تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

أصحابه فليوشكن أن يثبتوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا غير هذا الرأي. فقال قائل : أخرجوه من بين أظهركم واستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع ، فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذه للقلوب بما يستمع من حديثه ، والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم ، قالوا : صدق والله ، فانظروا رأيا غير هذا. فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد ، ما أرى غيره ، قالوا : وما هذا؟ قال : تأخذوا من كل قبيلة وسيطا شابا جلدا ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها ، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم وإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي : هذا والله هو الرأي ، القول ما قال الفتى لا أرى غيره. فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له ، فأتى جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت ، وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك بالخروج ، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.

وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما يأتمر بك قومك؟ قال : «يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني» ، قال : من حدّثك بهذا؟ قال : «ربي» ، قال : نعم الرب ربك ، فاستوص به خيرا ، قال : «أنا أستوصي به! بل هو يستوصي بي» ، فنزلت : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. قال ابن كثير : ذكر أبي طالب فيه غريب ، بل منكر ، لأن القصة ليلة الهجرة ، وذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين (١).

الآية : ٣١ ـ قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١).

__________________

(١) السيوطي ، ١٢٨ ـ ١٢٩ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

١٦١

أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر صبرا عقبة ابن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث ، وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله ، أسيري!؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه كان يقول في كتاب الله تعالى ما يقول»!؟ قال : وفيه نزلت هذه الآية (١).

الآية : ٣٢ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ).

قال أهل التفسير : نزلت في النضر بن الحارث ، وهو الذي قال : إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء (٢).

وعن عبد الحميد صاحب الزيادي ، سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم. فنزل : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية ، [سورة الأنفال ، الآية : ٣٣] (٣).

الآية : ٣٥ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ).

عن عطية ، عن ابن عمر قال : كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون ـ ووصف الصفق بيده ـ ويصفرون ـ ووصف صفيرهم ـ ويضعون خدودهم بالأرض ، فنزلت هذه الآية (٤).

الآية : ٣٦ ـ قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

قال مقاتل والكلبي : نزلت في المطعمين يوم بدر ، وكانوا اثني عشر رجلا : أبو

__________________

(١) السيوطي ١٣٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ١٥٢.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٥٢.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / الأنفال ، باب : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ ..) ، رقم : ٤٣٧١ ، ومسلم : صفات المنافقين وأحكامهم ، باب : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ..) ، رقم : ٢٧٩٦ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٠٤.

(٤) زاد المسير ، ج ٣ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٤٠٠.

١٦٢

جهل بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، ونبيه ومنبه ابنا حجاج ، وأبو البختري بن هشام ، والنضر بن الحارث ، وحكيم بن حزام ، وأبيّ بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، والحارث بن عامر بن نوفل ، والعباس بن عبد المطلب ، وكلهم من قريش ، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور (١).

وقال سعيد بن جبير وابن أبزى : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سوى من استجاب له من العرب ، وفيهم يقول كعب بن مالك :

فجئنا إلى موج البحر من وسطه

أحابيش منهم حاسر ومقنع (٢)

ثلاثة آلاف ونحن بقية

ثلاث مئين إن كثرنا فأربع (٣)

وقال الحكم بن عتبة : اتفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية (٤) فنزلت هذه الآية (٥).

وقال محمد بن إسحاق عن رجاله : لما أصيبت قريش يوم بدر ، فرجع فلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ، أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم (٦) ، فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه ، لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا. ففعلوا ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (٧).

__________________

(١) النيسابوري ، ١٩٨ ـ ١٩٩ ، والسيوطي ، ١٣١ ـ ١٣٢ ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ٩ / ٣٥٥.

(٢) الأحابيش : قوم ينسبون إلى جبل بأسفل مكة يسمى (حبشي). حاسر : ليس عليه ما يستره من زرد الحديد ، لا درع ولا مغفر ، وهو ما يستر الوجه. مقنع : من كان على وجهه قناع ، وهو المغفر.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٤) أوقية : أي من الفضة ، وتساوي أربعين درهما.

(٥) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٦٠.

(٦) رجاله : أي رجال إسناده المعروف بالرواية عنهم. فلّهم : المنهزمون منهم. بعيره : العير هي الإبل المحملة بالتجارة. وتركم : جنى عليكم ونقصكم رجالكم.

(٧) السيرة النبوية لابن هشام ، ج ٢ / ٦٠.

١٦٣

الآية : ٤٧ ـ قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (٤٧).

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا) الآية. أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً) الآية (١).

الآية : ٤٩ ـ قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٩).

قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) الآية. روى الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : لما أنزل الله على نبيه بمكة : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) [سورة القمر ، الآية : ٤٥] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله ، أي جمع؟ وذلك قبل بدر ، فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) فكانت ليوم بدر ، فأنزل الله فيهم : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ) الآية [سورة المؤمنون ، الآية : ٦٤] ، وأنزل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [سورة إبراهيم ، الآية : ٢٨] رماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوسعتهم الرمية وملأت أعينهم وأفواههم حتى إن الرجل ليقتل وهو يقذي عينيه وفاه ، فأنزل الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [سورة الأنفال ، الآية : ١٧] وأنزل في إبليس : (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) الآية [سورة الأنفال ، الآية : ٤٨]. وقال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر : غرّ هؤلاء دينهم ، فأنزل الله : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) (٢).

الآية : ٥٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥).

__________________

(١) السيوطي ١٣٢ ، وتفسير الطبري ، ج ١٠ / ١٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٠ / ٢٥.

(٢) السيوطي ١٣٢ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣١٨ ـ ٣١٩.

١٦٤

قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : نزلت (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) في ستة رهط من اليهود فيهم ابن التابوت (١).

الآية : ٥٨ ـ قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨).

قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَ) الآية. روى أبو الشيخ عن ابن شهاب قال : دخل جبريل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : قد وضعت السلاح وما زلت في طلب القوم ، فاخرج فإن الله قد أذن لك في قريظة ، وأنزل فيهم : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) (٢).

الآية : ٦٤ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

معنى : حسبك الله ، أي كافيك الله في كل حال.

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة وثلاثون رجلا ، ثم إن عمر أسلم ، فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه‌السلام بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤) (٣).

الآية : ٦٧ ـ قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ).

قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق ما يجيء من السماء ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استشار في أسارى بدر ، فقال المسلمون : بنو عمك ، افدهم. قال عمر : لا يا رسول الله ، اقتلهم. قال : فنزلت هذه الآية : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٣٧١.

(٢) السيوطي ١٣٣ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٢٠.

(٣) النيسابوري ٢٠٠ ، والسيوطي ١٣٣ ، وفي إسناده إسحاق بن بشر الكاهلي ، وهو واه جدا ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ٤٢.

(٤) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ٢٩ ـ ٣٠.

١٦٥

وقال ابن عمر : استشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأسارى أبا بكر فقال : قومك وعشيرتك ، خل سبيلهم. واستشار عمر فقال : اقتلهم ، ففاداهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) [سورة الأنفال ، الآية : ٦٩]. قال : فلقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» (١).

عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر والتقوا ، فهزم الله المشركين ، وقتل منهم سبعون رجلا وأسر سبعون رجلا ، استشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر وعليا ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال : قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكن إن تمكنني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله عزوجل أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فأخذ منهم الفداء ، فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق ، وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ما ذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت (٢). فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من الفداء ، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة». لشجرة قريبة ، وأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) من الفداء (عَذابٌ عَظِيمٌ) (٦٨) [سورة الأنفال ، الآية : ٦٨] (٣).

__________________

(١) النيسابوري ٢٠١ ، والسيوطي ١٣٤ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣٢٩ ، وصححه وأقره الذهبي.

(٢) عضدا : عونا وقوة. موادة : صلة مودة ومحبّة. صناديدهم : جمع صنديد ، وهو السيد الشريف والشجاع. وجدت بكاء : سببا للبكاء.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : الجهاد والسير ، باب : الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم ، رقم : ١٧٦٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٢٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ٤٥ ـ ٤٦.

١٦٦

الآية : ٧٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى).

قال الكلبي : نزلت في العباس عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ، وكان العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب ، كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر ، فأخذت معه وأخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه ، قال : فكلمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي ، فأبى عليّ وقال : «أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا». وكفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة ، فقلت له : تركتني ـ والله ـ اسأل قريشا بكفي والناس ما بقيت. قال : «فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل مخرجك إلى بدر ، وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم». قال : قلت : وما يدريك؟ قال : «أخبرني الله بذلك». قال : أشهد إنك لصادق وإني قد دفعت إليها ذهبا ولم يطّلع عليها أحد إلا الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله. قال العباس : فأعطاني الله خيرا مما أخذ مني كما قال : عشرين عبدا ، كلهم يضرب بمال كبير ، مكان العشرين أوقية ، وأنا أرجو المغفرة من ربي (١).

الآية : ٧٣ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) (٧٣).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي عن أبي مالك قال : قال رجل : نورث أرحامنا المشركين ، فنزلت : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢).

الآية : ٧٥ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧٥).

__________________

(١) النيسابوري ٢٠٣ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٨ / ٥٢ ـ ٥٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٢) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ٣٩.

١٦٧

قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) الآية. أخرج ابن جرير عن ابن الزبير قال : كان الرجل يعاقد الرجل ترثني وأرثك ، فنزلت : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) الآية.

وأخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الزبير بن العوام وبين كعب بن مالك ، قال الزبير : لقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد ، فقلت : لو مات فانقطع عن الدنيا وأهلها لورثته فنزلت هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فصارت المواريث بعد للأرحام والقرابات ، وانقطعت تلك المواريث في المؤاخاة (١).

__________________

(١) السيوطي ١٣٥ ، وتفسير الطبري ، ج ١٠ / ٤١ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٣٨٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ٩٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.

١٦٨

٩ ـ سورة التوبة «براءة»

الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ).

قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش ، الذين نقضوا العهد ، وهم الذين هموا بإخراج الرسول (١).

الآية : ١٧ ـ قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ).

قال المفسرون : لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون ، فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم ، وأغلظ علي له القول ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ فقال له علي : ألكم محاسن؟ قال : نعم ، إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني. فأنزل الله عزوجل ردا على العباس : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا) الآية (٢).

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ).

عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام قال : حدثنا معمر بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج. وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يوم الجمعة ، ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما

__________________

(١) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ٦٢ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٤٠٤.

(٢) النيسابوري ٢٠٤ ، والسيوطي ١٣٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ٨٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٤٠ ـ ٣٤١.

١٦٩

اختلفتم فيه ، ففعل ، فأنزل الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إلى قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٩) (١).

الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ).

قال الكلبي : لما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته : إنا قد أمرنا بالهجرة. فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون : ناشدناك الله أن تدعنا إلى غير شيء فنضيع. فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة ، فنزلت يعاتبهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الآية (٢).

ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) إلى قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [سورة التوبة ، الآية : ٢٤] يعني القتال وفتح مكة (٣).

الآية : ٢٥ ـ قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (٢٥).

أخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس أن رجلا قال يوم حنين : لن نغلب من قلّة! وكانوا اثني عشر ألفا ، فشقّ ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) الآية (٤).

الآية : ٢٨ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٨).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، وهو في صحيح مسلم برقم ١٨٧٩.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ٤١١.

(٣) النيسابوري في أسباب النزول ، ص ٢٠٦.

(٤) أسباب النزول للسيوطي ١٣٧.

١٧٠

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه ، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت ، قال المسلمون : من أين لنا الطعام؟ فأنزل الله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) شق ذلك على المسلمين ، وقالوا : من يأتينا بالطعام والمتاع؟ فأنزل الله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وأخرج مثله عن عكرمة وعطية العوفي والضحاك وقتادة وغيرهم (١).

الآية : ٣٠ ـ قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٣٠).

قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى ومحمد بن دحية وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل الله في ذلك : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) الآية (٢).

الآية : ٣٤ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ).

نزلت في العلماء والقراء من أهل الكتاب ، كانوا يأخذون الرّشا من سفلتهم ، وهي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم (٣).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٤١٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ١٠٦.

(٢) أسباب النزول للسيوطي ١٣٨.

(٣) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ٨٣.

١٧١

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية.

عن زيد بن وهب قال : مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا؟ قال : كنت بالشام ، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ). فقال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، وكان بيني وبينه كلام في ذلك ، وكتب إلى عثمان يشكو مني ، وكتب إليّ عثمان : أن اقدم المدينة ، فقدمتها ، وكثر الناس عليّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال : إن شئت تنحيت وكنت قريبا. فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أمّروا عليّ حبشيا لسمعت وأطعت (١).

الآية : ٣٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٣٧).

قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ) الآية. أخرج ابن جرير عن أبي مالك قال : كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا فيجعلون المحرم صفرا فيستحلون فيه المحرمات ، فأنزل الله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (٢).

الآية : ٣٨ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا).

نزلت في الحث على غزوة تبوك ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم ، وذلك في زمان عسرة من البأس وجدب من البلاد وشدة من الحر ، حين أخرفت النخل وطابت الثمار ، فعظم على الناس غزو

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : الزكاة ، باب : ما أدي زكاته فليس بكنز ، رقم : ١٣٤١ ، والتفسير / التوبة ، باب : قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ..) ، رقم : ٤٣٨٣ ، والنيسابوري ، ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٢) السيوطي ١٣٩ ، وتفسير الطبري ، ج ١٠ / ٩٣.

١٧٢

الروم ، وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال ، وشق عليهم الخروج إلى القتال ، فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية (١).

الآية : ٣٩ ـ قوله تعالى : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)).

قوله تعالى : (إِلَّا تَنْفِرُوا) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن نجدة بن نفيع قال : سألت ابن عباس عن هذه الآية ، فقال : استنفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحياء من العرب فتثاقلوا عنه ، فأنزل الله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) فأمسك عنهم المطر ، فكان عذابهم (٢).

الآية : ٤١ ـ قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً).

نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر ، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم (٣).

عن سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان ، عن أنس قال : قرأ أبو طلحة : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) فقال : ما أسمع الله عذر أحدا. فخرج مجاهدا إلى الشام حتى مات (٤).

وقال السدي : جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عظيما سمينا ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت فيه : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس ، فنسخها الله تعالى ، وأنزل : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) [سورة التوبة ، الآية : ٩١] (٥).

__________________

(١) النيسابوري ، ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، وتفسير الطبري ، ج ١٠ / ٩٤.

(٢) السيوطي ١٣٩ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٤٣٨ ، وروى نحوه أبو داود في سننه برقم ٢٥٠٦ ، وفي سنده مجهول وهو نجدة بن نفيل.

(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٥٩.

(٤) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ٩٧ ، وفي سنده ابن جدعان وهو ضعيف.

(٥) زاد المسير ، ج ٣ / ٤٤٢ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ٢٤٦.

١٧٣

ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) [سورة التوبة ، الآية : ٤٢]. وقوله تعالى : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [سورة التوبة ، الآية : ٤٧]. وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع ، وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره على ذي حدة ، أسفل من ثنية الوداع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبيّ بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) الآية (١).

الآية : ٤٣ ـ قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣).

قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) الآية. أخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون الأزدي قال : اثنتان فعلهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤمر فيهما بشيء : إذنه للمنافقين ، وأخذه الفداء من الأسارى ، فأنزل الله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٢).

الآية : ٤٩ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٤٩).

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) الآية. أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال للجد بن قيس : «يا جد بن قيس ، ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟» ، فقال : يا رسول الله ، إني امرؤ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن فأذن لي ولا تفتني ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله مثله.

وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اغزوا تغنموا

__________________

(١) النيسابوري ٢٠٨ ، والسيوطي ١٤٠ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٥٩.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ٤٤٤.

١٧٤

بنات بني الأصفر» ، فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) (١).

الآية : ٥٠ ـ قوله تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (٥٠).

قوله تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال : جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار السوء يقولون إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فساءهم ذلك ، فأنزل الله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) الآية (٢).

الآية : ٥٣ ـ قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٣).

قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا) الآية. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قال الجد بن قيس : إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ، ولكن أعينك بمالي ، قال : ففيه نزلت : (أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) قال : لقوله : أعينك بمالي (٣).

الآية : ٥٨ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ).

عن عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي ، وهو حرقوص بن زهير ، أصلح الخوارج ، فقال : اعدل فينا يا رسول الله. فقال : «ويلك» ، ومن يعدل إذا لم أعدل». فنزلت : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) الآية (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٤٤٩ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ٢٤٨.

(٢) السيوطي ، ١٤٠ ـ ١٤١ ، والنيسابوري ٢٠٩ ، وانظر تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١٠٥.

(٣) السيوطي ١٤١ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٤٥١.

(٤) رواه البخاري في صحيحه : استتابة المرتدين والمعاندين ، باب : من ترك قتال الخوارج للتألف ـ

١٧٥

الآية : ٦١ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ).

نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي ، قال بعضهم : لا تفعلوا ، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون ، فيقع بنا. فقال الجلاس بن سويد : نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول ، فإنما محمد أذن سامعة. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نبتل بن الحارث ، وكان رجلا أدلم ، أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة. وهو الذي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث». وكان ينم حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنافقين ، فقيل له : لا تفعل. فقال : إنما محمد أذن ، من حدثه شيئا صدقه ، نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢)

وقال السدي : اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت ، فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحقروه ، فتكلموا وقالوا : لئن كان ما يقوله محمد حقا لنحن أشر من الحمير. ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فدعاهم فسألهم ، فحلفوا أن عامرا كاذب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، وقال : اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب. فنزلت فيهم : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) ونزل قوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٦٢] (٣).

الآية : ٦٤ ـ قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ).

__________________

ـ ولئلا ينفر الناس عنه ، رقم : ٦٥٣٤ ، وتفسير زاد المسير ، ج ٣ / ٤٥٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٨ / ١٦٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٦٣.

(١) قوله تعالى : (أُذُنٌ) أي يصدّق كل ما يقال له ، النيسابوري ٢١٠ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٨ / ١٩٢ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٦٦.

(٢) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١١٦ ـ ١١٧.

(٣) الدر المنثور ، ج ٣ / ٢٥٣.

١٧٦

قال السدي : قال بعض المنافقين : والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة ، ولا ينزل فينا شيء يفضحنا. فأنزل الله هذه الآية (١).

وقال مجاهد : كانوا يقولون القول بينهم ، ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرّنا (٢).

الآية : ٦٥ ـ قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ).

قال قتادة : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، إذ قالوا : يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات له ذلك. فأطلع الله نبيه على ذلك ، فقال نبي الله : «اجلسوا على الركب». فأتاهم فقال : «قلتم كذا وكذا». فقالوا : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال زيد بن أسلم ومحمد بن وهب : قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء. يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه. فقال عوف بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فذهب عوف ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، ونتحدث بحديث الركب ، نقطع به عنا الطريق (٤).

عن ابن عمر قال : رأيت عبد الله بن أبي يسر قدام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحجارة تنكته ، وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٦٥) (٥).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٨ / ١٩٥.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ٤٦٣.

(٣) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١١٩.

(٤) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١١٩.

(٥) النيسابوري ، ٢١١ ـ ٢١٢ ، والسيوطي ١٤٢ ، وفي إسناد النيسابوري إسماعيل بن داود وهو ضعيف.

١٧٧

الآية : ٧٤ ـ قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا).

قال الضحاك : خرج المنافقون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك ، وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وطعنوا في الدين ، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أهل النفاق ، ما هذا الذي بلغني عنكم». فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذابا لهم (١).

وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلين اقتتلا ، رجلا من جهينة ورجلا من غفار ، فظهر الغفاري على الجهيني ، فنادى عبد الله بن أبيّ : يا بني الأوس ، انصروا أخاكم ، فو الله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسمع بها رجل من المسلمين فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فأرسل إليه فجعل يحلف بالله ما قال ، وأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٧٤ ـ قوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).

قال الضحاك : هموا أن يدفعوا ليلة العقبة ، وكانوا قوما قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم معه يلتمسون غرته ، حتى أخذ في عقبة فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم ، وذلك كان ليلا ، قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة ، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل ، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين ، فقال : إليكم يا أعداء الله. فأمسكوا ، ومضى النبي عليه‌السلام حتى نزل منزله الذي أراد ، فأنزل الله تعالى قوله : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) (٣).

الآية : ٧٥ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ).

نزلت هذه الآية في صفة المنافقين (٤).

__________________

(١) النيسابوري ، ٢١٢ ـ ٢١٣ ، والسيوطي ، ١٤٣ ـ ١٤٤ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ٢٥٨.

(٢) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١٢٨.

(٣) النيسابوري ٢١٥ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٧٣.

(٤) انظر تفسير القرطبي ، ج ٨ / ٢٠٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٧٤ ، وقصة ثعلبة بن حاطب لم تصح ولم تثبت.

١٧٨

الآية : ٧٩ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ).

عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع ، فقالوا : إن الله لغني عن صاع هذا ، فنزلت : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) (١).

وقال قتادة وغيره : حث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال : يا رسول الله ، مالي ثمانية آلاف ، جئتك بنصفها ، فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت». فبارك الله في مال عبد الرحمن ، حتى إنه خلف امرأتين يوم مات ، فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم. وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر ، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر ، وقال : يا رسول الله ، بت ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر ، فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر ، فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينثره في الصدقات ، فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أحب أن يزكي نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٨١ ـ قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٨١).

قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) الآية. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف ، فقال رجل : يا رسول الله ،

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : الزكاة ، باب : اتقوا النار ولو بشق تمرة .. ، رقم : ١٣٤٩ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٧٥.

(٢) النيسابوري ٢١٦ ، وذكره ابن كثير في تفسيره عن العوفي عن ابن عباس ، ج ٢ / ٣٧٥.

١٧٩

الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا ننفر في الحر ، فأنزل الله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) الآية.

وأخرج عن محمد بن كعب القرظي قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حر شديد إلى تبوك ، فقال رجل من بني سلمة : لا تنفروا في الحر ، فأنزل الله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) الآية.

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم قال : قال رجل من المنافقين : لا تنفروا في الحر ، فنزلت (١).

الآية : ٨٤ ـ قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً).

عن يحيى بن سعيد القطان : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه ، وقال : أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ، وصلّ عليه واستغفر له. فأعطاه قميصه ، ثم قال : «آذني حتى أصلي عليه». فآذنه ، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب وقال : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال : «أنا بين خيرتين : أستغفر لهم أو لا أستغفر». فصلى عليه ، ثم نزلت عليه هذه الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) فترك الصلاة عليهم (٢).

الآية : ٩١ ـ قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩١).

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت

__________________

(١) السيوطي ١٤٥ ، وتفسير الطبري ، ج ١٠ / ١٣٩.

(٢) تفسير الطبري ، ج ١٠ / ١٤١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٣٧٩ ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. البخاري : الجنائز ، باب : الكفن في القميص الذي يكف .. ، رقم : ١٢١٠ ، ومسلم : أوائل صفات المنافقين وأحكامهم ، رقم : ٢٧٧٤ ، والنيسابوري ٢١٦.

١٨٠