الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

المبحث الرابع

لكل سؤال جواب في سورة «الشرح» (١)

إن قيل : ما الحكمة في زيادة ذكر لك وعنك ، والكلام تامّ بدونهما؟

قلنا : فائدته الإبهام ثمّ الإيضاح ، وهو نوع من أنواع البلاغة ، فلمّا قال تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) فهم أنّ ثمّ مشروحا له ، ثم قال : (صَدْرَكَ) (١) فأوضح ما علم مبهما بلفظ لك ، وكذا الكلام في : (وَوَضَعْنا عَنْكَ).

فإن قيل : قال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥) وكلمة مع للمصاحبة والقران ، فما معنى اقتران العسر واليسر؟

قلنا : سبب نزول هذه الآية أنّ المشركين عيّروا رسول الله (ص) وأصحابه (رض) بالفقر والضائقة التي كانوا فيها ، فوعدهم الله تعالى يسرا قريبا من زمان عسرهم ، وأراد تأكيد الوعد لتسليتهم وتقوية قلوبهم ، فجعل اليسر الموعود كالمقارن للعسر في سرعة مجيئه.

فإن قيل : ما معنى قول ابن عمر وابن عباس (رض) وابن مسعود (رض) : لن يغلب عسر يسرين ، ويروى ذلك عن النبي (ص) أيضا؟

قلنا : هذا عمل على الظاهر وبناء على قوّة الرجاء ، وإنّ وعد الله لا يحمل إلا على أحسن ما يحتمله اللفظ وأكمله ؛ وأما حقيقة القول فيه فهو أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تأكيدا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢١

للأولى ، كما في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين) (١٥) [المرسلات]. وما أشبهه ، وكما في قولك : جاءني رجل جاءني رجل ؛ وأنت تعني واحدا في الجملتين ، فعلى هذا يتّحد العسر واليسر ، أو يكون تعريف العسر لأنه حاضر معهود ، وتنكير اليسر لأنه غائب مفقود ، وللتفخيم والتعظيم ؛ ويحتمل أن تكون الجملة الثانية وعدا مستأنفا فيتعدد اليسر حينئذ على ما قيل.

وعن معنى : «لن يغلب عسر يسرين» قلنا : كأنّه نزل ما فيه من التفخيم والتعظيم بالتنكير منزلة التثنية ، لأن المعنى يسرا وأىّ يسر ، وأما من فسره بيسرين فإنه قال : أحد اليسرين ما تيسّر من الفتوح في زمن النبي (ص). والثاني ما تيسّر بعده في زمن الخلفاء. وقيل هما يسر الدنيا ويسر الاخرة ، كقوله تعالى : (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢] وهما حسن الظفر وحسن الثواب.

٢٢

المبحث الخامس

المعاني المجازية في سورة «الشرح» (١)

في قوله سبحانه : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (٣) مجاز واستعارة ، لأن النبي (ص) لا يجوز أن ينتهي عظم ذنبه إلى حال إنقاض الظّهر ، وهو صوت تقعقع العظام من ثقل الحمل. لأن هذا القول لا يكون إلّا كناية عن الذنوب العظيمة ، والأفعال القبيحة. وذلك غير جائز على الأنبياء عليهم‌السلام ، في قول من لا يجيز عليهم الصغائر ولا الكبائر ، وفي قول من يجيز عليهم الصغائر دون الكبائر. لأن الله سبحانه قد نزّههم عن موبقات الآثام ، ومسحقات الأفعال ، إذ كانوا أمناء وحيه ، وألسنة أمره ونهيه ، وسفراؤه إلى خلقه.

فنقول : إن المراد هاهنا بوضع الوزر ليس على ما يظنه المخالفون من كونه كناية عن الذنب ، وإنّما المراد به ما كان يعانيه النبي (ص) من الأمور المستصعبة في أداء الرسالة ، وتبليغ النذارة (٢) ، وما كان يلاقيه عليه‌السلام من مضارّ قومه ، ويتلقّاه من مرامي أيدي معشره. وكلّ ذلك حرج في صدره ، وثقل على ظهره. فقرّره الله سبحانه بأنه أزال عنه تلك المخاوف

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). أي الإنذار ، كالبشارة ، وهي تقديم البشرى.

٢٣

كلّها ، وحطّ عن ظهره تلك الأعباء بأسرها ، وأداله من أعدائه (١) ، وفضّله على أكفائه ، وقدّم ذكره على كل ذكر ، ورفع قدره على كل قدر ، حتى أمن بعد الخيفة ، واطمأنّ بعد القلقلة.

__________________

(١). أي جعل له الكرّة عليهم ، ونصره وأظفره بهم.

٢٤

سورة التّين

٩٥

٢٥
٢٦

المبحث الأول

أهداف سورة «التين» (١)

سورة التين سورة مكية ، آياتها ٨ آيات ، نزلت بعد سورة البروج.

والحقيقة الرئيسة التي تعرضها سورة التين ، هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها.

يقسم الله سبحانه على هذه الحقيقة ، بالتين والزيتون وطور سينين ، وهذا البلد الأمين.

وقد كثرت أقوال المفسّرين في التين والزيتون ، فقيل هما جبلان بالشام ، وقيل : هما هاتان الثمرتان اللتان نعرفهما بحقيقتهما ، وقد أقسم الله تعالى بهما لأنهما عجيبتان من بين الأشجار المثمرة.

(وَطُورِ سِينِينَ) (٢) هو الطور الذي نودي موسى (ع) من جانبه ، (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ، هو مكّة بيت الله الحرام.

لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة ، بانتصاب قامته ، وأحسن وجهه ، واستجماعه لخواصّ الكائنات في تركيبه.

(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) : أي ثمّ كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة الله عليه ، أن رددناه أسفل سافلين ، حيث تصبح البهائم أرفع منه وأقوم ، لاستقامتها على فطرتها ، وإلهامها تسبيح ربها ، وأداء وظيفتها على هدى ؛ بينما هو المخلوق في أحسن تقويم يجحد ربه ، ويرتكس مع هواه.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٧

تَقْوِيمٍ (٤)) فطرة واستعدادا ، (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) ، حينما ينحرف بهذه الفطرة ، عن الخطّ الذي هداه الله اليه ، وبيّنه له.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، فلهم أجر دائم غير مقطوع ، ولا منقوص ، ولا ممنون.

فمن يكذّبك بالدين بعد ظهور هذه الحقيقة؟ وبعد إدراك قيمة الإيمان في حياة البشرية؟

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) : أليس الله بأعدل العادلين ، حينما يحكم في أمر الخلق على هذا النحو؟ أو أليست حكمة الله بالغة؟

والعدل واضح والحكمة بارزة ، ومن ثم ورد في الحديث المرفوع : إذا قرأ أحدكم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (١) فأتى آخرها : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) ، فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.

مجمل ما تضمنته السورة

أقسم الله تعالى ، بأنه أحسن خلق الإنسان ، فجعله منتصب القامة ، متّسق الأعضاء والخواصّ ، وقد يردّه إلى أرذل العمر ، فيصير ضعيفا هرما.

أو أنه فطر الإنسان أحسن فطرة نفسا وبدنا وعقلا ، إلّا أنه تمشّيا مع رغباته الأثيمة ، ونزواته الشريرة ؛ انحطّت منزلة بعض أفراده ، فصيّرهم الله الى منازل الخزي والهوان ؛ واستثنى الله تعالى من هذا المصير ، أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير منقطع ؛ وأشارت السورة أيضا إلى أن الله تعالى هو أعدل الحاكمين ، وأعلى المدبّرين حكما.

٢٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «التين» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة التين بعد سورة البروج ، ونزلت سورة البروج فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ؛ فيكون نزول سورة التين في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أولها : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (١) وتبلغ آياتها ثماني آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، إثبات أن الإسلام دين الفطرة ، وتوبيخ من يكذّب به وينحرف عنه ؛ وبهذا ناسبت هذه السورة سورة الشرح ، لأنها كانت في تثبيت النبي (ص) على تكذيب قومه له ، وانحرافهم عن دينه.

الإسلام دين الفطرة

الآيات [١ ـ ٨]

قال الله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤) ، فأقسم بهذا ، على أنه خلق الإنسان في أوّل أمره ، في أكمل عقل ودين وعلم ؛ وذكر سبحانه أن هذا الإنسان انحرف عن هذا ، فردّه أسفل سافلين ، إلّا من استقام في دينه ، فلهم أجر غير ممنون ؛ ثمّ وبّخه على انحرافه ، وهدّده بقوله تعالى : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٩
٣٠

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «التين» (١)

أقول : لمّا تقدّم ، في سورة الشمس : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) (٧) [الشمس] ؛ فصّل في هذه السورة بقوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) إلى آخره.

وأخّرت هذه السورة ، لتقدّم ما هو أنسب بالتقديم ، من السور الثلاث (٢) ، واتّصالها بسورة البلد لقوله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ؛ وأخّرت لتقدّم ما هو أولى بالمناسبة ، مع سورة الفجر (٣).

من اللطائف

نقل الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندري في «لطائف المنن» عن الشيخ أبي العباس المرسي ، قال قرأت مرة (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (١) ، إلى أن انتهيت إلى قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) ؛ ففكّرت في معنى هذه الآية ، فألهمني الله أنّ معناها : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم روحا وعقلا ، ثم رددناه أسفل سافلين نفسا وهوى (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). يعني : (الليل ، والضحى ، والشرح). فإنّ مناسباتها متوالية هكذا ، أهم من تقديم التين بعد الشمس.

(٣). يعني أنّ اتّصال سورة الشمس بالبلد ، واتّصال البلد بالفجر ، أولى من اتّصال التين بالبلد لمجرد ذكر (البلد) في كليهما.

(٤). لطائف المنن ص. ١١٨ المطبعة الفخرية. ١٩٧٢. القاهرة.

٣١

قلت : تظهر من هذه المناسبة وضعها بعد (أَلَمْ نَشْرَحْ). فإنّ تلك أخبر فيها عن شرح صدر النبي (ص) ، وذلك يستدعي كمال عقله وروحه ، فكلاهما في القلب الذي محلّه الصدر ؛ وعن خلاصه من الوزر الذي ينشأ من النفس والهوى ، وهو معصوم منهما ، وعن رفع الذّكر ، حيث نزّه مقامه عن كل موهم.

فلمّا كانت هذه السورة في هذا العلم الفرد من الإنسان ، أعقبها بسورة مشتملة على بقيّة الأناسي ، وذكر ما خامرهم في متابعة النفس والهوى.

٣٢

المبحث الرابع

مكنونات سورة «التين» (١)

أخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال :

١ ـ (وَالزَّيْتُونِ) (١).

دمشق (٢)

٢ ـ (وَالزَّيْتُونِ) :

بيت المقدس.

وعن قتادة : التين : الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون : جبل عليه بيت المقدس (٣).

وعن الرّبيع : جبل عليه التّين والزّيتون.

وعن محمد بن كعب : التين جبل أصحاب الكهف ، والزيتون : مسجد إيليا (٤).

ومن طريق العوفي ، عن ابن عبّاس : التين : مسجد نوح الذي على الجودىّ.

وعن عكرمة : في هذا عشرون قولا.

٣ ـ (الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) :

مكّة.

وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن الدّرفس (٥) الغسّاني قال : والتين مسجد دمشق كان بستانا لهود (ع) ، فيه تين ؛ والزيتون مسجد بيت المقدس.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). في «تفسير الطبري» ٣٠ : ١٥٣ : «مسجد دمشق».

(٣). الطبري ٣٠ : ١٥٣.

(٤). إيلياء : بيت المقدس.

(٥). بفتح الدال المهملة والراء ، وسكون الفاء ، وآخره سين مهملة ، كما في «خلاصة تهذيب الكمال» : ٢٨٢ ، ويقال : إن «الدرفس» كان مولى معاوية ، يحمل علما يسمى «الدرفس» فلقّب به ، كما في «تهذيب التهذيب» ٧ : ٤٤٣.

٣٣
٣٤

المبحث الخامس

المعاني اللغوية في سورة «التين» (١)

قال تعالى : (وَطُورِ سِينِينَ) (٢) وواحدها «السّينينة» (٢).

وقال سبحانه : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ) [الآية ٧] ، بجعل (ما) للإنسان. وفي هذا القول يجوز «ما جاءني زيد» في معنى «الذي جاءني زيد».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). نقله في المشكل ٢ : ٤٩٩ ، والجامع ٢٠ : ١١٣ ، والبحر ٨ : ٤٩٠. والسّينية : شجرة.

٣٥
٣٦

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «التين» (١)

فإن قيل : ما وجه الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٦).

قلنا : قال الأكثرون : المراد بالإنسان هنا الجنس ، وبردّه أسفل سافلين بإدخاله النار ، فعلى هذا يكون الاستثناء متّصلا ظاهر الاتّصال ، ويكون قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، قائما مقام معنى قوله تعالى فلا نردّهم أسفل سافلين ، وأمّا على قول من فسّر أسفل سافلين بالهرم والخرف ، وقال : السافلون هم الضعفاء ، والزّمنى (٢) ، والأطفال ، والشيخ الهرم أسفل هؤلاء كلهم ، فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن ، ومعنى قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، أي غير مقطوع بالهرم ، والضعف الحاصل من الكبر : أي إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال شبابهم وقوّتهم ، فإنّهم إذا عجزوا عن العمل كتب لهم ثواب ما كانوا يعملونه من الطاعات والحسنات إلى وقت موتهم ؛ وهذا معنى قول ابن عباس (رض) : من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر ، وقال بعض العلماء : الذين آمنوا وعملوا الصالحات في شبابهم وقوّتهم ، فإنهم لا يردون إلى الخرف وأرذل العمر ، وإن عمّروا طويلا ؛ وتمسّك بظاهر قول ابن عباس رضي الله عنهما.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

(٢). الزّمنى : مفردة «زمن» ، وهو من ضعف بكبر سنّه.

٣٧
٣٨

المبحث السابع

المعاني المجازية في سورة «التين» (١)

في قوله سبحانه : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) استعارة ، والمراد بها انعكاس صحة أحوال الإنسان ، ورجوعه بعد الشباب إلى الهرم ، وبعد الصحة إلى السقم ، وبعد الحفظ إلى النسيان ، وبعد الزيادة إلى النقصان ، فكأنّه قد حطّ من عال إلى سافل ، وردّ إلى أرذل العمر ، لكي لا يعلم من بعد علم شيئا.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٣٩
٤٠