تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

تسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

فراقها ، ولعلها أن تكون لها صحبة ويكون لها ولد ، فيكره فراقها ، وتقول له : لا تطلقني ، وأمسكني وأنت في حل من شأني ، فأنزلت هذه الآية (١).

الآية : ١٣٥ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ).

روى أسباط ، عن السدي قال : نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اختصم إليه غني وفقير ، وكان ضلعه (٢) مع الفقير ، رأى أن الفقير لا يظلم الغني ، فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) حتى بلغ : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٣).

الآية : ١٣٦ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).

قال الكلبي : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وجماعة من مؤمني أهل الكتاب ، قالوا : يا رسول الله ، إنا نؤمن بك وبكتابك ، وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

الآية : ١٤٨ ـ قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ).

قال مجاهد : إن ضيفا تضيف قوما ، فأساءوا قراه ، فاشتكاهم ، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكو (٥).

الآية : ١٥٣ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً).

نزلت في اليهود ، قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء ، كما أتى به موسى. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٦).

__________________

(١) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري برقم ٢٣١٨ ، ومسلم برقم ٣٠٢١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٥٦٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

(٢) ضلعه : أي ميله.

(٣) تفسير الطبري ، ج ٥ / ٢٠٧.

(٤) زاد المسير لابن الجوزي ، ج ٢ / ٢٢٣.

(٥) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٣٦ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٥٧١.

(٦) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٤١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٦.

١٢١

الآية : ١٦٦ ـ قوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ).

قال الكلبي : إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : سألنا عنك اليهود ، فزعموا أنهم لا يعرفونك ، فائتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا. فنزلت هذه الآية : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) (١).

الآية : ١٧١ ـ قوله تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ).

نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا : عيسى ابن الله ، فأنزل الله تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) (٢).

قال الكلبي : إن وفد نجران قالوا : يا محمد ، تعيب صاحبنا؟ قال : «ومن صاحبكم». قالوا : عيسى. قال : «أي شيء أقول فيه». قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله. فقال لهم : «إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا لله». قالوا : بلى. فنزلت : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) [سورة النساء ، الآية : ١٧٢] (٣).

الآية : ١٧٦ ـ قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ).

عن هشام بن عبد الله ، عن ابن الزبير ، عن جابر قال : اشتكيت ، فدخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندي سبع أخوات ، فنفخ في وجهي ، فأفقت ، فقلت : يا رسول الله ، أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال : «اجلس» فقلت : الشطر؟ قال : «اجلس». ثم خرج فتركني ، قال : ثم دخل عليّ وقال : «يا جابر ، إني لا أراك تموت في وجعك هذا ، إن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك : الثلثين». وكان جابر يقول : نزلت هذه الآية فيّ : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (٤).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٥٧ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٥٨٩.

(٢) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٦٠ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٥٩٠.

(٣) النيسابوري ، ١٥٦ ـ ١٥٨ ، والسيوطي ، ٩٤.

(٤) النيسابوري ١٥٨ ، والسيوطي ، ٩٥ ـ ٩٦ ، وسنن أبي داود برقم ٢٨٨٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٨.

١٢٢

٥ ـ سورة المائدة

الآية : ٢ ـ قوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ).

قال ابن عباس : نزلت في الحطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي ، أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليمامة إلى المدينة ، فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه‌السلام ، فقال : إلام تدعو الناس؟ قال : «إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة». فقال : حسن ، إلا أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم ، ولعلي أسلم وآتي بهم ، وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان». ثم خرج من عنده ، فلما خرج قال رسول الله عليه‌السلام : «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر ، وما الرجل مسلم». فمر بسرح المدينة فاستقاه ، فطلبوه فعجزوا عنه ، فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة ، فقال لأصحابه : «هذا الحطيم وأصحابه». وكان قد قلد هديا من سرح المدينة ، وأهدى إلى الكعبة ، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يريد ما أشعر لله وإن كانوا على غير دين الإسلام (١).

وقال زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدّهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة ، فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم ، فأنزل الله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم (٢).

__________________

(١) النيسابوري ١٥٩ ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ٢ / ٢٧٠ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

١٢٣

الآية : ٣ ـ قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).

نزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة ، بعد العصر في حجة الوداع ، سنة عشر ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرفات على ناقته العضباء (١).

عن جعفر بن عون قال : أخبرني أبو عميس ، عن قيس بن حاتم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال : أي آية هي؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عشية يوم عرفة في يوم جمعة (٢).

وعن عباد ابن أبي عمار قال : قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه يهودي : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). فقال اليهودي : لو نزلت هذه الآية علينا في يوم لاتخذناه عيدا. فقال ابن عباس : فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد : يوم جمعة ، وافق ذلك يوم عرفة (٣).

الآية : ٤ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ).

عن أبان بن صالح ، عن القعقاع بن الحكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الكلاب ، فقال الناس : يا رسول الله ، ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهي : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٤).

__________________

(١) تفسير زاد المسير ، ج ٢ / ٢٨٦.

(٢) صحيح البخاري برقم ٤٥ ، وصحيح مسلم برقم ٣٠١٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٦١ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٣.

(٣) زاد المسير ، ج ٢ / ٢٨٦.

(٤) رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك : التفسير / المائدة ، باب : أحلت ذبائح اليهود والنصارى ، ٢ / ٣١١ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٢٩٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٦٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٥.

١٢٤

وذكر المفسرون شرح هذه القصة ، قالوا : قال أبو رافع : جاء جبريل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستأذن عليه فأذن له ، فلم يدخل ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «قد أذنّا لك يا رسول الله». فقال : أجل يا رسول الله ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب. فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو ، قال أبو رافع : فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته ، حتى بلغت العوالي ، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها ، فرحمتها فتركته ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فأمرني بقتله ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فلما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا : يا رسول الله ، ما ذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها؟ فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فلما نزلت أذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها ، وأمر بقتل الكلب العقور ، وما يضر ويؤذي ، ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه (١).

وقال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين ، وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير ، فقالا : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب ، فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة ، فما ذا يحل لنا منها؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) يعني الذبائح (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) يعني وصيد ما علمتم من الجوارح ، وهو الكواسب من الكلاب وسباع الطير (٢).

الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ).

روى البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ، ونحن داخلون المدينة ، فأناخ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا ، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة ، وقال : حبست الناس في قلادة ، ثم إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استيقظ وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) إلى قوله تعالى :

__________________

(١) النيسابوري ، ١٦٠ ـ ١٦١ ، والسيوطي ، ٩٨ ـ ٩٩.

(٢) النيسابوري ١٦٢ ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ج ٢ / ٢٦٠.

١٢٥

(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) ، فقال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر (١)!!.

وروى الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : لمّا كان أمر عقدي ما كان ، وقال أهل الإفك ما قالوا ، خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة أخرى ، فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه ، فقال لي أبو بكر : بنيّة! في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس؟! فأنزل الله الرخصة في التيمم ، فقال أبو بكر : إنك لمباركة!!.

تنبيهان : الأول : ساق البخاري هذا الحديث من رواية عمرو بن الحارث وفيه التصريح بأن آية التيمم المذكورة في رواية غيره هي آية المائدة ، وأكثر الرواة قالوا : فنزلت آية التيمم ولم يبينوها. وقد قال ابن عبد البر : هذه معضلة ما وجدت لدائها دواء ، لأنّا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. وقد قال ابن بطال : هي آية النساء. ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء ، وآية النساء لا ذكر للوضوء بها ، فيتّجه تخصيصها بآية التيمم.

وأورد الواحدي [أي النيسابوري] هذا الحديث في أسباب النزول عند ذكر آية النساء أيضا. ولا شك أن الذي مال إليه البخاري : من أنها آية المائدة هو الصواب للتصريح بها في الطريق المذكور.

الثاني : دل الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول الآية. ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء ، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.

قال ابن عبد البر : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء ، ولا يدفع ذلك إلا جاحد أو معاند ، قال : والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقديم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل. وقال غيره : يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدّما مع فرض الوضوء ، ثم نزل بقيتها ، وهو ذكر التيمم في هذه القصة (٢).

__________________

(١) فتح الباري ، ج ٨ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، برقم ٤٦٠٨.

(٢) السيوطي : أسباب النزول ، ص ٩٩ ـ ١٠١.

١٢٦

الآية : ١١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).

عن عمر بن عبيد ، عن الحسن البصري ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أن رجلا من محارب يقال له : غورث بن الحارث ، قال لقومه من غطفان ومحارب : ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا : نعم ، وكيف تقتله؟ قال : أفتك به. قال : فأقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس وسيفه في حجره ، فقال : يا محمد ، أنظر إلى سيفك هذا؟ قال : «نعم» فأخذه فاستله ، ثم جعل يهزه ويهم به ، فكبته الله عزوجل. ثم قال : يا محمد ، ما تخافني؟ قال : «لا». قال : ألا تخافني وفي يدي السيف؟ قال : «يمنعني الله منك». ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) (١).

عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل منزلا ، وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها ، فعلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلاحه على شجرة ، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أقبل عليه ، فقال : من يمنعك مني؟ قال : «الله». قال ذلك الأعرابي مرتين أو ثلاثا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الله». فشام الأعرابي السيف ، فدعا النبي عليه‌السلام أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه (٢).

وقال مجاهد والكلبي وعكرمة : قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين من بني سلم ، وبين النبي عليه‌السلام وبين قومهما موادعة ، فجاء قومهما يطلبون الدية ، فأتى النبي عليه‌السلام ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين ، فدخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما ، فقالوا : يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة ، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا. فجلس هو وأصحابه ، فجاء بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن ، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة ،

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٢ / ٣٠٨.

(٢) السيوطي ١٠١ ، والنيسابوري ١٦٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٦ / ٩٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ١١١.

١٢٧

فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب : أنا ، فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه ، فأمسك الله تعالى يده ، وجاء جبريل عليه‌السلام وأخبره بذلك ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

الآية : ١٥ ـ قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ).

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال : إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرحم ، فقال : «أيّكم أعلم؟» فأشاروا إلى ابن صوريا ، فناشده [بالله] الذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور ، والمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل ، فقال : إنه لما كثر فينا جلدنا مائة وحلقنا الرءوس ؛ فحكم عليهم بالرجم ، فأنزل الله هذه الآية (٢).

الآية : ١٨ ـ قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ).

روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعمان بن قصي وبحر بن عمر وشأس بن عدي ، فكلّموه وكلّمهم ، ودعاهم إلى الله وحذّرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوّفنا يا محمد!؟ نحن والله أبناء الله وأحبّاؤه ، كقول النصارى ، فأنزل الله فيهم : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) الآية. وروي عنه قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهود إلى الإسلام ورغّبهم فيه ، فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة : يا معشر يهود! اتقوا الله ، فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) [سورة المائدة ، الآية : ١٩] (٣).

__________________

(١) النيسابوري ١٦٢.

(٢) السيوطي ، ١٠٢ ـ ١٠٣ ، وتفسير الطبري ، ج ٦ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٣) أسباب النزول للسيوطي ١٠٣. وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ١٢٠.

١٢٨

الآية : ٣٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ).

عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول الله عليه‌السلام بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها وأبوالها ، فقتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا الذود ، فبعث رسول الله عليه‌السلام في آثارهم فأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم وثمل أعينهم ، فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم.

قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) إلى آخر الآية (١).

الآية : ٣٨ ـ قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما).

قال الكلبي : نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع ، وقد مضت قصته (٢).

الآية : ٤١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ).

عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب قال : مرّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيهودي محمما (٣) مجلودا ، فدعاهم فقال : «أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟» قالوا : نعم. قال : فدعا رجلا من علمائهم فقال : «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه‌السلام ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال : لا ، ولو لا أنك نشدتني لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا نجتمع

__________________

(١) رواه مسلم : القسامة ، باب : حكم المحاربين والمرتدين ، رقم : ١٦٧١ ، والنيسابوري ١٦٤ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ١٤٨.

(٢) انظر الآية ١٠٥ من سورة النساء : أسباب النزول للنيسابوري ، وزاد المسير لابن الجوزي ، ج ٢ / ٣٤٨.

(٣) محمّما أي : مسوّد الوجه.

١٢٩

على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه». فأمر به فرجم ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قوله : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) يقولون : ائتوا محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا به ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، إلى قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤) [سورة المائدة ، الآية : ٤٤] قال : في اليهود ، إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٤٥) [سورة المائدة ، الآية : ٤٥] قال : في اليهود ، إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧) [سورة المائدة ، الآية : ٤٧] قال : في الكفار كلها (١).

الآية : ٤٤ ـ قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ).

عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن الزهري قال : حدثني رجل من مزينة ، ونحن عند سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود وامرأة ، قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي مبعوث للتخفيف ، فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله ، وقلنا : فتيا نبي من أنبيائك. فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : «أنشدكم الله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن». قالوا : يحمم ويجبه ويجلد. والتجبية : أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما. قال : وسكت شاب منهم ، فلما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سكت ألح به في النشدة (٢) ، فقال : اللهم إذ أنشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم. فقال النبي عليه‌السلام : «فما أول ما أرخصتم أمر الله عزوجل». قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل من سراة الناس ، فأراد رجمه ، فأحال قومه دونه ، فقالوا : لا يرجم صاحبنا

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : الحدود ، باب : رجم اليهود وأهل الذمة في الزنا ، رقم : ١٧٠٠ ، والنيسابوري ١٦٥ ، والسيوطي ١٠٤ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٣٥٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) بيت مدراسهم : المكان الذي يدرسون فيه كتبهم. النشدة : السؤال بالله تعالى والقسم.

١٣٠

حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه ، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«فإني أحكم بما في التوراة». فأمر بهما فرجما (١).

قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا). وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم.

قال معمر : أخبرني الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أمر برجمهما ، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة (٢).

الآية : ٤٩ ـ قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ).

قال ابن عباس : إن جماعة من اليهود ، منهم : كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشاس بن قيس ، قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا : يا محمد ، قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى فيهم : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (٣).

الآية : ٥١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ).

قال القرطبي : هذا يدل على قطع الموالاة شرعا.

قال عطية العوفي : جاء عبادة بن الصامت فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم ، وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود ، وآوي إلى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ : إني رجل أخاف الدوائر ، ولا أبرأ من ولاية اليهود. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبا الحباب ، ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه» فقال : قد قبلت. فأنزل الله تعالى فيهما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إلى قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ

__________________

(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ١٧٨.

(٣) زاد المسير ، ج ٢ / ٣٧٤ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢١٢.

١٣١

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني عبد الله بن أبيّ (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) وفي ولايتهم (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٥٢] (١).

الآية : ٥٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا).

قال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إن قوما من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا ، وأقسموا أن لا يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل. وشكا ما يلقى من اليهود ، فنزلت هذه الآية ، فقرأها عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء (٢).

وعن محمد بن مروان ، عن محمد السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله ، إن منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ولا متحدث ، وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا ، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا. فقال لهم النبي عليه‌السلام : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، ثم إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلا ، فقال : «هل أعطاك أحد شيئا». قال : نعم ، خاتم من ذهب. قال : «من أعطاك». قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال : «على أي حال أعطاك؟» قال : أعطاني وهو راكع ، فكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قرأ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) [سورة المائدة ، الآية : ٥٦] (٣).

الآية : ٥٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً).

قال ابن عباس : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ، ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

__________________

(١) النيسابوري ، ١٦٧ ـ ١٦٨ ، والسيوطي ، ١٠٥ ـ ١٠٦ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢١٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٦٩.

(٢) زاد المسير لابن الجوزي ، ج ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

(٣) النيسابوري في أسباب النزول ١٦٩ ، وفي سنده محمد بن مروان ضعيف ، وقال الرّازي : متروك.

(٤) تفسير الطبري ، ج ٦ / ١٨٧ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٣٨٥ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٢٣.

١٣٢

الآية : ٥٨ ـ قوله تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً).

قال الكلبي : كان منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نادى إلى الصلاة فقام المسلمون إليها ، قالت اليهود : قوموا وصلوا ، اركعوا على طريق الاستهزاء والضحك. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

قال السدي : نزلت في رجل من نصارى المدينة ، كان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن محمدا رسول الله. قال : حرق الكاذب ، فدخل خادمه بنار ذات ليلة ، وهو نائم وأهله نيام ، فطارت منها شرارة في البيت ، فاحترق هو وأهله (٢).

وقال آخرون : إن الكفار لما سمعوا الأذان حضروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون على ذلك ، وقالوا : يا محمد ، لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم ، فإن كنت تدّعي النبوّة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبلك ، ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الأنبياء والرسل من قبلك ، فمن أين لك صياح كصياح البعير؟ فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر (٣). فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأنزل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) [سورة فصلت ، الآية : ٣٣] (٤).

الآية : ٦٠ ـ قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ).

قال ابن عباس : أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال : «أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (١٣٦)» (٥). فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرا من دينكم. فأنزل الله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً) الآية (٦).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٢٤.

(٢) تفسير الطبري ، ج ٦ / ١٨٨.

(٣) أسمج : أكثر قبحا.

(٤) زاد المسير ، ج ٢ / ٣٨٦.

(٥) أي ما نزل في الآية ١٣٦ من سورة البقرة.

(٦) النيسابوري ١٦٩ ، والسيوطي ، ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٧٣ ـ ٧٤.

١٣٣

الآية : ٦٤ ـ قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ).

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود ، يقال له : النباش بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).

وأخرج أبو الشيخ من وجه آخر عنه ، قال : نزلت [هذه الآية] في فنحاص رأس يهود بني قينقاع (٢).

الآية : ٦٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).

قال الحسن : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما بعثني الله تعالى برسالتي ضقت بها ذرعا ، وعرفت أن من الناس من يكذبني». وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهيب قريشا واليهود والنصارى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).

وعن الأعمش وأبي حجاب ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يوم غدير خم (٤) ، في علي بن أبي طالب رضي الله عنه (٥).

قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الآية. قالت عائشة رضي الله عنها : سهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ، فقلت : يا رسول الله ، ما شأنك؟ قال : «ألا رجل صالح يحرسنا الليلة؟» فقالت : بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح ، فقال : «من هذا؟» قال : سعد وحذيفة ، جئنا نحرسك. فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى سمعت غطيطه ، ونزلت هذه الآية ، فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه من قبة أدم وقال : «انصرفوا يا أيها الناس ، فقد عصمني الله» (٦).

__________________

(١) زاد المسير ، ج ٢ / ٣٩٢.

(٢) السيوطي ١٠٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٣٨.

(٣) تفسير زاد المسير لابن الجوزي ، ج ٢ / ٣٩٦ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٧٧.

(٤) غدير خمّ : اسم موضع بين مكة والمدينة.

(٥) النيسابوري ١٧٠ ، وسنده ضعيف.

(٦) غطيطه : هو صوت النائم. أدم : جلد. عصمني : حفظني وحماني. النيسابوري ١٧٠ ، ـ

١٣٤

الآية : ٦٨ ـ قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : جاء رافع وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا؟ قال : «بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها ، وكتمتم ما أمرتم أن تبيّنوه للناس» ، قالوا : فإنّا نأخذ بما في أيدينا ، فإنّا على الهدى والحق ، فأنزل الله هذه الآية (١).

الآيات : ٨٢ ـ ٨٦ ـ قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) إلى قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا).

نزلت في النجاشي وأصحابه (٢).

قال ابن عباس : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين ، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي ، وقال : «إنه ملك صالح لا يظلم ، ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا». فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم : تعرفون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا : نعم. قال : اقرءوا ، فقرءوا وحوله القسيسون والرهبان ، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، قال الله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٨٢) (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) الآية (٣).

عن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير وغيرهما ، قالا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتاب معه إلى النجاشي ، فقدم على النجاشي ، فقرأ كتاب

__________________

ـ (٦) والسيوطي ١٠٨ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣١٣ ، وصححه وأقره الذهبي ، ورواه الترمذي برقم ٣٠٤٦.

(١) السيوطي ١٠٩ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٣٩٨ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٤٥.

(٢) زاد المسير ، ج ٢ / ٤٠٨.

(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٨٥.

١٣٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه ، فأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ، ثم أمر جعفرا أن يقرأ عليهم القرآن ، فقرأ سورة مريم عليها‌السلام ، فآمنوا بالقرآن ، وأفاضت أعينهم من الدمع ، وهم الذين نزل فيهم : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) إلى قوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣) (١).

وقال آخرون : قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ، ومعهم سبعون رجلا ، بعثهم النجاشي وفدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عليهم ثياب الصوف ، اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام ، وهم بحيرا الراهب وأبرهليه وإدريس وأشرف وتمام وقثم وذر وأيمن ، فقرأ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة (يس) (١) إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى. فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات (٢).

الآية : ٨٧ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ).

عن عثمان بن سعد قال : أخبرني عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا أتى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء ، وإني حرمت عليّ اللحم. فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ). ونزلت : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) [سورة المائدة ، الآية : ٨٨] (٣).

قال المفسرون (٤) : جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما ، فذكّر الناس ووصف القيامة ، ولم يزدهم على التخويف ، فرقّ الناس وبكوا ، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم : أبو بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبو ذر الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ،

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٥٥.

(٢) النيسابوري ، ١٧٠ ـ ١٧٢ ، والسيوطي ، ١٠٩ ـ ١١٠.

(٣) زاد المسير ، ج ٢ / ٤١٠ ،

(٤) النيسابوري ١٧٢ ، والسيوطي ، ١١٠ ـ ١١١.

١٣٦

والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مضر ، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ، ويترهبوا ، ويجبوا المذاكير. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجمعهم فقال : «ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا». فقالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير. فقال : «إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، ومن رغب عن سنتي فليس مني». ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال : «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا ، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانا ، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد ، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا واعتمروا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع». فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا ، فأنزل الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٩] (١).

الآية : ٩٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ).

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أتيت على نفر من المهاجرين ، فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمرا ، وذلك قبل أن يحرّم الخمر ، فأتيتهم في حش ، والحش البستان ، وإذا رأس جزور مشويا عندهم ، ودن من خمر ، فأكلت وشربت معهم ، وذكرت الأنصار والمهاجرين ، فقلت : المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ رجل لحي الرأس فجدع أنفي بذلك ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فأنزل الله في شأن الخمر : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية (٢).

وعن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب قال : اللهم بين لنا في

__________________

(١) النيسابوري ، ١٧٥ ـ ١٧٦ ، والسيوطي ، ١١٠ ـ ١١١ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٧.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : فضائل الصحابة ، باب : فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، برقم ١٧٤٨ ـ ٤٣ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٢ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٨٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٩١ ـ ٩٣.

١٣٧

الخمر بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٩] فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت الآية التي في النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [سورة النساء ، الآية : ٤٣]. فكان منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أقام الصلاة ينادي : لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) [سورة المائدة ، الآية : ٩١] قال عمر : انتهينا (١).

الآية : ٩٣ ـ قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا).

قال القرطبي : هذه الآية نظير سؤالهم عمّن مات إلى القبلة الأولى ، (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣] ـ أي صلاتكم ـ فرفع الله ذلك التوهّم بقوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية.

وعن حماد ، عن ثابت ، عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ والبسر والتمر ، وإذا مناد ينادي : إن الخمر قد حرمت. قال : فأريقت في سكك المدينة ، فقال أبو طلحة : اخرج فأرقها. قال : فأرقتها. فقال بعضهم : قتل فلان وقتل فلان وهي بطونهم؟ (٢) قال : فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية (٣).

__________________

(١) النيسابوري ١٧٥ ، والسيوطي ، ١١١ ـ ١١٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٢ ، وزاد المسير ، ج ٢ / ٤١٧.

(٢) الفضيخ : هو التمر المشقوق والمكسور. البسر : هو الغض من التمر. سكك : طرق. وهي بطونهم : هكذا في المطبوع ، وفي الصحيح : وهي في بطونهم ، أي : قد شربوها كثيرا ، فهو مبالغة ، فكأنهم ماتوا وهي لا تزال في بطونهم لكثرة شربهم لها.

(٣) رواه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه. البخاري : التفسير / المائدة ، باب : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) ، رقم : ٤٣٤٤ ، ومسلم : الأشربة ، باب : تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب .. ، رقم : ١٩٨٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٩٢ ـ ٩٤.

١٣٨

وعن البراء بن عازب قال : مات من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما حرمت قال أناس : كيف لأصحابنا ، ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية (١).

الآية : ١٠٠ ـ قوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ).

عن سفيان ، عن محمد بن سراقة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله عزوجل حرم عليكم عبادة الأوثان ، وشرب الخمر ، والطعن في الأنساب. ألا إن الخمر لعن شاربها وعاصرها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها». فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله ، إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي ، فاقتنيت (٢) من بيع الخمر مالا ، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة ، إن الله لا يقبل إلا الطيب». فأنزل الله تعالى تصديقا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (٣).

الآية : ١٠١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).

عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استهزاء ، فيقول الرجل الذي تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) حتى فرغ من الآيات كلها (٤).

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية : (وَلِلَّهِ عَلَى

__________________

(١) سنن الترمذي برقم ٣٠٥١ ، وقال : حسن صحيح ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٥.

(٢) اقتنيت : جمعت وادخرت وملكت.

(٣) زاد المسير ، ج ٢ / ٤٣٢.

(٤) النيسابوري ، ١٧٦ ـ ١٧٨ ، والسيوطي ، ١١٢ ـ ١١٣ ، وصحيح البخاري برقم ٤٦٢٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ٦ / ٣٣٠.

١٣٩

النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٧] قالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كل عام؟ فسكت ، ثم قال في الرابعة : «لا ، ولو قلت نعم لوجبت». فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (١).

الآية : ١٠٥ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).

قال الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل هجر ، وعليهم منذر بن ساوى ، يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فليؤدوا الجزية. فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والصابئين والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، وكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وأما أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية». فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلمت العرب ، وأما أهل الكتاب والمجوس فأعطوا الجزية ، فقال منافقو العرب : عجبا من محمد ، يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ، ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب ، فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما ردّ على مشركي العرب. فأنزل الله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) يعني من ضل من أهل الكتاب (٢).

الآية : ١٠٦ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ).

عن محمد بن القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان تميم الداري وعدي بن زيد يختلفان إلى مكة ، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم ، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ، فلما قدما دفعاها إلى أهله ، وكتما جاما كان معه من فضة ، كان مخوصا بالذهب (٣) ،

__________________

(١) المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٢٩٤ ، وسنده ضعيف.

(٢) النيسابوري ، ١٧٨ ـ ١٧٩ ، والسيوطي ، ١١٢ ـ ١١٣ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(٣) يختلفان : يأتيان إليها ويخرجان منها. جاما : كأسا. مخوصا : منقوشا فيه خطوط دقيقة طويلة كالخوص ، وهو ورق النخل.

١٤٠