الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

سورة العلق

٩٦

٤١
٤٢

المبحث الأول

أهداف سورة «العلق» (١)

سورة العلق سورة مكية ، عدد آياتها ١٩ آية ، وهي أول ما نزل من القرآن الكريم.

(اقْرَأْ) [الآية ١] : أي ما يوحى إليك ، ويتلى.

(بِاسْمِ رَبِّكَ) [الآية ١] : مبتدئا ، ومستعينا باسمه تعالى.

(عَلَقٍ) (٢) : واحده علقة ، وهي قطعة من الدم جامدة ، هي أصل البويضة ، في القاموس : علقت المرأة حبلت.

(الْأَكْرَمُ) (٣) : له كمال الكرم.

(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (٤) جعل الكتابة وسيلة العلم.

(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) : أوجد فيه قوة إدراك المعلومات ، وطاقات تحصيلها ، ويسّر له الدرس.

(كَلَّا) [الآية ٦] : للزجر والردع.

(لَيَطْغى) (٦) : يتجاوز حدود ما شرع ، فيكفر ويظلم.

(أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧) : أي بسبب غناه ، فأبطرته النعم.

(الرُّجْعى) (٨) : الرجوع والمصير إلى الله.

(الَّذِي يَنْهى) (٩) : إشارة الى أبي جهل.

(عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠) : يريد النبي (ص).

(أَرَأَيْتَ) [الآيات ٩ و ١١ و ١٣] : استخبارية ، بمعنى أخبرني.

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٤٣

(لَنَسْفَعاً) [الآية ١٥] : لنأخذنّه بعنف.

(بِالنَّاصِيَةِ) (١٥) : مقدّم شعر الرأس.

(نادِيَهُ) (١٧) : مجتمع القوم ، والمراد من به.

(الزَّبانِيَةَ) (١٨) : ملائكة العذاب.

(وَاقْتَرِبْ) (١٩) : تقرّب إلينا بالطاعة.

[الآيات ١ ـ ٥] : ورد في كتب الصحيح أن النبي (ص) ، كان يتعبّد في غار حراء ، فجاءه الملك فضمّه ضمّا شديدا حتى بلغ منه الجهد ثلاث مرات ، ثمّ قال كما ورد في التنزيل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥).

اقرأ باسم الله وقدرته ، الذي أحكم الخلق ، وهو بديع السماوات والأرض ، خلق الإنسان من دم متجمّد ، يعلق بجدار الرحم ، فسوّاه من نطفة إلى علقة ، إلى مضغة ، إلى عظام ، فكسى العظام لحما ؛ ثمّ أنشأه خلقا آخر ، (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) [المؤمنون].

(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (٣) ، الذي له الكمال في زيادة كرمه على كلّ كريم ، ينعم على عباده بالنعم ، ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة.

ومن الله يستمد الإنسان كلّ ما علم ، وكلّ ما يعلم. والله سبحانه هو الذي خلق وهو الذي علّم فمنه البدء والنشأة ، ومنه التعليم والمعرفة.

وقد كان (ص) ، أكمل الخلق ذكرا لله ؛ وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا وعلى جنبه ، وفي مشيته وركوبه ، وسيره ونزوله ، وسفره وإقامته ، ولقد كان واجب كل إنسان أن يعرف ربّه ويشكره ، ولكن الذي حدث غير هذا.

[الآيات ٦ ـ ٨] : كلا إنّ الإنسان ليتجاوز الحدّ في التعدي ، أن رأى نفسه مستغنيا ، إنّ إلى ربّك الرجوع والحساب ، فليس هناك مرجع سواه ، إليه جلّت قدرته يرجع الغنيّ والفقير ، والصالح والشرير ، ومنه النشأة ، وإليه المصير.

وكان أبو جهل يقول : لو رأيت محمّدا ساجدا لوطئت عنقه ، فأنزل الله عزوجل قوله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠) أي أرأيت أبا جهل ينهى محمدا (ص) عن الصلاة. أرأيت إن كان هذا الذي يصلّي على الهدى أو

٤٤

أمر بالتقوى ، ثمّ ينهاه من ينهاه مع أنّه على الهدى ، آمر بالتقوى؟.

أرأيت إن كان ذلك الناهي مكذّبا بالحق ، متولّيا عنه : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤) ويطّلع على أحواله ، ويرى نهيه للعبد المؤمن إذا صلّى ، وسيؤاخذه على ذلك ، وقد وردت روايات صحيحة تفيد أنّ أبا جهل نهى النبي (ص) عن الصلاة ، فأغلظ له الرسول (ص) القول ، فقال أبو جهل : أتهدّدني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا أي مجلسا يجتمع فيه القوم والأعوان.

[الآيات ١٥ ـ ١٩] : وأمام مشهد الطغيان ، يجيء التهديد الحاسم الرادع الأخير : (كَلَّا) لئن لم يرجع عمّا هو فيه ، لنقبضنّ على ناصيته ، ولنجذبنّها جذبا شديدا عنيفا ، فهي ناصية كذّبت الحقّ ، وأخطأت الطريق ، فليدع أهل ناديه لينتصروا له وليمنعوه منّا ؛ سندعو الزبانية الشداد الغلاظ ، كلا : لا تطع هذا الطاغي ، واسجد لربك واقترب منه ، بالطاعة والعبادة ، فهو الحصن والملجأ ، وهو نعم المولى ونعم النصير.

مقاصد سورة العلق

تشتمل سورة العلق على المقاصد الآتية :

١ ـ حكمة الله تعالى : في خلق الإنسان من قطعة لحم علقت بجدار الرحم ، ثمّ تكوينه خلقا كاملا ، يبسط سلطانه على كثير من الكائنات.

٢ ـ من كرم الله وإنعامه : أنه علّم الإنسان البيان ، وأفاض عليه الكثير من النّعم ، ممّا جعل له القدرة على غيره ممّا في الأرض.

٣ ـ لقد غفل الإنسان عن هذه النعم ، فإذا رأى نفسه غنيّا صلف وتجبّر واستكبر.

٤٥
٤٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «العلق» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

سورة العلق أوّل ما نزل من القرآن عند جمهور المفسّرين ؛ وذهب آخرون إلى أنّ الفاتحة هي أوّل ما نزل منه ، ثمّ سورة العلق.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢). وتبلغ آياتها تسع عشرة آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة : إعلام النبي (ص) بالدعوة ، ليقوم بتبليغها لمن أرسل إليهم ، وهي دعوة الدّين الذي ذكر في السورة السابقة ، أنّه الفطرة التي فطر الناس عليها ؛ وهذا هو وجه المناسبة في ذكر هذه السورة بعدها.

إعلام النبي بالدعوة

الآيات [١ ـ ١٩]

قال الله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) فأمر تعالى نبيه أوّلا أن يقرأ ما أوحي إليه من دعوة التوحيد ليتعلّمها ؛ ثمّ أمره ثانيا أن يقرأها ليبلّغها الناس ؛ وذكر من صفاته أوّلا : أنه جلّ وعلا خلق الإنسان من علق ، وثانيا : أنه سبحانه هو الأكرم الذي كان من أهمّ نعمه على الإنسان ، تعليمه القراءة والكتابة ، ليهذّب نفسه ويعلّمه ما لم يعلم ، ثم سجّل ، على هذا الإنسان ،

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٤٧

أنه لم يقابل نعمه بالشكر ، بل أطغاه الغنى وأبطره ؛ وهدّده بأنّ إليه الرّجعى ، ليعاقبه على طغيانه ؛ ثم ذكر من طغيانه أنه ينهى عن الصلاة إليه ، وأنه يكذّب ويعرض عن دعوته ؛ ثم هدّده بأنه سيأخذ بناصيته إلى النار ؛ وأمره أن يدعو حينئذ أعوانه لنصرته ، وأين هم من الزبانية اللذين سيدعوهم سبحانه لعذابه ؛ ثم ختمت السورة بنهي النبي (ص) عن طاعة هذا الإنسان ، وأمره بالمضي ، في دعوته ، فقال تعالى : (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (١٩).

٤٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «العلق» (١)

أقول : لمّا تقدّم في سورة التين بيان خلق الإنسان في أحسن تقويم ، بيّن هنا أنه تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢) وذلك ظاهر الاتّصال ، فالأوّل بيان العلّة الصورية ، وهذا بيان العلة المادية (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). أقول : ومن المناسبة بين التين والعلق :

(أ) انه تعالى لما قال في آخر التين : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) بيّن ، في أول العلق ، أنه تعالى مصدر علم العباد بحكمته. فبيّن أنه سبحانه : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥). وصدّر ذلك بالأمر بالقراءة ، واستفتاحها باسمه دائما ، لتكون للإنسان عونا على كمال العلم بحكمة أحكم الحاكمين.

(ب) لمّا ذكر في التين خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وردّه إلى أسفل سافلين. بيّن في العلق تفصيل الحالين وأسبابهما من أوّل قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧). الى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤).

٤٩
٥٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «العلق» (١)

١ ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (٦) إلى آخر السورة.

نزلت في أبي جهل (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). انظر تفسير الطبري ٣٠ : ١٦٣.

٥١
٥٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «العلق» (١)

١ ـ وقال تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٧).

والمراد أهل النادي ، وهذا كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي : أهلها ؛ ومثله قول جرير :

لهم مجلس صهب السّبال أذلّه على من يعاديهم أشدّاء فاعلم

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٥٣
٥٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «العلق» (١)

قال تعالى : (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) (١١) ثم قال سبحانه : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (١٣) فهي بدل منها ، والخبر (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤).

وقال سبحانه : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨) ف (ناديه) هاهنا عشيرته ، وإنما هم أهل النادي ، والنادي مكانه ومجلسه. وأما (الزّبانية) فقال بعضهم : واحدهم «الزباني» وقال بعضهم : «الزابن» (٢) سمعت «الزابن» من عيسى ابن عمر. وقال بعضهم «الزبنية». والعرب لا تكاد تعرف هذا ، وتجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل «أبابيل» تقول : «جاءت إبلي أبابيل» أي : فرقا. وهذا يجيء في معنى التكثير مثل «عباديد» و «شعارير».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نقله في الصحاح «زبن» ، والجامع ٢٠ : ١٢٦.

٥٥
٥٦

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «العلق» (١)

إن قيل : أين مفعول خلق في الآية الأولى؟

قلنا : يحتمل وجهين : أحدهما أن لا يقدر له مفعول ، بل يكون المراد الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه ؛ كما قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٤] في أحد الوجهين ، وقولهم : فلان يعطي ويمنع ، ويصل ويقطع. الثاني : أن يكون مفعوله مضمرا ، تقديره : الذي خلق كلّ شيء ، ثم أفرد الإنسان بالذكر تشريفا له وتفضيلا.

فإن قيل : لم قال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢) على الجمع ولم يقل : من علقة؟

قلنا : لأن الإنسان في معنى الجمع ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر] ، والجمع إنّما خلق من جمع علقة لا من علقة.

فإن قيل : هذا الجواب يردّه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) [الحج : ٥].

قلنا : المراد فإنّا خلقنا أباكم من تراب ، ثمّ خلقنا كل واحد من أولاده من نطفة. وقيل إنّما قال تعالى : (مِنْ عَلَقٍ) (٢) رعاية للفاصلة الأولى وهي خلق.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٥٧
٥٨

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «العلق» (١)

(كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦).

هذه استعارة ، لأنّ صفة الناصية بالكذب والخطأ مجاز ، والمراد بذلك صاحب الناصية ، وذلك نظير قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ) (٩) [الغاشية] وقد مضى الكلام على هذا المعنى ، وجاء في الآية إبدال النكرة من المعرفة ، وهو قليل في القرآن والكلام ، لأنّ الناصية الأولى معرفة ، والناصية الثانية نكرة وهي بدل من الأولى.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٥٩
٦٠