الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

المبحث الأول

أهداف سورة «الماعون» (١)

سورة «الماعون» سورة مكّيّة باياتها الثلاث الأولى ، ومدنية بالآيات الأخر ، وهي أربع آيات نزلت بعد سورة «التكاثر».

وهي سورة ذات معنى أصيل في الشريعة ، تعالج حقيقة ضخمة مضمونها : أنّ هذا الدين ليس مظاهر وطقوسا ، ولكنه عقيدة صادقة ، ويقين ثابت ، وإخلاص لله. ويتمثّل هذا اليقين بسلوك نافع ، وحياة مستقيمة. كما أن هذا الدين ليس أجزاء وتفاريق موزّعة منفصلة ، وإنما هو منهج متكامل ، تتعاون عباداته وشعائره في تحقيق الخير للفرد والجماعة.

مفردات السورة

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١) : الخطاب موجّه للنبيّ ابتداء ، والمراد بالدّين الحساب والجزاء.

(يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) : يظلمه ويمنعه حقّه ، أو يزجره وينهره لو قصده لعون أو مساعدة.

(يَحُضُ) : الحضّ هو الحثّ على الشيء والترغيب فيه بشدّة.

(فَوَيْلٌ) : الويل الهلاك والعذاب ، وقيل اسم لواد في جهنّم شديد العذاب.

(الْماعُونَ) (٧) : المراد بالماعون الزكاة ، ومن معانيه المعروف والماء ، وكل ما ينتفع به ، أو كل مستعار بين

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٢١

الجيران من فأس وقدر ودلو ، ونحو ذلك.

مع آيات السورة

[الآية ١] : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١) أي هل عرفت ذلك الذي يكذّب بما وراء إدراكه من الأمور الإلهية ، والشؤون الغيبية ؛ بعد أن ظهر له الدليل القاطع ، والبرهان الساطع.

قال ابن جريج : نزلت في أبي سفيان ، كان ينحر جزورين في كل أسبوع ، فأتاه يتيم فسأله لحما فقرعه بعصاه ، وقال مقاتل : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وكان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة ، والإتيان بالأفعال القبيحة. وعن السّدّي : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في أبي جهل. وحكى الماوردي : أنه كان وصيّا ليتيم فجاءه وهو عريان ، يسأله شيئا من مال نفسه ، فدفعه ولم يعبأ به ، فأيس الصبي. فقال له أكابر قريش استهزاء : قل لمحمّد يشفع لك ، فجاء الى النبي (ص) والتمس منه الشفاعة ، وكان النبي (ص) لا يردّ محتاجا ، فذهب معه الى أبي جهل ، فقام أبو جهل ورحّب به وبذل المال لليتيم ، فعيّرته قريش وقالوا له صبأت. فقال لا والله ما صبأت ، ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة ، خفت ، إن لم أجبه ، أن يطعنها فيّ. وقال كثير من المفسّرين : إنّه عامّ لكلّ من كان مكذّبا بيوم الدين.

[الآية ٢] : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) ، أي فذلك المكذّب بالدّين هو الذي يدعّ اليتيم ، ويزجره زجرا عنيفا ، لقد خلا قلبه من الرحمة ، وامتلأ بالكبر والغطرسة ، ولذلك أهان اليتيم وآذاه ، واليتم مظهر من مظاهر الضعف ، فقد فقد الأب الذي يحميه ، والعائل الذي يحنو عليه ، ومن واجب المجتمع أن يتعاون على إكرامه ، والأخذ بيده حتى ينشأ عزيزا كريما. إن كل فرد معرّض لأن يفاجئه الموت وأن يترك أولاده يتامى ، فليعامل اليتيم بما يحب أن يعامل به أولاده لو كانوا يتامى. قال تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٩) [النساء].

وقد تكرّرت وصايا القرآن برعاية اليتيم ، والمحافظة على ماله ، والتحذير من تضييع حقّه ، ورد ذلك في السور

٢٢٢

المكّيّة والسور المدنيّة. ففي هذه الآيات ، وفي سورة الضحى ، وهي من أوائل ما نزل من القرآن ، وصيّة باليتيم. وفي صدر سورة النساء المدنيّة تفصيل واف لرعاية اليتيم ، بدأ بقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢).

وقد وردت عدّة وصايا باليتيم في الآية السادسة ، والعاشرة ، والسادسة والعشرين من سورة النساء. كما تكررت الوصيّة باليتيم في آيات القرآن ، وأحاديث النبي (ص). فقال عليه الصلاة والسلام : «خير بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه».

[الآية ٣] : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣) أي ولا يحث غيره على إطعام المساكين ، قال الإمام محمد عبده : «وهو كناية عن الذي لا يجود بشيء من ماله على الفقير ، المحتاج إلى القوت الذي لا يستطيع كسبا».

وليس المساكين هو الذي يطلب منك أن تعطيه وهو قادر على قوت يومه ، بل هذا هو الملحف الذي يجوز الإعراض عنه ، وتأديبه بمنعه ما يطلب ، وإنما جاء بالكناية ليفيدك أنه إذا عرضت حاجة المساكين ، ولم تجد ما تعطيه ، فعليك أن تطلب من الناس أن يعطوه ، وفيه حثّ للمصدّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم ، وهي طريقة الجمعيات الخيرية ، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية ، وبنحو قوله تعالى في سورة الفجر : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨).

ونعم الطريقة هي لإغاثة الفقراء ، وسد شيء من حاجات المساكين. «إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان ، وإنّما هي تحوّل في القلب ، يدفعه الى الخير والبر بإخوانه في البشرية ، المحتاجين إلى الرعاية والحماية ، والله لا يريد من الناس كلمات ، إنّما يريد منهم معها أعمالا تصدقها ، وإلا فهي هباء ، لا وزن لها عنده ولا اعتبار. وليس أصرح من هذه الآيات الثلاث ، في تقرير هذه الحقيقة ، التي تمثّل روح هذه العقيدة ، وطبيعة هذا الدين أصدق تمثيل».

[الآيتان ٤ ـ ٥] : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥) أي إذا عرفت أن المكذّب

٢٢٣

بالدين هو الذي أقفر قلبه من الرحمة ، وأجدب من العدل والمكرمة ، «فويل لأولئك الذين يصلّون ، ويؤدّون ما يسمى صلاة في عرفهم من الأقوال والأفعال ، وهم مع ذلك ساهون عن صلاتهم ، أي غافلة قلوبهم عمّا يقولون وما يفعلون ، فهو يركع في ذهول عن ركوعه ، ويسجد في لهو عن سجوده». وإنّما هي حركات اعتادها ، وأدعية حفظها ، ولكنّ قلبه لا يعيش معها ، ولا يعيش بها ، وروحه لا تستحضر حقيقة الصلاة ، وحقيقة ما فيها.

[الآية ٦] : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (٦) أي يفعلون ما يرى للناس فقط ، ولا يستشعرون من روح العبادة ما أوجب الله على النفوس أن تستشعره.

«إنّهم يصلّون رياء للنّاس لا إخلاصا لله ، هم ساهون عن صلاتهم وهم يؤدّونها ، ساهون عنها لم يقيموها ، والمطلوب هو إقامة الصلاة لا مجرد أدائها ، وإقامتها لا تكون إلّا باستحضار حقيقتها ، والقيام لله وحده بها».

[الآية ٧] : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧) أي يمنعون المساعدة عن المستحقّ لها ، أو يمنعون ما اعتاد الناس قضاءه وتداوله فيما بينهم ، تعاونا وتازرا ، ولا يمنعه إلا كلّ شحيح يكره الخير.

«إنّهم يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشريّة ، يمنعون الماعون عن عباد الله ، ولو كانوا يقيمون الصلاة حقّا لله ، ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله».

«وأكثر المفسّرين على أنّ الماعون اسم جامع لما لا يمنع في العادة ، ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال ، ولا ينسب سائله إلى لؤم ، بل ينسب مانعه إلى اللؤم والبخل ، كالفأس والقدر والدلو والغربال والقدّوم ، ويدخل فيه الماء والملح والنار ، لما روي : ثلاثة لا يحل منعها : الماء والنار والملح.

وقد تسمّى الزّكاة ماعونا ، لأنه بسببها يؤخذ من المال ربع العشر ، وهو قليل من كثير. قال العلماء : ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله ممّا يحتاج إليه الجيران ، فيعيرهم ذلك ، ولا يقتصر على قدر الضرورة ، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار».

إن الشرائع السماوية إنّما أنزلت

٢٢٤

لتهذيب الضمير ، ونقاء القلوب ، وصفاء النفوس ، وتقويم السلوك ، وبذلك تسمو الحياة ، ويسود الحب والتالف ، والإخاء والتكافل الجميل.

أهداف السورة

١ ـ الدين ليس رسوما وطقوسا ، ولكنه عقيدة صادقة وسلوك مستقيم.

٢ ـ الدين الحق صلاة خاشعة ، ورعاية لليتيم ، وحماية للمساكين ، ومساعدة للمحتاجين.

٣ ـ المكذّب بالدين له سمات وصفات هي : إذلاله لليتيم ، عدم رحمة المساكين ، الانشغال عن الصلاة ، الرياء والنفاق ، منع العون والمعونة عن المحتاج إليها.

٢٢٥
٢٢٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الماعون» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الماعون بعد سورة التكاثر ، ونزلت سورة التكاثر فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة الماعون في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في آخرها : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧). والماعون هو الزكاة. وقيل العارية ، وقيل ما لا يحلّ منعه مثل الماء والملح والنار وأشباه ذلك ، وتبلغ آياتها سبع آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ذم البخل بالمال ، وبيان أنه لا فائدة معه في الصلاة ، وبهذا تشبه هذه السورة ما قبلها من السور في سياقها ، وهذا هو وجه ذكرها بعد سورة قريش.

ذم البخل بالمال

الآيات [١ ـ ٧]

قال الله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١) ، فسأل بهذا عن الذي يكذّب بالدّين ، وأجاب بأنه الذي يدعّ اليتيم أي يدفعه بعنف وجفوة عن حقّه ، أو يترك مواساته ، ولا يحضّ على طعام المساكين ، ثمّ هدد من يصلّي مع هذا الإثم ، وذكر أنهم بصلاتهم يراءون (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٢٧
٢٢٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الماعون» (١)

أقول لما ذكر تعالى في سورة قريش : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) [الآية ٤]. ذكر هنا ذمّ من لم يحضّ على طعام المساكين.

ولما قال هناك : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣) [قريش] ، ذكر هنا من سها عن صلاته (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). أقول : إن السورة بكاملها تسير مع الخط الذي يبدأ من سورة الزلزلة كما قلنا. فهي ترشد إلى الطريق لاستعمال المال ، وبذله في عون اليتامى ، وإطعام المساكين ، وذلك من طريق التحذير من إهمال هذا الطريق ، وتسمية مانع العون مكذّبا بالدّين.

٢٢٩
٢٣٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الماعون» (١)

١ ـ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١).

الجزاء والحساب ، أي : هل عرفته.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٣١
٢٣٢

المبحث الخامس

المعاني اللغوية في سورة «الماعون» (١)

قال تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي) [الآية ١] تقرأ بالهمز وغير الهمز (٢) وهما لغتان ، تحذف الهمزة لكثرة استعمال هذه الكلمة.

وقال : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٢) أي : «يدفعه عن حقّه» تقول : «دععته» «أدعّه» «دعّا».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). هي قراءة الكسائي كما في المشكل ٢ : ٨٤٧ ، وإعراب ابن خالويه ٢٠١.

٢٣٣
٢٣٤

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «الماعون» (١)

إن قيل : لم توعّد الله الساهي عن الصلاة ، والحديث ينفي مؤاخذته ، وهو قوله (ص) «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان»؟

قلنا : المراد بالسهو هنا التغافل عنها ، والتكاسل في أدائها ، وقلّة الالتفات إليها ؛ وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشياطين من المسلمين ؛ وليس المراد ما يتفق فيها من السهو بوسوسة الشيطان أو حديث النفس ممّا لا صنع للعبد فيه ولا اختيار ، وهو المراد في الحديث. وكان النبي (ص) يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره ، ولهذا قال تعالى : (عَنْ صَلاتِهِمْ) [الآية ٥] ولم يقل في صلاتهم ، وعن أنس رضي الله عنه أنه قال : الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٣٥
٢٣٦

سورة الكوثر

١٠٨

٢٣٧
٢٣٨

المبحث الأول

أهداف سورة «الكوثر» (١)

سورة «الكوثر» سورة مكّيّة ، آياتها ثلاث ، نزلت بعد سورة «العاديات».

وهي سورة خالصة لرسول الله (ص) ، فقد كان أعداؤه يملكون المال والجاه والسلطان ، ويعيّرونه بأنّ أتباعه من الفقراء ، وكانوا يرون أن أبناءه الذكور يموتون صغارا ، فيعيّرونه بأنه أبتر ، لا عقب له من الذكور ، وكانت هذه الأقاويل تلقى من يستمع إليها ويردّدها ، في بيئة تئد البنات ، وتحتكم إلى السيف والقوّة ، وترى الفقر سبّة ومنقصة ، فنزلت هذه السورة تدافع عن النبي الكريم ، وتفيد أن الله أعطاه من الخير الكثير ، لقد أعطاه الله النبوّة والهدى ، وأيّده بالصحابة الأوفياء ، وجعل سيرته عطرة منتشرة ، وشريعته باقية خالدة ، وآلاف الملايين تردد ذكره ، وتشهد له بالرسالة :

وضمّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمّد

المفردات

(الْكَوْثَرَ) (١) : الخير الكثير.

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ) : فاعبد ربك الذي أعزك وشرفك.

(وَانْحَرْ) (٢) : لوجهه وباسمه إذا نحرت ، مخالفا لعبدة الأوثان.

(شانِئَكَ) : مبغضك.

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٣٩

(الْأَبْتَرُ) (٣) : المنقطع من كل خير.

مع آيات السورة

[الآية ١] : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) ، والكوثر صيغة مبالغة من الكثرة ، ومعناه الشيء البالغ من الكثرة حدّ الإفراط. وهو مطلق غير محدود.

ورد أن سفهاء قريش ، ممّن كانوا يتابعون الرسول (ص) ودعوته بالكيد والمكر ، وإظهار السخرية والاستهزاء ، من أمثال العاص بن وائل ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبي لهب ، وأبي جهل وغيرهم ، كانوا يقولون عن النبي (ص) أنه أبتر ، يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده ، وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت بلا عقب ، وينتهي أمره.

فنزلت هذه السورة لتشير الى عطاء الله للنبيّ الكريم ، وهو عطاء كثير لا حدّ له.

وقد وردت روايات من طرق كثيرة ، تفيد أن الكوثر نهر في الجنة ، أوتيه رسول الله (ص).

«وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم وابن عساكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رض) أنه قال : «الكوثر الخير الذي أعطاه الله تعالى إيّاه». قال أبو بشر ، قلت لسعيد : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال : النهر الذي في الجنة ، من الخير الذي أعطاه الله عزوجل إيّاه ، عليه الصلاة والسلام ؛ ويروى هذا الجواب عن ابن عباس نفسه أيضا».

وفي تفسير النيسابوري أنه وردت عدة أقوال في معنى الكوثر ، القول الأول : الخير الكثير ، إلّا أن أكثر المفسّرين خصّوه فحملوه على أنه نهر في الجنة.

القول الثاني : أنّ الكوثر أولاده من نسل فاطمة ، أي أن الله يعطيه منها نسلا يبقون إلى آخر الزمان.

القول الثالث : الكوثر علماء أمته فهم رحمة إلى يوم القيامة.

وروي أن الكوثر هو النبوّة والرسالة ، وكونه خاتم المرسلين.

كما روي أنّ الكوثر هو تيسير القرآن وتخفيف الشرائع ، وقيل هو الإسلام ، وقيل هو التوحيد ، وقيل هو العلم والحكمة ، وقيل هو الفضائل الكثيرة التي وهبه الله تعالى إيّاها.

«فقد أسرى به ليلا ، وانشقّ له

٢٤٠