الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١١

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١١

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «النازعات» (١)

إن قيل : لم قال الله تعالى في الآيتين الأولى والثانية : (وَالنَّازِعاتِ وَالنَّاشِطاتِ) بلفظ التأنيث ، وكذا ما بعده ، والكلّ أوصاف الملائكة ، والملائكة ليسوا إناثا؟

قلنا : هو قسم بطوائف الملائكة وفرقها ، والطوائف والفرق مؤنثة.

فإن قيل : لم أضاف الله تعالى الأبصار إلى القلوب في قوله سبحانه : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (٩) ، أي ذليلة لمعاينة العذاب ، والمراد بها الأعين بلا خلاف؟

قلنا : المراد أبصار أصحابها ، بدليل قوله تعالى (يَقُولُونَ) [الآية ١٠].

فإن قيل : لم قال الله تعالى : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (٢٠) ، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام أراه الآيات كلّها ، بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ) [طه / ٥٦] وكلّ آية كبرى؟

قلنا : الإخبار في هذه الآية عن أوّل ملاقاته إيّاه ، وإنّما أراه في أوّل ملاقاته العصا واليد ، فأطلق عليهما الآية الكبرى لاتّحاد معناهما. وقيل أراد بالآية الكبرى العصا ، لأنّها كانت المقدّمة ، والأصل ، والأخرى كالتّبع لها لأنه كان يتبعها بيده ، فقيل له أدخل يدك في جيبك.

فإن قيل : لم أضاف الله تعالى الليل

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٦١

إلى السماء ، بقوله جلّ وعلا : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) [الآية ٢٩] مع أن الليل إنّما يكون في الأرض لا في السماء؟

قلنا : أضافه إليها ، لأنه أول ما يظهر عند غروب الشمس ، إنّما يظهر من أفق السماء من موضع الغروب ؛ وأمّا قوله تعالى : (وَأَخْرَجَ ضُحاها) (٢٩) فالمراد به ضوء الشمس بدليل قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) [الشمس] أي : وضوئها ، فلا إشكال في إضافته إليها.

٦٢

المبحث السابع

المعاني المجازية في سورة «النازعات» (١)

في قوله سبحانه : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤) استعارة : لأنّ المراد بالساهرة هاهنا ، على ما قال المفسّرون ، والله أعلم ، الأرض.

قالوا إنما سمّيت ساهرة على مثال : عيشة راضية ، كأنه جاء على النسب : ذات السّهر وهي الأرض المخوفة. أي يسهر في ليلها ، خوفا من طوارق شرّها.

وقيل أيضا : إنما سمّيت الأرض ساهرة لا تنام عن إنماء نباتها وزروعها ؛ فعملها في ذلك ليلا ، كعملها فيها نهارا.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٦٣
٦٤

سورة عبس

٨٠

٦٥
٦٦

المبحث الأول

أهداف سورة «عبس» (١)

سورة «عبس» سورة مكية ، آياتها ٤٢ آية نزلت بعد سورة النجم وهي سورة تصحّح القيم الإنسانية ، وتضع الأسس الإسلامية لأقدار الناس وأوزانهم ، وتؤكّد أن قيمة الإنسان بعمله وسلوكه ، ومقدار اتّباعه لهدى السماء ؛ قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات / ١٣].

وقد نزلت سورة عبس في عبد الله بن أمّ مكتوم ، وأمّ مكتوم أمّ أبيه ، وأبوه شريح بن مالك ربيعة الزهري.

«وذلك أنه أتى رسول الله (ص) ، وعنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم. فقال يا رسول الله أقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله ، وكرّر ذلك وهو لا يعلم شغله بالقوم ؛ فكره رسول الله (ص) قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت ؛ فكان رسول الله (ص) بعد ذلك ، يكرمه ، ويقول : إذا رآه ، مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ، ويقول له : هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين» (٢).

فقرات السورة

تعاتب الآيات الأولى النبي (ص) على إعراضه عن عبد الله بن أمّ مكتوم ، وقد جاء يطلب الهدى ،

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

(٢). تفسير النيسابوري ٣٠ / ٣٦.

٦٧

ويلحف في طلب العلم ، [الآيات ١ ـ ١٦].

ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان ، وكفره الفاحش لربّه ، وهو يذكّره بمصدر وجوده وأصل نشأته ، وتيسير حياته ، وتولّي ربّه له في موته ونشره ، ثمّ تقصير الإنسان بعد ذلك في أمر ربّه [الآيات ١٧ ـ ٢٣].

والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمسّ الأشياء به ، وهو طعامه وطعام حيوانه ، وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له : [الآيات ٢٤ ـ ٣٢].

والمقطع الأخير يعرض الصّاخّة التي يشتد هولها ، ويذهل الإنسان بها عمّا عداها ، وتنقسم الوجوه إلى ضاحكة مستبشرة ، وعابسة مغبرّة : [الآيات ٣٣ ـ ٤٢].

وتسكب السورة الإحساس بقدرة هذا الكتاب الخارقة على تغيير موازين الجاهلية ، وتصحيح القيم ، وتغيير المثل الأعلى ، فبعد أن كان احترام الإنسان لجاهه أو ماله ، أو منصبه ومركزه ، أو مظاهر سطوته وجبروته وقوّته ، أصبح المثل الأعلى في الإسلام طلب الحق والهدى ، والتزام هدى السماء ، ومراقبة الله والتزام أوامره ، والعمل بأحكامه ، وصدق الله العظيم : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات / ١٣]. وتبين آية أخرى أن الله جلّ جلاله يأمرنا بمكارم الأخلاق وينهانا عن المنكرات ، فيقول سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) [النحل].

مع آيات السورة

[الآيتان ١ و ٢] : قطّب الرسول (ص) وجهه وأعرض ، لأنّ الأعمى جاءه وقطع كلامه. وفي العدول عن الخطاب للغيبة التفات بلاغي ، سرّه عدم توجيه اللوم والعتاب إلى الرسول (ص). ثم التفت الى الخطاب بعد هاتين الآيتين ، عند ما هدأت ثورة العتاب ، وبدأ التلطّف.

[الآيتان ٣ و ٤] : وما يعلمك لعلّ هذا الرجل الأعمى الفقير يتطهر ، ويتحقّق منه خير كبير ، ويشرق قلبه بنور الايمان ، فتنفعه الموعظة : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ

٦٨

رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢) [الزمر].

[الآيات ٥ ـ ٧] : أمّا من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك ، وعمّا عندك من الخير والإيمان ، فأنت تتصدّى له ، وتحفل بأمره ، وأنت مبلّغ عن الله ، عليك البلاغ ، وليس عليك هداهم ، ولا يضيرك إعراضهم.

[الآيات ٨ ـ ١٠] : وأمّا عبد الله بن أمّ مكتوم ، الذي جاءك طائعا مختارا ساعيا يخشى ويتوفّى ، فأنت تتشاغل عنه بهؤلاء الأشراف من قريش ؛ ثم تتصاعد نبرة العتاب لتبلغ حدّ الردع والزجر.

[الآيات ١١ ـ ١٦] : (كلا) ، لا يكن ذلك أبدا.

إنّ هداية القرآن غالية عالية ، فمن شاء اهتدى بها وتذكّر أحكامها ، واتّعظ بها وعمل بموجبها. وهذا الوحي كريم على الله ، كريم في كل اعتبار ، منزّه عن النقص والضلالة ، قد دوّن في صحف مكرّمة ذات شرف ورفعة ، مطهّرة من النقائص والضلالات ، تنزّل بواسطة الملائكة على الأنبياء ، وهم يبلّغونها للناس. والملك سفير لتبليغ وحي السماء ، والرسول سفير لتبليغ الدعوة إلى الناس ، وهم كرام أبرار أطهار لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

وقد بلّغ النبي الكريم وحي السماء ، وغيّر كثيرا من المفاهيم السائدة ، وجعل أسامة بن زيد أميرا على جيش به أجلّاء الصحابة ، ووضع في نفوس أصحابه تقدير الناس بأعمالهم فقط لا بأحسابهم وأنسابهم ؛ يقول عمر بن الخطاب (رض) : «لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته». ويقول عمر أيضا : «أبو بكر سيّدنا وأعتق سيّدنا» أي أنّ أبا بكر (رض) أعتق بلالا (رض) مؤذّن الرسول الأمين (ص).

[الآيات ١٧ ـ ٢٣] : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) دعاء على الكافر ، فإنه ليستحقّ القتل على شدة كفره وجحوده ، ونكرانه لنعم الله عليه ، لما ذا يتكبّر وهو مخلوق من أصل متواضع زهيد ، يستمدّ كلّ قيمة من فضل الله ونعمته ، ومن تقديره وتدبيره. لقد خلقه الله من نطفة ، فمرّت النطفة بأطوار كثيرة ، في بطن الأم ، ومرّ هو

٦٩

بأطوار عدّة خارج بطنها ، رضيعا فطفلا فشابّا فكهلا فشيخا. ثمّ يسّر الله له سبيل الهداية ، ومنحه العقل والإرادة ، ومكّنه من القدرة على الاختيار ، وعرّفه عاقبة كلّ عمل ونتيجته ؛ قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) [الإنسان] ، أي بيّنّا له الطريق ومنحناه القدرة على الاختيار ، وبيّنا له سبيل الهدى والضلال ، فإمّا أن يشكر ربه ويمتثل لأمره ، وإمّا أن يكفر بنعمه ويخالف أمره ؛ حتّى إذا انتهت حياة الإنسان سلب الله روحه ، ومنّ عليه بالموت وهو نعمة كبرى ، ولولا الموت لأكل الناس بعضهم بعضا ، ولضاقت الأرض بمن عليها. ومن نعم الله أن شرّع دفن الميت ، وحفظه في باطن الأرض ، حتّى لا يترك على ظهرها للجوارح والكواسر.

ومن نعم الله ، أيضا ، أن يبعث الموتى ، وينشرهم ويخرجهم من قبورهم ، لمكافأة الطائع ومعاقبة العاصي.

عجبا للإنسان الجاحد ، فإنه بالرغم من النعم الظاهرة والباطنة ، التي أحاطه الله تعالى بها ، لم يمتثل ما أمره به.

[الآيات ٢٤ ـ ٣٣] : فليتأمل الإنسان تدبير الله ، لإمداده بأسباب الحياة والنموّ ، ولينظر إلى ألصق شيء إليه ، وألزم شيء له ، وهو الطّعام ، كيف يسّر الله الحصول عليه ؛ فقد أنزل له سبحانه المطر من السماء ، فانتفعت به الأرض ، وانشقّت عنه ثمانية أنواع من النبات هي :

١ ـ الحبّ كالحنطة والشعير والأرزّ.

٢ ـ العنب والفاكهة.

٣ ـ القضب ، وهو ما يؤكل من النبات رطبا وغضّا طريّا.

٤ و ٥ ـ الزيتون والنخل ، وفيهما من القيمة الغذائية الشيء الكثير ، والبلح طعام الفقير وحلوى الغنيّ ، وزاد المسافر والمقيم.

٦ ـ بساتين ذات أشجار ضخمة مثمرة ، وذات حوائط تحيط بها ، (غُلْباً) (٣٠) جمع غلباء أي ضخمة عظيمة ، ملتفّة الأشجار.

٧ ـ وفاكهة يتمتّع الإنسان بأكلها ، كالتّين والتّفّاح والخوخ وغيرها.

٨ ـ والأبّ ، أي مرعى الحيوان خاصة.

تلك قصّة الطّعام الذي أنبتته يد

٧٠

القدرة ، ويسّرت لذلك المطر والرياح والشمس والهواء ، وعديدا من العوامل والأسرار الخفيّة ، حتّى قضيّة النبات ، فيتمتّع بأكله الإنسان والحيوان.

[الآيات ٣٣ ـ ٤٢] : فإذا جاءت القيامة التي تصخّ الآذان بسماع أهوالها ، في ذلك اليوم يشتدّ الهول ، وينشغل الإنسان بنفسه عن أقرب الناس إليه ، ويفرّ من أخيه ، وأمّه وأبيه ، وزوجته وبنيه ؛ لقد اشتدّ الفزع النفسيّ ففرّ الإنسان ممّن يفديهم بنفسه في الدّار الدّنيا ، وقد شغله خوف الحساب ، ومشاهد القيامة ، ومظهر البعث والحشر والجزاء ، عن كلّ شيء.

في ذلك اليوم ، ترى وجوها مستنيرة مشرقة ، ترجو ثواب ربّها ، مطمئنّة بما تستشعره من رضاه عنها ؛ وترى وجوها أخرى ، يغشاها غبرة الحزن والحسرة ، ويعلوها سواد الذلّ والانقباض ، هؤلاء هم الذين جحدوا آيات ربّهم ، ولم يؤمنوا بالله ورسله ، وانتهكوا الحرمات ، وتعدّوا حدود الله ، فاستحقّوا كلمة العذاب.

مقاصد السورة

١ ـ عتاب الرسول (ص) على ما حدث منه مع ابن أمّ مكتوم الأعمى.

٢ ـ ذكر شرف القرآن ، وبيان أنه موعظة لمن عقل وتدبّر.

٣ ـ إقامة الأدلّة على وحدانية الله ، بخلق الإنسان ، والنظر في طعامه وشرابه.

٤ ـ أهوال يوم القيامة.

٥ ـ انقسام النّاس في الآخرة إلى سعداء وأشقياء.

٧١
٧٢

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «عبس» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «عبس» بعد سورة النجم ، ونزلت سورة النجم فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، فيكون نزول سورة عبس في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢). وتبلغ آياتها اثنتين وأربعين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، التسوية بين الناس في الدعوة ، وكان عبد الله بن أمّ مكتوم أتى النبيّ (ص) وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فطلب منه أن يقرئه ويعلّمه ممّا علّمه الله ، فعبس وأعرض عنه لقطعه كلامه ، فنزلت هذه السورة عتابا له ، وقد انتقل فيها من عتابه إلى سياق الترهيب والترغيب ، فوافقت في هذا سياق سورة النازعات ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعدها.

التسوية بين الناس في الدعو

الآيات [١ ـ ٤٢]

قال الله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢) فذكر سبحانه أن الرسول (ص) عبس للأعمى ولعلّه ينتفع بما يعظه به ، وأنه تصدّى لمن استغنى فأبطره غناه وأطغاه وليس عليه

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٧٣

شيء من أمره ، وأعرض عمّن سعى إليه وهو يخشى ربه ، ثمّ زجره عن العود إليه لأنه ليس عليه إلّا أن يبلّغ ويذكّر ؛ فمن شاء أن يتذكّر ذكره في صحف مكرّمة ، ومن لم يشأ ذلك فلا قيمة له ، وإن بلغ في الغنى ما بلغ. ثمّ عجب ممّن كفر من أولئك الصناديد واغترّ بغناه وهو لا يدري أنه خلقه من نطفة قذرة ، فقدّره ويسّر له الخروج من الرّحم ، ثمّ أماته فأقبره وصيّره إلى جيفة مذرة ، ثمّ إذا شاء أنشره ، وحاسبه على طغيانه وتكبّره ؛ فما أحقّه أن يرتدع عن ذلك ، وهو لمّا يقض شيئا ممّا أمره ؛ ثم أمر الواحد منهم أن ينظر إلى طعامه الذي أبطره ، فإنّه لم يحصل إلّا بعد أن صبّ الله المطر وشقّ الأرض ، فأنبت فيها حبّا وعنبا وغيرهما ، ممّا هو متاع لهم ولأنعامهم ؛ فإذا جاءت الصّاخّة (القيامة) ، يوم يفرّ المرء من أهله الذين كان يعتزّ بهم في دنياه ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٤٢).

٧٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «عبس» (١)

أقول : وجه وضعها عقب النازعات مع تآخيهما في المقطع ، لقوله تعالى هناك : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ) [النازعات / ٣٤]. وقوله سبحانه هنا : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) (٣٣). وهما من أسماء يوم القيامة (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

(٢). لم يذكر المؤلف سرّ الترتيب ، ونقول : إنّ الطّامّة من الطّمّ ، من طمّ البئر ، إذا غمرها ؛ وسميت به القيامة لأنها تطمّ كل شيء. والصّاخّة من الصّخّ ، وهو الصوت الشديد ، وسميت به لأنه بشدة صوتها يجثو لها الناس. وخصّت «النازعات» بالطّمّ لأنه قبل الصّخ ، فكانت «عبس» لاحقة للنازعات بطبعها. انظر (أسرار التكرار في القرآن ٢٠١).

٧٥
٧٦

المبحث الرابع

مكنونات سورة «عبس» (١)

١ ـ (الْأَعْمى) (٢).

هو عبد الله بن أم مكتوم ، كما أخرجه التّرمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها (٢).

٢ ـ (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥).

هو أميّة بن خلف. أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة وعن مجاهد.

وأخرج من وجه آخر عن مجاهد : أنه عتبة بن ربيعة (٣).

وأخرج من طريق العوفي ، عن ابن عبّاس : أنّه عتبة ، وأبو جهل ، والعبّاس بن عبد المطلب (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). الترمذي (٣٣٢٨) وقال : حسن غريب ، والحاكم ٢ / ٥١٤ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، فقد أرسله جماعة من هشام بن عروة ، قال الذهبي : وهو الصواب.

(٣). رواية مجاهد في «الطبري» ٣٠ / ٣٤ جاءت بزيادة : «وشيبة بن ربيعة».

(٤). إسناده ضعيف.

٧٧
٧٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «عبس» (١)

١ ـ وقال تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١).

والأبّ المرعى لأنه يؤبّ ، أي : يؤمّ وينتجع.

قال الزمخشري : (٢)

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأبّ فقال : أيّ سماء تظلّني ، وأي أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به؟

وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا قد عرفناه ، فما الأبّ؟

ثم رفض عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ، ثم قال : اتبعوا ما تبيّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا ، فدعوه.

فإن قلت : فهذا يشبه النهي عن تتبّع معاني القرآن ، والبحث عن مشكلاته. قلت : لم يذهب إلى ذلك ، ولكنّ القوم أكبر همتهم عاكفة على العمل ، ولكن التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلّفا عندهم ، فأراد أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه ، واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأبّ بعض ما أنبته الله للإنسان متاعا له ، أو لأنعامه ؛ فعليك بما هو أهم ، من النهوض بالشكر لله على ما تبيّن لك ، ولم يشكل ، ممّا عدّد من نعمه ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأبّ ، ومعرفة النبات الخاص الذي هو

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). الكشاف : ٤ / ٧٠٤ ـ ٧٠٥.

٧٩

اسم له ، واكتف بالمعرفة الجمليّة إلى أن يتبيّن لك في غير هذا الوقت.

٢ ـ وقال تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) (٣٣).

وصفت النفخة ب «الصّاخّة» مجازا لأن الناس يصخّون لها أي : يصيخون.

وهذا من باب أن المضاعف والأجوف من مادة واحدة ، ولعل المضاعف أصل.

٨٠