تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٦).

أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد ، ارجع عما تقول ، وعليك بدين آبائك وأجدادك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية (١).

__________________

(١) أسباب النزول للسيوطي ٢٤٨ ، وجويبر ضعيف جدا.

٣٠١

٤١ ـ سورة فصّلت «السجدة»

الآية : ٢٢ ـ قوله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ).

عن روح بن القاسم ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود ، في هذه الآية : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ) الآية ، قال : كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش ، أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف ، في بيت ، فقال بعضهم : أترون الله يسمع نجوانا أو حديثنا؟ فقال بعضهم : قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه ، قالوا : لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله ، فنزلت هذه الآية : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ) الآية (١).

عن عبد الله قال : كنت مستترا بأستار الكعبة ، فجاء ثلاثة أنفار : كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، قرشي وختناه ثقفيان ، أو ثقفي وختناه قرشيان ، فتكلموا بكلام لم أفهمه ، فقال بعضهم : أترون الله سمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر : إذا رفعنا أصواتنا سمع وإذا لم نرفع لم يسمع. وقال الآخر : إن سمع منه شيئا سمعه كله. قال : فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل عليه : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) إلى قوله تعالى : (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) [سورة فصلت ، الآية : ٢٣] (٢).

الآية : ٣٠ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا).

__________________

(١) النيسابوري ٣٠٩ ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التفسير / فصلت ، باب : قوله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ..) ، رقم : ٤٥٣٩ ، ومسلم : أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، رقم : ٢٧٧٥ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٢٥٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٥ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) النيسابوري ٣٠٩ ، والسيوطي ٢٤٩ ، وسنن الترمذي برقم ٣٢٤٩ ، وقال : حسن صحيح.

٣٠٢

قال عطاء ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه ، وذلك أن المشركين قالوا : ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فلم يستقيموا. وقالت اليهود : ربما الله وعزير ابنه ومحمد ـ عليه‌السلام ـ ليس بنبي ، فلم يستقيموا. وقال أبو بكر رضي الله عنه : ربنا الله وحده لا شريك له ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبده ورسوله ، واستقام (١).

الآية : ٤٠ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ).

أخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال : نزلت هذه الآية في أبي جهل ، وعمار بن ياسر (٢).

الآية : ٤٤ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ).

أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : قالت قريش : لو لا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا ، فأنزل الله تعالى : (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) الآية.

وأنزل الله بعد هذه الآية فيه بكل لسان. قال ابن جرير : والقراءة على هذا «أعجمي» بلا استفهام (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٣١٠ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٢٥٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٥ / ٣٥٧.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٥ / ٣٦٦.

(٣) السيوطي ، ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٤ / ٨٠.

٣٠٣

٤٢ ـ سورة الشورى

الآية : ١٦ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (١٦).

أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : لما نزلت : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) [سورة النصر ، الآية : ١] قال المشركون بمكة لمن بين أظهرهم من المؤمنين : قد دخل الناس في دين الله أفواجا فأخرجوا من بين أظهرنا ، فعلام تقيمون بين أظهرنا ، فنزلت : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) الآية.

وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ) الآية ، قال : هم اليهود والنصارى قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم (١).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢٣).

أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قالت الأنصار : لو جمعنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا ، فأنزل الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقال بعضهم : إنما قال هذا ليقاتل عن أهل بيته وينصرهم ، فأنزل الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [سورة الشورى ، الآية : ٢٤] إلى قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [سورة الشورى ، الآية : ٢٥] فعرض لهم التوبة ، إلى قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة الشورى ، الآية : ٢٦] (٢).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١١٠ ، وانظر تفسير الطبري ، ج ٢٥ / ١٥.

(٢) السيوطي ، ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢١ ـ ٢٢.

٣٠٤

قال ابن عباس : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق ، وليس في يده لذلك سعة ، فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به ، وهو ابن أختكم ، وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة ، فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم ، فأتوه به ليعينه على ما ينوبه. ففعلوا ، ثم أتوا به ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك ابن أختنا ، وقد هدانا الله تعالى على يديك ، وتنوبك نوائب وحقوق ، وليست لك عندنا سعة ، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به ، فتستعين على ما ينوبك ، وهو هذا. فنزلت هذه الآية (١).

وقال قتادة : اجتمع المشركون في مجمع لهم ، فقال بعضهم لبعض : أترون محمدا ـ عليه‌السلام ـ يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٢٧).

وأخرج الحاكم وصححه عن علي قال : نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا ، فتمنوا الدنيا.

وأخرج الطبراني عن عمرو بن حريث مثله (٣).

وقيل : نزلت في قوم من أهل الصّفّة تمنوا سعة الدنيا والغنى. قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، وذلك أنّا نظرنا إلى أموال قريظة والنضير فتمنيناها ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (٤).

عن الحسين بن الحسن بن حرب قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حيوة قال : أخبرني أبو هانئ الخولاني : أنه سمع عمرو بن حريث يقول : إنما نزلت هذه

__________________

(١) تفسير زاد المسير ، ج ٧ / ٢٨٣.

(٢) النيسابوري ٣١٠.

(٣) السيوطي ٢٥٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٥ / ١٩.

(٤) زاد المسير ، ج ٧ / ٢٨٧.

٣٠٥

الآية في أصحاب الصفة : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا الدنيا ، فتمنوا الدنيا (١).

الآية : ٥١ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً).

وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا ، كما كلم الله موسى ونظر إليه ، فإنّا لن نؤمن بك حتى تفعل ذلك. فقال : «لم ينظر موسى إلى الله» ، وأنزلت هذه الآية (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ، ج ٧ / ١٠٤ ، وعزاه الهيثمي للطبراني وقال : رجاله رجال الصحيح.

(٢) النيسابوري ٣١١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٥٣.

٣٠٦

٤٣ ـ سورة الزخرف

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (١٩).

أخرج ابن المنذر عن قتادة قال : قال ناس من المنافقين : إن الله صاهر الجن فخرجت من بينهم الملائكة فنزل فيهم : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (١).

الآية : ٣١ ـ قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٣١).

وتقدم في سورة يونس سبب قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ) الآيتين (٢).

الآية : ٣٦ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٣٦).

وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : قال الوليد بن المغيرة : لو كان ما يقول محمد حقا أنزل عليّ هذا القرآن أو على ابن مسعود الثقفي فنزلت.

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت : قيّضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه ، فقيّضوا لأبي بكر طلحة ، فأتاه وهو في القوم ، فقال أبو بكر : إلام تدعوني؟ قال : أدعوك إلى عبادة اللات والعزى ، قال : بنات الله ، قال : فمن أمهم؟ فسكت طلحة فلم يجبه ، فقال طلحة لأصحابه : أجيبوا الرجل ،

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٢٥.

(٢) السيوطي ٢٥٣ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٢٧.

٣٠٧

فسكت القوم ، فقال طلحة : قم يا أبا بكر!! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله!! فأنزل الله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) الآية (١).

الآية : ٥٧ ـ قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً).

عن شيبان بن عبد الرحمن ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن ابن رزين ، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء ، عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لقريش : «يا معشر قريش ، لا خير في أحد يعبد من دون الله». قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا؟ فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم. فأنزل الله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) (٢).

الآية : ٨٠ ـ قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠).

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي ، قال : بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي ، فقال واحد منهم : ترون الله يسمع كلامنا؟ فقال آخر : إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع ، فأنزل الله هذه الآية (٣).

__________________

(١) السيوطي ، ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) النيسابوري ٣١١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٣) السيوطي ٢٥٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١١٩ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٦٠.

٣٠٨

٤٤ ـ سورة الدخان

الآية : ١٠ ـ قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠).

أخرج البخاري عن ابن مسعود قال : إن قريشا لمّا استعصوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠) فأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل له : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ، فاستسقى ، فنزلت (١).

الآية : ١٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) (١٥).

فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١٦) [سورة الدخان ، الآية : ١٦] يعني يوم بدر (٢).

الآية : ٤٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) (٤٣).

أخرج سعيد بن منصور عن أبي مالك قال : إن أبا جهل كان يأتي بالتمر والزبد ، فيقول : تزقّموا فهذا الزقّوم الذي يعدكم به محمد ، فنزلت : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ) (٤٤) (٣).

الآية : ٤٩ ـ قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩).

__________________

(١) السيوطي ، ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٦٦ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٤٠.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٦٦ ـ ٦٧.

(٣) انظر تفسير الطبري ، ج ٢٣ / ٤٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٥ / ٨٥ ، والآية ٤٣ من سورة الصافات ـ فيما تقدم ـ.

٣٠٩

وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال : لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا جهل فقال : «إن الله يأمرني أن أقول لك : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥)» [سورة القيامة ، الآيتان : ٣٤ ـ ٣٥] قال : فنزع ثوبه من يده فقال : ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء ، لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم ، فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته ونزل فيه : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩).

وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه (١).

قال قتادة : نزلت في عدو الله أبي جهل ، وذلك أنه قال : أيوعدني محمد؟ والله لأنا أعز من بين جبليها. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

عن عكرمة قال : لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا جهل ، فقال أبو جهل : لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء ، وأنا العزيز الكريم. قال : فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته. ونزل فيه : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩) (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٣١٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٨٠.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٥١.

(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٤٦.

٣١٠

٤٥ ـ سورة الجاثية

الآية : ١٤ ـ قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ).

قال ابن عباس في رواية عطاء : يريد عمر بن الخطاب خاصة ، وأراد بالذين لا يرجون أيام الله عبد الله بن أبيّ ، وذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع ، فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه ، فما أتاه قال : ما حبسك؟ قال : غلام عمر ، قعد على قف البئر ، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي وقرب أبي بكر وملأ لمولاه. فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك ، فبلغ قوله عمر رضي الله عنه ، فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص : احتاج رب محمد. فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه ، فجاء جبريل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) واعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبه فلما جاء قال : «يا عمر ، ضع سيفك». قال : صدقت يا رسول الله ، أشهد أنك أرسلت بالحق. قال : «فإن ربك يقول : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)». قال : لا جرم والذي بعثك بالحق ، ولا يرى الغضب في وجهي (٢).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى

__________________

(١) النيسابوري ، ٣١٢ ـ ٣١٣ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٥٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٦١.

(٢) النيسابوري ٣١٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٦١.

٣١١

سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٣).

أخرج ابن المنذر وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر ، فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) الآية (١).

الآية : ٢٤ ـ قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢٤).

وأخرج عن أبي هريرة قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، فأنزل الله : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (٢).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٩١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٦٧.

(٢) السيوطي ٢٥٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٥ / ٩١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٥١.

٣١٢

٤٦ ـ سورة الأحقاف

الآية : ٩ ـ قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ).

قال الثعلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ، ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين ، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) يعني : لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أو لا. ثم قال : «إنما هو شيء رأيته في منامي ، ما أتبع إلا ما يوحى إليّ» (١).

الآية : ١٠ ـ قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠).

أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال : انطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا معشر اليهود ، أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه» ، فسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال : كما أنت يا محمد ، فأقبل فقال : أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود؟ قالوا : والله ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد أنه النبي الذي تجدون في التوراة ، قالوا : كذبت ، ثم ردوا عليه وقالوا فيه شرا ، فأنزل الله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) الآية (٢).

__________________

(١) النيسابوري ٣١٤ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٧٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٨٥.

(٢) معجم الطبراني الكبير ، ج ١٨ / ٤٦ ، برقم ٨٣ ، ورجاله رجال الصحيح ، ومجمع الزوائد ، ـ

٣١٣

وأخرج الشيخان عن سعد ابن أبي وقاص قال : في عبد الله بن سلام نزلت : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ).

وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن سلام قال : فيّ نزلت (١).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (١١).

وأخرج الطبراني عن قتادة : قال ناس من المشركين : نحن أعز ونحن ونحن ؛ فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فنزل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا).

وأخرج ابن المنذر عن عون ابن أبي شداد قال : كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنين ، فكان عمر يضربها على إسلامها حتى يفتر ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنين ، فأنزل الله في شأنها : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً) الآية.

وأخرج ابن سعد نحوه عن الضحاك والحسن (٢).

الآية : ١٥ ـ قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).

قال ابن عباس في رواية عطاء : أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وذلك أنه صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة ، وهم يريدون الشام في التجارة ، فنزلوا منزلا فيه سدرة ، فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين ، فقال له : من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال : هذا والله نبي ، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم إلا محمد نبي الله. فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق ، وكان لا يفارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أسفاره وحضوره ، فلما نبىء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم ، وصدق رسول

__________________

ـ ج ٧ / ١٠٦ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٦ / ١١ ـ ١٢ ، ومسند أحمد ، ج ٦ / ٢٥.

(١) السيوطي ٢٥٨ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٧٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٥٦.

(٢) السيوطي ٢٥٩ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٧٥ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

٣١٤

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) (١).

الآية : ١٧ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧).

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : نزلت هذه الآية : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) في عبد الرحمن بن أبي بكر قال لأبويه وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالإسلام فيرد عليهما ويكذبهما ويقول : فأين فلان ، وأين فلان ، يعني مشايخ قريش ممن قد مات ، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ، فنزلت توبته في هذه الآية : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [سورة الأحقاف ، الآية : ١٩]. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس مثله.

ولكن أخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهان قال : قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر : إن هذا الذي أنزل الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.

وأخرج عبد الرزاق من طريق مكي ، أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وقالت : إنما نزلت في فلان وسمّت رجلا. قال الحافظ ابن حجر : ونفي عائشة أصح إسنادا وأولى بالقبول (٢).

الآية : ٢٩ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (٢٩).

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن الجن هبطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا : أنصتوا ، وكانوا تسعة أحدهم زوبعة ، فأنزل الله : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) إلى قوله : (ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢) [سورة الأحقاف ، الآية : ٣٢] (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٣١٤ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٧٧ ، والدر المنثور ، ج ٦ / ٤١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٩٤.

(٢) زاد المسير ، ج ٧ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ١٩٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٥٩.

(٣) السيوطي ، ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢١٠ ـ ٢١٣.

٣١٥

٤٧ ـ سورة محمد

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (١).

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (١) قال : هم أهل مكة نزلت فيهم ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة البقرة ، الآية : ٨٢] قال : هم الأنصار (١).

الآية : ٤ ـ قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٤).

وأخرج عن قتادة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الشعب وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون يومئذ : أعل هبل ، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل ، فقال المشركون : إن لنا العزّى ، ولا عزّى لكم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم» (٢)!.

الآية : ١٣ ـ قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) (١٣).

أخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلقاء الغار نظر إلى مكة فقال : «أنت أحب بلاد الله إليّ ، ولو لا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك» ، فأنزل الله هذه الآية (٣).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٢٣.

(٢) السيوطي ٢٦١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٢٥ ـ ٢٢٨.

(٣) مسند أبي يعلى ، ج ٥ / ٦٩ ـ ٧٠ ، برقم ٢٦٦٢ ، ورجاله رجال الصحيح خلا محمود بن ـ

٣١٦

الآية : ١٦ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٦).

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج ، قال : كان المؤمنون والمنافقون يجتمعون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيستمع المؤمنون منهم ما يقول ويعونه ، ويسمعه المنافقون فلا يعونه فإذا خرجوا سألوا المؤمنين : ما ذا قال آنفا؟ فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الآية (١).

الآية : ٣٣ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣٣).

أخرج ابن أبي حاتم ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرون أنه لا يضرّ مع «لا إله إلا الله» ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣٣) فخافوا أن يبطل الذنب العمل (٢).

__________________

ـ خداش وهو ثقة ، وأخرجه أحمد ، ج ١ / ٢٤٢ ، والترمذي برقم ٣٩٠٤.

(١) السيوطي ٢٦٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٣٨.

(٢) السيوطي ، ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٨١.

٣١٧

٤٨ ـ سورة الفتح

عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية ، من أولها إلى آخرها (١).

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١).

أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية ، من أولها إلى آخرها (٢).

وعن المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن أنس قال : لما رجعنا من غزوة الحديبية ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله عزوجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا وما فيها كلها» (٣).

وقال عطاء ، عن ابن عباس : إن اليهود شمتوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين لما نزل قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٩]. وقالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به؟ فاشتد ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٤).

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢).

__________________

(١) النيسابوري ٣١٥.

(٢) السيوطي ٢٦٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٨٢.

(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٨٢.

(٤) النيسابوري ٣١٥ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٤١٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

٣١٨

وأخرج الشيخان والترمذي والحاكم (١) عن أنس قال : أنزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) مرجعه من الحديبية فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد نزلت عليّ آية أحب إليّ مما على الأرض» ثم قرأها عليهم فقالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، قد بين الله لك ما ذا يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فنزلت : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) حتى بلغ : (فَوْزاً عَظِيماً) (٥) (٢).

الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ).

عن همام ، عن قتادة ، عن أنس قال : لما نزلت : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هنيئا لك يا رسول الله ما أعطاك الله ، فما لنا؟ فأنزل الله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الآية (٣).

وعن يزيد بن زريع قال : أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : أنزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) رجوعه من الحديبية ، نزلت وأصحابه مخالطون الحزن ، وقد حيل بينهم وبين نسكهم ، ونحروا الهدي بالحديبية ، فلما أنزلت هذه الآية قال لأصحابه : «لقد أنزلت عليّ آية خير من الدنيا جميعها». فلما تلاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رجل من القوم : هنيئا مريئا يا رسول الله ، قد بين الله ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) الآية (٤).

الآية : ١٨ ـ قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١٨).

وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع قال : بينما نحن قائلون إذ نادى منادي

__________________

(١) السيوطي ، ٣١٥ ـ ٣١٦.

(٢) صحيح مسلم برقم ١٧٨٦.

(٣) صحيح مسلم برقم ١٧٨٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٢٦٤.

(٤) النيسابوري ٣١٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٤ / ١٨٤.

٣١٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيها الناس ، البيعة البيعة نزل روح القدس ، فسرنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه ، فأنزل الله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية (١).

الآية : ٢٤ ـ قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٢٤).

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية ، هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ثمانون رجلا في السلاح من جبل التنعيم ، يريدون غرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذوا فأعتقهم فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية.

وأخرج مسلم نحوه من حديث سلمة بن الأكوع ، وأحمد والنسائي نحوه من حديث عبد الله بن مغفل المزني ، وابن إسحاق نحوه من حديث ابن عباس (٢).

عن أنس : أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبل التنعيم متسلحين ، يريدون غرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فأخذهم أسراء فاستحياهم (٣) ، فأنزل الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) (٤).

وقال عبد الله بن مغفل الهوني : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية في أصل الشجرة (٥) التي قال الله في القرآن (٦) ، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ الله تعالى بأبصارهم ،

__________________

(١) السيوطي ٢٦٥ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٦ / ٨٦ ، وزاد المسير ، ج ٧ / ٤٣٤.

(٢) السيوطي ٢٦٥ ، وصحيح مسلم برقم ١٧٨٦.

(٣) يريدون غرة : يقصدون أن يغتنموا غفلتهم وانشغالهم في شأنهم ليغيروا عليهم وينالوا منهم. فاستحياهم : أبقاهم أحياء ولم يقتلهم.

(٤) صحيح مسلم برقم ١٨٠٨ ، وأبو داود برقم ٢٦٨٨ ، والترمذي برقم ٣٢٦٤.

(٥) أصل الشجرة أي : تحت ظلها وقريبا من جذعها.

(٦) أي التي ذكرها الله تعالى في القرآن بقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [سورة : الفتح ، الآية : ١٨].

٣٢٠