الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٠

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٠

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٠

سورة المعارج

٧٠

١٤١
١٤٢

المبحث الأول

أهداف سورة «المعارج» (١)

سورة المعارج سورة مكية ، آياتها ٤٤ آية ، نزلت بعد سورة الحاقّة.

تبدأ السورة بمطلع متميّز ، وهو سؤال طرحه أحد الكافرين عن يوم القيامة ، سؤال تهكّم او استعجال لهذا اليوم.

وفي الإجابة عن هذا السؤال ، وصفت السورة يوم القيامة وألوان الهوان النفسي والحسّي الذي يصيب الكافرين فيه ، ثم وصفت هلع الإنسان وجزعه ، واستثنت المؤمنين الموصولين بالله تعالى ، فهم في يقين ثابت ، وأدب كريم.

تنوع أساليب القرآن

سورة المعارج جولة من جولات المعركة الطويلة الشّاقّة ، التي خاضها القرآن في داخل النفس البشرية ، وخلال دروبها ومنحنياتها ، ورواسبها وركامها ، وهي أضخم وأشقّ من المعارك الحربية.

لقد سلك القرآن الكريم كل سبيل ، ليصل الى نفوس المشركين ويقنع الجاحدين ، ويثبّت المؤمنين ؛ وقد لوّن القرآن في طرق الهداية والدعوة ، ومواجهة النفوس الجامحة.

«فتارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر ، من الدلائل الموحية والمؤثّرات الجارفة ؛ وتارة يواجهها بما يشبه السياط اللاذعة ؛ وتارة يواجهها بما يشبه المناجاة الحبيبة ، والمسارّة الودود ، التي تهفو لها المشاعر وتأنس

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

١٤٣

بها القلوب ؛ وتارة يواجهها بالهول المرعب ، والصرخة المفزعة ، التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب ؛ وتارة يواجهها بالحقيقة في بساطة ونصاعة ؛ وتارة يواجهها بالأمل والرجاء ، الذي يهتف لها ويناجيها ؛ وتارة يتخيّل مساربها ودروبها ومنحنياتها ، فيلقي عليها الأضواء الكاشفة .. ومئات اللمسات والمؤثّرات ، يطلع عليها قارئ القرآن الكريم» (١) ، وهو يتابع تلك المعركة الطويلة ، التي قادها القرآن على عادات الجاهلية وركامها حتى انتصر عليها.

وسورة المعارج لون من ألوان البيان القرآني ، في تقرير حقيقة الاخرة ، وما فيها من جزاء ، وموازين هذا الجزاء ، وإقرار هذه الحقيقة في النفوس. وتكاد تكون لونا من ألوان السياط اللاذعة ، والأضواء الكاشفة ، التي ساقها القرآن الكريم لتفتح عيون المشركين على ما هم فيه من ضلال ، وما ينتظرهم من حساب وعقاب.

مع آيات السورة

[الآيات ١ ـ ٥] : يسأل المشركون (٢) رسول الله (ص) سؤال استهزاء عن العذاب الذي يخوّفهم به ؛ ويجيب الله سبحانه ، بأنه واقع لا شك في وقوعه ، ولا يستطيع أحد دفعه ؛ وهذا العذاب من الله ذي الدرجات العلى. ويأمر الله تعالى نبيه (ص) بالصبر الجميل الهادئ.

[الآيات ٦ ـ ١٤] : كان الكفّار ينكرون حقيقة الاخرة ، ويرونها بعيدة الوقوع ، وقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة ، وكانوا يتلقّونها ببالغ العجب والدهشة والاستغراب.

وقد بيّنت الآيات أن ذلك اليوم قريب الوقوع ، وكل آت قريب ، ثم رسمت مشاهد هذا اليوم ، في مجال الكون وأغوار النفس ، وهي مشاهد توحي بالهول الشديد ، في الكون وفي النفس. وفي يوم القيامة تكون السماء (كالمهل) والمهل : ذوب المعادن الكدر ، أي كدرديّ (٣) الزيت. وتكون

__________________

(١). في ظلال القرآن ٢٩ : ٩٦ بتصرف.

(٢). رواية عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن الذي سأل هو النضر بن الحارث ، وفي رواية أخرى عنه قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم.

(٣). درديّ الزيت وغيره : ما يبقى في أسفله.

١٤٤

الجبال (كالعهن) : أي كالصوف الواهن المنتفش. ويتمنّى الكافر في ذلك اليوم لو يفتدى من العذاب ببنيه ، وزوجته وأخيه ، وقبيلته وجميع من في الأرض. وهي صورة للهول الشديد الذي يصيب الكافر فيتمنّى النجاة ولو قدّم أعز الناس إليه. ومن كان يفتديهم بنفسه في الحياة.

[الآيات ١٥ ـ ١٨] : تردع هذه الآيات هذا الكافر ، عن تلك الأماني المستحيلة ، في الافتداء بالبنين والعشيرة. وتبيّن للكافر أنّ ما أمامه هو النار ، تتلظّى وتتحرّق ، وتنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعا ؛ وهي غول مفزعة تنادي من أعرض عن الحق ، وحرص على المال ، وبخل به ليدخل فيها.

[الآيات ١٩ ـ ٢١] : جبل الإنسان على الهلع فهو قليل الصبر ، شديد الحرص ، يجزع إذا نزل به الضرّ والألم ، فلا يتصوّر أن هناك فرجا ؛ ومن ثم يأكله الجزع ، ويمزّقه الهلع ، كما يغلبه الحرص والبخل عند وجود المال والعافية.

[الآيات ٢٢ ـ ٣٥] : تستثني هذه الآيات المصلّين ، فإنّهم يحافظون على صلاتهم ، فتمنحهم الصلاة الثبات والاستقرار ، وتراهم صابرين في البأساء ، شاكرين في النعماء ، يخرجون زكاة أموالهم ، ويتصدّقون على الفقراء ، ويصدّقون بيوم الجزاء ، ويخافون غضب الله وعقابه ، ويتّسمون بالاستقامة والعفة ، وحفظ الفروج عن الحرام ، والتمتّع بالحلال من الزوجة وملك اليمين ، وأداء الشهادة بالحق والعدل ، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها ، وأداء سننها وآدابها وخشوعها ؛ تلك الصفات هي صفات هذا الفريق المؤمن ، الذي يستحق الجنّة والتكريم ، ويتمتّع بالنعيم الحسّي ، والنعيم الروحي : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٣٥).

[الآيتان ٣٦ ـ ٣٧] : تعرض هاتان الآيتان مشهدا من مشاهد الدعوة في مكة ، والمشركون يسرعون الخطى ، الى المكان الذي يكون فيه الرسول (ص) يتلو القرآن الكريم ؛ ثم يتفرّقون حواليه جماعات وفئات ، لا ليسمعوا ويهتدوا ، ولكن ليستطلعوا ثم يتفرقوا ، يدبرون الكيد والردّ على ما سمعوا.

[الآية ٣٨] : أيطمعون في دخول

١٤٥

الجنة ، وهم على هذه الحال من الإعراض والتكذيب؟.

[الآيات ٣٩ ـ ٤١] : لقد خلقوا من ماء مهين ، وهم يعلمون أصل خلقتهم ؛ والله سبحانه قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ، ولا يهربون من مصيرهم المحتوم.

ثم تتجه الآيتان ٤٢ و ٤٣ في الختام ، الى وعيدهم وتهديدهم بيوم الجزاء ، يوم يخرجون من القبور مسرعين ، كأنّما هم ذاهبون الى نصب يعبدونه ، وهم (يُوفِضُونَ) أي يسرعون.

وترسم الآية الأخيرة [الآية ٤٤] سماتهم ، وتلمح صورة ذليلة عانية ، في ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون به ، فيستريبون فيه ويشكّون.

مجمل ما تضمنته السورة

«بيان جزاء الكافر في استعجال العذاب ، وطول القيامة وهولها ، وشغل الخلائق في ذلك اليوم المهيب ، وتصوير النفس البشرية في السرّاء والضرّاء ، وبيان محافظة المؤمنين على خصال الخير ، وطمع الكفار في غير مطمع ، وذلّ الكافرين يوم القيامة» (٤) في قوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤).

__________________

(٤). بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي ١ : ٤٨٠ ، بتصرف.

١٤٦

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «المعارج» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة المعارج بعد سورة الحاقّة ، ونزلت سورة الحاقّة بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة المعارج في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى : (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) (٣) وتبلغ آياتها أربعا وأربعين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة ، بيان قرب العذاب الذي أنذر به الكافرون ، وبهذا يكون سياقها في سياق الإنذار المذكور في السّور السابقة ؛ وهذا هو وجه ذكر هذه السورة بعدها.

بيان قرب العذاب

الآيات [١ ـ ٤٤]

قال الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (١) ، فذكر سبحانه ، أنهم يسألون تعجيل عذاب واقع بهم ، توبيخا على سؤالهم ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يصبر على استهزائهم بذلك السؤال ، وذكر سبحانه أنهم يرون هذا العذاب بعيدا وأنه يراه قريبا ، (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) (٨) ، إلى غير هذا مما ذكره من أحواله ؛ ثم ذكر أن الإنسان خلق هلوعا ، فلا يقوى على ما أمره به من الصبر إلا قليل منهم ، وهم

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٤٧

المصلّون الذين هم على صلاتهم دائمون ، إلى غير هذا ممّا ذكره من صفاتهم ، وقد ختمها تعالى بقوله : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٣٥). ثم وبّخ الكافرين على إقبالهم مسرعين نحو النبيّ (ص) يسألونه ذلك السؤال على سبيل الاستهزاء ؛ كأنّ كلّ واحد منهم ، يطمع أن يدخل جنة نعيم ، ولا يكون جزاؤه ذلك العذاب ؛ ثم ردعهم عن ذلك الطمع الكاذب ، وذكر سبحانه أنه خلقهم من نطفة لا حياة فيها ، فهو قادر على بعثهم وعذابهم ، وعلى أن يبدّل خيرا منهم ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يتركهم في لهوهم حتى يأتي ما يوعدون به ، فيخرجوا من أجداثهم (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤).

١٤٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «المعارج» (١)

أقول : هذه السورة كالتتمّة لسورة الحاقّة ، في بقية وصف يوم القيامة والنار (٢).

وقال ابن عباس : إنّها نزلت عقب سورة الحاقّة (٣) وذلك أيضا من وجوه المناسبة في الوضع.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). وذلك من أول السورة الى قوله تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) (١٨).

(٣). الإتقان : ١ : ٩٧.

١٤٩
١٥٠

المبحث الرابع

مكنونات سورة «المعارج» (١)

١ ـ (سَأَلَ سائِلٌ) [الآية ١].

قال ابن عباس : هو النّضر بن الحارث. أخرجه ابن أبي حاتم وقيل : هو محمد (ص).

وقيل : نوح (ع). حكاهما الكرماني.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

١٥١
١٥٢

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «المعارج» (١)

١ ـ وقال تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) (٣٦).

قوله تعالى : (مُهْطِعِينَ) (٣٦) ، أي : مسرعين نحوك ، مادّي أعناقهم إليك ، مقبلين بأبصارهم عليك.

٢ ـ وقال تعالى : (عِزِينَ) (٣٧).

وقوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٣٧) ، أي فرقا شتّى جمع عزة ، وأصلها عزوة ؛ كأنّ كلّ فرقة ، تعتزى إلى غير من تعتزي إليه الأخرى.

أقول : وهذا الجمع ممّا ألحق بجمع المذكر السالم ، ولهذه الألفاظ الملحقة بهذا الجمع كالسنين والثبين والمئين وغيرها دلالة تاريخية ، وهي أنّ هذا الجمع كان عامّا لا يتصل بالعلم المذكر العاقل ولا صفته.

٣ ـ وقال تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ).

وقوله تعالى : (يُوفِضُونَ) (٤٣) أي : يسرعون إلى الداعي ، مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم.

أقول : والفعل «أوفض» من الأفعال التي نجهلها في العربية المعاصرة.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٥٣
١٥٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «المعارج» (١)

قال تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (١٦) بالنصب على البدل من الهاء (٢) ؛ وخبر «إن» (نزّاعة) (٣) وان شئت جعلت (لظى) رفعا على خبر (إنّ) ورفعت (نزّاعة) على الابتداء.

وقال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (١٩). ثم قال سبحانه : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٢٢) فجعل (الإنسان) جميعا ، ويدلّك على ذلك أنّ السّياق قد استثنى منه جميعا.

وقال تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٣٧) كما تقول «ما لك قائما» وواحدة «العزين» العزة. مثل «ثبة» و «ثبين».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). في السبعة ٦٥٠ نسبت الى عاصم ؛ وزاد في الجامع ١٨ : ٣٣٤ إلى ابن أبي عبلة وأبي حياة والزعفراني وابن مقسم واليزيدي في اختياره.

(٣). في الطبري ٢٩ : ٧٥ أنها إجماع قرّاء الأمصار ؛ وفي السبعة ٦٥١ إلى غير عاصم وإلى أبي بكر عن عاصم في رواية ؛ وفي الكشف ٢ : ٣٣٥ ، والتيسير ٢١٤ إلى غير حفص ؛ وفي الجامع ١٨ : ٢٨٧ إلى أبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر والأعمش وأبي عمرو وحمزة والكسائي ؛ وفي البحر الى ٨ : ٣٣٤ الجمهور.

١٥٥
١٥٦

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «المعارج» (١)

لم قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (١٩) ويفسّره ما بعده ، والإنسان في حال خلقه ما كان موصوفا بهذه الصفات؟

قلنا : «هلوعا» حال مقدّرة. فالمعنى مقدرا فيه الهلع كما في قوله تعالى : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) [الفتح : ٢٧] وهم ليسوا محلّقين حال الدخول.

فإن قيل : لم قال تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٢٣) ، ثم قال تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩) [المؤمنون] فهل بينهما فرق؟

قلنا : المراد بالدوام المواظبة والملازمة أبدا. وقيل : المراد به سكونهم فيها بحيث لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ؛ واختاره الزجّاج وقال : اشتقاقه من الدائم بمعنى الساكن ، كما جاء في الحديث «أنه (ص) نهى عن البول في الماء الدائم» قلت : وقوله تعالى (عَلى) ينفي هذا المعنى فإنه لا يقال : هو على صلاته ساكن ، بل يقال : هو في صلاته ساكن. والمراد بالمحافظة عليها أداؤها على أكمل وجوهها ، جامعة لجملة سننها وآدابها ، فالدوام يرجع إلى الصلاة نفسها والمحافظة على أحوالها.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٥٧
١٥٨

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «المعارج» (١)

في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) (١٧) استعارة. والمراد بدعائها من أدبر وتولّى ، والله أعلم ، أنّه لما استحقها بإدباره عن الحق ، صارت كأنها تدعوه إليها ، وتسوقه نحوها. وعلى ذلك قول ذي الرمّة (٢) في صفة الثور :

غدا بوهبين مجتازا لمرتعه بذي الفوارس تدعو أنفه الرّبب والرّبب جمع ربّة ، وهي نبت من نبات الصيف.

يقول لما وجد رائحة الرّبب ، مضى نحوها ، فكأنها دعته إلى أكلها. وقد يجوز أيضا ، أن يكون المراد بذلك أنّها لا يفوتها ذاهب ، ولا يعجزها هارب.

فكأنها تدعو الهارب منها فيجيبها مدّا له بأسبابها ، وردّا له إلى عذابها.

وقال بعض المفسّرين : إنّه تخرج عنق من النار فتتناول الكافر حتّى تقحمه فيها ، فكأنها بذلك الفعل داعية إلى دخولها.

وقد يجوز أن يكون المراد أنّها تدعو من أدبر عن الحق. بمعنى أنّها تخوّفه ، بفظاعة الخبر عنها ، وتغليظ الوعيد بها ، فكأنها تستعطفه الى الرشد ، وتستصرفه عن الغيّ. وحكي عن المبرّد أنه قال : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). هو أبو الحارث غيلان بن عاقبة. شاعر فحل اشتهر بالتشبيب وبكاء الأطلال ، ذاهبا مذهب الجاهليين. توفي بأصبهان سنة ١١٧ ه‍.

١٥٩

وَتَوَلَّى) (١٧).أي تعذّبه. وحكي عن الخليل : أنّ أعرابيا قال لآخر : دعاك الله. أي عذّبك الله. وقال ثعلب : معنى دعاك الله. أي أماتك الله. فعلى هذا القول دخل الكلام في باب الحقيقة ، ويخرج عن حيز الاستعارة.

١٦٠