الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١١

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١١

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الشمس» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الشمس بعد سورة القدر ، ونزلت سورة القدر بعد سورة عبس ، ونزلت سورة عبس فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، فيكون نزول سورة الشمس في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) وتبلغ آياتها خمس عشرة آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة الترغيب في الطاعات ، والتحذير من المعاصي ، فهي في سياق الترغيب والترهيب كسورة البلد ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعدها.

الترغيب في الطاعات والتحذير

من المعاصي

الآيات [١ ـ ١٥]

قال الله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) الآيات إلى قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) ، فأقسم بالشمس وما ذكر بعدها على فلاح من زكّى نفسه بالطاعات ، وخيبة من دسّاها بالمعاصي ، ثم أثبت هذا بعد القسم بما حصل لثمود بمعصيتها حينما أمرهم

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٨١

صالح أن يتركوا ناقة الله وشربها ، فكذّبوه في رسالته وذبحوا هذه الناقة. فدمدم عليهم ربهم أي أطبق عليهم عذابه فسوّاها : (وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥).

٢٨٢

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الشمس» (١)

أقول : هذه الثلاث حسنة التناسق جدا ، لما في مطالعها من المناسبة ، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة ، ومنها سورة الفجر ، لكن فصلت بسورة البلد لنكتة أهم ، كما فصل بين الانفطار والانشقاق وبين المسبّحات ، لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول ، إنّما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.

ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد ، فإنه سبحانه لمّا ختمها بذكر أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة (٢). فقوله ، في الشمس : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) ، هم أصحاب الميمنة في سورة البلد ؛ وقوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) في سورة الشمس ، هم أصحاب المشأمة في سورة البلد ، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة : ولهذا قال الإمام : المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات ، والتحذير من المعاصي.

ونزيد في سورة الليل : أنها تفصيل إجمال سورة الشمس ، فقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٥) [الليل] وما بعدها ، تفصيل قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩). وقوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م.

(٢). الفذلكة : خلاصة ما فصّل من أمر ما.

٢٨٣

وَاسْتَغْنى) (٨) [الليل] الآيات ، تفصيل قوله : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠).

ونزيد في سورة الضحى : أنها متصلة بسورة الليل من وجهين. فإنّ فيها (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) (١٣) [الليل]. وفي الضحى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٤). وفي الليل : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١) وفي الضحى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥). ولمّا كانت سورة الضحى نازلة في شأنه (ص) فقد افتتحت بالضحى ، الذي هو نور. ولما كانت سورة الليل سورة أبي بكر ، يعني : ما عدا قصة البخيل (١) ، وكانت سورة الضحى سورة محمد (ص) ، عقّب بها ، ولم يجعل بينهما واسطة ، ليعلم ألّا واسطة بين محمد (ص) وأبي بكر.

__________________

(١). الذي نزل في أبي بكر من هذه السورة قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٥) [الليل] الى (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (٧) [الليل]. أخرج ابن جرير أنه كان يغدق على الإسلام بمكّة عجائز ونساء إذا أسلمن ، فلامه أبوه ، فنزلت. تفسير ابن جرير الطبري : ٣٠ / ١٤٢.

٢٨٤

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الشمس» (١)

١ ـ (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) (١٢).

هو قدار (٢).

وقال الفرّاء (٣) والكلبي : هما رجلان : قدار بن سالف ومصدع بن دهر ولم يقل : (أشقياها) للفاصلة (٤).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). قدار بن سالف. انظر «تفسير الطبري» ٣٠ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٣). في «معاني القرآن» ٣ / ٢٦٨.

(٤). في «الإتقان» ٢ / ١٤٨ في قوله تعالى في هذه السورة : (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) [الآية ١٣] هو صالح.

٢٨٥
٢٨٦

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الشمس» (١)

قال تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠).

قالوا : معنى (دسّاها) دسّها في أهل الخير ، وليس منهم.

ويقال : قد خاب من دسّى نفسه فأخملها بترك الصدقة والطاعة. وإذا كان أصل (دسّاها) دسّها ، فقد بدّلت بعض سيناتها ياء كما قالوا : تظنّيت من الظن.

أقول : إذا كان ذلك ، فالمراد هو المراعاة للفواصل التي اقتضت تبديل بناء الفعل.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٨٧
٢٨٨

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الشمس» (١)

قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) (٧) أي : «والذي سوّاها» فأقسم الله تبارك وتعالى بنفسه ، وأنّه ربّ النفس التي سوّاها. ووقع القسم على (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩).

وقال تعالى : (ناقَةَ اللهِ) [الآية ١٣] أي : ناقة الله فاحذروا أذاها.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٨٩
٢٩٠

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «الشمس» (١)

إن قيل : لم نكّر الله تعالى النفس دون سائر ما أقسم به حيث قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) (٧).

قلنا : لأنه لا سبيل إلى لام الجنس ، لأن نفوس الحيوانات غير الإنسان خارجة عن ذلك ، بدليل قوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨). ولا سبيل إلى لام العهد ، لأنّ المراد ليس نفسا واحدة معهودة ، وعلى قول من قال : المراد منه نفس آدم عليه‌السلام ، فالتنكير للتفخيم والتعظيم كما سبق في سورة الفجر. فإن قيل : أين جواب القسم؟

قلنا : قال الزّجّاج وغيره : إنه قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) وحذفت اللام لطول الكلام. وقال ابن الأنباري : جوابه محذوف. وقال الزمخشري : تقديره ليدمدمنّ الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله (ص) ، كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا عليه‌السلام. قال : وأما (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) ، فكلام تابع لما قبله على طريق الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٩١
٢٩٢

سورة اللّيل

٩٢

٢٩٣
٢٩٤

المبحث الأول

أهداف سورة «الليل» (١)

سورة «الليل» سورة مكّيّة ، آياتها إحدى وعشرون آية ، نزلت بعد سورة «الأعلى».

وتصف السورة مشاهد الكون ، ومظاهر القدرة ، وتقرير حقيقة العمل والجزاء ، وتبيّن أنّ الجزاء الحق من جنس العمل.

ونلاحظ في السورة التقابل بين الليل والنهار ، والذكر والأنثى ، ومن أعطى واتقى ، ومن بخل واستغنى ، وبين الأشقى الذي كذّب وتولّى ، والأتقى الذي يؤتي ماله يتزكّى ، وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني.

مع آيات السورة

[الآيات ١ ـ ٤] : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤).

يغشى : يغطي كل شيء فيواريه بظلامه.

تجلّى : ظهر وانكشف بظهوره كل شيء.

وما خلق : والذي خلق.

شتّى : واحدها شتيت ، وهو المتباعد بعضه عن بعض.

يقسم الله سبحانه وتعالى بالليل حينما يغشى البسيطة ، ويغمرها ويخفيها ، وبالنهار حينما يتجلّى ويظهر ، فيظهر في تجلّيه كل شيء ويسفر.

ويقسم بالقادر العظيم الذي خلق

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٩٥

الذكر والأنثى ، وميّز بين الجنسين مع أن المادة التي تكوّنا منها مادة واحدة ، والمحلّ الذي تكوّنا فيه محل واحد.

يقسم الله بهذه الظواهر ، والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس ، على أن سعي الناس مختلف ، وعملهم متباعد ومتفرّق ، فمنه السّيئ ومنه الحسن ، ومنه التقوى ومنه الفجور ، ومنه ما يجازى عليه بالنعيم المقيم ، ومنه ما يعاقب عليه بالعذاب الأليم.

[الآيات ٥ ـ ١١] : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) (١١).

أعطى : بذل ماله.

اتقى : خاف عذاب الرحمن واجتنب المحارم.

الحسنى : الكلمة الحسنى وهي مؤنث الأحسن ؛ فسنيسّره : فسنهيّئه.

لليسرى : لليسر والسهولة.

العسرى : العسر والعنت والمشقة.

تردّى : هلك ، وهو تفعّل من الردى.

فأما من أعطى الفقراء ، وأنفق المال في وجوه الخير ، وراقب الله وابتعد عن المحرّمات ، وأيقن أنّ الله سيخلف عليه ما أنفق ، مصدّقا بالفضيلة ، ومميّزا بينها وبين الرذيلة ، وابتعد من طريق الغواية ، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (٧) فسنجعل اليسر يفيض من نفسه على كل ما حوله ، وعلى كلّ من حوله ، اليسر في خطوه ، واليسر في طريقه ، واليسر في تناوله للأمور كلها ، والتوفيق الهادئ المطمئن في كليّاتها وجزئيّاتها.

وأمّا من بخل بماله ، واستغنى عن ربّه وهداه ، وكذّب بالدين الحقّ ، ولم يصدّق بأنّ الله سيخلف على المنفقين ، وسيجزي المحسنين ، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) فيسلب الله منه الهدى واليسر ، ويحرمه كلّ تيسير ، وبجعل في كلّ خطوة من خطاه مشقّة وحرجا ، ينحرف به عن طريق الرشاد ، فإذا تردّى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات ، لم يغن عنه ماله الذي بخل به ، والذي استغنى به كذلك عن الهدى والسداد.

[الآيات ١٢ ـ ٢١] :

تلظّى : أصله تتلّظى ، أي تتوقّد وتلتهب.

لا يصلاها : لا يحترق بها.

٢٩٦

الأشقى : من هو أشدّ شقاء من غيره.

كذّب : كذّب الرسول فيما جاء به عن ربه.

تولّى : أعرض عن طاعة ربه.

يتزكّى : يتطهّر.

تجزى : تجازى وتكافأ.

[الآية ١٢] : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) (١٢) أي أنّا خلقنا الإنسان وألهمناه التمييز بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، ثم أرسلنا له الرسل ، وأنزلنا له الكتب لترشده الى الهداية والإيمان.

[الآية ١٣] : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) (١٣) وأنّا المالكون لكل ما في الآخرة ولكلّ ما في الأولى ، فأين يذهب من يريد أن يذهب بعيدا من الله؟

[الآيتان ١٤ و ١٥] : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) (١٥) وأنّ من هداية الله للبشر ، أن خوّفنا رسوله الكريم محمد (ص) نارا تلظّى : تتسعّر ، وتشتدّ ألسنة لهبها ، هذه النار لا يقاسي حرها إلّا أشدّ الناس شقاوة ، وهو الكافر.

[الآية ١٦] : (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (١٦) الذي كذّب بالدعوة ، وكذّب الرسول (ص) فيما جاء به عن ربّه من الآيات ، وأعرض أيضا عن اتّباع شرائعه ، وانصرف عن الحق دون دليل يستند إليه ، حتّى صار التكذيب والإعراض أبرز أوصافه.

[الآيتان ١٧ و ١٨] : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) (١٨) وسيبعد عن النار من اتقى الله ، وابتعد عن الموبقات ، الذي ينفق أمواله في وجوه البر ، طالبا بذلك طهارة نفسه ، وقربها من ربه ، ولا يريد بذلك رياء على معروف ، وانّما يقدم الخير ابتغاء مرضاة الله ، وحبّا في ذاته سبحانه. ولسوف يرضى من فعل ذلك بأحسن ثواب ، في أفضل مكان وفي أحسن جوار.

روي أنّ هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق (رض) ، وقد كان من أمره أنّ بلال بن رباح ، وكان مولى لعبد الله بن جدعان ، دخل في الإسلام ، فكان سيده يعذّبه ، ويخرجه إلى الرمضاء في حرّ الظهيرة ، ويضع الحجر على بطنه ، ويقول له لا تزال كذلك حتى تموت ، أو تكفر بمحمّد ، فلا يزيد بلال على أن يقول أحد أحد.

٢٩٧

وكان رسول الله (ص) يمرّ به وهو يعذّب فيقول له ينجيك أحد أحد ؛ ثمّ أخبر رسول الله (ص) أبا بكر (رض) بما يلقى بلال في الله ، فاشتراه أبو بكر وأعتقه ، فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر إلّا ليد كانت لبلال عنده ، فنزل قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) الى آخر السورة.

مقاصد السورة

١ ـ بيان أن الناس في الدنيا فريقان : (أ) فريق يهيّئه الله للخصلة اليسرى ، وهم الذين أعطوا الأموال لمن يستحقها وصدقوا بما وعد الله من الأخلاف على من أنفق.

(ب) وفريق يهيئه الله للخصلة المؤدية الى العسر والشدة ، وهم الذين بخلوا بالأموال ، واستغنوا بالشهوات وأنكروا ما وعد الله به من ثواب الجنة.

٢ ـ الجزاء في الآخرة من جنس العمل ، فالأشقى له النار ، والأتقى له الجنة والرّضوان.

٢٩٨

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الليل» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الليل بعد سورة الأعلى ، ونزلت سورة الأعلى فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة ، فيكون نزول سورة الليل في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أوّلها : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) وتبلغ آياتها إحدى وعشرين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة الترغيب في بذل المال في سبيل الله ، والتحذير من البخل ، فهي في سياق السورة السابقة أيضا ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعدها.

الترغيب في البذل والتحذير

من البخل

الآيات [١ ـ ٢١]

قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) ، فأقسم ، بالليل وما ذكر بعد ، على أنّ سعيهم مختلف في الجزاء. فأمّا من بذل من ماله في سبيل الله مع التقوى والتصديق بما جاء به النبي (ص) ، فسيكون جزاؤه الجنّة ؛ وأما من بخل ولم يتّق ولم يصدّق بذلك فجزاؤه النار ، ولا يغني عنه ماله شيئا ؛ ثم ذكر أنه قد قضى بذلك حقّهم

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٩٩

في الإرشاد ، وأنّ له ملك الدّارين فلا يضرّه تركهم الاهتداء ، ثمّ أنذرهم النار التي لا يصلاها إلّا غير المهتدي ، وسيجنّبها من اهتدى فبذل ماله ليطهّر نفسه ، ولا يبتغي بذلك إلّا وجه ربه الأعلى (وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١).

٣٠٠