تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

أخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف ، عن ابن عباس : أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فشهدوا معه أحدا فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد ، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا : يا رسول الله ، إنا أهل ميسرة فأذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) الآيات [سورة القصص ، الآية : ٥٢]. فلما نزلت قالوا : يا معشر المسلمين ، أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : لما نزلت : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) [سورة القصص ، الآية : ٥٤]. فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : لنا أجران ولكم أجر ، فاشتد ذلك على الصحابة ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) الآية ، فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب (١).

الآية : ٢٩ ـ قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩).

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : بلغنا أنه لما نزلت : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) حسد أهل الكتاب المسلمين عليها ، فأنزل الله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) الآية.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : قالت اليهود : يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل ، فلما خرج من العرب كفروا ، فأنزل الله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) الآية ، يعني بالفضل النبوة (٢).

__________________

(١) السيوطي ٢٨٤ ، وانظر تفسير زاد المسير ، ج ٨ / ١٧٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٦٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣١٧.

(٢) النيسابوري ، ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٦٨.

٣٤١

٥٨ ـ سورة المجادلة

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (١).

أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقول : يا رسول الله ، أكل شبابي ، ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك. فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) وهو أوس بن الصامت (١).

عن الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : الحمد لله الذي توسع لسمع الأصوات كلها ، لقد جاءت المجادلة ، فكلمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا في جانب البيت ، لا أدري ما يقول ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) (٢).

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ).

عن محمد بن بكار قال : أخبرنا سعيد بن بشير ، أنه سأل قتادة عن الظهار ، قال : فحدثني أن أنس بن مالك قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة ، فشكت ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : ظاهر مني حين كبر سنّي ورقّ عظمي. فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأوس : «أعتق رقبة» ، فقال : ما لي بذلك يدان قال : «فصم شهرين متتابعين» ، قال : أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم كلّ

__________________

(١) الحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٤٨١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣١٨ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٨ / ٢ ـ ٣ ، والنسائي في التفسير برقم ٩٥٠ ، وابن ماجة في سننه برقم ١٨٨.

(٢) النيسابوري ٣٣٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

٣٤٢

بصري. قال : «فأطعم ستين مسكينا» ، قال : لا أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة.

قال : فأعانه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة عشر صاعا ، حتى جمع الله له ، والله رحيم ، وكانوا يرون أن عنده مثلها ، وذلك ستون مسكينا (١).

عن محمد بن إسحاق ، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : حدثتني خويلة بنت ثعلبة ، وكانت عند أوس بن الصامت ، أخي عبادة بن الصامت ، قالت : دخل علي ذات يوم وكلمني بشيء وهو فيه كالضجر ، فراددته فغضب ، فقال : أنت علي كظهر أمي. ثم خرج في نادي قومه ، ثم رجع إليّ فراودني عن نفسي ، فامتنعت منه ، فشادني فشاددته ، فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف ، فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده ، لا تصل إليّ حتى يحكم الله تعالى فيّ وفيك بحكمه. ثم أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشكو ما لقيت ، فقال : «زوجك وابن عمك ، اتقي الله وأحسني صحبته». فما برحت حتى نزل القرآن : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (١) حتى انتهى إلى الكفارة. قال : «مريه فليعتق رقبة» ، قلت : يا نبي الله ، والله ما عنده رقبة يعتقها. قال : «مريه فليصم شهرين متتابعين» ، قلت : يا نبي الله ، شيخ كبير ما به من صيام. قال : «فليطعم ستين مسكينا» ، قلت : يا نبي الله ، والله ما عنده ما يطعم. قال : «بلى ، سنعينه بعرق من تمر» مكتل يسع ثلاثين صاعا. قالت : قلت : وأنا أعينه بعرق آخر. قال : «قد أحسنت ، فليتصدق» (٢).

الآية : ٨ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) إلى قوله : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ).

قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا : ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في

__________________

(١) النيسابوري ٣٣٧ ، والدر المنثور للسيوطي ، ج ٦ / ١٨٠ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥.

(٢) النيسابوري ، ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، ومسند أحمد ، ج ٦ / ٤١٠ ، وأبو داود في سننه ٢٢١٤ ـ ٢٢١٥ ، والبيهقي في سننه ، ج ٧ / ٣٨٩.

٣٤٣

السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة ، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم ، فلما طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك ، وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) الآية. عن قتيبة بن سعيد قال : أخبرنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم. فقلت : السام عليكم ، وفعل الله بكم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مه يا عائشة ، فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش». فقلت : يا رسول الله ، ألست أدري ما يقولون؟ قال : «ألست ترين أردّ عليهم ما يقولون؟ أقول : وعليكم». ونزلت هذه الآية في ذلك : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) [والسامّ : الموت] (٢).

عن زهير بن محمد قال : أخبرنا يونس بن محمد قال : أخبرنا شيبان عن قتادة ، عن أنس : أن يهوديا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : السام عليك. فرد القوم ، فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل تدرون ما قال؟» ، قالوا : الله ورسوله أعلم يا نبي الله. قال : «لا ، ولكن قال كذا وكذا ، ردوه عليّ». فردوه عليه ، فقال : «قلت : السام عليكم» ، قال : نعم. فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك : «إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا : عليك» ، أي : عليك ما قلت ، ونزل قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) (٣).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ).

قال مقاتل : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصفة وفي المكان ضيق ، وذلك يوم الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس من أهل بدر

__________________

(١) النيسابوري ٣٣٨ ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ٨ / ١٨٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٣٩١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٢٣.

(٢) صحيح مسلم برقم ٢١٦٥ ـ ١١.

(٣) النيسابوري ٣٣٩ ، وسنن الترمذي برقم ٣٣٠١ ، وقال : حسن صحيح.

٣٤٤

وقد سبقوا إلى المجلس ، فقاموا حيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم ، وشق ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لمن حوله من غير أهل بدر : «قم يا فلان ، وأنت يا فلان». فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكراهية في وجوههم ، فقال المنافقون للمسلمين : ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ، فو الله ما عدل على هؤلاء ، قوم أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم ، أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ).

قال مقاتل بن حيان : نزلت الآية في الأغنياء ، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكثرون مناجاته ، ويغلبون الفقراء على المجالس ، حتى كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية ، وأمر بالصدقة عند المناجاة ، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا ، وأما أهل الميسرة فبخلوا ، واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت الرخصة.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) كان لي دينار فبعته ، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد ، فنسخت بالآية الأخرى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) [سورة المجادلة ، الآية : ١٣] (٢).

الآيتان : ١٤ ـ ١٨ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨).

قال السدي ومقاتل : نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق ، كان يجالس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) النيسابوري ٣٣٩ ، والسيوطي ٢٨٦ ، والدر المنثور ، ج ٦ / ١٨٤ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٢٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٢٩٦.

(٢) النيسابوري ٣٤٠ ، والسيوطي ٢٨٧ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٣٤٥

ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجرة من حجره إذ قال : «يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار ، وينظر بعيني شيطان». فدخل عبد الله بن نبتل ، وكان أزرق ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «علام تشتمني أنت وأصحابك» ، فحلف بالله ما فعل ذلك ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فعلت». فانطلق فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما سبّوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وعن زهير بن معاوية ، أخبرنا سماك بن حرب قال : حدثني سعيد بن جبير : أن ابن عباس حدّثه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين ، قد كاد الظل يقلص عنهم ، فقال لهم : «إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان ، وإذا أتاكم فلا تكلموه». فجاء رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلّمه ، فقال : «علام تشتمني أنت وفلان وفلان». نفر دعا بأسمائهم ، فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه ، فأنزل الله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨) (٢).

الآية : ٢٢ ـ قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ).

قال ابن جريج : حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصكّه أبو بكر صكّة شديدة سقط منها ، ثم ذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أوفعلته؟» ، قال : نعم. قال : «فلا تعد إليه» ، فقال أبو بكر : والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته. فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (٣).

وروي عن ابن مسعود أنه قال : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وفي أبي بكر ، دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، فقال : يا رسول الله ، دعني أكن في الرعلة الأولى. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «متعنا بنفسك يا أبا

__________________

(١) النيسابوري ٣٤٠ ، والسيوطي ٢٨٧ ، والدر المنثور للسيوطي ، ج ٦ / ١٧٦.

(٢) النيسابوري ٣٤١ ، والحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٤٨٢ ، وصححه وأقره الذهبي ، ومسند أحمد ، ج ١ / ٢٤٠ ، ومجمع الزوائد ، ج ٧ / ١٢٢ ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.

(٣) زاد المسير ، ج ٨ / ١٩٨.

٣٤٦

بكر ، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري؟». وفي مصعب بن عمير ، قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد ، وفي عمر ، قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وفي علي وحمزة ، قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر ، وذلك قوله : (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (١).

__________________

(١) النيسابوري ٣٤٢ ، والسيوطي ٢٨٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٧ / ٣٠٧. وتفسير ابن كثير ج ٤ / ٣٢٩.

٣٤٧

٥٩ ـ سورة الحشر

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ).

قال المفسرون : نزلت هذه الآية في بني النضير ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ، وقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك منهم ، فلما غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدرا وظهر على المشركين ، قالت بنو النضير : والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة ، لا ترد له راية. فلما غزا أحدا وهزم المسلمون نقضوا العهد ، وأظهروا العداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة (١).

عن عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود : إنكم أهل الحلقة والحصون ، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم وبين الخلاخل شيء. فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر ، وأرسلوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ، وليخرج معنا ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك ، ليسمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك كلنا. فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود ، حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا : كيف نتفق ونحن ستون رجلا؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك وتخرج إليك ثلاثة من علمائنا ، إن آمنوا بك آمنا بك كلنا وصدقناك. فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود ، واشتملوا على الخناجر ، وأرادوا الفتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسلت امرأة ناصحة من بني

__________________

(١) النيسابوري ٣٤٢ ، والسيوطي ٢٩٠ ، وانظر زاد المسير ، ج ٨ / ٢٠٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٢ ـ ٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٣٠ ـ ٣٣٢.

٣٤٨

النضير إلى أخيها ، وهو رجل مسلم من الأنصار ، فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسارّه بخبرهم ، فرجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء ، على أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة ، وهي السلاح ، وكانوا يخربون بيوتهم فيأخذون ما وافقهم من خشبها ، فأنزل الله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) حتى بلغ : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) [سورة الحشر ، الآيات : ١ ـ ٦] (١).

الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ).

وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل ببني النضير ، وتحصنوا في حصونهم ، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح ، أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل؟ وهي وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فسادا ، واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا ، فإنه مما أفاء الله علينا ، وقال بعضهم : بل اقطعوا. فأنزل الله تبارك وتعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) الآية ، تصديقا لمن نهى عن قطعه وتحليلا لمن قطعه ، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى (٢).

عن قتيبة : أخبرنا الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرق نخل النضير وقطع ، وهي البويرة (٣) ، فأنزل الله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (٥) (٤).

__________________

(١) النيسابوري ٣٤٣ ، والسيوطي ٢٩٠ ، وسنن أبي داود برقم ٣٠٠٤ بنحو هذا اللفظ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) النيسابوري ، ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، والسيوطي ، ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، وانظر سنن الترمذي برقم ٣٣٠٣ ، وقال : حديث حسن غريب.

(٣) البويرة : موضع معروف من بلد بني النضير.

(٤) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التفسير / الحشر ، باب : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) ، رقم : ٤٦٠٢ ، ومسلم : الجهاد والسير ، باب : جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها ، رقم : ١٧٤٦ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٦ ـ ٨ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٠٧.

٣٤٩

الآية : ٩ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) إلى قوله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).

روى جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم : أن الأنصار قالوا : يا رسول الله ، اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين الأرض نصفين. قال : «لا ، ولكنهم يكفونكم المئونة وتقاسمونهم الثمرة ، والأرض أرضكم» ، قالوا : رضينا. فأنزل الله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١).

قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). عن عبد الله بن داود ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دفع إلى رجل من الأنصار رجلا من أهل الصفة ، فذهب به الأنصاري إلى أهله ، فقال للمرأة : هل من شيء؟ قالت : لا ، إلا قوت الصبية. قال : فنوميهم ، فإذا ناموا فأتيني ، فإذا وضعت فاطفئي السراج. قال : ففعلت ، وجعل الأنصاري يقدم إلى ضيفه ما بين يديه ، ثم غدا به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «لقد عجب من فعالكما أهل السماء». ونزلت : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (٢).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١١).

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : أسلم ناس من أهل قريظة ، وكان فيهم منافقون ، وكانوا يقولون لأهل النضير : لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم. فنزلت هذه الآية فيهم (٣).

__________________

(١) انظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٢٠ ـ ٢٢.

(٢) النيسابوري ٣٤٦ ، ورواه الشيخان في صحيحيهما : البخاري : فضائل الصحابة ، باب : قول الله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) ، رقم : ٣٥٨٧ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٢٤ ـ ٢٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٣) السيوطي ٢٩٢ ، وانظر زاد المسير ، ج ٨ / ٢١٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٣٤.

٣٥٠

٦٠ ـ سورة الممتحنة

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ).

قال جماعة المفسرين : نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة ، وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة إلى المدينة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتجهز لفتح مكة ، فقال لها : «أمسلمة جئت» ، قالت : لا. قال : «فما جاء بك؟» ، قالت : أنتم الأهل والعشيرة والموالي ، وقد احتجت حاجة شديدة ، فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني. قال لها : «فأين أنت من شباب أهل مكة؟» ـ وكانت مغنية ـ قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر. فحث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها ، فأتاها حاطب ابن أبي بلتعة ، وكتب معها إلى أهل مكة ، وأعطاها عشرة دنانير ، على أن توصل إلى أهل مكة ، وكتب في الكتاب : من حاطب إلى أهل مكة ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدكم ، فخذوا حذركم. فخرجت سارة ، ونزل جبريل عليه‌السلام فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما فعل حاطب ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد ، وكانوا كلهم فرسانا ، وقال لهم : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن فيها ظغينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها وخلوا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها». فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان ، فقالوا لها : أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب ، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا ، فهمّوا بالرجوع ، فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذبنا. وسلّ سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لأجزرنك ولأضربن عنقك. فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها ، فد خبأته في شعرها ، فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حاطب فأتاه ، فقال له : «هل تعرف الكتاب؟» ، قال : نعم. قال : «فما حملك على ما صنعت؟» ، فقال : يا رسول الله ، والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا أحببتهم منذ

٣٥١

فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته ، وكنت غريبا فيهم ، وكان أهلي بين ظهرانيهم ، فخشيت على أهلي ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه ، وكتابي لا يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعذره ، فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ). فقام عمر بن الخطاب فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم ، قد غفرت لكم» (١).

وعن الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد : أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت عليا يقول : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزبير والمقداد ، قال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن فيها ظعينة معها كتاب». فقلنا لها : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة ، يخبر بعض أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «ما هذا يا حاطب؟» ، فقال : لا تعجل عليّ ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ، ولم أكن من نفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ، ولم يكن لي بمكة قرابة ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا ، والله ما فعلته شاكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه قد صدق». فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال : «إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم». ونزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٢).

الآية : ٧ ـ قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧).

__________________

(١) النيسابوري ، ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٢) أخرجه الشيخان في صحيحيهما : البخاري : التفسير / الممتحنة ، باب : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) ، رقم : ٤٦٠٨ ، ومسلم : فضائل الصحابة ، باب : من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم ، رقم : ٢٤٩٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٥٠ ـ ٥٢.

٣٥٢

نزلت هذه الآية حين عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين في الله ، وأظهروا لهم العداوة والبراءة ، وعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك ، فأنزل الله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً).

ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم ، وصاروا لهم أولياء وإخوانا ، وخالطوهم وناكحوهم ، وتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ، فلان لهم أبو سفيان ، وبلغه ذلك فقال : «ذاك الفحل لا يقرع أنفه» (١).

الآية : ٨ ـ قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٨).

وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أتتني أمي راغبة ، فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أأصلها؟ قال : «نعم». فأنزل الله فيها : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ).

وأخرج أحمد والبزار والحاكم وصححه (٢) عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر ، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية ، فقدمت على بنتها بهدايا ، فأبت أسماء أن تقبل منها أو تدخلها منزلها ، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرته فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها ، فأنزل الله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) (٣).

الآية : ١٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٠).

__________________

(١) النيسابوري ٣٤٩ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٥٨ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٤٩.

(٢) المستدرك ، ج ٢ / ٤٨٥ ، وصححه الحاكم وأقره الذهبي.

(٣) السيوطي ٢٩٤ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٣٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٥٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٤٩.

٣٥٣

وأخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) إلى قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).

وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أحمد قال : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلماه في أم كلثوم أن يردّها إليهم ، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ، ومنع أن يرددن إلى المشركين ، فأنزل الله آية الامتحان.

وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد ابن أبي حبيب أنه بلغه أنها نزلت في أميمة بنت بشر امرأة أبي حسان الدحداحة.

وأخرج عن مقاتل أن امرأة تسمى سعيدة كانت تحت صيفي بن الراهب وهو مشرك من أهل مكة جاءت زمن الهدنة فقالوا : ردها علينا ، فنزلت.

وأخرج ابن جرير عن الزهري أنها نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية ، وكان صالحهم أنه من أتاه رد إليهم ، فلما جاءه النساء نزلت هذه الآية.

وأخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أسلم عمر بن الخطاب فتأخرت امرأته في المشركين ، فأنزل الله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (١١).

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ، في قوله تعالى : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الآية ، قال : نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ، ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها (٢).

__________________

(١) السيوطي ٢٩٥ ، والنيسابوري ، ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٦١ ـ ٦٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥٢.

(٢) السيوطي ٢٩٥ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

٣٥٤

الآية : ١٣ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ).

نزلت في ناس من فقراء المسلمين ، كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين وتواصلوا بهم ، فيصيبون بذلك من ثمارهم ، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك (١).

__________________

(١) النيسابوري ٣٥٠ ، والسيوطي ٢٩٦ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٤٧ ، والدر المنثور ، ج ٦ / ٢١١.

٣٥٥

٦١ ـ سورة الصف

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).

عن محمد بن كثير الصنعاني ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تبارك وتعالى عملناه. فأنزل الله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) [سورة الصف ، الآية : ٤] إلى آخر السورة ، فقرأها علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٢).

قال المفسرون : كان المسلمون يقولون : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ، فدلهم الله على أحب الأعمال إليه فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) الآية ، فابتلوا يوما بذلك فولوا مدبرين ، فأنزل الله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٢) (٢).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٨ / ٢٤٩ ، وسنن الدارمي ، ج ٢ / ٢٠٠ ، ومسند أحمد ، ج ٥ / ٤٥٢ ، والمستدرك ، ج ٢ / ٤٨٦ ، والدر المنثور ، ج ٦ / ١١٢.

(٢) النيسابوري ٣٥١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٧٧ ـ ٧٨ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٥٧.

٣٥٦

٦٢ ـ سورة الجمعة

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها).

عن حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الرحمن قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير (١) قد قدمت ، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) (٢).

وعن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجمعة ، فمرت عير تحمل الطعام ، فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا ، فنزلت آية الجمعة (٣).

قال المفسرون : أصحاب أهل المدينة أصحاب الضرار (٤) جوع وغلاء سعر ، فقدم دحية بن خليفة الكلبي في تجارة من الشام ، وضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومه ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة ، فخرج إليه الناس ، فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا ، منهم أبو بكر وعمر ، فنزلت هذه الآية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفس محمد بيده ، لو تتابعتم حتى لم يبق أحد منكم لسال بكم الوادي نارا» (٥).

__________________

(١) عير : الإبل المحملة بالتجارة.

(٢) صحيح البخاري : التفسير / الجمعة ، باب : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) ، رقم : ٤٦١٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٩٧.

(٣) رواه الشيخان في صحيحيهما : البخاري : الجمعة ، باب : إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة .. ، رقم : ٨٩٤ ، ومسلم : الجمعة ، باب : قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا ..) ، رقم : ٨٦٣ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ١٠٩ ـ ١١١.

(٤) الضرار : الحاجة والشدة.

(٥) انظر زاد المسير ، ج ٨ / ٢٦٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٦٧.

٣٥٧

٦٣ ـ سورة المنافقون

نزلت هذه السورة في المنافقين الذين كانوا يتربصون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأصحابه الدوائر.

فهي تحكي عن عقائدهم الباطلة وعن أفعالهم المشينة.

قال ابن كثير : يقول الله تعالى مخبرا عن المنافقين أنهم إنما يتفوّهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك ، (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة ليصدّقوا فيما يقولون فاغترّ بهم من لا يعرف جليّة أمرهم ، فاعتقد أنهم مسلمون (١).

قال أهل التفسير وأصحاب السير : غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني المصطلق ، فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع ، فوردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير من بني غفار ـ يقال له : جهجاه بن سعيد ـ يقود فرسه ، فازدحم جهجاه وسنان الجهني ـ حليف بني العوف من الخزرج ـ على الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ، وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ، فلما أن جاء عبد الله بن أبيّ قال ابنه : وراءك ، قال : ما لك ويلك ، قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولتعلم اليوم من الأعز من الأذل. فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ارتحل عنه حتى يدخل». فقال : أما إذ جاء أمر النبي عليه‌السلام فنعم. فدخل ، فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له : يا أبا حباب ، إنه قد نزلت فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليستغفر لك. فلوى رأسه ، فذلك قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [سورة المنافقون ، الآية : ٥] (٢).

__________________

(١) النيسابوري ، ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٦٨.

(٢) النيسابوري ، ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٨ / ١٢١.

٣٥٨

الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٥).

أخرج ابن جرير عن قتادة قال : قيل لعبد الله بن أبيّ : لو أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستغفر لك ، فجعل يلوي رأسه ، فنزلت فيه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) الآية.

وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله (١).

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦).

وأخرج عن عروة قال : لما نزلت : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٨٠] قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأزيدن على السبعين» ، فأنزل الله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية. وأخرج عن مجاهد وقتادة مثله.

وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس قال : لما نزلت آية براءة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأنا أسمع أني قد رخص لي فيهم ، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم» ، فنزلت (٢).

الآيتان : ٧ ـ ٨ ـ قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨).

أخرج البخاري عن زيد بن أرقم قال : سمعت عبد الله بن أبيّ يقول لأصحابه :

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٢٨ / ٧١.

(٢) السيوطي ، ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٨ / ٧٢.

٣٥٩

لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي ، فذكر عمي ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحدثته ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ، فكذبني وصدقه ، فأصابني شيء لم يصبني قط مثله ، فجلست في البيت ، فقال عمي : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومقتك ، فأنزل الله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) فبعث إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأها ثم قال : «إن الله قد صدقك». له طرق كثيرة عن زيد وفي بعضها أن ذلك في غزوة تبوك وأن نزول السورة ليلا (١).

__________________

(١) السيوطي ٣٠١ ، وصحيح البخاري برقم ٤٩٠٠ ، وفتح الباري ، ج ٨ / ٦٤٤.

٣٦٠