مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أبي الحسن علي بن محمّد الشافعي [ ابن المغازلي ]

مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمّد الشافعي [ ابن المغازلي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٦٥

شفّعني شفّع عليّا معي ، وإذا أجبت أجيب عليّ معي ، وإنّه في المقام عوني على مفاتيح الجنّة ، قومي يا فاطمة إنّ عليّا وشيعته هم الفائزون غدا.

وقال : بينما فاطمة جالسة إذ أقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتّى جلس إليها فقال : يا فاطمة مالي أراك باكية حزينة؟ قالت : يا أبي وكيف لا أبكي وتريد أن تفارقني؟ فقال لها : يا فاطمة لا تبكينّ ولا تحزنينّ فلا بدّ من مفارقتك.

قال : فاشتدّ بكاء فاطمة (عليها‌السلام) ثمّ قالت : يا أبه أين ألقاك؟ قال : تلقيني على تلّ الحمد أشفع لأمّتي ، قالت : يا أبه فإن لم ألقك؟ فقال : تلقيني على الصراط وجبرئيل عن يميني ، وميكائيل عن يساري ، وإسرافيل آخذ بحجزتي ، والملائكة من خلفي وأنا أنادي: يا ربّ أمّتي أمّتي هوّن عليهم الحساب! ثمّ أنظر يمينا وشمالا إلى أمّتي وكلّ نبيّ يومئذ مشتغل بنفسه يقول : يا ربّ نفسي نفسي ، وأنا أقول : يا ربّ أمّتي أمّتي.

فأوّل من يلحق بي من أمّتي يوم القيامة أنت وعليّ والحسن والحسين فيقول الربّ : يا محمّد! إنّ أمّتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لعفوت عنهم ، ما لم يشركوا بي شيئا ولم يوالوا لي عدوّا.

قال : قال : فلمّا سمع الشابّ هذا منّي أمر لي بعشرة آلاف درهم ، وكساني ثلاثين ثوبا ثمّ قال لي : من أين أنت؟ قلت : من أهل الكوفة. قال : عربيّ أنت أم مولى؟ قلت : بل عربيّ. قال : فكما أقررت عيني أقررت عينك ، ثمّ قال لي : ائتني غدا في مسجد بني فلان وإياك أن تخطئ الطريق ؛ فذهبت إلى الشيخ وهو جالس ينتظرني في المسجد ، فلمّا رآني استقبلني وقال : ما فعل معك أبو فلان؟ قلت : كذا وكذا ، قال : جزاه الله خيرا ، جمع الله بيننا وبينهم في الجنّة.

فلمّا أصبحت يا سليمان ركبت البغلة وأخذت في الطريق الّذي وصف لي ، فلمّا صرت غير بعيد تشابه عليّ الطريق ، وسمعت إقامة الصلاة في مسجد ، فقلت : والله لأصلّينّ مع هؤلاء القوم ، فنزلت عن البغلة ودخلت

١٦١

المسجد فوجدت رجلا قامته مثل قامة صاحبي ، فصرت عن يمينه.

فلمّا صرنا في ركوع وسجود إذا عمامته قد رمي بها من خلفه فتفرّست في وجهه فإذا وجهه وجه خنزير ورأسه وخلقه ويداه ورجلاه ، فلم أعلم ما صلّيت وما قلت في صلاتي متفكّرا في أمره ، وسلّم الإمام وتفرّس في وجهي وقال : أنت أتيت أخي بالأمس فأمر لك بكذا وكذا؟ قلت : نعم ، فأخذ بيدي وأقامني ، فلمّا رآنا أهل المسجد تبعونا ، فقال للغلام: اغلق الباب ولا تدع أحدا يدخل علينا ، ثمّ ضرب بيده إلى قميصه فنزعه فإذا جسده جسد خنزير.

فقلت : يا أخي ما هذا الّذي أرى بك؟ قال : كنت مؤذّن القوم. فكنت كلّ يوم إذا أصبحت ألعن عليّا ألف مرّة ، بين الأذان والإقامة ، قال : فخرجت من المسجد ودخلت داري هذه ، وهو يوم جمعة ، وقد لعنته أربعة آلاف مرّة ، ولعنت أولاده ، فاتّكيت على الدّكّان ، فذهب بي النوم ، فرأيت في منامي كأنّما أنا بالجنّة قد أقبلت ، فإذا عليّ متّكئ والحسن والحسين معه متكئين بعضهم ببعض مسرورين ، تحتهم مصلّيات من نور ، وإذا أنا برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) جالس ، والحسن والحسين قدّامه وبيد الحسن كأس.

فقال النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للحسن : اسقني فشرب ، ثمّ قال للحسين : اسق أباك عليّا فشرب ، ثمّ قال للحسن : اسق الجماعة فشربوا ، ثمّ قال : اسق المتّكئ على الدّكّان فولّى الحسن بوجهه عنّي وقال : يا أبه كيف أسقيه وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة ، وقد لعنه اليوم أربعة آلاف مرّة؟.

فقال النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مالك ـ لعنك الله ـ تلعن عليّا وتشتم أخي؟ ـ لعنك الله ـ تشتم أولادي الحسن والحسين؟ ثمّ بصق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فملأ وجهي وجسدي ، فانتبهت من منامي ووجدت موضع البصاق الّذي أصابني من بصاق النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد مسخ كما ترى ، وصرت آية للسّائلين.

ثمّ قال : يا سليمان سمعت في فضائل عليّ (عليه‌السلام) أعجب من هذين الحديثين؟ يا سليمان حبّ عليّ إيمان وبغضه نفاق ، لا يحبّ عليّا إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا كافر. فقلت: يا أمير المؤمنين الأمان؟ قال : لك الأمان ،

١٦٢

قال : قلت : فما تقول يا أمير المؤمنين في من قتل هؤلاء؟ قال : في النّار لا أشكّ ، فقلت: فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟

قال : فنكّس رأسه ثمّ قال : يا سليمان الملك عقيم ، ولكن حدّث عن فضائل عليّ بما شئت. قال : فقلت : فمن قتل ولده فهو في النّار! قال عمرو بن عبيد : صدقت يا سليمان الويل لمن قتل ولده ، فقال المنصور : يا عمرو أشهد عليه أنّه في النّار ، فقال عمرو : وأخبرني الشيخ الصدق ـ يعني الحسن ـ عن أنس : أنّ من قتل أولاد عليّ لا يشمّ رائحة الجنّة ، قال : فوجدت أبا جعفر وقد حمض وجهه ، قال : وخرجنا فقال أبو جعفر : لو لا مكان عمرو ما خرج سليمان إلّا مقتولا.

حديث الطائر وطرقه :

١٨٩ ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار ، الفقيه ، الشافعيّ ـ رحمه‌الله ـ بقراءتي عليه فأقرّ به سنة أربع وثلاثين وأربعمائة قلت له : أخبركم أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عثمان المزنيّ ، الملقّب بابن السقّاء الحافظ الواسطيّ ـ رحمه‌الله ـ قال : حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن صدقة الجوهريّ الواسطيّ ـ رحمه‌الله ـ سنة ثلاث وثلاثمائة ، حدّثنا محمّد بن زكريا بن دويد العبديّ ، حدّثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : أهدي إلى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نحامة مشويّة فقال : اللهمّ ابعث إليّ أحبّ خلقك إليك وإلى نبيّك يأكل معي من هذه المائدة.

قال : فأتى عليّ فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : فقلت : النبيّ عنك مشغول ، فرجع عليّ ولم يلبث إلّا قليلا أن رجع فقال : يا أنس استأذن لي على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فقلت : النبيّ عنك مشغول ، فرجع فلم يلبث إلّا قليلا أن رجع فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله. فهممت أن أقول مثل قولي الأوّل والثّاني فسمع النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من داخل الحجرة كلام عليّ فقال : ادخل أبا الحسن ما أبطأ بك عنّي ، قال : جئت يا رسول الله هذه الثالثة كلّ ذلك يردّني أنس يقول : النبيّ عنك مشغول ، فقال: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقلت : يا رسول الله سمعت

١٦٣

الدّعوة فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا أنس كلّ يحبّ قومه (١).

١٩٠ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب بن طاوان السمسار بقراءتي عليه سنة تسع وأربعين وأربعمائة قلت له : حدّثكم القاضي أبو الفرج أحمد بن عليّ بن جعفر بن محمّد بن المعلّى الخيوطيّ الحافظ الواسطي وأخبرنا القاضي أبو علي إسماعيل بن محمّد بن الطّيّب الفقيه الغرافيّ الواسطيّ بقراءتي عليه فأقرّ به قلت له : أخبركم أبو بكر أحمد بن عبيد بن الفضل بن سهل بن بيريّ الواسطيّ ، وأخبرنا أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل النحويّ سنة أربع وخمسين وأربعمائة ، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن الحسن الجاذريّ (٢) الطحّان قالوا : حدّثنا محمّد بن عثمان بن سمعان المعدّل الحافظ الواسطيّ ، حدّثنا أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم الرزّاز المعروف ببحشل الواسطيّ ، حدّثنا وهب بن بقيّة أبو محمّد الواسطيّ ، حدّثنا إسحاق بن يوسف الأزرق وهو واسطيّ عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أنس بن مالك ، قال : دخلت على محمّد بن الحجّاج فقال : يا أبا حمزة حدّثنا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حديثا ليس بينك وبينه فيه أحد ، فقلت : تحدّثوا فإنّ الحديث شجون يجرّ بعضه بعضا ، فذكر أنس حديثا عن عليّ بن أبي طالب فقال له محمّد بن الحجّاج :أعن أبي تراب تحدّثنا؟ دعنا من أبي تراب.

فغضب أنس وقال : العليّ تقول هذا؟ أما والله إذ قلت هذا فلأحدّثنّك حديثا فيه سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليس بيني وبينه أحد ، أهدي

__________________

(١) أخرجه العلامة ابن الأثير الجزري في أسد الغابة ٤ / ٣٠ ، قال : قد رواه عن أنس غير واحد : حدثنا حميد الطويل وأبو الهندي ويغنم بن سالم. وأخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب الباب ٣٣ ص ٥٢ نقلا عن الحاكم النيسابوري قال في سرد أسماء من روى الحديث عن أنس : وحميد بن تيرويه الطويل ، وأخرجه من طريق مؤلفنا ابن المغازلي : العلامة المعاصر عبد الله الشافعي في مناقبه المخطوط ١٦٨ على ما في ذيل الإحقاق ٥ / ٣٣٠.

(٢) أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن معاذ الصلحي ـ بكسر الصاد ـ يعرف بالجاذري ـ بفتح الذال ـ حدث عنه أبو غالب بن بشران ويروي عن محمد بن عثمان بن سمعان تاريخ بحشل ، راجع الأنساب ٣ / ١٦٤ ، تحرير المشتبه ٨٤٩.

١٦٤

إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعاقيب فأكل منها وفضلت فضلة وشيء من خبز ، فلمّا أصبح أتيته به فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء رجل فضرب الباب فرجوت أن يكون [رجلا] من الأنصار ، فإذا أنا بعليّ [فقلت: النبيّ عنك مشغول فرجع ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء رجل وضرب الباب وإذا أنا بعليّ] فقلت : أليس إنّما جئت السّاعة؟ فرجع ، ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء رجل فضرب الباب ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ائذن له [فإذا بعليّ] فلمّا رآه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ (١).

قال أسلم : روى هذا الحديث عن أنس بن مالك : يوسف بن إبراهيم الواسطيّ ، وإسماعيل بن سليمان الأزرق (٢) ، والزّهريّ ، وإسماعيل السدّيّ (٣) ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وثمامة بن عبد الله بن أنس ، وسعيد بن زربي. وقال ابن سمعان : سعيد بن زربي إنّما حدّث به [عن ثابت] عن أنس. وقد روى جماعة عن أنس منهم : سعيد بن المسيّب وعبد الملك بن عمير (٤) ،

__________________

(١) أخرجه الحاكم النيسابوري في مجموعته التي جمع فيها طرق حديث الطير على ما ذكره الحافظ الكنجي في كفايته الباب ٣٣ ص ١٥٣ بالإسناد عن عبد الملك ، عن أنس كما في المتن ، ولكن العلامة الخطيب أخرجه في تاريخ بغداد ٩ / ٣٦٩ بالإسناد عن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطا ، عن أنس.

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في هذه الأحاديث : «اللهم وإلي» الواو عاطفة يعطف قوله : «إلي» على قوله «إليك» في قوله «ائتني بأحب الخلق إليك» يعني : إلهي وسيدي كما كان عليّ (عليه‌السلام) أحب الخلق إليك فأتيتني به إجابة لملتمسي ، كان أحبّ الخلق إلي أيضا ، فقد اتّحد محبوبي ومحبوبك فلم يختلف.

(٢) هو إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق التميمي الكوفي ، يروي عن أنس ، وعنه عبيد الله بن موسى يأتي حديثه تحت الرقم ١٩١.

(٣) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير ، يأتي حديثه تحت الرقم ٢٠٥ و ٢٠٦.

(٤) عبد الملك بن عمير بن سويد الفرسي اللخمي يأتي حديثه بالرقم ٢٠٢.

١٦٥

ومسلم الملائيّ (١) ، وسليمان بن الحجّاج الطائفيّ وابن أبي الرّجال المدنيّ ، وأبو الهنديّ (٢) ، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر ، ويغنم بن سالم بن قنبر (٣) وغيرهم.

قال ابن سمعان : ووهم ابن أسلم في قوله : سعيد بن زربي ، لأنّ سعيد ابن زربي إنّما حدّث به عن ثابت البناني عن أنس (٤).

__________________

(١) مسلم بن كيسان الملائي البراد أبو عبد الله الكوفي الأعور ، يأتي حديثه بالرقم ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢١١ ورواه أيضا عنه في الرقم (٤١١) و (٤٣١) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من تاريخ دمشق.

(٢) الظاهر أنه إبراهيم بن ميمون الصائغ أبو هند الصديق كما في تهذيب التهذيب ١٢ / ٢٦٨ نقلا عن ابن ماكولا ، لسان الميزان ٧ / ١١٩ يأتي حديثه بالرقم ١٩٧.

(٣) يأتي حديثه تحت الرقم ١٩٤ و ١٩٦ و ٢٠٣.

(٤) قال الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين ٣ / ١٣٠ : قد روى الحديث عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، وسرد الحافظ الكنجي في كفاية الطالب الباب ٣٣ ص ٥٦ وفي ط آخر ص ١٥٢ ، أسماءهم على ترتيب حروف المعجم وفيهم هؤلاء المذكورون. مضافا إلى أن الحافظ أبا نعيم الأصفهاني أخرج حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة في حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، وأخرج حديث ثابت البناني الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين ٣ / ١٣١ بالإسناد إلى إبراهيم بن ثابت ، [باب] البصري القصار عن ثابت البناني ، عن أنس ، وأخرجه العلامة الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٢١ بالرقم ٤٧ ، و ١ / ٢٥ بالرقم ٥٢ ، وابن حجر العسقلاني في لسانه ١ / ٣٧ ، و ١ / ٤٢ قال : وحديث الطير أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن بن دبيس ، وعبد الله بن عمر بن محمد بن أبان مشكدانة وصححه ثم قال : وقد جمع طرق الطبراني ابن مردويه ، والحاكم ، وجماعة ، وأحسن شيء فيها طريق أخرجه النسائي في الخصائص (أقول : يأتي حديثه ذيل الرقم ٢٠٦ ، وأما أحسن الطريق فهو ما رواه الطبراني عن أحمد بن سعيد بن فرقد الجدي برجال الصحيحين كما في ميزان الاعتدال ١ / ١٠٠ ، لسانه ١ / ١٧٧ ، المغني ٤٠).

وأخرج حديث ثابت هذا الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع معه بذيله ٣ / ١٣١ ، وقال فيه : لقد كنت زمانا طويلا أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب ، رأيت الهول من الموضوعات التي فيه ، فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء.

لكنه قال في تذكرة الحفاظ ١٠٤٢ ترجمة الحاكم أبي عبد الله النيسابوري : «وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها بمصنف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل». وأخرج حديث سعيد بن المسيب الحافظ بن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١ ، وهناك جمع آخر رووا عن أنس حديث الطير ، راجع في ذلك ذيل إحقاق الحق للعلامة المرعشي دامت بركاته ٥ / ٣١٨ ـ ٣٦٤.

١٦٦

١٩١ ـ أخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان قلت : أخبركم أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان البزار البغداديّ إذنا ، أنّ محمّد بن الحسين بن حميد بن الربيع حدّثهم قال : حدّثنا جدّي ، حدّثنا عبيد الله بن موسى ، حدّثنا إسماعيل بن أبي المغيرة عن أنس بن مالك ، قال : أهدي لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أطيار فقسمها بين نسائه ، فأصاب كلّ امرأة منهنّ ثلاثة ، فأصبح عند بعض نسائه قطاتان ، فبعثت بهما إلى النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطعام ، اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء عليّ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقلت : أنظر من على الباب؟ فنظرت فإذا عليّ ، فقلت له : رسول الله على حاجة ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول الله فجاء عليّ فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا أنس أنظر من على الباب؟ فنظرت فإذا عليّ [حتى فعل ذلك ثلاثا] ففتحت له فدخل يمشي وأنا خلفه.

فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما حبسك؟ فقال : هذا آخر ثلاث مرّات يردّني أنس يزعم أنك على حاجة ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ما حملك على ما صنعت؟ قلت : يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إنّ الرّجل قد يحبّ قومه ، إنّ الرّجل قد يحبّ قومه (١).

١٩٢ ـ أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان أنّ أبا الحسين محمّد بن المظفّر ابن موسى بن عيسى الحافظ البغداديّ أخبرهم إذنا : حدّثنا محمّد بن موسى الحضرميّ بمصر ، حدّثنا محمّد بن سليمان ، حدّثنا أحمد بن يزيد ، حدّثنا زهير ، حدّثنا عثمان الطويل عن أنس بن مالك ، قال : أهدي للنبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : طير كان يعجبه أكله فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معي ، فجاء عليّ فاستأذن على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقلت : ما

__________________

(١) أخرجه الحافظ الهيتمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢٦ وقال : رواه البزار ، وأخرجه بلفظ آخر موفق ابن أحمد خطيب خوارزم في المناقب ٦٨ بالإسناد إلى عبيد الله بن موسى ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أنس ، وإسماعيل الأزرق هو إسماعيل بن سليمان بن أبي المغيرة الأزرق الكوفي التيمي ، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب ١ / ٣٠٣ ، ونقل عن أبي أحمد بن عدي والخليلي في الإرشاد أنه ممن روى حديث الطير.

١٦٧

عليه إذن وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار ، فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه: فسمع النبيّ كلامه فقال : ادخل يا عليّ ، ثمّ قال : وإليّ (١).

١٩٣ ـ أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا أبو عمر محمّد بن العبّاس بن حيوية الخزّاز وأبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان البزّار البغداديان إذنا أنّ الحسين بن محمّد حدّثهم قال : حدّثنا الحجّاج بن يوسف بن قتيبة الأصفهانيّ ، حدّثنا بشر بن الحسين ، حدّثني الزبير بن عديّ عن أنس ، قال : أهدي إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طير مشويّ فلمّا وضع بين يديه قال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، قال : فقلت في نفسي : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار ، قال : فجاء عليّ فقرع الباب قرعا خفيفا فقلت : من هذا؟ فقال : عليّ : فقلت إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على حاجة فانصرف.

قال : فرجعت إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسمعته يقول الثانية : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فقلت في نفسي : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار ، قال : فجاء عليّ فقرع الباب فقلت : ألم أخبرك أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على حاجة؟ فانصرف ورجعت إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسمعته يقول الثالثة : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء عليّ فضرب الباب ضربا شديدا فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : افتح افتح افتح! فلمّا نظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اللهم وإليّ اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ قال : فجلس مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأكل معه من الطير (٢).

١٩٤ ـ أخبرنا محمّد بن عليّ إجازة أنّ أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ حدّثهم قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الجواربيّ ، حدّثنا إبراهيم

__________________

(١) أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب الباب ٣٣ ص ٥٦ ، في ط آخر ١٤٥ بالإسناد إلى أحمد بن يزيد: الورتنيس ، وهكذا أخرجه ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١.

(٢) أخرجه الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في أخبار اصبهان ١ / ٢٣٢ بالاسناد الى الحجاج بن يوسف وهكذا أخرجه العلامة الحمويني في فرائد السمطين على ما في ذيل الاحقاق ٥ / ٣٤٢ وهكذا أخرجه ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١ من طريق الدارقطني.

١٦٨

ابن صدقة ، حدّثنا يغنم بن سالم ، حدّثنا أنس ، قال : أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طائر ... وذكر الحديث (١).

١٩٥ ـ أخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان البغداديّ ـ قدم علينا واسطا ـ بقراءتي عليه فأقرّ به قلت له : أخبركم عمر بن أحمد بن شاهين أبو حفص إذنا : حدّثنا يحيى بن محمّد بن صاعد ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ حدّثنا حسين بن محمّد ، حدّثنا سليمان بن قرم عن محمّد بن شعيب ، عن داود بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه ابن عبّاس ، قال : أتي النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بطائر فقال : اللهم ائتني برجل يحبّه الله ورسوله فجاء عليّ فقال : اللهمّ وإليّ.

هذا حديث غريب تفرّد به حسين المروزيّ عن سليمان بن قرم ، ولم يحدّث به إلّا إبراهيم بن سعيد (٢).

١٩٦ ـ أخبرنا أبو طالب محمّد بن عليّ بن الفتح الحربيّ البغداديّ فيما كتب به إليّ ، أنّ أبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين حدّثهم قال : حدّثنا نصر ابن القاسم الفرضي ، حدّثنا عيسى بن مساور الجوهريّ ، قال : قال لي يغنم بن سالم بن قنبر ـ ولقيته سنة تسعين ومائة ؛ وقال يغنم بن سالم : لي اثنتا عشرة ومائة سنة ـ : قال لي أنس بن مالك : أهدي إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طير مشويّ ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ـ أو بمن تحبّه ـ الشكّ من عيسى بن مساور الجوهريّ ـ فجاء عليّ فرددته ،

__________________

(١) أخرجه العلامة الدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٧ وقال : أخرجه عمر بن شاهين وأخرجه ابن الاثير الجزري في أسد الغابة ٤ / ٣٠ مرسلا ، قال : قد رواه عن أنس غير واحد حدثنا : حميد الطويل وأبو الهندي ويغنم بن سالم وهكذا ذكره الحاكم فيمن روى الحديث عن أنس في مجموعته على ما في كفاية الكنجي ١٥٤.

(٢) أخرجه بهذا السند واللفظ الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٣٢١ ، وفي ط آخر ٣ / ٥٨٠ بالرقم ٧٦٧١ ، والحافظ ابن حجر العسقلاني في لسانه ٥ / ١٩٩ وقال : وجدت في ترجمة داود ابن علي من كامل ابن عدي : حدثنا ابن صاعد وغيره قالا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا حسين بن محمد المروزي ... الحديث.

وأخرجه أيضا الخطيب الخوارزمي في المناقب ٦٤ في الفصل (٩) منه ، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٥٣ من طريق ابن صاعد ، والحافظ الهيتمي في مجمع الزوائد ٥ / ١٩٩ ، وقال : رواه الطبراني في مسند عبد الله بن عباس من المعجم الكبير : ج ٣ / الورقة ٩٤.

١٦٩

ثمّ جاء فرددته ، فدخل في الثالثة أو في الرابعة فقال له النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : ما حبسك عنّي ـ أو ما أبطأ بك عنّي ـ يا عليّ؟ قال : جئت فردّني أنس ، ثمّ جئت فردّني أنس ، ثمّ جئت فردّني أنس! قال لي : يا أنس ما حملك على ما صنعت؟ أرجوت أن يكون رجلا من الأنصار؟ فقلت : نعم ، فقال : يا أنس أو في الأنصار خير من عليّ؟ أو في الأنصار أفضل من عليّ؟ (١).

١٩٧ ـ أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن عليّ بن العبّاس البزار الواسطيّ ، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمّد بن أحمد بن أسد البزّار ، حدّثنا محمّد بن العبّاس بن أحمد أبو مقاتل ، حدّثنا العبّاس ، حدّثنا أبو عاصم عن أبي الهنديّ ، عن أنس : أنّ النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتي بطير فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، قال فجاء عليّ بن أبي طالب فقال : اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ (٢).

__________________

(١) أخرجه العلامة الدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٧ (عند ذكر النحام وأنه طائر على خلقة الإوز) قال : خرّجه الحربي.

(٢) أخرجه العلامة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ بالإسناد إلى أبي عاصم ، عن أبي الهندي ، عن أنس ، ولفظه قال : أتي النبيّ بطائر فقال : اللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي ، فجاء علي فحجبته مرتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له فقال : يا علي ما حبسك؟ قال : هذه ثلاث مرات قد جئتها فحجبني أنس ، قال : لم يا أنس؟ قال : سمعت دعوتك يا رسول الله فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : الرجل يحب قومه. قال الخطيب : غريب بإسناده لم نكتبه إلّا من حديث أبي العيناء محمد بن القاسم عن أبي عاصم ، وأبو الهندي مجهول واسمه لا يعرف.

أقول : قد مرّ ويأتي أنه إبراهيم بن ميمون الصائغ الكوفي كما قاله ابن ماكولا.

وأخرج الحديث الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ٤ / ٥٨٣ بالرقم ١٠٧٠٣ ترجمة أبو الهندي قال : روى عن أنس بن مالك بحديث الطير وعنه أبو عاصم ، وذكره ابن حجر العسقلاني في ميزانه ٧ / ١١٩ ، ولكن في مطبوعة حيدرآباد الدكن أبو هند بالرقم ١٢٩٧ ، وعنونه في تهذيب التهذيب ١٢ / ٢٦٨ بالرقم ١٢٢٥ وقال أبو هند : الصديق مجهول ، ثم نقل عن ابن ماكولا أنّ اسمه إبراهيم بن ميمون الصائغ ، وكيف كان فأبو عاصم النبيل الفقيه الثقة المتفق على إتقانه وديانته أعرف بأبي الهندي.

وهكذا أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٥٩ ، وفي ط آخر ١٤٩ بالإسناد عن محمد ابن العباس بن نجيح (٣٤٥ ـ ٢٦٣) ، حدثنا محمد بن القاسم النحوي (وهو أبو العيناء الضرير ابن خلاد بن ياسر (٢٨٢ ـ ١٩١) ، حدثنا أبو عاصم (وهو النبيل البصري ٢١٣ ـ ١٢٢) عن أبي الهندي ، عن أنس ، وهكذا أخرجه الحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١ من طريق الخطيب بهذا السند.

١٧٠

١٩٨ ـ أخبرنا محمّد بن أحمد بن سهل النحويّ ـ رحمه‌الله ـ إذنا : أنّ أبا نصر أحمد بن محمّد بن سهل بن مردويه البزار حدّثهم إملاء في صفر من سنة أربعمائة قال : حدّثنا أحمد بن عيسى الناقد ، حدّثنا صالح بن مسمار ، حدّثنا ابن أبي فديك ، حدّثنا الحسن بن عبد الله ، عن نافع ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قرّب إليه طير فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير! قال : فجاء عليّ بن أبي طالب فأكل معه (١).

١٩٩ ـ حدّثني أبو غالب محمّد بن الحسين بن أبي صالح المقرئ العدل ـ رحمه‌الله تعالى ـ حدّثنا أبو نصر أحمد بن محمّد بن سهل بن مردويه البزّار ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن عيسى الناقد ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن الهيثم ، حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريريّ ، حدّثنا يونس بن أرقم ، حدّثنا مسلم ابن كيسان ، عن أنس بن مالك ، قال : أتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأطيار فوضعهنّ بين يديه فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ، فقلت : اللهمّ إن شئت جعلته امرأ من الأنصار ، فقال ـ يعني النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسلم : إنّك لست بأوّل من أحبّ قومه ، فجاء عليّ فضرب الباب فأذنت له ، فلمّا دخل قال : اللهمّ وإليّ (٢).

٢٠٠ ـ أخبرنا الحسن بن موسى ، اخبرنا هلال بن محمّد بن جعفر بن سعدان أبو الفتح ، حدّثنا إسماعيل بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعيّ البزّار بحرّان ، حدّثنا وهب بن بقيّة عن أبي جعفر السبّاك ، عن أنس بن مالك ، قال : أهدي لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طائر مشويّ أهدته له امرأة من الأنصار فدخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) أخرجه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٥٠١ بالرقم ١٨٧٦ ترجمة الحسن بن عبد الله بن أبي عون الثقفي ، وابن حجر العسقلاني في لسانه ٢ / ٢١٧ : قال : قال العقيلي : صالح بن مسمار أحد الثقات : حدثنا ابن أبي فديك ، حدثنا الحسن بن عبد الله الثقفي ، عن نافع ، عن أنس بحديث الطير.

أقول : ونافع هذا هو ابن هرمز أبو هرمز وقد ذكره الحاكم النيسابوري ، فيمن روى حديث الطير عن نافع كما في كفاية الطالب للحافظ الكنجي ١٥٤.

(٢) أخرجه العلامة الخطيب البغدادي في موضع أوهام الجمع والتفريق ج ٢ ص ٣٩٨ بالإسناد إلى يونس بن أرقم عن أنس بلفظه.

١٧١

وسلّم ـ فوضعت ذلك بين يديه فقال : اللهمّ أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك من الأوّلين والآخرين ليأكل معي من هذا الطائر ، قال أنس : فقلت في نفسي : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار من قومي ، فجاء عليّ فطرق الباب فرددته وقلت : رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) متشاغل ، ولم يعلم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك ، فقال : اللهمّ أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك من الأوّلين والآخرين يأكل معي من هذا الطائر ، قلت : اللهمّ اجعله رجلا من قومي الأنصار فجاء عليّ فرددته.

فلمّا جاء الثالثة قال لي رسول الله : قم فافتح الباب لعليّ ، فقمت ففتحت الباب فأكل معه ، فكانت الدّعوة له (١).

٢٠١ ـ أخبرنا أبو الحسن عليّ بن الحسين بن الطيّب الصوفيّ الواسطيّ بقراءتي عليه في المحرّم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة قلت له : أخبركم أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن جعفر بن محمّد الصفّار قال : حدّثنا قاضي القضاة أبو محمّد عبيد الله بن أحمد بن معروف قال : قرىء على أبي بكر محمّد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطيّ وأنا أسمع ، حدّثكم محمّد بن عمر بن نافع ، حدّثنا عليّ بن الحسن ، حدّثنا خليد ـ وهو ابن دعلج ـ عن قتادة ، عن أنس قال : قدّمت إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طيرا مشويّا فسمّى وأكل منه ثمّ قال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ ، قال : فأتى عليّ فضرب الباب فقلت : من أنت؟ فقال : أنا عليّ ، قال : قلت : رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على حاجة ، قال : ثمّ أكل منه لقمة ثمّ قال مثل قوله الأوّل ، فضرب الباب ، فقلت : من أنت؟ فقال أنا عليّ ، قال : قلت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على حاجة قال : ثمّ أكل منه لقمة ثمّ قال مثل قوله الأوّل والثاني ، فضرب الباب فقلت : من أنت؟ فقال عليّ : أنا ، قال : قلت : إنّ رسول الله على حاجة قال : ثمّ أكل منه لقمة ثمّ قال مثل قوله الأوّل والثاني [والثالث] ، قال : فضرب الباب ورفع صوته فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : يا أنس افتح الباب قال : فدخل فلمّا رآنا تبسّم ثمّ قال : الحمد لله الذّي جعلك ، فإنّي أدعو في كلّ لقمة

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في العمدة ١٣٠ والسند فيه [جعفر بن السباك].

١٧٢

أن يأتيني الله بأحبّ الخلق إليه وإليّ ، قال : فكنت أنت ، قال : فو الّذي بعثك بالحقّ إنّي لأضرب الباب ثلاث مرّات يردّني أنس ، قال : فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا يلام الرجل على حبّ قومه (١).

٢٠٢ ـ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب بن طاوان السّمسار إجازة : أنّ أبا أحمد عمر بن عبد الله بن أحمد بن عمر بن أحمد بن شوذب المقرئ الواسطيّ أخبرهم قال : أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الحسين بن سعيد الزّعفرانيّ العدل الواسطيّ ، قال : أخبرنا أبو الأحوص محمّد بن الهيثم ، حدّثنا يوسف بن عديّ قال : حدّثنا حمّاد بن المختار ـ رجل من أهل الكوفة ـ عن عبد الملك بن عمير ، عن أنس ... (٢).

٢٠٣ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله بن عمر بن شوذب ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن زياد ـ يعني النقّاش ـ أخبرنا أبو الجارود مسعود بن محمّد بالرّملة ، حدّثنا عمران بن هارون ، حدّثنا يغنم ، حدّثنا أنس ... (٣).

٢٠٤ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله بن عمر بن شوذب ، حدّثنا أحمد بن عيسى ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن الهيثم ، حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريريّ ، حدّثنا يونس بن أرقم حدّثنا مسلم بن كيسان ، عن أنس ... (٤).

٢٠٥ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله قال : حدّثني عيسى بن محمّد بن أحمد

__________________

(١) أخرجه الحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية ٧ / ٣٥١ بالإسناد إلى علي بن الحسن السامي ، عن خليد بن دعلج ، عن أنس بلفظه.

(٢) أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٥٨ ، في ط آخر ص ١٤٧ بالإسناد إلى محمد ابن الهيثم بعين السند واللفظ ، وهكذا أخرجه الحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١ من طريق ابن عقدة بالإسناد إلى يوسف بن عدي ثم قال : وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد ، عن يعقوب الدقاق ، عن إبراهيم بن الحسين الشافعي ، عن أبي توبة الربيع بن نافع ، عن حسين بن سليمان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أنس ، وأخرجه الكلابي مسند دمشق في مسنده على ما سيجيء آخر الكتاب بالرقم ١٦ ، ١٨ ص ٣٤١.

(٣) وقد مر تحت الرقم ١٩٤ و ١٩٦.

(٤) مر تحت الرقم ١٩٩ ، وهذا رواه في إحقاق الحق : ٥ ص ٣٥٤ عن كتاب المناقب هذا وقال : يونس بن كيسان ، عن أنس؟

وقال : في ترجمة مسلم من تهذيب التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٣٦ : ومن منكراته حديثة عن أنس الطير؟!! رواه عند ابن فضيل وابن فضيل ثقة والحديث باطل.

١٧٣

ابن جريح ـ يعني الطوماريّ ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان ، حدّثنا حسن ابن حمّاد ، حدّثنا مسهر بن عبد الملك ، عن عيسى بن عمر ، عن السديّ ....

٢٠٦ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الله بن زياد ، حدّثنا أحمد بن الحسن ، حدّثنا الحسن بن حمّاد ، حدّثنا مسهر بن عبد الملك ابن سلع الهمدانيّ ، عن عيس بن عمر ، عن إسماعيل السديّ ... (١).

٢٠٧ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، أخبرنا أبي ـ رحمه‌الله ـ حدّثنا أحمد بن عمّار ، حدّثنا قطن بن نسير الذّرّاع أبو عبّاد ، حدّثنا جعفر ـ وهو ابن سليمان الضبعيّ حدّثنا عبد الله بن المثنّى عن عبد الله بن أنس ، عن أنس ... (٢).

٢٠٨ ـ وأخبرنا [أبي] عبد الله بن عمر ، حدّثنا محمّد بن إسحاق السوسيّ ، حدّثنا الحسين بن إسحاق الدّقيقي ، حدّثنا بشر بن هلال ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن عبد الله بن المثنّى بن عبد الله ، عن عبد الله بن أنس ، قال : قال أنس ...

٢٠٩ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عثمان بن سمعان المعدّل ، حدّثنا أسلم بن سهل ، حدّثنا وهب بن بقيّة ، أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أنس بن مالك ... (٣).

٢١٠ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ، حدّثنا صالح

__________________

(١) أخرجه الحافظ الترمذي في جامعة ٢ / ٢٩٩ ، وفي ط الصاوي ١٣ / ١٧٠ بالإسناد عن سفيان عن عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، وأخرجه الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام ٢ / ١٩٧ بالإسناد عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن زيد ، عن عبيد الله بن موسى ، وأخرجه الحافظ النسائي في الخصائص ٥ ، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ٤ / ٣٠ ، والحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٥١ بالإسناد إلى الحسن ابن حماد بعين السند.

ورواه من طريق الترمذي الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٥٦ ط الغري و ١٤٦ ط آخر ، وابن الأثير الجزري في جامع الأصول ٩ / ٤٧١ ، والمحب الطبري في الذخائر ٦١ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٥٦٤.

(٢) أخرجه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٤١٠ بالرقم ١٥٠٥ نقلا عن ابن عدي في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي بالإسناد عن قطن بن نسير ، وهكذا أخرجه في تاريخ الإسلام ٢ / ١٩٧ ، وأخرجه الحافظ ابن كثير الدمشقي بهذا السند في البداية والنهاية ٧ / ٣٥٠ ، وهكذا أخرجه ملخّصا العلامة الدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٧.

(٣) مر الحديث بسنده تحت الرقم ١٩٠.

١٧٤

ابن مسمار ، حدّثنا ابن أبي فديك ، عن الحسن بن عبد الله ، عن نافع ، عن أنس ابن مالك ... (١).

٢١١ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن يونس بن الحسين ، حدّثنا أبو جعفر الحسن بن عليّ بن الوليد الفسويّ ، حدّثنا إبراهيم بن مهدي المصيّصيّ ، حدّثنا عليّ بن مسهر ، عن مسلم أبي عبد الله ، عن أنس بن مالك ... (٢).

٢١٢ ـ وأخبرنا عمر بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن زياد ، حدّثنا أحمد بن روح المروزيّ بمروز ، حدّثنا العلاء بن عمران ، حدّثنا خالد بن عبيد ، قال : قال أنس بن مالك : بينا أنا ذات يوم بباب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جاءه رجل بطبق مغطّى فقال : هل من إذن؟ فقلت : نعم ، فوضع الطبق بين يدي رسول الله وعليه طائر مشويّ فقال : أحبّ أن تملأ بطنك من هذا يا رسول الله ، قال : غطّ عليه ، ثم شال يديه فقال : اللهمّ أدخل عليّ أحب خلقك إليك ينازعني هذا الطعام ، قال أنس : فلمّا سمعت ذلك قلت : اللهمّ اجعل هذه الدعوة في رجل من الأنصار ، فخرجت أشوف رجلا من الأنصار.

بينا أنا كذلك إذ دخل عليّ فقال : هل من إذن؟ فقلت : لا ، ولم يحملني على ذلك إلّا الحسد ، فانصرف فجعلت أنظر يمينا وشمالا هل من أنصاريّ فلم أجد ، ثمّ عاد عليّ فقال : هل من إذن فقلت : لا انصرف! فنظرت يمينا وشمالا ولا أنصاري ، إذ عاد عليّ فقال : هل من إذن؟ إذ نادى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أن ائذن له فدخل فجعل ينازع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيومئذ ثبتت مودّة عليّ عليه‌السلام في قلبي.

قال عمر بن عبد الله : هذا لفظ النقّاش في حديث المروزيّ ، وفي حديث محمّد بن يونس : قال أنس : أهدي لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طير مشويّ فوضع بين يديه فقال: اللهمّ أدخل عليّ من تحبّه وأحبّه فجاء عليّ ... وذكر الحديث (٣).

__________________

(١) وقد مر بالرقم ١٩٨.

(٢) مر بالرقم ١٩٩ و ٢٠٤.

(٣) أخرجه الحاكم النيسابوري في مجموعته على ما في كفاية الطالب ١٥٢ للحافظ الكنجي قال : وممن روى الحديث عن أنس خالد بن عبيد أبو عاصم وهو العتكي المروزي المترجم في تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٥.

١٧٥

[وفي النسخة التي نقلت منها هذه النسخة في ورقة ملصقة إلى الكراس ما لفظه «ومن آخر الكتاب : هذا الخبر من أخبار الطير ألحقناه به».

قال ابن المغازليّ :

أخبرنا أبو طالب محمّد بن عليّ بن محمّد بن البيّع البغداديّ ـ رحمه‌الله قدم علينا واسطا ـ أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن بكران قال : حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ ، حدّثنا عبد الأعلى بن واصل ، حدّثنا عون بن سلام ، [حدّثنا] سهل بن شعيب ، عن بريدة بن سفيان ، عن سفينة ـ وكان خادما لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : أهدي لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طوائر ، قال فرفعت له أمّ أيمن بعضها فلمّا أصبح أتته به فقال : ما ذا يا أمّ أيمن؟ فقالت : هذا بعض ما أهدي إليك أمس ، قال : أولم أنهك أن ترفعي بعد طعاما؟ إنّ لكلّ عبد رزقه ، ثمّ قال : اللهمّ أدخل أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فدخل عليّ (عليه‌السلام) فقال : اللهمّ وإليّ.

هذا حديث غريب من هذا الطريق] (١).

* * *

قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأعطين الراية ... الحديث

٢١٣ ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعيّ ـ رحمه‌الله ـ سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد ابن عثمان المزنيّ ـ الملقّب بابن السقّاء ـ الحافظ ـ رحمه‌الله ـ أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، حدّثنا عكرمة بن عمّار ، حدّثنا إياس بن سلمة ، عن أبيه ،

__________________

(١) أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٥٩ ط الغري و ١٥٠ ط آخر بهذا الإسناد وقال : رواه المحاملي في الجزء التاسع من أماليه ، وأخرجه سبط ابن الجوزي في التذكرة ٤٤ ط الغري ، و ٢٣ ط إيران ، وأخرجه العلامة الهيتمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢٦ وقال : رواه البزار والطبراني باختصار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر ابن خليفة وهو ثقة.

وأخرجه العلامة الدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢٩٧ ملخّصا ، وأخرجه العلامة القندوزي في ينابيع المودة ٥٦ من مسند أحمد.

أقول : ترى في مسنده ج ٣ / ١٩٨ بالإسناد الى هلال بن سويد أبي معلى قال : «سمعت أنس ابن مالك وهو يقول : أهديت لرسول الله ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به فقال لها رسول الله : ألم أنهك أن ترفعي شيئا؟ فإن الله عزوجل يأتي برزق كل غد» وهذا شطر الحديث الذي رواه المؤلف في الصلب.

١٧٦

قال : خرجنا إلى خيبر فكان عامر يرتجز ويقول :

والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا

فثبّت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من هذا؟ فقالوا : عامر ، فقال: غفر لك ذنبك يا عامر! وما استغفر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لرجل فصبر (١) إلّا استشهد ، فقال عمر: يا رسول الله : لو متّعتنا بعامر! فلمّا قدم خيبر خرج مرحب يخطر بسيفه وهو ملكهم وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي السّلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

فبرز عامر فقال :

قد علمت خيبر أنّي عامر

شاكي السّلاح بطل مغاور

فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله ، فكانت فيها نفسه ، فإذا نفر من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقولون : بطل عمل عامر : قتل نفسه ، فأتيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأنا أبكي فقلت : يا رسول الله بطل عمل عامر؟ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من قال هذا؟ قلت : أناس من أصحابك ، قال : كذب من قال ذلك ، بل له أجره مرّتين ، ثمّ أرسلني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى عليّ بن أبي طالب فانتبه وهو أرمد ، فقال لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فجئت به أقوده وهو أرمد حتّى أتيت به النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فبصق في عينه فبرأ ، ثمّ أعطاه الرّاية.

وخرج مرحب فقال :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاك السّلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

__________________

(١) وفي سائر أصول الحديث : «وما استغفر رسول الله لإنسان يخصه إلّا استشهد».

١٧٧

فقال عليّ (عليه‌السلام) :

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره

كليث غابات كريه المنظرة

أو فيكم بالصّاع كيل السّندره

قال : فضربه ففلق رأس مرحب فقتله ، وكان الفتح على يد عليّ (عليه‌السلام) (١).

قال أبو محمّد عبد الله بن مسلم (٢) : سألت بعض آل أبي طالب عن قوله : «أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره» فذكر أنّ أمّ عليّ كانت فاطمة بنت أسد ، فلمّا ولدت عليّا وأبو طالب غائب سمّته أسدا باسم أبيها ، فلمّا قدم أبو طالب كره هذا الّذي سمّته به أمّه وسمّاه عليّا ، فلمّا رجز عليّ يوم خيبر ، ذكر الاسم الّذي سمّته أمه ، قال : وحيدرة اسم من أسماء الأسد ، والسّندرة شجرة يعمل منها القسيّ ، والسندرة في الحديث يحتمل أن يكون مكيالا يتّخذ من هذه الشجرة ، ويحتمل السندرة أيضا أن يكون امرأة تكيل كيلا وافيا (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ / ١١١ ط مصر ، و ٢ ق ١ ص ٨٠ ـ ٨١ ط ليدن ، بالإسناد إلى عكرمة بن عمار ، وهكذا أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ٤ / ٥٢ ، وأخرجه الحافظ القشيري في صحيحه ١٤٣٣ ط محمّد فؤاد عبد الباقي وج ٥ ص ١٨٩ ط صبيح ، بالإسناد إلى عكرمة في حديث طويل ونص الحديث في ص ١٤٤٠ ـ ١٤٤١.

وهكذا أخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه ٣ / ٣٨ بالإسناد إلى عكرمة ، والحافظ البيهقي في سننه ٩ / ١٣١ ، والحافظ الدمشقي في البداية والنهاية ٤ / ١٨٨. والعلامة النويري في نهاية الإرب ١٧ / ٢٥٢.

(٢) يعني عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الكاتب.

(٣) في هامش الأصل نقلا عن هامش النسخة المنقولة منها ما نصه : قال ابن قتيبة : والسندرة في هذا الحديث يحتمل أن يكون مكيالا يتخذ من هذه الشجرة سمّي باسمها كما سمّي القوس نبعة باسم الشجرة التي اتخذت منها ، فإن كانت السندرة كذلك ، فإني أحسب الكيل جرافا فيه إفراط ، لأن من شأنهم أن يضيفوا المحاباة للطعن والضرب بالوفاء والزيادة وفي رواية : أوفيهم بالصاع كيل السندرة.

أقول : وفي اللسان : قال أبو العباس أحمد بن يحيى : لم تختلف الرواة أن هذه الأبيات لعلي (عليه‌السلام) ، واختلفوا في السندرة ، فقال ابن الأعرابي وغيره : هو مكيال كبير ضخم مثل القنقل والجراف ، أي أقتلكم قتلا واسعا كبيرا ذريعا ، وقيل : السندرة امرأة كانت تبيع القمح وتوفي الكيل : أي أكيلكم كيلا وافيا. وقال آخر : السندرة : العجلة والنون زائدة ، يقال : رجل سندري : إذا كان عجلا في أموره حادا ، أي أقاتلكم بالعجلة وأبادركم قبل الفرار.

١٧٨

٢١٤ ـ أخبرنا القاضي أبو الخطّاب عبد الرحمن بن عبد الله الإسكافيّ الشافعيّ ـ قدم علينا واسطا ـ أخبرنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ، حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد المحامليّ ، حدّثنا يوسف ، حدّثنا جرير ، عن المغيرة ، عن أمّ موسى قالت : سمعت عليا (عليه‌السلام) يقول : ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر ، وأعطاني الراية (١).

٢١٥ ـ أخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ البغداديّ إذنا ، حدّثنا محمّد بن الحسين ، حدّثنا عبّاد بن يعقوب ، حدّثنا عليّ بن هشام ، عن محمّد بن عليّ السلميّ ، عن منصور بن المعتمر ، عن ربعيّ بن حراش ـ قال محمّد بن عليّ : ولو قلت لك : إنّي سمعته من ربعيّ صدقت ـ عن عمران بن حصين ، قال : بعث رسول الله عمر إلى أهل خيبر فرجع. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ولا يرجع حتّى يفتح الله على يديه ، قال : فدعا عليّا عليه‌السلام فأعطاه الرّاية فسار بها ففتح الله عليه (٢).

٢١٦ ـ أخبرنا القاضي أبو الخطّاب عبد الرحمن بن عبد الله ، أخبرنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ، حدّثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن محمّد المحاملي ، حدّثنا إبراهيم بن هانئ ، حدّثنا أبو نعيم الطحّان ، حدّثنا عليّ بن

__________________

(١) أخرجه الحافظ أبو داود الطيالسي في مسنده ٢٦ بالإسناد إلى المغيرة بن مقسم الضبي ، عن أم موسى ـ وهي سرية علي بن أبي طالب ـ وأخرجه الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام ٢ / ١٩٣ ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٣٩ بالإسناد إلى جرير ، عن المغيرة ، وأخرجه الحمويني في فرائد السمطين بالإسناد إلى يوسف بن يعقوب.

(٢) أخرجه الحافظ النسائي في الخصائص ٧ بالإسناد إلى منصور بن المعتمر ، وأخرجه ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧ / ٣٣٨ من طريق البغوي ، بالإسناد إلى محمّد بن علي السلمي ، ونقل عن تاريخ البخاري في ترجمة عمر بن عبد الوهاب الرياحي أنه قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن منصور ، عن ربعي ، عن عمران بن حصين ، وذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ٧ / ٤٨٠ وقال : له عند النسائي حديث في إعطاء الراية ، راجع التهذيب ٣ / ٢٣٧ أيضا.

١٧٩

هشام ، عن محمّد بن علي السّلميّ ، عن منصور بن المعتمر ، عن ربعيّ بن حراش ـ قال محمّد : ولو قد قلت أنّي سمعته من ربعيّ لصدقت ـ عن عمران ابن حصين قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فأعطاها عليّا ، وفتح الله عزوجل خيبر (١).

٢١٧ ـ أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر بن موسى بن عيسى الحافظ إذنا ، حدّثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن نصير الضبعيّ ، قال : حدّثني إدريس بن الحكم أبو يحيى ، حدّثنا يوسف بن عطيّة الصفّار ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر إلى خيبر فلم يفتح عليه ، ثمّ بعث عمر فلم يفتح عليه فقال : لأعطينّ الرّاية رجلا كرّارا غير فرّار يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فدعا عليّ بن أبي طالب وهو أرمد العين ، فتفل في عينه ، ففتح عينه وكأنّه لم يرمد قطّ قال : خذ هذه الرّاية فامض بها حتّى يفتح الله عليك ، فخرج يهرول وأنا خلف أثره حتّى ركز رايته في رضم (٢) تحت الحصن ، فاطّلع رجل يهوديّ من رأس الحصن وقال : من أنت؟ قال : عليّ بن أبي طالب ، فالتفت إلى أصحابه وقال : غلبتم والّذي أنزل التوراة على موسى ، قال : فو الله ما رجع حتّى فتح الله عليه (٣).

٢١٨ ـ أخبرنا أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل النحويّ ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عليّ السّقطيّ إملاء ، حدّثنا أبو محمّد يوسف بن سهل القاضي ، حدّثنا الحضرميّ ، حدّثنا عبد الله بن الحكم ، أبو النضر ، حدّثنا عكرمة قال : أخبرني إياس بن سلمة قال : أخبرني أبي قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله

__________________

(١) تراه أيضا في الروض الأنف للسهيلي ٢ / ٢٢٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٤ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٩٤ ، صبح الأعشى ١٠ / ١٧٤.

(٢) الرضم والرضام : صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض ، قال في اللسان : وفي الحديث : حتى ركز الراية في رضم من حجارة.

(٣) أخرجه بهذا السند واللفظ الشيخ المحقق علي بن عبد العال الكركي في نفحات اللاهوت ٥٣ ، وهكذا أخرجه من أصحابنا ابن البطريق من طريق ابن المغازلي نقلا عن مناقبه هذا الذي بين يديك في عمدته ص ٧٧.

١٨٠