الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

سورة المَسَد

١١١

٢٨١
٢٨٢

المبحث الأول

أهداف سورة «المسد» (١)

سورة المسد سورة مكية وآياتها خمس ، نزلت بعد سورة الفاتحة.

وتسمى سورة تبّت ، وسورة أبي لهب ، وسورة المسد لذكر كل ذلك فيها.

مقصود السورة

قال الفيروزآبادي : مقصود السورة تهديد أبي لهب على الجفاء والإعراض ، وضياع كسبه وأمره ، وبيان ابتلائه يوم القيامة ، وذمّ زوجه في إيذاء النبي (ص) ، وبيان ما هو مدّخر لها من سوء العاقبة.

المفردات

(تَبَّتْ) [الآية ١] : التّبّ : الهلاك والبوار ، وهو دعاء عليه.

(أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١] : هو عبد العزّى بن عبد المطلب عمّ النبي (ص) ، ومن أشدّ الناس إيذاء له ، وللمسلمين.

(ما أَغْنى) [الآية ٢] : ما نفعه ولا أفاده ، لا في الدنيا ولا في الاخرة.

(وَما كَسَبَ) (٢) : المراد به الولد ، لأن الولد من كسب أبيه ، أو المال والجاه.

(ذاتَ لَهَبٍ) (٣) : لتأجّجها واستعارها.

(وَامْرَأَتُهُ) [الآية ٤] : هي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان.

(الْحَطَبِ) (٤) : المراد ، الأشواك

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٨٣

التي كانت تلقيها في طريق النبي (ص) ، والمؤمنين إيذاء لهم ؛ أو هو كناية عن إلقاء الفتنة بين النبي (ص) والمشركين.

(جِيدِها) [الآية ٥] : عنقها.

(مَسَدٍ) (٥) : هو الليف ، أي في عنقها حبل من ليف ، تجمع فيه الحطب وتحزمه.

مع السورة

سورة المسد ، وتسمّى أيضا سورة أبي لهب ، وأبو لهب ، واسمه : عبد العزّى بن عبد المطّلب ، هو عم النبي (ص) ؛ وإنما سمّي أبا لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته «أم جميل» ، من أشدّ الناس إيذاء لرسول الله (ص) وللمؤمنين به.

أخرج البخاري بإسناده عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، أن النبي (ص) خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : «يا صباحاه» ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدّثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا نعم ، قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا. فأنزل الله السورة : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (١) والتّباب الهلاك والبوار والقطع ؛ و «تبّت» الأولى دعاء ، و «تبّت» الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء : هلكت نفس أبي لهب ، وقد هلك ؛ ما نفعه ماله ، وما كسبه بماله من الربح والجاه ؛ سيدخل نارا ذات لهب ، ونجد هنا تناسقا في اللفظ ، فجهنّم هنا ذات لهب ، يصلاها أبو لهب.

ومضمون السورة : خسر أبو لهب ، وضلّ عمله ، وبطل سعيه الذي كان يسعاه ، للصدّ عن دين الله ؛ ولم يغن عنه ماله الذي كان يتباهى به ، ولا جدّه واجتهاده في ذلك ؛ فإن الله أعلى كلمة رسوله ، ونشر دعوته ، وأذاع ذكره. وسيعذّب أبو لهب يوم القيامة بنار ذات شرر ولهيب وإحراق شديد ، أعدّها الله لمثله من الكفّار والمعاندين ، فوق تعذيبه في الدنيا ، بإبطال سعيه ، ودحض عمله ؛ وستعذّب معه امرأته التي كانت تعاونه على كفره وجحده ، وكانت عضده في مشاكسة رسول الله (ص) وإيذائه ، وكانت تمشي بالنميمة للإفساد ، وإيقاد نار الفتنة والعداوة.

٢٨٤

(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤) أي وستعذّب أيضا بهذه النار امرأته أروى بنت حرب ، أخت أبي سفيان بن حرب ، جزاء لها على ما كانت تجترحه من السعي بالنميمة ، إطفاء لدعوة رسول الله (ص). والعرب تقول لمن يسعى في الفتنة ويفسد بين الناس : هو يحمل الحطب بينهم ، كأنّه بعمله يحرق ما بينهم من صلات ؛ وقيل إنها كانت تحمل حزم الشوك والحسك والسعدان ، وتنثرها بالليل في طريق رسول الله (ص) لإيذائه.

(فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥) في عنقها حبل ممّا مسّد به من الحبال ، أي أحكم فتله ؛ وقد صوّرها الله تعالى بصورة من تحمل تلك الحزمة من الشوك ، وتربطها في جيدها ، كبعض الحطّابات الممتهنات ، احتقارا لها ، واحتقارا لبعلها ، حينما اختارت ذلك لنفسها.

وجملة أمرها : أنّها في تكليف نفسها المشقّة الفادحة للإفساد بين الناس ، وإيقاد نيران العداوة بينهم ، بمنزلة حاملة الحطب ، التي في جيدها حبل خشن تشدّ به ما تحمله إلى عنقها ، حين تستقل به ؛ وهذه أبشع صورة تظهر بها امرأة ، تحمل الحطب وهي على تلك الحال.

«ويروي بعض العلماء ، أن المراد بيان حالها وهي في نار جهنّم ، إذ تكون على الصورة التي كانت عليها في الدنيا ، حينما كانت تحمل الشوك ، إيذاء لرسول الله (ص) فهي لا تزال تحمل حزمة من حطب النار ، ولا يزال في جيدها حبل من سلاسلها ، ليكون جزاؤها من جنس عملها ، فقد روي عن سعيد بن المسيّب ، أنه قال : كانت لأم جميل قلادة فاخرة ، فقالت : لأنفقنّها في عداوة محمد ؛ فأعقبها الله في جيدها حبلا من مسد النار» (١).

«وكل امرأة ، تمشي بالفتنة والفساد بين الناس ، لتفرّق كلمتهم ، وتذهب مذاهب السوء ، فلها نصيب من هذا العذاب ، وجزء من هذا النكال» (٢).

__________________

(١). تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ٣٠ : ٢٦٣.

(٢). مقتبس من تفسير جزء عم ، للأستاذ الإمام محمد عبده ، ص ١٣٣.

٢٨٥

مضمون السورة

١ ـ هلاك لأبي لهب وأيّ هلاك.

٢ ـ لن ينفعه ماله وجاهه ، ولا سلطانه وأولاده.

٣ ـ سيصطلي بنار جهنّم ، ويحترق بلهيبها.

٤ ـ ويكون معه زوجه في صورة مهينة مزرية ، إذ تحمل الحطب ، وفي عنقها حبل من ليف ؛ أشبه بالمرأة المهينة ، أو الحمارة الكادحة.

٢٨٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «المَسَد» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سور المسد ، بعد سورة الفاتحة ؛ ونزلت سورة الفاتحة ، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ؛ فيكون نزول سورة المسد ، في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في آخرها : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥) وتبلغ آياتها خمس آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، إنذار الكافر بالهلاك ، بعد وعد المؤمنين بالنصر ، في السورة السابقة ؛ وهذا هو وجه المناسبة في ذكر هذه السورة بعدها.

إنذار الكافر بالهلاك

الآيات [١ ـ ٥]

قال الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١] فأنذر أبا لهب بهلاك ماله ونفسه ؛ والمراد منه كلّ كافر ألهاه ماله عن الاستجابة للنبي (ص) ؛ ثمّ ذكر أنّ ماله لا يدفع عنه شيئا ممّا أوعد به ، وأنّه سيصلى نارا في الاخرة بعد هلاكه ، وأنّ امرأته ستكون حمّالة حطب جهنم (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٨٧
٢٨٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «المَسَد» (١)

قال الإمام : وجه اتصالها بما قبلها : أنه لما قال تعالى في سورة الكافرون : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) فكأنه قيل : إلهي ، وما جزائي؟ فقال الله له : النصر والفتح. فقال : وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١].

وقدّم الوعد على الوعيد ، ليكون النصر معلّلا بقوله تعالى في «الكافرون» : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦). ويكون الوعيد راجعا إلى قوله جلّ وعلا في السورة المذكورة : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) [الكافرون] ، على حد قوله سبحانه : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) [آل عمران : ١٠٦].

قال : فتأمّل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور ؛ مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل بالمدينة (٢) ، و «الكافرون» و «تبّت» من أوائل ما نزل بمكّة (٣) ليعلم ، أنّ ترتيب هذه السور من الله ، وبأمره.

قال : ووجه آخر ، وهو : أنه لما قال تعالى في «الكافرون» : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) كأنه قيل : يا إلهي ، ما جزاء المطيع؟ قال : حصول النصر والفتح. فقيل وما ثواب العاصي؟ قال : الخسارة في الدنيا ، والعقاب في العقبى ، كما دلّت عليه سورة تبّت.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). في حديث ، أخرجه مسلم عن ابن عبّاس : ٨ : ٢٤٢ ،. ٢٤٣ وفيها أنّها آخر سورة نزلت.

(٣). الإتقان : ١ : ٩٦.

٢٨٩
٢٩٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «المسد» (١)

١ ـ (أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١].

اسمه عبد العزّى.

٢ ـ (وَامْرَأَتُهُ) [الآية ٤].

هي أمّ جميل ، العوراء بنت حرب ، أخت أبي سفيان صخر بن حرب.

وقال ابن دحية في «التنوير» : اسمها العواة. كذا في «مسند الحميدي» (٢) وقيل اسمها أروى.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). الذي في مسند الحميدي برقم «٣٢٣» هي كونها أم جميل العوراء. وليس فيه خبر ابن دحية كما توهم عبارة المصنف.

٢٩١
٢٩٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «المسد» (١)

١ ـ قال تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [الآية ١].

التّباب الهلاك ، والجملة في الآية تفيد الدعاء على أبي لهب بالهلاك.

٢ ـ وقال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤).

ونصب (حَمَّالَةَ) على الذّم ، وفي ذلك استغناء عن الفعل ، وهذا ضرب جيد من ضروب الإيجاز.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٩٣
٢٩٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «المسد» (١)

قال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤) بنصب (حَمَّالَةَ) على الذّمّ كأنّ المعنى «ذكرتها حمّالة الحطب» ويجوز أن تكون (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤) نكرة نوي به التنوين. وقرئت بالرفع (حمّالة) على أنّها صفتها (٢) ؛ والقراءة بالنصب هي المثبتة في المصحف الشريف.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نسبها الطبري ٣٠ : ٣٣٨ إلى عامّة قراء المدينة والكوفة والبصرة ، إلّا عبد الله بن أبي إسحاق ؛ وإلى عاصم ، في رواية ؛ وفي السبعة ٧٠٠ ، والتيسير ٢٢٥ ، إلى غير عاصم ؛ وفي الجامع ٢٠ : ٢٤٠ إلى العامّة.

٢٩٥
٢٩٦

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «المسد» (١)

إن قيل : لم ذكره الله تعالى بكنيته دون اسمه ، مع أن ذلك إكرام واحترام؟

قلنا : فيه وجوه : أحدها أنه يجوز أنه لم يعرف له اسم ، ولم يشتهر إلّا بكنيته ، فذكره بما اشتهر به ، لزيادة تشهيره بدعوة السوء عليه. الثاني أنّه نقل أنه اسمه عبد العزّى ، وهو كان عبد الله لا عبد العزّى ، فلو ذكره باسمه لكان خلاف الواقع. الثالث : أنّه ذكره بكنيته لموافقة حاله لكنيته ، فإنّ مصيره إلى النار ذات اللهب ، وإنّما كنّي بذلك لتلهّب وجنتيه وإشراقهما.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٩٧
٢٩٨

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «المَسَد» (١)

في قوله سبحانه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (١) استعارة ، والتّباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك ، وإنّما وصف سبحانه يدي أبي لهب بالتّباب ، وإن كان هو المراد بذلك ، لأنّ الأعمال في الأكثر إنّما تكون بالأيدي على ما تقدم من القول في بعض الفصول المتقدّمة ، فلما فعل فعلا يؤدّي الى الخسار ، ويفضي إلى البوار ، جاز نسب ذلك إلى يديه ، كما يقال هذا ما صنعت يداك وذق ما جنت يداك ، وقد تقدّم الكلام على ذلك ، والمراد باليدين هنا ، المال والملك. يقال : فلان قليل ذات اليد ، أي قليل المال والملك ، فكأنّه تعالى أخبر بهلاك ماله وملكه ، ثم قال تعالى : (وَتَبَ) (١) أي هلك هو أيضا ، لأنّه كان يدلّ (٢) بكثرة أمواله ، وسعة أحواله ، فإذا خرج عن ملكه قرب من هلكه ، ودليل ذلك قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (٣) ويكون هلاك ماله حكما ، لا غرما ، لأنّه إذا كان مجموعا من غير حلّه ، ومأخوذا من غير وجهه ، كان هالكا بائرا ، وإن كان سالما وافرا.

وفي قوله سبحانه : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥). استعارة على أحد

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). أي يفتخر.

٢٩٩

الأقوال ، وهو أن يكون المراد بحمّالة الحطب هنا ، أنها تجمع على ظهرها الآثام ، وتحتقب الأوزار ، من قولهم فلان يحتطب على ظهره إذا فعل ما يجرّ به الآثام إلى نفسه. ومن ذلك سمّي الوزر ، لأنه الذنب ، الذي كان فاعله احتمل بفعله ثقلا على ظهره ، ويكون ذكر الحبل هنا من تمام المعنى ، الذي أشرنا إليه أيضا ، لأنه تعالى لمّا ذكر الحطب على التأويل الذي ذكرناه ، جاء بذكر الحبل معه لأن الحبل يجمع فيه الحاطب ما يحتطبه ويضم المحتقب ما يحتقبه ؛ وقيل إنّها كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، فلذلك قيل لها حمّالة الحطب ، والمعنى يؤول إلى ما قلناه أوّلا ، لأنّها تستحق على فعل النميمة عقابا ، فكأنّها احتطبت الإثم على ظهرها من هذه الجهة ، فكانت النميمة سببا في استحقاقها العقوبة ؛ وقيل أيضا إنها كانت تحمل الشوك على ظهرها ، فتلقيه في طريق رسول الله (ص) ، ليستضرّ به في ممشاه عليه ، وهذا التأويل يخرج الكلام من باب الاستعارة. وقال ابو عبيدة : المسد عند العرب حبل من أخلاط ، وجمعه أمساد ، وأنشد الراجز (١)

ومسد أمر من أيانق

صهب (٢) عناق (٣) ذات مخّ زاهق

قيل إن المسد الليف الذي تفتل منه الحبال ، أو أن المسد اسم للفتل نفسه ؛ وإنما قال تعالى حبل من فتل ، تمييزا للحبل المفتول ، ممّا يقع عليه هذا الاسم ، لأنه يقال حبل الذراع وحبل العاتق ، فإذا قيل من مسد ، علم أنّه من الحبال المعهودة ، وقيل إن المسد حبل من حديد ، وإن ذلك يجعل في عنقها عند دخولها النار ، وأخبر عمرو بن أبي

__________________

(١). ذكر صاحب لسان العرب أنّ الراجز هو عقبة الهجيمي أو عمارة بن طارق. [في الأصل عقبة البهيمي] ، وذكر الرجز هكذا :

ومسد أمرّ من أيانق

ليس بأنياب ولا حقائق

والأيانق والأنياب والحقائق ضروب من النياق.

(٢). الصهب : الذي يخالط بياضه حمرة.

(٣). العناق : الأنثى من أولاد المعز.

٣٠٠