أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

السيد مهدي داود الحلي

المتوفى ١٢٨٩

قال في الحسين عليه‌السلام :

بين البين لوعتي وسهادي

وجرت مقلتي كصوب العهاد

أيها المدلجون باله ريضوا

عن سراكم سويعة لفؤادي

أنقضتم عهود ودي كما قد

نقضوا للحسين حق الوداد

مفردا لم يجد له من نصير

غير صحب بسيرة الاعداد

هم أسود العرين في الحرب لكن

نابهم في الهياج سمر الصعاد

قد ثنوا خيلهم شوازب تعدو

تسبق الريح في مجاري الطراد

وعلا في هياجهم ليل نقع

لا يرى فيه غير ومض الحداد

فدنا منهم القضا فتهاووا

جثما عن متون تلك الجياد

وبقى ثابت الجلاد وحيدا

بين أهل الضلال والالحاد

مستغيثا ولم يجد من مغيث

غير رمح وصارم وجواد

جزر الكفر حطم السمر فل

البيض لف الاجناد بالاجناد

يا لقومي لفادح ألبس الدين

ثياب الاسى ليوم المعاد

كم نفوس أبية رأت الموت

لديها كموسم الاعياد

هي عزت عن أن تسام بضيم

فأسيلت على الظبا والصعاد

وصدور حوت علوم رسول الله

أضحت مغارة للجياد

٢٠١

أبو داود العالم الاديب السيد مهدي بن داود بن سليمان الكبير ، ميلاده في الحلة سنة ١٢٢٢ ونشأ بها نشأة صالحة على أخيه السيد سليمان الصغير وجد واجتهد ودرس اللغة وآدابها واستقصى دواوين العرب وتواريخهم وأيامهم حتى أصبح مرجعا ومنهلا يستقي منه رواد الادب ، ونهض بأعباء الزعامة الدينية والادبية التي كان يقوم بها أعلام أسرته من قبله ، ودرس الفقه على العلامة صاحب ( أنوار الفقاهة ) ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ يوم كان مقيما بالحلة ـ ثم هاجر الى النجف فحضر في الدروس الفقهية على الشيخ صاحب ( الجواهر ) وقد رثى أستاذيه المذكورين بقصيدتين كلتاهما في ديوانه المخطوط.

جاء في ( البابليات ) عند ترجمته ما يلي :

كان من النسك والورع والتقى على جانب عظيم بحيث يأتم بصلاته كثير من الصلحاء في مسجد خاص ملاصق لداره في الحلة يعرف بمسجد « أبو حواض » لوجود حوض ماء كبير فيه وكان هذا المسجد كمدرسة أدبية لتلاميذه الذين يستفيدون منه وهم جماعة من مشاهير أدباء الفيحاء وهم بين من عاصرناهم أو قاربنا عصرهم كالشيخ حسن مصبح والشيخ حمادي الكواز والشيخ حسون بن عبدالله والشيخ علي عوض والشيخ محمد الملا والشيخ علي بن قاسم والشيخ حمادي نوح الذي طالما عبر عنه في ديوانه المخطوط بقوله : ـ سيدنا الاستاذ الاعظم ـ وقد وجه المترجم أكبر عنايته في التهذيب دون هؤلاء لابن أخيه وربيب حجره الشاعر المفلق السيد حيدر فانه مات أبوه وهو طفل صغير فكفله هذا العم العطوف فكان له أبا ومهذبا كما صرح بذلك في قصيدته التي رثاه فيها وقلما يوجد مثلها في مراثيه ومطلعها :

٢٠٢

أظبى الردى انصلتي وهاك وريدي

ذهب الزمان بعدتي وعديدي

ومنها :

وأنا الفداء لمن نشأت بظله

والدهر يرمقني بعين حسود

ما زلت وهو علي أحنى من أبي

بألذ عيش في حماه رغيد

ما لي وللايام قوض صرفها

عني عماد رواقي الممدود

وقال في كلمات نثرية صدر فيها تخميسه لقصيدة عمه الدالية في ( العقد المفصل ) ولا غرو ان حذوت مثاله وشابهت أقوالي أقواله فان من حياضه مشربي ومن أدبه كان ادبي فترانا حر يين بقول المؤمل بن أميل الكوفي :

وجئت وراءه تجري حثيثا

وما بك حيث تجري من فتور

وان بلغ الصغير مدى كبير

فقد خلق الصغير من الكبير

له مصنفات في الادب واللغة والتاريخ أحسنها على ما قيل « مصباح الادب الزاهر » وهو الذي يروي عنه ابن أخيه السيد حيدر في كتاب ( العقد المفصل ) ـ ولا وجود له اليوم ـ وله مختارات من شعر شعراء العرب في جزئين ضخمين سلك فيهما طريقة أبي تمام في ديوان الحماسة وقد استفدنا منهما كثيرا يوم كنا في الحلة وكتاب في أنواع البديع وكتاب في تراجم الشعراء المتقدمين ونوادرهم وكأنه لخص فيه تراجم جماعة من شعراء اليتيمة ووفيات ابن خلكان وغيرهما ، رأيت قطعة كبيرة منه بخط الخطيب الاديب القاسم بن محمد الملا نقلها عن نسخة الاصل وديوان شعره الذي لم يكن مجموعا في حياته بل كان في أوراق متفرقة أكثرها بقلم ابن أخيه حيدر وقد جمعها حفيد المترجم

٢٠٣

السيد عبد المطلب بن داود بن المهدي وكلف بنسخها الشيخ مهدي اليعقوبي وجعله في جزئين مرتبين على الحروف ، الاول في مديح ورثاء جماعة من علماء عصره في النجف والحلة ، كآل بحر العلوم وآل كاشف الغطاء وآل القزويني وآل كبه في بغداد ، وقد أورد ابن أخيه كثيرا منه في العقد المفصل و « دمية القصر ـ ـخ ـ » والثاني في مدح ورثاء أجداده الطاهرين (ع) ويقع في « ١٢٨ » صفحة وقد نظم هذا القسم في أيام كبره وأتلف ما قاله من الشعر في أواسط حياته في بعض الناس وقد رأيت له مقطوعة يتأسف فيها على ما فرط به من مديح ورثاء لغير آل الرسول (ص) ممن لا يضاهيه في السؤدد ولا يساويه في شرف المحتد ، منها قوله :

فوا خجلتي منكم أفي الشيب مذودي

لغيركم جيد المدايح لافت

أأمدح من دوني ومجدي مجده

من الارض حيث الفرقدين التفاوت

وفرعي من أعلى أرومة هاشم

على شرف المجد المؤثل نابت

والى ما قاله في أهل البيت (ع) أشار ابن أخيه في العقد المفصل حيث قال عن عمه المذكور ما لفظه : أوصى الي في بعض قصائد كان نظمها في مدح جده وعترته أن أجعلها معه في كفنه ا هـ وألمح الى ذلك في مرثيته لعمه بقوله :

وأرى القريض وان ملكت زمامه

وجريت في أمد اليه بعيد

لم ترض منه غير ما ألزمته

من مدح جدك طائرا في الجيد

وفيه تلميح الى قوله تعالى : « وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه » وقد أثبت بعض مراثيه الحسينية سيدنا العلامة الامين في

٢٠٤

( الدر النضيد ).

وهذه نماذج من شعره :

قال من قصيدة في مدح المرحوم الحاج محمد صالح كبه :

نسيم الصبا استنشقت منك شذا الند

فهل سرت مجتازا على دمنتي هند

فذكرتني نجدا وما كنت ناسيا

ليال سرقناها من الدهر في جعد

ليال قصيرات ويا ليت عمرها

يمد بعمري فهو غاية ما عندي

بها طلعت شمس النهار فلفها

ظلامان من ليل ومن فاحم بعد

قد اختلست منها عيوني نظرة

أرتني لهيب النار في جنة الخلد

وفي وجنتيها حمرة شك ناظري

أمن دم قلبي لونها أم من الورد

وفي نحرها عقد توهمت ثغرها

لآلأه نظمن من ذلك العقد

وما كنت أدري ما المدام وانما

عرفت مذاق الراح من ريقها الشهد

وقبل اهتزاز القد ما هزة القنا

وقبل حسام اللحظ ما الصارم الهندي

ومن قربها مالت برأسي نشوة

صحوت بها يا مي من سكرة البعد

وان زال سكر البعد من سكر قربها

فلا طب حتى يدفع الضد بالضد

تعشقتها طفلا وكهلا وأشيبا

وهما عرته رعشة الرأس والقد

ولم تدر ليلى أنني كلف بها

وقلبي من نار الصبابة في وقد

وما علمت من كتم حبي لمن بكت

جفوني ولا قلبي لمن ذاب في الوجد

فأذكر سعدى والغرام بزينب

وأدفع في هند ومية عن دعد

وان قلت شوقي باللوى فبحاجر

أو المنحنى فاعلم حننت على نجد

وما ولعت نفسي بشيء من الذي

ذكرت ولكن تعلما لنفس ما قصدي

وليس الفتى ذوالحزم من راح سره

تناقله الافواه للحر والعبد

٢٠٥

وله يهنيء الحاج محمد صالح كبة في عرس ولده المصطفى :

أتتك ومنها الشمس في الوجه تشرق

ونشر الخزامي في الغلائل يعبق

رشيقة قد في سهام لحاظها

حشا صبها عن قوس حاجب ترشق

ولم تشبه الاغصان قامة قدها

وأنى ومنها قد مية أرشق

وليس التي بالماء يورق غصنها

كمن هو من ماء الشبيبة مورق

لقد فضحت في عينها جؤذر النقا

وان هي في عينيه تدنو وترمق

تميس وقرطاها قليقان والحشا

على وفق قرطيها من الشوق يخفق

وله :

وكم ذي معال بات يخفض نفسه

فأضحى وعن عليائه النسر يقصر

تصاغر حتى عاد يكبر قدره

ويكبر قدر المرء من حيث يصغر

وله :

اقطع هديت علائق النفس

أتعيش في أمل الى الرمس

تمسي وتأمل في الصباح ترى

خيرا فتصبح مثلما تمسي

وله :

كم تقي للخلق يظهر نسكا

ولباري النفوس في السر عاص

فهو في نسكه تظن أبا ذر

وعند التحقيق فابن العاصى

أجاب المترجم له داعي ربه في الرابع من محرم الحرام أول سنة ١٢٨٩ هـ في الحلة ونقل الى النجف الاشرف كما أرخ ذلك تلميذه الشيخ محمد الملا في آخر مرثية له بقوله :

وحين مضى جاء تاريخه

مضى عجلا لجنان النعيم

ومن هنا يتحقق ان ما نشرناه في « العرفان » وما نقله عنه

٢٠٦

الزركلي في « الاعلام » من ان وفاته سنة ١٢٨٧ كان سهوا. والى وفاته في المحرم يشير ابن أخيه السيد حيدر في مرثيته له :

فكأنما أضلاع هاشم لم يكن

أبدا لها عهد بقلب جليد

لم تقض ثكل عميدها بمحرم

الا وأردفها بثكل عميد

يبكي عليه الدين بالعين التي

بكت الحسين أباه خير شهيد

ان يختلط رزءاهما فكلاهما

قصما قرى الايمان والتوحيد

أبه نعى الناعي لها عمرو العلى

أم شيبة الحمد انطوى بصعيد

ورثاه عامة شعراء الحلة الذين شهدوا يومه بعدة قصائد أشهرها قصيدة الشاعر المجيد المتوفى بعده بعام واحد الشيخ صالح الكواز حيث يقول :

تعاليت قدرا أن تكون لك الفدا

نفوس الورى طرا مسودا وسيدا

وكيف تفدى في زمان ولم يكن

لدينا به الذبح العظيم فتفتدى

فقل لقريش تخلع الصبر دهشة

وتلبس ثوبا للمصيبة أسودا

وتصفق جذا الراحتين بمثلها

وتغضي على الاقذاء طرفا مسهدا

لقد عمها الرزء الذي جدد الاسى

عليها بما خص النبي محمدا

فان أبا داود عاجله الردى

وكان الذي ينتاشنا من يد الردى

حذا حذو آباه الألى أسسوا العلى

فوطد من فوق الاساس وشيدا

اذا لبس الدنيا الرجال فانه

لعمري منها شذ ما قد تجردا

فوالله ما ضلت عليه طريقها

ولو شاء من أي النواحي لها اهتدى

فما مالت الايام فيه بشهوة

وما ملكت منه الدنية مقودا

اذا ما توسمت الرجال رأيته

أقلهم مالا وأكثرهم ندى

فلله ذاك الطود ماذا أزاله

ولله ذاك النور من كان أخمدا

٢٠٧

وجاء في شعراء الحلة للخاقاني السيد مهدي بن السيد داود بن السيد سلمان الكبير الحلي. أشهر مشاهير شعراء عصره ، نشأ على أخيه السيد سلمان الصغير المتوفى ١٢٤٧.

له آثار قيمة توجد في الحلة عند حفيده السيد هادي بن السيد حمزة ومن بينها ديوانه ويقع في جزئين ، ونسخة أخرى من ديوانه عند الخطيب الشيخ مهدي الشيخ يعقوب جمعة سنة ١٣٢٩ رأيته بخطه ، وقد جاء في أول الجزء الاول قوله في رثاء كريمة الحاج محمد صالح كبه :

من بكى الخدر والتقى والحياء

هل قضت معدن التقى حواء

وعلى ذي الاعواد آسية تحمل

أم تلك مريم العذراء

وجاء في أول الثاني قوله في رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) :

سقت من رقاب لوى دماءا

أمية في قضبها كربلاءا

وفي أرضها نثرت منهم

نجوما ففاقت بهن السماءا

وفي الطف في بيضها جدلت

أماجد من حزبهم نجباءا

وترجم له السيد الامين في أعيان الشيعة وسماه بـ ( السيد داود الحسيني الحلي ) ، وقال في جزء ٣٠ من الاعيان : هو من الطائفة التي منها السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ، ولم يمكننا الان تحقيق ذلك ولا معرفة شيء من أحواله سوى أنه أديب شاعر ، وعثرنا من شعره على قصيدة في رثاء الحسين عليه‌السلام من جملتها :

ما ان أثار لحربه

في كربلا ظلما قتامه

٢٠٨

ثم استدرك في جزء ٣١ فقال : وعلمنا بعد ذلك انه عم السيد حيدر الحلي ، فاذا هو السيد داود بن سليمان بن داود بن حيدر.

أقول والصحيح كما ذكرنا سابقا فهو السيد مهدي بن السيد داود بن سليمان الكبير. وديوانه يضم مختلف ألوان الشعر وعدة قصائد في الامام الحسين (ع) فمنها ما وسعنا تدوينها :

قف بين أجراع الطفوف

وانحب أسى بدم ذروف

في عرصة فيها ابن فا

طمة غدا نهب الحتوف

في ثلة من آل عدنان

ذوي الشرف المنيف

الضاربين على الطريق

قبابهم لقرى الضيوف

والمانعين ذمارهم

بالقضب في اليوم المخوف

وبدور مجد نور فخـ

ـرهم على القمرين موفي

بيض الوجوه وفي الوغى

حمر الأسنة والسيوف

من دأبهم يوم اللقا

جزر الكتائب والصفوف

بأبي كراما من ذؤا

بة هاشم شم الانوف

عكفوا بقضبهم على

قوم على العزى عكوف

وحموا ببيض ظبا الموا

ضي بيضة الدين الحنيف

شربوا على ظمأ دوين

السبط كاسات الحتوف

وبقى حليف المجد غيـ

ـر العضب لم ير من حليف

يلقى الصفوف كملتقا

ه باسما زمر الضيوف

فترى السيوف به تطير

مع السواعد والكفوف

حتى اذا حم القضا

فهوى وغودر بالخسوف

وغدت هنالك زينب

تدعوه عن كبد لهيف

٢٠٩

ومن مراثيه :

بأبي من بكت عليه السماء

ونعته الاملاك والانبياء

واستثارت في الكون حين هوى

في الترب ريح لاجله سوداء

يا لحى الله عصبة قد أريقت

بظباها من آل طه دماء

ما وفت عهد خاتم الرسل فيهم

كيف يرجى من اللئام الوفاء

هي من يوم حرب بدر وأحد

زرعت في قلوبها الشحناء

فقضى ظاميا لدى الماء حتى

ود من أجله يغور الماء

حوله من بني أبيه ومن أصـ

ـحابه الغر معشر نجباء

بذلوا دونه نفوسا عزيزات

بيوم قد عز فيه الفداء

بأبي أنفسا على السمر سالت

حذرا أن يسؤهن قماء

ووجوها تعفرت بثرى الغبـ

ـرا وكانت تجلى بها الغماء

وأكفا تقطعت وهي يوم الـ

ـمحل للخلق ديمة وطفاء

وصدورا عدت عليها العوادي

وهي للعلم عيبة ووعاء

يا لها وقعة لها رجت الغبـ

ـرا ومالت من عظمها الخضراء

ليس تسلى بيدى الزمان كأن في

كل يوم يمر عاشوراء

يا بن بنت النبي أنتم رجائي

يوم نشر الورى ونعم الرجاء

فاشفعوا لي اني مسيء وأنتم

لمواليكم غدا شفعاء

وعليكم من الاله صلاة

وسلام ما حنت الورقاء

ونكتفي عن ذكر البقية من قصائده الحسينية بذكر مطالعها :

١ ـ خطب دهى مضر الحمرا وهاشمها

وفل في مرهفات الموت صارمها

٢ ـ سلب الردى من رأس فهر تاجها

قسرا وأطفأ في الطفوف سراجها

٢٥ بيتا.

٢١٠

٣ ـ بنو العواتك قاست أعظم النوب

بكربلا من بني حمالة الحطب

٤٧ بيتا.

٤ ـ أحادي طلاح النازحين الى متى

يجوب الفيافي خلف ظعنكم القلب

١٩ بيتا.

٥ ـ أفلت لهاشم بالطفوف كواكب

وتحطمت منها قنا وقواضب

٣٠ بيتا

٦ ـ ان كنت لا تبكين حزنا

كفي الملام عن المعنى

٥٣ بيتا

٧ ـ أصبو الى آرام رامه

وأؤم مشتاقا أمامه

٩٩ بيتا.

٢١١

عباس القصاب

كان حيا عام ١٢٨٩

ترجم له الاديب المعاصر السيد سلمان هادي الطعمة في شعراء كربلاء ، قال : وكان يعمل قصابا ومن انتباهه تاريخ نظمه في خزان ماء الروضة الحسينية بأمر من والدة السلطان عبدالمجيد خان العثماني عام ١٢٨٢ هـ ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني الشريف. قال :

سلسبيل قد أتى تاريخه

اشرب الماء ولا تنس الحسين

أقول : سبق وأن ترجمنا في هذه الموسوعة لأبي الحسين الجزار المتوفى ٦٧٢ هـ وهذا هو الجزار الثاني الذي فجر قريحته بالشعر حب الامام الحسين عليه‌السلام ولا عجب فالحسين بنهضته المباركة ألهب العواطف وشحذ القرائح فأنارت بالشعر والادب.

٢١٢

الشيخ صالح الكواز

المتوفى ١٢٩٠

باسم الحسين دعا نعاء نعاء

فنعى الحياة لسائر الاحياء

وقضى الهلاك على النفوس وانما

بقيت ليبقى الحزن في الاحشاء

يوم به الاحزان مازجت الحشا

مثل امتزاج الماء بالصهباء

لم أنس اذ ترك المدينة واردا

لا ماء مدين بل نجيع دماء

قد كان موسى والمنية اذ دنت

جاءته ماشية على استحياء

وله تجلى الله جل جلاله

في طور وادي الطف لا سيناء

وهناك خر وكل عضو قد غدا

منه الكليم مكلم الاحشاء

يا أيها النبأ العظيم اليك في

ابناك منى أعظم الانباء

ان اللذين تسرعا يقيانك

الارماح في صفين بالهيجاء

فأخذت في عضديهما تثنيهما

عما أمامك من عظيم بلاء

ذا قاذف كبدأ له قطعا وذا

في كربلاء مقطع الاعضاء

ملقى على وجه الصعيد مجردا

في فتية بيض الوجوه وضاء

تلك الوجوه المشرقات كأنها

الاقمار تسبح في غدير دماء

رقدوا وما مرت بهم سنة الكرى

وغفت جفونهم بلا اغفاء

متوسدين من الصعيد صخوره

متمهدين حرارة الرمضاء

مدثرين بكربلا سلب القنا

مزملين على الربا بدماء

خضبوا وماشابوا وكان خضابهم

بدم من الاوداج لا الحنا

اطفالهم بلغوا الحلوم بقربهم

شوقا الى الهيجاء لا الحسناء

٢١٣

ومغسلين ولا مياه لهم سوى

عبرات ثكلى حرة الاحشاء

أصواتها بحت وهن نوائح

يندبن قتلاهن بالأيماء

أنى التفتن رأين ما يدمي الحشا

من نهب أبيات وسلب رداء

تشكو الهوان لندبها وكأنه

مغض وما فيه من الاغضاء

وتقول عاتبة عليه وما عسى

يجدي عتاب موزع الاشلاء

قد كنت للبعداء أقرب منجد

واليوم أبعدهم عن القرباء

أدعوك من كثب فلم أجد الدعا

الا كما ناديت للمتنائي

قد كنت في الحرم المنيع خبيئة

فاليوم نقع اليعملات خبائي

أسبى ومثلك من يحوط سرادقي

هذا لعمري أعظم البرحاء

ماذا أقول اذا التقيت بشامت

اني سبيت واخوتي بأزائي

حكم المنون عليكم أن تعرضوا

عني وان طرق الهوان فنائي

هذي يتاماكم تلوذ ببعضها

ولكم نساء تلتجي بنساء

ما كنت أحسب ان يهون عليكم

ذلي وتسييري الى الاعداء

عجبا لقلبي وهو يألف حبكم

لم لا يذوب بحرقة الارزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت الى

ماء الفرات ولم تسل في الماء

وألوم نفسي في امتداد بقائها

اذ ليس تفنى قبل يوم فنائي

ما عذر من ذكر الطفوف فلم يمت

حزنا بذكر الطاء قبل الفناء

* * *

الشيخ صالح الكواز هو أبو المهدي بن الحاج حمزة عربي المحتد يرجع في الاصل الى قبيلة ( الخضيرات ) احدى عشائر شمر المعروفة في نجد والعراق ، ولد سنة ١٢٣٣ وتوفي في شوال سنة ١٢٩٠ فيكون عمره ٥٧ سنة ودفن في النجف الاشرف. كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في علمي النحو والادب بخلاف أخيه الاصغر الشيخ حمادي الكواز الذي كان أميا والذي كان

٢١٤

ينظم على الذوق والسليقة ، اما الشيخ صالح فمن عدة نواحي كان يمتاز على أقرانه وأدباء عصره ، كان خفيف شعر العارضين أسمر اللون ، يتعاطى مهنة أبيه وهي بيع ( الكيزان ) والجرار والاواني الخزفية ولذلك اشتهر بالكواز ، ومع رقة حاله وضعف ذات يده يترفع عن التكسب بشعره ، روى الخطيب اليعقوبي رحمه‌الله قال : طلب أحد ذوي الجاه من الشيخ صالح الكواز أن ينظم له أبياتا في رثاء أبيه ويؤرخ فيها عام وفاته لتنقش على صخرة في مقبرة ( مشهد الشمس ) وبذل له على ذلك بتوسط أحد أصدقائه ما يقارب الاربعين ليرة عثمانية فامتنع لعزة نفسه.

وكان يجمع بين الرقة والظرافة والنسك والورع والتقى والصلاح ويأتم به الناس في الصلاة في أحد مساجد الجباويين بالقرب من مرقد أبي الفضائل ابن طاوس وللناس أتم وثوق في الائتمام به ، والشيخ صالح هو الشاعر الوحيد الذي يكثر من التصريح والتلميح الى الحوادث التاريخية في شعره حيث كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في التاريخ والادب ، وقد درس النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان على خاله الشيخ علي العذاري والشيخ حسن الفلوجي والسيد مهدي السيد داود ، وقد تخرج في الفقه وعلوم الدين على العلامة السيد مهدي القزويني. لذا نجد في ثنايا أشعاره ما يستدل على فضله كقوله على اصطلاح أهل المنطق :

شاركنها بعموم الجنس وانفردت

عنهن فيما يخص النوع من نسب

رثاه جملة من فطاحل الشعر والادب وفي مقدمتهم الشاعر الشهير السيد حيدر الحلي بقصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع وأولها :

كل يوم يسومني الدهر ثكلا

ويريني الخطوب شكلا فشكلا

٢١٥

ويقول فيها :

ثكل أم القريض فيك عظيم

ولأم الصلاح أعظم ثكلا

قد لعمري أفنيت عمرك نسكا

وسلخت الزمان فرضا ونفلا

وطويت الايام صبرا عليها

فتساوت عليك حزنا وسهلا

طالما وجهك الكريم على الله

به قوبل الحيا فاستهلا

ورثاه الخطيب الاديب الشيخ محمد المعروف بـ ( الملا ) بقصيدة أولها :

قالوا تعز فقلت أين عزائي

والبين أصمى سهمه أحشائي

وفيها يقول :

ذهب الردى منه بنفس مكرم

ومنزه عن ريبة ورياء

يبكيك مسجدك الذي هو لم يزل

لك في صلاة مزهرا ودعاء

أعقب المترجم له ثلاثة أولاد : هم الشيخ مهدي والشيخ عبد الله وعبد الحسين وان الولد الثالث أصغر اخوته وقد وكل أبوه أمر تربيته وتهذيبه وتعليمه القرآن للمرحوم الشيخ محمد الملا الذي كانت تلاميذه تجتمع اليه في جامع ملاصق لداره ، وصادف أن تأخر ابن الكواز عن الحضور لمرض طرأ عليه ، فكتب أبوه الكواز للمؤدب رقعة وأرسلها مع الولد وهذا نصها :

كان عبدك مريضا وليس على المريض حرج ، وهذا تكليف رفعه الله عنه فارفع تكليفك عنه ، وضع العفو مكان العصا. فأجابه الشيخ الملا وذلك سنة ١٢٨٥ :

أصالح انا قد أردنا صلاح من

أراد بطول البعد عنا تخلصا

فان العصا كانت دواه واننا

رفعنا العصا عنه وان كان قد عصى

٢١٦

شاعرية الكواز :

سئل الحاج جواد بذقت ـ أبرع شعراء كربلاء المشهورين في عصر الكواز ـ عن أشعر من رثى الامام الحسين عليه‌السلام ، فقال أشعرهم من شبه الحسين بنبيين من أولى العزم في بيت واحد وهو الشيخ صالح الكواز بقوله :

كأن جسمك موسى مذ هوى صعقا

وأن رأسك روح الله مذ رفعا

ان المحافل الحسينية ترتاح وتطرب لشعر الكواز وله المكانة المرموقة في الاوساط الادبية والدينية لما أودع فيه من الفن والصناعة والوقائع التاريخية الذي قل من جاراه فيها من أدباء عصره مضافا الى ما فيه من رصانة التركيب والنظم العجيب والرقة والسلاسة والدقة في المعاني والابداع في التصوير واليك بعض الشواهد على ذلك من قصائده المتفرقة :

لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب

لصرع نصب عيني لا الدم الكذب

وتحتوي هذه القصيدة على ٤٠ بيتا ولم يخل بيت واحد منها من اشارة الى قصة تاريخية أو نكتة بديعية أو صناعة بيانية أو أدبية. ويقول في أخرى :

وهل تؤمن الدنيا التي هي أنزلت

سليمان من فوق البناء المحلق

ولا سد فيها السد عمن أقامه

طريق الردى يوما ولا رد ما لقى

مضى من ( قصي ) من غدت لمضيه

كوجه ( قصير ) شانه جذع منشق

ومن أخرى في شهداء كربلاء :

تأسى بهم آل الزبير فذللت

لمصعب في الهيجا ظهور المصاعب

ولولاهم آل المهلب لم تمت

لدى واسط موت الابي المحارب

وزيد وقد كان الاباء سجية

لآبائه الغر الكرام الاطائب

٢١٧

كأن عليه ألقي الشبح الذي

تشكل فيه شبه عيسى لصالب

وقوله في قصيدة ثالثة :

ولو لم تنم أجفان عمرو بن كاهل

لما نالت النمران منه منالها

وقوله من مرثية في أهل البيت عليهم‌السلام :

وقفوا معي حتى اذا ما استيأسوا

( خلصوا نجيا ) بعد ما تركوني

فكأن يوسف في الديار محكم

وكأنني بصراعه اتهموني

وفيها يقول :

نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها

كالنون ينبذ في العرا ( ذاالنون )

فتخال كلا ثم يونس فوقه

شجر القنا بدلا عن اليقطين

ومن حكمياته :

ولربما فرح الفتى في نيله

أربا خلعن عليه ثوب حزين

واذا أذل الله قوما أبصروا

طرق الهداية ضلة في الدين

وحين نظم هذه العصماء في أهل البيت عليهم‌السلام ومطلعها :

هل بعد موقفنا على يبرين

أحيا بطرف بالدموع ضنين

جاراه جماعة من فحول عصره وزنا وقافية منهم الشيخ محسن أبو الحب بقصيدة أولها :

ان كنت مشفقة علي دعيني

ما زال لومك بالهوى يغريني

ومنهم الشيخ سالم الطريحي بقصيدته التي يرثي بها الحسين عليه‌السلام وأولها :

أبدار وجرة أم على جيرون

عقلوا خفاف ركائب وضعون

وقالوا ان الكواز دون شعره وشعر أخيه الشيخ حمادي في

٢١٨

مجلد واحد وأسماه ( الفرقدان ) وأخيرا جمع الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي أكثر شعره وحققه ونشره وذلك في سنة ١٣٨٤ هـ.

ومن ملحه ونوادره هذه الابيات التي أنشدها للمرحوم السيد ميرزا جعفر القزويني :

بأبي الذي مهما شكوت وداده

طلب الشهود وذاك منه مليح

قلت الدموع فقال لي مقذوفة

قلت الفؤاد فقال لي ( مجروح )

قلت اللسان فقال لي متلجلج

والجسم قلت ، فقال ليس صحيح

فقال له السيد : احسنت ولكن يجب أن تكون القافية ( صحيح ) منصوبة لانها خبر ليس ، والجسم المتقدم اسمها فقال الكواز قد قلت قبل مولاي ( ليس صحيح ) ثم غيرها حالا فقال ( والجسم قلت فقال ذاك صحيح ).

وله :

وربة ضبية من آل موسى

أرتنى باللحاظ عصى أبيها

وغرتها تفوق سنى الدراري

كأن يمينه البيضاء فيها

وله :

الطرف يزعم لولا القلب ما رمقا

والقلب يزعم لولا الطرف ما عشقا

هذا يطالب في لب له احترقا

وذا بطالب في دمع له اندفقا

ما بين هذا وهذا قد وهي جلدي

من أدعي وهما بالقول ما اتفقا

وقال في صدر قصيدة :

حباني بأزاع الشراب تكرما

فوالله ما آثرت خمرا على اللمى

وما الخمر الا مقلتاه وريقه

أعند وجود الماء أبغي التيمما

٢١٩

وقوله مهنئا العلامة الكبير السيد مهدي القزويني طاب ثراه بابلاله من مرض :

سر يوما شانيك واغتم دهرا

رب حلو لطاعم عاد مرا

كاش سر لعقة الكلب أنفا

ثم في غمه القديم استمرا

ضحك الدهر منه اذ طال تيها

بسرور كصحوة الموت عمرا

وقوله في الشيب :

قلبي خزانة كل علم كان في عصر الشباب فأتى المشيب فكدت أنسى فيه فاتحة الكتاب ويخاطب المجتهد الكبير الشيخ مرتضى الانصاري :

فيا راضيا دهره باليسير

ولا شيء فيه عليه عسير

أراك سليمان في ملكه

وسلمان اذ لا تعاف الحصير

وقال مفتخرا في مساجلة شعرية :

ولو كان لبسى قدر نفسي لأصبحت

تحاك ثيابي من جناح الملائك

ولو كان فيما استحق مجالسي

نصبن على هام السماء أرائكي

واليكم هذه الروائع من شعر الكواز وهي في رثاء أهل البيت وتخص الامام الحسين (ع) وهناك ما يوازنها متانة ولطافة.

من رثائه للامام الحسين (ع) ويذكر في آخرها الشهيد زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام :

أغابات أسد أم بروج كواكب

أم الطف فيه استشهدت آل غالب

ونشر الخزامى سار تحمله الصبا

أم الطيب من مثوى الكرام الاطائب

٢٢٠