القمر ، وكثر الزاد ببركة دعائه ، وأطعم الخلق الكثير من الطعام القليل ، وأعطاه الله القرآن هدى ورحمة للعالمين».
[الآية ٢] : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) أي فاجعل صلاتك لربك وحده ، وانحر ذبيحتك ذاكرا اسم الله ، مخلصا لله في صلاتك ونحرك. كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣) [الأنعام].
«والأكثرون على أن المقصود بالصلاة هنا جنس الصلاة ، لإطلاق اللفظ ، وقال الآخرون إنّها صلاة عيد الأضحى ، لاقترانها بقوله تعالى (وَانْحَرْ) (٢) ؛ وكانوا يقدّمون الأضحية على الصلاة فأمروا بتأخيرها عنها ، والواو تفيد الترتيب استحسانا وأدبا وان لم تفده قطعا».
[الآية ٣] : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) أي أن مبغضك كائنا من كان ، هو المقطوع ذكره من خير الدنيا والاخرة.
إنّهم لم يبغضوه لشخصه فقد كان الصادق الأمين ، ولكنهم أبغضوه لما يحمله لهم من الرسالة والهدى ، فاثروا أهواءهم ، وتخبّطوا في ضلالهم ، حتى خذلهم الله وقطع أثرهم ؛ «فقد جرّهم الخذلان الى غاية الخسران ، ولم يبق لهم إلّا سوء الذكر لبعضهم ، والنسيان التام لبقيتهم ، بخلاف النبي (ص) ، ومن اهتدى بهديه ، فإن ذكرهم لا يزال رفيعا ، وأثرهم لا يزال باقيا في نفوس الصالحين».
مقصود الصورة
١ ـ أعطى الله محمدا (ص) الخير الكثير ، فرفع ذكره وأعلى شأنه ، ونصر دعوته ، وبارك في أمّته.
٢ ـ ينبغي إخلاص الصلاة والعبادة والنحر لله سبحانه وتعالى.
٣ ـ من أبغض النبي ودعوته انقطع أثره وباء بالخذلان ، بينما بقي ذكر النبي (ص) ودعوته على مرّ الأزمان.
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «الكوثر» (١)
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة الكوثر بعد سورة العاديات ، ونزلت سورة العاديات فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة الكوثر في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) وتبلغ آياتها ثلاث آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة تفضيل أمر الدّين على المال والولد ، وقد فضّل في هذه السورة ما أعطيه النبي (ص) من ذلك ، على المال والولد ، الذي كانت تتفاخر قريش به وتحرص عليه ، ولهذا أمره بعد الامتنان عليه بذلك بالصلاة شكرا عليه ، وببذل المال الذي أعطي أفضل منه ، فالمناسبة بين هذه السورة وسورة قريش ما بينهما من هذه المقابلة ، وقد ذكرت بينهما سورة الماعون للمناسبة السابقة.
تفضيل الدين على المال والولد
الآيات [١ ـ ٣]
قال الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) فامتنّ على النبي (ص) بأنه أعطاه الكوثر ، وهو الدّين الكثير النفع ، ثمّ أمره أن يصلّي له شكرا عليه وينحر للفقراء ، حتى لا يكون مثل من
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.
يصلي ويمنع الماعون في السورة السابقة ، ثم ختم السورة ببيان أن ما أعطيه من ذلك يخلد له من الذّكر ما لا يخلده المال والولد الذي كانت قريش تقول عن النبي إنه أبتر بسببه ، فقال تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣).
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الكوثر» (١)
قال الإمام فخر الدين : هي كالمقابلة قبلها ، لأن السابقة وصف الله سبحانه فيها المنافقين بأربعة أمور : البخل ، وترك الصلاة ، والرياء فيها ، ومنع الزكاة. وذكر في هذه السورة في مقابلة البخل : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) أي : الخير الكثير. وفي مقابلة ترك الصلاة : (فَصَلِ) أي دم عليها. وفي مقابلة الرياء : (لِرَبِّكَ). أي : لرضاه ، لا للناس. وفي مقابلة منع الماعون : (وَانْحَرْ) وأراد به : التّصدّق بلحوم الأضاحي. قال فاعتبر هذه المناسبة العجيبة.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
المبحث الرابع
مكنونات سورة «الكوثر» (١)
فسّر :
١ ـ (الْكَوْثَرَ).
في الأحاديث الصحيحة المتواترة بأنّه نهر في الجنة (٢).
٢ ـ (إِنَّ شانِئَكَ).
قال ابن عبّاس : هو أبو جهل.
وقال عطاء : هو أبو لهب.
وقال عكرمة : العاصي بن وائل.
وفي رواية عن ابن عبّاس : كعب بن الأشرف.
وقال شمر بن عطية : عقبة بن أبي معيط. أخرج ذلك ابن أبي حاتم.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.
(٢). روى مسلم (٤٠٠) في الصلاة ، وأحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله (ص) ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسّما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : «أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)» (٣) ثم قال : «أتدرون ما الكوثر» فقلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنّه نهر وعدنيه ربّي عزوجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : «رب، إنّه من أمتي ، فيقول : ما تدري ما أحدث بعدك».
انظر في شرح أحاديث الكوثر : «فتح الباري» للحافظ ابن حجر ٨ : ٧٣١ ، و «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد» للسّفّاريني ١ : ٥٣٣ و ٢ : ٢٥٦.
المبحث الخامس
المعاني اللغوية في سورة «الكوثر» (١)
قال تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) تقول : «شنئته» ف «أنا أشنؤه شنآنا».
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.
المبحث السادس
لكل سؤال جواب في سورة «الكوثر» (١)
إن قيل : ما الكوثر؟
قلنا : فيه قولان : أحدهما ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه الخير الكثير : «فوعل» من الكثرة كقولهم : رجل نوفل : أي كثير النوافل ، ومنه قول الشاعر :
وأنت كثير يا ابن مروان طيّب |
|
وكان أبوك ابن العقائل كوثرا |
قيل لأعرابية رجع ابنها من سفر : كيف آب ابنك؟ قالت آب بكوثر. ولقد أعطي النبي (ص) خيرا كثيرا ، فإنه أوتي الحكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. ومنهم من فسّر هذا الخير الكثير بالنبوّة ، ومنهم من فسّره بالعلم والحكمة ، ومنهم من فسّره بالقرآن. والقول الثاني : أن الكوثر اسم نهر في الجنّة ، وهو قول أكثر المفسّرين ، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله (ص) أنه قال : «الكوثر نهر وعدنيه ربّي في الجنّة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة» وعنه (ص) أيضا في الحديث أنه قال : «بينا أنا أسير في الجنّة فإذا بنهر حافّتاه قباب اللؤلؤ المجوّف ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك ، فضرب الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر (٢)» ، وروي عن صفته أنه أحلى من العسل ، وأشدّ بياضا من اللّبن ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.
(٢). المسك الأذفر : ذو الرائحة الشديدة.
وأبرد من الثلج ، وألين من الزّبد ، حافّتاه الزّبرجد (١) ، وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء ، لا يظمأ من شرب منه أبدا».
__________________
(١). الزّبرجد : حجر كريم.
سورة الكافرون
١٠٩
المبحث الأول
أهداف سورة «الكافرون» (١)
سورة «الكافرون» سورة مكية ، آياتها ٦ آيات ، نزلت بعد سورة الماعون. وهي سورة تصدح بالحقيقة ، وترفض أنصاف الحلول ، وتعلن أنّ الإسلام إسلام ، وأنّ الكفر كفر ، ولن يلتقيا.
أسباب النزول
روي أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد المطلب ، وأميّة بن خلف ، في جماعة آخرين ، من صناديد قريش وساداتهم ، أتوا النبي (ص) فقالوا له : هلمّ يا محمّد ، فاتّبع ديننا ونتّبع دينك ، ونشركك في أمرنا كلّه ؛ تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ؛ فإن كان الذي جئت به خيرا ، كنّا قد شاركناك فيه ، وأخذنا حظا منه ؛ وإن كان الذي بأيدينا خيرا ، كنت قد شاركتنا في أمرنا ، وأخذت حظّك منه. فقال معاذ الله أن نشرك به غيره ؛ وأنزل الله تعالى ، ردّا على هؤلاء ، هذه السورة ؛ فغدا رسول الله (ص) إلى المسجد الحرام ، وفيه الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ثم قرأ عليهم ، حتى فرغ من السورة ، فيئسوا منه ، وآذوه وصحبه ، حتى اضطرّ الى الهجرة الى المدينة (٢).
المفردات
(ما تَعْبُدُونَ) (٢) : من الأصنام وغيرها.
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.
(٢). انظر تفسير الطبري ٣٠ : ٢١٤
(دِينُكُمْ) : أي الشرك بعبادة الأصنام.
(وَلِيَ دِينِ) (٦) : دين التوحيد.
فكرة السورة
لم يكن العرب يجحدون الله سبحانه ، ولكن كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف بها نفسه ، وهي أحد فرد صمد. فكانوا يشركون به ، ولا يعبدونه حقّ عبادته ؛ كانوا يشركون به هذه الأصنام ، التي يرمزون بها إلى أسلافهم من الصالحين أو العظماء ، أو يرمزون بها إلى الملائكة ، ويقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
وكانوا يعتقدون أنهم على دين إبراهيم (ع) وأنّهم أهدى من أهل الكتاب ، الذين كانوا يعيشون معهم في الجزيرة.
ولحسم هذه الشبهات ، نزلت هذه السورة بهذا الجزم ، وبهذا التوكيد ، توضح أنّهم كافرون مشركون ، قد نبذوا التوحيد ، وخرجوا عن جادّة الصواب ؛ فلن يعبد النبي (ص) ما يعبدون من أصنام وأوثان. قال تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٦٤) [الزمر].
مع آيات السورة
[الآية ١] : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) : قل لهم يا أيّها الكافرون ، نادهم باسمهم وحقيقتهم ، وصفهم بوصفهم ، أنهم ليسوا على دين وليسوا بمؤمنين ، وإنّما هم كافرون.
[الآية ٢] : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) : فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي غير معبودكم ، وأنا لا أعبد أصنامكم ، ولا أسجد لآلهتكم ، وإنما أعبد إلها واحدا منزّها عن النظير المثيل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١١) [الشورى].
[الآية ٣] : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) وإنّكم لكاذبون في دعواكم أنّكم تعبدون الله ، لأنّ الذي تزعمونه ربّا تتّخذون له الشفعاء ، وتجعلون له زوجة من الجن تلد له الملائكة (٢) ،
__________________
(٢). قال تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) (١٥٨) [الصافات].
وقال سبحانه : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (١٩) [الزخرف].
وتنسبون إليه ما يتنزّه عنه الله سبحانه. فهذا الذي تعبدونه لن يكون إلها مستحقا للعبادة.
[الآية ٤] : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) (٤) : تكرير وتوكيد للفقرة الأولى ، في صيغة الجملة السمية ، وهي أدلّ على ثبات الصّفة واستمرارها ، وقد كرّر نفي عبادته آلهتهم ، قطعا لأطماعهم وتيئيسا لهم.
[الآية ٥] : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥) تكرار لتوكيد الفقرة الثانية ، كي لا تبقى مظنّة ولا شبهة ؛ ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد هذا التوكيد المكرر ، بكلّ وسائل التكرار والتوكيد.
قال أبو مسلم الأصفهاني معناه : (لا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتي).
وخلاصة ما سلف : الاختلاف التام في المعبود ، والاختلاف البيّن في العبادة ، فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة. عبادتي خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى : فلا تسمّى على الحقيقة عبادة.
[الآية ٦] : (لَكُمْ دِينُكُمْ). مختصّ بكم لا يتعدّاكم إليّ ، فلا تظنّوا أني عليه ، أو على شيء منه.
(وَلِيَ دِينِ) (٦) أي ديني هو دين خاصّ بي ، وهو الذي أدعو إليه ، ولا مشاركة بينه وبين ما أنتم عليه.
خلاصة السورة
١ ـ إنّ التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر ، ولا يلتقيان.
٢ ـ المؤمن لا يسجد للصنم ، ولا يعبد ما يعبده الكافر.
٣ ـ الكافر لا يعبد الله ، بل ضلّ طريقه إلى عبادته.
٤ ـ المؤمن واضح صادق ، فلن يعبد عبادة الكافر ، كما أنّ الكافر لا يعبد عبادة المؤمن.
٥ ـ سيلقى المؤمن ثوابه وسيلقى الكافر جزاءه.
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «الكافرون» (١)
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة «الكافرون» بعد سورة الماعون ، ونزلت سورة الماعون ، فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة «الكافرون» في ذلك التاريخ أيضا. وكان رهط من قريش ذهبوا إلى النبي (ص) فقالوا له : يا محمد ، هلمّ اتّبع ديننا ونتّبع دينك. فنزلت هذه السورة في شأنهم.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) وتبلغ آياتها ست آيات.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السور متاركة الكفار ، بعد أن ذهبت السورة السابقة في دعوتهم كلّ مذهب ، فهي كالختام للسور التي ذكرت قبلها ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعدها.
متاركة الكفار
الآيات [١ ـ ٦]
قال الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢) فأمر النبي (ص) أن يخبرهم بأنه لا يعبد ما يعبدون ، وأنهم لا يعبدون ما يعبد ، وكرّر هذا مرة ثانية توكيدا له ، ثم ختمه بقوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.