الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٠

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١٠

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٠

أخلاق بعض الكفّار ، وعذاب مانعي الزكاة ، وضرب المثل بقصة أصحاب الجنة ، وتقريع المجرمين وتوبيخهم ، وإقامة الحجّة عليهم ، وتهديد المشركين المكذّبين بالقرآن.

وأمر الرسول (ص) بالصبر ، والإشارة إلى حال يونس (ع) في قلّة الصبر.

وقصد الكفار رسول الله (ص) ليصيبوه بالعين في قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١).

أسماء السورة : للسورة اسمان : سورة ن ، وسورة القلم ؛ والاسم الثاني أشهر من الأول.

١٠١
١٠٢

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «القلم» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة القلم بعد سورة العلق ، وكانت سورة العلق أوّل ما نزل من القرآن ، فيكون نزول سورة القلم فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في أولها : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) وتبلغ آياتها اثنتين وخمسين آية.

الغرض منها وترتيبها

لمّا نزل جبريل على النبي (ص) بغار حراء ، رجع إلى خديجة متغيّر الوجه ، فقالت له : ما لك؟ فذكر لها نزول جبريل عليه ، فذهبت به إلى ابن عمّها ورقة بن نوفل ، وكان نصرانيا ؛ فسأل النبي (ص) عما حصل له فأخبره ، فقال له : والله لئن بقيت على دعوتك لأنصرنّك نصرا عزيزا. ووقعت تلك الواقعة في ألسنة قريش فقالوا إنه لمجنون ؛ فنزلت هذه السورة لتثبيته ، وإنذارهم بالعذاب على كفرهم ، وبهذا تشارك السورة السابقة في غرض الإنذار ، ويظهر وجه المناسبة في ذكرها بعدها.

تثبيت النبي (ص)

الآيات [١ ـ ٥٢]

قال الله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢) فأقسم ، جلّ وعلا ، بهذا

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعالي الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١٠٣

على أنّ النبيّ (ص) غير مجنون كما يزعمون ، وأن له أجرا غير ممنون ، وأنه على خلق عظيم ؛ ثمّ ذكر له أنّه سيبصر ويبصرون من هو المجنون ؛ وأنه ، سبحانه ، هو الذي يعلم الضالّ والمهتدي. ونهاه أن يطيع منهم كل همّاز مشّاء بالنّميمة منّاع للخير ، إلى غير هذا ممّا ذكره من صفاتهم ؛ ومنها أن أحدهم يعطيه الله المال والبنين فيقابل هذا بتكذيب آياته أنفة وحمية ؛ ثمّ ذكر أنه سيصيبه بما يذهب بأنفته وحميته (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) ؛ وأنه يختبرهم بأموالهم وبنيهم كما اختبر أصحاب الجنّة حين أقسموا ليجنونها في الصّباح ، ولم يقولوا إن شاء الله ، فأصابها بآفة أتت على أثمارها. وقد ذهبوا إليها في الصباح ، وهم يتنادون ألّا يدخلنّها مساكين عليهم ؛ فلما رأوها اعترفوا بضلالهم ، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) ، ثمّ ذكر ، سبحانه ، أنّ عذاب أولئك المشركين في الدنيا سيكون كعذاب أصحاب هذه الجنّة ، ولهم عذاب في الاخرة أكبر من عذاب الدنيا ؛ وأنّ للمتّقين عنده جنات النعيم. وأنكر أن يسوي في هذا بين المسلمين والمجرمين ، وأنكر عليهم أن يحكموا بأنّهم في هذا مثلهم ؛ وذكر أنّه لا علم عندهم ولا أيمان تثبت هذا الحكم ؛ وأنه إذا أمكن شركاءهم أن يضمنوا لهم هذا ، فليأتوا بهم يوم يكشف عن ساق ، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، وقد كانوا يدعون إليه وهم سالمون فيأبون.

ثم ختمت السورة بأمر الله تعالى النبي (ص) أن يتركه هو ومن يكذب بما أنزل عليه ؛ وذكر له أنه سيملي لهم ليأخذهم بعذابه. ثمّ أمره أن يصبر لحكمه ولا يضيق به كما ضاق يونس (ع) حينما التقمه الحوت ، لأنّه لو لا أنّه تداركه بنعمته لأخرجه من بطنه وهو مذموم ، ولكنه اجتباه وجعله من الصالحين. ثمّ ذكر أن أولئك المشركين إنّما يحملهم أشدّ العداوة عند سماع القرآن على قولهم إنه لمجنون (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢).

١٠٤

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «القلم» (١)

أقول : لمّا ذكر سبحانه في آخر «تبارك» التهديد بتغوير الماء (٢) ، استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة يطاف عليه فيها ، وهم نائمون ، فأصبحوا لم يجدوا له أثرا ، حتّى ظنوا أنّهم ضلّوا الطريق (٣). وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة ، فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب ، ولهذا قال سبحانه : (وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠). وقال هناك : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الآية ٣٠] ، إشارة إلى أنه يسري عليه ، في ليلة ، كما سرى على الثمرة ، في ليلة.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). ورد في قوله تعالى من سورة «الملك» : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠). وتغوير الماء : جفافه.

(٣). جاء هذا في سورة القلم بقوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [الآية ١٧] إلى (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١).

١٠٥
١٠٦

المبحث الرابع

مكنونات سورة «القلم» (١)

١ ـ (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (١٠).

قال السّدّي : نزلت في الأخنس بن شريق.

وقال مجاهد : في الأسود بن عبد يغوث. أخرجهما ابن أبي حاتم.

وقيل : في الوليد بن المغيرة. حكاه الكرماني.

٢ ـ (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) [الآية ١٧].

كانت بصروان قرية باليمن بينها وبين صنعاء ستة أميال. أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.

٣ ـ (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) [الآية ٢٢].

قال مجاهد : كان عنبا. أخرجه ابن أبي حاتم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٠٧
١٠٨

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «القلم» (١)

١ ـ وقال تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (١٣).

العتلّ : الغليظ الجافي ، وهو من : عتله إذا قاده بعنف وغلظة.

والزّنيم : الدعيّ ، قال حسان :

وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما

نيط خلف الراكب القدح الفرد

المقصود بالعتلّ والزنيم وبنعوت أخرى في الآيات السابقات ، هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان موسرا ، وكان له عشرة بنين ، فكان يقول لهم : من أسلم منعته رفدي.

أقول : ولا نعرف «العتلّ» في العربية المعاصرة ، ولكننا نعرف الزنيم في اللغة السائرة ، وهي من ألفاظ السّبّ والشتم لدى العامّة ، والزنيم عندهم الفاسد الساقط المروءة ، وقد يكون ابن زنى.

٢ ـ وقال تعالى : (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠).

وقوله تعالى : (كَالصَّرِيمِ) ، أي : كالمصروم ، وقيل : الصريم الليل ، أي : احترقت واسودّت. وقيل النهار ، أي : يبست وذهبت خضرتها.

أقول : والصريم ضرب من النبات ذو شوك ، يعرفه أهل الزرع في العراق.

٣ ـ وقال تعالى : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣) ، أي : يتسارّون فيما بينهم.

٤ ـ وقال تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (٢٥).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٠٩

والحرد : المنع : وقرئ (على حرد) بفتحتين ، أي : على غيظ وغضب.

٥ ـ وقال تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٤٢).

أقول : في الآية إشارة إلى مثل يضرب في شدّة الأمر ، وصعوبة الخطب ، ويتمثّل في الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام ، (جمع خدمة وهي الخلخال). وأصله في الروع والهزيمة ، وتشمير المخدّرات عن سوقهن في الهرب وإبداء خدامهن ، قال حاتم :

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا

والمراد بقوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) : يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم.

٦ ـ وقال تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥).

واستدرجه إلى كذا إذا استنزله إليه درجة فدرجة ، حتّى يورّطه فيه.

وقوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) أي : من الجهة التي لا يشعرون منها أنّه استدراج ، وهو الإنعام عليهم.

وقوله جلّ وعلا : (وَأُمْلِي لَهُمْ) أي : أمهلهم.

٧ ـ وقال تعالى : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) (٤٦).

المغرم : الغرامة ، أي : لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا ، فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم ، فيثبّطهم ذلك عن الإيمان.

١١٠

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «القلم» (١)

قال تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦) أي «أيّكم المفتون».

وقال : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الآية ٥١] وهذه «إن» التي تكون للإيجاب ، وهي في معنى الثقيلة ، إلّا أنّها ليست بثقيلة ، لأنك إذا قلت : «إن كان عبد الله لظريفا» فمعناه «إن عبد الله لظريف قبل اليوم» ف «إن» تدخل في هذا المعنى ، وهي خفيفة.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١١١
١١٢

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «القلم» (١)

إن قيل : لم قال تعالى : (وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨) أي ولا يقولون إن شاء الله ، فسمّى الشرط استثناء؟

قلنا : إنّما سماه استثناء لأنه في معناه ، فإنّ معنى قولك «لأخرجن إن شاء الله» ، و «لا أخرج إلّا أن يشاء الله» قول واحد. وقال عكرمة : المراد به حقيقة الاستثناء : أي أنهم لا يستثنون حقّ المساكين ، والجمهور على الأول.

فإن قيل : لم سمّى أوسطهم الاستثناء تسبيحا ، فقال كما ورد في التنزيل (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (٢٨) ، أي لو لا تستثنون؟

قلنا : إنّما سماه تسبيحا لاشتراكهما في معنى التعظيم ، لأنّ الاستثناء تفويض إليه ، وإقرار ، بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلا إلّا بمشيئته سبحانه ؛ والتسبيح تنزيه عن السوء. الثاني : أنه كان استثناؤهم قول «سبحان الله». الثالث : أن معناه لو لا تنزّهون أنفسكم وأموالكم عن حق الفقراء.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) [الآية ٤٣] ، ولا تكليف في الدار الاخرة؟

قلنا : لا يدعون إليه تكليفا وتعبّدا ، ولكن توبيخا وتعنيفا على تركه في الدنيا.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) ، وهم إنّما كانوا يدعون إلى الصلاة. فإن المراد بالآية دعاؤهم إلى الجماعات بأذان المؤذن حينما يقول : حيّ على الصلاة؟

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١١٣

قلنا : عبّر سبحانه عن الصلاة بالسجود لأنه من أركانها ، بل هو أعظم الأركان وغايتها ، كما عبّر عنها بالركوع وبالقرآن.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَهُمْ سالِمُونَ) (٤٣) ، أي صحيحون ، مع أنّ الصحة ليست شرطا لوجوب الصلاة؟

قلنا : وجوب الخروج إلى الصلاة بالجماعة مشروط بالصحة ، وهو المراد.

١١٤

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «القلم» (١)

في قوله سبحانه : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٤٢) استعارة. والمراد بها الكناية عن هول الأمر وشدّته ، وعظم الخطب وفظاعته : لأنّ من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الأمور الصّعبة ، التي يحتاج فيها إلى المعاركة ، ويفزع عندها إلى الدّفاع والممانعة. فيكون تشمير الذيول عند ذلك أمكن للقراع ، وأصدق للمصاع.

وقد جاء في أشعارهم ذكر ذلك في غير موضع. قال قيس (٢) بن زهير بن جذيمة العبسي :

فإن شمّرت لك عن ساقها فويها ربيع فلا تسأم (٣)

وقال الاخر (٤) :

قد شمّرت عن ساقها فشدّوا وجدّت الحرب بكم فجدّوا وفي قوله سبحانه : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). قيس بن زهير هو صاحب الفرسين : داحس والغبراء بسببهما قامت الحرب بين عبس وذبيان ودامت أربعين سنة.

وتجد أخباره في «اللسان» و «أيام العرب» و «الشعر والشعراء» و «شعراء النصرانية» وغيرها.

(٣). هكذا بالأصل. وفي «شعراء النصرانية» ص ٩٢٧ يروى هكذا :

فإن شمرت لك عن ساقها

فويها ربيع ولم يسأموا

(٤). هو رويشد بن رميض العنبري المعروف بشريح بن ضبيعة ، كما في هامش «العقد الفريد» ج ٤ ص ١٢٠ طبع لجنة التأليف والترجمة. وفي «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي ، بتحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون أن اسمه رشيد بن رميض ، لا رويشد. ويرجّح الأستاذ هارون أنه العنزي ، لا العنبري ، نسبة إلى بني عنزة ، ص ٣٥٤.

١١٥

بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤) استعارة. ولها نظائر في القرآن. منها قوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١١) [المزّمّل] وقوله سبحانه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١) [المدّثّر]. ومعنى ذلك أن الكلام خرج على مذهب للعرب معروف ، وغرض مقصود. يقول قائلهم لمخاطبه إذا أراد تغليظ الوعيد لغيره : ذرني وفلانا فستعلم ما أنزله به. فالمراد إذن بهذا الخطاب النبي (ص). فكأنه تعالى قال له : ذر عقابي وهؤلاء المكذّبين. أي اترك مسألتي في التخفيف عنهم ، والإبقاء عليهم. لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه المنع ، فيصحّ معنى قوله تعالى لنبيّه (ص) : ذرني وكذا ، لأنه المالك لا ينازع ، والقادر لا يدافع.

وفي قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١) استعارة. والمراد بالإزلاق هاهنا : إزلال القدم حتّى لا يستقر على الأرض. وذلك خارج على طريقة للعرب معروفة. يقول القائل منهم : نظر إليّ فلان نظرا يكاد يصرعني به. وذلك لا يكون إلا نظر المقت والإبغاض ، وعند النزاع والخصام. وقال الشاعر :

يتقارضون إذا التقوا في موقف

نظرا يزيل مواقف الأقدام

وقد أنكر بعض العلماء أن يكون المراد بقوله تعالى : (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) [الآية ٥١] الإصابة بالعين ، لأنّ هذا من نظر السخط والعداوة ، وذلك من نظر الاستحسان والمحبّة.

١١٦

سورة الحاقّة

٦٩

١١٧
١١٨

المبحث الأول

أهداف سورة «الحاقّة» (١)

سورة الحاقّة سورة مكّيّة ، آياتها ٥٢ آية ، نزلت بعد سورة الملك.

هي نموذج للسورة المكّيّة ، التي تستولي على القلوب ، بأهوالها ومشاهدها ، وأفكارها المتتابعة ، وفواصلها القصيرة.

في بداية السّورة نلحظ هذه الرهبة من اسمها ، الحاقّة ، لأنّ وقوعها حقّ يقينيّ ؛ ثمّ تصف مصارع المكذبين ، من ثمود الى عاد الى فرعون ؛ ثمّ تنتقل الى مشاهد القيامة وأهوالها وصورها ، وتنوّع الناس إلى فريقين ، فريق يأخذ كتابه باليمين ، وفريق يأخذ كتابه بالشّمال ؛ ويلقى كل فريق ما يستحق.

وفي المقطع الأخير من السورة ، تؤكّد الآيات صدق رسول الله ، وتنفي عنه تهم المشركين ، وتثبت أنّ القرآن حقّ يقين ، من عند رب العالمين.

مع آيات السورة

[الآيات ١ ـ ٣] : (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣).

القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة ، ومن ثمّ تبدأ السورة باسم من أسماء القيامة : (الحاقّة) : أي الساعة الواجبة الوقوع ، الثابتة المجيء ، وهي آتية لا ريب فيها ، من «حقّ يحق» ، بالكسر ، أي «وجب».

وهذا المطلع يوحي بقدرة القدير ، وضعف الإنسان فهو لن يترك سدى ، بل أمامه يوم كلّه حقّ وعدل.

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

١١٩

والألفاظ في السورة توحي بهذا المعنى وتؤكده :

(الْحَاقَّةُ) ثم يتبعها باستفهام حافل بالاستهوال والاستعظام (مَا الْحَاقَّةُ) ما هي؟ أيّ شيء هي؟ أي حقّها أن يستفهم عنها لعظمها ، وهذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣) أيّ شيء أعلمك ما هي ، فهي خارجة عن دائرة علم المخلوقات ، لعظم شأنها ، ومدى هولها وشدّتها ؛ ثم يسكت الأسلوب فلا يجيب عن هذا السؤال لتذهب النفس في هوله وشدته كل مذهب.

ومن أسماء القيامة الحاقة ، والقارعة ؛ لأنّها تقرع القلوب بأهوالها.

[الآيتان ٤ ـ ٥] : تصف ما أصاب ثمود من العذاب ؛ وثمود كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز ، بين الحجاز والشام ، وقد كذبوا نبيّهم ، فأرسل الله عليهم صيحة أهلكتهم ؛ وسمّيت الصيحة هنا طاغية ، لأنّها جاوزت الحدّ في الشّدّة ؛ وسمّيت ، في سور أخرى ، بالصاعقة وبالرجفة والزّلزلة ؛ وهي صفات للصيحة تبيّن أثرها فيمن نزلت بهم.

[الآيات ٦ ـ ٨] : تصف قصّة هلاك عاد ، وقد كذبوا رسولهم ، فأرسل الله عليهم ريحا باردة عاتية ، استمرّت سبع ليال وثمانية أيام ، (حُسُوماً) متتابعة ، حتى هلك القوم أجمعون ؛ وقد كانوا يسكنون بالأحقاف ، في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت ، وكانوا أشدّاء بطّاشين جبّارين ؛ وكان الجزاء من جنس العمل.

[الآيتان ٩ ـ ١٠] : تصفان مجيء فرعون ومن تقدّمه من الأمم التي كفرت بآيات الله ، كقوم نوح وعاد وثمود ، والقرى التي ائتفكت بأهلها ، أي انقلبت بهم ، وهي قرى قوم لوط. فقد عصى هؤلاء رسل الله ، الذين أرسلوا إليهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

[الآيتان ١١ ـ ١٢] : ترسمان مشهد الطوفان والسفينة الجارية ، وتشيران بهذا المشهد إلى مصرع قوم نوح حينما كذّبوا ، وتمتنّان على البشر بنجاة أصولهم التي انبثقوا منها. والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته.

[الآيات ١٣ ـ ١٨] : تصف أهوال القيامة وأحداثها ، فإسرافيل ينفخ في الصور ، وتسوّى الأرض والجبال ،

١٢٠