الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «الفلق» (١)

قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) (٣) استعارة ، والمراد بالغاسق هنا الليل ، وقيل إنّه في الأصل اسم لكل وارد ، بما يستضرّ به ، ويخاف منه ؛ فسمّي الليل غاسقا ، لأنه يرد بالمخاوف ، ويطرق بالدواهي ، في الأغلب والأكثر ، لأنه يستنهض السّباع من مرابضها ، ويستدلق (٢) الهوام من مكامنها ، إلى غير ذلك ، وما يجري هذا المجرى ؛ ومعنى «وقب» أي دخل بما يدخل به ، ممّا أومأنا إلى ذكره ، يقال : وقب يقب وقوبا إذا دخل ، وقال بعضهم الكوكب ، وإنّما سمّي الليل به ، لأنه لا يكون إلّا بالليل ، والأوّل أصحّ ، لأن الغسق اسم للظلام ، ويقال غسق الليل إذا أظلم.

وقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) (٤).

وهذه استعارة على أحد التأويلين ، وهو أن يكون المراد بذلك ، في قول بعضهم ، الاستعاذة من شرّ النساء ، اللاتي يفسخن عزائم الرجال بمكرهنّ ، وينقضن أيديهم بكيدهن ، وعقد الرجال هنا كناية عن عزائمها ، ومواضع الثبات والتماسك منها ، وذلك تشبيه بما يلقيه النافث من ريقه على العقدة ، تكون في الحبل ، ليسهل انحلالها ، وينطلق انعقادها.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» ، للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). يستدلق : يستخرج.

٣٤١
٣٤٢

سورة النّاس

١١٤

٣٤٣
٣٤٤

المبحث الأول

أهداف سورة «الناس» (١)

سورة النّاس سورة مكّيّة آياتها ست ، نزلت بعد سورة العلق.

وهي سورة يلجأ فيها المؤمن الى الله سبحانه وتعالى ، ويعتصم به من وساوس الشيطان ، الذي يوسوس في صدور الناس خفية وسرّا ، وهو أنواع منه ، شياطين الأنس ومنه شياطين الجن.

مفردات السورة

(أَعُوذُ) [الآية ١] : ألجأ وأستجير.

الرب : هو المربّي ، والموجّه والراعي والحامي.

ملك : هو الملك الحاكم المتصرف.

الإله : هو المستعلي المستولي المتسلّط ، المعبود بحق.

(الْوَسْواسِ) [الآية ٤] : الشيطان يوسوس للنّاس ، ويزيّن لهم الشر والمعصية.

(الْخَنَّاسِ) (٤) : صفة الشيطان من الخنس ، وهو الابتعاد والاختفاء عند ذكر الله تعالى.

(يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (٥) : بالإغراء بالمعاصي والحض على الشرّ.

(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦) : أي من شياطين الجن والأنس.

مع آيات السورة

[الآية ١] : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٣٤٥

النَّاسِ) (١) ألجأ وأتحصّن بالله خالق الخلق ، والمتفضل عليهم بالنعم والجود.

[الآية ٢] : (مَلِكِ النَّاسِ) (٢) : فهو ملكهم وآخذ ناصيتهم بيده ، وهو الخالق الرازق ، مرسل الرسل ، ومنزل الشرائع ، والحاكم المتصرّف ، الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.

[الآية ٣] : (إِلهِ النَّاسِ) (٣) هو معبودهم بحقّ ، وملاذهم إذا ضاق الأمر.

[الآية ٤] : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) (٤) : أصل الوسوسة الصوت الخفيّ ، وقد قيل لأصوات الحلي عند الحركة وسوسة ، و (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) (٤) هو الشيطان الموسوس ، الذي يوحي بالشر ، ويهمس بالإثم ، والخنوس : الاختفاء والرّجوع. والخنّاس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس. أي نعوذ بالله من وسوسة الشيطان ، الذي يغري بالمعاصي والمفاسد ، ويلقي بالشرور في قلوب الغافلين ، ويغري بانتهاك الحرمات من طريق الشهوات.

[الآية ٥] : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (٥) أي يجول في الصدور ، ويجري من ابن آدم مجرى الدم ؛ وخصّ الصدور بالوسوسة ، لأنّها محلّ القلوب ؛ والقلوب مجال الخواطر والهواجس ؛ وإنّ ذلك الشيطان الذي يجثم على قلب ابن آدم ويتسلّط عليه ، إذا أصابته الغفلة ، هو من الضعف بمكان ، فإذا ذكرت الله خنس ورجع ، وإذا حكّمت عقلك وانتصرت للحق ، ضعف كيد الشيطان ، قال تعالى : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) (٦٧) [النساء]. و (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢٠١) [الأعراف]. (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠) [النحل].

[الآية ٦] : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦) هذا الوسواس الذي يغري بالشر قسمان : القسم الأول : الجنّة الخفيّة تخطر للإنسان في صورة خواطر ، توعز بالشرّ وتغري بالإثم ، وتزيّن الخطيئة.

والقسم الثاني : النّاس الذين يندسّون في الصدور اندساس الجنّة ، ويوسوسون وسوسة الشيطان ، ومنهم

٣٤٦

رفيق السوء : الذي يجرّ رفيقه إلى الانحراف ، ويغريه بالفساد.

وحاشية الشر : التي توسوس لكلّ ذي سلطان ، حتّى تتركه جبّارا طاغيا مفسدا ظالما.

والنمّام الواشي : الذي يزيّن الكلام ويزيّفه ، حتّى يبدو كأنّه الحق الصّراح.

وبائع الشهوات : الذي يندسّ في منافذ الغريزة ، في إغراء لا تدفعه ، إلّا يقظة القلب ، وعون الله.

وعشرات من الموسوسين الخنّاسين ، الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها ، وهم شرّ من الجنة ، وأخفى منهم دبيبا.

والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفيّة ، ومن ثم يدلّه الله على عدّته ، وجنّته وسلاحه في المعركة الرهيبة. والمؤمن يستمد قوّته من يقينه بربه ، وثقته بقدرته ، وتحصّنه بحماه ، واستعاذته بالله من شرّ الوسواس الخنّاس ، الذي يخنس ، ويضعف أمام قوّة الإيمان والاستعانة بالرّحمن ، قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢) [الحجر].

إنّ الصراع بين الخير والشر مستمر في هذه الحياة. وهناك جنود للرحمن هي المعونة والتثبيت ، وشرح الصدر للإيمان واليقين ، والعزيمة الصادقة ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر. وهناك طريق للشيطان ، يتولّى على الضعفاء.

وستظل هذه المعركة ما بقيت السماوات والأرض. يحاول الشيطان أن يضلّ النّاس ويوسوس لهم ؛ وينصب الله للناس أدلّة الهدى والرّشاد من العقل والحكمة ، والرسالات السماوية ، وأئمة الحق ، والدعاة والهداة.

وقد ذكر القرآن ذلك في كثير من الآيات. قال تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧) [الأعراف].

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٦) [فاطر].

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩)

٣٤٧

قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣) [ص].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور : ٢١].

(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) [الإسراء].

(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (٣٨) [النساء].

(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠) [النساء].

مقصود سورة الناس

١ ـ التحصّن بجلال الله وقدرته والاعتصام به : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١) [آل عمران].

٢ ـ الشيطان يوجه همته وجنوده ، لإغراء بني آدم.

٣ ـ رفقاء السوء ، ودعاة الشر ، هم أعوان الشيطان.

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، اللهمّ لك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ، ولك الشكر ولك الثناء الحسن الجميل.

اللهمّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، وذهاب غمّنا وحزننا ، اللهم أكرمنا بالقرآن ، وبنور القرآن ، وبركة القرآن ، وتلاوة القرآن ، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) [يونس].

(وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨) [هود].

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢) [الصافات].

٣٤٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الناس» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة النّاس ، بعد سورة الفلق ، وقد نزلت سورة الفلق ، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة النّاس ، في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أولها : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) وتبلغ آياتها ست آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، تخصيص الله تعالى بالاستعاذة أيضا ، وقد كانت السورة السابقة في تخصيصه بالاستعاذة من الشرّ البدنيّ كالمرض ونحوه ، وهو يكون من الناس بعضهم لبعض ؛ وهذه السورة في تخصيصه تعالى بالاستعاذة من شرّ الإغواء على المعاصي ، وهو يكون من شياطين الجن والإنس ؛ وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعد السورة السابقة ، وقد افتتح القرآن بحمده تعالى في سورة الفاتحة ، وختم بالاستعاذة به في هاتين السورتين ، والحمد يناسب الابتداء ، والاستعاذة تناسب الختام.

تخصيص الله بالاستعاذة

من شر الإغواء

الآيات [١ ـ ٦]

قال الله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) فأمر النبي (ص) ، أن

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٣٤٩

يخصّه بالاستعاذة من شرّ الوسواس الخنّاس ، أي الذي يتأخّر عن الوسوسة ، ثمّ يرجع إليها مرّة بعد مرّة ، وهو الذي يوسوس في صدور الناس : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦).

٣٥٠

المبحث الثالث

مكنونات سورة «الناس» (١)

١ ـ (الْخَنَّاسِ) (٤).

هو الشّيطان. كما أخرجه ابن جرير (٢) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وهذا آخر ما أردنا إيراده ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). تفسير الطّبري ٣٠ : ٢٢٨.

٣٥١
٣٥٢

المبحث الرابع

المعاني اللغوية في سورة «الناس» (١)

قال تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) (٢) تقول : «ملك بيِّن الملك» الميم مضمومة. وتقول : «مالك بيّن الملك» و «الملك» بفتح الميم وكسرها. وزعموا أنّ ضمّ الميم لغة في هذا المعنى.

وقوله تعالى : (إِلهِ النَّاسِ) (٣) بدل من (مَلِكِ النَّاسِ) (٢).

وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي : «من شرّ الوسواس من الجنّة والنّاس». و «الجنّة» هم : الجنّ.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٣٥٣
٣٥٤

المبحث الخامس

لكل سؤال جواب في سورة «الناس» (١)

إن قيل : لم خصّ الناس بالذّكر في قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) وهو ربّ كل شيء ، ومالكه وإلهه؟

قلنا : إنما خصّهم بالذكر تشريفا لهم وتفضيلا على غيرهم ، لأنّهم أهل العقل والتمييز. الثاني : أنه لمّا أمر تعالى بالاستعاذة من شرّهم ، ذكر مع ذلك أنه ربّهم ، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. الثالث : أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس إلى الناس ، بربّهم الذي هو إلههم ومعبودهم ، كما يستغيث بلا مشابهة بعض العبيد ، إذا اعتراه خطب ، بسيّده ، ووليّ أمره.

فإن قيل : هل قوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦) بيان للذي يوسوس على أن الشيطان الموسوس ضربان جنّي وإنسي ، كما قال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] أو بيان للنّاس الذين أضيفت الوسوسة إلى صدورهم ، ولفظ (النّاس) المذكور آخرا بمعنى الإنس؟

قلنا : قال بعض أئمة التفسير : المراد المعنى الأول ، كأنّ المعنى : من شرّ الوسواس الجنّي ، ومن شرّ الوسواس الإنسيّ ، فهو استعاذة بالله تعالى من شر الموسوسين من الجنسين ، وهو اختيار الزّجّاج ؛ وفي هذا الوجه إطلاق لفظ الخنّاس على الإنسي ؛ والنّقل أنه اسم للجنّي. وقال بعضهم : المراد المعنى الثاني ؛ كأن المعنى : من شرّ الوسواس الجنّي الذي يوسوس في صدور الناس

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٣٥٥

من جنّهم وإنسهم ، فسمّى الجنّ ناسا ، كما سمّاهم نفرا ورجالا ، في قوله تعالى : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] ، وقوله تعالى : (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] فهو استعاذة بالله ، من شرّ الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الجنّ ، كما يوسوس في صدور الإنس ، وهو اختيار الفرّاء ؛ والمراد من الجنّة هنا الشياطين من الجنّ على الوجه الأول ، ومطلق الجن على الوجه الثاني ؛ لأن الشيطان منهم ، هو الذي يوسوس لا غيره ، ومطلقهم يوسوس إليه. واختار الزّمخشري الوجه الأول ، وقال : ما أحقّ أن اسم الناس ينطلق على الجن ، لأنّ الجنّ سمّوا جنّا لاجتنانهم : أي لاستتارهم ، والنّاس سمّوا أناسا لظهورهم من الإيناس وهو الإبصار ؛ كما سمّوا بشرا لظهورهم من البشرة ؛ ولو صحّ هذا الإطلاق ، لم يكن هذا المجمل مناسبا لفصاحة القرآن. قال : وأجود منه أن يراد «بالناس» الأول الناسي كقوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) [القمر : ٦].

٣٥٦

المبحث السادس

المعاني المجازية في سورة «الناس» (١)

في قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (٥) استعارة ، والمراد بالوسواس هنا ، الكلام الخفيّ الذي يلقيه الشيطان أو الإنسان الشبيه به ، في أقصى أذن السّامع ، فيلفته عن رشاد ، ويصرفه الى ضلال ، والوسوسة كالهمهمة ، قال رؤبة :

وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق (٢).

والخّناس هنا ، صفة للوسواس ، والمراد به الذي يخنس في القلب ، ويسكن في الصدر ، أي يستتر ويستجنّ ، يقال خنس فلان عن أصحابه ، يخنس خناسا وخنوسا إذا تغيّب عنهم ، وقد قيل إن الوسواس هنا اسم للشيطان نفسه ، فيجوز أن يكون إنّما سمّي بفعله ، لكثرة وقوعه منه ، وشيوعه عنه ، وقيل : الوسواس بالفتح الشيطان ، والوسواس بالكسر المصدر. وجاء في الخبر أن الشيطان يوسوس في العبد ، فإذا ذكر العبد ربّه خنس ، وقبع ، وانقبض ، وقيل أيضا إن المراد من شرّ ذي الوسواس ، وهو الشيطان ، أو الإنسان ، فحذف «ذي» لدلالة الكلام عليه ، وإشارته إليه.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). جاء الشطر الثاني لهذا الرجز غير واضح ، فاثرنا حذفه من هنا ، لأنه غير موضع استشهاد.

٣٥٧
٣٥٨

الفهرس

سورة «الضحى»

المبحث الأول

أهداف سورة «الضحى».......................................................... ٣

مقاصد سورة الضحى............................................................. ٥

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الضحى».................................................. ٧

تاريخ نزولها ووجه تسميتها......................................................... ٧

الغرض منها وترتيبها.............................................................. ٧

تثبيت النبي (ص)................................................................ ٧

المبحث الثالث

لكل سؤال جواب في سورة «الضحى».............................................. ٩

المبحث الرابع

المعاني المجازية في سورة «الضحى»................................................. ١١

سورة «الشرح»

المبحث الأول

أهداف سورة «الشرح».......................................................... ١٥

٣٥٩

مجمل ما تضمّنته السورة......................................................... ١٥

مع السورة..................................................................... ١٥

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الشرح».................................................. ١٧

تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ١٧

الغرض منها وترتيبها............................................................. ١٧

تثبيت النبي (ص).............................................................. ١٧

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الشرح»..................................................... ١٩

المبحث الرابع

لكل سؤال جواب في سورة «الشرح».............................................. ٢١

المبحث الخامس

المعاني المجازية في سورة «الشرح».................................................. ٢٣

«سورة التين»

المبحث الأول

أهداف سورة «التين»........................................................... ٢٧

مجمل ما تضمنته السورة......................................................... ٢٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «التين»................................................... ٢٩

تاريخ نزولها ووجه تسميتها....................................................... ٢٩

الغرض منها وترتيبها............................................................. ٢٩

الإسلام دين الفطرة............................................................. ٢٩

٣٦٠