الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

١

سورة الذّاريات

(٥١)

٢

المبحث الأول

أهداف سورة «الذّاريات» (١)

سورة مكّيّة وآياتها ستّون آية ، نزلت بعد سورة الأحقاف.

معاني السورة

بدأت السورة بهذا القسم :

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) (٦)

وهي كلمات غير مطروقة وغير متداولة ، وقد سئل الإمام علي كرّم الله وجهه ، عن معنى قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) فقال رضي الله عنه : هي الريح ، فسئل عن (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) فقال : هي السحاب ، فسئل عن (فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) فقال : هي السفن ، فسئل عن (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤) فقال : هي الملائكة.

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) هي الريح التي تذرو التراب وغيره ، (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) أي السحب الحاملة للمطر ، والوقر الحمل الثقيل ، (فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) أي السفن الجارية في البحر جريا سهلا ، (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤) أي الملائكة التي تقسم وتوزع أمور الله من الأمطار والأرزاق وغيرها.

لقد أقسم الله ، جلّ جلاله ، بالريح وبالسحب وبالسفن وبالملائكة ، وفي هذا القسم ما يوحي بأن الرزق بيد الله ، فهو الذي يسوق السحاب ، وهو الذي يسخر الريح للسفن ، وهو الذي جعل الملائكة أصنافا تقسم الأمور ، فالخلق

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٣

البديع المنظم وراءه قوة عليا مبدعة ، هي قوّته سبحانه الذي وعد الناس أن يجازيهم بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، ووعده واقع لا محالة.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) الحبك بضمتين جمع حبيكة وهي الطريق ومدار الكواكب. والمراد الطرائق التي هي مسير الأجرام السماوية من نجوم وكواكب ، يقسم الله عزّ وعلا بالسماء المتّسقة المحكمة الترتيب ، بما فيها من نجوم وكواكب تسلك طريقها مسرعة في مجراتها العظيمة بنظام دقيق وإبداع شامل ، على أن المشركين يخوضون في حديث باطل وقول متناقض مضطرب ، فصنع الله محكم ، وعمل الكافرين باطل مضطرب ، فتراهم حينا يقولون عن النبي (ص) إنّه شاعر ، وتارة يقولون : ساحر ، ومرة ثالثة يقولون : مجنون. وهذا دليل على التخبط وفساد الرأي.

وقد رسمت السورة صورة الكافرين يذوقون عذاب جهنم ويقال لهم : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤).

أي تعرضوا لعذاب النار وقد كنتم تستعجلون مجيئه ، استهزاء بأمره واستبعادا لوقوعه.

وعلى الضفّة الاخرى ، وفي الصفحة المقابلة ، يرتسم مشهد آخر لفريق آخر ، فريق مستيقن بالآخرة ، مستيقظ للعمل الصالح ، فريق المتقين الذين أدّوا حقوق الله سبحانه بالصلاة وقيام الليل ، وأدّوا حقوق الناس بالزكاة والصدقة.

آيات الله في الأرض والسماء

تشير الآية ٢٠ الى آثار قدرة الله في خلق الأرض ، فيقول سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠). وإذا تأمّلنا مضمون هذه الآية ، وجدنا أنّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته ، هذه الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، ولو اختلّت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكبيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها. ولو تغيّر حجمها صغرا أو كبرا ، لو تغيّر وضعها من الشمس قربا أو بعدا ، لو تغيّر حجم الشمس ودرجة حرارتها ، لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا ، لو

٤

تغيّرت حركتها حول نفسها أو حول الشمس سرعة أو بطئا ، لو تغيّر حجم القمر أو بعده عنها ، لو تغيّرت نسبة الماء الى اليابس فيها زيادة أو نقصا ... لو ... لو ... لو ، الى آلاف الموافقات العجيبة المعروفة والمجهولة التي تتحكم في صلاحيتها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، أليست هذه آية ، أو آيات معروضة في هذا المعرض الالهي؟

«وتنوع مشاهد هذه الأرض ومناظرها ، حيثما امتدّ الطرف ، وحيثما تنقلت القدم ، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفد : من واد وجبل ، ووهاد وبطاح ، وبحار وبحيرات ، وأنهار وغدران ، وقطع متجاورات ، وجنّات وأعناب ، وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ... وكل مشهد من هذه المشاهد تتناوله يد الإبداع والتغيير الدائبة التي لا تفتر عن الإبداع والتغيير».

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١)

خلق الله الإنسان ، ونفخ فيه من روحه ، وشق له السمع والبصر وزوّده بالحواس المتعددة ، ووسائل الإدراك المختلفة.

«وحيثما وقف الإنسان يتأمّل عجائب نفسه ، التقى أسرارا تدهش وتحيّر : تكوين أعضائه وتوزيعها ، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف ، عملية الهضم والامتصاص ، عملية التنفّس والاحتراق ، دورة الدم في القلب والعروق ، الجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم ، الغدد وإفرازها وعلاقتها بنمو الجسد وانتظامه ، تناسق هذه الأجهزة كلّها وتعاونها وتجاوبها الكامل الدقيق ، وكل من هذه تنطوي تحتها عجائب وفي كل عضو وكل جزء من عضو خارقة تحيّر الألباب».

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (٢٢).

فبيد الله الخلق والرزق والهدى والضلال ، وأرزاق السماء تشمل الأرزاق المادية والمعنوية.

وفي السماء أسباب أقواتكم ، فالظواهر الفلكية ، وجريان الشموس والكواكب وتوابعها ، واختلاف الليل والنهار ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ، وبثّ فيها من كل دابة ، وتصريف الرياح ، والسحاب المسخّر بين السماء والأرض ، كل هذه الظواهر ذلّلها الله لخدمة الإنسان ، فليس الرزق موقوفا

٥

على شيء يتعلق بالأرض وحدها ، بل الأمر كله لله تعالى ، يقبض ويبسط وإليه المآب.

ثم يعقب الله سبحانه بالقسم : بحق رب الأرض والسماء إن هذا الأمر لحق مثل نطقكم ، فهل تشكّون في أنكم تنطقون؟.

قصة ابراهيم

يشتمل القطاع الثاني من سورة «الذاريات» على الإشارة الى قصص إبراهيم ولوط وموسى (ع) ، وعاد قوم هود (ع) ، وثمود قوم صالح (ع) ، ثم آية عن قوم نوح (ع). وهذا القصص مرتبط بما قبله ، ومرتبط بما بعده في سياق السورة.

وإبراهيم (ع) أبو البشر اتخذه الله سبحانه ، خليلا ، وأرسل اليه ملائكة مكرّمين ، فأكرم الخليل وفادتهم ، وقرّب لهم عجلا سمينا ، ودعاهم للأكل منه ، ولكنّهم أمسكوا عن الطعام ، فخاف منهم إبراهيم. فلما أحسّوا خوفه أخبروه بأنهم ملائكة من السماء أرسلهم الله إليه ، ثم بشروه بغلام حليم.

وأقبلت زوجته ، وقد استولى عليها هول المفاجأة ، فضربت وجهها بأطراف أصابعها ، وصاحت متعجّبة من الحمل ، وهي عجوز عقيم ، فأخبرتها الملائكة بأنه لا وجه للعجب ، كذلك أمر الله ، وهو الحكيم في أعماله العليم بعباده.

قصة لوط

واتّجهت الملائكة بعد ذلك الى لوط (ع) ، فلما رآهم لوط أنكرهم وضاق بهم ذرعا ، فقالت له الملائكة : يا لوط إنا رسل ربّك ، جئنا لإنقاذك ومن معك من المؤمنين ، فأسر بأهلك في ظلام الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ، فقد حقت عليها كلمة العذاب مثل هؤلاء الظالمين.

ولم تجد الملائكة في قرى قوم لوط غير أهل بيت واحد من المسلمين : هو لوط وابنتاه.

ولما خرج لوط وابنتاه ، جعل الله ديارهم عاليها سافلها ، وساق إليهم عاصفة رعدية أمطرتهم بحجارة مسمومة ، استأصلت شأفتهم وتركتهم أثرا بعد عين ، وجعلهم الله عظة وعبرة للمعتبرين.

٦

إشارات الى قصص الأنبياء

أشارت الآيات [٣٨ ـ ٤٦] الى العبرة والعظة من قصة موسى (ع) ، ومن قصص غيره من الأنبياء في لمحة عاجلة.

لقد أرسل الله موسى ومعه سلطان الهيبة وجلال النبوة ، إلى فرعون وملئه ، فأعرض فرعون عن موسى واتهمه بالسحر والجنون ، فأغرق الله فرعون وجنده في البحر وألبسه ثوب الخزي والندم.

وآية أخرى في عاد قوم نبي الله هود (ع) ، حينما كذبوا نبيهم فأرسل الله ، جلّ جلاله ، عليهم ريحا عاتية تحمل العذاب والدمار.

وآية ثالثة في ثمود أمهلهم الله ثلاثة أيام ، ثم أرسل عليهم صاعقة فأصبحوا هالكين.

والحجارة التي أرسلت على قوم لوط (ع) ، والريح التي ارسالات على عاد ، والصاعقة التي أرسلت على ثمود ، كلها قوى كونية مدبرة بأمر الله سبحانه ، مسخّرة بمشيئته ونواميسه ، يسلطها على من يشاء في إطار تلك النواميس فتؤدّي دورها الذي يكلّفها الله ، كأيّ جند من جند الله.

آية رابعة في قوم نوح (ع) ، فقد أهلكوا وأغرقوا لفسوقهم وكفرهم وخروجهم عن طاعة الله عزّ وعلا.

وللتنبيه الى بدائع صنعه إيقاظا للعاطفة الدينية ، عاد السياق فذكر أنّ الله تعالى رفع السماء ووسّعها ، وخلق الأرض ومهّدها ، وأعدّها لما عليها من الكائنات ومن كل شيء في هذه الأرض ، ذكرا وأنثى ليكون ذلك وسيلة للعظة والاعتبار.

ثم يحث القرآن الناس على أن يتخلّصوا من آثار المادّة والهوى والشيطان ، فرارا بدينهم ، وطمعا في رحمة خالقهم ، وأن يلجئوا إلى حماه وفضله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠).

وتكشف الآيات عن طبيعة المعاندين في جميع العصور ، فقد كذّبوا الرسل واتّهموهم بالجنون أو السحر ، كأنّما وصى السابق منهم اللاحق ، وكأن الكفر في طبيعته ملّة واحدة ، والرسالات كلها فكرة واحدة ، فمن كذّب برسول واحد فكأنّما كذّب برسل الله أجمعين.

(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ

٧

إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥٣).

هذه السورة تربط القلب البشري بالله ، سبحانه ، وترشده الى عظيم صنعه ، وفي ختام السورة يؤكد الله ، جلّ جلاله هذا المعنى فيبيّن أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه ويوحّدوه ويؤمنوا به ، فهو سبحانه وتعالى غنيّ بذاته ، وهم في حاجة وافتقار اليه.

إن معنى العبادة هو الخلافة في الأرض ، وهو غاية الوجود الإنساني ، وهو أوسع من مجرد الشعائر وأشمل. وتتمثل حقيقة العبادة في أمرين رئيسيّين :

الأول : هو استقرار معنى العبودية لله تعالى في النفس ، أي استقرار الشعور بأنه ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ، إلا رب واحد والكل له عبيد.

والثاني : هو التوجه الى الله عزوجل ، بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة.

بهذا وذلك يتحقّق معنى العبادة ، ويصبح العمل كالشعائر والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ؛ كلها عبادة ؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ، وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه.

والمؤمن الحق هو الحريص على أداء واجباته ومرضاة ربه ، وهو لا يعني نفسه بأداء الواجبات تحقيقا لمعنى العبادة في الأداء ، أما الغايات فموكولة لله يأتي بها وفي قدره الذي يريده.

إن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس ليستعين بهم ، لجلب منفعة لذاته أو دفع مضرة ، وما يريد الله منهم أن يرزقوا أحدا من خلقه أو يطعموه. إنّ الله سبحانه وتعالى هو الكفيل برزقهم ، والمتفضّل عليهم بما يقوم بمعيشتهم ، وهو سبحانه ذو القدرة والقوة ، وهو الغالب على أمره فلا يعجزه شيء.

وفي ضوء هذه الحقيقة ينذر الذين ظلموا ، فلم يؤمنوا بأن لهم نصيبا من العذاب مثل نصيب من سبقهم من الظالمين ، فالله يمهل ولا يهمل ، وتختتم السورة بهذا الإنذار الأخير : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ

٨

فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠).

المعنى الاجمالي للسورة

قال الفيروزآبادي : «معظم مقصود سورة الذاريات ما يأتي : «القسم بأن البعث والقيامة حق ، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة ، وثواب أرباب الهداية ، وحجّة الوحدانية ، وكرامة إبراهيم في باب الضيافة ، وهلاك قوم لوط وفرعون وقومه لمخالفتهم أمر الله ، وتدمير عاد وثمود وقوم نوح وخسرانهم ، وخلق السماوات والأرض للنفع والإفادة ، وزوجية المخلوقات للدلالة على قدرة الخالق ، وتخليق الخلق لأجل العبادة واستحقاق المنكرين للعذاب والعقوبة».

٩
١٠

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «الذاريات» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «الذاريات» بعد سورة «الأحقاف» ، ونزلت سورة «الأحقاف» بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، فيكون نزول سورة «الذاريات» في ذلك التاريخ أيضا. وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في أولها : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) وتبلغ آياتها ستين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة إنذار المشركين بعذاب الدنيا والاخرة ، وقد أخذوا فيها بالدليل ، ومرّة بالترهيب ، كما أخذوا بذلك في السورة السابقة ، ولهذا جمع بينهما في الذكر ، وجاء ترتيب هذه السورة بعد سابقتها.

إثبات الإنذار بالعذاب

الآيات [١ ـ ٦٠]

قال الله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) (٥) فأقسم بهذا على أن ما يوعدون به من العذاب إن لم يؤمنوا به لصادق ؛ ثم أقسم ، جلّ وعلا ، بالسماء ذات الحبك على أن قولهم في إنكاره مختلف تناقضه أفعالهم ، لأنهم ك انوا يربطون الركائب عند قبور الأكابر ليركبوها عند حشرهم ، ثم أوعدهم على هذا بما أوعدهم به ؛ ثم ذكر أنهم يسألون عن

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

١١

يومه استعجالا له واستهزاء به ، وأجاب بأنه يكون يوم يفتنون على النار ويقال لهم : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤). ثم ذكر ما يكون للمتقين فيه من جنات وعيون ، ليجمع بهذا بين طريق الترهيب وطريق الترغيب ، ثم انتقل السّياق من هذا إلى الاستدلال بآياته ، سبحانه ، في الأرض وفي أنفسهم وفي السماء لإثبات قدرته على بعثهم وعذابهم ، وختمه بالقسم كما بدأ به : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣).

ثم أخذ السياق بعد هذا في ذكر ما فعله الله جلّ جلاله بالمكذّبين قبلهم ترهيبا لهم بهم ، فذكر من ذلك خبر قوم لوط بعد أن مهد له بذكر أخبار الملائكة الذين أرسلوا بهلاكهم مع إبراهيم ، ثم ذكر بعد ذلك خبر موسى وفرعون ، وخبر عاد وما أهلكوا به من الريح العقيم ، وخبر ثمود وما أخذوا به من الصاعقة ، وخبر قوم نوح من قبلهم وهو معلوم. ثم عاد السياق إلى إثبات قدرته عزوجل على ذلك ، بالسماء التي بناها وأوسعها ، والأرض التي فرشها ومهّدها ، إلى غير هذا من آثار قدرته ، ثم أمرهم أن يفرّوا إليه سبحانه من عذابه ، وألا يجعلوا معه آلهة أخرى لا تدفع عنهم منه شيئا ، ثم ذكر أنهم يسلكون في تكذيب ذلك طريق المكذّبين قبلهم ، فيزعمون أن من ينذرهم به ساحر أو مجنون ، وذكر السياق أمر الله تعالى نبيّه (ص) أن يعرض عنهم لأنه لا لوم عليه بعد أن بلّغهم إنذارهم ، وأن يكتفي بالتذكير لأن فيه الكفاية للمؤمنين ، ثم ذكر تعالى أنه لم يخلق الجن والإنس عبثا ، وإنما خلقهم لعبادته وتوحيده ، وهو غنيّ عنهم لا يحتاج الى شيء منهم ، فإذا أشركوا به فإن لهم ذنوبا من العذاب مثل ذنوب من سبقهم من أولئك المكذبين : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠).

١٢

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الذاريات» (١)

أقول : لما ختمت «ق» بذكر البعث ، واشتملت على ذكر الجزاء ، والجنة والنار ، وغير ذلك من أحوال القيامة ، افتتحت هذه السورة بالإقسام على إنّ ما توعدون من ذلك لصادق ، وإن الدين ، وهو الجزاء ، لواقع.

ونظير ذلك : افتتاح «المرسلات» بذلك ، بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة «الإنسان».

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

١٣
١٤

المبحث الرابع

مكنونات سورة «الذاريات» (١)

١ ـ (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الآية ٢٤].

قال عثمان بن محصن : كانوا أربعة من الملائكة : جبريل ، وميكائيل وإسرافيل ، وروفائيل ، أخرجه ابن أبي حاتم.

٢ ـ (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (٢٨).

قال مجاهد : هو إسماعيل. أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

وقال الكرماني بعد حكايته : أجمع المفسّرون على أنه إسحاق ، إلا مجاهدا فإنه قال هو إسماعيل.

٣ ـ (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣٥).

قال مجاهد : لوط وابنتاه.

وقال قتادة : وأهل بيته.

وقال سعيد بن جبير : كانوا ثلاثة عشر.

أخرجه ابن أبي حاتم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسّيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). والطبري في «تفسيره» ٢٦ : ١٢٩.

١٥
١٦

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «الذاريات» (١)

١ ـ قال تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠).

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (١٠) دعاء عليهم كقوله جلّ وعلا : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) [عبس].

والخراصون : الكذّابون المقدّرون ما لا يصحّ ، وهم أصحاب القول المختلف.

أقول : وأصل الخرص الحزر ، كخرص النخل ، وهو تقدير ما عليه من حمل. ولما كان الخرص حزرا وتقديرا ، فقد يتعرّضون إلى الكذب ، إمّا عن قصد وإمّا عن غير قصد.

أقول : والخرص ممّا لا تعرفه الفصيحة المعاصرة ، ولكننا نعرفه في الدارجة العراقية الجنوبية.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

١٧
١٨

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «الذاريات» (١)

قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) واحدها «الحباك».

وقال تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١٣) أي : متى يوم الدّين ، فقيل لهم : يوم هم على النار يفتنون. لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب ، وفيه فتنتهم على النار.

وقال تعالى : (ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) [الآية ٥٩] أي سجلا (٢) من العذاب.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). السّجل : الدّلو العظيمة.

١٩
٢٠