تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

الآية : ٩١ ـ قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ).

أخرج ابن جرير عن بريدة قال : نزلت هذه الآية في بيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

الآية : ٩٢ ـ قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً).

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر ابن أبي حفص ، قال : كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشّعر واللّيف ، [ثم تنقضه بعد التعب بنسيجه] فنزلت هذه الآية (٢).

الآية : ١٠١ ـ قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ).

نزلت حين قال المشركون : إن محمدا عليه‌السلام سخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم وينهاهم عنه غدا ، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم ، وما هو إلا مفتري بقوله من تلقاء نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها (٣).

الآية : ١٠٣ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ).

أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال : حدثنا أبو فضيل قال : حدثنا حصين ، عن عبيد الله بن مسلم قال : كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر (٤) ، اسم أحدهما يسار والآخر خير ، وكانا يقرءان كتبا لهم بلسانهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما ، وكان المشركون يقولون :

يتعلم منهما ، فأنزل الله تعالى فأكذبهم : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) (٥).

__________________

(١) النيسابوري ٢٣٦ ، وتفسير الطبري ، ج ١٤ / ١١٠.

(٢) السيوطي ، ١٦٣ ـ ١٦٤ ، وتفسير الطبري ، ج ١٤ / ١١١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ١٧١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٥٨٤.

(٣) تفسير زاد المسير ، ج ٤ / ٤٩١.

(٤) عين التمر : قرية في العراق.

(٥) تفسير الطبري ، ج ١٤ / ١٢٠.

٢٠١

الآية : ١٠٦ ـ قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ).

قال ابن عباس : نزلت في عمار بن ياسر ، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية ، وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما ، فأما سمية : فإنها ربطت بين بعيرين وو جيء قبلها بحربة ، وقيل لها : إنك أسلمت من أجل الرجال ، فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عمار : فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن عمارا كفر ، فقال : «كلا ، إن عمارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه (١) ، وأخلط الإيمان بلحمه ودمه». فأتى عمار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله عليه‌السلام يمسح عينيه وقال : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت». فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

وقال مجاهد : نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة : أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا (٣). فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين ، وفيهم نزلت هذه الآية.

الآية : ١١٠ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا).

قال قتادة : ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية : أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة ، فلما جاءهم ذلك خرجوا ، فلحقهم المشركون فردوهم ، فنزلت : (الم) (١) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [سورة العنكبوت ، الآيتان : ١ ـ ٢] فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا ، فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا ويلحقوا بالله ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله عزوجل : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) (٤).

__________________

(١) وجئ : طعن. قبلها : فرجها. قرنه : رأسه.

(٢) تفسير الطبري ، ج ١٤ / ١٢٢ ، وانظر المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣٥٧.

(٣) النيسابوري ٢٣٧ ، والسيوطي ، ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٤) النيسابوري ٢٣٨ ، وزاد المسير ، ج ٤ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨.

٢٠٢

الآية : ١٢٥ ـ قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ).

عن الحكم بن عيينة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأى منظرا ساءه ، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه ، فقال : «لو لا أن يحزن النساء ، أو يكون سنة بعدي ، لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير. لأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم». ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه ، فخرجت رجلاه ، فجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ثم قدمه وكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين ، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) إلى قوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٧] فصبر ولم يمثل بأحد (١).

عن يعقوب الوليد الكندي قال : حدثنا صالح المري قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة قال : أشرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حمزة فرآه صريعا ، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه ، وقال : «والله لأقتلن بك سبعين منهم». فنزلت : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦) [سورة النحل ، الآية : ١٢٦] (٢).

قال المفسرون : إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد : من تبقير البطون ، وقطع المذاكير ، والمثلة السيئة ، قالوا حين رأوا ذلك : لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، ولنفعلن ولنفعلن. ووقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عمه حمزة ، وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره (٣) وبقروا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ، ثم استرطتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها ، فبلغ ذلك نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا ، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار». فلما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى

__________________

(١) النيسابوري ٢٣٩ ، وسنن الدار قطني ، ج ٤ / ١١٨ ، وضعّفه.

(٢) المستدرك للحاكم ، ج ٣ / ١٩٧ ، ومجمع الزوائد ، ج ٦ / ١١٩.

(٣) أي عضوه التناسلي.

٢٠٣

شيء كان أوجع لقلبه منه ، فقال : «رحمة الله عليك ، إنك ـ ما علمت ـ كنت وصولا للرحم ، فعالا للخيرات ، ولو لا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر في أجواف شتى ، أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك». فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) الآية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بلى نصبر» وأمسك عما أراد ، وكفّر عن يمينه (١).

__________________

(١) النيسابوري ٢٤٠ ، وانظر تفسر ابن كثير ، ج ٢ / ٥٩٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٠١.

٢٠٤

١٧ ـ سورة بني إسرائيل «الإسراء»

الآية : ١٥ ـ قوله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥).

قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) الآية. أخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت : سألت خديجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أولاد المشركين فقال : «هم من آبائهم» ثم سألته بعد ذلك ، فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» ، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام ، فنزلت : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقال : «هم على الفطرة» أو قال : «في الجنة» (١).

الآية : ٢٦ ـ قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦).

قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) الآية. أخرج الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة فأعطاها فدك ، قال ابن كثير : هذا مشكل فإنه يشعر بأن الآية مدنية ، والمشهور خلافه. وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله (٢).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (٢٨).

أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخرساني قال : جاء ناس من مزينة يستحملون

__________________

(١) صحيح البخاري برقم ٦٥٩٧ ، ١٣٨٤ ، ٦٥٩٨ ، ومسلم برقم ٢٦٦٠ ، وأبو داود في سننه ٤٧١٢.

(٢) تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٣٦ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٤٧.

٢٠٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لا أجد ما أحملكم عليه» ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ) الآية.

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نزلت فيمن كان يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المساكين (١).

الآية : ٢٩ ـ قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ).

عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : جاء غلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا. فقال : «ما عندنا اليوم شيء». قال : فتقول لك : اكسني قميصك. قال : فخلع قميصه فدفعه إليه ، وجلس في البيت حاسرا (٢) ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الآية (٣).

الآية : ٤٥ ـ قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٤٥).

قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآية. أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الكتاب قالوا ، يهزءون به : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [سورة فصلت ، الآية : ٥] فأنزل الله في ذلك من قولهم : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (٤) الآيات.

الآية : ٥٣ ـ قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك أن رجلا من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو (٥).

__________________

(١) السيوطي ، ١٦٧ ـ ١٦٨ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٢٨.

(٢) حاسرا : ليس عليه ثياب.

(٣) النيسابوري ٢٤٢ ، وتفسير الدر المنثور ، ج ٤ / ١٧٨.

(٤) السيوطي ، ١٦٨ ـ ١٦٩ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٦٩.

(٥) تفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٧٦.

٢٠٦

وقال الكلبي : كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقول والفعل ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٥٦ ـ قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦).

قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا) الآية. أخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن ، فأسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم ، فأنزل الله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) الآية (٢).

الآية : ٥٩ ـ قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩).

قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا) الآية. أخرج الحاكم والطبراني وغيرهما عن ابن عباس قال : سأل أهل مكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم ، وإن شئت تؤتهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم قال : «بل أستأني بهم» ، فأنزل الله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) الآية. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن الزبير نحوه أبسط منه (٣).

عن الأعمش ، عن جعفر بن ياسر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :

سأل أهل مكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتني منهم (٤) ، وإن شئت نؤتهم الذي سألوا ،

__________________

(١) النيسابوري ٢٤٣ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٦.

(٢) السيوطي ١٦٩ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٤٩ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٦.

(٣) السيوطي ١٦٩ ، ومسند أحمد ، ج ٤ / ٩٦ ، وإسناده صحيح ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٥١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧.

(٤) تستأني بهم : تصبر عليهم وتتئد في الطلب لهم. نجتني منهم : نختار ونصطفي من يؤمن ويسلم ويصلح حاله.

٢٠٧

فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم. قال : «لا ، بل أستأني بهم». فأنزل الله عزوجل : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (١).

وروينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) [سورة الرعد ، الآية : ٣١] (٢).

الآية : ٦٠ ـ قوله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).

لما ذكر الله تعالى الزقوم خوّف به هذا الحي من قريش ، فقال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد عليه‌السلام؟ قالوا لا ، قال : الثريد بالزبد ، أما والله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما. فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) يقول : المذمومة (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠) (٣).

الآية : ٧٣ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ).

قال عطاء ، عن ابن عباس : نزلت في وفد ثقيف ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألوا شططا ، وقالوا : متعنا باللات سنة ، وحرّم وادينا كما حرمت مكة : شجرها وطيرها ووحشها. فأبى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجبهم ، فأقبلوا يكثرون مسألتهم ، وقالوا : إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم ، فإن كرهت ما نقول ، وخشيت أن تقول العرب : أعطيتهم ما لم تعطنا ، فقل : الله أمرني بذلك. فأمسك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم ، وداخلهم الطمع ، فصاح عليهم عمر : أما ترون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به ، وقد همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعطيهم ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

وقال سعيد بن جبير : قال المشركون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما عليّ لو فعلت ، والله يعلم أني بار؟». فأنزل

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ / ٧٤ ، ومسند أحمد ، ج ١ / ٢٥٨ ، وصححه أحمد شاكر.

(٢) انظر سبب نزول الآية ٣١ من سورة الرعد. النيسابوري ٢٤٣.

(٣) النيسابوري ٢٤٤ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٥٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٤) النيسابوري ٢٤٥ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٦٧ ، وتفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٣٠ ، وسنده ضعيف.

٢٠٨

الله تعالى هذه الآية : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) إلى قوله : (نَصِيراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٥] (١).

وقال قتادة : ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة إلى الصبح ، يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ، فقالوا : إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا يا سيدنا ، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله تعالى عن ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٧٦ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ).

قال ابن عباس : حسدت اليهود مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة ، فقالوا : إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام ، فإن كنت نبيا فالحق بها ، فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك. فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الإسلام ، فرحل من المدينة على مرحلة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال عثمان : إن اليهود أتوا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام ، فإن الشام أرض المحشر والمنشر ، وأرض الأنبياء. فصدق ما قالوا ، وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) (٤).

وقال مجاهد وقتادة والحسن : همّ أهل مكة بإخراج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، فأمره الله تعالى بالخروج ، وأنزل هذه الآية إخبارا عما هموا به (٥).

الآية : ٨٠ ـ قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ).

قال الحسن : إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويخرجوه من مكة أراد

__________________

(١) النيسابوري ٢٤٤ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٦٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٩٩.

(٢) النيسابوري ٢٤٥ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٦٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٣) النيسابوري ، ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٣ ، وضعّفه.

(٤) تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٣ ، وقال : في إسناده نظر.

(٥) النيسابوري ٢٤٥ ، والسيوطي ، ١٧١ ـ ١٧٢ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٧٠.

٢٠٩

الله تعالى بقاء أهل مكة ، وأمر نبيه أن يخرج مهاجرا إلى المدينة ، ونزل قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) (١).

الآية : ٨٥ ـ قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ).

عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : إني مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حرث بالمدينة ، وهو متكئ على عسيب ، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا : سلوه عن الروح ، فقال بعضهم : لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم فقالوا : يا أبا القاسم ، ما تقول في الروح؟ فسكت ، ثم ماج ، فأمسكت بيدي على جبهته ، فعرفت أنه ينزل عليه ، فأنزل الله عليه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) (٢).

وقال عكرمة ، عن ابن عباس ، قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فنزلت هذه الآية (٣). وقال المفسرون : إن اليهود اجتمعوا ، فقالوا لقريش ، حين سألوهم عن شأن محمد وحاله : سلوا محمدا عن الروح ، وعن فتية فقدوا في أول الزمان ، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ، فإن أجاب في ذلك كله فليس بنبي ، وإن لم يجب في ذلك فليس نبيا ، وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي. فسألوه عنها ، فأنزل الله تعالى في شأن الفتية : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) [سورة الكهف ، الآية : ٩] إلى آخر القصة ، ونزل في الروح قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (٤).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٠٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٥٨.

(٢) النيسابوري ٢٤٦ ، والسيوطي ١٧٢ ، وسنن الترمذي برقم ٣١٤١ ، وقال : حسن صحيح ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التفسير / الإسراء ، باب : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ، رقم : ٤٤٤٤ ، ومسلم : صفات المنافقين وأحكامهم ، باب : سؤال اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، رقم : ٢٧٩٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٦٠ ـ ٦١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

(٣) تفسير النسائي ٣٣٤ ، وأحمد في مسنده ، ج ١ / ٢٥٥ ، والحاكم في المستدرك ، ج ٢ / ٥٣١ ، وصححه وأقره الذهبي.

(٤) النيسابوري ٢٤٦ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٦١.

٢١٠

الآية : ٨٨ ـ قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨).

أخرج ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلام بن مشكم في عامّة يهود سمّاهم ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا؟ وإنّ هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة؟ فأنزل علينا كتابا نعرفه ، وإلّا جئناك بمثل ما تأتي به ؛ فأنزل الله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) (١)!!!.

الآية : ٩٠ ـ قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٩٠).

روى عكرمة ، عن ابن عباس (٢) : أن عتبة ، وشيبة ، وأبا سفيان ، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، ورؤساء قريش ، اجتمعوا على ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا به ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فجاءهم سريعا ، وهو يظن أنه بدا في أمره بداء ، وكان عليهم حريصا ، يحب رشدهم ويعز عليه تعنتهم ، حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد ، إنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة ، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت أن ما جئت به لتطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الرئيّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك ـ وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي ـ بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ، ولا للشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله عزوجل بعثني إليكم

__________________

(١) السيوطي ١٧٣ ، وتفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(٢) النيسابوري ٢٤٧.

٢١١

رسولا ، وأنزل عليّ كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم». قالوا : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا ، فقد علمت : أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ، ولا أقل مالا ، ولا أشد عيشا منا ، سل لنا ربك ـ الذي بعثك بما بعثك ـ فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ، ويجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخا صدوقا ، فنسألهم عما تقول حق هو ، فإن صنعت ما سألناك صدقناك ، وعرفنا به منزلتك عند الله ، وأنه بعثك رسولا كما تقول.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به ، فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه أصبر لأمر الله». قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك ، وسله فيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ، ويغنيك بها عما نراك ، فإنك تقوم في الأسواق وتلتمس المعاش. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت بهذا إليكم ، ولكن الله تعالى بعثني بشيرا ونذيرا». قالوا : فأسقط علينا كسفا من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلك إلى الله ، إن شاء فعل». فقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا. وقال عبد الله بن أمية المخزومي ، وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ، ابن عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أؤمن بك أبدا حتى تتخذ السماء سلما ، وترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ، وتأتي بنسخة منشورة معك ، ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله حزينا بما فاته من متابعة قومه ، ولما رأى من مباعدتهم منه ، فأنزل الله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٩٠) (١) الآيات.

الآية : ١١٠ ـ قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) إلى قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ / ١١٠ ـ ١١١ ، والنيسابوري في أسباب النزول ، ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

٢١٢

قال ابن عباس : تهجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة بمكة ، فجعل يقول في سجوده : «يا رحمن ، يا رحيم». فقال المشركون : كان محمد يدعو إلها واحدا ، فهو الآن يدعو إلهين اثنين : الله ، والرحمن ، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. يعنون مسيلمة الكذاب. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه : «باسمك اللهم». حتى نزلت هذه الآية : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [سورة النمل ، الآية : ٣٠]. فكتب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال مشركو العرب : هذا الرحيم نعرفه ، فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

وقال الضحاك : قال أهل التفسير : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لتقل ذكر الرحمن ، وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠). عن محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا عبد الله بن مطيع وأحمد بن منيع قالا : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : نزلت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختف بمكة ، وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي : بقراءتك ، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (وَلا تُخافِتْ بِها) عن أصحابك فلا يسمعون (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠) (٤).

عن هشام بن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قالت : إنها نزلت في الدعاء (٥).

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٢١.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٣٤٣.

(٣) تفرّد به النيسابوري في أسباب النزول ٢٤٩.

(٤) تفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التوحيد ، باب : قول الله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) ، رقم : ٧٠٥٢ ، ومسلم : الصلاة ، باب : التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية .. ، رقم : ٤٤٦ ، والنيسابوري ٢٥٠.

(٥) فتح الباري ، ج ٨ / ٤٠٥ ، وأخرجه البخاري برقم ٤٧٢٣.

٢١٣

١٨ ـ سورة الكهف

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٦).

أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله ، فقالوا لهم : سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم أمر عجيب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبلا حتى قدما على قريش ، فقالا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، فجاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألوه فقال : «أخبركم غدا بما سألتم عنه» ولم يستثن ، فانصرفوا ومكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك إليه وحيا ، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة ، وحتى أحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٥].

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد كبر عليه ما يرى من

٢١٤

خلاف قومه إياه ، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا فأنزل الله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) الآية.

وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال : أنزلت : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) فقيل : يا رسول الله ، سنين أو شهورا؟ فأنزل الله : (سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥) [سورة الكهف ، الآية : ٢٥] (١).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٢٣).

وأخرجه ابن جرير عن الضحاك ، وأخرجه ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال : حلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يمين ، فمضى له أربعون ليلة ، فأنزل الله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٢٣) (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨).

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) الآية. تقدّم سبب نزولها في سورة الأنعام في حديث خباب.

قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ) الآية. أخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمر كرهه الله ، من طرد الفقراء عنه ، وتقريب صناديد أهل مكة فنزلت.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : حدثنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدى لأمية بن خلف وهو ساه غافل عما يقال له فنزلت.

__________________

(١) السيوطي ، ١٧٦ ـ ١٧٧ ، وتفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ، وفي سنده مجهول.

(٢) انظر تفسير الطبري ، ج ١٥ / ١٥١ ـ ١٥٢.

٢١٥

وأخرج عن أبي هريرة قال : دخل عيينة بن حصن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده سلمان ، فقال عيينة : إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وأدخلنا ، فنزلت (١).

عن مسلمة بن عبد الله الجهني ، عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني ، عن سلمان الفارسي قال : جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك لو جلست في صدر المجلس ، ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم ـ يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف ، لم يكن عليهم غيرها ـ جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك. فأنزل الله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٧) (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) حتى بلغ : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً) [سورة الكهف ، الآيات : ٢٧ ـ ٢٩] يتهددهم بالنار ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلتمسهم ، حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال : «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات» (٢).

وعن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد (وَاتَّبَعَ هَواهُ) يعني الشرك (٣).

الآية : ٨٣ ـ قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ).

قال قتادة : إن اليهود سألوا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذي القرنين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

الآية : ١٠٩ ـ قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي).

__________________

(١) السيوطي ١٧٧. وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٨٠ ـ ٨١.

(٢) زاد المسير ، ج ٥ / ١٣٢ ، والدر المنثور ، ج ٤ / ٢١٩.

(٣) النيسابوري ، ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(٤) النيسابوري ٢٥١ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٨١.

٢١٦

قال ابن عباس : قالت اليهود ، لما قال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٥] : كيف وقد أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فنزلت : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) الآية (١).

الآية : ١١٠ ـ قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ).

قال ابن عباس : نزلت في جندب بن زهير الغامدي ، وذلك أنه قال : إني أعمل العمل لله ، فإذا اطلع عليه سرني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، ولا يقبل ما روئي فيه». فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

وقال طاوس : قال رجل : يا نبي الله ، إني أحب الجهاد في سبيل الله ، وأحب أن يرى مكاني؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني أتصدق وأصل الرحم ، ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى ، فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به؟ فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يقل شيئا صالحا ، فأنزل الله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٥ / ٢٠١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١١ / ٦٩.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١١ / ٦٩.

(٣) تفسير الطبري ، ج ١٦ / ٣٢.

(٤) النيسابوري ، ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، والسيوطي ١٧٨ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٠٨.

٢١٧

١٩ ـ سورة مريم

الآية : ٦٤ ـ قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جبريل ، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟». قال : فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية كلها ، قال : كان هذا الجواب لمحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال مجاهد : أبطأ الملك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أتاه ، فقال : لعلّي أبطأت؟ قال : «قد فعلت». قال : ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ، ولا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم؟ قال : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ). قال مجاهد : فنزلت هذه الآية (٢).

الآية : ٦٦ ـ قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (٦٦).

قال الكلبي : نزلت في أبيّ بن خلف ، حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده ويقول : زعم لكم محمد أنّا نبعث بعد ما نموت (٣).

الآية : ٧٧ ـ قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا).

عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن خباب بن الأرت قال : كان لي دين على العاص بن وائل ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله حتى تكفر بمحمد ، قلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : إني إذا مت ثم بعثت جئني ، وسيكون لي ثمّ مال وولد ، فأعطيك. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) رواه البخاري عن أبي ذر في التفسير : سورة مريم ، باب : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ، رقم : ٤٤٥٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٣٠.

(٢) النيسابوري ٢٥٣ ، وزاد المسير ، ج ٦ / ٢٤٩.

(٣) زاد المسير ، ج ٦ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٤) سنن الترمذي برقم ٣١٦٢ ، وقال : حسن صحيح ، وتفسير القرطبي ، ج ١١ / ١٤٥.

٢١٨

عن وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن خباب قال : كنت رجلا قينا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه (١) فقال : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ـ عليه‌السلام ـ فقلت : لا أكفر حتى تموت وتبعث ، فقال : وإني لمبعوث بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إليّ مالي. قال : فنزلت فيه : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) (٧٧) (٢).

وقال الكلبي ومقاتل : كان خباب بن الأرت قينا ، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي ، وكان العاص يؤخر حقه ، فأتاه يتقاضاه ، فقال العاص : ما عندي اليوم ما أقضيك ، فقال : لست بمفارقك حتى تقضيني ، فقال العاص : يا خباب ، ما لك ، ما كنت هكذا ، وإن كنت تحسن الطلب؟ فقال خباب : ذاك أني كنت على دينك ، فأما اليوم فأنا على الإسلام ، مفارق لدينك. قال : أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا؟ قال خباب : بلى ، قال : فأخرني حتى أقضيك في الجنة ـ استهزاء ـ فو الله لئن كان ما تقول حقا إني لأفضل فيها نصيبا منك. فأنزل الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) يعني العاص (٣) الآيات.

الآية : ٩٦ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية. أخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم : شيبة وعتبة ابني ربيعة وأمية بن خلف ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦) قال : محبة في قلوب المؤمنين (٤).

__________________

(١) قينا : حدادا. أتقاضاه : أطلب منه أن يقضيني ديني.

(٢) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التفسير / مريم ، باب : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ..) ، رقم : ٤٤٥٥ ، ومسلم : صفات المنافقين وأحكامهم ، باب : سؤال اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، رقم : ٢٧٩٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٣٥.

(٣) النيسابوري ، ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، وزاد المسير ، ج ٥ / ٢٦٠.

(٤) تفسير الطبري ، ج ١٦ / ١٠١ ، وتفسير القرطبي ، ج ١١ / ١٦١.

٢١٩

٢٠ ـ سورة طه

الآيتان : ١ ـ ٢ ـ قوله تعالى : (طه) (١) (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢).

قال مقاتل : قال أبو جهل والنضر بن الحارث للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لتشقى بترك ديننا.

وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

عن العسكري قال : حدثنا أبو مالك ، عن جرير ، عن الضحاك قال : لما نزل القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام هو وأصحابه فصلوا ، فقال كفار قريش : ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد ـ عليه‌السلام ـ إلا ليشقى به. فأنزل الله تعالى : (طه) (١) يقول : يا رجل (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) (٢).

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أول ما أنزل عليه الوحي يقوم على صدور قدميه إذا صلى ، فأنزل : (طه) (١) (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢).

وأخرج عبد الله بن حميد في تفسيره عن الربيع بن أنس قال : قالوا : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزلت : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال : قالوا : لقد شقي الرجل بربه ، فأنزل الله : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) (٣).

الآية : ١٠٥ ـ قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١٠٥).

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) الآية. أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال :

قالت قريش : يا محمد ، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) الآية (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٥ / ٢٦٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٤١.

(٢) النيسابوري ٢٥٥ ، والسيوطي ١٨١ ، وتفسير الطبري ، ج ١٦ / ١٠٣.

(٣) زاد المسير ، ج ٥ / ٢٦٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ١٤١.

(٤) زاد المسير ، ج ٥ / ٣٢٢.

٢٢٠