء : هذه الانهار مع أكل الثمرات مع المغفرة

٣٣٩

من الله تعالى والنوع الاخر (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ).

وهي صورة حسية عنيفة من العذاب. تناسب جو صورة القتال. وتناسب مع غلظ طبيعة القوم. وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام فالجو متاع غليظ. وأكل غليظ. والجزاء ماء حميم ساخن وتقطيع للامعاء. التي كانت تلهيهم كالانعام.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠))

البيان : لفظ (منهم) تحتمل ان تكون اشارة للذين كفروا الذين كان يدور الحديث عنهم في الجولة السابقة في السورة. باعتبار ان المنافقين في الحقيقة فرقة من الكفار. مستورة الظاهر. والله يتحدث عنها بحقيقتها في هذه الاية وظاهرهم الايمان.

كما تحتمل ان تكون اشارة للمسلمين باعتبار ان المنافقين مندمجون فيهم متظاهرون بالاسلام معهم. وقد كانوا يعاملون معاملة المسلمين بحسب ظاهرهم كما هو منهج الاسلام في معاملة الناس. ولكنهم في كلتا الحالتين هم المنافقون ـ واولهم من صاروا خلفائهم ـ كما تدل عليهم صفتهم في الآية وفعلهم. كما يدل ظاهر السورة فيها عن المنافقين.

وسؤالهم ذاك بعد استماعهم للرسول ص وآله. يدل على انهم كانوا

٣٤٠