تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

فقالا : لم نره ، فأتي بهما إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستحلفهما بالله : ما كتما ولا اطلعا ، وخلى سبيلهما ، ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة ، فقالوا : ابتعناه من تميم الداري وعدي بن زيد ، فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله : إن هذا الجام جام صاحبنا ، وشهادتنا أحق من شهادتهما ، وما اعتدينا. فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إلى آخرها (١).

__________________

(١) النيسابوري ١٧٩ ، والسيوطي ، ١١٣ ـ ١١٤ ، وصحيح البخاري برقم ٢٧٨٠ ، وفتح الباري ، ج ٥ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.

١٤١

٦ ـ سورة الأنعام

الآية : ٧ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ).

قال الكلبي : إن مشركي مكة قالوا : يا محمد ، والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله ، وأنك رسوله. فنزلت هذه الآية (١).

الآية : ١٣ ـ قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ).

قال الكلبي ، عن ابن عباس : إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا محمد ، إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة ، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلا ، وترجع عما أنت عليه. فنزلت هذه الآية (٢).

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً).

قال الكلبي : إن رؤساء مكة قالوا : يا محمد ، ما نرى أحدا يصدقك بما تقول من أمر الرسالة ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ، فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

الآية : ٢٥ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ).

قال ابن عباس ، في رواية أبي صالح : إن أبا سفيان بن حرب ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأمية وأبيا ابني خلف ، استمعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ، ما يقول محمد؟ قال : والذي جعلها بيته

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٧ ، وأسباب النزول للنيسابوري ١٨٠.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ١٠ ، والنيسابوري ١٨٠.

(٣) النيسابوري ١٨٠ ، والسيوطي ١١٥ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ١٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٣٩٩.

١٤٢

ما أدري ما يقول ، إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء ، وما يقول إلا أساطير الأولين ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية. وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأول ، وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٢٦ ـ قوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ).

قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يردون سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال أبو طالب :

والله لا وصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسّد في التّراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وأبشر وقرّ بذاك منك عيونا

وعرضت دينا لا محالة أنّه

من خير أديان البريّة دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فأنزل الله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) الآية (٢).

وقال محمد بن الحنفية والسدي والضحاك : نزلت في كفار مكة ، كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويتباعدون بأنفسهم عنه (٣).

الآية : ٣٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ).

قال السدي : التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام ، فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد ، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة ، فما ذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

وقال أبو ميسرة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بأبي جهل وأصحابه ، فقالوا : يا محمد ،

__________________

(١) تفسير ابن الجوزي / زاد المسير ، ج ٣ / ١٨ ، والنيسابوري ١٨١.

(٢) النيسابوري ١٨١ ، والسيوطي ، ١١٥ ـ ١١٦ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٢١.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٧ / ١١٠.

(٤) النيسابوري ١٨٢ ، والسيوطي ١١٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٣٠.

١٤٣

إنا والله ما نكذبك ، وإنك عندنا لصادق ، ولكن نكذب ما جئت به. فنزلت : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣) (١).

وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، كان يكذب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العلانية ، وإذا خلا مع أهل بيته قال : ما محمد من أهل الكذب ، ولا أحسبه إلا صادقا. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآية : ٥٢ ـ قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).

عن قيس بن الربيع ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد قال : نزلت هذه الآية فينا ستة : فيّ ، وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال ، قالت قريش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء ، فاطردهم ، فدخل قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فأنزل الله تعالى عليه : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الآية (٣).

عن أبي سعيد ، عن أبي الكنود ، عن خباب بن الأرتّ قال : فينا نزلت ، كنا ضعفاء عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغداة والعشي ، فعلمنا القرآن والخير ، وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا ، والموت والبعث ، فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا : إنا من أشراف قومنا ، وإنا نكره أن يرونا معهم ، فاطردهم إذا جالسناك. قال : «نعم». قالوا : لا نرضى حتى نكتب بيننا كتابا ، فأتى بأديم ودواة ، فنزلت هؤلاء الآيات : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) إلى قوله تعالى : (فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٥٣] (٤).

عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعنده خباب بن

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٤١٦.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ٢٧.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : فضائل الصحابة ، باب : فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، رقم : ٢٤١٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٣٤.

(٤) زاد المسير في علم التفسير ، ج ٣ / ٤٤ ـ ٤٥.

١٤٤

الأرت وصهيب وبلال وعمار ، قالوا : يا محمد ، رضيت بهؤلاء؟ أتريد أن نكون تبعا لهؤلاء؟ فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (١).

الآية : ٥٤ ـ قوله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ).

قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن طردهم ، فكان إذا رآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدأهم بالسلام ، وقال : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام» (٢).

وقال ماهان الحنفي : أتى قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما. فما أخاله رد عليهم بشيء ، فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) (٣).

الآية : ٥٧ ـ قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي).

قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث ورؤساء قريش ، كانوا يقولون : يا محمد ، ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به. استهزاء منهم ، فنزلت هذه الآية (٤).

الآية : ٦٥ ـ قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥).

أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : لما نزلت : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ

__________________

(١) النيسابوري ١٨٣ ، ومعجم الطبراني الكبير ، ج ١٠ / ٢١٧ ، برقم ١٠٥٢٠ ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ، ج ٧ / ٢١ : وقال : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير كردوس وهو ثقة.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٤٣٥.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٧ / ١٣٢ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٤٨.

(٤) النيسابوري ، ١٨٥ ـ ١٨٦ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٥١ ، وانظر تفسير الطبري ، ج ٧ / ١٧٧ ، ففيه معنى هذه الرواية.

١٤٥

عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف». قالوا : ونحن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله؟! فقال بعض الناس : لا يكون هذا أبدا أن يقتل بعضنا بعضا ونحن مسلمون. فنزلت : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (٦٥) (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٦٧) [سورة الأنعام ، الآيات : ٦٥ ـ ٦٧] (١).

الآية : ٨٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢).

أخرج ابن أبي حاتم ، عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة قال : حمل رجل من العدو على المسلمين ، فقتل رجلا ، ثم حمل فقتل آخر ، ثم حمل فقتل آخر ، ثم قال : أينفعني الإسلام بعد هذا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم»! فضرب فرسه ، فدخل فيهم ثم حمل على أصحابه ، فقتل رجلا ، ثم آخر ، ثم قتل. قال فيرون إن هذه الآية نزلت فيه : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢).

الآية : ٩١ ـ قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ).

قال ابن عباس في رواية الوالبي : قالت اليهود : يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟ قال : «نعم». قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتابا. فأنزل الله تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) (٣).

وقال محمد بن كعب القرظي : أمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره ، وكيف يجدونه في كتبهم ، فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله ، وقالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) أسباب النزول للسيوطي ١١٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ١٤٣.

(٢) السيوطي ، ١١٧ ـ ١١٨ ، وانظر تفسير الطبري ، ج ٧ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، فقد ذكر لهذه الآية أسبابا أخرى.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٦.

(٤) انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٥٦.

١٤٦

وقال سعيد بن جبير : جاء رجل من اليهود يقال له : مالك بن الصيف ، فخاصم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين». وكان حبرا سمينا ، فغضب وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه : ويحك ، ولا على موسى؟ فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ٩٣ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ) إلى قوله : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ).

نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي ، كان يسجع ويتكهن ، ويدعي النبوة ، ويزعم أن الله أوحى إليه (٢).

(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) الآية. نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان قد تكلم بالإسلام ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم يكتب له شيئا ، فلما نزلت الآية التي في المؤمنين : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٢] أملاها عليه ، فلما انتهى إلى قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤] عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان ، فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هكذا أنزلت عليّ». فشك عبد الله حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال. وذلك قوله : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) وارتد عن الإسلام (٣).

الآية : ٩٤ ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٨٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ١٧٦.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٧ / ١٨١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٩.

(٣) النيسابوري ، ١٨٥ ـ ١٨٦ ، والسيوطي ، ١١٨ ـ ١١٩ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ١٨١ ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ٣ / ٨٦.

١٤٧

أخرج ابن جرير وغيره عن عكرمة قال : قال النضر بن الحارث : سوف تشفع لي اللات والعزّى ، فنزلت هذه الآية (١).

الآية : ١٠٠ ـ قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ).

قال الكلبي : نزلت هذه الآية في الزنادقة ، قالوا : إن الله تعالى وإبليس أخوان ، والله خالق الناس والدواب ، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب ، فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (٢).

الآية : ١٠٨ ـ قوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ).

قال ابن عباس في رواية الوالبي : قالوا : يا محمد ، لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك (٣). فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدوا بغير علم (٤).

وقال قتادة : كان المسلمون يسبون أوثان الكفار ، فيردون ذلك عليهم ، فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا (٥) لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله (٦).

وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش : فلندخل على هذا الرجل ، فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : كان يمنعه ، فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية وأبيّ ابنا خلف ، وعقبة ابن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن البختري ، إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا ،

__________________

(١) السيوطي ، ١١٩ ـ ١٢٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ١٨٥.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٥٣.

(٣) سبك : أي ذكرك لها بما يعيبها ويقلل من شأنها. لنهجون : من الهجاء ، وهو أن يقول كلاما فيه انتقاص وشتم.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٠٧.

(٥) يستسبوا : يطلبوا السبّ ويتسببوا به.

(٦) تفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٠٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٦٤.

١٤٨

فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندعه وإلهه. فدعاه فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ذا يريدون». فقالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. فقال أبو طالب : قد أنصفك قومك ، فاقبل منهم ، فقال رسول الله عليه‌السلام : «أرأيتم إن أعطيتكم هذا ، هل أنتم معطيّ كلمة ، إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم» (١). قال أبو جهل : نعم ـ وأبيك ـ لنعطينكها وعشر أمثالها ، فما هي؟ قال : «قولوا : لا إله إلا الله». فأبوا واشمأزوا. فقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي ، فإن قومك قد فزعوا منها. فقال : «يا عم ، ما أنا بالذي أقول غيرها ، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها». فقالوا : لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).

الآيات : ١٠٩ ـ ١١١ ـ قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) إلى قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (١١١) (٣).

عن أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب قال : كلمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريش فقالوا : يا محمد ، تخبرنا أن موسى عليه‌السلام كانت معه عصا ، ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وأن عيسى عليه‌السلام كان يحيي الموتى ، وأن ثمود كانت لهم ناقة ، فائتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أي شيء تحبون أن آتيكم به؟» فقالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا. قال : «فإن فعلت تصدقوني؟» قالوا : نعم والله ، لئن فعلت لنتبعنك أجمعين. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو ، فجاء جبريل عليه‌السلام وقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتركهم حتى يتوب تائبهم». فأنزل الله

__________________

(١) دانت : انقادت وخضعت. العجم : كل من عدا العرب من الشعوب.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٦٤.

(٣) النيسابوري ، ١٨٧ ـ ١٨٨ ، والسيوطي ، ١٢٠ ـ ١٢١.

١٤٩

تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) إلى قوله : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١).

الآية : ١١٨ ـ قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨).

روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : أتى ناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، أنأكل ما نقتل ، ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨) إلى قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢١].

وأخرج أبو داود والحاكم وغيرهما عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢١] قال : قالوا : ما ذبح الله لا تأكلون ، وما ذبحتم أنتم تأكلون ، فأنزل الله الآية (٢).

الآية : ١٢١ ـ قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

قال المشركون : يا محمد ، أخبرنا عن الشاة إذا ماتت ، من قتلها؟ قال : «الله قتلها». قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتل الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال عكرمة : إن المجوس من أهل فارس ـ لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة ـ كتبوا إلى مشركي قريش ، وكانوا أولياءهم في الجاهلية ، وكانت بينهم مكاتبة : إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله فهو حرام. فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) النيسابوري ١٨٨ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٢١٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٦٤.

(٢) السيوطي ١٢١ ، وسنن أبي داود برقم ٢٨١٩ ، والترمذي برقم ٣٠٧١ ، وقال : حسن غريب.

(٣) الدر المنثور ، ج ٣ / ٤٢.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٨ / ١٣ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ١١٤.

١٥٠

الآية : ١٢٢ ـ قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ).

قال ابن عباس : يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل ، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفرث وحمزة لم يؤمن بعد ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ، وهو راجع من قنصه وبيده قوس ، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس ، وهو يتضرع إليه ويقول : يا أبا يعلى ، أما ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا ، وسب آلهتنا ، وخالف آباءنا. قال حمزة : ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

عن بقية بن الوليد قال : حدثنا ميسر بن عقيل ، عن زيد بن أسلم ، في قوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) قال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) قال : أبو جهل بن هشام (٢).

الآية : ١٤١ ـ قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) إلى قوله : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١).

أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ، ثم تسارفوا ، فنزلت هذه الآية.

وأخرج عن ابن جريج أنها نزلت في ثابت قياس بن شماس جدّ نخلة [أي : اجتنى ثمرها] فأطعم حتى أمسى وليس له ثمرة (٣).

__________________

(١) النيسابوري ١٨٩ ، والسيوطي ١٢١ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ١١٦ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٧٢.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٨ / ١٧.

(٣) السيوطي ، ١٢١ ـ ١٢٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٨ / ٤٥ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٧ / ١١٠.

١٥١

٧ ـ سورة الأعراف

الآية : ٣١ ـ قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).

قال القرطبي : هو خطاب لجميع العالم ، وإن كان المقصود به من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا ، فإنه عام في كل مسجد للصلاة.

عن نصر بن الحسن ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة ، حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة ، فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب ، وهي تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله

وما بدا منه فلا أحله (١).

فأنزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فأمروا بلبس الثياب (٢).

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهي عريانة ، وعلى فرجها خرقة ، وهي تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله

وما بدا منه فلا أحله

فنزلت : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). ونزلت : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) [سورة الأعراف ، الآيتان : ٣١ ـ ٣٢] (٣).

__________________

(١) سيور : جمع سير ، وهو قطعة جلد ضيقة وطويلة. الحمر : جمع حمار. من الذباب : أي كي لا يقع الذباب على فرجها فيؤذيها. يبدو : يظهر. بعضه : أي بعض فرجها. فلا أحله : أي لا أحل لأحد أن ينظر إليه.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٨ / ١١٨ ـ ١١٩ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ١٨٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢١٠.

(٣) مسلم : التفسير ، باب : في قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، رقم : ٣٠٢٨ ، والنيسابوري ١٩٠ ، والسيوطي ١٢٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ١٨٩.

١٥٢

الآية : ١٧٥ ـ قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها).

قال ابن مسعود : نزلت في بلعم بن باعورا ، رجل من بني إسرائيل. وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : هو بلعم بن باعورا (١).

وقال الوالبي : هو رجل من مدينة الجبارين ، يقال له : بلعم ، وكان يعلم اسم الله الأعظم ، فلما نزل بهم موسى عليه‌السلام أتاه بنو عمه وقومه ، وقالوا : إن موسى رجل حديد ، ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه. قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي. فلم يزالوا به حتى دعا عليهم ، فسلخه ممّا كان عليه ، فذلك قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها) (٢).

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم : نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولا في ذلك الوقت ، ورجا أن يكون هو ذلك الرسول ، فلما أرسل محمدا حسده وكفر به (٣).

الآية : ١٨٤ ـ قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١٨٤).

أخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام على الصفا فدعا قريشا ، فجعل يدعوهم فخذا فخذا ؛ يا بني فلان يا بني فلان ، يحذرهم بأس الله ووقائعه ، فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون ، بات يصوت إلى الصباح ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

الآية : ١٨٧ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها).

قال ابن عباس : قال جبل بن أبي قشير ، وشموال بن زيد ، وهما من اليهود :

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٢٨٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣١٩.

(٢) انسلخ منها : أي خرج منها وفارقها. الدر المنثور للسيوطي ، ج ٣ / ١٤٥.

(٣) النيسابوري ١٩١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٦٥.

(٤) السيوطي ١٢٣ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٢٩٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٢٣٠.

١٥٣

يا محمد ، أخبرنا متى الساعة؟ إن كنت نبيا فإنك تعلم متى هي. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وقال قتادة : قالت قريش لمحمد : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسر إلينا متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) (٢).

وعن أبان بن لقيط (٣) ، عن قرظة بن حسان قال : سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الساعة وأنا شاهد ، فقال : «لا يعلمها إلا الله ، لا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها. إن بين يديها ردما من الفتن وهرجا». فقيل : وما الهرج يا رسول الله؟ قال : «هو بلسان الحبشة القتل ، وأن تحصر قلوب الناس ، وأن يلقى بينهم التناكر ، فلا يكاد أحد يعرف أحدا ، ويرفع ذوو الحجى ، وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا» (٤).

الآية : ١٨٨ ـ قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا).

قال الكلبي : إن أهل مكة قالوا : يا محمد ، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح ، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصب؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٥).

الآيات : ١٨٩ ـ ١٩١ ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) إلى قوله تعالى : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١٩١).

قال مجاهد : كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد ، فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحارث ، وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحارث ، ففعلا ، فذلك قوله

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٢٩٧ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ٩٤.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٩ / ٩٣.

(٣) النيسابوري ١٩٢ ، والسيوطي ١٢٤.

(٤) النيسابوري ، ١٩٣ ـ ١٩٤ ، والسيوطي ١٢٤ ، ومسند أبي يعلى ، ج ١٣ / ١٩٩ ، وفي سنده عبد الغفار بن القاسم وهو متروك.

(٥) زاد المسير ، ج ٣ / ٢٩٩.

١٥٤

تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٩٠] (١).

الآية : ٢٠٤ ـ قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا).

عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة في هذه الآية : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) قال : نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصلاة (٢).

وقال قتادة : كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت ، كان الرجل يجيء فيقول لصاحبه : كم صليتم؟ فيقول : كذا وكذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وقال الزهري : نزلت في فتى من الأنصار ، كان رسول الله عليه‌السلام كلما قرأ شيئا قرأ هو ، فنزلت هذه الآية (٤).

وقال ابن عباس : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة ، وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم ، فخلطوا عليه ، فنزلت هذه الآية.

وقال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، وعمرو بن دينار وجماعة : نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة (٥).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

(٢) زاد المسير ، ج ٣ / ٣١٢ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ١٥٥.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١١١ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١١٠.

(٥) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١١٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٥٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٨٠.

١٥٥

٨ ـ سورة الأنفال

الآية : ١ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).

قال ابن كثير (١) : يسألونك فيما شذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال ، من دابة أو عبد ، أو أمة أو متاع ، فهو نفل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنع به ما يشاء.

وعن محمد بن عبد الله الثقفي ، عن سعد ابن أبي وقاص قال : لما كان يوم بدر قتل أخي عمير ، وقتل سعيد بن العاص ، وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكتيفة ، فأتيت به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اذهب فاطرحه في القبض». قال : فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي (٢) ، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهب فخذ سيفك» (٣).

وقال عكرمة ، عن ابن عباس : لما كان يوم بدر ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا». فذهب شباب الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات ، فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم (٤) ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا ، فإنا كنا تحت الرايات ، ولو انهزمتم كنّا لكم رداء. فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) فقسمها بينهما بالسواء (٥).

وعن مكحول ، عن أبي سلام الباهلي ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٨٢.

(٢) القبض : قال في النهاية : بالتحريك بمعنى المقبوض ، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم. سلبي : وهو ما يأخذه أحد القرنين ـ أي : المتقاتلين ـ من الآخر في الحرب ، مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب وغيرها.

(٣) مسند أحمد ، ج ٣ / ٧٨ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ١١٧.

(٤) نفلهم : نصيبهم من الغنيمة والعطاء.

(٥) سنن البيهقي الكبرى ، ج ٦ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣٢٦ ، وسنن أبي داود برقم ٢٧٣٧.

١٥٦

الصامت قال : لما هزم العدو يوم بدر ، واتبعتهم طائفة يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول الله عليه‌السلام ، واستولت طائفة على العسكر والنهب ، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم ، وقالوا : لنا النفل بحسن طلبنا العدو ، وبنا نفاهم وهزمهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما أنتم بأحق به منا ، نحن أحدقنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينال العدو منه غرة ، فهو لنا. وقال الذين استولوا على العسكر والنهب (١) : والله ما أنتم بأحق به منا ، نحن أخذناه واستولينا عليه ، فهو لنا. فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) فقسمه رسول الله عليه‌السلام بالسوية (٢).

الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥).

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن بالمدينة ، وبلغه أن عير أبي سفيان أقبلت : «ما ترون فيها لعل الله يغنّمناها ويسلّمنا»؟! فخرجنا فسرنا يوما أو يومين ، فقال : «ما ترون فيهم؟» فقلنا : يا رسول الله ، ما لنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال قوم موسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤)!! [سورة المائدة ، الآية : ٢٤]. فأنزل الله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥) ، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه (٣).

الآية : ٩ ـ قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩).

عن عمر بن الخطاب قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين ، وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه وجعل يهتف بربّه : «اللهمّ أنجز

__________________

(١) النهب : أي الغنيمة.

(٢) النيسابوري ، ١٩٣ ـ ١٩٥ ، والسيوطي ١٢٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٨٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٦٠.

(٣) السيوطي ١٢٦ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

١٥٧

لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) فأمدّهم الله تعالى بالملائكة (١)!!.

الآية : ١٧ ـ قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

الرّمي كان بالحصى والتراب ، وكان ذلك يوم بدر ، فأصاب جميع المشركين في أعينهم ووجوههم (٢).

عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال : أقبل أبيّ بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريده ، فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله عليه‌السلام فخلوا سبيله ، فاستقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار ، ورأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترقوه أبيّ من فرجة بين سابغة البيضة والدرع ، فطعنه بحربته ، فسقط أبيّ عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، وكسر ضلعا من أضلاعه ، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور ، فقالوا له : ما أعجزك؟ إنما هو خدش. فقال : والذي نفسي بيده ، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أبيّ إلى النار ، فسحقا لأصحاب السعير (٣) ، قبل أن يقدم مكة ، فأنزل الله تعالى ذلك : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٤).

وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليه‌السلام القبضة من حصباء

__________________

(١) السيوطي ١٢٦ ، وصحيح مسلم برقم ١٣٨٤ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ١٧٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ١٢٧.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٨٥.

(٣) ترقوة : هي العظم الذي في أعلى عظام الصدر. سابغة البيضة : ما سدل من زرد حديد الخوذة ، وهي البيضة. يخور : يخرج صوتا يشبه صوت الثور. بأهل ذي المجاز : سوق من أسواق العرب. فسحقا : بعدا وهلاكا.

(٤) النيسابوري ١٩٦ ، والسيوطي ١٢٧ ، والمستدرك للحاكم : التفسير / الأنفال ، باب : طعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبيّ بن خلف بيده ، ج ٢ / ٣٢٧ ، وصححه وأقره الذهبي.

١٥٨

الوادي يوم بدر ، حين قال للمشركين : «شاهت الوجوه». ورماهم بتلك القبضة ، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء (١).

قال حكيم بن حزام : لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض ، كأنه صوت حصاة وقعت في طست ، ورمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك الحصاة ، فانهزمنا ، فذلك قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٢).

الآية : ١٩ ـ قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ).

عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال : كان المستفتح أبا جهل (٣) ، وإنه قال حين التقى بالقوم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما لم نعرف ، فافتح له الغداة. وكان ذلك استفتاحه ، فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) إلى قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩) (٤).

قال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة ، وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأهدى الفئتين ، وأكرم الحزبين ، وأفضل الدينين. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال عكرمة : قال المشركون : اللهم لا نعرف ما جاء به محمد ـ عليه‌السلام ـ فافتح بيننا وبينه بالحق. فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية (٥).

الآية : ٢٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٩٥.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٣٦ ، ومعجم الطبراني الكبير ، ج ٣ / ٢٠٣ ، ومجمع الزوائد ، ج ٦ / ٨٤ ، وقال : إسناده حسن.

(٣) المستفتح : الذي طلب الفتح.

(٤) المستدرك : التفسير / الأنفال ، باب : شأن نزول (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، ٢ / ٣٢٨ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ١٣٨ ، ومسند أحمد ، ج ٥ / ٤٣١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٢٩٦.

(٥) النيسابوري ، ١٩٦ ـ ١٩٧ ، والسيوطي ، ١٢٧ ـ ١٢٨ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٢٣٥.

١٥٩

نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير ، على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام ، فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحا لهم ، لأن عياله وماله وولده كانت عندهم ، فبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاهم ، فقالوا : يا أبا لبابة ، ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه ـ أنه الذبح ـ فلا تفعلوا. قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله. فنزلت فيه هذه الآية ، فلما نزلت شد نفسه على سارية (١) من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خر مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة ، قد تيب عليك. فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي يحلني. فجاء فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجزيك الثلث أن تتصدق به» (٢).

الآية : ٣٠ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠).

قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ) الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له ، فأمرت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح ، قالوا : أجل فادخل ، فدخل معهم ، فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، فقال قائل : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة فإنما هو كأحدهم ، فقال عدو الله الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجن رائد من محبسه إلى

__________________

(١) السارية : الدعامة.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٩ / ١٤٦ ، وزاد المسير ، ج ٣ / ٣٤٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٩٤ ـ ٤٩٥.

١٦٠