تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

وأخرج أيضا عن عطاء ، قال : كانت ثقيف تداين بني النضير في الجاهلية ، فإذا جاء الأجل قالوا : نربيكم وتؤخّروا عنا ، فنزلت (١)

الآية : ١٣٥ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً).

قال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت الآية في نبهان التمار ، أتته امرأة حسناء ، باع منها تمرا ، فضمها إلى نفسه وقبلها ، ثم ندم على ذلك ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية (٢).

عن عطاء : أن المسلمين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبنو إسرائيل أكرم على الله منا؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه : اجدع أذنك ، اجدع أنفك ، افعل كذا. فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً). فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بخير من ذلك؟» فقرأ هذه الآيات (٣).

الآية : ١٣٩ ـ قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا).

قال ابن عباس : انهزم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا يعلون علينا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك ، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر». فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، وثاب نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا الجبل ، ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (٤).

الآية : ١٤٠ ـ قوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ).

قال راشد بن سعد : لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كئيبا حزينا يوم أحد جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين ، وهي تلدم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أهكذا يفعل

__________________

(١) السيوطي ٥٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٠٢ ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ١ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ١٠٥ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٦١.

(٣) النيسابوري ، ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٤ / ٦٧ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

٨١

برسولك». فأنزل الله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) (١) الآية.

الآية : ١٤٣ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (١٤٣).

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي [وهو ضعيف] عن ابن عباس : أن رجالا من الصحابة كانوا يقولون : ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر. أو : ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبلي فيه خيرا ، أو نلتمس الشهادة والجنة ، أو الحياة والرزق ، فأشهدهم الله أحدا فلم يلبثوا إلا من شاء الله منهم ، فأنزل الله هذه الآية (٢).

الآيات : ١٤٤ ـ ١٤٨ ـ قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) الآيات.

قال عطية العوفي : لما كان يوم أحد انهزم الناس ، فقال بعض الناس : قد أصيب محمد ، فأعطوهم بأيديكم ، فإنما هم إخوانكم. وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به؟ فأنزل الله تعالى في ذلك : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) لقتل نبيهم إلى قوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) (٣).

الآية : ١٥١ ـ قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).

قال السدي : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد ، متوجهين إلى مكة ، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ، ثم إنهم ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا ، قتلناهم ، حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم؟ ارجعوا فاستأصلوهم. فلما عزموا على ذلك ألقى

__________________

(١) النيسابوري ١٠٦ ، والسيوطي ، ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) السيوطي ٥٩ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٦٨.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٦٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٠٩.

٨٢

الله تعالى في قلوبهم الرعب ، حتى رجعوا عما هموا به ، وأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ١٥٢ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ).

قال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) الآية ، إلى قوله : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني الرماة ، الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد (٢).

الآية : ١٥٤ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً).

أخرج ابن راهويه عن الزبير قال : لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف ، وأرسل علينا النوم ، فما منا أحد إلا ذقنه في صدره ، فو الله إني لأسمع كالحلم قول معتّب بن قشير : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، فحفظتها ، فأنزل الله في ذلك : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٥٤) (٣).

الآية : ١٦١ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ).

عن ابن المبارك قال : حدثنا شريك ، عن حصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين ، فقال أناس : لعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذها ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ). قال حصيف : فقلت لسعيد بن جبير : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ). فقال : بل يغلّ (٤) ويقتل (٥).

__________________

(١) تفسير زاد المسير ، ج ١ / ٤٧٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٣٢.

(٢) النيسابوري ١٠٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤١٢ ـ ٤١٣.

(٣) السيوطي ٦٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤١٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٤٢.

(٤) يغل : بكسر الغين ، من الغلّ وهو القيد ، أي يضع القيد في أعناق الأسرى ، لأنه قد يفعل ما هو أكبر من ذلك وهو القتل. فابن عباس رضي الله عنه كان ينكر ـ كما سيأتي ـ قراءة كسر الغين ، والله أعلم.

(٥) سنن الترمذي برقم ٣٠٠٩ ، وحسّنه ، وتفسير الطبري ، ج ٤ / ١٠٢.

٨٣

وعن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) ويقول : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل؟ قال الله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١١٢]. ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شيء من الغنيمة ، فأنزل الله عزوجل : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) (١).

وعن الضحاك قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلائع ، فغنم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ، ولم يقسم للطلائع شيئا ، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا؟ فنزلت : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ). قال سلمة : قرأها الضحاك (يَغُلَ) (٢).

وقال ابن عباس ، في رواية الضحاك : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال قتادة : نزلت وقد غلّ طوائف من أصحابه (٣).

الآية : ١٦٥ ـ قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ).

قال ابن عباس : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) إلى قوله : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ). قال : بأخذكم الفداء (٤).

الآية : ١٦٩ ـ قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً).

عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) معجم الطبراني الكبير ، ج ١١ / ١٠١.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٠٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ، ج ٢ / ٩١.

(٣) أسباب النزول للنيسابوري ١٠٨ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٢١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٥٥.

(٤) النيسابوري ، ١٠٩ ـ ١١٠ ، والسيوطي ٦١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٢٤ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٩٥.

٨٤

«لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا أنّا في الجنة نرزق ، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب؟ فقال الله عزوجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) (١).

ورواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، من طريق عثمان ابن أبي شيبة (٢).

وعن طلحة بن حراش قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ما لي أراك مهتما» .. قلت : يا رسول الله ، قتل أبي وترك دينا وعيالا ، فقال : «ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا قطّ إلا من وراء حجاب ، وإنه كلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك ، قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال : يا رب ، فأبلغ من ورائي (٣) ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) الآية ...» (٤).

وعن وكيع ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) قال : لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ، ورأوا ما رزقوا من الخير ، قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير ، كي يزدادوا في الجهاد رغبة. فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) إلى قوله : (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) [سورة آل عمران ، الآية : ١٧١] (٥).

__________________

(١) مسند أحمد برقم ٢٣٨٨ ، وسنن أبي داود برقم ٢٣٨٩ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٩٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٦٨.

(٢) المستدرك : التفسير / آل عمران ، باب : أرواح الشهداء في جوف طير ترد أنهار الجنة ، ٢ / ٢٩٧.

(٣) كفاحا : مواجهة ، ليس بينهما حجاب ولا رسول. من ورائي : الذين تركتهم ورائي في الدنيا ولم يستشهدوا.

(٤) سنن الترمذي برقم ٣٠١٠ ، وقال : حسن غريب ، وابن ماجة في سننه برقم ١٩٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٢٧.

(٥) النيسابوري ١١٠ ، والسيوطي ، ٦١ ـ ٦٢ ، والدر المنثور ، ج ٢ / ٩٥.

٨٥

الآية : ١٧٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استنفر الناس بعد أحد ، حين انصرف المشركون ، فاستجاب له سبعون رجلا ، فطلبهم ، فلقي أبو سفيان عيرا من خزاعة ، فقال لهم : إن لقيتم محمدا يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير. فلقيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألهم عن أبي سفيان ، فقالوا : لقيناه في جمع كثير ، ونراك في قلة ولا نأمنه عليك. فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن يطلبه ، فسبقه أبو سفيان فدخل مكة ، فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) حتى بلغ (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧٥) (١).

عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) إلى آخرها ، قال : قالت لعروة : يا ابن أختي ، كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر ، لما أصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ما أصاب ، وانصرف عنه المشركون ، خاف أن يرجعوا ، فقال : «من يذهب في أثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلا ، كان فيهم أبو بكر والزبير (٢).

الآية : ١٧٣ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ).

عن قتادة قال : ذاك يوم أحد ، بعد القتل والجراحة ، وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه ، قال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «ألا عصابة تشدد لأمر الله ، فتطلب عدوّها ، فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع». فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد ، حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فأنزل الله تعالى فيهم قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) إلى قوله تعالى : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤) (٣).

الآية : ١٧٩ ـ قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ).

__________________

(١) النيسابوري ١١١ ، والسيوطي ٦٢ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٥٠٣.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٧٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٢٩.

(٣) النيسابوري ١١٢ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٠ ـ ٤٣١.

٨٦

قال السدي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عرضت عليّ أمتي في صورها كما عرضت على آدم ، وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر». فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا : يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ، ونحن معه ولا يعرفنا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وقال أبو العالية : سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ١٨٠ ـ قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ).

جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة (٣).

وروى عطية عن ابن عباس : أن الآية نزلت في أحبار اليهود ، الذين كتموا صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونبوته ، وأراد بالبخل كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى (٤).

الآية : ١٨١ ـ قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا).

قال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مدراس اليهود (٥) ، فوجد ناسا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازورا ، وكان من علمائهم ، فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم ، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، فآمن وصدّق ، وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ، ويضاعف لك الثواب. فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا ، وما يستقرض إلا الفقير من الغني؟ فإن كان ما تقول حقا فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ، ولو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا. فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص

__________________

(١) ذكره النيسابوري بغير سند ١١١.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٨٨.

(٣) زاد المسير ، ج ١ / ٥١٢.

(٤) زاد المسير ، ج ١ / ٥١٢.

(٥) المدراس : هو بيت الدروس لليهود.

٨٧

ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده ، لو لا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد ، انظر ما صنع بي صاحبك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر : «ما الذي حملك على ما صنعت؟» فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولا عظيما ، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء ، فغضبت لله وضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص ، فأنزل الله عزوجل ردا على فنحاص وتصديقا لأبي بكر : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) (١) الآية.

الآية : ١٨٣ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا).

قال الكلبي : نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه ، وفي فنحاص بن عازورا وحيي بن أخطب ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا ، وأنزل عليك كتابا ، وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ١٨٦ ـ قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً).

عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ـ وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ـ أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا ، وكان يهجو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط : منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود ، فأراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستصلحهم ، فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى ، فأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر على ذلك ، وفيهم أنزل الله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٣) الآية.

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٤ / ١٢٩ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٥١٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٤.

(٢) النيسابوري ، ١١٤ ـ ١١٥ ، والسيوطي ٦٣ ، والدر المنثور ، ج ٢ / ١٠٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٩٤.

(٣) النيسابوري ، ١١٥ ـ ١١٦ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٣٠٣.

٨٨

وعن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير : أن أسامة بن زيد أخبره : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية (١) ، وأردف أسامة بن زيد ، وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبيّ ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، وفي مجلس عبد الله بن رواحة ، فلما غشي المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا. فسلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم وقف فنزل ، ودعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال عبد الله بن أبيّ : أيها المرء ، إنه لا أحسن مما تقول ، إن كان حقا فلم تؤذينا به في مجالسنا؟ ارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك. واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون ، فلم يزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، ثم ركب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال له : «يا سعد ، ألم تسمع ما قال أبو حباب ـ يريد عبد الله بن أبيّ ـ قال كذا وكذا». فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ، اعف عنه واصفح ، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك ، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك ، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (٢) الآية.

الآية : ١٨٨ ـ قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا).

قال ابن كثير : يعني بذلك المرائين المتكثّرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ادّعى دعوى كاذبة ليتكثّر بها لم تزده من الله إلا قلّة».

وعن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ،

__________________

(١) القطيفة : كساء له خمل ، وفدكية : نسبة إلى بلدة «فدك» قرب خيبر.

(٢) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦.

٨٩

فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١) الآية.

وعن زيد بن أسلم : أن مروان بن الحكم كان يوما ، وهو أمير على المدينة ، عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج ، فقال مروان : يا أبا سعيد ، أرأيت قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) والله إنا لنفرح بما أتينا ، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا ، إنما كان رجال في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي ، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم ، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا (٢).

عن ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن وقاص أخبره : أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس وقل له : لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب ، لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذا ، إنما دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهود ، فسألهم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، ثم قرأ ابن عباس : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٨٧] (٣).

وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : إن محمدا ليس نبي الله ، فاثبتوا على دينكم ، وأجمعوا

__________________

(١) النيسابوري ، ١١٦ ـ ١١٧ ، والسيوطي ٦٤ ، ورواه مسلم في صحيحه : أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، رقم : ٢٧٧٧ ، وانظر البخاري : التفسير / آل عمران ، باب : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، رقم : ٤٢٩١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٣٠٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٧.

(٢) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٧.

(٣) ليس هذا في هذا : ليست هذه الآية في المعنى الذي ذكرتموه. النكبة : المصيبة. ما لكم ولهذا : أي ليست هذه الآية فيكم. أخرجه الشيخان في صحيحيهما. أخرجه البخاري في صحيحه برقم ٤٢٩٢ ، ومسلم في صحيحه برقم ٢٧٧٨.

٩٠

كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ، ولم نترك ديننا. وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة ، ونحن أولياء الله. فلذلك قول الله تعالى : (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) بما فعلوا (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة (١).

الآية : ١٩٠ ـ قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود ، فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه ، ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ فقالوا : يبرئ الأكمه [الذي ولد أعمى] والأبرص ، ويحيي الموتى. فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهبا. فأنزل الله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) (٢).

الآية : ١٩٥ ـ قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ).

عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة بن عمر بن أبي سلمة ـ رجل من ولد أم سلمة ـ قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (٣).

الآية : ١٩٦ ـ قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦).

نزلت في مشركي مكة ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد؟ فنزلت هذه الآية (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ١ / ٥٢٣.

(٢) النيسابوري ، ١١٧ ـ ١١٨ ، والسيوطي ٦٥ ، وفي سنده الحماني وهو ضعيف.

(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٣٠٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٤ / ١٤٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٤١.

(٤) زاد المسير ، ج ١ / ٥٣١.

٩١

الآية : ١٩٩ ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ).

قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة : نزلت في النجاشي ، وذلك لما كان نعاه جبريل عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم». فقالوا : ومن هو؟ فقال : «النجاشي» فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البقيع ، وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له ، وقال لأصحابه : «استغفروا له». فقال المنافقون : انظروا إلى هذا ، يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط ، وليس على دينه. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٢٠٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا).

عن ابن المبارك قال : أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني داود بن صالح قال : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)؟ قال : قلت : لا ، قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثغر يرابط فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة (٢).

__________________

(١) النيسابوري ، ١١٨ ـ ١١٩ ، والسيوطي ، ٦٥ ـ ٦٦ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٥٣٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٣٢٢.

(٢) رواه الحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٣٠١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٣٢٣.

٩٢

٤ ـ سورة النساء

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ).

قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان ، كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه ، فترافعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير (١). فدفع إليه ماله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحلّ داره» يعني جنته. فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثبت الأجر وبقي الوزر». فقالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : «ثبت الأجر للغلام ، وبقي الوزر على والده» لأنه كان مشركا (٢).

الآية : ٣ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى).

عن سهل بن عثمان قال : حدثنا يحيى ابن أبي زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) الآية ، قالت : أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ، ولها مال ، وليس لها أحد يخاصم دونها ، فلا ينكحها حبا لمالها ، ويضرّ بها ويسيء صحبتها ، فقال الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) يقول : ما أحللت لك ، ودع هذه (٣).

وقال سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي : كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء ، ويتزوجون ما شاءوا ، فربما عدلوا وربما لم يعدلوا ، فلما سألوا عن اليتامى فنزلت آية اليتامى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) الآية ، أنزل الله

__________________

(١) الحوب : الإثم والهلاك.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٥ / ٨.

(٣) أخرجه مسلم رقم ٣٠١٨ ، والبخاري رقم ٢٣٦٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٤٩.

٩٣

تعالى أيضا : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) الآية ، يقول : كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن ، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز.

وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي (١).

الآية : ٤ ـ قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً).

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان الرجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله عن ذلك ، فأنزل هذه الآية (٢).

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى).

نزلت في ثابت بن رفاعة ، وفي عمه ، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا وهو صغير ، فأتى عم ثابت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

الآية : ٧ ـ قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ).

قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي ، وترك امرأة يقال لها : أم كجة ، وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه ، يقال لهما : سويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئا ولا بناته ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير ، وإن كان ذكرا ، إنما يورثون الرجال الكبار ، وكانوا يقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أوس بن ثابت مات ، وترك عليّ بنات ، وأنا امرأة وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسنا ، وهو عند سويد وعرفجة ، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئا ، وهن في حجري ، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا. فدعاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب

__________________

(١) النيسابوري ، ١٢١ ـ ١٢٢ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

(٢) السيوطي ٦٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٥٢.

(٣) ذكره النيسابوري بدون سند ١٢٢ ، وابن الجوزي في زاد المسير ، ج ٢ / ١٤.

٩٤

فرسا ولا يحمل كلّا ولا ينكي عدوا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن». فانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ١٠ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً).

قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير ، فأكله ، فأنزل الله فيه هذه الآية (٢).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ).

قال القرطبي : بيّن الله تعالى في هذه الآية ما أجمله في قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) ، (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ).

عن ابن المنكدر ، عن جابر قال : عادني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم رش عليّ منه ، فأفقت ، فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية (٣).

وعن بشر بن الفضل قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة بابنتين لها فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ، أو قالت : سعد بن الربيع ، قتل معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما ، فلم يدع لهما مالا إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله؟ فو الله ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال. فقال : «يقضي الله في ذلك». فنزلت سورة النساء وفيها : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إلى آخر الآية. فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ادع لي المرأة وصاحبها». قال لعمهما : «أعطهما الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فلك» (٤).

__________________

(١) النيسابوري ١٢٢ ، والسيوطي ، ٦٧ ـ ٦٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ٤٦.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٥ / ٥٣ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٢٣.

(٣) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري : التفسير / النساء ، باب : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، رقم : ٤٣٠١ ، ومسلم : الفرائض ، باب : ميراث الكلالة ، رقم : ١٦١٦. والذي في مسلم : محمد بن حاتم عن حجاج بن محمد عن ابن جريج ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ٥٩.

(٤) النيسابوري ، ١٢٣ ـ ١٢٤ ، والسيوطي ، ٦٨ ـ ٦٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٥٧.

٩٥

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).

عن سهل بن عثمان قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس. قال أبو إسحاق الشيباني : وذكره عطاء بن الحسين السوائي ، ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته : إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، وهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك (١).

قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها ، أو قرابته من عصبته ، فألقى ثوبه على تلك المرأة ، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره : فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق ، إلا الصداق الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوّجها غيره ، وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا ، وإن شاء عضلها وضارها لتفتدي منه بما ورثت من الميت ، أو تموت هي فيرثها ، فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ، وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن ، وقال مقاتل : اسمه قيس ابن أبي قيس ، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها ، يضارها لتفتدي منه بمالها ، فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي ، وقد أضرني وطول عليّ ، فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ، ولا هو يخلي سبيلي. فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله». فانصرفت ، وسمعت بذلك النساء في المدينة ، فأتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلن : ما نحن إلا كهيئة كبيشة ، غير أنه لم ينكحنا الأبناء ، ونكحنا بنو العم. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / النساء ، باب : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ..) ، رقم : ٤٣٠٣ ، الإكراه ، باب : من الإكراه ، رقم : ٦٥٤٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ٩٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٦٥.

(٢) النيسابوري ، ١٢٣ ـ ١٢٤ ، وتفسير الطبري ، ج ٤ / ٢٠٩.

٩٦

الآية : ٢٢ ـ قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ).

نزلت في حصن ابن أبي قيس ، تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن. وفي الأسود بن خلف ، تزوج امرأة أبيه. وصفوان بن أمية بن خلف ، تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب. وفي منصور بن ماذن ، تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة (١).

وقال أشعث بن سوار : توفي أبو قيس ، وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولدا ، ولكني آتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أستأمره. فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الآية : ٢٤ ـ قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

عن سعيد الخدري قال : أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن (٢) ، فسألنا النبي عليه‌السلام فنزلت : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فاستحللناهن (٣).

وقال عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن عثمان البتّيّ ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال : لما سبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أوطاس قلنا : يا نبي الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ فنزلت هذه الآية : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٤).

وعن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ، ولقي عدوا ، فقاتلوهم فظهروا عليهم ، وأصابوا لهم سبايا ، وكان ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحرجوا من غشيانهن (٥) ، من أجل

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٦٨.

(٢) سبايا : نساء من العدو أخذناهن أسيرات وصرن مملوكات لنا. أوطاس : اسم لواد قرب حنين ، وقعت فيه غزوة حنين. أن نقع عليهن : أن نجامعهن.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٥ / ٢ ـ ٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٧٣.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٥ / ٣ ، وأشعث بن سوار ضعيف.

(٥) غشيانهن : جماعهن.

٩٧

أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله في ذلك : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١).

الآية : ٣٢ ـ قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ).

عن مجاهد قال : قالت أمّة سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرّجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) (٢).

وعن حصيف ، عن عكرمة : أن النساء سألن الجهاد ، فقلن : وددنا أن الله جعل لنا الغزو ، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال؟ فأنزل الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) (٣).

وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [سورة النساء ، الآية : ١١] قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء. وقالت النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة ، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا. فأنزل الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) (٤).

الآية : ٣٣ ـ قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ).

عن أبي اليمان الحكم بن نافع قال : أخبرني شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري قال : قال سعيد بن المسيب : نزلت هذه الآية : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم ، فأنزل الله تعالى فيهم : أن يجعل لهم نصيب في الوصية ، ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي

__________________

(١) النيسابوري ، ١٢٤ ـ ١٢٦ ، والسيوطي ، ٧٠ ـ ٧١ ، وتفسير الطبري ، ج ٥ / ٣.

(٢) سنن الترمذي في كتاب التفسير ٣٠٢٢ ، وقال : هذا حديث مرسل ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٣٠٥.

(٣) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٨٨.

(٤) النيسابوري ١١٧.

٩٨

الرحم والعصبة ، وأبي أن يجعل للمدّعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم ، ولكن جعل نصيبا في الوصية (١).

الآية : ٣٤ ـ قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ).

قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع ، وكان من النقباء ، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة ، وهما من الأنصار ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أفرشته كريمتي فلطمها. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لتقتص من زوجها» (٢). وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ارجعوا ، هذا جبريل عليه‌السلام أتاني» وأنزل الله تعالى هذه الآية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير». ورفع القصاص (٣).

عن هشيم قال : حدثنا يونس ، عن الجهني : أن رجلا لطم امرأته ، فخاصمته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء معها أهلها ، فقالوا : يا رسول الله ، إن فلانا لطم صاحبتنا. فجعل رسول الله يقول : «القصاص ، القصاص». ولا يقضي قضاء ، فنزلت هذه الآية : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ). قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أردنا أمرا وأراد الله غيره» (٤).

الآية : ٣٧ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ).

قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود ، كتموا صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبينوها للناس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم.

وقال الكلبي : هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته في كتابهم.

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٥ / ٣٥ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ١٦٥ ، عن سعيد بن جبير.

(٢) نشزت : تعالت وترفعت وعصت. فلطمها : ضربها بصفحة كفه. أفرشته كريمتي : جعلت بنتي فراشا له ، وسميت الزوجة فراشا لأن الزوج يفترشها. لتقتص أي : لتضربه مثل ضربه قصاصا ، أي : معاملة بالمثل.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٥ / ١٦٨.

(٤) النيسابوري ، ١٢٧ ـ ١٢٨ ، والسيوطي ، ٧١ ـ ٧٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٥ / ٣٧ ـ ٣٨.

٩٩

وقال مجاهد : الآيات الثلاث إلى قوله : (عَلِيماً) (٣٩) [سورة النساء ، الآيات : ٣٧ ـ ٣٩] نزلت في اليهود.

وقال ابن عباس وابن زيد : نزلت في جماعة من اليهود ، كانوا يأتون رجالا من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ، ويقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم ، فإنا نخشى عليكم الفقر. فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (١).

الآية ٤٣ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)).

نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى (٢) فلا يدرون كم يصلون ، ولا ما يقولون في صلاتهم.

وعن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن قال : صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ، ودعا أناسا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فطعموا وشربوا ، وحضرت صلاة المغرب ، فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب ، فقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) فلم يقمها ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) (٣).

(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) الآية. عن مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء ، أو بذات الجيش ، انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ، أقامت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالناس معه ، وليس

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٥ / ٥٥ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٨١.

(٢) نشاوى : جمع نشوان ، وهو من كان في أول سكره ، وقيل هو السكران.

(٣) النيسابوري ، ١٢٩ ـ ١٣٠ ، والسيوطي ، ٧٣ ـ ٧٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٥٠٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ٢٠٠.

١٠٠