أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

ذات سمت فحوت مناقب جمة

أعيت عن الاحصاء والتعداد

قس البلاغة في الورى بل لم يقس

كلا بسحبان وقس أياد

ومهذب مزج القلوب بوده

مزج الاله الروح بالاجساد

ذاك الذي شرك الانام بماله

لكن تفرد في هدى ورشاد

فقضى وأنفس زاده التقوى وهل

للمتقين سوى التقى من زاد

لو يفتدى لفديته طوعا بما

ملكت يدي من طارف وتلاد

لكن اذا نفذ القضا فلا ترى

تجدي هنالك فدية من فاد

خنت الذمام وحدت عن نهج الوفا

ان ذقت بعد نواه طعم رقاد

وسلوت مجدي ان سلوت مصابه

حتى ألاقيه بيوم معادي

هل كيف تسكن لوعتي فيه وقد

أمسى رهين جنادل الالحاد

لي كانت الايام أعيادا به

واليوم عاد مراثيا انشادي

أصفيته دون الانام الود اذ

كان الحري ومجده بودادي

لمحته عيني فابتلت كبدي به

ان العيون بلية الاكباد

وعرفت قدر علاه من حساده

اذ تعرف الاشياء بالاضداد

ذخرى ومن حذري عليه كنزته

تحت الثرى عن أعين الاشهاد

أتبعته عند الرحيل مدامعا

تحكي الغوادي أو سيول الوادي

فقضى برغمي قبل أن اقضي به

وطري وأبلغ من علاه مرادي

يرتاح في روض الجنان فؤاده

ومعذب بلظى الجحيم فؤادي

يا ليتما لاقيت حيني قبل ما

ألقاه محمولا على الاعواد

فدى بقية عمره نفسي التي

هي نفسه ففدى المفدى الفادي

من بعد فقدك لا أرى في الدهر لي

عونا على صرف الزمان العادي

لله نعشك مذ سرى ووراءه

أم المعالي بالثبور تنادي

لله قبرك كيف وارى لحده

طودا يفوق علا على الاطواد

٨١

لله رمسك كيف غشى طلعة

سطعت سنا كالكوكب الوقاد

ولقد صفا بك عيشنا زمنا فهل

ذاك الزمان الغض لي بمعاد

كم ذا أقاسي فيك من وجد ومن

نوب تهد الراسيات شداد

أتقلب الليل الطويل كأنني

متوسد وعلاك شوك قتاد

أبكيك يا جم المكارم ما شدت

ورقاء فوق المايس المياد

أبكي ولم أعبأ بلومة عاذل

( اني بواد والعذول بواد )

أفهل ترى لي سلوة في فقد من

هو فاقد الامثال والانداد

هيهات لا أسلو وان طال المدى

من كان في الكرب الشداد عتادي

يا منهل الوراد بل يا روضة

الرواد بل يا كعبة الوفاد

بك كان نادينا يضيء وقد محت

أيدي الزمان ضياء ذاك النادي

كم ذا دهتني الحادثات بفادح

لكن ذا أدهى شجى لفؤادي

وحشدت يا دهر الضغائن لي فما

لك كم تجور على بني الامجاد

أوريت نيران الآسي في مهجة

الصادي أجل فالله بالمرصاد

وسقى ضريحا ضم خير معظم

أبدا مدى الازمان صوب عهاد

ذكر الشيخ آغا بزرك ان الشيخ اليعقوبي الخطيب كان قد ظفر بديوان المترجم له وقد استنسخ منه نسخة كاملة بـ ٣٣٠ صفحة وان النسخة فقدت في جملة ما فقد في سنة ١٣٣٥.

وهكذا انطوت حياة هذا العبقري ولا تزال قصة غرامه أحدوثه السمر في أندية الادب.

ومن شعره يمدح الامام أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام ويستجير به من الوباء :

أيها الخائف المروع قلبا

من وباء أولى فؤادك رعبا

٨٢

لذ بأمن المخوف صنو رسول

الله خير الانام عجما وعربا

واحبس الركب في حمى خير حام

حبست عنده بنو الدهر ركبا

وتمسك بقبره والثم الترب

خضوعا له فبورك تربا

واذا ما خشيت يوما مضيقا

فامتحن حبه تشاهده رحبا

واستثره على الزمان تجده

لك سلما من بعد ما كان حربا

فهو كهف اللاجي ومنتجع الآ

مل والملتجي لمن خاف خطبا

من به تخصب البلاد اذا ما

أمحل العام واشتكى الناس جدبا

وبه تفرج الكروب وهل من

أحد غيره يفرج كربا

يا غياثا لكل داع وغوثا

ما دعاه الصريخ الا ولبى

وغماما سحت غوادي أياد

يه فأزرت بواكف الغيث سكبا

وأبيا يأبى لشيعته الضيم

وأنى والليث للضيم يأبى

كيف تغضي وذي مواليك أضحت

للردى مغنما وللموت نهبا

أو ترضى مولاي حاشاك ترضى

أن يروع الردى لحزبك سربا

أو ينال الزمان بالسوء قوما

أخلصتك الولا وأصفتك حبا

حاش لله أن ترى الخطب يفني

ـ يا أمانا من الردى ـ لك حزبا

ثم تغضي ولا تجير أناسا

عودتهم كفاك في الجدب خصبا

لست أنحو سواه لا وعلاه

ولو أني قطعت اربا فاربا

في حماه أنخت رحلي علما

أن من حل جنبه عز جنبا

لا ولا أختشي هوانا وضيما

وبه قد وثقت بعدا وقربا

وبه أنتضي على الدهر عضبا

ان سطا صرفه وجرد عضبا

وبه أرتجي النجاة من الذنب

وان كنت أعظم الناس ذنبا

وهو حسبي من كل سوء وحسبي

أن أراه ان مسني الدهر حسبا

لست أعبا بالحادثات ومن لا

ذ بآل العبا غدا ليس يعبا

٨٣

وله البيتان المكتوبان في الايوان الذهبي الكاظمي يمدح الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهما‌السلام :

لذ ان دهتك الرزايا

والدهر عيشك نكد

بكاظم الغيظ موسى

وبالجواد محمد

وقال موريا في مدح استاذه السيد حسين بحر العلوم :

نفسي فداء سيد وده

أعددته ذخري لدى النشأتين

لا غرو ان كنت فداء له

فانني ( العباس ) وهو ( الحسين )

وقال وهو من أروع ما قال في الغزل :

عديني وامطلي وعدي عديني

وديني بالصبابة فهي ديني

ومني قبل بينك بالأماني

فان منيتي في أن تبيني

سلي شهب الكواكب عن سهادي

وعن عد الكواكب فاسأليني

صلي دنفا بحبك أوقفته

نواك على شفا جرف المنون

أما وهوى ملكت به قيادي

وليس وراء ذلك من يمين

لأنت أعز من نفسي عليها

ولست أرى لنفسي من قرين

أما لنواكم أمد فيقضى

اذا لم تقض عندكم ديوني

وكنت أظن أن لكم وفاء

لقد خابت لعمر أبي ظنوني

هبوني أن لي ذنبا وما لي

سوى كلفي بكم ذنب هبوني

ألست بكم أكابد كل هول

وأحمل في هواكم كل هون

أصون هواكم والدمع يهمي

دما فيبوح بالسر المصون

وتعذلني العواذل اذ تراني

أكفكف عارض الدمع الهتون

يمينا لا سلوتهم يمينا

وشلت ان سلوتهم يميني

٨٤

جفوني بعد وصلهم وبانوا

فسحي الدمع ويحك يا جفوني

لقد ظعنوا بقلبي يوم راحوا

فها هو بين هاتيك الظعون

فمن لمتيم أصمت حشاه

سهام حواجب وعيون عين

اذا ما عن ذكركم عليه

يكاد يغص بالماء المعين

رهين في يد الاشواق عان

فيالله للعاني الرهين

اذا ما الليل جن بكيت شجوا

وطارحت الحمائم في الغصون

ولو أبقت لي الزفرات صوتا

لأسكت السواجع في الحنين

بنفسي من وفيت لها وخانت

وأين أخو الوفاء من الخؤون

أضن على النسيم يهب وهنا

برياها وما أنا بالضنين

فان أك دونها شرفا فاني

لأحسب هامة العيوق دوني

ومن مثلي بيوم وغى وجود

وأي فتى له حسبي وديني

ومن ذا بالمكارم لي يداني

وهل لي في الاكارم من قرين

وكم لي من مآثر كالدراري

وكم فضل ـ خصصت به ـ مبين

فمن عزم غداة الروع ماض

كحد السيف تحمله يميني

وحلم لا توازنه الرواسي

اذا ما خف ذو الحلم الرزين

وبأس عند معترك المنايا

تقاعس دونه أسد العرين

وجود تخصب الايام منه

اذا ما أمحلت شهب السنين

وعز شامخ الهضبات سام

له الاعيان شاخصة العيون

ولي أدب به الركبان سارت

تزمزم بين زمزم والحجون

أحطت من العلوم بكل فن

بديع والعلوم على فنون

وكم قوم تعاطوها فكانوا

على ظن وكنت على يقين

فها أنا محرز قصب المعالي

وما جاوزت شطر الاربعين

وقال في الغرام :

حبذا العيش بجرعاء الحمى

فلقد كان بها العيش رغيدا

٨٥

لا عدا الغيث رباها فلكم

أنجز الدهر لنا فيها وعودا

ولكم فيها قضينا وطرا

وسحبنا للهوى فيها برودا

يا رعى الله الدمى كم غادرت

من عميد واله القلب عميدا

ولكم قاد هواها سيدا

فغدا يسعى على الرغم مسودا

وبنفسي غادة مهما رنت

أخجلت عين المها عينا وجيدا

ليس بدعا ان أكن عبدا لها

فلها الاحرار تنصاع عهيدا

جرحت ألحاظها الاحشاء مذ

جرحت ألحاظنا منها الخدودا

رصدت كنز لئالي ثغرها

بأفاع أرسلتهن جعودا

وحمت ورد لماها بظبى

من لحاظ تورد الحتف الاسودا

يا مهاة بين سلع والنقى

سلبت رشدي وقد كنت رشيدا

ولقتلي عقدت تيها على

قدها اللدن من الشعر بنودا

ما طبتني البيض لولاها وان

كن عينا قاصرات الطرف غيدا (١)

يا رعاها الله من غادرة

جحدت ودي ولم ترع العهودا

منعت طرفي الكرى من بعد ما

كان من وجنتها يجني الورودا

لو ترى يوم تناءت أدمعي

لرأيت الدر في الخد نضيدا

ما الذي ضرك لو عدت فتى

عد أيام اللقا يا مي عيدا

وتعطفت على ذي أرق

لم تذق بعدك عيناه الهجودا

كم حسود فيك قد أرغمته

فلماذا في أشمت الحسودا

نظمت ما نثرته أدمعي

من لئال كثناياها عقودا

جدت بالنفس وضنت باللقا

فبفيض الدمع يا عيني جودا

يا نزولا بزرود وهم

بحمى القلب وان حلوا زرودا

قد مضت بيضا ليالينا بكم

فغدت بعدكم الايام سودا

__________________

١ ـ أطباه بالتشديد حرفه ودعاه.

٨٦

كنت قبل البين أشكو صدكم

ثم بنتم فتمنيت الصدودا

هل لايام النوى أن تنقضي

ولايام تقضت أن تعودا

أوقد البين بقلبي جذوة

كلما هبت صبا زادت وقودا

عللونا بلقاكم فالحشا

أوشكت بعد نواكم أن تبيدا

واذا عن لقلبي ذكركم

خدد الدمع بخدي خدودا

ناشدوا ريح الصبا عن كلفي

انها كانت لاشواقي بريدا

شد ما كابدت من يوم النوى

انه كان على القلب شديدا

أنا ذاك الصب والعاني الذي

بهواكم لم يزل صبا عميدا

حدت عن نهج الوفا يا مي ان

أنا حاولت عن الحب محيدا

واذا ما أخلق النأي الهوى

فغرامي ليس ينفك جديدا

لم يدع بينكم لي جلدا

ولقد كنت على الدهر جليدا

من عذيري من هوى طل دمي

وصدود جرع القلب صديدا

بي من الاشجان ما لو أنه

بالجبال الشم كادت أن تميدا

لو طلبتم لي مزيدا في الهوى

ما وجدتم فوق ما في مزيدا

ومن غرامياته قوله :

الى م تسر وجدك وهو باد

وتلهج بالسلو وأنت صب

وتخفي فرط حبك خوف واش

وهل يخفى لاهل الحب حب

ولولا الحب لم تك مستهاما

على خديك للعبرات سكب

وان ناحت على الاغصان ورق

يحن الى الرصافة منك قلب

تحن لها وان لحت اللواحي

وتذكرها وان غضبوا فتصبو

وتصبو للغوير وشعب نجد

وغير الصب لا يصبيه شعب

نعم شب الهوى بحشاك نارا

وكم للشوق من نار تشب

تشب ومنزل الاحباب دادن

فهل هي بعد بعد الدار تخبو

أجل بان التجلد يوم بانوا

وأظلم بعدهم شرق وغرب

٨٧

كبا دون السلو جواد عزمي

وعهدي فيه لم يك قط يكبو

فلي من لاعج الزفرات زاد

ولي من ساكب العبرات شرب

وبين القلب والاشجان سلم

وبين النوم والاجفان حرب

وليس هوى المها الا عذاب

ولكن العذاب بهن عذب

لحى الله الحوادث كم رمتني

بقاصمة لها ظهري أجب

كذاك الدهر بالاحرار مزر

كأن للحر عند الدهر ذنب

ولو يجدي العتاب لطال عتبي

ولكن ما على الايام عتب

٨٨

محمد بن عبد الله حرز

المتوفى ١٢٧٧

عج بالطفوف وقل يا ليث غابتها

واذر الدموع وناجي الرسم والتزم

وانح الفرات وسل عن فتية نزلوا

يوم الطفوف على الرمضاء والضرم

ونسوة بعد فقد الصون بارزة

بين الطفوف بفرط الحزن لم تنم

ما بين باكية عبرى ونادبة

تدعو أباها ربيب البيت والحرم

تحنو على السبط شوقا كي تقبله

فلم تجد ملثما فيه لملتثم

والقصيدة تحتوي على ٦٥ بيتا ومطلعها :

قف بالديار وسل عن جيرة الحرم

أهل أقاموا برضوى أم بذي سلم

أم يمموا الصعب قودوا نحو قارعة

ومحنة رسمت في اللوح والقلم

أم قد غدى في لظى الرمضاء ركبهم

نحو الردى والهدى لله من حكم

* * *

جاء في معارف الرجال : الشيخ أبو المكارم محمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حمد الله بن الشيخ محمود حرز الدين المسلمى النجفي ولد في النجف حدود سنة ١١٩٣ هـ ونشأ وقرأ

٨٩

مقدمات العلوم فيها. هو عالم علامة محقق له المآثر الجليلة والخصال الحميدة وكان فقيها أصوليا منطقيا أديبا شاعرا ، ومن مهرة العلماء في العربية والعروض ، حدثنا الفقيه الشيخ ابراهيم الغراوي المتوفى سنة ١٣٠٦ ان المترجم له من أصحاب الفقيه الاجل الشيخ محمد الزريجاوي النجفي والسيد أسد الله الاصفهاني ، سافر الشيخ الى ايران لزيارة الامام الرضا (ع) وفي رجوعه صير طريقه على اصفهان لملاقاة صديقه العالم السيد أسد الله الاصفهاني صاحب الكري في النجف المتوفي سنة ١٢٩٠ وحل ضيفا على السيد فأفضل في اكرامه وتبجيله ونوه باسمه واظهار فضيلته علانية في محافل أصفهان والتمس منه الاقامة في اصفهان على أن يكون مدرسا فلم يؤثر على النجف شيئا وأراه الجامع الذي أحدثه السيد والده بعد قدومه من الحج سنة ١٢٣٠ هـ.

تتلمذ في الفقه على الشيخ علي صاحب الخيارات المتوفى سنة ١٢٥٣ والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر الفقه والاصول. والسيد مهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٠٠ وحضر يسيرا درس الشيخ محمد حسين الكاظمي.

مؤلفاته :

كتاب الحج فقه استدلالي مبسوط جدا يوجد في مكتبتنا بخطه ، وكتاب الحاشية في المنطق على شرح الشمسية بخطه ، والمصباح وهو كتاب جامع في أعمال المساجد الاربعة المعظمة والاوراد والادعية المأثورة وكتاب في الحديث ومقتل يتضمن

٩٠

شهادة الامام الحسين (ع) وأصحابه في واقعة الطف وفيه بعض مرثياته ، ومجموع يشتمل على جملة من مراثيه ومراثي بعض معاصريه كالشيخ عبدالحسين محي الدين والشيخ عبد الحسين الاعسم وفيه عدة قصائد في الغزل والنسيب وكتاب شرح الحديث ـ هو شرح لكتاب أستاذه السيد القزويني شارحا ما نظمه خاله العلامة السيد بحر العلوم من مضمون الحديث ـ قال في المقدمة الحمد لله الذي هدانا الى السبيل بمعرفة البرهان الدليل .. أما بعد فيقول العبد الجاني طالب العفو من الكريم الودود محمد ابن عبدالله بن حمد الله بن محمود حرز الدين المسلمى ، قال في نظم الحديث :

ومشي خير الخلق بابن طاب

يفتح منه أكثر الابواب

وذكر الشيخ في شرحه أربعين بابه بخطه ، وتتلمذ عليه جماعة منهم الشيخ ابراهيم السوداني كما حدثنا عنه السوداني.

توفي في النجف سنة ١٢٧٧ هـ بداره بمحلة المسيل قرب مقبرة الصفا غربي البلد ودفن في وادي السلام بمقبرة آل حرز الدين ولم يخلف سوى بنتين.

وله في رثاء مسلم بن عقيل (ع) :

اللدار أبكي اذ تحمل أهلها

أم السيد السجاد أم أبكي مسلما

همام عليه الكون ألوى عنانه

وخانت به الاقدار لما تقدما

تجمعت الاحزاب تطلب ذحلها

عليه وفيها العلج عدوا تحكما

كأنى به بين الجماهير مفردا

يحطم في الحامين لدنا ولهذما

وقال في تخميس أبيات الجزيني الكناني في مدح زيد بن علي (ع) :

٩١

أبي يرى ان المصاليت والقنا

لديها المعالي في الكريهة تجتنى

تولت حيارى القوم تطلب مأمنا

ولما تردى بالحمائل وانثنى

يصول بأطراف القنا والذوابل

فتى كان لا يهفو حذارا جنانه

وقوع العوالي في الكريهة شانه

ولما انثنى للشوس يعدو حصانه

تبينت الاعداء ان سنانه

يطيل حنين الامهات الثواكل

همام اذا ما القعضبية في اللقا

تحوم تراه في الكتيبة فيلقا

ولما علا ظهر المطهم وارتقى

تبين منه مبسم العز والتقى

وليدا يفدى بين أيدي القوابل

وقال يرثي ولده جعفر وكان شابا بعدة قصائد منها :

علي الدهر بالنكبات صالا

وفاجئني بنكبته اغتيالا

وأوهى جانبي فصار جسمي

لما ألقاه من زمني خلالا

وألم ما لقيت من الرزايا

فراق أحبة خفوا ارتحالا

ومن شأن القروح لها اندمال

وقرحة جعفر تأبى اندمالا

أروم سلوه فتقول نفسي

رويدك لا تسل مني محالا

أراني كلما أبصرت شيئا

تخيل مقلتي منه خيالا

وقد أثبتنا له عدة قصائد في الجزء الثاني من النوادر. انتهى أقول وأورد صاحب ( شعراء الغري ) ترجمته وذكر مراثيه لولده ، أما تتمة هذه القصيدة :

أري أقرانه فتجود عيني

فازجرها فتزداد انهمالا

لو أن الدهر يقنع في فداء

لكان فداؤه نفسا ومالا

فلا والله لا أنساك حتي

أوسد نحو مضجعك الرمالا

٩٢

درويش علي البغدادي

المتوفى ١٢٧٧

عين سحي دما على الاطلال

بربوع عفت لصرف الليالي

قد تولى سعود أنسي بنحس

بعد خسف البدور بعد الكمال

ما لهذا الزمان يطلب بالثارات

ما للزمان عندي ومالي

أين أهل التقى مهابط وحي الله

أين الهداة أهل المعالي

آل بيت الاله خير البرايا

خيرة العالمين هم خير آل

جرعوا من كؤوس حتف المنايا

ورد بيض الضبا وسمر العوالي

ليت شعري وما أرى الدهر يوفي

بذمام لسادة وموالي

غير مجد في ملتي نوح باك

لطلول بمدمع ذي انهمال

بل شجاني ناع أصاب فؤادي

بابن بنت النبي شمس المعالي

كوكب النيرين ريحانة الهادي

النبي الرسول فرع الكمال

بأبي سبط خاتم الرسل اذ صار

يقاسي عظائم الاهوال

لست أنساه وهو فرد ينادي

هل نصير لنا وهل من موالي

لم تجبه عصابة الكفر الا

بقنا الخط أو برشق النبال

وغدى يظهر الدلائل حتى

لم يدع حجة لقيل وقال

وأتته تشن غارة غدر

فسقاها من المواضي الصقال

وهو فرد وهم الوف ولكن

آية السيف يوم وقع النزال

٩٣

بطل يرهب الاسود اذا ما

حكم البيض من رقاب الرجال

وقضى بالطفوف غوث البرايا

فبكائي لفقد غيث النوال

فالسماوات أعولت بنحيب

فهي تبكي بمدمع هطال

وبكى البدر في السماء وحق

أن يرى باكيا لبدر الكمال

فعزيز على البتولة تلقى الراس

منه يسري على العسال

وبنات النبي تهدى الى الشام

أسارى من فوق عجف الجمال

* * *

الشيخ درويش بن علي البغدادي المولود سنة ١٢٢٠ والمتوفى ١٢٧٧ هو الاديب الماهر درويش علي بن حسين بن علي بن احمد البغدادي الحائري كان عالما فاضلا أديبا مطبوعا أحد شعراء القرن الثالث عشر المتفوقين بسائر العلوم الغريبة وكانت له اليد الطولى في تتبع اللغة والتفسير وعلوم الادب والدين وصنف كتبا كثيرة. ذكره جمع من المؤرخين وأرباب السير والتراجم منهم العلامة شيخنا آغا بزرك الطهراني حيث قال : ولد في بغداد حدود سنة ١٢٢٠ ونشأ وترعرع بها وأخذ عن علمائها حتى توفي أبوه وأمه وسائر حماته في الطاعون سنة ١٢٤٦ فسافر الى كربلاء وجالس بها وأخذ عن علمائها حتى صارت الافاضل تشير اليه بالانامل وبرزت له تصانيف مفيدة ... الخ وظهر خلاف واضح في تاريخ مولده وتاريخ نزوحه اذ ذكر صاحب معارف الرجال : انه ولد في الزوراء سنة ١٢٣٠ هـ ونشأ فيها وحضر مقدمات العلوم ومبادئ الفقه فيها وجد في تحصيله حتى صار يحضر عند المدرسين المقدمين وحصل الادب والعلم والكمال وملكة الشعر في الزوراء وفي سنة ١٢٤٨ الذي وقع الطاعون فيها وعم

٩٤

أغلب مدن العراق فقد المترجم أهله كلهم فيه على المعروف بين المعاصرين ثم بعد ذلك هاجر الى كربلاء وأقام فيها وهو ضابط لمقدماته العلمية باتقان فحضر على علمائها الاعلام الفقه والاصول والكلام حتى صار عالما فقيها محققا بارعا. اما البحاثة عباس العزاوي فيؤيد المحقق الشيخ آغا بزرك في تاريخ مولد الشاعر اذ قال : هو ابن حسين البغدادي كان عالما أديبا شاعرا وله : ( غنية الاديب في شرح مغني اللبيب ) لابن هشام في ثلاث مجلدات ولد ببغداد سنة ١٢٢٠ هـ ـ ١٨١٥ م وتوفي في كربلاء سنة ١٢٧٧ هـ ـ ١٨٦٠ م. ورثاه ابنه الشيخ احمد بقصيدتين نشرهما في كتابه كنز الاديب وقد ورد له ذكر في ( شهداء الفضيلة ) وهذا نصه :

كان عالما فقيها متكلما شاعرا طويل الباع في التفسير واللغة وعلوم الادب ولد في حدود ١٢٢٠ وتوفي حدود ١٢٧٧ وله تأليف ممتعة وشعره حسن.

توفي الشاعر بكربلاء عام ١٢٧٧ هـ وقيل سنة ١٢٨٧ هـ ودفن بباب الزينبية عند مشهد الامام الحسين (ع).

وأعقب ولدا فاضلا شاعرا هو الشيخ احمد بن درويش ترك آثارا قيمة أشهرها : الشهاب الثاقب والجوهر الثمين ، وغنية الاديب الذي يقع في ثلاثة أجزاء وقبسات الاشجان في مقتل الحسين (ع) يقع في جزئين مخطوط بمكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل ٣٧٦ / ٢ ومعين الواعظين وبعض الرسائل وأخيرا كتاب ( المزار ) الذي ختمه ببيت شعر قال فيه :

٩٥

سيبقى الخط مني في الكتاب

ويبلى الكف مني في التراب

واضافة الى ما تقدم فان له مجموعة شعرية حوت عدة قصائد قيلت في شتى فنون الشعر وأغراضه.

قال مخمسا قصيدة الفرزدق الميمية في مدح الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع) وأولها :

هذا الذي طيب الباري أرومته

فخرا وأعلا على الجوزاء رتبته

هذا الذي تلت الآيات مدحته

هذا الذي تعرف البطحاء وطاته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن من تعرف التقوى بقربهم

والعلم والدين مقرون بعلمهم

وما السعادة الا قيل حسبهم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

وله راثيا العلامة المولى محمد تقي البرغاني القزويني المعروف بالشهيد الثالث المتوفى سنة ١٢٦٤ هـ :

فلا غرو في قتل التقي اذا قضى

قضى وهو محمود النقيبة والاصل

له اسوة بالطهر ( حيدرة ) الرضا

وقاتله ضاهى ابن ملجم بالفعل

وقال راثيا الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المتوفى غرة شعبان سنة ١٢٦٦ هـ بقصيدة مطلعها :

هوت من قبات الفخر أعمدة المجد

فأضحت يمين المكرمات بلا زند

٩٦

وغارت بحيرات العلوم وغيبت

شموس النهى والبدر والكوكب السعد

فلا غرو أن تبكي جواهر شخصه

فقد ضيعت في الترب واسطة العقد

ويتضح من المعلومات التي نقبنا عنها ان الشاعر كان مقلا في نظمه وأغراض شعره لا تتعدى الاغراض المألوفة.

وللشيخ درويش علي من قصيدة :

عج بالطفوف وقبل تربة الحرم

ودع تذكر جيران بذي سلم

يا عج وعجل الى أرض الطفوف فقد

أرست على بقع في السهل والأكم

راقت وجاوزت الجوزاء منزلة

كما بمدح حسين راق منتظمي

اخلاقه وعطاياه وطلعته

قد استنارت كضوء النار في الظلم

يكفي حسينا مديح الله حيث أتى

في هل أتى وسبا والنون والقلم

كان الزمان به غضا شبيبته

فعاد ينذرنا من بعد بالهرم

ورأيت في كتابه ( قبسات الاشجان ) كثيرا من شعره في رثاء الامام الحسين (ع) فمن قصيدة يقول في أولها :

هل المحرم لا طالت لياليه

طول المدى حيث قد قامت نواعيه

ما للسرور قد انسدت مذاهبه

وأظلم الكون واسودت نواحيه

فمطلق الدمع لا ينفك مطلقه

جار يروي ثرى البوغاء جاريه

يعزز عليك رسول الله مصرع من

جبريل في المهد قد أضحى يناغيه

وله من قصيدة حسينية :

صروف الدهر شبت في غليلي

وجسمي ذاب من فرط النحول

٩٧

عبد الله الذهبة

المتوفى ١٢٧٧

أين الابا هاشم أين الابا

ما للعلى لم تلف منكم نبا

هذا لوى العليا بلا حامل

أكلكم عن حمله قد أبى

بعد مقام في ذرى يذبل

كيف رضيتم بمقام الربى

ولم تزل ترفع فيكم الى

أن جازت الجوزا بكم منصبا

فما جنت اذ هجرت فيكم

حاشا على العلياء أن تذنبا

قد أصبحت غضبى لما نابكم

وحق يا هاشم ان تغضبا

فالجد الجد لمرضاتها

فكم أنال الطلب المطلبا

القتل القتل فان العلى

لم ترض أو ترضى القنا والضبا

وأضرموا نار وغى لم تقل

لمبعث الناس لظاها خبا

وواصلوا حتى تبيدوا العدى

منكم بأثر المقنب المقنبا

الله يا هاشم في مجدكم

لا يغتدي بين البرايا هبا

الله يا هاشم في شملكم

فقد غدا في الناس ايدي سبا

اين الفخار المشمخر الذي

ناطح منه الاخمص الكوكبا

أين الاغارات التي أرغمت

شانئكم شرق أو غربا

اين غمام لم يكن قلبا

قبل وبرق لم يكن خلبا

كيف وهت عزائم منكم

كادت على الافلاك أن تركبا

وكم غدت أسادكم هاشم

تعدو عليها في شراها الظبا

٩٨

أما أتاكم ما على كربلا

من نبأ منه شباكم نبا

ما جاءكم ان العظيم الذي

على الثريا مجدكم طنبا

وكاشف الارزاء عنكم اذا

دهر بأجناد البلا اجلبا

وذي الايادي الهامرات التي

أضحى بها مجدكم مخصبا

أضحى فريدا في خميس ملا

رحب البسيط الشرق والمغربا

لم يلف منكم من ظهير له

اذ جاوز الخطب بلاغ الزبا

يخوض تيار الوغى ذا حشى

فيه الظما ساعره الهبا

مجاهدا عن شرعة الله من

الى الغوى عن نهجها نكبا

حتى قضى لم يلف من ناصر

بعد لمن عن نصره قد أبى

مقطرا تعدو بأشلائه

برغمكم خيل العدى شزبا

ما أعجب الاقدار فيما أتت

لصفوة الرحمن ما أعجبا

كيف قضت لغالب الموت من

عن نابه كشر أن يغلبا

فما بقى الاكوان والموت في

روح البرايا أنشب المخلبا

مضى الى الرحمن في عصبة

لنصره الرحمن قبل اجتبى

قضوا كراما بعد ما ان قضوا

ما الله لابن المصطفى أوجبا

على العرى عارين قد شاركت

في سترها هامي النحور الظبا

وخلفوا عزائز الله من

دون محام للعدى منهبا

غرائبا في هتك أستارها

وخفضها صرف القضى أعربا

تذري على فقدان ساداتها

دمعا كوكاف الحيا صيبا

تحملها العيس على وخدها

تطوي بأثر السبسب السبسبا

تقرعهن الاصبحيات ان

نضو من الاعيا بها قد كبا

يا غضبة الاقدار هبي فقد

أن الى الاقدار أن تغضبا

ان التي يسدف أستارها

جبريل حسرى في وثاق السبا

٩٩

ومن على أعتابها تخضع الا

ملاك يقفو الموكب الموكبا

خواضع بين العدى لم تجد

من ذلة الاسر لها مهربا

عز على الاملاك والرسل ان

تمسي لابناء الخنا منهبا

تود لو أن الدجى سرمدا

لما عن الرائي لها غيبا

وان بدا الصبح دعت من أسى

يا صبح لا أهلا ولا مرحبا

أبديت يا صبح لنا أوجها

لها جلال الله قد حجبا

تراك قد هانت عليك التي

عن شأنها القرآن قد أعربا

فما جنى يا شمس جان كما

جنيت في حرات آل العبا

الليل يكسوها حذارا على

أوجهها من دجنة الغيهبا

وأنـ تبديها لنظارها

فمن جنى مثلك أو أذنبا

لم لا تواريت بحجب الخفا

للبعث لما آن أن تسلبا

يا هاشم العليا ولا هاشما

الخطب قد أعضل واعصوصبا

ما آن لا بعدا لاسيافكم

من هامر الاوداج ان تشربا

لا عذر أو تجتاح أعداءكم

أراقم المران أو تعطبا

أو تنعل الافراس من هم من

رام على علياك أن يشغبا

جافي عن الاسياف اغمادها

وواصلي بين الطلا والشبا

حتى تبيدي أو تبيدي العدى

الله في ثارك أن يذهبا

ولا تملي من قراع الردى

أو يجمع الشمل الذي شعبا

ما صد أسماعكم عن ندى

زينب والهفا على زينبا

وقد درت أن لا ملب لها

لكن حداها الثكل أن تندبا

تندب واقوماه من هاشم

لنسوة لها السبا اذهبا

هذي بنات الوحي لم تلف من

كل الورى ملجا ولا مهربا

١٠٠