الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ٩

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الصف» (١)

أقول : في سورة الممتحنة ذكر ، سبحانه ، الجهاد في سبيل الله ، وبسطه في هذه السورة أبلغ بسط.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

٢٤١
٢٤٢

المبحث الرابع

لغة التنزيل في سورة «الصف» (١)

وقال تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٨).

كأنّ أصله : «يريدون أن يطفئوا نور الله» كما جاء في سورة براءة ، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٤٣
٢٤٤

المبحث الخامس

المعاني اللغوية في سورة «الصف» (١)

قال تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) [الآية ٣] أي : كبر مقتكم مقتا ، ثم قال : (أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (٣) أي : قولكم.

وقال : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) [الآية ١٣] أي : وتجارة أخرى

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٤٥
٢٤٦

المبحث السادس

لكل سؤال جواب في سورة «الصف» (١)

إن قيل : ما فائدة (قد) في قوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الآية ٥].

قلنا : فائدتها التأكيد ، كأنه قال : وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه. هذا جواب الزمخشري : وقال غيره : فائدتها التكثير ، لأن (قد) مع الفعل المضارع تارة تأتي للتقليل كقولهم : إن الكذوب قد يصدق ، وتارة تأتي للتكثير كقول الشاعر :

قد أعسف النّازح المجهود معسفة

في ظلّ أخضر يدعو هامة البوم

وإنما يتمدّح بما يكثر وجوده منه ، لا بما يقلّ.

فإن قيل : لم قال عيسى (ع) كما ورد في التنزيل : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الآية ٦] ولم يقل محمّد ، ومحمّد أشهر أسماء النبي (ص)؟

قلنا : إنّما قال أحمد ، لأنّه مذكور في الإنجيل بعبارة تفسيرها أحمد لا محمّد ؛ وإنما كان كذلك ، لأنّ اسمه في السماء أحمد وفي الأرض محمد ، فنزل في الإنجيل اسمه السماوي. وقيل إن أحمد أبلغ في معنى الحمد من محمّد ، من جهة كونه مبنيّا على صيغة التفضيل. وقيل محمّد أبلغ من جهة كونه على صيغة التكثير.

فإن قيل : لم قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٦) ولم يقل

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٤٧

سبحانه هذه ، والمشار إليه البيّنات ، وهي مؤنثة؟

قلنا : معناه هذا الذي جئت به ، فالإشارة إلى المأتيّ به.

فإن قيل : ما وجه صحّة التشبيه ، وظاهره تشبيه كونهم أنصار الله ، بقول عيسى عليه‌السلام كما ورد في التنزيل : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الآية ١٤].

قلنا : التشبيه محمول على المعنى ، تقديره : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصارا لعيسى (ع) حينما قال لهم من أنصاري إلى الله.

٢٤٨

المبحث السابع

المعاني المجازية في سورة «الصف» (١)

في قوله سبحانه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الآية ٥] استعارة. وكنّا أغفلنا الكلام على نظيرها في آل عمران. وهو قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [الآية ٨] لأنّ ذلك أدخل في باب الكلام على الآي المتشابهة ، وأبعد من الكلام على الألفاظ المستعارة. إلّا أنّنا رأينا الإشارة إلى هذا المعنى هاهنا ، لأنّه ممّا يجوز أن يجري في مضمار كتابنا هذا ، فنقول :

إنّ المراد بقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي لا تحمّلنا من التكاليف ما لا طاقة لنا به ، فتزيغ قلوبنا ، أي تميل عن طاعتك ، وتعدل عن طريق مرضاتك ، فتصادفها زائغة ، أو يحكم عليها الزّيغ عند كونها زائغة.

وقد يجوز أن يكون المراد بذلك : أي أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة ، ولا تزيغ عن مناهج الطاعة. وحسن أن يقال : لا تزغ قلوبنا بمعنى الرّغبة في إدامة الألطاف ، لمّا كان إعدام تلك الألطاف في الأكثر يكون عنه زيغ القلوب ، ومواقعة الذنوب.

وأما قوله تعالى في هذه السورة : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، فهو أوضح فيما يذهب إليه من الأول ، لأنه ، سبحانه ، لمّا زاغوا عن الحقّ ، حكم عليهم بالزّيغ عنه ، وحكمه بذلك أن يأمر أولياءه بذمّهم ولعنهم والبراءة منهم ، عقوبة لهم على ذميم فعلهم.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.

٢٤٩

وقد يجوز أن يكون معنى ذلك أنّهم لمّا زاغوا عن الحقّ خذلهم وأبعدهم وخلّاهم واختيارهم ، وأضاف ، سبحانه ، الفعل إلى نفسه من طريق الاتّساع ، لمّا كان وقوع الزّيغ منهم مقابلا لأمره لهم باتّباع الحقّ ، وسلوك الطريق النهج. كما قال تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون : ١١٠] أي وقع نسيانكم لذكري ، في مقابلة أمر أولئك العباد النّاصحين لكم بأن تسلكوا الطريق الأسلم ، وتتّبعوا الدين الأقوم.

٢٥٠

سورة الجمعة

٦٢

٢٥١
٢٥٢

المبحث الأول

أهداف سورة «الجمعة» (١)

سورة الجمعة سورة مدنية ، وآياتها ١١ آية. نزلت بعد سورة يوسف.

وقد عنيت السورة بتربية المسلمين وجمعهم على الحق والإيمان ، ودعوتهم إلى المحافظة على صلاة الجمعة ، والامتناع عن الانشغال بغيرها من اللهو أو البيع ، وقد مهّدت لذلك ببيان أنّ كلّ شيء يسبّح بحمد الله سبحانه. وقد منّ الله ، جل جلاله ، على العرب بإرسال نبيّ الهدى والرّحمة ليرشدهم إلى الخير ، ويأخذ بأيديهم إلى الطهارة والفضيلة. وقارنت السورة بين المسلمين واليهود ، وعيّرت اليهود بإهمالهم تعاليم التوراة وإعراضهم عنها ، وشبّهتهم بالحمار يحمل كتب العلم ولا يفيد منها ، وهو تشبيه رائع معناه أن التوراة بشّرت بنبيّ الله محمد (ص) ، ودعت أهلها إلى الإيمان به ، لكنهم لم ينتفعوا بهداية التوراة ، فحرموا أنفسهم الانتفاع بأبلغ نافع ، مع قرب هذا الانتفاع منهم.

تسلسل أفكار السورة

بدأت السورة بمطلع رائع ، يقرر حقيقة التسبيح المستمرّ يصدر عن كلّ ما في الوجود ، بقوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١).

جاء في تفسير النسفي : «التسبيح إمّا أن يكون تسبيح خلقة ، يعني إذا نظرت الى كلّ شيء دلّتك خلقته على وحدانيّة الله ، سبحانه ، وتنزيهه عن الأشباه ؛ أو

__________________

(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.

٢٥٣

تسبيح معرفة بأن يجعل الله بلطفه في كلّ شيء ما يعرف به الله تعالى وينزّهه ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] ؛ أو تسبيح ضرورة ، بأن يجري الله التسبيح على كلّ جوهر من غير معرفته بذلك».

وبيّنت السورة أن الله قد اختار العرب ليرسل فيهم نبيّ آخر الزمان ، ليطهّرهم ويعلّمهم القرآن والأحكام الشرعية ، وحسن تقدير الأمور بعد أن كانوا في الجاهلية في ضلال وكفر وانحلال [الآية ٢].

وقد وصف جعفر بن أبي طالب ضلال الجاهلية للنجاشي ملك الحبشة ، فقال :

«أيّها الملك ، كنّا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويّ منا الضعيف. فكنّا على ذلك ، حتّى بعث الله إلينا رسولا لنوحّده ولنعبده ، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ؛ وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الامانة ، وصلة الرّحم ، وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء .. ونهانا عن الفواحش وقول الزّور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ؛ وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ؛ وأمرنا بالصلاة ، والزكاة ، والصيام».

لقد اختار الله الجزيرة العربية ، لتحمل رسالة الإصلاح ، وليمتدّ هذا النور الهادي إلى ممالك الفرس والروم ، حيث كانت هذه البلاد العريقة قد انغمست في الترف والانحلال ...

«وبين مظاهر الفساد الشامل ، ولد الرجل الذي وحّد العالم جميعه ، وقد كان اليهود يزعمون أنّهم شعب الله المختار ، وأنّهم هم أولياؤه من دون الناس ، فبيّنت الآيات أنّهم لم يعودوا صالحين لحمل رسالة السماء ؛ فقد أخلدوا إلى الدنيا وكرهوا الموت ، لأنهم لم يقدّموا عملا صالحا ، بل قدّموا الدّسّ والخداع والوقيعة : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) مطّلع عليهم ، وسيجزيهم على عملهم [الآيات ٥ ـ ٨].

والمقطع الأخير من السورة يتحدّث عن صلاة الجمعة ، وهي فريضة أسبوعية يتلاقى المسلمون فيها لتعلّم أمور دينهم ، وتنظيم حياتهم ، وتفقّد

٢٥٤

شؤونهم. وهي وسيلة للعبادة والطاعة ، وصفاء النفس ، وطهارة الروح.

والإسلام دين ودنيا ، عقيدة وسلوك ، شرائع وآداب ، علم وعمل ، عبادة وسيادة.

فإذا انتهت صلاة الجمعة خرج المسلم باحثا عن رزقه ، نشيطا في عمله ؛ فعبادة الله تكون في المسجد بالصلاة ، وتكون خارج المسجد بالتجارة والزراعة وطلب القوت من حلال.

وفي الحديث الصحيح : «إنّ لربّك عليك حقّا ، وإنّ لبدنك عليك حقّا ، وإنّ لزوجك عليك حقّا ، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه».

وكان عراك بن مالك ، إذا صلى الجمعة ، انصرف فوقف على باب المسجد ، فقال : «اللهمّ إنّي أحببت دعوتك ، وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك ، وأنت خير الرازقين».

٢٥٥
٢٥٦

المبحث الثاني ترابط

الآيات في سورة «الجمعة» (١)

تاريخ نزولها ووجه تسميتها

نزلت سورة الجمعة بعد سورة الصفّ ، ونزلت سورة الصف فيما بين صلح الحديبية وغزوة تبوك ، فيكون نزول سورة الجمعة في ذلك التاريخ أيضا ؛ وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم ، لقوله تعالى في الآية التاسعة منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ). وتبلغ آياتها إحدى عشرة آية.

الغرض منها وترتيبها

الغرض من هذه السورة الحثّ على العمل بالعلم ، وتوبيخ من لا يعمل بعلمه من المنافقين واليهود ، ولهذا ـ والله أعلم ـ جعلت هذه السورة بعد سورة الصفّ ، لأنّها توافقها وتوافق السور التي قبلها في هذا السياق.

الحث على العمل بالعلم

الآيات [١ ـ ١١]

قال الله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١) ، فذكر سبحانه تسبيح ذلك له ، وأنه بعث في الأمّيّين رسولا يعلّمهم ويزكّيهم ، ليجمعوا بهذا بين العلم والعمل به. ثمّ ذمّ اليهود الذين يعلمون التوراة ولا يعملون بها ، فجعل مثلهم في حملها وعدم الانتفاع بها ، كمثل الحمار يحمل أسفارا ؛ ثمّ ذكر ، جلّ وعلا ، ما يتّكلون عليه في ترك العمل ، وهو زعمهم أنهم أولياؤه من

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي ، مكتبة الآداب بالجمايز ـ المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة ، القاهرة ، غير مؤرّخ.

٢٥٧

دون الناس ، فلا يؤاخذهم كما يؤاخذ غيرهم ، فأمرهم إن كانوا صادقين في هذا أن يتمنّوا الموت ليثبتوا ما يزعمونه من حسن عاقبتهم ؛ وذكر أنّهم لا يتمنّونه أبدا لخوفهم من أعمالهم ، وأنّه لا بدّ من هذا الموت الذي يفرّون منه لينبئهم بما كانوا يعملون ؛ ثم أمر المنافقين ومن يتباطأ مثلهم عن العمل ، أن يسعوا إلى صلاة الجمعة عند النداء لها ، وأن يتركوا عند سماعهم نداءها ما يتعاطونه من البيع ، فإذا أدّوها خرجوا إلى ما كانوا عليه من أعمال الدنيا ؛ ثمّ ذمّ ما كان يحصل منهم من الخروج قبل أدائها ، عند حضور تجارة أو نحوها ، فقال تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١).

٢٥٨

المبحث الثالث

أسرار ترتيب سورة «الجمعة» (١)

أقول : ظهر لي في وجه اتّصالها بما قبلها : أنه تعالى لمّا ذكر في سورة الصفّ حال موسى (ع) مع قومه ، وأذاهم له ، ناعيا عليهم ذلك (٢) ذكر في هذه السورة حال الرّسول (ص) ، وفضل أمّته ، تشريفا لهم ، ليظهر فضل ما بين الأمّتين ، ولذا لم يعرض فيها لذكر اليهود.

وأيضا لمّا ذكر ، سبحانه ، هناك حكاية عن قول عيسى (ع) : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦]. قال هنا : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢). إشارة إلى أنه (ص) هو الذي بشّر به عيسى (ع). وهذا وجه حسن في الربط.

وأيضا ، لما ختم سبحانه تلك السورة بالأمر بالجهاد ، وسمّاه تجارة ، ختم هذه بالأمر بالجمعة ، وأخبر أنها خير من التجارة الدنيوية.

وأيضا : فتلك سورة الصفّ ، والصفوف تشرع في موضعين : القتال ، والصلاة ، فناسب تعقيب سورة صف القتال بسورة صلاة تستلزم الصف ضرورة ، وهي الجمعة ، لأنّ الجماعة شرط فيها ، دون سائر الصلوات.

فهذه وجوه أربعة فتح الله بها.

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه‍ : ١٩٧٨ م.

(٢). وذلك في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) [الصف : ٥]. وذكر في الصف عن بني إسرائيل : أنهم كذّبوا عيسى ، وكذبوا على الله ، وأرادوا يطفئوا نور الله (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ، في الآيات [٦ ـ ٩]. ثم ذكر هنا تعليل هذا التكذيب بالغباء ، وأبطل حجتهم في أنّهم شعب الله المختار [الآيات ٥ ـ ٧].

٢٥٩
٢٦٠