تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

ابن عوف : فإنه جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة ، فقال : كان عندي ثمانية آلاف درهم ، فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف درهم ، وأربعة آلاف أقرضتها ربي. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت». وأما عثمان رضي الله عنه فقال : علي جهاز من لا جهاز له ، في غزوة تبوك. فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها ، وتصدق برومة ـ ركية كانت له (١) ـ على المسلمين ، فنزلت فيهما هذه الآية (٢).

وقال أبو سعيد الخدري : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رافعا يده يدعو لعثمان ويقول : «يا رب ، إن عثمان بن عفان رضيت عنه ، فارض عنه». فما زال رافعا بده حتى طلع الفجر ، فأنزل الله تعالى فيه : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٣).

الآية : ٢٦٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ).

عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر ، فجاء رجل بتمر رديء ، فنزل القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٤).

عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء قال : نزلت هذه الآية في الأنصار ، كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر ، فيعلقونها على جبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيأكل منه فقراء المهاجرين ، وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف ، وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء ، فنزل فيمن فعل ذلك : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) يعني القنو الذي فيه حشف ، ولو أهدى إليكم ما قبلتموه (٥).

__________________

(١) الأقتاب : جمع قتب ، وهو ما يوضع على ظهر البعير عند الركوب. والأحلاس : جمع حلس ، وهو ما يوضع فوق القتب. والركية : هي البئر. ورومة : اسم هذه البئر.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ، ص ٧٣.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٣ / ٣٠٦.

(٤) المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، وصححه وأقره الذهبي.

(٥) تفسير الطبري ، ج ٣ / ٥٥ ، والحاكم في المستدرك ، ج ٣ / ٣٨٥.

٦١

الآية : ٢٧١ ـ قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ).

قال الكلبي : لما نزل قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٧٠]. قالوا : يا رسول الله ، صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٢٧٢ ـ قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ).

روى النسائي والحاكم والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين ، فسألوا فرخص لهم ، فنزلت هذه الآية : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢).

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأمر أن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام ، فنزلت هذه الآية. فأمر بالتصدّق على كل من سأل من كل دين (٢).

الآية : ٢٧٤ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً).

عن ابن مهدي ، عن يزيد بن عبد الله ، عن شعيب ، عن أبيه ، عنه جده (٣) ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نزلت هذه الآية : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في أصحاب الخيل». وقال : «إن الشياطين لا تخبل أحدا في بيته فرس عتيق من الخيل» (٤).

وهذا قول لأبي أمامة وأبي الدرداء ، ومكحول والأوزاعي ورباح بن يزيد ، قالوا : هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله تعالى ، ينفقون عليها بالليل والنهار سرا وعلانية ، نزلت فيمن لم يرتبطها تخيلا ولا افتخارا.

__________________

(١) النيسابوري ، ٧٣ ـ ٧٤ ، والسيوطي ، ٤٥ ـ ٤٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٢٢.

(٢) السيوطي ٤٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٢٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ / ٣٣٧ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٣٢٧.

(٣) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أبو شعيب هو محمد ، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص.

(٤) أسباب النزول للنيسابوري ٧٦ ، وفي إسناده مجاهيل ، فلا تصح.

٦٢

وعن عبد الله بن صالح قال : حدثني أبو شريح ، عن قيس بن الحجاج ، عن خثيم بن عبد الله الصنعاني أنه قال : حدث ابن عباس في هذه الآية : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) قال : في علف الخيل المربوطة في سبيل الله (١).

ويدل على صحة هذا : ما جاء عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ارتبط فرسا في سبيل الله ، فأنفق عليه احتسابا ، كان شبعه وجوعه ، وريه وظمؤه ، وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة» (٢).

وعن سليمان بن موسى الدمشقي ، عن عجلان بن سهل الباهلي قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : من ارتبط فرسا في سبيل الله ـ لم يرتبطه رياء ولا سمعة ـ كان من (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٣).

الآية : ٢٧٨ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا).

عن ابن عباس : هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف ، وفي بني المغيرة من بني مخزوم ، وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله ، فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة ، فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى الناس بالربا؟ وضع عن الناس غيرنا؟ فقال بنو عمرو بن عمير : صولحنا على أن لنا ربانا. فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت هذه الآية والتي بعدها : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٧٩]. فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله ، يقول الله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) فتأخذون أكثر (وَلا تُظْلَمُونَ) (٢٧٩) [سورة البقرة ، الآية : ٢٧٩] فتبخسون منه (٤).

وقال عطاء وعكرمة : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٣ / ٣٤٦.

(٢) مسند أحمد ، ج ٦ / ٤٥٨ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ، ج ١٢ / ٤٨٢ ، وسنده حسن.

(٣) النيسابوري ٧٦ ، والسيوطي ، ٤٦ ـ ٤٧.

(٤) أسباب النزول للنيسابوري ٧٧.

٦٣

عفان ، وكانا قد أسلفا في التمر ، فلما حضر الجداد (١) قال لهما صاحب التمر : لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله ، فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعف لكما؟ ففعلا ، فلما حل الأجل طلبا الزيادة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنهاهما ، وأنزل الله تعالى هذه الآية ، فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما (٢).

وقال السدي : نزلت في العباس وخالد بن الوليد ، وكانا شريكين في الجاهلية ، يسلفان في الربا ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» (٣).

الآية : ٢٨٠ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ).

قال الكلبي : قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة : هاتوا رءوس أموالنا ولكم الربا ، ندعه لكم. فقالت بنو المغيرة : نحن اليوم أهل عسرة ، فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة. فأبوا أن يؤخروهم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) (٤) الآية.

الآية : ٢٨٥ ـ قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ).

عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : لما أنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٤] اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم ـ أراه ـ قالوا : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك المصير». فلما اقترأها القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)

__________________

(١) أسلفنا : أعطينا مالا سلفا في ثمن التمر. والجداد : قطاف التمر.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٣ / ٧١.

(٣) الدر المنثور للسيوطي ، ج ١ / ٣٦٦.

(٤) أسباب النزول للنيسابوري ٧٨.

٦٤

الآية كلها ، ونسخها الله تعالى ، فأنزل الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦] إلى آخرها (١).

وعن آدم بن سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قولوا : سمعنا وأطعنا وسلمنا». فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) حتى بلغ (أَوْ أَخْطَأْنا) فقال : «قد فعلت ـ إلى آخر البقرة ـ كل ذلك يقول : قد فعلت» (٢).

قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية ، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها ، وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ، هلكنا والله؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هكذا أنزلت». فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق. قال : «فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا؟ قولوا : سمعنا وأطعنا». فقالوا : سمعنا وأطعنا ، واشتد ذلك عليهم ، فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الآية. فنسخت هذه الآية ما قبلها ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ، ما لم يعملوا أو يتكلموا به» (٣).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٣٨ ، ورواه مسلم في صحيحه : الإيمان ، باب : بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق ، رقم : ١٢٥ ، والنيسابوري ٧٨ ، والسيوطي ، ٤٧ ـ ٤٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : رقم : ١٢٦ ، والنيسابوري ٧٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ / ٤٢٧.

(٣) زاد المسير لابن الجوزي ، ج ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ / ٤٢٧ ـ ٤٣٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

٦٥

٣ ـ سورة آل عمران

قال المفسرون : قدم وفد نجران ، وكانوا ستين راكبا ، على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم :

فالعاقب أمير القوم ، وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح.

والسيد إمامهم ، وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم.

وأبو حارثة بن علقمة ، وأسقفهم وحبرهم وإمامهم ، وصاحب مدراسهم ، وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم ، وكانت ملوك الروم قد شرفوه وموّلوه ، وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده.

فقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات ، جباب وأردية ، في جمال رجال الحارث بن كعب ، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما رأينا وفدا مثلهم ، وقد حانت صلاتهم ، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوهم». فصلوا إلى المشرق ، فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أسلما». فقالا : قد أسلمنا قبلك. قال : «كذبتما ، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير». قالا : إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى ، فقال لهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولدا إلا ويشبه أباه؟» قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى أتى عليه الفناء؟» قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربّنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟» قالوا : بلى ، قال : «فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟» قالوا : لا ، قال : «فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث». قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم

٦٦

غذي كما يغذى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث». قالوا : بلى ، قال : «فكيف يكون هذا كما زعمتم». فسكتوا ، فأنزل الله عزوجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها (١).

الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ).

قال الكلبي : عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أن يهود أهل المدينة قالوا ، لما هزم الله المشركين يوم بدر : هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ، ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، وأنه لا ترد له راية. فأرادوا تصديقه واتباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى. فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكّوا ، وقالوا : لا والله ما هو به. وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا ، وكان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلى مدة ، فنقضوا ذلك العهد ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم ، وقالوا : لتكونن كلمتنا واحدة. ثم رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (٢).

وقال محمد بن إسحاق بن يسار : لما أصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا ببدر ، فقدم المدينة ، جمع اليهود وقال : «يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليك». فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم بهم بالحرب ، فأصبت فيهم فرصة؟ أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعني اليهود (سَتُغْلَبُونَ) تهزمون (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة (٣).

هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس.

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٤ ، والنيسابوري ، ٨٠ ـ ٨١.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ٨١ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٣٥٦.

(٣) النيسابوري ، ٨١ ـ ٨٢ ، والسيوطي ٤٩ ، وتفسير الطبري ، ج ٣ / ١٢٨ ، وسنن أبي داود برقم ٣٠٠١ ، وفيه ضعف.

٦٧

الآية : ١٨ ـ قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

قال الكلبي : لما ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام ، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان. فلما دخلا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرفاه بالصفة والنعت ، فقالا له : أنت محمد؟ قال : «نعم». قالا : وأنت أحمد؟ قال : «نعم». قالا : إنا نسألك عن شهادة ، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك. فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلاني». فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ). فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ).

اختلفوا في سبب نزولها :

قال السدي : دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليهود إلى الإسلام ، فقال له النعمان بن أدفى : هلم يا محمد ، نخاصمك إلى الأحبار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل إلى كتاب الله». فقال : بل إلى الأحبار. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

وروى سعيد بن جبير وعكرمة ، عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدراس [أي المكان الذي يدرسون فيه] على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟ فقال : «على ملة إبراهيم». قالا : إن إبراهيم كان يهوديا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فهلموا إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم» ، فأبيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال الكلبي : نزلت في قصة الذين زنيا من خيبر ، وسؤال اليهود للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حد الزانيين. وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى [في بيان سبب نزول الآية ٤٤ من سورة المائدة].

__________________

(١) النيسابوري ٨٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٤٠ ـ ٤١.

(٢) النيسابوري ، ٨٢ ـ ٨٣.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٥٠.

٦٨

الآية : ٢٦ ـ قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ).

قال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، ووعد أمته ملك فارس والروم ، قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات ، من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

قال ابن عباس : كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد ، وهؤلاء كانوا من اليهود ، يباطنون (٢) نفرا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود ، واحذروا لزومهم ومباطنتهم ، لا يفتنوكم عن دينكم. فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال الكلبي : نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، كانوا يتولون اليهود والمشركين ، ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم (٤).

وقال جبير ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري ، وكان بدريا نقيبا (٥) وكان له حلفاء من اليهود ، فلما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو. فأنزل الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) الآية (٦).

__________________

(١) النيسابوري ، ٨٤ ـ ٨٥ ، والسيوطي ٥٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٣ / ١٤٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٥٢ ، وزاد المسير في علم التفسير ، ج ١ / ٣٦٨.

(٢) يباطنون : يتخذونهم بطانة ، يشاورونهم في شئونهم ويسرون إليهم عن أحوالهم.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٣ / ١٥٢.

(٤) انظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٥٧.

(٥) أي : حضر بدرا. والنقيب : عريف القوم. والنقباء كانوا اثني عشر ليلة بيعة العقبة.

(٦) النيسابوري ، ٨٥ ـ ٨٦ ، والسيوطي ، ٥٠ ـ ٥١.

٦٩

الآية : ٣١ ـ قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ).

قال الحسن وابن جريج : زعم أقوام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم يحبون الله ، فقالوا : يا محمد ، إنا نحب ربنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : وقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام ، وجعلوا في آذانها الشنوف (١) ، وهم يسجدون لها ، فقال : يا معشر قريش ، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام». فقالت قريش : يا محمد ، إنما نعبد هذه حبا لله ، ليقربونا إلى الله زلفى. فأنزل الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم ، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم (٢).

وروى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أن اليهود لما قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه (٣) ، أنزل الله تعالى هذه الآية ، فلما نزلت عرضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليهود فأبوا أن يقبلوها (٤).

وروى محمد بن إسحاق بن يسار ، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : نزلت في نصارى نجران ، وذلك أنهم قالوا : إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم (٥).

الآية : ٥٩ ـ قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ).

__________________

(١) الشنوف : جمع شنف ، وهو من حليّ الأذن ، وقيل : هو ما يعلق في أعلاها. الإسلام أي : دين التوحيد. زلفى : منزلة ودرجة.

(٢) زاد المسير ، ج ١ / ٣٧٣ ، وجويبر ضعيف جدا.

(٣) وقد ذكر في القرآن ذلك عنهم وعن النصارى ورد عليهم زعمهم ، بقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [سورة : المائدة ، الآية : ١٨].

(٤) النيسابوري ٨٦.

(٥) تفسير الطبري ، ج ٣ / ١٥٥.

٧٠

قال المفسرون : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما لك تشتم صاحبنا؟ قال : «وما أقول». قالوا : تقول : إنه عبد. قال : «أجل ، إنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول» (١). فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله. فأنزل الله عزوجل هذه الآية (٢).

عن مبارك ، عن الحسن قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعرض عليهما الإسلام ، فقال أحدهما : إنا قد أسلمنا قبلك. فقال : «كذبتما ، إنه يمنعكما من الإسلام ثلاث : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم لله ولد» ، قالا : من أبو عيسى؟ وكان لا يعجل (٣) حتى يأمره ربّه ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) (٤).

الآية : ٦١ ـ قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ).

عن حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهما : «أسلما تسلما». فقالا : قد أسلمنا قبلك. فقال : «كذبتما ، يمنعكما من الإسلام : سجودكما للصليب ، وقولكما اتخذ الله ولدا ، وشربكما الخمر». فقالا : ما تقول في عيسى؟ قال : فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزل القرآن : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٨] إلى قوله : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) الآية. فدعاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الملاعنة. وقال : وجاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهم‌السلام ، قال : فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه : اقرر بالجزية ولا تلاعنه ، فأقر بالجزية ، قال : فرجعا فقالا : نقر بالجزية ولا نلاعنك (٥).

__________________

(١) العذراء : البنت البكر التي لم يمسها رجل. البتول : المنقطعة عن الرجال ، ولا شهوة لها فيهم ، لا عن علة وإنما عن مجاهدة نفس ، من التّبتّل وهو الانقطاع عن ملاذ الدنيا للعبادة.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٠٣.

(٣) لا يعجل : أي لا يسرع بالجواب.

(٤) النيسابوري ، ٨٦ ـ ٨٨ ، والسيوطي ، ٥١ ـ ٥٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٦٨.

(٥) الملاعنة : وهي أن يخرج الفريقان إلى مكان يدعوان الله تعالى أن ينزل اللعنة على من كان منهما على الباطل ، وتسمى المباهلة أيضا ، كما ذكر في الآية نفسها. فأقر بالجزية : أي رضي أن يدفع الجزية هو وقومه ، والجزية : مقدار محدود من المال تأخذه الدولة المسلمة من ـ

٧١

الآية : ٦٥ ـ قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ).

روى ابن إسحاق بسنده المتكرر إلى ابن عباس ، قال : اجتمعت نصارى نجران ، وأحبار يهود عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا. وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخرجه البيهقي في الدلائل (١).

وقال القرطبي : وهذه الآية نزلت بسبب دعوى كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان على دينه ، فأكذبهم الله بأن اليهودية والنصرانية إنما كانتا من بعده ، فذلك قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) (٢).

الآية : ٦٨ ـ قوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) على ملته وسنته (وَهذَا النَّبِيُ) يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٨).

عن وكيع ، عن سفيان بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وأنا أولى بأبي الخليل ، أبي إبراهيم». ثم قرأ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ) (٣) الآية.

الآية : ٦٩ ـ قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ).

نزلت في معاذ بن جبل وعمار بن ياسر ، حين دعاهما اليهود إلى دينهم ، وقد مضت القصة في سورة البقرة (٤).

الآية : ٧٢ ـ قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا).

قال الحسن والسدي : تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر ، وقال بعضهم لبعض :

__________________

ـ رعاياها غير المسلمين ، مقابل حمايتها لهم ورعايتها. تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٦٩.

(١) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٧٢.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٠٧.

(٣) المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٢٩٢ ، وصححه وأقره الذهبي.

(٤) زاد المسير في علم التفسير ، ج ١ / ٤٠٤.

٧٢

ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به في آخر النهار ، وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمدا ليس بذلك ، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم ، وقالوا : إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منا ، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخبر نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين (١).

قال مجاهد ومقاتل والكلبي : هذا في شأن القبلة ، لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود لمخالفتهم ، قال كعب بن الأشرف وأصحابه : آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار ، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة ، لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، فربما يرجعون إلى قبلتنا. فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء ، وأطلعه على سرهم ، وأنزل : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) (٢) الآية.

الآية : ٧٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً).

عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حلف على يمين ، وهو فيها فاجر ، ليقطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان». فقال الأشعث بن قيس : فيّ والله ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «لك بينة» قلت : لا ، فقال لليهودي : «أتحلف». قلت : إذن يحلف ، فيذهب بمالي. فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) (٣) الآية.

وقال عكرمة : نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) النيسابوري ، ٩٣ ـ ٩٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ١١٢.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ٩٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٧٣.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : المساقاة (الشرب) ، باب : الخصومة في البئر والقضاء فيها ، رقم : ٢٢٢٩ ، والنيسابوري ، ٩٥ ـ ٩٦ ، والسيوطي ٥٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ١١٩ ـ ١٢٠.

٧٣

وبدلوه ، وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنه من عند الله ، لئلا يفوتهم الرّشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم (١).

الآية : ٧٩ ـ قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ).

قال الضحاك ومقاتل : نزلت في نصارى نجران حين عبدوا عيسى ، وقوله : (لِبَشَرٍ) يعني عيسى (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) يعني الإنجيل (٢).

وقال ابن عباس ، في رواية الكلبي وعطاء : إن أبا رافع اليهودي والرئيس من نصارى نجران ، قالا : يا محمد ، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معاذ الله أن يعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غير الله ، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني». فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال الحسن : بلغني أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم ، واعرفوا الحق لأهله». فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

الآية : ٨٣ ـ قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ).

قال ابن عباس : اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم ، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم». فغضبوا وقالوا : والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) (٥).

الآية : ٨٦ ـ قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).

__________________

(١) الرشا : جمع رشوة ، وهي ما يعطى من مال ليتوصل به إلى ما ليس بحق. المآكل : جمع مأكلة ، وهي ما يأخذونه من أموال مقابل رياستهم. أسباب النزول للنيسابوري ٩٧.

(٢) زاد المسير ، ج ١ / ٤١٣.

(٣) أسباب النزول للسيوطي ٥٥.

(٤) النيسابوري ٩٨ ، والسيوطي ٥٥ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤١٣.

(٥) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٢٧.

٧٤

عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، فأنزل الله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [سورة آل عمران ، الآية : ٨٩] فبعث بها قومه إليه ، فلما قرئت إليه قال : والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا كذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الله ، والله عزوجل أصدق الثلاثة ، فرجع ثانيا ، فقبل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركه (١).

عن داود ابن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ارتد رجل من الأنصار عن الإسلام ولحق بالشرك ، فندم ، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل لي من توبة؟ فإني قد ندمت. فنزلت : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا) حتى بلغ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فكتب بها قومه إليه ، فرجع فأسلم (٢).

عن مجاهد قال : كان الحارث بن سويد قد أسلم ، وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم لحق بقومه وكفر ، فأنزلت فيه هذه الآية : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨٩) حملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال الحارث : والله إنك ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة. ثم رجع فأسلم إسلاما حسنا (٣).

الآية : ٩٠ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).

قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني : نزلت في اليهود ، كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن (٤).

وقال أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى ، كفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته ، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم (٥).

الآية : ٩٣ ـ قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ).

__________________

(١) المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ١٤٢ ، وصححه وأقره الذهبي ، وتفسير الطبري ، ج ٣ / ٢٤٠.

(٢) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٧٩.

(٣) النيسابوري ، ٩٦ ـ ٩٧ ، والسيوطي ٥٤.

(٤) زاد المسير ، ج ١ / ٤١٩.

(٥) السيوطي في أسباب النزول ٥٤.

٧٥

قال أبو روق والكلبي : نزلت حين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنا على ملة إبراهيم». فقالت اليهود : كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان ذلك حلالا لإبراهيم ، فنحن نحله». فقالت اليهود : كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه ، فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا. فأنزل الله عزوجل تكذيبا لهم : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (١) الآية.

الآية : ٩٦ ـ قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ).

قال مجاهد : تفاخر المسلمون واليهود ، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ، لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٩٧ ـ قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧).

أخرج سعيد بن منصور عن عكرمة ، قال : لما نزلت : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) الآية. [سورة آل عمران ، الآية : ٨٥] ، قالت اليهود : فنحن مسلمون ، فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله فرض على المسلمين حج البيت»؟ فقالوا : لم يكتب علينا ، وأبوا أن يحجّوا ، فأنزل الله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٩٧) (٣).

الآية : ١٠٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً).

عن عكرمة قال : كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام اصطلحوا ، وألف الله بين قلوبهم ، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج ، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم ، فكأنهم دخلهم من

__________________

(١) تفرّد به النيسابوري في أسباب النزول ٩٨.

(٢) النيسابوري ٩٨.

(٣) السيوطي ٥٥ ، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ، ج ١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

٧٦

ذلك ، فقال الحي الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا ، كذا وكذا. فقال الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا ، كذا وكذا. فقالوا : تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت ، فنادى هؤلاء : يا آل أوس ، ونادى هؤلاء : يا آل خزرج ، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال ، فنزلت هذه الآية ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته ، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون ، فلما فرغ ألقوا السلاح ، وعانق بعضهم بعضا ، وجعلوا يبكون (١).

وقال زيد بن أسلم (٢) : مرّ شاس بن قيس اليهودي ، وكان شيخا قد غبر في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام ، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شابا من اليهود كان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين : أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس ، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ، وقال أحدهما لصاحبه : إن شئت رددتها جذعا ، وغضب الفريقان جميعا ، وقالا : ارجعا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة ، وهي حرة ، فخرجوا إليها ، فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال : «يا معشر المسلمين ، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألف بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ، الله الله». فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا ، وعانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٥٥ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٣١.

(٢) النيسابوري ، ٩٩ ـ ١٠٠ ، والسيوطي ٥٥ ، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ، ج ٤ / ١٦.

٧٧

سامعين مطيعين ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الأوس والخزرج (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني شاسا وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (١٠٠).

قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأومأ إلينا بيده فكففنا ، وأصلح الله تعالى ما بيننا ، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أوّلا ، وأحسن آخرا ، من ذلك اليوم (١).

الآية : ١٠١ ـ قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ).

عن الأغر ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس قال : كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية ، فذكروا ما بينهم ، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف ، فأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر ذلك له ، فذهب إليهم ، فنزلت هذه الآية : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠٣] (٢).

عن ابن عباس قال : كان الأوس والخزرج يتحدثون ، فغضبوا حتى كان بينهم حرب ، فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض ، فنزلت : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) إلى قوله تعالى : (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (٣).

الآية : ١١٠ ـ قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ).

قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعونا إليه ، ونحن خير وأفضل منكم. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

الآية : ١١١ ـ قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً).

__________________

(١) النيسابوري ، ١٠٠ ـ ١٠١ ، والسيوطي ٥٥.

(٢) معجم الطبراني الكبير برقم ١٢٦٦٦.

(٣) مجمع الزوائد ، ج ٦ / ٣٢٧ ، وسنده ضعيف جدا.

(٤) السيوطي في الدر المنثور ، ج ٢ / ٥٨.

٧٨

قال مقاتل : إن رءوس اليهود كعب وعدي والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا ، عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه ، فآذوهم لإسلامهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ١١٣ ـ قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً).

قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود ، قالت أحبار اليهود : ما آمن لمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم. وقالوا لهم : لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) (٢) الآية.

وقال ابن مسعود : نزلت الآية في صلاة العتمة (٣) ، يصليها المسلمون ، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها (٤).

عن ابن مسعود قال : أخّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة ، فقال : «إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم». قال : فأنزلت هذه الآيات : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (١١٥) [سورة آل عمران ، الآية : ١١٥] (٥).

الآية : ١١٨ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ).

قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في قوم من المؤمنين ، كانوا يصافون المنافقين ، ويواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم ، خوف الفتنة منهم عليهم (٦).

__________________

(١) النيسابوري ١٠١ ، الدر المنثور ، ج ٢ / ٦٣.

(٢) النيسابوري ، ١٠١ ـ ١٠٢ ، والسيوطي ٥٦ ، وتفسير الطبري ، ج ٤ / ٣٥.

(٣) العتمة : ظلمة الليل ، والمراد : صلاة العشاء.

(٤) أسباب النزول للسيوطي ٥٦.

(٥) زاد المسير ، ج ١ / ٤٤٢.

(٦) زاد المسير ، ج ١ / ٤٤٦.

٧٩

الآية : ١٢١ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ).

نزلت هذه الآية في غزوة أحد (١).

عن المسعد بن مخرمة قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف ـ أي خالي ـ : أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ فقال : اقرأ العشرين ومائة من آل عمران ، تجد : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) [سورة آل عمران ، الآية : ١٥٤] (٢).

الآية : ١٢٨ ـ قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

عن أنس بن مالك قال : كسرت رباعية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، ودمي وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم ، وهو يدعوهم إلى ربهم». قال : فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨) (٣).

وعن سالم ، عن أبيه قال : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلانا وفلانا ، فأنزل الله عزوجل : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨) (٤).

الآية : ١٣٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً).

أخرج الفريابي عن مجاهد ، قال : كانوا يبتاعون إلى الأجل ، فإذا حلّ الأجل زادوا عليهم ، وزادوا في الأجل ، فنزلت هذه الآية.

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٨٤.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ١٠٣.

(٣) رباعية : هي السن المجاورة للناب في مقدم الفم. خضبوا : صبغوا ولوثوا. تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٩٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٠٣.

(٤) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري : التفسير / آل عمران ، باب : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، رقم : ٤٢٨٣ ، ومسلم : في الجهاد والسير ، باب : غزوة أحد ، رقم : ١٧٩١ ، والنيسابوري ١٠٤ ، والسيوطي ٥٧ ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ، ج ١ / ٢٤٢.

٨٠