الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٢

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٧

سورة قريش

١٠٦

٢٠١
٢٠٢

المبحث الأول

أهداف سورة «قريش» (١)

سورة «قريش» سورة مكّيّة ، آياتها أربع آيات ، نزلت بعد سورة «التين».

وهي امتداد لسورة الفيل ، فقد حفظ الله هذا البيت من كيد المعتدين «وكان لحادث الفيل أثر مضاعف ، في زيادة حرمة البيت عند العرب في أنحاء الجزيرة جميعها ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين : حيثما حلّوا ، وجدوا الكرامة والرعاية. وشجّعهم ذلك على إنشاء خطّين عظيمين من خطوط التجارة ، عن طريق القوافل ، إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال ، وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف».

وكانت حالة الأمن مضطربة في شعاب الجزيرة ، يفتخر الناس فيها بالصعلكة والسلب والإغارة والنهب ، ويعتدون على قوافل التجارة ؛ إلّا أنّ حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرانه الأمن والسلامة ، وجعلت لقريش منزلة ظاهرة بين العرب ، وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول في أمان وسلامة وطمأنينة ، وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا. وقد امتنّ الله على قريش بحادثة الفيل وحماية البيت ، وامتن عليهم بالأمان والحماية لهم ، وسعة الرزق ورغد العيش من ربح التجارة ، وبلادهم قفرة ، وهم طاعمون هانئون من فضل الله.

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٠٣

مع آيات السورة

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤).

المفردات

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) إلاف الشيء وإلفه لزومه والعكوف عليه ، وقريش اسم للقبائل العربية من ولد النّضر بن كنانة ، وأصل الكلمة تصغير للقرش ، وهو نوع من السمك مشهور ، ويمتاز بقوّته على سائر الأسماك ، كما امتازت قريش على سائر القبائل لخدمة البيت الحرام.

(رِحْلَةَ الشِّتاءِ) كانت إلى اليمن.

(وَالصَّيْفِ) أي ورحلة الصيف وكانت إلى الشام يتاجرون فيها ويمتارون.

المعنى :

ألفت قريش واعتادت ، أن ترحل إلى ما جاورها من البلاد ، سعيا وراء الرزق ، وجلبا لمعايشهم ، وترويجا لتجارتهم.

والله سبحانه يمتنّ عليهم بذلك ، ويقول لهم : من أجل إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، فليعبدوا ربّ هذا البيت ، الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) وأنقذهم من المجاعات التي تنزل بهم وبأمثالهم من سكان البراري ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) العدو ، أو كوارث الحياة. وكان الأصل بحسب ما هم فيه من ضعف ، وبحسب حالة البيئة ، من حولهم ، أن يكونوا في خوف ، فآمنهم من هذا الخوف.

فليشكر قومك يا محمد ربّهم على هذه النعم ، وليؤمنوا بربوبيّته ، وليقرّوا بعبوديّتهم ، وليعبدوه بما هو أهل له من العبادة.

وقريب من هذه السورة قوله تعالى :

(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) [القصص].

أهداف السورة

١ ـ من نعم الله على قريش أن منحهم الهيبة والأمان ، فألفوا رحلة الشتاء والصيف.

٢٠٤

٢ ـ من الواجب أن يعترفوا بفضل الله عليهم في حماية بيته ، وحماية تجارتهم.

٣ ـ يجب عليهم أن يعبدوا ربّهم وأن يستجيبوا لدعوة النبيّ الكريم ، فإنّه رسول رب العالمين.

٢٠٥
٢٠٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «قريش» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة قريش بعد سورة التين ، ونزلت سورة التين فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، فيكون نزول سورة قريش في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) وتبلغ آياتها أربع آيات.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة الامتنان على قريش برحلة الشتاء والصيف للتجارة ، وقد جعلوا ممّا جمعوا بها من المال سبب بطر ، فلم يقوموا لله بحقه عليهم فيها ، وبهذا يتصل سياق هذه السورة بسياق ما قبلها من السور ، وتظهر المناسبة في ذكرها بعد سورة الفيل ، فضلا عن أنها تتعلّق بقريش أيضا.

الامتنان على قريش برحلة

الشتاء والصيف

الآيات [١ ـ ٤]

قال الله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) ، فامتنّ عليهم بإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، وكانت رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ؛ ثمّ أمرهم أن يعبدوا ربّ هذا البيت أي الكعبة : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٠٧
٢٠٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «قريش» (١)

هي شديدة الاتصال بما قبلها ، لتعلّق الجار والمجرور في أوّلها بالفعل في آخر تلك (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). نقله السيوطي عن السخاوي في كتاب جمال القراء عن جعفر الصادق ، وأبي نهيك. وقال : وأخرج الحاكم والطّبراني من حديث أم هانئ أن رسول الله (ص) قال : فضل الله قريشا بسبع .. وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها معهم غيرهم : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١). ومع ذلك فصلة قريش بالفيل قائمة. فكأن ما فعل الله بأصحاب الفيل لإيلاف قريش ، ولتأمين طريق تجارتهم في رحلتي الشتاء والصيف. وقد كان من أهداف أبرهة السياسية حرمان قريش من تجارتهم هذه.

٢٠٩
٢١٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «قريش» (١)

١ ـ (رِحْلَةَ الشِّتاءِ) [الآية ٢].

إلى اليمن.

٢ ـ (وَالصَّيْفِ) (٢).

إلى الشام (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). انظر تفسير الطبري ٣٠ : ١٩٩ وتفسير ابن كثير ٤ : ٥٥٣.

٢١١
٢١٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «قريش» (١)

١ ـ قال تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (٢).

والمعنى : لتؤالف قريش الرحلتين فتتصلا ولا تنقطعا.

واللام متصلة بالسورة التي قبلها ، أي : أهلك الله أصحاب الفيل ، لتؤالف قريش رحلتيها بأمان.

أقول : والإيلاف بهذه الخصوصية من الكلم الخاص ذات الفائدة التاريخية ، لصلتها بأحداث خاصّة في حقبة معينة.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢١٣
٢١٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «قريش» (١)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١) أي : فعل ذلك لإيلاف (٢) قريش [أي] لتألّف (٣) ، ثم أبدل فقال : (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). كلامه مبني على الرأي القائل بكون السورتين متصلتين ؛ انظر معاني القرآن ٣ : ٢٩٣ ، والجامع ٢٠ : ٢٠٠ ، وقد نقله في المشكل ٢ : ٨٤٥ ، والبحر ٨ : ٥١٣ ، وإعراب القرآن ٣ : ٥٤٠.

(٣). هي في الجامع ٢٠ : ٢٠٠ لتأتلف. وهي أوضح مفادا من «لتألّف».

٢١٥
٢١٦

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «قريش» (١)

إن قيل : بأي شيء تتعلق اللام في قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (١)؟

قلنا : قيل إنها متعلّقة باخر السورة التي قبلها : أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ؛ والمعنى أنه أهلك أصحاب الفيل الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك فيهابوهم ويحترموهم ، فينتظم لهم الأمر في رحلتهم ولا يجترئ أحد عليهم. وقيل معناه أهلكهم لتألف قريش رحلة الشتاء والصيف بهلاك من كان يخيفهم ويمنعهم. وقيل إنها متعلقة بما بعدها ، وهو قوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٣) لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، معناه أنّ نعم الله تعالى عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الظاهرة. وقيل هي لام التعجب معناه أعجبوا لإيلاف قريش وذلك نظير اللّام التي ابتدأ بها أبو العلاء المعري بيتا من اللزوميات وعلّقها بمقدّر. يقول في هذا البيت :

لأمواه الشبيبة كيف غضنه

وروضات الصّبا في اليبس إضنه

أي : أعجب لأمواه الشبيبة ...

وكانت لقريش في كل سنة رحلتان للتجارة التي بها معاشهم ، رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام. ثم قيل الإيلاف هنا مصدر بمعنى الإلف ، تقول : آلفته إيلافا بالمد ، كما تقول : ألفته إلفا بالقصر

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢١٧

كلاهما متعدّ إلى مفعول واحد ، فيكون لإيلاف قريش لإلف قريش : أي لحبّهم الرحلتين. وقيل آلف بالمد متعدّ إلى مفعولين ، يقال ألف زيد المكان وآلف زيد عمرا المكان ، فيكون معنى الآية لإيلاف الله تعالى قريشا الرحلتين ؛ فعلى هذا الوجه يكون المصدر مضافا إلى المفعول ، وعلى الوجه الأول يكون مضافا إلى الفاعل. وأما تكرار إضافة المصدر في قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ) فقيل إنّ الثاني بدل من الأول. وقيل إنه للتأكيد كما تقول : أعطيتك المال لصيانة وجهك ، صيانته عن ذل السؤال.

٢١٨

سورة الماعون

١٠٧

٢١٩
٢٢٠