الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الكافرون» (١)

أقول : وجه اتصالها بما قبلها : أنه تعالى لما قال : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) [الكوثر : ٢] ، أمره أن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد إلا ربّه ، ولا يعبد ما يعبدون ، وجاء التكرار توكيدا لذلك ، وانفصل الرسول (ص) منهم ، على أن لهم دينهم وله دينه.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

٢٦١
٢٦٢

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الكافرون» (١)

١ ـ نزلت في الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب ، وأميّة بن خلف. كما أخرجه ابن أبي حاتم (٢) عن سعيد بن ميناء (٣).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). والطبري في «تفسيره» ٣٠ : ٢١٤.

(٣). سعيد بن ميناء المكّي ، ويقال : المدني أبو الوليد مولى البختري بن أبي ذباب ، روى عن عبد الله بن الزبير ، وجابر ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة : وعنه ابن إسحاق ، وأيوب السختياني ، وعدة. وثّقه النّسائي ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وابن حبّان. ترجمته في «تهذيب التهذيب» ٤ : ٩١.

٢٦٣
٢٦٤

المبحث الخامس

المعاني اللغوية في سورة «الكافرون» (١)

في قوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) (لا) تجري مجرى (ما) فرفعت على خبر الابتداء.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٦٥
٢٦٦

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «الكافرون» (١)

إن قيل : لم قال الله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) ولم يقل «من» مع أنه القياس؟

قلنا : فيه وجهان : أحدهما أنه إنما وردت «ما» ، رعاية للمقابلة في قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) الثاني : أن «ما» مصدرية : أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقال الزمخشري : إنّما قال تعالى «ما» لأن المراد الصفة كأنّ المعنى : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق ، وقال غيره : «ما» في الكل بمعنى الذي ، والعائد محذوف.

فإن قيل : ما الحكمة في التكرار؟

قلنا : فيه وجهان : أحدهما أنه للتأكيد ، وقطع أطماعهم فيما طلبوه منه. الثاني : أن الجملتين الأوليين لنفي العبادة في الحال ؛ والجملتين الأخريين لنفي العبادة في الاستقبال ، فلا تكرار فيه. وهذا قول ثعلب والزّجّاج ؛ والخطاب ، لجماعة علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون. وقال الزمخشري ، مما يرد الوجه الثاني ، وذلك أنه قال تعالى : (لا أعبد) أريد به العبادة في المستقبل ، لأن (لا) لا تدخل إلّا على مضارع في معنى الحال ، فالجملتان الأوليان لنفي العبادة في المستقبل ، والجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي ، فقوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤) أي ما عهدتم من عبادة الأصنام في الجاهلية ، فكيف يرجى مني بعد الإسلام ، وقوله تعالى :

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٦٧

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) أي ما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته. ويردّ على قوله : و «الجملتان الأخريان لنفي العبادة في الماضي» أنّ اسم الفاعل المنوّن ، العامل عمل الفعل ، لا يكون إلا بمعنى الحال أو الاستقبال ، و «عابد» ، هنا ، عامل في «ما» وكذلك عابدون ، وجوابه أنّه على الحكاية ، كما قال تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ٨] فإن قيل : لم لم يقل تعالى : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، بلفظ الماضي ، كما قال سبحانه : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤)؟

قلنا : لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل بعثه (ص) وهو ما كان يعبد الله تعالى قبل بعثه بل بعد بعثه. ويرد على هذا التقدير : أن أعظم العبادة التوحيد ، وكلّ الأنبياء كانوا موحّدين بعقولهم قبل البعثة. وقال بعض العلماء : إنّما جاء الكلام مكرّرا لأنه ورد جوابا لسؤالهم مناوبة ، وكان سؤالهم مكررا ، فإنهم قالوا : يا محمد تعبد آلهتنا كذا مدة ، ونعبد إلهك كذا مدة ، ثم تعبد آلهتنا كذا مدة ، ونعبد إلهك كذا مدة ، فورد الجواب مكرّرا ليطابق السؤال ، وهذا قول حسن لطيف.

٢٦٨

سورة النّصر

١١٠

٢٦٩
٢٧٠

المبحث الأول

أهداف سورة «النصر» (١)

سورة النصر سورة مدنية وآياتها ٣ آيات.

ومع صغرها فإنها حملت البشرى لرسول الله (ص) بنصر الله والفتح ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، ثم طلبت منه التسبيح والحمد والاستغفار.

المفردات

(وَالْفَتْحُ) (١) : المراد به فتح مكة.

(أَفْواجاً) (٢) : زمرا وجماعات.

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [الآية ٣] : ونزّهه وقدّسه.

(وَاسْتَغْفِرْهُ) : ممّا قد يكون منك ، وهو لتعليمنا.

(تَوَّاباً) (٣) : كثير المتاب والغفران لمن تاب.

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [الآية ١] وأظهرك على أعدائه ، وفتح لك مكّة ، (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ) [الآية ٢] فوجا بعد فوج ... فنزه ربّك ، حامدا إيّاه على ما أولاك من النّعم والمنّة ، واستغفر الله ، لحظة الانتصار ، من الزهو والغرور والتقصير ؛ إنه كان ، ولم يزل ، توّابا كثير القبول للتوبة ، يحبّ التوّابين ، ويحب المتطهّرين.

ولمّا دخل النبي (ص) مكّة فاتحا منتصرا ، انحنى على راحلته ، حتى أوشك أن يسجد عليها وهو يقول : تائبون ، آئبون ، حامدون ، لربنا شاكرون.

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٧١

سورة التوديع

سورة النصر تحمل بين طياتها إتمام الرسالة ، وأداء الأمانة ، والاستعداد للّحاق بالرفيق الأعلى.

قال البيضاوي : تسمى سورة التوديع.

ويقال إن عمر لمّا سمعها بكى ، وقال : الكمال دليل الزوال.

وروي أن العبّاس بكى لمّا قرأها رسول الله (ص) ، فقال عليه الصلاة والسلام ما يبكيك؟ قال نعيت إليك نفسك ، فقال النبي (ص) : إنّها لكما تقول ، وإنّما ذلك لأنّ فيها تمام الأمر ، كما في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣].

وجاء في رواية للبخاري : أن عمر رضي الله عنه سأل أشياخ بدر فقال : ما تقولون في قول الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) ، حتى ختم السورة ، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره ، إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال : أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟ قلت : لا ، فقال : ما تقول؟ فقلت هو أجل رسول الله (ص) أعلمه له. قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣) فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلّا ما تقول.

وفي رواية الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : «كان رسول الله (ص) يكثر في آخر أمره من قوله «سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب اليه».

مقصود السورة

١ ـ عند الفتح الأكبر ، ودخول الناس في دين الإسلام ، ينبغي شكر الله والاستغفار من كل تقصير ، فإنّ باب الله مفتوح وهو صاحب الطّول ، ويقبل التوبة من جميع التائبين.

٢ ـ وفي السورة ، إيذان بأداء النبي (ص) للرسالة العظمى ، وانتهاء المهمّة الكبرى ، وتوجيه له أن يستعد للموت بالاستغفار والتوبة وشكر الله والتسبيح بحمده.

٢٧٢

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «النصر» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة النصر بعد سورة التوبة ، وهي آخر ما نزل من القرآن بالمدينة ، وكان نزولها في حجّة الوداع بمنى ، فيكون نزولها في السنة العاشرة من الهجرة. وكان هذا بعد أن أتمّ النبي (ص) دعوته ، وأخذ الناس يدخلون أفواجا في دينه.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) وتبلغ آياتها ثلاث آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة الوعد بالنصر ، ونشر الدين في الناس ، بعد متاركة أولئك الكفار في السورة السابقة ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكر هذه السورة بعدها.

الوعد بالنصر ونشر الدين

الآيات [١ ـ ٣]

قال تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) فوعد النبي (ص) بالنصر ، والفتح ، ونشر الدين في الناس ، وأمره بتسبيحه واستغفاره شكرا له على ذلك ، واستجلابا لعفوه عما يكون قد حصل منه ، وختم ذلك بقوله : (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٧٣
٢٧٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «النصر» (١)

أقول : وجه اتصالها بما قبلها : أنه قال في آخر ما قبلها : (وَلِيَ دِينِ) (٦) فكان فيه إشعار بأنه خلص له دينه ، وسلّمه من شوائب الكفّار والمخالفين ، فعقّب السياق ببيان وقت ذلك ، وهو مجيء الفتح والنصر ، فإن الناس حينما دخلوا في دين الله أفواجا ، فقد تمّ الأمر ، وذهب الكفر ، وخلص دين الإسلام ممّن كان يناوئه ، ولذلك كانت السورة إشارة إلى وفاته (ص) (٢).

وقال الإمام فخر الدين : كأنه تعالى يقول : لما أمرتك في السورة المتقدّمة بمجاهدة جميع الكفّار ، بالتبري منهم ، وإبطال دينهم ، جزيتك على ذلك بالنصر والفتح وتكثير الأتباع.

قال : ووجه آخر ، هو : أنه لما أعطاه الكوثر ، وهو الخير الكثير ، ناسب تحميله مشقّاته وتكاليفه ، فعقّبها سبحانه ، بمجاهدة الكفّار ، والتبري منهم. فلما امتثل ذلك ، أعقبه بالبشارة بالنصر والفتح ، وإقبال الناس أفواجا إلى دينه ، وأشار إلى دنوّ أجله ، فإنه ليس بعد الكمال إلّا الزوال.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). أخرج البخاري هذا المعنى في التفسير : ٦ : ٢٢٠ ،. ٢٢١ عن ابن عباس. والإمام أحمد في المسند : ١ : ٢١٧ ، ٣٤٤ ، ٣٥٦ وابن جرير في التفسير.

٢٧٥
٢٧٦

المبحث الرابع

المعاني اللغوية في سورة «النصر» (١)

قال تعالى : (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (٢) واحدهم : الفوج.

وقال سبحانه : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي : «يكون تسبيحك بالحمد» لأن «التسبيح» هو ذكر. فالمعنى : «يكون ذكرك بالحمد على ما أعطيتك من فتح مكّة وغيره». يقول الرجل : «قضيت سبحتي من الذكر».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٧٧
٢٧٨

المبحث الخامس

لكل سؤال جواب في سورة «النصر» (١)

إن قيل : أيّ مناسبة بين الأمر بالاستغفار وما قبله ، فإن مجيء الفتح والنصر ، يناسب الشكر والحمد ، لا الاستغفار والتوبة؟

قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما ، لما نزلت هذه السورة ، علم النبي (ص) أنه نعيت إليه نفسه. وقال الحسن : أعلم النبي (ص) أنه قد اقترب أجله ، فأمر بالتسبيح والاستغفار والتوبة. ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح ، فكان يكثر من قوله : سبحانك اللهم ، اغفر لي إنّك أنت التوّاب الرحيم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع. وروي أن النبي (ص) عاش بعد نزولها سنتين.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٧٩
٢٨٠