تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

الآية : ١١٤ ـ قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤).

قوله تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يشق على نفسه ، فيخاف أن يصعد جبريل ولم يحفظه ، فأنزل الله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) الآية. وتقدم في سورة النساء سبب آخر وهذا أصح (١).

الآية : ١٣١ ـ قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٣١).

قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية. أخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه والبزار وأبو يعلى عن أبي رافع قال : أضاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب ، فقال : لا إلا برهن. فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فقال : «أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض» فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) (٢).

عن موسى بن عبيدة الربذي قال : أخبرني يزيد بن عبد الله بن فضيل ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن ضيفا نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعاني ، فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاما : «يقول لك محمد ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نزل بنا ضيف ، ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه ، فبعني كذا وكذا من الدقيق ـ أو سلفني ـ إلى هلال رجب». فقال اليهودي : لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن. قال : فرجعت إليه فأخبرته ، قال : «والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ، ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه ، اذهب بدرعي». ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) الآية (٣).

__________________

(١) السيوطي ، ١٨١ ـ ١٨٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٦٧ ، وذكر سببا آخر في ذلك.

(٢) السيوطي ١٨٢ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٣٣٥.

(٣) النيسابوري ٢٥٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ١١ / ٢٦٢ ، وتفسير الطبري ، ج ١٦ / ١٦٩.

٢٢١

٢١ ـ سورة الأنبياء

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ).

أخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كان ما تقول حقا ويسرك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا ، فأتاه جبريل عليه‌السلام ، فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا وإن شئت استأنيت بقومك ، فأنزل الله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) (٦) (١).

الآية : ٣٤ ـ قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٣٤).

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : نعي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه ، فقال : «يا رب ، فمن لأمتي؟» فنزلت : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) الآية (٢).

الآية : ٣٦ ـ قوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ).

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي جهل وأبي سفيان وهما يتحدثان ، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبي عبد مناف ، فغضب أبو سفيان وقال : أتنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي؟ فسمعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوفه ، وقال : «ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب من غيّر عهده» ، فنزلت : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) (٣).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٧ / ٤.

(٢) السيوطي ، ١٨٣ ـ ١٨٤ ، وانظر تفسير زاد المسير ، ج ٥ / ٣٥١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١١ / ٢٨٧.

(٣) زاد المسير ، ج ٥ / ٣٥٠ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٧٨.

٢٢٢

الآية : ١٠١ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ).

وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨] قال ابن الزبعرى : عبد الشمس والقمر والملائكة وعزير ، فكل هؤلاء في النار مع آلهتنا ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١) ونزلت : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) إلى : (خَصِمُونَ) (٥٨) [سورة الزخرف ، الآيتان : ٥٧ ـ ٥٨] (١).

عن يحيى ، عن ابن عباس قال : آية ، لا يسألني الناس عنها ، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون عنها؟ قال : وما هي؟ قال : لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨] شق على قريش ، فقالوا : أيشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزبعرى فقال : ما لكم؟ قالوا : يشتم آلهتنا. قال : فما قال؟ قالوا : قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) قال : ادعوه لي ، فلما دعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا محمد ، هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله؟ قال : «بل لكل من عبد من دون الله». فقال ابن الزبعرى : خصمت ورب هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح؟ وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون عيسى ـ عليه‌السلام ـ وهذه اليهود يعبدون عزيرا. قال : فصاح أهل مكة ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الملائكة وعيسى وعزير عليهم‌السلام (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١) (٢).

__________________

(١) السيوطي ١٨٤ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٩٨ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٣٩٢.

(٢) النيسابوري ٢٥٦ ، ومسند أحمد برقم ٢٩٢١ ، والطبراني في معجمه الكبير برقم ١٢٧٤٠ ، ومجمع الزوائد ، ج ٧ / ١٠٤.

٢٢٣

٢٢ ـ سورة الحج

الآية : ٣ ـ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) (٣).

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) قال : نزلت في النضر بن الحارث (١).

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١).

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية. أخرج البخاري عن ابن عباس قال : كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيلة قال : هذا دين صالح ، وإن لم تلد امرأته ولدا ذكرا ولم تنتج خيلة قال : هذا دين سوء ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية.

وأخرج ابن مردويه من طريق عطية عن ابن مسعود قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام ، فقال : لم أصب من ديني هذا خيرا ، ذهب بصري ومالي ومات ولدي ، فنزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية (٢).

قال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة مهاجرين من باديتهم ، وكان أحدهم إذا قدم المدينة : فإن صح بها ، ونتجت فرسه مهرا حسنا ، وولدت امرأته غلاما ، وكثر ماله وماشيته ، آمن به واطمأن ، وقال : ما أصبت منذ

__________________

(١) السيوطي ١٨٥ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٠٥ ، والدر المنثور ، ج ٤ / ٣٤٤.

(٢) السيوطي ، ١٨٥ ـ ١٨٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٠٩ ، وتفسير الطبري ، ج ١٢ / ١٧.

٢٢٤

دخلت في ديني هذا إلا خيرا. وإن أصابه وجع المدينة ، وولدت امرأته جارية ، وأجهضت رماكه وذهب ماله ، وتأخرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا ، فينقلب عن دينه. فأنزل الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية (١).

وروى عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : أسلم رجل من اليهود ، فذهب بصره وماله وولده ، وتشاءم بالإسلام فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أقلني. فقال : «إن الإسلام لا يقال». فقال : إني لم أصب في ديني هذا خيرا ، أذهب بصري ومالي وولدي. فقال : «يا يهودي ، إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب». قال : ونزلت : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) (٢).

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (١٩).

قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ) الآية. أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي ذر قال : نزلت هذه الآية : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) في حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة.

وأخرج الحاكم عن علي قال : فينا نزلت هذه الآية في مبارزتنا يوم بدر (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) إلى قوله : (الْحَرِيقِ) (٢٢) [سورة الحج ، الآية : ٢٢]. وأخرج من وجه آخر عنه قال : نزلت في الذين بارزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله منكم وأقدم كتابا ونبينا قبل نبيكم ، فقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله (٣).

__________________

(١) النيسابوري ١٥٧ ، وصحيح البخاري في كتاب التفسير برقم ٤٧٤٢.

(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم ٤٧٤٣ ، ومسلم في صحيحه برقم ٣٠٣٣ ، وفي سنده عطية بن سعد العوفي مجمع على ضعفه ، فلا تثبت هذه الرواية.

(٣) السيوطي ١٨٦ ، والدر المنثور ، ج ٤ / ٣٤٨ ، والطبري في تفسيره ، ج ١٧ / ١٣٢.

٢٢٥

وعن أبي هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عبادة قال : سمعت أبا ذر يقول : أقسم بالله لنزلت : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) في هؤلاء الستة : حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة (١).

أخبرنا أبو بكر الحارث قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا محمد بن سليمان قال : أخبرنا هلال بن بشر قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب قال : أخبرنا سليم التيمي ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، عن علي قال : فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) إلى قوله : (الْحَرِيقِ) (٢٢) (٢).

قال ابن عباس : هم أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمد عليه‌السلام وآمنا بنبيكم ، وبما أنزل من كتاب ، فأنتم تعرفون نبينا ، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا. وكانت هذه خصومتهم ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وهذا قول قتادة (٣).

الآية : ٢٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٥).

قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أنيس مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار فافتخروا في الأنساب ، فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة فنزلت فيه : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) الآية (٤).

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / الحج ، باب : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) ، عن هشيم بن هاشم ، في البخاري : عن هشيم عن أبي هاشم ، رقم : ٤٤٦٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢١٢.

(٢) النسائي في التفسير ٣٦٢ ، وصحيح البخاري برقم ٤٧٤٤.

(٣) النيسابوري ، ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، وتفسير الطبري ، ج ١٧ / ٩٩ ، من طريق العوفي وهو ضعيف.

(٤) تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢١٥.

٢٢٦

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢٧).

قوله تعالى : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) الآية. أخرج ابن جرير عن مجاهد قال : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) فأمرهم بالزاد ورخص لهم الركوب والمتجر (١).

الآية : ٣٧ ـ قوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧).

قوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : كان أهل الجاهلية يضمخون البيت بلحوم الإبل ودمائها ، فقال أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فنحن أحق أن نضمخ ، فأنزل الله : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) الآية (٢).

الآية : ٣٩ ـ قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٣٩).

قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) الآية. أخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، فقال أبو بكر : أخرجوا نبيّهم ليهلكنّ ، فأنزل الله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٣٩) (٣).

قال المفسرون : كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يزالون يجيئون من مضروب ومشجوج. فشكوهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقول لهم : «اصبروا ، فإني لم أومر بالقتال». حتى هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) السيوطي ، ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وتفسير الطبري ، ج ١٧ / ١٠٧.

(٢) زاد المسير ، ج ٥ / ٤٣٤.

(٣) السيوطي ١٨٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٢٥ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٦٦ ، وصححه وأقره الذهبي.

(٤) تفسير القرطبي ، ج ١٢ / ٦٨ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٣٦.

٢٢٧

وقال ابن عباس : لما أخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة قال أبو بكر رضي الله عنه : إنا لله ، لنهلكن. فأنزل الله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) الآية ، قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال (١).

الآية : ٥٢ ـ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٢).

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا) الآية. أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير قال : قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة (وَالنَّجْمِ) فلما بلغ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (١٩) (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [سورة النجم ، الآيات : ١ ـ ٢٠] ألقى الشيطان على [مسامعهم] تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى ، فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ، فنزلت : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) الآية.

وأخرجه البزار وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسبه ، وقال : لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد. وتفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور.

وأخرجه البخاري عن ابن عباس بسند فيه الواقدي وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ، وأورده ابن إسحاق في السيرة عن محمد بن كعب وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وابن جرير عن محمد بن قيس وابن أبي حاتم عن السدي كلهم بمعنى واحد ، وكلها إما ضعيفة أو منقطعة سوى طريق ابن جبير الأولى (٢).

الآية : ٦٠ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٦٠).

__________________

(١) النيسابوري ٢٦٠ ، وسنن الترمذي برقم ٣١٧١.

(٢) السيوطي ١٨٨ ، وما ألقاه الشيطان على مسامع المشركين هو الذي نسخه الله بآياته ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٢٩ ، ورواية الغرانيق طعن بثبوتها المحققون من المحدّثين.

٢٢٨

قوله تعالى : (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت في سرية بعثها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلقوا المشركين لليلتين بقيتا من المحرم ، فقال المشركون بعضهم لبعض : قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام ، فناشدهم الصحابة وذكروهم بالله أن لا يتعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام ، فأبى المشركون ذلك وقاتلوهم وبغوا عليهم فقاتلهم المسلمون ونصروا عليهم ، فنزلت هذه الآية (١).

__________________

(١) السيوطي ، ١٨٨ ـ ١٨٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ٩٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٣٢.

٢٢٩

٢٣ ـ سورة المؤمنون

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١).

عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : كان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل ، فمكثنا ساعة ، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : «اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا». ثم قال : «لقد أنزلت علينا عشر آيات ، من أقامهن دخل الجنة». ثم قرأ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١) إلى عشر آيات (١).

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢).

عن أحمد بن يعقوب الثقفي قال : أخبرنا أبو شعيب الحراني قال : أخبرنا إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، فنزل : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) (٢).

الآية : ١٤ ـ قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤).

عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت ربي في أربع : قلت : يا رسول الله ، لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥] وقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت على نسائك حجابا؟ فإنه يدخل عليك البر والفاجر ، فأنزل الله تعالى :

__________________

(١) رواه الحاكم في المستدرك : التفسير ، تفسير سورة المؤمنون ٢ / ٣٩٢ ، والنيسابوري ٢٦١ ، والسيوطي ١٩٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٢) زاد المسير ، ج ٥ / ٤٦٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٠٣.

٢٣٠

(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٥٣]. وقلت لأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجا خيرا منكن ، فأنزل الله : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) [سورة التحريم ، الآية : ٥]. ونزلت : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١٢) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٢] إلى قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) فقلت : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) (١).

الآية : ٦٧ ـ قوله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧).

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانت قريش تسمر حول الكعبة ، ولا تطوف به ويفتخرون به ، فأنزل الله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧) (٢).

الآية : ٧٦ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ).

عن يزيد النحوي : أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال : جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد ، ننشدك الله والرحم ، لقد أكلنا العلهز ، يعني الوبر بالدم ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٧٦) (٣).

وقال ابن عباس : لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم وهو أسير ، فخلى سبيله ، فلحق باليمامة ، فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة ، وأخذ الله تعالى قريشا بسني الجدب حتى أكلوا العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أنشدك الله والرحم ، إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال : «بلى». فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) النيسابوري ، ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٦٥ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١١٠.

(٢) السيوطي ١٩١ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٨٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٣٧.

(٣) النسائي في التفسير برقم ٣٧٢ ، والطبراني في معجمه الكبير ، ج ١١ / ٣٧٠ ، برقم ١٢٠٣٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٤٣.

(٤) النيسابوري ٢٦٢ ، والسيوطي ١٩١ ، وتفسير الطبري ، ج ١٨ / ٣٤.

٢٣١

٢٤ ـ سورة النور

الآية : ٣ ـ قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً).

قال المفسرون : قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال ، وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن ، وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا : لو أنّا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن ، فاستأذنوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فنزلت هذه الآية ، وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك.

وقال عكرمة : نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة ، وكن كثيرات ، ومنهن تسع صواحب رايات ، لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها : أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وأم غليظ جارية صفوان بن أمية ، وحية القبطية جارية العاص بن وائل ، ومرية جارية بن مالك بن عمثلة بن السباق ، وجلالة جارية سهيل بن عمرو ، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود ، وقرينة جارية هشام بن ربيعة ، وفرتنا جارية هلال بن أنس. وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير ، لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة ، أو مشرك من أهل الأوثان ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن مأكلة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم (١).

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ).

عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا ، فإن تكلم

__________________

(١) النيسابوري ، ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، والسيوطي ، ١٩٢ ـ ١٩٣ ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ج ٥ / ١٩.

٢٣٢

جلدتموه ، وإن قتل قتلتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله ، فقال : لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه ، أو قتل قتلتموه ، أو سكت سكت على غيظ. فقال : «اللهم افتح». وجعل يدعو ، فنزلت آية اللعان : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) الآية ، فابتلي به الرجل من بين الناس ، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلاعنا ، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. فذهبت لتلتعن ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مه» فلعنت ، فلما أدبرت قال : «لعلها أن تجيء به أسود جعدا». فجاءت به أسود جعدا (١).

عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) إلى قوله تعالى : (الْفاسِقُونَ) (٤) [سورة النور ، الآية : ٤] قال سعد بن عبادة ، وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا تسمعون يا معشر الأنصار ، إلى ما يقول سيدكم». قالوا : يا رسول الله ، إنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق ، وأنها من عند الله ، ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء؟ فو الله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا ، فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينه وسمع بأذنه ، فلم يهيجه حتى أصبح ، وغدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إني جئت أهلي عشيا فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني وسمعت بأذني. فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما جاء به واشتد عليه ، فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين. فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ، فقال هلال : يا رسول الله ، إني قد أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك به ، والله يعلم إني لصادق. فو الله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي ، وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده ، فأمسكوا عنه حتى فرغ من

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : كتاب اللعان ، رقم : ١٤٩٥ ، والنيسابوري ٢٦٥ ، ومسند أحمد ، ج ١ / ٤٤٨ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٦٦.

٢٣٣

الوحي ، فنزلت : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) الآيات كلها ، فسري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أبشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا». فقال هلال : كنت أرجو ذاك من ربّي .. وذكر باقي الحديث (١).

الآيات : ١١ ـ ١٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) إلى قوله تعالى : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (١٥).

عن عائشة زوج النبي عليه‌السلام ، حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله تعالى منه. قال الزهري : وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأتيت اقتصاصا ، ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، ذكروا : أن عائشة رضي الله عنها ، زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت عائشة رضي الله عنها : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذاك بعد ما نزلت آية الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا ، حتى فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه. قالت عائشة : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إليّ ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ،

__________________

(١) البخاري في كتاب التفسير ، سورة النور ، باب : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) ، رقم : ٤٤٧٠ ، والنيسابوري ، ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، وتفسير الطبري ، ج ١٨ / ٦٥ ، ومسند أحمد ، ج ١ / ٢٣٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤.

٢٣٤

وقد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، وهلك من هلك فيّ.

وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمتها شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، ويربيني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسلم ثم يقول : «كيف تيكم». فذلك يحزنني ، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب ، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟ قلت : وما ذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «كيف تيكم». قلت : تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت : وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئت أبوي فقلت : يا أماه ، ما يتحدث الناس؟.

فقالت : يا بنية ، هوّني عليك ، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ـ ولها ضرائر ـ إلا أكثرت عليها. قالت : فقلت : سبحان الله ، وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ـ حين استلبث الوحي ـ يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك وما نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله تعالى عليك ، والنساء سواها

٢٣٥

كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة ، فقال : يا بريرة ، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة». قالت بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله. قالت : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقال وهو على المنبر : «يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي». فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه : إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قال : فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن الحضير ، وهو ابن عم سعد بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت ، لعمر الله لنقتلنه ، إنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت.

قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها ، وجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جلس ، ثم قال : «أما بعد يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه». قالت : فما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قال. قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي : أجيبي رسول الله. فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت ، وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا ، وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة ـ والله يعلم أني

٢٣٦

بريئة ـ لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني منه بريئة ـ لتصدقنّي ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. قالت : ثم تحولت واضطجعت على فراشي. قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى فيّ بأمر يتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رؤيا يبرئني الله تعالى بها ، قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزله ، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه عليه‌السلام ، وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي ، من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت : فلما سري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سري عنه وهو يضحك (١) ، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : «البشرى يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله». فقالت لي أمي : قومي إليه. فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى ، هو الذي برأني. قالت : فأنزل الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) العشر الآيات ، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية

__________________

(١) أهل الإفك : الذين افتروا أسوأ الكذب على أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ فرموها بالفاحشة ، فبرأها الله تعالى مما قالوا. طائفة : قطعة. أوعى : أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث. اقتصاصا : حفظا وتتبعا لأجزائه. قفل : رجع. آذن : أعلم. الرحل : البعير الذي تركب عليه. جزع ظفار : خرز في سواده بياض كالعروق. الرهط : الرجال المكلفون به ، وهم دون العشرة. هودجي : ما يجلس فيه النساء في السفر على الراحلة. يهبلن : يسمنّ. العلقة : القليل من الطعام الذي يسد الجوع. جارية : بنتا صغيرة. فتيممت : قصدت. عرّس : نزل ليستريح. فأدلج : سار الليل كله ، أو من أوله. باسترجاعه : بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون. فخمرت : غطيت. بجلبابي : هو الثوب الذي يستر كامل جسم المرأة. موغرين : داخلين. نحر الظهيرة : وقت اشتداد الحر. هلك : تسبب بالهلاك لنفسه. تولى كبره : اهتم بإشاعته وبدأبه. يفيضون : يتوسعون في إشاعته. يريبني : يشككني في حصول أمر ما. نقهت : برئت من مرضي. المناصع : مواضع خارج المدينة ، يخرجون إليها لقضاء حاجتهم. متبرزنا : المكان الذي نتبرز فيه. الكنف : جمع كنيف ، وهو المكان المعد لقضاء الحاجة. التنزه : البعد عن البيوت لإلقاء الفضلات. مرطها : كسائها الذي تلتحف به. أي هنتاه : يا هذه. وضيئة : جميلة حسنة. استلبث : أبطأ. أغمصه : انتقصه. الداجن : الحيوانات الأليفة في البيوت. فالق : من فلق إذا شق. ألممت : فعلت ما ليس من عادتك. قلص : انقبض وارتفع وجف. البرحاء : العرق الشديد. ليتحدر : ينزل ويقطر. الجمان : اللؤلؤ ، واحده جمانة. سري : كشف.

٢٣٧

في براءتي قال الصديق ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) إلى قوله : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [سورة النور ، الآية : ٢٢]. فقال أبو بكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا (١).

الآية : ١٦ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا).

عن عروة : أن عائشة رضي الله عنها حدثته بحديث الإفك ، وقالت فيه : وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته وقالت : يا أبا أيوب ، ألم تسمع ما تحدث الناس؟ قال : وما يتحدثون؟ فأخبرته بقول أهل الإفك ، فقال : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، سبحانك هذا بهتان عظيم (٢). قالت : فأنزل الله عزوجل : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١٦) (٣).

الآية : ٢٢ ـ قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٢).

قال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح ما كان ينفق عليه. وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر عند الطبراني وأبي هريرة عند البزار وأبي اليسر عند ابن مردويه (٤).

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : الشهادات ، باب : تعديل النساء بعضهن بعضا ، رقم : ٢٥١٨ ، ومسلم : التوبة ، باب : في حديث الإفك وقبول توبة القاذف ، رقم : ٢٧٧٠ ، والنيسابوري ، ٢٦٥ ـ ٢٧٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ١٩٥ ـ ٢٠٦.

(٢) بهتان : هو الافتراء وأسوأ الكذب ، وأن يقول على الإنسان ما لم يفعله ، فيبهت ، أي يدهش لما يسمع.

(٣) تفسير الطبري ، ج ١٨ / ٧٧ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٢٢.

(٤) السيوطي ١٩٧ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٢٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٢ / ٢٠٧.

٢٣٨

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢٣).

وأخرج الطبراني عن خصيف قال : قلت لسعيد بن جبير : أيما أشد ، الزنا أو القذف؟ قال : الزنا ، قلت : إن الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) قال : إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة ، في إسناده يحيى الحماني ضعيف. وأخرج أيضا عن الضحاك بن مزاحم قال : نزلت هذه الآية في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عائشة خاصة.

وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت : رميت بما رميت وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندي إذ أوحي إليه ثم استوى جالسا فمسح وجهه وقال : «يا عائشة ، أبشري» فقلت : بحمد الله لا بحمدك ، فقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) حتى بلغ (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [سورة النور ، الآية : ٢٦] (١).

الآية : ٢٦ ـ قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٢٦).

وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ). قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك.

وأخرج الطبراني بسندين فيهما ضعف عن ابن عباس قال : نزلت : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) الآية ، للذين قالوا في زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قالوا من البهتان.

وأخرج الطبراني عن الحكم بن عتيبة قال : لما خاض الناس في أمر عائشة أرسل

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٨ / ٨٢ ـ ٨٣.

٢٣٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عائشة ، فقال : «يا عائشة ، ما يقول الناس؟ فقالت : لا أعتذر بشيء حتى ينزل عذري من السماء ، فأنزل الله فيها خمس عشرة آية من سورة النور ، ثم قرأ حتى بلغ : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) الآية ، مرسل صحيح الإسناد (١).

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢٧).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً) الآية. أخرج الفريابي وابن جرير عن عدي بن ثابت قال : جاءت امرأة من الأنصار ، فقالت : يا رسول الله ، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : لما نزلت آية الاستئذان في البيوت ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلمون وليس فيها سكان؟ فنزلت : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) [سورة النور ، الآية : ٢٩] (٢).

عن محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن ثابت قال : جاءت امرأة من الأنصار فقالت : يا رسول الله ، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد ، لا والد ولا ولد ، فيأتي الأب فيدخل عليّ ، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال ، فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) الآية (٣).

قال المفسرون : فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله ، أفرأيت الخانات (٤) والمساكن في طرق الشام ، ليس فيها ساكن؟ فأنزل

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ، ج ١٨ / ٨٤ ـ ٨٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٢٧٨.

(٢) السيوطي ، ١٩٧ ـ ١٩٩ ، وتفسير الطبري ، ج ١٨ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٣) الدر المنثور ، ج ٥ / ٣٨.

(٤) الخانات : جمع خان ، وهو مكان معدّ قديما لمبيت التجار ودوابهم.

٢٤٠