المبحث السادس
المعاني اللغوية في سورة «عبس» (١)
قال تعالى : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥) وواحدهم «السّافر» مثل «الكافر» و «الكفرة».
وقال سبحانه : (كِرامٍ بَرَرَةٍ) (١٦) وواحدهم «البارّ» و «البررة» جماعة «الأبرار».
وقال تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) معناه على وجهين : قال بعضهم : «على التعجّب» ، وقال بعضهم : «أيّ شيء أكفره»؟
قال تعالى : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢٠) تقول «الطريق هداه» أي : «هداه الطريق».
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.
المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «عبس» (١)
إن قيل : لم قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) ثم قال سبحانه وتعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢) ، ولم يقل «ذكرها»؟
قلنا : الضمير المؤنث لآيات القرآن أو لهذه السورة ، والضمير في قوله تعالى (ذَكَرَهُ) (١٢) راجع إلى القرآن. وقيل راجع إلى معنى التذكرة وهو الوعظ والتذكير لا إلى لفظها.
فإن قيل : في قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١) روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية وقال : كل هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثم قال : هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا عمر أن لا تدري ما الأبّ ، ثم قال : اتّبعوا ما تبيّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا ، فدعوه ؛ وهذا شبيه النهي عن تتبّع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته؟
قلنا : لم يرد بقوله ما ذكرت ، ولكنّ الصحابة رضي الله عنهم كانت أكثر هممهم عاكفة على العمل ؛ وكان الاشتغال بعلم لا يعمل به تكلّفا عندهم ؛ فأراد أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه ، واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أن الأبّ بعض ما أنبته الله تعالى للإنسان متاعا له ولأنعامه ، فكأنه قال : عليك بما هو الأهم ، فالأهم ، وهو الشكر على ما تبيّن لك ولم يشكل ، ممّا عدد من نعمه تعالى ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأبّ معرفة النبات الخاص ، واكتف بمعرفته منه جملة إلى
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.
أن يتبين لك في وقت آخر. وعن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه ، أنه سئل عن الأبّ فقال : أيّ سماه تظلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله بما لا علم لي به. وأكثر المفسّرين قالوا : الأبّ كل ما ترعاه البهائم.
سورة التّكوير
٨١
المبحث الأول
أهداف سورة «التكوير» (١)
سورة التكوير سورة مكية. آياتها ٢٩ آية نزلت بعد سورة المسد ، وتشتمل على ثروة ضخمة من المشاهد ، حينما تنتهي الحياة ، ويختلّ نظامها ، وينفرط عقد الكون ، وتتناثر أجزاؤه ، ويذهب عنه التماسك الموزون ، والحركة المضبوطة ، والصنعة المتينة.
والسورة تشتمل على مقطعين اثنين ، تعالج في كل مقطع منهما تقرير حقيقة ضخمة من حقائق العقيدة.
الأولى : حقيقة القيامة ، وما يصاحبها من انقلاب كونيّ هائل كامل ، يشمل الشمس والنجوم ، والجبال والبحار ، والأرض والسماء ، والأنعام والوحوش ، كما يشمل بني الإنسان.
والثانية : حقيقة الوحي ، وما يتعلّق به من صفة الملك الذي يحمله ، وصفة النبي (ص) الذي يتلقّاه ، ثمّ شأن المخاطبين بهذا الوحي معه ، ومع المشيئة الكبرى التي فطرتهم ، وأنزلت لهم الوحي.
مع آيات السورة
بدأ سبحانه هذه السورة الكريمة بذكر يوم القيامة ، وما يكون فيه من أحداث هائلة ؛ وحينما تقع هذه الأحداث تعلم كل نفس ما قدّمت من عمل ، خيرا كان أو شرا.
[الآية ١] : إذا كورت الشمس وسقطت وتدهورت ، وانطفأت شعلتها ، وانكمشت ألسنتها الملتهبة ، وذهب ضوؤها ، واختلّ نظام الكون.
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.
[الآية ٢] : وإذا تناثرت النجوم ، وأظلم نورها ، وذهب لألاؤها.
[الآية ٣] : وإذا انفصلت الجبال عن الأرض ، وسارت في الجوّ كما يسير السحاب ، وتبع ذلك نسفها وبسّها وتذريتها في الهواء ، كما جاء في سور أخرى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١٠٥) [طه].
[الآية ٤] : وإذا تركت العشار وأهملت ، و (العشار) : هي النوق الحبالى في شهرها العاشر ، وهي أجود ما يملكه العربي وأثمنه ؛ فإذا انشغل الناس عنها بأهوال القيامة عطّلت وأهملت.
[الآية ٥] : وإذا اجتمعت الوحوش الكاسرة ، ذليلة هادئة قد نسيت غريزتها ، مضت هائمة على وجوهها لا تأوي إلى جحورها ، ولا تنطلق وراء فرائسها ، وقد حشرها هول الموقف ذاهلة متغيّرة الطباع ، فكيف بالناس في ذلك اليوم العصيب؟
[الآية ٦] : وإذا التهبت البحار وامتلأت نارا ، أو فجّرت الزلازل ما بينها حتى اختلطت وعادت بحرا واحدا. [الآية ٧] : وإذا اقترنت الأرواح بأبدانها ، أو إذا قرن كلّ شبيه بشبيهه ، وضمّت كلّ جماعة من الأرواح المتجانسة في مجموعة.
[الآيتان ٨ و ٩] : وإذا سئلت الموؤدة بين يدي قاتلها عن الذنب الذي قتلت به ، ليكون جوابها أشدّ وقعا على الوائد ، فإنها ستجيب أنها قتلت بلا ذنب جنته.
وكان الوأد عند العرب الجاهليين يجري بصورة قاسية ، إذ كانت تدفن البنت حية ، أو تجلس المرأة عند المخاض فوق بئر محفورة ؛ فإذا كان المولود بنتا ، رمت بها فيها وردمتها ؛ وإن كان ذكرا ، قامت به معها ؛ وبعضهم كان إذا عزم على استبقاء ابنته ، فإنه يمسكها إلى أن تقدر على الرعي ، ثمّ يلبسها جبة من صوف أو شعر ، ويرسلها الى البادية ترعى له إبله ؛ فلمّا جاء الإسلام سما بالمرأة وكرّمها ، وليدة ، وناشئة ، وزوجة ، وأمّا. حرّم وأد البنات ، وشفع ذلك بالتشنيع على من يفعله ، قال تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ
سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩) [النحل]
[الآية ١٠] : وإذا نشرت صحف الأعمال ، وكشفت وعرفت ، فلم تعد مستورة بل صارت منشورة مشهورة.
[الآية ١١] : وإذا السماء كشطت وأزيلت ، فلم يبق غطاء ولا سماء.
[الآيتان ١٢ و ١٣] : وإذا أوقدت النار ، واشتد لهيبها ، ووهجها وحرارتها ؛ وإذا أدنيت الجنّة من المتقين ، تكريما وإيناسا لهم.
[الآية ١٤] : عند ما تقع هذه الأحداث الهائلة في كيان الكون ، وفي أحوال الأحياء والأشياء ، تعلم كل نفس ما قدّمت من خير أو شر ، وما تزوّدت به لهذا اليوم وما حملت معها للعرض ، وما أحضرت للحساب. وهي لا تستطيع أن تغيّر فيه ولا أن تبدّل ، فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل.
وهنا ينتهي المقطع الأول من السورة ، وقد امتلأ الحس ، وفاض ، بمشاهد اليوم الذي يحصل فيه هذا الانقلاب.
المقطع الثاني
بعد أن ذكرت السورة من أحوال القيامة وأهوالها ما ذكرت ، أتبعت ذلك ببيان أن ما يحدّثهم به الرسول (ص) ، هو القرآن الذي أنزل عليه ؛ وهو آيات بيّنات من الهدى ؛ وأنّ ما رميتموه به من المعايب كقولكم : إنه ساحر أو مجنون ، أو كذّاب ، أو شاعر ، ما هو إلّا محض افتراء.
[الآيتان ١٥ و ١٦] : يقسم الله تعالى قسما مؤكدا بالكواكب ، (بِالْخُنَّسِ) (١٥) : التي تخنس أي ترجع في دورتها الفلكية ، (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦) : التي تجري وتعود الى أماكنها.
[الآية ١٧] : والليل إذا أدبر وولّى ، وزالت ظلمته ، أو إذا أقبل ظلامه.
[الآية ١٨] : والصبح إذا أسفر ، وظهر نوره ، وفي ذلك بشرى للأنفس ، بحياة جديدة في نهار جديد ؛ ومن الجمال في هذا التعبير إضفاء الحياة على النهار والوليد ؛ فإذا الصبح حيّ ينتفس.
«وأكاد اجزم أن اللغة العربية لا تحتوي نظيرا لهذا التعبير عن الصبح : رؤية الفجر تكاد تشعر القلب المتفتّح
أنه بالفعل يتنفّس ، ثم يجيء هذا التعبير ، فيصوّر هذه الحقيقة التي يشعر بها» (١).
[الآيات ١٩ ـ ٢٢] : وجواب القسم : أنّ هذا القرآن ، وهذا الوصف لليوم الآخر إنما هو قول رسول كريم ، وهو جبريل (ع) الذي حمل هذا القول وأبلغه ، فصار قوله باعتبار تبليغه. ويذكر صفة هذا الرسول الذي اختير لحمل هذا القول وإبلاغه ، فينعته بخمسة أوصاف هي :
١ ـ (كَرِيمٍ) (١٩) أي عزيز على ربّه.
٢ ـ (ذِي قُوَّةٍ) [الآية ٢٠] في الحفظ والبعد عن النسيان والخطأ.
٣ ـ (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (٢٠) أي ذي جاه ومنزلة عند ربّه.
٤ ـ (مُطاعٍ ثَمَ) [الآية ٢١] أي هناك في الملأ الأعلى ، عند الله في ملائكته المقرّبين ؛ فهم يصدرون عن أمره ويرجعون اليه.
٥ ـ (أَمِينٍ) (٢١) على وحي ربّه ورسالاته ، قد عصمه تعالى من الخيانة فيما يأمره به ، وجنّبه الزلل فيما يقوم به من الأعمال. هذه صفة الرسول المبلّغ وهو جبريل عليهالسلام ، أمّا الرسول الذي حمله إليكم وخاطبكم بالقرآن ، فهو صاحبكم الذي عرفتموه حق المعرفة عمرا طويلا ، وعرفتم عنه الصدق والأمانة ، وليس مجنونا كما تدّعون.
[الآية ٢٣] : ولقد رأى سيدنا محمد ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ، جبريل عليهالسلام ، وهو بالأفق الأعلى ، عند سدرة المنتهى بالأفق المبين ، أي رآه رؤية واضحة عند الأفق الواضح.
[الآية ٢٤] : وليس محمد (ص) بالمتّهم على القرآن ، وما فيه من قصص وأنباء وأحكام ؛ بل هو ثقة أمين لا يأتي به من عند نفسه ، ولا يبدّل منه حرفا بحرف ، ولا معنى بمعنى ، إذ لم يعرف عنه الكذب في ماضي حياته ، فهو غير متّهم في ما يحكيه عن رؤية جبريل (ع) ، وسماع الشرائع منه.
[الآية ٢٥] : وليس القرآن قول شيطان ، ألقاه على لسان محمد (ص) حين خالط عقله كما تزعمون ، فالشياطين لا توحي بهذا النهج القويم.
__________________
(١). سيد قطب ، في ظلال القرآن ٣٠ / ٤٨٢.
[الآية ٢٦] : ثم يسألهم مستنكرا : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦)؟ أي : فأيّ سبيل تسلكونها ، وقد سدّت عليكم السبل ، وأحاط بكم الحق من جميع جوانبكم ، وبطلت مفترياتكم فلم يبق لكم سبيل تستطيعون الهرب منها.
[الآية ٢٧] : ثم بيّن حقيقة القرآن ، فقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٢٧) ، أي ليس القرآن إلّا عظة للخلق كافّة ، يتذكّرون بها ما غرز في طباعهم من حبّ الخير ، وهو ذكر يستحضرهم حقيقة نشأتهم ، وحقيقة وجودهم ، وحقيقة الكون من حولهم ، وهو أعظم عظة للعالمين جميعا.
[الآيتان ٢٨ و ٢٩] : وإنّ على مشيئة المكلّف تتوقّف الهداية ، فمن أراد الحق واتّجه بقلبه إلى الطريق القويم ، هداه الله إليه ويسّر له أمره ، وأمدّه بالعون والتوفيق. وبذلك يستقرّ في قلب كل إنسان ، أنّ مشيئته طرف وخيط ، راجع في أصله إلى مشيئة الله الكبرى ، وإرادته المطلقة ، فليلجأ كل إنسان إلى ساحة مولاه ، وإلى عناية خالقه ، فعنده سبحانه العون والتوفيق ، والهدى والسداد : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩).
موضوعات السورة
١ ـ وصف أهوال القيامة.
٢ ـ القسم بالنجوم وبالليل وبالصبح ، على أنّ القرآن منزل من عند الله ، بواسطة ملائكته.
٣ ـ إثبات نبوّة محمد (ص).
٤ ـ بيان أن القرآن عظة وذكر ، لمن أراد الهداية.
٥ ـ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله ، وليس لها استقلال بالعمل.
المبحث الثاني
ترابط الآيات في سورة «التكوير» (١)
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة التّكوير بعد سورة المسد ، ونزلت سورة المسد بعد سورة الفاتحة ، ونزلت سورة الفاتحة فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة التكوير في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) وتبلغ آياتها تسعا وعشرين آية.
الغرض منها وترتيبها
الغرض من هذه السورة : إثبات الحساب على الأعمال ، وما يتبع هذا من ثواب وعقاب ؛ وبهذا يكون سياقها أيضا في الترهيب والترغيب ، ويكون ذكرها بعد السورة السابقة ، لموافقتها لها في هذا السياق.
إثبات الحساب على الأعمال
الآيات [١ ـ ٢٩]
ذكر تعالى أنه إذا حصل تكوير الشمس ، وما ذكره بعد التكوير مما يكون يوم القيامة ، تعلم كل نفس ما أحضرت من خير أو شرّ ، فتحاسب عليه وهو حاضر أمامها ؛ ثم أقسم سبحانه بالنجوم الخنّس وما ذكر معها ، على أن أمر هذا الحساب قول رسول كريم هو «جبريل» (ع) ؛ وذكر أن صاحبهم محمدا (ص) ليس بمجنون ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.
وأنه رأى «جبريل» بالأفق المبين ، وأنه غير متّهم في ما أخبرهم به من ذلك الحساب ، وأن ما أخبرهم به منه ليس بقول شيطان رجيم ، فأين يذهبون مع هذا كلّه عنه ؛ ثم ذكر سبحانه أنّ هذا ليس إلّا تذكرة وهداية لمن شاء منهم أن يستقيم : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩).
المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «التكوير»
(١) أقول : لمّا ذكر في عبس : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (٣٤) ، ذكر يوم القيامة كأنه رأي العين. وفي الحديث : «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) [الانفطار]. و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) [الانشقاق] (٢).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ٧٢ ، والتّرمذيّ في التفسير ٩ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ بتحفة الأحوذي.
المبحث الرابع
مكنونات سورة «التكوير» (١)
١ ـ (بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦). أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب (ع) قال :
هي خمسة أنجم : زحل ، وعطارد ، والمشتري ، وبهرام (٢) ، والزهرة ؛ ليس في الكواكب شيء يقطع المجرة غيرها.
وأخرج عن ابن مسعود قال : هي بقر الوحش. وعن سعيد بن جبير قال : هي الظّباء (٣).
٢ ـ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩).
قال الضّحّاك ، والرّبيع ، والسّدّي ، وغيرهم : جبريل (ع) أخرجه ابن أبي حاتم (٤).
وقال آخرون : هو محمد (ص).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.
(٢). «تاج العروس» ٨ / ٢٠٨ ، وهو اسم للمرّيخ.
(٣). قال ابن جرير الطبري في «تفسيره» ٣٠ / ٤٩ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إنّ الله. تعالى ذكره ، أقسم بأشياء تخنس أحيانا ـ أي تغيب ـ وتجري أحيانا وتكنس أخرى ، وكنوسها أن تأوي في مكانسها ، والمكانس عند العرب : هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء ، واحدها مكنس وكناس». ثم قال أيضا : «وغير منكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء ؛ فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن في الآية دلالة على أنّ المراد بذلك النجوم دون البقر ، ولا البقر دون الظباء ، فالصواب أن يعمّ بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانا ، والجري أخرى ، والكنوس بآنات على ما وصف ، جلّ ثناؤه ، من صفتها.
(٤). أخرجه الطبري في «تفسيره» ٣٠ / ٥١ عن قتادة.
المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «التكوير» (١)
١ ـ وقال تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦).
وقرئ بالتخفيف : سجرت ، وهو من سجر التنور إذا ملأته حطبا ، والمعنى : وإذا البحار ملئت ، وفجّر بعضها إلى بعض ، حتى تعود بحرا واحدا.
٢ ـ وقال تعالى : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) (١١).
وقرأ ابن مسعود : قشطت ، واعتقاب الكاف والقاف كثير.
والمعنى كشفت وأزيلت.
أقول : والفعل مما نعرف الآن في العامية الدارجة ، وليس في الفصيحة المعاصرة.
ـ وقال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧).
وعسعس الليل ، وسعسع ، إذا أدبر.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.