تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

٣٠ ـ سورة الروم

الآيتان : ١ ـ ٢ ـ قوله تعالى : (الم) (١) (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢).

أخرج الترمذي عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت : (الم) (١) (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) إلى قوله : (بِنَصْرِ اللهِ) [سورة الروم ، الآية : ٥] يعني : بفتح الغين (١). وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة قبل أن يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقولون : الروم يشهدون أنهم أهل كتاب وقد غلبتهم المجوس وأنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل على نبيكم ، فكيف غلب المجوس الروم وهم أهل كتاب؟ فسنغلبكم كما غلب فارس الروم ، فأنزل الله : (الم) (١) (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢).

وأخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة ويحيى بن يعمر وقتادة ، فالرواية الأولى على قراءة غلبت بالفتح ، لأنها نزلت يوم غلبهم يوم بدر ، والثانية على قراءة الضم ، فيكون معناه : وهم من بعد غلبهم فارس سيغلبهم المسلمون ، حتى يصح معنى الكلام ، وإلا لم يكن له كبير معنى (٢).

قال المفسرون : بعث كسرى جيشا إلى الروم ، واستعمل عليهم رجلا يسمى شهريران ، فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم ، فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم ، وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس ، فالتقى مع شهريران بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب ، فغلب فارس الروم ، وبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم ، وفرح كفار مكة وشمتوا ، فلقوا أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنكم

__________________

(١) سنن الترمذي برقم ٢٩٣٥.

(٢) السيوطي ٢١٦ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ١١ ـ ١٣.

٢٦١

أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم. فأنزل الله تعالى : (الم) (١) (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) إلى آخر الآيات (١).

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧).

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : تعجب الكفار من إحياء الله الموتى ، فنزلت : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٢).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨).

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : كان يلبي أهل الشرك : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، فأنزل الله : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) الآية.

وأخرج جويبر مثله عن داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٢٨٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٢٢ ـ ٤٢٥ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١ ـ ٤.

(٢) انظر تفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢٠ ـ ٢٢.

(٣) السيوطي ٢١٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢٣.

٢٦٢

٣١ ـ سورة لقمان

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ).

قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس ، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا ـ عليه‌السلام ـ يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة. فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فنزلت فيه هذه الآية (١).

وعن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام». وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إلى آخر الآية ، «وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين : أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب ، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت» (٢).

وقال ثور بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا (٣).

الآية : ١٥ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) إلى قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ).

قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) الآية. نزلت في سعد ابن أبي وقاص ، على ما ذكرناه في سورة العنكبوت الآية ٨.

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٦ / ٣١٥.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٢١ / ٣٩ ـ ٤١.

(٣) انظر تفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٥١ ـ ٥٣.

٢٦٣

قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) الآية. نزلت في أبي بكر رضي الله عنه (١).

قال عطاء ، عن ابن عباس : يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير ، فقالوا لأبي بكر رضي الله عنه : آمنت وصدقت محمدا ـ عليه‌السلام ـ؟ فقال أبو بكر : نعم ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فآمنوا وصدقوا ، فأنزل الله تعالى يقول لسعد : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يعني أبا بكر رضي الله عنه (٢).

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ).

قال المفسرون : سألت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٥]. فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، بلغنا عنك أنك تقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) أفتعنينا أم قومك؟ فقال : «كلّا قد عنيت». قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة ، وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي في علم الله سبحانه قليل ، ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به». فقالوا : يا محمد ، كيف تزعم هذا وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦٩] ، وكيف يجتمع هذا : علم قليل وخير كثير؟ فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية (٣).

الآية : ٣٤ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ).

نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية ، أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن الساعة ووقتها ، وقال : إن أرضنا أجدبت ، فمتى ينزل الغيث؟

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٦٦.

(٢) انظر زاد المسير ، ج ٦ / ٣٢٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٤٥.

(٣) انظر تفسير الطبري ، ج ٢١ / ٥٠ ـ ٥١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٧٦ ـ ٧٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٥١.

٢٦٤

وتركت امرأتي حبلى ، فما ذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مفاتيح الغيب خمسة ، لا يعلمهم إلا الله تعالى : لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله (٢) ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله» (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٢٨٩ ، والسيوطي ٢١٩ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ٥٥ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ١٦٩.

(٢) مفاتيح : خزائن الله تعالى. تغيض : تنقص.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : الاستسقاء ، باب : لا يدري متى يجيء المطر إلا الله ، رقم : ٩٩٢ ، والنيسابوري ٢٩٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

٢٦٥

٣٢ ـ سورة السجدة

الآية : ١٦ ـ قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ).

قال مالك بن دينار : سألت أنس بن مالك عن هذه الآية : فيمن نزلت؟ فقال :

كان أناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلون من المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (١).

عن إسماعيل بن عيسى قال : أخبرنا المسيب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : فينا نزلت معاشر الأنصار : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) ، كنا نصلي المغرب ، فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وقال الحسن ومجاهد : نزلت في المتهجدين الذين يقومون الليل إلى الصلاة.

ويدل على صحة هذا ما رواه الأعمش ، عن الحكم ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ بن جبل قال : بينما نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وقد أصابنا الحر فتفرق القوم ، فنظرت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقربهم مني ، فقلت : يا رسول الله ، أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال : «لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان. وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير». فقال : قلت : أجل يا رسول الله. قال : «الصوم جنّة ، والصدقة تكفّر الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى». قال : ثم قرأ هذه الآية : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) (٣).

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ، ج ٥ / ١٧٥ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٢) النيسابوري ٢٩١ ، والسيوطي ٢٢٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٥٩.

(٣) النيسابوري ٢٩٢ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٤١٢ ـ ٤١٣ ، وصححه وأقره الذهبي.

٢٦٦

الآية : ١٨ ـ قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً).

نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة.

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه : أنا أحدّ منك سنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فنزل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١٨).

قال : يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن عقبة (١).

__________________

(١) النيسابوري ٢٩٢ ، والسيوطي ٢٢١ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ١٧٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١٠٥.

٢٦٧

٣٣ ـ سورة الأحزاب

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١).

أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم ، وخوّفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) (١).

قال النيسابوري : نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي ، قدموا المدينة بعد قتال أحد ، فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ، وقد أعطاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات ، وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها ، وندعك وربك. فشق على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولهم ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم. فقال : «إني قد أعطيتهم الأمان». فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرجهم من المدينة ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية (٢).

الآية : ٤ ـ قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٤).

__________________

(١) أسباب النزول للسيوطي ، ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وفي سنده جويبر متروك.

(٢) أسباب النزول للنيسابوري ٢٩٢ ، وقال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ١٣٢ : ذكره بغير سند.

٢٦٨

قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ) الآية. أخرج الترمذي وحسّنه ، عن ابن عباس قال : قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما يصلي فخطر خطرة ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترى أن له قلبين ، قلبا معكم ، وقلبا معه ، فأنزل الله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١).

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة قالوا : كان رجل يدعى ذا القلبين ، فنزلت.

وأخرج ابن جرير من طريق قتادة عن الحسن مثله ، وزاد وكان يقول : لي نفس تأمرني ونفس تنهاني. وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : نزلت في رجل من بني فهم قال : إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في رجل من قريش من بني جمح يقال له : جميل بن معمر (٢).

قال النيسابوري : نزلت في جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع ، فقالت قريش : ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان. وكان يقول : إنّ لي قلبين ، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ـ عليه‌السلام ـ فلما كان يوم بدر وهزم المشركون ، وفيهم يومئذ جميل بن معمر ، تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمر ، ما حال الناس؟ قال : انهزموا. قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي. وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده (٣).

قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) الآية. نزلت في زيد بن حارثة ، كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقه وتبناه قبل الوحي ، فلما تزوج النبي عليه‌السلام زينب بنت جحش ، وكانت تحت زيد بن حارثة ، قالت اليهود والمنافقون : تزوج محمد ـ عليه

__________________

(١) سنن الترمذي برقم ٣١٩٩.

(٢) السيوطي ، ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ٧٥ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١١٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٦٦.

٢٦٩

السلام ـ امرأة ابنه ، وهو ينهى الناس عنها. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

عن قتيبة بن سعيد قال : أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن عبد الله ، يزعم أنه كان يقول : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد ، حتى نزلت في القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥] (٢).

الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥).

قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الآية. أخرج البخاري عن ابن عمر قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) (٣).

الآية : ٩ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٩).

أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة قال : لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودا وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وقريظة أسفل منّا نخافهم على ذرارينا ؛ وما أتت قط علينا ليلة أشد ظلمة ولا أشد ريحا منها فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون : إن بيوتنا عورة وما هي بعورة فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيتسللون إذا استقبلنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا رجلا حتى أتى عليّ ، فقال : ائتني بخبر القوم

__________________

(١) النيسابوري ، ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، والسيوطي ٢٢٣ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ١٨١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١١٨.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / الأحزاب ، باب : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ، رقم : ٤٥٠٤ ، والنيسابوري ٢٩٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٦٦.

(٣) صحيح البخاري برقم ٤٥٠٤ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ١٨١ ، وسنن الترمذي برقم ٣٢٠٩ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.

٢٧٠

فجئت فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها وهم يقولون : الرحيل الرحيل ، فجئت فأخبرته خبر القوم ، وأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا) (نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) الآية (١).

الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢).

أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق عام الأحزاب ، فأخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعول فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة ، فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضرب الثانية فصدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، فسئل عن ذلك ، فقال : «ضربت الأولى فأضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت الثانية فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت الثالثة فأضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها» ، فقال المنافقون : ألا تعجبون يحدّثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ، فنزل القرآن : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢) (٢).

وأخرج جويبر عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في متعب بن قشير الأنصاري وهو صاحب هذه المقالة.

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي أيضا عن عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما قال : قال متعب بن قشير : كان محمد يرى أن يأكل من كنوز كسرى وقيصر

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٦ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧٠.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ، ج ٣ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٢٧١

وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط. وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه : إن بيوتنا عورة ، وهي خارجة من المدينة ائذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا ، فأنزل الله على رسوله حين فزع عنهم ما كانوا فيه من البلاء يذكرهم نعمته عليهم وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم ومقالة من قال من أهل النفاق : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٩] (١).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣).

قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) الآية. أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه فقال : أول مشهد قد شهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غبت عنه ، لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليرينّ الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية ، ونزلت هذه الآية : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) إلى آخرها (٢).

عن بهز بن أسد قال : أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر ـ وبه سميت أنسا ـ عن قتال بدر ، فشق عليه لما قدم وقال : غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالا ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ، فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون ، وأعتذر إليك فيما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ ثم مشى بسيفه ، فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي : سعد ، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد ، فقاتلهم حتى قتل. قال أنس : فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة ، من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم ، وقد مثلوا به ، وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ). قال : وكنا نقول : أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه (٣).

__________________

(١) السيوطي ، ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ٨٣.

(٢) السيوطي ٢٢٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧٥.

(٣) النيسابوري ٢٩٤ ، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم ١٩٠٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧٥.

٢٧٢

عن محمد بن عبد الله الأنصاري قال : حدثني أبي ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك قال : نزلت هذه الآية في أنس بن النضر : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (١).

قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) الآية. نزلت في طلحة بن عبيد الله ، ثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أوجب لطلحة الجنة» (٢).

عن الضحاك ، عن النزال بن سبرة ، عن علي قال : قالوا : أخبرنا عن طلحة؟ قال : ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل (٣).

عن وكيع ، عن طلحة بن يحيى ، عن عيسى بن طلحة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر عليه طلحة فقال : «هذا ممن قضى نحبه» (٤).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٢٨).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية. أخرج مسلم وأحمد والنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال : أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر فاستأذن له ، فلم يؤذن له ، ثم أذن لهما فدخلا والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعله يضحك ، فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها ، فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدا ناجذاه ، وقال : «هن حولي يسألنني النفقة» ، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة ، كلاهما يقول : تسألان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ليس عنده. وأنزل الله

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / الأحزاب ، باب : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ..) ، رقم : ٤٥٠٥ و ٤٧٨٣.

(٢) الطبقات لابن سعد ، ١ ، ٢ / ١٨٥.

(٣) زاد المسير ، ج ٦ / ٣٧٠.

(٤) النيسابوري ، ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ٩٣.

٢٧٣

الخيار ، فبدأ بعائشة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تتعجلي فيه حتى تستأمري أبويك» ، قالت : ما هو؟ فتلا عليها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية ، قالت عائشة : أفيك استأمر أبوي ، بل أختار الله ورسوله (١).

الآية : ٣٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ).

عن أبي سعيد : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). قال : نزلت في خمسة : في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢).

وعن عطاء بن أبي رباح قال : حدثني من سمع أم سليم تذكر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه ، فقال لها : «ادعي لي زوجك وابنيك». قالت : فجاء علي وحسن وحسين ، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ، وهو على منامة له ، وكان تحته كساء حبري ، قالت : وأنا في الحجرة أصلي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣). قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قال : فأدخلت رأسي البيت وقلت : أنا معكم يا رسول الله. قال : «إنك إلى خير ، إنك إلى خير» (٣).

وعن صالح بن موسى القرشي ، عن حصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٤).

__________________

(١) السيوطي ٢٢٦ ، وصحيح مسلم برقم ١٤٧٨ ، ومسند أحمد ، ج ٣ / ٣٢٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٢) زاد المسير ، ج ٦ / ٣٨١.

(٣) النيسابوري ، ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ، وسنن الترمذي برقم ٣٨٧١ ، وحسّنه ، وتفسير الطبري ، ج ٢٢ / ٧.

(٤) الدر المنثور ، ج ٥ / ١٩٨.

٢٧٤

وعن عكرمة ، في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال : ليس الذين يذهبون إليه ، إنما هي أزواج النبي عليه‌السلام. قال : وكان عكرمة ينادي هذا في السوق (١).

الآية : ٣٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٣٥).

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) الآية. أخرج الترمذي وحسنه من طريق عكرمة عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : ما أرى كل شيء إلا للرجال ، وما أرى النساء بشيء ، فنزلت : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية.

وأخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال : قالت النساء : يا رسول الله ، ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات ، فنزلت : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية. وتقدم حديث أم سلمة في آخر سورة آل عمران.

وأخرج ابن سعد عن قتادة قال : لما ذكر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال النساء : لو كان فينا خير لذكرنا ، فأنزل الله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) الآية (٢).

قال مقاتل بن حيان : بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة ، معها زوجها جعفر بن أبي طالب ، دخلت على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن : لا ، فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن النساء لفي خيبة وخسار. قال : «ومم ذلك». قالت : لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) إلى آخرها (٣).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ٢٢ / ٧ ـ ٨.

(٢) السيوطي ٢٢٦ ، وسنن الترمذي برقم ٣٢١١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٨٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٢ / ٩.

(٣) الدر المنثور ، ج ٥ / ٢٠٠.

٢٧٥

وقال قتادة : لما ذكر الله تعالى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن : ذكرتن ولم نذكر ، ولو كان فينا خير لذكرنا. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) (١).

الآية : ٣٦ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦).

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) الآية. أخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال : خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب وهو يريدها لزيد فظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) فرضيت وسلمت (٢).

وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه ، وقالت : أنا خير منه حسبا ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) الآية كلها. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس مثله.

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد قال : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها قالا : إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزوجنا عبده ، فنزلت (٣).

الآية : ٣٧ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٣٧).

قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ) الآيات. أخرج البخاري عن أنس أن هذه الآية :

__________________

(١) النيسابوري ٢٩٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٢ / ٨.

(٢) زاد المسير ، ج ٦ / ٣٨٥.

(٣) السيوطي ٢٢٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٢ / ٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٨٩.

٢٧٦

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) نزلت في بنت جحش وزيد بن حارثة (١).

وأخرج الحاكم عن أنس قال : جاء زيد بن حارثة يشكو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زينب بنت جحش ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمسك عليك أهلك» ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) (٢).

وأخرج مسلم وأحمد والنسائي قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد : «اذهب فاذكرها عليّ» ، فانطلق فأخبرها فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل عليها بغير إذن. قال : ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم ، فخرج الناي وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتبعته فجعل يتبع حجر نسائه ، ثم أخبرته أن القوم قد خرجوا ، فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣] (٣).

الآية : ٤٠ ـ قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠).

وأخرج الترمذي عن عائشة قالت : لما تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب قالوا : تزوج حليلة ابنه ، فأنزل الله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) الآية (٤).

الآية : ٤٣ ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣).

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) الآية. أخرج عبد حميد عن مجاهد قال : لما نزلت : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٦] قال أبو بكر :

__________________

(١) صحيح البخاري برقم ٤٧٨٧.

(٢) المستدرك ، ج ٢ / ٤١٧.

(٣) صحيح مسلم برقم ١٤٢٨ ، وأحمد في مسنده ، ج ٣ / ١٩٥.

(٤) السيوطي ٢٢٨ ، وسنن الترمذي برقم ٣٢٠٧.

٢٧٧

يا رسول الله ، ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه ، فنزلت : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (١).

الآية : ٤٧ ـ قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧).

قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. أخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا : لما نزلت : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [سورة الفتح ، الآية : ٢] قال رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا رسول الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [سورة الفتح ، الآية : ٥] (٢). وأنزل في سورة الأحزاب : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧).

وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن الربيع بن أنس قال : لما نزلت : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [سورة الأحقاف ، الآية : ٩] نزل بعدها : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [سورة الفتح ، الآية : ٢] فقالوا : يا رسول الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فما يفعل بنا؟ فنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) قال : الفضل الكبير : الجنة (٣).

الآية : ٥٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥٠).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) الآية. أخرج الترمذي وحسنه الحاكم وصححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١٤ / ١٩٨ ، ولفظه : قال المهاجرون والأنصار ، فذكره.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٢٦ / ٤٤ ـ ٤٦.

(٣) السيوطي ٢٢٩ ، ودلائل النبوة للبيهقي ، ج ٤ / ١٥٩.

٢٧٨

قالت : خطبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ، فأنزل الله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) إلى قوله : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر (١).

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح عن أم هانئ ، قالت : نزلت فيّ هذه الآية : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوجني فنهي عني ، إذ لم أهاجر.

قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) الآية. أخرج ابن سعد عن عكرمة قال : نزلت في أم شريك الدوسية. عرضت نفسها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت جميلة ، فقبلها ، فقالت عائشة : ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير ، قالت أم شريك : فأنا تلك؟! فسمّاها الله مؤمنة ، فقال : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) فلما نزلت الآية ، قالت عائشة : إن الله يسرع لك في هواك (٢).

الآية : ٥١ ـ قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ).

قال المفسرون : حين غار بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآذينه بالغيرة ، وطلبن زيادة النفقة ، فهجرهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهرا حتى نزلت آية التخيير (٣) ، وأمر الله تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة ، وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ، ويمسك من اختارت الله سبحانه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا ، وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويرجي (٤) منهن من يشاء ، فرضين به ، قسم لهن أو لم يقسم ، أو فضل بعضهن على بعض بالنفقة والقسمة والعشرة ، ويكون الأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء ، فرضين بذلك كله ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع ما جعل الله تعالى له من التوسعة ـ يسوّي بينهن في القسمة (٥).

__________________

(١) سنن الترمذي برقم ٣٢١٤ ، والمستدرك ، ج ٢ / ٤٢٠.

(٢) السيوطي ٢٣٠ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ٢٠٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢٠٨.

(٣) آية التخيير : المراد الآيتان ٢٨ ـ ٢٩ ، من سورة الأحزاب.

(٤) يرجي : يؤخر.

(٥) تفسير زاد المسير ، ج ٦ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٠١.

٢٧٩

يحيى بن معين قال : أخبرنا عباد بن عباد ، عن عاصم الأحول ، عن معاذة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما نزلت : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منّا ، قالت معاذة : ما كنت تقولين؟ قالت : كنت أقول : إن كان ذلك إليّ لم أؤثر أحدا على نفسي (١).

وقال قوم : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن ، فقلن : يا نبي الله ، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ، ودعنا على حالنا ، فنزلت هذه الآية (٢).

وعن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة أنها كانت تقول لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ). فقالت عائشة : أرى ربك يسارع لك في هواك (٣).

الآية : ٥٣ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) إلى قوله : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً).

قال أكثر المفسرين : لما بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق ، وذبح شاة. قال أنس : وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة ، فأمرني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام ، فجعل القوم يجيئون فيأكلون فيخرجون ، ثم يجيء القوم ويأكلون ويخرجون ، فقلت : يا نبي الله ، قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه. فقال : «ارفعوا طعامكم». فرفعوا وخرج القوم ، وبقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت (٤) ، فأطالوا المكث ، فتأذى منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان شديد الحياء ، فنزلت هذه الآية ، وضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيني وبينه سترا (٥).

__________________

(١) النيسابوري ٢٩٧ ، وصحيح البخاري في كتاب التفسير برقم ٤٧٨٩ ، ومسلم في صحيحه برقم ١٤٧٦.

(٢) الدر المنثور ، ج ٥ / ٢١٠.

(٣) البخاري : التفسير / الأحزاب ، باب : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ..) ، رقم : ٤٥١٠ ، ومسلم : الرضاع ، باب : جواز هبتها نوبتها لضرتها ، رقم : ١٤٦٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٠١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢٠٨. قولها : يسارع لك في هواك : يحقق لك مرادك بلا تأخير.

(٤) بحيس : طعام متخذ من التمر والسمن والأقط. تور : إناء من نحاس أو حجارة. أنفار : أشخاص.

(٥) تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٠٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٤ / ٢٢٤.

٢٨٠