الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

المبحث السابع

لكل سؤال جواب في سورة «النجم» (١)

إن قيل : الضلال والغواية واحدة ، فما الحكمة في قوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (٢).

قلنا : قيل إن بينهما فرقا لأنّ الضلال ضدّ الهدى ، والغيّ ضدّ الرّشد ، وهما مختلفان مع تقاربهما. وقيل معناه : ما ضلّ في قوله ولا غوى في فعله ، ولو ثبت اتحاد معناهما ، لكان من باب التأكيد باللفظ المخالف ، مع اتّحاد المعنى.

فإن قيل : لم قال تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) أدخل كلمة الشك ، والشّكّ محال على الله تعالى؟

قلنا : «أو» هنا للتخيير لا للشّكّ ، كأنّه قال سبحانه وتعالى : إن شئتم قدّروا ذلك القرب بقاب قوسين ، وإن شئتم قدّروه بأدنى منهما. وقيل معناه : بل أدنى. وقيل هو خطاب لهم بما هو معهود بينهم. وقيل هو تشكيك لهم لئلّا يعلموا قدر ذلك القرب ، ونظيره قوله تعالى (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١٤٧) [الصافات] والكلام فيهما واحد.

فإن قيل : قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠). من رؤية القلب لا من رؤية البصر ، فأين مفعولها الثاني؟

قلنا : هو محذوف تقديره : أفرأيتموها بنات الله وأنداده ، فإنهم كانوا يزعمون أن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله عزوجل.

فإن قيل : لم قال الله تعالى : (الثَّالِثَةَ

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٦١

الْأُخْرى) (٢٠) فوصف الثالثة بالأخرى ، والعرب إنما تصف بالأخرى الثانية لا الثالثة ، فظاهر اللفظ يقتضي أن يكون قد سبق ثالثة أولى ، ثم لحقتها الثالثة الأخرى فتكون ثالثتان؟

قلنا : الأخرى نعت للعزّى تقديره : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة لأنها ثالثة الصنمين في الذكر ، وإنما أخّر الأخرى رعاية للفواصل ، كما قال سبحانه : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) [طه] ولم يقل أخر رعاية للفواصل.

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) ، أي لا يقوم مقام العلم ، مع أنه يقوم مقام العلم في صورة القياس؟

قلنا : المراد به هنا الظّن الحاصل من اتّباع الهوى دون الظّنّ الحاصل من النظر والاستدلال ؛ ويؤيده قوله تعالى قبل هذا : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) [الآية ٢٣].

فإن قيل : لم قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) وقد صح في الأخبار وصول ثواب الصدقة والقراءة والحج وغيرها الى الميت؟

قلنا : فيه وجوه : أحدها ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما أنها منسوخة بقوله تعالى : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] ، معناه أنه أدخل الأبناء الجنّة بصلاح الآباء ، قالوا وهذا لا يصح لأنّ الآيتين خبر ، ولا نسخ في الخبر. الثاني : أن ذلك مخصوص بقوم إبراهيم وموسى (ع) ، وهو حكاية ما في صحفهم ، فأمّا هذه الأمّة فلها ما سعت وما سعى لها. الثالث أنه على ظاهره ، ولكن دعاء ولده وصديقه وقراءتهما وصدقتهما عنه من سعيه أيضا ، بواسطة اكتسابه للقرابة أو الصداقة أو المحبّة من الناس ، بسبب التقوى والعمل الصالح.

فإن قيل : لم قال تعالى بعد تعديد النقم : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) (٥٥) والآلاء هي النعم؟

قلنا : إنما قال سبحانه بعد تعديد النعم والنقم نعم ، لما فيها من الزجر والمواعظ ، فمعناه : فبأيّ نعم ربّك الدالّة على وحدانيته تشكّ يا وليد بن المغيرة.

٦٢

المبحث الثامن

المعاني المجازية في سورة «النجم» (١)

في قوله سبحانه : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١) استعارة. والمراد ، والله أعلم ، أنّ ما اعتقده القلب من صحة ذلك المنظر الذي نظره ، والأمر الذي باشره ، لم يكن عن تخيّل وتوهّم ، بل عن يقين وتأمّل. فلم يكن بمنزلة الكاذب من طريق تعمد الكذب ، ولا من طريق الشكوك والشّبه.

وفي قوله سبحانه : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (١٧) استعارة. وهي قريبة المعنى من الاستعارة الأولى. والمراد ، والله أعلم ، أن البصر لم يمل عن جهة المبصر إلى غيره ميلا يدخل عليه به الاشتباه ، حتّى يشكّ فيما رآه. ولا طغى ، أي لم يجاوز المبصر ويرتفع عنه ، فيكون مخطئا لإدراكه ، متجاوزا لمحاذاته.

فكأنّ تلخيص المعنى : أنّ البصر لم يقصّر عن المرئي فيقع دونه ، ولم يزد عليه فيقع وراءه ، بل وافق موضعه ، ولم يجاوز موقعه. وأصل الطّغيان طلب العلوّ والارتفاع ، من طريق الظلم والعدوان ، وهو في صفة البصر خارج (٢) على المجاز والاتساع.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

(٢). أي سائر على طريق المجاز والاتساع في التعبير.

٦٣
٦٤

سورة القمر

(٥٤)

٦٥
٦٦

المبحث الأول

أهداف سورة «القمر» (١)

سورة «القمر» سورة مكية ، آياتها ٥٥ آية ، نزلت بعد سورة «الطارق».

انشقاق القمر

يصف مطلع السورة حادثا فذّا هو انشقاق القمر بقدرة الله تعالى معجزة لرسول الله (ص).

وقد وردت روايات متواترة ، من طرق شتّى ، عن وقوع انشقاق القمر في مكّة قبل الهجرة.

جاءت هذه الروايات في البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد ، وغيرها من كتب الثّقات.

وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله (ص) فقالت قريش هذا سحر ابن أبي كبشة ، قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم من السّفار فإنّ محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلّهم ، قال : فجاء السّفار فقالوا ذلك.

وهذه الروايات ، مع غيرها ، تتفق على انشقاق القمر بمكّة.

كما ثبت أنّ أهل مكة قابلوا هذه الآية بالعناد ، وادّعوا أن محمدا (ص) سحر أهل مكة حتى يشاهدوا القمر منشقّا ؛ ثم اتّفقوا على أن يسألوا عن الحادث المسافرين القادمين إلى مكّة ، وقد شهد المسافرون بأنهم شاهدوا القمر نصفين في ذلك اليوم ، فادّعى

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٦٧

أهل مكة أن محمّدا (ص) سحر الناس جميعا.

قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢).

ويرى بعض المفسّرين أنّ الآية تخبر عن الأحداث الكونية المقبلة ، فعند قيام الساعة ستنشق الأرض والسماوات كما قال سبحانه (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) [الانشقاق]. كما ينشق القمر وينفصل بعضه عن بعض ، وتتناثر النجوم ، وتبدّل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات.

سياق السورة وافكارها

في الآيات [١ ـ ٨] وصف لجحود الكافرين ، وعدم إيمانهم بالقرآن ، وانصرافهم عنه إلى الهوى والبهتان.

وفي الآيات تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين بيوم الجزاء ، فهم يخرجون من قبورهم خاشعين من الذل ، في حالة سيئة من الرعب والهول ، فيسرعون الخطى ليوم الحشر كأنهم جراد منتشر ، وقد أسقط في أيديهم ، فيقول الكافرون هذا يوم صعب عسر.

خمس حلقات من مصارع

المكذبين

الآيات [٩ ـ ٤٢] تشتمل على عرض سريع لمصارع قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ، وفرعون وملئه ، وكلّها موضوعات سبقت في سور مكّية ؛ ولكنها تعرض في هذه السورة عرضا خاصّا ، يحيلها جديدة كلّ الجدّة ، فهي تعرض عنيفة عاصفة ، وحاسمة قاصمة يفيض منها الهول ، ويتناثر حولها الرعب ويظللها الدمار والفزع.

وأخصّ ما يميزها في سياق السورة ، أنّ كلّا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة ، يشهدها المكذّبون ، وكأنّما يشهدون أنفسهم فيها ، ويحسّون إيقاعات سياطها ؛ فإذا انتهت الحلقة وبدءوا يستردّون أنفاسهم اللاهثة المكروبة ، عاجلتهم حلقة جديدة أشدّ هولا ورعبا ، حتّى تنتهي الحلقات الخمس في هذا الجو المفزع الخانق.

١ ـ قوم نوح

[الآيات ٩ ـ ١٧]

ونلمح في الآيات مشهد المكذّبين ،

٦٨

يتهمون نوحا (ع) بالجنون ، ونوح يظهر لله ضعفه ويدعوه أن ينتصر له ، وتستجيب السماء فينهمر المطر وتنفجر عيون الأرض ، ويلتقي ماء السماء بماء الأرض ، ثم يغرق الكافرون ، وينجي الله نوحا ومن آمن معه ، ويطرح القرآن سؤالا لإيقاظ القلوب الى هول العذاب وصدق النذير : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٦)؟

وهذا القرآن سهل التناول ، ميسّر الإدراك ، فيه جاذبية الصدق والبساطة وموافقة الفطرة ، لا تفنى عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد ، وكلّما تدبّره القلب عاد منه بزاد جديد ، وكلّما صحبته النفس زادت له ألفة ، وبها أنسا : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٧)؟ هذا هو التعقيب الذي يتكرّر بعد كل مصرع من مصارع السابقين.

٢ ـ عاد قوم هود

[الآيات ١٨ ـ ٢٢]

أرسل الله عليهم ريحا عاتية ، تدمّر كلّ شيء بإذن ربّها ، وقد سلسلوا أنفسهم بالسلاسل حتّى لا تعصف بهم الريح ، وشقّوا لأجسامهم شقوقا داخل الأرض ، وتركوا رؤسهم خارجها ، فكانت الريح تكسر رؤوسهم وتتركهم كالنخيل التي قطعت رؤوسها ، وتركت أعجازها وجذورها.

٣ ـ ثمود قوم صالح

[الآيات ٢٣ ـ ٣٢]

وقد أرسل إليهم نبي الله صالح ومعه الناقة ، وأخبرهم بأن الماء قسمة بينهم وبينها ، فللناقة يوم ولهم يوم ، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم.

وكان اليوم الذي ترد فيه ثمود البئر ، لا تأتي الناقة اليه ولا تشرب منه ، ولكنها تسقيهم لبنا ؛ وفي اليوم التالي تحضر شربها وحدها. ومع وضوح هذه الآية ، فإنّ ثمود ملّت هذه القسمة ، وحرّضوا شقيّا من الأشقياء على قتل الناقة ، فلما قتلها استحقّوا عقاب الله ، وأرسل الله عليهم صيحة واحدة فكانوا كفتات الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه.

٤ ـ قوم لوط

[الآيات ٣٣ ـ ٤٠]

اشتهر قوم لوط ، عليه‌السلام ، بالشذوذ الجنسي ، حيث استغنى

٦٩

الرجال بالرجال ، وهو انتكاس للفطرة وشرود في الرذيلة ، ولقد حذرهم لوط مغبة فعلتهم ، فكذبوه وجادلوا بالباطل ، وجاءت الملائكة الى نبي الله لوط في صورة رجال عليهم مسحة الجمال والجلال ، فرغب قوم لوط ان يفعلوا فعلتهم الشنعاء في الملائكة ، وراودوه عن ضيفه ليفعلوا بهم اللّواط ، فاستحقوا عقوبة السماء ، وأرسل الله عليهم حاصبا أي ريحا تحمل الحجارة ليذوقوا العذاب.

٥ ـ ثم تعرض حلقة قصيرة عن فرعون وعناده وجحوده ، وعقاب الله له حيث أخذه أخذ عزيز مقتدر.

وفي الآيات الأخيرة من السورة [٤٣ ـ ٥٥] تعقيب على هلاك السابقين ، وتوجيه لأهل مكة بأنهم لن يكونوا أحسن حالا ممن سبقهم ؛ ثم إنّ السّاعة تنتظرهم وهي أدهى وأمرّ من كلّ عذاب شاهدوه فيما سبق ، أو سمعوا وصفه فيما مرّ ، من الطوفان الذي أصاب قوم نوح ، الى الريح الصرصر مع عاد ، الى الصاعقة مع ثمود ، الى الحاصب مع قوم لوط ، الى إغراق فرعون.

٥ ـ حكمة الخالق

وتشير الآيات الى حكمة الله العالية (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وهذه الحكمة تظهر في خلق الكون ، وفي خلق السماء والأرض ، وفي خلق الإنسان ، وفي خلق الطيور والحيوانات ، وفي سائر خلق الله (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥) [النور].

إنّ قدرة الله تعالى وراء طرف الخيط البعيد لكل حادث ، ولكلّ نشأة ولكلّ مصير ، ووراء كل نقطة وكل خطوة وكل تبديل أو تغيير ، إنّه قدر الله سبحانه ، النافذ الشامل الدقيق العميق.

وأحيانا تخفى الحكمة على العباد ، فيستعجلون أمرا ، والله لا يعجّل لعجلة العباد ؛ فالواجب أن يرضى المؤمن بالقضاء والقدر ، وأن يحني رأسه أمام حكمة الله ومشيئته.

ثم يعرض الختام مشهد المجرمين يسحبون في النار على وجوههم ليذوقوا العذاب. ويعرض مشهد المتقين في نعيم الجنة ، ورضوان الله العلي القدير.

٧٠

المبحث الثاني

ترابط الآيات في سورة «القمر» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة «القمر» بعد سورة «الطارق» ، ونزلت سورة «الطارق» بعد سورة «البلد» ، ونزلت سورة «البلد» بعد سورة «ق» ، وكان نزول سورة «ق» فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، فيكون نزول سورة «القمر» في ذلك التاريخ أيضا.

وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في أولها : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) وتبلغ آياتها خمسا وخمسين آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة : بيان اقتراب الساعة التي أنذر المشركون بها ، وقد جاء في آخر سورة «النجم» ، أن ساعتهم قد أزفت ، فجاءت هذه السورة بعدها في هذا الغرض تأكيدا له ، ورجوعا إلى سياق سورة «الذاريات» وسورة «ق» من الإنذار بالعذاب ، وقد جاءت سورة «النجم» بعد سورة «الذاريات» ، للمناسبة المذكورة فيها ؛ فلما انتهت مناسبتها عاد السياق الى أصله قبلها.

اقتراب ساعة العذاب

الآيات [١ ـ ٥٥]

قال الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) فذكر سبحانه أن ساعة عذابهم قد اقتربت ، وأنهم مع

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفني في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٧١

هذا مستمرون في إعراضهم وزعمهم أن ما ينذرون به سحر لا حقيقة له ، وأنهم يتبعون في تكذيبهم بذلك أهواءهم ، وسيعلمون أنه أمر مستقر ، ولقد جاءهم في القرآن من أنباء من قبلهم ما فيه مزدجر وحكمة لهم ؛ ثم أمر النبي (ص) أن يتولى عنهم لأنهم لا يتبعون إلا أهواءهم ، وأخذ السياق في تهديدهم بذلك اليوم الذي اقترب أجله ، وانتقل هذا السياق من تهديدهم بهذا الى تهديدهم بما حصل لمن كذّب قبلهم ، ففصّل في هذا ما أجمل في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)). وذكر السياق ما حصل لقوم نوح ، وما حصل لعاد ، وما حصل لثمود ، وما حصل لقوم لوط ، وما حصل لآل فرعون ، ثم ذكر أنهم ليسوا خيرا من أولئك المكذّبين قبلهم حتى يبقي الله عليهم ، وأنه سبحانه سيهزم جمعهم ويهلكهم ؛ ثم يذيقهم عند قيام الساعة ما هو أدهى وأمرّ ، وقد فصّل ما يحصل لهم فيها ، ما يحصل فيها للمتقين ، ليجمع بهذا بين الترهيب والترغيب ، فقال سبحانه : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥).

٧٢

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «القمر» (١)

أقول : لا يخفى ما في توالي هاتين السورتين من حسن التناسق في التسمية ، لما بين «النجم» و «القمر» من الملابسة. ونظيره توالي «الشمس» و «الليل» و «الضحى» ، وقبلها سورة «الفجر».

ووجه آخر : أن هذه السورة بعد «النجم» «كالأعراف» بعد «الأنعام» ، و «كالصافات» بعد «يس» : إنّها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم في قوله ، تعالى ، هناك : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) (٥٣) [النجم] (٢).

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). جاء تفصيل ذلك على الترتيب ، وزيد عليه ، في سورة القمر ، من قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) [الآية ٩] ، إلى قوله سبحانه (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) (٤٢).

٧٣
٧٤

المبحث الرابع

مكنونات سورة «القمر» (١)

١ ـ (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) [الآية ٦].

هو إسرافيل.

٢ ـ (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١٩).

قال زرّ بن حبيش : يوم الأربعاء.

أخرجه ابن أبي حاتم (٢).

٣ ـ (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) [الآية ٢٩].

هو قدار بن سالف ، ويلقّب بالأحمير.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، تحقيق إياد خالد الطبّاع ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.

(٢). لم تصح الأحاديث الواردة في ذم يوم الأربعاء مطلقا.

٧٥
٧٦

المبحث الخامس

لغة التنزيل في سورة «القمر» (١)

١ ـ قال تعالى : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٥).

أقول : ولو لا خط المصحف لكان الرسم : فما تغني النذر ، بالياء في «تغني». وخطّ المصحف في حذف الياء هذه كان لغرض صوتي ، هو أن المد الطويل الذي تحققه الياء يحدث ضربا من الثّقل ، عند وصل الفعل بالفاعل «النذر». فكأن اتصال الكسرة بضمة النون هو اتصال منسجم ، لا يتحقّق لو رسمت الياء ، فاقتضت ما تستحق من المدّ.

٢ ـ وقال تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) (٦).

في قوله تعالى : (يَدْعُ الدَّاعِ) ، وحذفت الواو من الفعل ، والياء من الاسم لقصر المدّ الذي يقتضيه إحسان وصل الكلمة بالكلمة التي تتلوها ، إحسانا في الأداء لا يتوفّر مع وجود أصوات المدّ.

وقوله تعالى : (نُكُرٍ) ، أي : منكر ، وهو من باب الوصف بالمصدر.

٣ ـ وقال تعالى : (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) [الآية ٢٥].

والأشر : البطر المتكبر.

أقول : وفي لغة المعاصرين يقال : مفترس أشر ، أو طمّاع أشر أي : شديد الشراهة والإقبال على الافتراس والقتل والفتك.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٧٧

٤ ـ وقال تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٣١).

وقوله تعالى : (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) ، أي : الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان ، وتتوطّأه البهائم ، فيتحطّم ويتهشم.

٧٨

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «القمر» (١)

قال : (خُشَّعاً) [الآية ٧] بالنصب على الحال ، أي يخرجون من الأجداث خشعا. وقرأ بعضهم (خاشعا) لأنها صفة مقدّمة فأجراها مجرى الفعل نظيرها : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) [القلم : ٤٣] [والمعارج : ٤٤].

وقال تعالى : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) [الآية ١٩] قرئت : (يوم نحس) على الصفة.

وقال سبحانه : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [الآية ٢٤] بنصب البشر لما وقع عليه حرف الاستفهام ، وقد أسقط الفعل على شيء من سببه.

وقال تعالى : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) بجعل المس يذاق في جواز الكلام ، ويقال : «كيف وجدت طعم الضرب»؟ وهذا مجاز. وأما نصب «كلّ» ، ففي لغة من قال : «عبد الله ضربته» وهو في كلام العرب كثير. وقد رفعت «كلّ» في لغة من رفع ، ورفعت على وجه آخر.

وقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) بجعل دبر واحد للجماعة في اللفظ. ومثل ذلك قوله جل جلاله : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) [ابراهيم : ٤٣].

وقال تعالى : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٥٣) بجعل الخبر واحدا على الكل.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٧٩
٨٠